محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨
النعت ، لأن الضمير لا يوصف ، وليس بمبتدأ حقيقة ، إذ لو كان كذلك لم ينتصب ما بعده في نحو : ظننت زيدا هو القائم ، وكنت أنت القائم ؛
ثم لمّا كان الغرض المهم من الإتيان بالفصل : ما ذكرنا ، أي دفع التباس الخبر الذي بعده بالوصف ، وهذا هو معنى الحرف ، أعني إفادة المعنى في غيره ، صار حرفا ، وانخلع عنه لباس الاسمية ، فلزم صيغة معيّنة ، أي صيغة الضمير المرفوع ، وإن تغيّر ما بعده عن الرفع إلى النصب ، كما ذكرنا (١) ، لأن الحروف عديمة التصرف ، لكنه بقي فيه تصرف واحد كان فيه حالة الاسمية ، أعني كونه مفردا ومثنى ومجموعا ومذكرا ومؤنثا ، ومتكلما ومخاطبا وغائبا ، لعدم عراقته في الحرفية ؛
ومثله كاف الخطاب (٢) في هذا التصرف ، لما تجرّد عن معنى الاسمية ودخله معنى الحرفية ، أي إفادته (٣) في غيره ، وتلك الفائدة كون اسم الإشارة الذي قبله مخاطبا به واحد أو مثنى أو مجموع ، مذكر أو مؤنث ، فإنه صار حرفا مع بقاء التصرف المذكور فيه ؛
فإن قلت : فلنا أسماء كثيرة مفيدة للمعنى في غيرها ، كالأسماء الاستفهامية والشرطية ، مع بقائها على الاسمية ، فهلّا كان الفصل وكاف الخطاب كذلك؟
قلت : بينهما فرق ، وذلك أن أسماء الاستفهام والشرط دالّة على معنى في أنفسها ، ودالة على معنى في غيرها ؛ والفصل وكاف الخطاب الحرفية ، لا يدلّان إلا على معنى في غيرهما ، وقد تقدم في حد الاسم : أن الحدّ الصحيح للحرف ، أن يقال : هو الذي لا يدل إلا على معنى في غيره ، ولا يقال : هو ما دلّ على معنى في غيره (٤) ؛
واعلم أنه إنما تتعيّن فصلية (٥) الصيغة المذكورة ، إذا كانت بعد اسم ظاهر وكان ما
__________________
(١) كما إذا وقع بعد مبتدأ منسوخ ،
(٢) أي اللاحقة لاسم الإشارة كما سيشير إلى ذلك ؛
(٣) أي كونه مفيدا معنى في غيره ، والعبارة هكذا وردت في الأصل المطبوع ؛
(٤) أيّد الرضي في تعريف الاسم القول بهذا التعريف للحرف. انظر ص ٤١ من الجزء الأول ،
(٥) أي كونها فصلا.
بعدها منصوبا ، نحو : كان زيد هو المنطلق ، أو إذا دخلها لام الابتداء وانتصب ما بعدها وإن كانت بعد مضمر ، نحو : إن كنت لأنت الكريم ، وذلك لأنها إذا كانت بعد مضمر بلا لام ابتداء جاز كونها تأكيدا لذلك الضمير ، نحو : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(١) ، فإنه قد يؤكد المتصل بالمنفصل المرفوع ، كما مرّ في باب التأكيد ، وأمّا إذا كانت بعد ظاهر وانتصب ما بعدها فإنها لا تكون تأكيدا ، لأن المظهر لا يؤكد بالمضمر ، ولا تكون مبتدأة ، لانتصاب ما بعدها ، وكذا إذا دخلها لام الابتداء مع انتصاب ما بعدها ، فإنه لا تدخل لام الابتداء على التأكيد ، ولا تكون مبتدأة لانتصاب ما بعدها ؛
وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٢) ، يحتمل أن يكون مبتدأ وفصلا ، ولا يجوز كونه تأكيدا لأجل اللام كما ذكرنا ؛
قوله : «ولا موضع له عند الخليل» ، الأظهر عند البصريين أنه اسم ملغى لا محل له بمنزلة «ما» إذا ألغيت في نحو «إنما» ، ولهذا قال الخليل : (٣) والله إنه لعظيم ... ، ولما ذكرنا قبل من طرءان (٤) معنى الحرفية عليه ؛
والكوفيون يجعلون له محلا من الإعراب ، ويقولون : هو تأكيد لما قبله ، فإن ضمير المرفوع قد يؤكد به المنصوب والمجرور ، كما مر في باب التأكيد نحو : ضربتك أنت ومررت بك أنت ؛
ويرد عليهم أن المضمر لا يؤكد به المظهر فلا يقال : جاءني زيد هو ، على أن الضمير لزيد ، ونحن نقول : إن زيدا هو القائم ، ويرد عليهم أيضا ، ان اللام الداخلة في خبر «إنّ» ، لا تدخل في تأكيد الاسم ، فلا يقال : إن زيدا لنفسه كريم ؛
__________________
(١) من الآية ١٦ سورة القصص وتقدمت في هذا البحث.
(٢) الآية ٨٧ من سورة هود وتقدمت قريبا.
(٣) تقدم هذا القول مع تحديد موضعه في سيبويه قريبا ؛
(٤) مصدر طرأ ، والرضي يستعمله كثيرا ؛
وبعض النحاة يقول : حكمه في الإعراب حكم ما بعده ، لأنه يقع مع ما بعده كالشيء الواحد ، ولذا تدخل عليه لام الابتداء في نحو : إنك لأنت الحليم .. وهو أضعف من قول الكوفية ، لأنا لم نر اسما يتبع ما بعده في الإعراب.
قوله : «وبعض العرب يجعله مبتدأ ما بعده خبره» ، فلا ينتصب ما بعده في باب كان ، وباب علمت ، وما الحجازية ، وعليه ما نقل في غير السبعة (١) : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ)(٢) ، و: (إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ) (٣) بالرفع ؛
وقوله عليه الصلاة والسّلام : «كل مولود يولد على الفطرة ، حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصّرانه ؛ فيه ثلاثة أوجه : أحدها أن في «يكون» ضمير الشأن ، والثاني : أنّ فيه ضمير المولود ، وقوله : أبواه هما اللذان ، جملة خبر كان ، في الوجهين ، والثالث : أن يكون أبواه ، اسم كان وقوله : هما اللذان : جملة خبر كان ، وروي : هما اللذين ، فأبواه ، اسم كان ، واللذين خبره ، وهما ، فصل ؛
__________________
(١) ممن قرأ بها عبد الله بن أبي إسحاق ، النحوي ؛
(٢) الآية ٧٦ من سورة الزخرف ،
(٣) الآية ٣٩ سورة الكهف ،
[ضمير الشأن]
[والقصة]
[قال ابن الحاجب :]
«ويتقدم قبل الجملة ضمير غائب يسمّى ضمير الشأن ،»
«يفسّر بما بعده ويكون منفصلا ، ومتصلا بارزا ومستترا على»
«حسب العوامل ، نحو : هو زيد قائم ، وكان زيد قائم ،»
«وإنه زيد قائم ، وحذفه منصوبا ضعيف ، إلا مع «أنّ» إذا»
«خففت فإنه لازم» ؛
[قال الرضى :]
قوله «ضمير غائب» ، إنما لزم كونه غائبا ، دون الفصل (١) ، فإنه يكون غائبا وحاضرا ، كما تقدم ، لأن المراد بالفصل هو المبتدأ ، فيتبعه في الغيبة والحضور ، والمراد بهذا الضمير : الشأن والقصة ، فيلزمه الإفراد والغيبة ، كالمعود إليه ؛ إمّا مذكرا ، وهو الأغلب ، أو مؤنثا ، كما يجيء ، وهذا الضمير كأنه راجع في الحقيقة إلى المسئول عنه بسؤال مقدر ، تقول مثلا هو الأمير مقبل ، كأنه سمع (٢) ضوضاء وجلبة ، فاستبهم الأمر فسأل : ما الشأن؟ فقيل : هو الأمير مقبل ، أي : الشأن هذا ، فلما كان المعود إليه الذي تضمنه السؤال ، غير ظاهر قبل ، اكتفي في التفسير بخبر الضمير الذي يتعقبه
__________________
(١) أي بخلاف صيغة الفصل ،
(٢) أي المخاطب بالمثال المذكور ؛
بلا فصل ، لأنه معيّن للمسئول عنه ، ومبيّن له ؛
فبان لك بهذا أن الجملة بعد الضمير لم يؤت بها لمجرّد التفسير ، بل هي كسائر أخبار المبتدآت ، لكن سميّت تفسيرا ، لما بيّنته.
والقصد بهذا الإبهام ثم التفسير : تعظيم الأمر ، وتفخيم الشأن ، فعلى هذا ، لا بدّ أن يكون مضمون الجملة المفسّرة شيئا عظيما يعتنى به ، فلا يقال ، مثلا ، هو الذباب يطير ؛
وقد يخبر عن ضمير الأمر المستفهم عنه تقديرا ، بالمفرد ، تقول : هو الدهر ، حتى لا يبقى على صرفه باقية ، قال أبو الطيب :
٣٩٣ ـ هو البين حتى ما تأنّى الحزائق |
|
ويا قلب حتى أنت ممّن أفارق (١) |
كانه قال : أي شيء وقع من المصائب ، فقال : هو البين ، وقوله : حتى ما تأنّى ، مبني على ما يفهم من استعظام أمر البين المستفاد من إبهام الضمير ، أي : ارتقى البين في الصعوبة حتى لا يتأنّى جماعات الإبل أيضا ؛
وأجاز الفراء أن يفسّر ضمير الشأن ، أيضا ، مفرد مووّل بالجملة نحو : كان قائما زيد ، وكان قائما الزيدان أو الزيدون ، على أن «قائما» في جميعها خبر عن ذلك الضمير ، وما بعده مرتفع به ؛
وكذا أجاز نحو : ظننته قائما زيد ، أو الزيدان ، أو الزيدون ؛ وكذا : ليس بقائم أخواك ، وما هو بذاهب الزيدان ؛
__________________
(١) هو مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي في مدح الحسين بن إسحاق التنوخي وبعده :
وقفنا ومما زاد بثا وقوفنا |
|
فريقي هوى منا مشوق وشائق |
وقد صارت الأجفان قرحى من البكا |
|
وصار بهارا في الخدود الشقائق |
على ذا مضى الناس ، اجتماع وفرقة |
|
وميت ومولود ، وقال ووامق |
والرضي يورد كثيرا من شعر المتنبي وللعلماء آراء مختلفة في الاستشهاد بمثل شعره ،
والبصريون يمنعون جميع ذلك ، ولا يجوّزون إلا نحو : ليس بقائمين أخواك ، وما هو بذاهبين الزيدان ، على أن يكون أخواك اسم ليس ، وبقائمين خبر مقدم ، أو يكون اسم ليس ضمير الشأن والجملة الابتدائية المتقدمة الخبر خبرها ؛
وذكر السيرافي لتجويز ما أجازه الفراء من نحو : ما هو بذاهب الزيدان ، وجها ، وذلك أن الصفة مع فاعلها في نحو : ما ضارب الزيدان ، جملة لأنها مبتدأ مستغن عن الخبر ، فيكون ضمير الشأن مفسّرا بجملة ؛
وفيما ذكر نظر ، على مذهب البصريين ، لأن الصفة ، عندهم ، إنما تكون مع فاعلها جملة ، إذا اعتمدت على نفس «ما» ، لا على المبتدأ بعدها ، فخبر «ما» في نحو ما زيد بضارب أخوه ، مفرد ؛
وبعض البصريين يمنع من نحو : ليس بذاهبين أخواك ، وما هو بذاهب زيد ، على أن في ليس ضمير الشأن ، قال : لأن الشأن تفسيره جملة ، ولا تكون الباء في خبر «ما» وليس ، إلا إذا كان مفردا ؛
وأمّا قوله تعالى : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ)(١) ، فيجوز أن يكون «هو» ضمير التعمير الذي تضمنه قوله قبل : «لو يعمر» ، و «أن يعمّر» ، بدل من «هو» ، أو يكون «هو» راجعا إلى «أحدهم» ، و «أن يعمّر» فاعل «بمزحزحه» ، نحو : ما زيد بنافعه فضله ؛
والبصريون يوجبون التصريح بجزأي الجملة المفسّرة لضمير الشأن لأنها مفسّره ، فالأولى استغناء جزأيها عن مفسّر ؛
وأجاز الكوفيون عدم التصريح بأحد جزأيها ، نحو : إنه ضربت ، وإنه قامت ، وليس لهم به شاهد ؛
وهذا الضمير يسميه الكوفيون : ضمير المجهول ، لأن ذلك الشأن مجهول لكونه
__________________
(١) الآية ٩٦ سورة البقرة ،
مقدّرا إلى أن يفسّر ، ولا يعود إليه ضمير من الجملة التي هي خبره لما مرّ في باب المبتدأ ، (١) ولا يبدل منه ، ولا يقدّم عليه الخبر لئلا يزول الإبهام المقصود منه ، ولا يؤكد ، لأنه أشد إبهاما من المنكر ، ولا تؤكد النكرات ؛
ويختار تأنيث الضمير لرجوعه إلى المؤنث ، أي القصّة ، إذا كان في الجملة المفسّرة مؤنث ، لقصد المطابقة ، لا لأن مفسّره ذلك المؤنث ، كقوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٢) ، وقوله :
٣٩٤ ـ على أنها تعفو الكلوم وإنما |
|
توكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي (٣) |
والشرط (٤) : ألّا يكون المؤنث في الجملة فضلة ، فلا يختار : أنها بنيت غرفة ، وألّا يكون كالفضلة ، أيضا ، فلا يختار : إنها كان القرآن معجزة ، لأن المؤنث منصوب نصب الفضلات ؛ وذلك لأن الضمير مقصود مهمّ فلا يراعى مطابقته للفضلات ؛
وتأنيثه ، وإن لم تتضمّن الجملة المفسرة مؤنثا : قياس ، لأن ذلك باعتبار القصة ، لكنه لم يسمع ؛
وإذا لم يدخله نواسخ المبتدأ فلا بدّ أن يكون مفسّره جملة اسمية ، وإذا دخلته ، جاز كونها فعلية ، أيضا ، كما في قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٥) ، وتقول : ما هو قام زيد ؛
__________________
(١) انظر ص ٢٣٨ من الجزء الأول من هذا الشرح ؛
(٢) من الآية ٤٦ في سورة الحج ؛
(٣) من أبيات لأبي خراش الهذلي واسمه خويلد بن مرة ، وكان أخوه عروة قد قتل بمكان اسمه قوسى وكان ابنه خراش مع عمه عروة ونجا فقال أبو خراش في ذلك ،
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا |
|
خراش ، وبعض الشر أهون من بعض |
فو الله لا أنسى قتيلا رزئته |
|
بجانب قوسى ما مشيت على الأرض |
على أنها تعفو الكلوم ... |
|
إلى آخره ، |
(٤) أي الشرط لتأنيث الضمير ؛
(٥) الآية السابقة من سورة الحج ؛
قوله : «ويكون منفصلا» ، وذلك إذا كان مبتدأ ، أو اسم «ما» ، ويكون منفصلا منصوبا بارزا في بابي : إن ، وظنّ ، ومتصلا مرفوعا مستترا في بابي كان ، وكاد ؛
قوله : «وحذفه منصوبا ضعيف» ، لا يجوز حذف هذا الضمير ، لعدم الدليل عليه ، إذ الخبر مستقل ، ليس فيه ضمير رابط ، ولا يحذف المبتدأ ، ولا غيره ، إلا مع القرينة الدالة عليه ، ومجوّز حذفه منصوبا ، مع ضعفه ، صيرورته بالنصب في صورة الفضلات ، مع دلالة الكلام عليه ، نحو قوله :
انّ من يدخل الكنيسة يوما |
|
يلق فيها جآذرا وظباء (١) ـ ٧٧ |
وقوله :
٣٩٥ ـ إنّ من لام في بني بنت حسّا |
|
ن ألمه وأعصه في الخطوب (٢) |
وذلك الدليل ؛ أن نواسخ المبتدأ لا تدخل على كلم المجازاة ، كما مر في باب المبتدأ ؛
قوله : «إلّا مع أنّ ، إذا خففت فإنه لازم» ، إذا خففت المفتوحة ، جاز إعمالها في الاسم الظاهر ، وإهمالها كالمكسورة ، على ما قال الجزولي ، قال ابن جعفر (٣) : لكن ترك إعمالها في الظاهر أكثر ، وقال المصنف ، كما يجيئ في باب الحروف : إعمالها في البارز شاذ ، كقوله :
٣٩٦ ـ فلو أنك في يوم الرخاء سألتني |
|
طلاقك لم أبخل وأنت صديق (٤) |
__________________
(١) تقدم هذا البيت في الجزء الأول ص ٢٧١ وهو من شعر الأخطل ؛
(٢) من قصيدة للأعشى الأكبر ، يمدح فيها أبا الأشعث بن قيس الكندي ومنها قوله :
تلك خيلي منه وتلك ركابي |
|
هنّ صفر أولادها كالزبيب |
ويروى بيت الشاهد :
من يلمني على بني بنت حسّان |
|
ألمه وأعصه في الخطوب |
ولا شاهد فيه على هذه الرواية ، والبيت في سيبويه ١ ـ ٤٣٩
(٣) ابن جعفر : محمد بن جعفر المرسي الأنصاري تقدم ذكره ، وكذلك الجزولي ،
(٤) أنشده الفراء مع بيت ثان ، ولم يعزهما لأحد ، والبيت الثاني هو : ـ
فما ردّ تزويج عليه شهادة |
|
ولا رد من بعد الحرار عتيق |
ورجح البغدادي أن المراد بقوله في يوم الرخاء : اليوم الذي لم يكن قد تم فيه توثيق عقد الزواج حيث كان ممكنا ، قال بدليل البيت الثاني ، ونقد كل ما قيل في معنى البيت ،
والأكثر (١) ، مع الإلغاء ظاهرا ، لأنها تعمل في ضمير شأن مقدر ، بخلاف المكسورة الملغاة فإنها إذا ألغيت ظاهرا ، ألغيت مطلقا ولم تعمل تقديرا ،
وإنما عملت المفتوحة الملغاة ظاهرا ، في ضمير شأن مقدر ، ليحصل بينها وبين الجملة التي تليها رابط مقدر من حيث اللفظ بسبب هذا الاسم لأنه يكون لها باسمها ارتباط ، ولاسمها بالخبر ارتباط ، فيحصل بينها وبين الجملة التي هي خبر اسمها ارتباط ، وإنما طلبوا الارتباط اللفظي بينهما ، لارتباط بينهما معنوي تامّ ، وذلك أنها حرف موصول ، وهي مع صلتها في تقدير المفرد ، أي المصدر ، إذ هي حرف مصدري ، فكأنّ «أن» وحدها بعض حروف ذلك المفرد ، بخلاف «إنّ» المكسورة فإنها مع جملتها ليست بتقدير المفرد ؛
هذا هو المشهور من مذهب القوم ، أعني إعمال المفتوحة تقديرا في حال إلغائها لفظا ، وقد أجاز سيبويه إلغاءها لفظا وتقديرا كالمكسورة ، فتكون كما ، المصدرية ، هي مع جملتها في تقدير المفرد ، مع أنه لا ربط بينهما لفظا ؛ ولا يضرّ ذلك ، وهذا المذهب ليس ببعيد ؛
واعلم (٢) أن أعلى المضمرات اختصاصا : ضمير المتكلم ، ثم المخاطب ، ثم الغائب ، ويغلّب الأخصّ في الاجتماع ، نحو : أنا وأنت وهو قلنا ، وأنت وهو قلتما ؛
__________________
(١) أي أكثر النحاة ،
(٢) هذا استطراد من الرضي ختم به بحث المضمرات ؛
[اسم الإشارة]
[ألفاظه المستعملة]
[قال ابن الحاجب :]
«اسم الإشارة : ما وضع لمشار إليه ، وهي خمسة : ذا ،»
«للمذكر ، ولمثناه : ذان وذين ، وللمؤنث : تا ، وتي ،»
«وته ، وذه ، وذي ، ولمثناه : تان وتين ، ولجمعهما : أولاء ،»
«مدّا وقصرا ويلحقها حرف التنبيه ، ويتصل بها كاف»
«الخطاب ، وهي خمسة في خمسة ، فيكون خمسة وعشرين»
«وهي : ذاك إلى ذاكنّ ، وذانك إلى ذانكنّ ، وكذلك»
«البواقي ؛ ويقال : ذا للقريب ، وذلك للبعيد ، وذاك»
«للمتوسط ؛ وتلك ، وذانّك ، وتانّك ، مشدّدتين وأولالك :»
«مثل ذلك ، وأمّا ثمّ وهنا ، وهنّا ، فللمكان خاصة» ؛
[قال الرضى :]
اعلم أن أسماء الإشارة بنيت عند الأكثرين ، لتضمنها معنى الحرف ، وهو الإشارة ، لأنها معنى من المعاني ، كالاستفهام ، فكان حقها أن يوضع لها حرف يدل عليها ، وذلك أن عادتهم جارية ، في الأغلب ، في كل معنى يدخل الكلام ، أو الكلمة أن يوضع له حرف يدل عليه كالاستفهام في : أزيد ضارب ، والنفي في : ما ضرب عمرو ، والتمني ، والترجّي ، والابتداء ، والانتهاء ، والتنبيه ، والتشبيه ، وغيرها ، الموضوع لها حروف النفي وليت ولعلّ ومن وإلى ، وها ، وكاف الجر ؛ أو يوضع لها ما يجري مجرى الحرف
في عدم الاستقلال ، كالإعراب الدال على المعاني المختلفة ، وكتغيّر الصيغ في الجمع والمصغّر ، والمنسوب ، وفي الكلمات المشتقة عن أصل ، كضرب ، ويضرب ، وضارب ، ومضروب : من الضرب ، وكذا المعنى العارض في المضاف ، إنما هو بسبب حرف الجر المقدر بعده ؛
وفي أسماء الإشارة معنى ، ولم يوضع لهذا المعنى حرف ، فكان حقها أن تكون كأسماء الشرط والاستفهام ، على ما ذكرنا في حدّ الاسم ، حذف حرف الشرط والاستفهام وضمنت معناهما ، فتكون أسماء الإشارة كالمتضمنة لمعنى الحرف ؛
وقيل : إنما بنيت لاحتياجها إلى القرينة الرافعة لإبهامها ، وهي : إمّا الإشارة الحسية ، أو الوصف ، نحو : هذا الرجل ، كاحتياج الحرف إلى غيره ؛
فإن قلت : المضمرات ، وجميع المظهرات ، وخاصة ما فيه لام العهد ، داخلة في الحد ، لأن المضمر يشار به إلى المعود إليه ، والمظهرات إن كانت نكرة ، يشار بها إلى واحد من الجنس غير معيّن ، وإن كانت معرفة ، فإلى واحد معيّن ؛
فالجواب : ان المراد بقولنا : مشار إليه : ما أشير إليه إشارة حسّية أي بالجوارح والأعضاء ، لا عقلية ؛ والأسماء المذكورة ليست كذلك فإنها للمشار إليه إشارة عقلية ذهنية ، فلم يحتج في الحد إلى أن يقول : لمشار إليه إشارة حسّية ، لأن مطلق الإشارة ، حقيقة في الحسّية دون الذهنية ؛
فالأصل ، على هذا : ألّا يشار بأسماء الإشارة إلّا إلى مشاهد محسوس ، قريب أو بعيد ، فإن أشير بها إلى محسوس غير مشاهد ، نحو : (تِلْكَ الْجَنَّةُ)(١) ، فلتصييره كالمشاهد ، وكذلك إن أشير بها إلى ما يستحيل إحساسه ومشاهدته نحو : (ذلِكُمُ اللهُ)(٢) ، و: (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) ، (٣)
__________________
(١) من الآية ٦٣ سورة مريم ،
(٢) من الآية ٣ سورة يونس
(٣) من الآية ٣٧ سورة يوسف ،
قال المصنف (١) ما معناه ، انه ليس حده لأسماء الإشارة بقوله : ما وضع لمشار إليه ، مما يلزم منه الدور ؛ كما لزم من قولهم : العلم ما وجب لمحله كونه عالما ؛ لأن المحدود : هو ما يقال له في اصطلاح النحاة : اسم الإشارة ؛ وقولنا : لمشار إليه أراد به الإشارة اللغوية ، لا الاصطلاحية ، ومفهوم الإشارة اللغوية غير محتاج إلى الاكتساب ، ولا تتوقف معرفته على معرفة المحدود ، أي أسماء الإشارة الاصطلاحية كتوقف معرفة العالم على معرفة المحدود الذي هو العلم ، حتى يلزم الدور هنا ، كما لزم هناك ؛
قلت : هذا السؤال غير وارد ، والإشارة في قوله : أسماء الإشارة لغوية ، إذ معناه : الأسماء التي تكون بها الإشارة اللغوية ، كما أن قوله : مشار إليه ، لغويّ ؛ وإنما لم يرد السؤال ، لأن الإشارة جزء المحدود ولا يلزم من توقف المحدود على الحدّ ، وعلى كل جزء منه ، توقف جزء المحدود ، أيضا ، عليهما ، إذ ربّما كانت معرفة ذلك الجزء ضرورية ، أو مكتسبة بغير ذلك الحدّ ؛
قوله : «ذا للمذكر» ، قال الأخفش : هو من مضاعف الياء لأن سيبويه حكى فيه الإمالة ، وليس في كلامهم تركيب : حيوت (٢) ، فلامه أيضا ياء ، وأصله : ذبي ، بلا تنوين لبنائه ، محرك العين بدليل قلبها ألفا ؛ وإنما حذفت اللام اعتباطا أوّلا ، كما في : يد ، ودم ، ثم قلبت العين ألفا ، لأن المحذوف اعتباطا كالعدم ، ولو لم يكن كذا لم تقلب العين ، ألا ترى إلى نحو : مرتو ؛ (٣)
فإن قيل : لعلّه ساكن العين ، وهي المحذوفة ، لسكونها ، والمقلوب هو اللام المتحركة ؛ قلت : قيل ذلك ، لكن الأولى حذف اللام لكونها في موضع التغيير ومن ثمّ قلّ المحذوف العين اعتباطا ، كسه (٤) ، وكثر المحذوف اللام ، كيد ، ودم ، وغد ، وغيرها ؛
__________________
(١) في شرحه هو على الكافية.
(٢) يعني أن تكون العين ياء واللام واوا ،
(٣) اسم فاعل من : ارتوى ، يعني أنه لم تقلب واوه ألفا لأن لامه محذوفة لعلة فهي كالثابتة ،
(٤) أصله سته حذفت عينه وأكثر استعماله : است بحذف اللام وتعويض همزة الوصل ،
وقيل أصله ذوى ، لأن باب طويت ، أكثر من باب حييت ، ثم إمّا أن نقول : حذفت اللام فقلبت العين ألفا ، والامالة تمنعه ، (١) وإمّا أن نقول : حذفت العين ، وحذفها قليل ، كما مرّ ؛ فلا جرم كان جعله من باب حييت أولى ؛
وقال الكوفيون : الاسم : الذال وحدها والألف زائدة ، لأن تثنيته ذان ، بحذفها ؛
والذي حمل البصريين على جعله من الثلاثية ، لا من الثنائية : غلبة أحكام الأسماء المتمكنة عليه ، كوصفه ، والوصف به ، وتثنيته وجمعه (٢) ، وتحقيره ؛ ويضعف بذلك قول الكوفيين ، والجواب عن حذف الألف في التثنية ، أنه لاجتماع الألفين ، ولم يردّ إلى أصله (٣) ، فرقا بين المتمكن وغيره نحو : فتيان وغيره ، كما حذفت الياء في : اللذان ؛
قال ابن يعيش (٤) : لا بأس أن نقول هو ثنائي ، كما ، وذلك أنك إذا سمّيت به ، قلت : ذاء ، فتزيد ألفا أخرى ثم تقلبها همزة ، كما تقول : لاء ، إذا سميت بلا ؛ وهذا حكم الأسماء التي لا ثالث لها وضعا ، إذا كان ثانيها حرف لين وسمّي بها ، ولو كان أصله ثلاثة قلت : ذاي ، ردّا له إلى أصله ، ومثناه : ذان بحذف الألف للساكنين كما ذكرنا ؛
قال الأكثرون : ان المثنى مبني لقيام علة البناء فيه ، كما في المفرد والجمع ، وذان ، صيغة مرتجلة (٥) ، غير مبنية على واحده ، ولو بنيت عليه لقيل : ذيان ، فذان ، صيغة للرفع ، وذين صيغة أخرى للنصب والجر ،
وقال بعضهم : بل هو (٦) معرب ، لاختلاف آخره باختلاف العوامل ، وادّعاء أن كل واحدة منهما صيغة مستأنفة : خلاف الظاهر ؛
__________________
(١) هذا رد من الرضي على هذا الرأي ،
(٢) ذا الاشارية لم تجمع على لفظها ، فلعل ذلك سهو ، والمراد بتحقيره : تصغيره ، وهو شاذ ،
(٣) يعني عند التثنية بناء على هذا القول ،
(٤) في شرح ابن يعيش على المفصل ج ٣ ص ١٢٧.
(٥) أي غير متفرعة عن مفرد ،
(٦) أي المثنى ،
وقال الزجاج : لم يبن شيء من المثنى ، لأنهم قصدوا أن تجري أصناف المثنى على نهج واحد ، إذ كانت التثنية لا يختلف فيها مذكر ولا مؤنث ، ولا عاقل ولا غيره ، فوجب ألّا تختلف المثنيات إعرابا وبناء ، بخلاف الجمع فإنه يخالف بعضه بعضا ؛
والبحث في : اللذان واللذين ، كما في : ذان وذين ،
وقد جاء : ذان وتان ، واللذان ، واللتان ، في الأحوال الثلاث ، وعليه حمل بعضهم قوله تعالى : (إِنْ هَذَانِ) (١) ؛
وللمؤنث : تا ، وذي ، بقلب ذال «ذا» تاء ، حتى صار «تا» ، أو قلب ألفه ياء حتى صار «ذي» ، وذلك لأن التاء والياء قد تكونان للتأنيث ، كضاربة ، وتضربين ، ف «تا» من «ذا» (٢) ، كالتي ، من الذي ، وذي ، من ذا ، كهي من هو ؛
و: تي ، بالجمع بين التاء والياء ، ولا نقول إن التاء والياء ههنا علامة التأنيث ، بل نقول : تخصيص إبدالهما بالمؤنث دون المذكر لأنهما يكونان في بعض المواضع علامتي التأنيث ؛ كما في (٣) : أخت ، وبنت ، وكلتا ، فإن تاءها ليست علامة التأنيث ؛
و: ذه ، بقلب ياء «ذي» هاء ، وأصل ذلك أن تقلب هاء في الوقف ، لبيان الياء ، كما يجيء في باب الوقف ، ثم يجري الوصل مجرى الوقف ، فيقال : ذه ، في الوصل أيضا ؛
و: ته ، بقلب الذال تاء ، وقد تكسر الهاءان (٤) ، باختلاس ، أي من غير صلة ، نحو : ذه وته ، في الوصل خاصة ، وهو قليل ، والأكثر : ذهي وتهي ، بياء ساكنة ؛
__________________
(١) المراد قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ،) في سورة طه ، آية ٦٣ وفي تخريجها أوجه كثيرة ،
(٢) أي بالنسبة لها
(٣) التشبيه في تخصيص الإبدال بالمؤنث ،
(٤) يعني في ذه وته ،
وفي الوقف ، تسكن الهاء وتحذف الياء ، كما يجيء في بابه ، وقد يقال في المؤنث : ذات (١) ؛
ولمثناه : تان وتين ، على الخلاف المذكور في : ذان وذين ،
ولجمعهما : أولاء ، عاقلا كان أو غيره ، قال :
٣٩٧ ـ ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام (٢) |
وقد ينون مكسورا ، ويكون التنوين للتنكير ، كما في : صه ، وإن كان أولاء معرفة ، فيكون قائدته : (٣) البعد ، حتى يصير المشار إليهم كالمنكورين ؛ فيكون «أولاء» (٤) كأولئك ، وقد يقصر فيكتب بالياء لأن ألفه مجهول الأصل ، فحمل على الياء لاستثقال اكتناف ثقيلين للكلمة ، وهما الضمة في الأول والواو في الأخير ، ولهذا يكتب أهل الكوفة ألف نحو : القوى ، والضحى ، بالياء ، مع أن أصلها الواو ، ومن ثمّ يثني بعض العرب مضموم الأول من هذا الجنس كله بالياء وإن كان ألفه عن واو ، أيضا ؛
وقد تبدل الهمزة الأول من «أولاء» هاء ، فيقال : هلاء ، وقد تضم الهمزة الأخيرة نحو : أولاء ، وربّما تشبع الضمة قبل اللام نحو أولاء على وزن : طومار ؛ (٥)
وأمّا قولهم : هولاء على وزن «توراب (٦)» ، قال :
__________________
(١) بضم التاء مبنية ، قال الصبان في حاشيته على الأشموني ، وهي أغربها ؛
(٢) من قصيدة لجرير ، في هجاء الفرزدق مطلعها :
سرت الهموم فبتن غير يتام |
|
وأخو الهموم يروم كل مرام |
يقول فيها :
مهلا فرزدق إن قومك فيهم |
|
خور القلوب وخفة الأحلام |
(٣) أي التنوين اللاحق لأولاء ،
(٤) أي المنون ،
(٥) الطومار بضم الطاء ممدودة بمعنى الصحيفة ،
(٦) التوراب بفتح التاء وإسكان الواو : من أسماء التراب ؛
٣٩٨ ـ تجلّد ، لا يقل هولاء هذا |
|
بكى لما بكى أسفا وغيظا (١) |
فليس بلغة ، بل هو تخفيف : هؤلاء ، بحذف ألف «ها» ، وقلب همزة «أولاء» واوا ،
قوله : «ويلحق بها حرف التنبيه» ، يعني «ها» ، إنما تلحق من جملة المفردات : أسماء الإشارة كثيرا ، لأن تعريف أسماء الإشارة في أصل الوضع ، بما يقترن بها من إشارة المتكلم الحسية ، فيجيئ في أوائلها بحرف ينبّه به المتكلم المخاطب ، حتى يلتفت إليه وينظر : إلى أي شيء يشير من الأشياء الحاضرة ، فلا جرم ، لم يؤت بها إلا فيما يمكن مشاهدته وإبصاره ، من الحاضر ، والمتوسط ؛ فهذا ، أكثر استعمالا من : هذاك ، لأن تنبيه المخاطب لإبصار الحاضر الذي يسهل إبصاره أولى من تنبيهه لإبصار المتوسط ، الذي بما يحول بينه وبينه حائل ، ولم يدخل (٢) في البعيد الذي لا يمكن إبصاره ، إذ لا ينبّه العاقل أحدا ليرى ما ليس في مرأى ، فلذلك قالوا : لا تجتمع «ها» مع اللام ؛
قوله : «ويتصل بها حرف الخطاب» ، قد دلّلنا عند ذكر الفصل (٣) ، على كون هذه الكاف حرفا ، لا اسما ، ويؤيّد ذلك من حيث اللفظ : امتناع وقوع الظاهر موقعها ، ولو كان اسما لم يمتنع ذلك ، كما في كاف : ضربتك ؛
ولنذكر ههنا علة تخصيص المتوسط والغائب البعيد بها ، دون القريب ، فإن فائدتها قد ذكرناها عند الفصل (٤) ، فنقول :
إن وضع أسماء الإشارة للحضور والقرب ، على ما قلنا ، إنه للمشار إليه حسّا ؛ ولا يشار بالإشارة الحسية في الأغلب إلا إلى الحاضر الذي يصلح لكونه مخاطبا ، فلما اتصلت كاف الخطاب به ، وكان متمحضا بالوضع للحضور بحيث صلح لكونه مخاطبا ،
__________________
(١) تعرض البغدادي لذكر رواية أخرى في هذا البيت لا تخرجه عن هذا الاستشهاد ،. ثم قال : لا أدري أي الروايتين؟ لأني لم أقف عليه بأكثر من هذا ، والله أعلم ، ولم يتعرض غير البغدادي لنسبة هذا البيت ؛
(٢) أي حرف التنبيه ،
(٣) أي صيغة الضمير التي تسمى فصلا ، في البحث الذي سبق ،
(٤) هي الدلالة على كون اسم الإشارة الذي قبله مخاطبا به مفرد أو مثنى الخ ،
أخرجته من هذه الصلاحية ، إذ لا يخاطب اثنان في كلام واحد إلّا أن يجمعا في كلمة الخطاب ، نحو : يا زيدان فعلتما ، وأنتما قلتما ، أو بعطف أحدهما على الآخر ، نحو : أنت وأنت فعلتما ، مع أن خطاب المعطوف لا يكون إلا بعد الإضراب عن خطاب المعطوف عليه ؛ فصار «ذاك» ، مثل : غلامك ، فلا تقول : هذاك ، كما لا تقول : يا غلامك ، ولا : غلامك قلت كذا ، فالكاف توجب كون ما وليته غائبا في التعبير عنه ، نحو : غلامك قال كذا ، وإن لم يمتنع حضوره ، إذ ربّما قلت هذا مع حضور غلام المخاطب ،
فلما أوردت الكاف في اسم الإشارة معنى الغيبة ، وقد كان كالموضوع للحضور من حيث كونه موضوعا للمشار إليه القريب ، صار مع الكاف بين الحضور والغيبة ، وهذا هو حال المتوسط ، فإذا أردت التنصيص على البعد ، جئت بعلامته وهي اللام فقلت : ذلك ؛
ثم نقول : لفظ ذلك ، يصح أن يشار به إلى كل غائب ، عينا كان أو معنى ، يحكى عنه أولا ثم يؤتى باسم الإشارة ، تقول في العين : جاءني رجل فقلت لذلك الرجل ؛ وفي المعنى : تضاربوا ضربا بليغا ، فهالني ذلك الضرب ؛
وإنما يورد اسم الإشارة بلفظ البعد ؛ لأن المحكيّ عنه غائب ؛ ويجوز في هذه الصورة على قلّة : أن يذكر اسم الإشارة بلفظ الحاضر القريب نحو : قلت لهذا الرجل ، وهالني هذا الضرب ، أي : هذا المذكور عن قريب ، لأن المحكيّ عنه وإن كان غائبا إلّا أن ذكره جرى عن قريب فكأنه حاضر ، وكذا يجوز لك في القول المسموع عن قريب : ذكر اسم الإشارة بلفظ الغيبة والبعد ، كما تقول : بالله الطالب الغالب ، وذلك قسم عظيم ؛ لأفعلنّ ؛ قال الله تعالى : (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) (١) مشيرا بذلك إلى ضرب المثل الحاضر المتقدم ، وهو قوله : (ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ) (٢) ؛ الآية ؛
__________________
(١) من الآية ٣ سورة القتال ،
(٢) من تكملة الآية السابقة وهو قبل الجزء المتقدم ،
وإنما جاز ذلك ، لأن ذلك اللفظ زال سماعه فصار في حكم الغائب البعيد ، والأغلب في مثله : الإشارة إلى المعنى بلفظ الحضور فتقول : وهذا قسم عظيم ؛
وكذلك يجوز الإتيان بلفظ البعيد ، مع أن المشار إليه شخص قريب ، نظرا إلى عظمة المشير ، أو المشار إليه ، وذلك لأنه يجعل بعد المنزلة بينهما كبعد المسافة ؛ كقول السلطان لبعض (١) الحاضرين : ذلك قال كذا ، وكقول بعضهم : ذلك السلطان يتقدم بكذا ، ومنه قوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(٢) ، ويجوز أن يكون قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ)(٣) ، من باب عظمة المشار إليه ، أو المشير ؛
وقوله :
٣٩٩ ـ فقلت له والرمح يأطر متنه |
|
تأمل خفافا إنني أنا ذلكا (٤) |
من باب عظمة المشار إليه ؛
ويجوز ذكر البعيد بلفظ القريب ، تقريبا لحصوله وحضوره ، نحو : هذه القيامة قد قامت ، ونحو ذلك ؛
فنقول : اسم الإشارة لما كان موضوعا للمشار إليه إشارة حسية ، فاستعماله فيما لا تدركه الإشارة كالشخص البعيد ، والمعاني : مجاز ، وذلك بجعل الإشارة العقلية كالحسية مجازا ، لما بينهما من المناسبة ، فلفظ اسم الإشارة الموضوع للبعيد ، إذن ، أعني «ذلك» ونحوه ، كضمير الغائب ، يحتاج إلى مذكور قبل ، أو محسوس قبل ، حتى يشار إليه به ، فيكون كضمير راجع إلى ما قبله ؛
__________________
(١) أي في شأن بعض الحاضرين ، وذلك أحد معاني اللام بعد القول ؛
(٢) الآية ٣٢ من سورة يوسف ؛
(٣) الآية الثانية من سورة البقرة ،
(٤) من شعر خفاف بن ندبة ، وكان قد غزا مع ابن عمه معاوية بن عمرو ، فقتل ابن عمه فقال : قتلني الله إن برحت مكاني حتى أثأر له ، وحديثه في هذا البيت عن موقفه مع قاتل ابن عمه فهو يقول له : تأمل خفافا أي تأملني جيدا وانظر إليّ فإني أنا ذلك الذي اعتزم أن يأخذ بثأره ، فتأملني واعرف أني أنا الذي قتلتك ، ورواية الأبيات في الخزانة : وقلت له .. الخ
وقد تلحق (١) كاف الخطاب الحرفية : بلى ، وأبصر ، وانظر ، وكلّا ، وليس ، ونعم وبئس ، وحسبت ، وكذا : رويد ، والنجاء ، وحيهّل ، وأ رأيت بمعنى أخبرني ، كما يجيئ ؛
قوله : «ويقال (٢) : ذا للقريب .. إلى آخره» ، لما رأى المصنف كثرة استعمال ذي القرب من أسماء الإشارة في موضع ذي البعد منها ، وبالعكس ، لضرب من التأويل كما ذكرنا ؛ خالجه الشك في اختصاص بعضها بالقريب ، وبعضها بالبعيد ، فلم يأخذه مذهبا ولم يقطع به ، بل أحاله على غيره فقال : ويقال ، ذا ، للقريب ، يعني : لم يتحقق عندي ذلك ؛ وأقول : أنا لا أرى بينهم خلافا في اختصاص بعضها بالقريب وبعضها بالبعيد ، فإذا أردت معرفة ذلك ، فاعلم أن لهم مذهبين ، فمذهب بعضهم أنه لا واسطة بين البعيد والقريب ، كما في حروف النداء ، على ما يجيئ ، فيقولون ، أسماء الإشارة المجردة عن الكاف واللام : للقريب ، والمقترنة بهما ، أو بالكاف وحدها : للبعيد ؛
وجمهورهم على أن بين البعيد والقريب واسطة ، فقالوا : ذا ، ثم ذاك ، ثم : ذلك ؛
وبعضهم يقول : آلك (٣) ؛ وللمؤنث : تي وتاوذي وته وذه ، بسكون الهاءين وبكسرهما ، أيضا ، إمّا مع الاختلاس ، أو مع إشباع كما تقدم ، وذات ، ثم : تيك ، وهي كثيرة الاستعمال ، وتاك ، وهي دونها ؛
وأمّا : ذيك ، فقد أوردها الزمخشري ، وابن مالك ؛
وفي الصحاح : لا تقل ذيك فإنه خطأ ؛ (٤)
__________________
(١) لحاق الكاف فيما ذكره من الألفاظ ، متفاوت في الكثرة ، وأكثر هذه الكلمات بالنسبة للحاق الكاف :
أرأيت حيث يقال : أرأيتك ، وأرأيتكم إلى غير ذلك من تصرفات بحسب حال المخاطب بها ؛
(٢) يعني وبعضهم يقول ان «ذا» للقريب ، وسيوضح الشارح ذلك ؛
(٣) الذي في القاموس وشرحه : ذائك بهمزة بعد الألف ، وقالا : انها بدل من اللام في ذلك ، ووردت كلمة :
آلك في التسهيل في أول باب اسم الإشارة ؛
(٤) جاء ذلك في الجزء الأخير من الصحاح في الكلام على ذا ، وفي تاج العروس نقل مثله عن ثعلب ، وفي لسان العرب : ليس في كلام العرب ذيك البتة والعامة تخطئ فيه ؛ وقد ذكرها ابن مالك في التسهيل ، وأوردها ـ ـ الزمخشري في المفصل ، كلاهما في باب اسم الإشارة ؛