شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

قوله : «ومن ثمّ لم يجز في ما زيد بقائم أو قائما ، ولا ذاهب عمرو إلّا الرفع» ، وذلك لأنه لما وجب لقولك : بقائم ، أو : قائما ، الضمير لكونه خبرا مع كونه مشتقا ، وجب أن يثبت مثله في المعطوف مع اشتقاقه ، وهو قولك : ولا ذاهب عمرو ، لأن الضمير وجب للمعطوف عليه بالنظر إلى كونه خبرا وإلى كونه مشتقا ، والمعطوف مشتق مثله ، ولا ضمير في : ذاهب عمرو ، بالجر ، ولا في : ذاهبا عمرو ؛

فإن قلت : فجوّز : ولا ذاهبا عمرو ، على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر ، قلت : ليس حاله في نفسه كحال المعطوف عليه حتى يكون مثله في حكم الاعراب ، لأن الاسم في الأول مقدم على الخبر ، فجاز عمل «ما» فيهما ، بخلاف الثاني ، فصار في عطف الجملة على الجملة ، مثل : لا علام رجل ، ولا زيد عندي في عطف المفرد على المفرد فيجب الرفع في «ذاهب» على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر ، إذ لا يجوز عطف الخبر وحده على الخبر ، لما تقدم من عدم الضمير ؛ وقد ذكرنا وجوه هذه المسألة مستوفاة قبل (١) ، فليرجع إليه ؛

وإنما جاز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين ، وإن لم يكن في «قاعدين» ، ضمير راجع إلى الموصوف ، حملا على المعنى (٢) ، لأن المعنى : لا قاعد أبواه ، فهو في حكم ما يثبت فيه الضمير ، وذلك لأن الضمير المستكن المثنى في «قاعدين» راجع إلى المضاف مع المضاف إليه ، أعني «أبواه» ، والمضاف إليه ضمير راجع إلى الموصوف ؛ وكذا قولك : برجل حسنة جاريته لا قبيحة ، لأنه بتقدير : لا قبيحة جاريته ؛

قوله : «وإنما جاز : الذي يطير فيغضب زيد : الذباب ؛ جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أن يقال : أنك إذا أخبرت (٣) عن الذباب في قولك : يطير الذباب فيغضب زيد ، تقول : الذي يطير فيغضب زيد : الذباب ، فقولك : يغضب زيد ، عطف على يطير ، الذي هو صلة ، فوجب أن يكون فيه ضمير ، كما في المعطوف عليه ، وهو خال

__________________

(١) في باب إعمال ما عمل ليس ، من هذا الجزء

(٢) علة لجواز الصورة المذكورة ،

(٣) المراد : الاخبار الذي يقصد به التمرين أو التدريب ، وسيأتي تفصيله في باب الموصول

٣٤١

منه فوجب ألّا يجوز ؛

وأجاب (١) بأن هذه الفاء للسببيّة لا للعطف المجرّد ، وكلامنا في المعطوف ؛ هذا الذي قاله المصنف ؛ والذي يقوى عندي : أن الجملة التي يلزمها الضمير كخبر المبتدأ ، والصفة ، والصلة ؛ إذا عطفت عليها جملة أخرى متعلقة بالمعطوف عليها معنى ، بكون مضمونها بعد مضمون الأولى ، متراخيا ، أو ، لا ، أو بغير ذلك ؛ جاز تجرّد إحدى الجملتين عن الضمير الرابط ، اكتفاء بما في أختها التي هي قرينتها وكجزئها ، سواء كان مضمون الأولى سببا لمضمون الثانية ، كما في مسألة الذباب ، أو ، لا ، كما تقول مخبرا (٢) عن زيد ، في : جاءني زيد فغربت الشمس : الذي جاء فغربت الشمس : زيد ؛ لأن المعنى : الذي يعقب مجيئه غروب الشمس : زيد ، وتقول مخبرا عن الشمس : التي جاء زيد فغربت : الشمس ؛ وليس مجيء زيد سببا لغروب الشمس ؛

وكذا يجوز مع «ثمّ» إذ مضمون معطوفها بعد مضمون الأولى وإن كان متراخيا ، تقول : الذي جاء ثم غربت الشمس : زيد ، إذ المعنى : الذي تراخى عن مجيئه غروب الشمس : زيد ، وكذا : التي جاء زيد ثم غربت : الشمس ؛

وكذا تقول في خبر المبتدأ : زيد قام فغربت الشمس ، وزيد غربت الشمس فقام ؛ لا منع من جميع هذا ، وهذا كما تعطف على الضمير الرابط في الجملة التي يلزمها الضمير ، اسما ظاهرا نحو : زيد ضربته وعمرا ، أو تعطف ضميرا على بعض أجزاء الجملة اللازمة للضمير الخالية منه نحو : زيد ضربت عمرا وأباه ؛ وإنما جاز ذلك لأن في أجزاء الجملة المذكورة ضميرا ، لأن ذلك المفرد المعطوف صار من جملة أجزائها بسبب العطف ، إذ لا يستقل المفرد ، فلما لم تستقل الجملة المعطوفة بالفاء وثم ، وتعلقت من حيث المعنى بالجملة المتقدمة ، لتعقّب مضمونها مضمونها ، صارت كأحد أجزائها ، فاكتفى بالضمير في إحداهما ؛

__________________

(١) أي المصنف ، يعني أنه بقوله : وإنما جاز .. الخ أجاب عن هذا السؤال المقدر الذي أورده الرضي ،

(٢) هذا وما يأتي بعده من الأمثلة مثل ما سبق ، من أن المراد بالاخبار النوع الذي يراد به التدريب ،

٣٤٢

وأمّا إن لم يكن للجملة تعلق معنوي بالمعطوف عليها ، نحو : الذي قام وقعدت هند : زيد ، لم يجز (١) ، إلا أن يتعلق المضمون بالمضمون معنى فتقول : الذي قام وقعدت هند في تلك الحال : زيد ، والذي تزول الجبال ولا يزول : أنا ، والذي تقوم القيامة ولا ينتبه. أنت ، لأن الاقتران معلوم من قرينة الحال ، وإذا لم يكن مع الواو قرينة الاقتران لم يجز ، لأن الواو لمطلق الجمع ، لا دلالة فيها على الاقتران وغيره ، كما كان في الفاء وثمّ ، تعلق معنوي بين المضمونين ؛

هذا ، وقولك : هند لقيت زيدا وإياها ، جائز اتفاقا ، وفي المسألة إذا ذكرت مقام (٢) الواو : الفاء ، أو ثم ، أو «أو» خلاف ؛

فلا يجيزها قوم ، لأن الاجتماع ليس بحاصل مع الفاء وثم وأو ، فيحتاج إلى تقدير فعل آخر للمعطوف ، فتبقى الجملة الأولى بلا ضمير عائد على المبتدأ ، بخلاف الواو ، فإنها للجمع فلا تحتاج إلى تقدير فعل ؛

وليس بشيء (٣) ؛ لأن العامل ليس بمقدر في المعطوف ، كما تبيّن في حدّ التوابع ؛ ولو سلمنا أيضا ، جازت على ما ذكرنا ، لأن للجملة الثانية مع الفاء وثمّ وأو ، تعلقا معنويا بالأولى ؛

وأمّا ان صرحت بالفعل في الثاني مع الواو ، نحو : زيد أكرمت عمرا وأكرمت أباه ، فإن قصدت بالتكرير التأكيد ، جازت المسألة ، وإن قصدت الاستئناف ، امتنعت الأولى لخلو الجملة الخبرية (٤) عن الضمير ؛

__________________

(١) لم يجز ، جواب قوله : وأما إن لم يكن ، فحقه الفاء وكان يمكن أن يقول : وإن لم يكن ... لم يجز ؛ ويقع ذلك كثيرا فى كلامه ،

(٢) أي أقمت مقام الواو ، فهو تعبير منظور فيه إلى المعنى ، وتكرر مثله ،

(٣) ردّ على الرأي الذي ذكره ،

(٤) أي الجملة الواقعة خبرا عن المبتدأ ،

٣٤٣

[العطف]

[على عاملين مختلفين]

[تفصيل الكلام عليه]

[قال ابن الحاجب :]

«وإذا عطفت على عاملين لم يجز ، خلافا للفراء ، إلا في نحو :»

«في الدار زيد ، والحجرة عمرو ، خلافا لسيبويه» ؛

[قال الرضى :]

معنى قولهم : العطف على عاملين : أن تعطف بحرف واحد ، معمولين ؛ مختلفين كانا في الاعراب كالمنصوب والمرفوع ، أو متفقين كالمنصوبين أو المرفوعين ، على معمولي عاملين مختلفين ؛ نحو : إن زيدا ضرب عمرا ؛ وبكرا خالدا ، وهذا عطف متفقي الاعراب على معمولي عاملين مختلفين ؛ وقولك إن زيدا ضرب غلامه (١) ، وبكرا أخوه ، عطف مختلفي الاعراب ؛ ولا يعطف المعمولان على عاملين ، بل على معموليهما ، فهذا القول منهم على حذف المضاف ؛

وأمّا عطف المعمولين ، متفقين كانا أو مختلفين على معمولي عامل واحد ، فلا بأس به ، نحو : ضرب زيد عمرا ، وبكر خالدا ؛ وظننت زيدا قائما وعمرا قاعدا ؛ وأعلم زيد عمرا بكرا فاضلا ، وبشر خالدا محمدا كريما ، وذلك لأن حرف العطف كالعامل ، ولا يقوى حرف واحد أن يكون كالعاملين ، ويجوز أن يكون كعامل واحد يعمل عملين أو ثلاثة ، أو أكثر ؛

واعلم أن الأخفش يجيز العطف على عاملين مختلفين مطلقا ، إلا إذا وقع فصل بين العاطف والمعطوف المجرور ، نحو : دخل زيد إلى عمرو ، وبكر خالد ، فهذا لا يجوز إجماعا منهم ، ممّن جوّز العطف على عاملين ، ومن لم يجوّز ؛ أمّا عند من جوّز فللفصل

__________________

(١) الأحسن أن يقرأ ضرب غلامه بالبناء للمجهول ، حتى لا يحتاج إلى تقدير المفعول ؛

٣٤٤

بين العاطف الذي هو كالجارّ ، وبين المجرور ، وأمّا عند من لم يجوّز ، فلهذا وللعطف على عاملين ؛

وليس الأمر كما زعم المصنف من قوله : يجيزه بعض الكوفيين ، فإن كلّهم (١) أطبقوا على المنع مما ذكرنا ، لما ذكرنا ؛

فإن ولي المجرور في المسألة المذكورة حرف العطف نحو : زيد في الدار ، والحجرة عمرو ، أجازه الأخفش ، على ما نقل عنه الجزولي (٢) وغيره ؛ لأن المانع عنده إنما كان هو الفصل بين العاطف الذي هو كالجارّ وبين المجرور ، ولا يجوز ؛ كما لا يجوز الفصل بين الجار والمجرور ، وقد زال المانع بإيلاء المجرور للعاطف ، فلهذا جوّز الأخفش : ما زيد بقائم ولا قاعد عمرو ؛

ومنع سيبويه العطف على عاملين مطلقا ، وذلك لما ذكرنا من ضعف حرف العطف عن كونه بمنزلة عاملين مختلفين ، فنحو قولهم : مررت إلى الغزو بجيش ، والحجّ بركب ، لا يجوز إجماعا ، أيّ الاسمين أوليت حرف العطف ، إذ الآخر يبقى مفصولا بينه وبين العاطف الذي هو كالجارّ ، ولا يجوز ذلك ؛ سواء كان الفاصل ظرفا نحو : مررت اليوم بزيد وأمس عمرو ، أو غيره ، بل يجب أن تقول : وأمس بعمرو ؛

وأما الفصل بالظرف أو غيره بين العاطف والمرفوع أو المنصوب ، فمختلف فيه ، منع منه الكسائي والفراء وأبو علي في السّعة ، وذلك إذا لم يكن الفاصل معطوفا ، بل يكون معمولا من غير عطف ، لعامل المعطوف المرفوع ، أو المنصوب الذي بعده ، نحو : ضرب زيد ، وعمرا بكر ، وجاءني زيد واليوم عمرو ؛ وقد فصل الشاعر بالظرف ، قال :

٣٤٤ أتعرف أم لا رسم دار معطّلا

من العام يغشاه ومن عام أوّلا (٣)

قطار وتارات خريق كأنها

مضلّة بوّ في رعيل تعجّلا ؛

__________________

(١) تقدم قريبا إنكار الرضي لمثل هذا التعبير حيث قال ان لفظ كلهم لا يلي العوامل الظاهرة أصلا ،

(٢) الجزولي : عيسى أبو موسى تقدم ذكره في هذا الجزء والذي قبله ؛

(٣) قال البغدادي ان هذين البيتين لشاعر جاهلي اسمه القحيف العقيلي ، وقال إنهما من خمسة أبيات أوردها ابن ـ ـ الاعرابي في آخر النوادر ثم قال : ليس بين هذين البيتين وبين الثلاثة الأخرى ارتباط ، فلذلك تركتها ؛ والقطار : المطر ، والخريق : الريح الباردة ، ومضلة بوّ ، يريد به الناقة التي فقدت ولدها ؛ وقوله تعجّلا أي أسرع ، وفي البيت التضمين وهو أن قطار في البيت الثاني فاعل يغشاه في البيت الأول ،

٣٤٥

فإن كان الفاصل ، أيضا ، معطوفا على مثله ، لم يختلف في جوازه في المرفوع والمنصوب ، وفي عدم جوازه في المجرور ، نحو : جاءني أمس عمرو ، واليوم زيد ، وضرب زيد عمرا ، وبكر خالدا ، ولا يجوز : مررت اليوم بزيد وأمس عمرو ؛ كما لا يجوز : مررت بزيد وأمس خالد ،

قال أبو علي : إنما قبح الفصل بين العاطف ، والمرفوع أو المنصوب بما ليس بمعطوف ، لأن العاطف كالنائب عن العامل ، فلا يتّسع فيه بالفصل بينه وبين معطوفه ، كما يفصل بين العامل ومعموله ؛

وأجاز ذلك غيرهم في السّعة ، لجواز الفصل بين الرافع والناصب ، ومعموليهما ، وامتناع ذلك بين الجارّ والمجرور ؛

ويجوز الفصل بين العاطف والمعطوف ، غير المجرور ، بالقسم ، نحو : قام زيد ، ثم ، والله ، عمرو ، إذا لم يكن المعطوف جملة ، فلا تقول : ثم والله قعد عمرو ، لأنه تكون الجملة ، إذن ، جوابا للقسم فيلزمها حرف الجواب ، فلا يكون ما بعد القسم عطفا على ما قبله ، بل الجملة القسمية ، إذن ، معطوفة على ما قبلها ؛

ويجوز الفصل بالشرط ، أيضا ، نحو : أكرم زيدا ، ثم ، إن أكرمتني ، عمرا ؛ وبالظن ، نحو : خرج محمد ، أو ، أظن ، عمرو ، بشرط ألّا يكون العاطف الفاء أو الواو ، لكونهما على حرف واحد فلا ينفصلان عن معطوفيهما ، ولا «أم» لأن «أم» العاطفة أي المتصلة ، يليها مثل ما يلي همزة الاستفهام التي قبلها في الأغلب ، كما يجيء في حروف العطف ؛

ولنرجع إلى العطف على عاملين ، فنقول :

٣٤٦

الأخفش لا يمنع ، من صور العطف على عاملين ، إلّا ما كان فيه الفصل بين العاطف والمجرور ، لا غير ، كما ذكرنا ؛

وسيبويه يمنعه مطلقا ؛ والفراء ، كما نسب إليه ابن مالك ، يوافق سيبويه ويخالف الأخفش ، وهما ، أي سيبويه والفراء ، يضمران الجارّ في كل صورة توهم العطف على عاملين وفيها مجرور نحو قولهم : ما كل سوداء تمرة ، ولا بيضاء شحمة ، أي : ولا كل بيضاء ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ)(١) ، أي : وللذين ، واعتذر ابن السّراج لهما في قوله تعالى : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، إلى قوله «آياتٌ و آياتُ» (٢) ، على القراءتين (٣) ، بأن «آيات» أعيدت توكيدا للأولى لما طال الكلام وليس بمعطوف ؛ فمذهب المتقدمين : الجواز مطلقا ، كما هو مذهب الأخفش ، أو المنع مطلقا إلا بإضمار الجارّ ، كما هو مذهب سيبويه والفراء ؛

وأمّا المتأخرون ، فإن الأعلم الشنتمري (٤) ، منع نحو : زيد في الدار والحجرة عمرو ، مع تقديم المجرور إلى جانب العاطف ، قال : لأنه ليس يستوي آخر الكلام وأوله ، قال : فإذا قدّمت في المعطوف عليه الخبر على المخبر عنه نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو ، جاز لاستواء آخر الكلام وأوّله في تقديم الخبر على المخبر عنهما ؛

قلت (٥) : يلزمه تجويز مثل قولنا : زيد خرج غلامه ، وعمرو أخوه ، و: إن زيدا خرج غلامه وبكرا أخوه ، لاستواء أول الكلام وآخره وهو لا يجيزه ؛

والمصنف جوّز بالقيد الذي ذكره الأعلم ، أيضا ، وهو أن يتقدم المجرور في المعطوف

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة يونس ،

(٢) الآية ٥ سورة الجاثية ؛

(٣) النصب قراءة حمزة من القراء السبعة ، وباقيهم على قراءة الرفع ، وفي الآية قراءات أخرى ،

(٤) الأعلم الشنتمري : أبو الحجاج يوسف بن سليمان من مدينة شنتمرية بالأندلس ، لقب بالأعلم لانشقاق شفته العليا ، وهو نحوي أديب ، شرح شواهد كتاب سيبويه ؛

(٥) اعتراض من الرضي على الأعلم ،

٣٤٧

عليه ، ويتأخر المنصوب أو المرفوع ، ثم يأتي المعطوف على ذلك الترتيب ، نحو : في الدار زيد ، والحجرة عمرو ، وان في الدار زيدا والحجرة عمرا ، لكن لا للعلة التي ذكرها الأعلم ، بل قال : لأن الذي ثبت في كلامهم ووجد بالاستقراء من العطف على عاملين ، هو المضبوط بالضابط المذكور فوجب أن يقتصر عليه ، ولا يقاس عليه غيره ، إذ العطف على عاملين مختلفين مطلقا خلاف الأصل ، فإن اطرد في صورة معينة دون غيرها لم يقس عليها ، فلم يلزم المصنف ما لزم الأعلم من تجويز الصورتين المذكورتين (١) ؛ لكن يبقى الاشكال عليه في علة تخصيصهم للصورة المعيّنة بالجواز دون غيرها ، وإذا كان العطف على عاملين مختلفين مخالفا للأصل ، فهلّا اعتذر بإضمار الخافض كما فعل سيبويه والفراء ، حتى لا يكون تحكما ؛

قوله : «خلافا للفراء» يعني أن الفراء يجيزه مطلقا ؛ وفي هذه الاحالة نظر (٢) على ما قلنا ؛ قوله : «إلّا في نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو» أي يجوز مطلقا ويقاس عليه إذا كان بالضابط المذكور ، قوله : «خلافا لسيبويه» ، أي : لا يجوز عنده مطلقا ، وإن كان بالضابط المذكور ؛

[من أحكام العطف](٣)

ولنذكر بقية أحكام العطف ؛

فمنها : أنه قد يحذف واو العطف مع معطوفه ، مع القرينة ، كما إذا قيل : من الذي اشترك هو وزيد ؛ فقلت : اشترك عمرو ؛ أي : اشترك عمرو وزيد ، قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ)(٤) ، الآية ، أي : لا يستوي من أنفق من قبل الفتح ومن أنفق من بعده ؛ وكذا «أم» مع معطوفها كقولك لمن قال أنا أصلّي ليلا ونهارا : أفي

__________________

(١) اللتين اعترض بهما على الأعلم ،

(٢) وجه النظر أن مذهب الفراء مقيّد بحالة معينة وكلام ابن الحاجب يفيد جوازه مطلقا ؛

(٣) من استطرادات الرضي لاستكمال ما لم يعرض له ابن الحاجب ؛

(٤) الآية ١٠ سورة الحديد ،

٣٤٨

الليل تصلّي أكثر؟ يعني : أم في النهار ؛

وقد تحذف الواو من دون المعطوف ، قال أبو علي في قوله تعالى : «وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ (١) ..» ، أي : وقلت ؛ وحكى أبو زيد (٢) : أكلت سمكا لبنا تمرا ؛

وقد تحذف «أو» كما تقول لمن قال : آكل اللبن والسمك : كل سمكا لبنا ، أي : أو لبنا ، وذلك لقيام القرينة على أن المراد أحدهما ؛

وقد يحذف المعطوف عليه بعد «بلى» وأخواتها (٣) ، تقول لمن قال ، ما قام زيد ، بلى وعمرو ، أي بلى قام زيد وعمرو ، لأنها حرف تصديق فيدل على المعطوف عليه الذي هو المصدّق المثبت ، كما يجيء في بابها ؛

وكذا تقول : بلى فزيد ، وبلى ثم زيد ، وبلى أو زيد ، وبلى لا زيد ، لأن «بلى» للإيجاب بعد النفي فيكون التقدير : بلى قام عمرو لا زيد ؛

وتقول لمن قال ، ما قام بكر : نعم ، لكن زيد ، أي : نعم ما قام بكر لكن زيد أي لكن قام زيد ، لأن «نعم» مقرّرة لما سبقها ، نفيا كان أو إثباتا ، ولكن ، للاثبات بعد النفي في عطف المفرد ، كما يجيء في حروف العطف ؛

وتقول لمن قال ما مات الناس : بلى حتى الأنبياء ، وتقول لمن قال ما قام زيد : بلى ، بل عمرو ، أو نعم ، بل عمرو ، أي : بلى قام زيد بل عمرو ، ونعم ، ما قام زيد بل عمرو ؛

ولا يحذف المعطوف عليه بعد حروف التصديق إذا كان العاطف «أم» و «إمّا» ، وذلك لأن «أم» المتصلة وهي العاطفة تقتضي سبق الهمزة ؛ و «إمّا» تقتضي سبق «إمّا»

__________________

(١) الآية ٩٢ سورة التوبة ،

(٢) أبو زيد الأنصاري صاحب النوادر وتقدم له ذكر في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

(٣) المراد حروف الجواب وسيأتي تفصيل الكلام عليها والفرق بينها في الاستعمال ، في قسم الحروف ؛

٣٤٩

أخرى كما يجيئ في حروف العطف ؛

وقد يحذف المعطوف عليه بأم ، قال الله تعالى : (أَم مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ ...) (١) أي : الكافر خير ، أم من هو قانت ؛

ويجوز تقديم المعطوف بالواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، ولا ، في ضرورة الشعر على المعطوف عليه ، نحو : ضربت وعمرا ، أو فعمرا أو ، ثم عمرا ، أو : أو عمرا ، أو ، لا عمرا : زيدا (٢) ، بشرط : ألّا يتقدم المعطوف على العامل ، فلا يجوز : وزيد قام عمرو ، ولا : مررت وزيد بعمرو ، وذلك لأن العامل يعمل في المعطوف بواسطة العاطف فهو (٣) كالآلة للعمل ، ومرتبة الآلة ، بعد المستعمل لها ؛ ولاستبشاع كون التابع مقدما على متبوعه وعلى متبوع متبوعه أي العامل في متبوعه ؛ فلا يقال : والأسد إيّاك ، لأنه يكون ، إذن ، متقدما على العامل؟

وكذا ، لم يتقدم (٤) على معطوف عليه لزم اتصاله بعامله ، فلا يقال : وزيد ضربت أنت ؛ بالعطف على التاء ؛

ولم يتقدم على المعطوف عليه إذا كان مبتدأ مؤخّر الخبر ، دخله حرف ناسخ ، أو ، لا ؛ فلا يجوز : انّ وعمرا زيدا قائمان وما ، وزيد ، عمرو قائمين ، لضعف الحرفين فلا يعملان مع الفصل بغير الظرف ، وكذا لا تقول : أمّا وعمرو زيد فمنطلقان ، والذي وأبوه زيد ضاربان : أنا ، وهل وزيد عمرو قائمان ، وكيف وعمرو زيد قائمان ، لأنه يتقدم على العامل أيضا ، وهو إمّا الابتداء ، أو الخبر ، على المذهبين ؛

فإذا تقدم الخبر نحو : قائمان وزيد عمرو ، وكيف وزيد عمرو ، جاز اضطرارا ، لتأخره عن العامل ، على المذهبين ؛

__________________

(١) الآية ٩ سورة الزمر ،

(٢) لفظ زيدا مرتبط بكل الأمثلة التي قبله على أنه مفعول ضربت في كل منها

(٣) أي حرف العطف

(٤) أي المعطوف

٣٥٠

ويشترط ، أيضا ، في تقديم المعطوف اضطرارا ، ألّا يكون المعطوف عليه مقرونا بإلّا ، أو معناها ، فلا تقول : ما جاءني وزيد إلا عمرو ؛ ولا : إنما جاءني وزيد عمرو ، وذلك لما تقدم في باب الفاعل ، ان ما بعد «إلّا» في حيّز غير حيّز ما قبلها ، لتخالفهما نفيا وإثباتا ، كما مرّ في باب الفاعل ، (١) فلا يقع قبلها المعطوف الذي هو في حيّز ما بعدها ؛ ومنها (٢) ، أن كل ضمير راجع إلى المعطوف بالواو ، أو «حتى» مع المعطوف عليه ، يطابقهما مطلقا ، نحو : زيد وعمرو جاءاني ، ومات الناس حتى الأنبياء ، وفنوا ، والضمير للمعطوف والمعطوف عليه ؛

وأمّا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها)(٣) فالمعنى : ولا ينفقون الكنوز ، لدلالة يكنزون على الكنوز ؛

وقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٤) ، أي يرضوا أحدهما ، لأن إرضاء أحدهما إرضاء للآخر ؛

ويجوز : زيد وعمرو قام ، على حذف الخبر من الأول اكتفاء بخبر الثاني وكذا يجوز : زيد قام وعمرو ، على حذف الخبر من الثاني اكتفاء بخبر الأول ، أي : وعمرو كذلك ، وفي الموضعين : ليس المبتدأ وحده عطفا على المبتدأ ، إذ لو كان كذلك لقلت : قاما ؛

وأمّا الفاء وثم ، فإن كان الضمير في الخبر ، عن المعطوف بهما مع المعطوف عليه ، ففي مطابقته لهما خلاف ، قال بعضهم يجب حذف الخبر من أحدهما ، إمّا من الأول نحو : زيد فعمرو قام ، وزيد ثم عمرو قام ، أي : زيد قام ، فعمرو قام ؛ وإمّا من الثاني نحو : زيد قام فعمرو ، أي فعمرو قام ، أو : فعمرو كذلك ؛ قالوا (٥) : ولا تجوز

__________________

(١) انظر ص ١٩١ من الجزء الأول ،

(٢) أي من أحكام العطف التي استطرد إلى ذكرها ،

(٣) الآية ٣٤ سورة التوبة ،

(٤) الآية ٦٢ سورة التوبة أيضا ،

(٥) أي أصحاب هذا الرأي المعبر عنهم بقوله : قال بعضهم ، ومقابله : قوله وأجازه الباقون ؛

٣٥١

المطابقة ، لأن تفاوتهما في الترتيب يمنع اشتراكهما في الاضمار ؛ وأجاز الباقون مطابقة الضمير ، وهو الحق ، نحو : زيد ثم عمرو قاما ، إذ الاشتراك في الضمير لا يدل على انتفاء الترتيب حتى يناقض الفاء وثمّ ، إذ قد يقال : قام الرجلان مع ترتيب قيامهما ، والإضمار والإظهار في هذا سواء ، فقاما ، وقام الرجلان ، مثلان في احتمال اجتماع القيامين ، وترتّبهما ؛

وإن لم يكن الضمير في الخبر المذكور ، وجبت المطابقة اتفاقا ، نحو : جاءني زيد فعمرو ، فقلت لهما .. ، وجاءني زيد ثم بكر ، وهما صديقاي ؛

وأمّا «لا» ، و «لكن» ، و «بل» و «أم» ، و؛ «أو» ، و: «إمّا» ، فمطابقة الضمير معها ، وتركها موكولان إلى قصدك ، فإن قصدت أحدهما ، وذلك واجب في الاخبار عن المعطوف بها مع المعطوف عليه مبتدأين : وجب افراد الضمير ، نحو : زيد لا عمرو جاءني ، وزيد بل عمرو قام ، وزيد أو عمرو أتاك ؛ وكذا تقول : زيد أو هند جاءني ، ولا تقول جاءتني إذ المعنى : أحدهما جاءني ، والغلبة للتذكير ؛

وتقول في غير الخبر : جاءني إما زيد وإمّا عمرو فأكرمته ، و: أزيدا ضربت أم عمرا فأوجعته ، و: ما جاءني زيد لكن عمرو فأكرمته ،

وإن قصدت بالضمير كليهما ، وجبت المطابقة ، نحو : زيد لا عمرو جاءني مع أني دعوتهما ، و: زيد أو عمرو جاءني وقد جئتهما وأكرمتهما ،

وتقول في «أو» التي للإباحة : جالس الحسن أو ابن سيرين وباحثه ويجوز : وباحثهما ؛ وكذا تقول : هذا إمّا جوهر أو عرض ، أو : وامّا عرض ، ثم تقول : وهما محدثان ، قال الله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما)(١) ، وليس «أو» بمعنى الواو كما قاله بعضهم ، بل نقول : جواب الشرط محذوف ، والمعنى : إن يكن غنيا أو فقيرا فلا بأس فإن الله أولى بالغني والفقير معا ؛

__________________

(١) الآية ١٣٥ سورة النساء ،

٣٥٢

وإنما قال الله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(١) ، بافراد الضمير ، مع أن الانفضاض كان إليهما معا ؛ لأن الضمير راجع إلى الرؤية المدلول عليها بقوله : رأوا ؛

ولا يستنكر عود ضمير الاثنين إلى المعطوف بأو ، مع المعطوف عليه ، وإن كان المراد أحدهما ، لأنه ، لما استعمل «أو» كثيرا في الاباحة فجاز الجمع بين الأمرين نحو : جالس الحسن أو ابن سيرين ، صار كالواو ولهذا جاز قوله :

٣٤٥ ـ وكان سيّان : ألّا يسرحوا غنما

أو يسرحوه بها واغبرت السوح (٢)

فقال ، مع سيان ، أو يسرحوه ، والحق (٣) ، ويسرحوه ؛

وتقول : أزيدا ضربت أم عمرا ، وهما مستحقان للضرب و: ما جاءني زيد لكن عمرو ، أو : بل عمرو ، وقد دعوتهما ؛

ومنها (٤) : أنه يعطف الفعل على الاسم ، وبالعكس ، إذا كان في الاسم معنى الفعل ، قال الله تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً)(٥) ، على قراءة عاصم (٦) ، أي فلق الاصباح ؛ وكذا قوله تعالى : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)(٧) ، أي : يصففن ويقبضن ، قال :

__________________

(١) الآية ١١ سورة الجمعة ؛

(٢) قال البغدادي إنه ملفق من بيتين لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة ، وأصل البيتين :

وقال راعيهم سيّان سيركم

وأن تقيموا به واغبرت السوح

وكان مثلين أن لا يسرحوا غنما

حيث استرادت مواشيهم وتسريح

ثم قال : ولا شاهد فيه على هذه الرواية ،

(٣) يريد أن الأصل في مثله العطف بالواو ، لأن «سيّان» تقتضي اثنين

(٤) أي من الأحكام الخاصة بالعطف ،

(٥) من الآية ٩٦ سورة الأنعام

(٦) عاصم بن أبي النجود وكنيته أبو بكر ، وهو أحد القراء السبعة ، كوفي ، مات سنة ١١٨

(٧) من الآية ١٩ سورة الملك

٣٥٣

٣٤٦ ـ بات يعشّيها بغضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر (١)

أي : ويجور ؛ ولا يجوز : مررت برجل طويل ويضرب ، على العطف ، إذ الاسم ليس في تقدير الفعل ؛

ويعطف الماضي على المضارع وبالعكس ، خلافا لبعضهم ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ)(٢) ؛ ونحو : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ)(٣) ، و: (أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً)(٤) ؛

وكذا يجوز : لم يقعد زيد ، ولا يقعد زيد غدا ، وبالعكس ،

وكذا يجوز عطف المفرد على الجملة وبالعكس ، إذا تجانسا بالتأويل ، نحو : زيد أبوه كريم ، وعالم إخوته ، لكن عطف الجملة على المفرد أولى من العكس ، لكونها فرعا عليه في كونها ذات محل من الاعراب ، فالأولى كونها تابعة له في الاعراب ، فنحو : مررت برجل شريف وأبوه كريم ، أولى من نحو : برجل أبوه كريم وشريف ، ولا سيّما إذا كانت الجملة والمفرد صفتين ، لأن تطابق الصفة والموصوف ، أكثر من تطابق المبتدأ والخبر ، والحال وصاحبها ؛ ألا ترى أن الأوّلين يتطابقان تعريفا وتنكيرا ، دون البواقي ، فقولك : جئتك أخاف ، وراجيا ، وهند أبوها كريم وشريفة ، ليس في القبح نحو : برجل أبوه كريم وشريف ؛

ويجوز عطف الاسمية على الفعلية ، وبالعكس ، قال ابن جني (٥) : وذلك بالواو ، دون الفاء وأخواتها ، لأصالة الواو في العطف ؛

__________________

(١) العضب : السيف ، الأسوق جمع ساق ، ووجه الشاهد فيه بينه الشارح ، قال البغدادي ان هذا البيت لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به على كثرتهم ولم يذكر أحد منهم شيئا يتصل به ؛

(٢) الآية ١٧٠ سورة الأعراف ،

(٣) من الآية ٢٥ سورة الحج ؛

(٤) من الآية ٩ سورة فاطر ؛

(٥) الامام أبو الفتح عثمان بن جني ، العالم المشهور ، أحد من نقل عنهم الرضي كثيرا في هذا الشرح ؛

٣٥٤

واعلم (١) أنه تجوز المخالفة في الاعراب ، إذا عرف المراد ، نحو : مررت بزيد ، وعمرو ، أي : وعمرو كذلك ، ولقيت زيدا وعمرو ؛ أي : وعمرو كذلك ، قال :

٣٤٧ ـ وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحتا أو مجلّف (٢)

المسحت : المذهب ، والمجلّف : المأخوذ الجوانب الذي بقيت منه بقيّة ، فقوله : مجلف حملا على المعنى ، إذ معنى لم يدع إلّا مسحتا : لم يبق من جوره (٣) إلا مسحت ، ويجوز أن يكون المعنى : أو هو مجلف ، و «أو» منقطعة (٤) ، أي : بل هو مجلف ، كما يجيء في حروف العطف ؛ أو يكون «مجلّف» مصدرا عطف على «عضّ» ، كما مرّ في قوله تعالى : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)(٥) ،

__________________

(١) هذا حكم من أحكام العطف التي استطرد إليها فكان حقه أن يقول : ومنها كما فعل فيما سبق ،

(٢) من قصيدة للفرزدق وفي هذا البيت كلام كثير للعلماء لا يخلو من تكلف ، وفيه اختلاف في رواية البيت وقد شرح الرضي ألفاظه وبين بعض ما فيه من التأويل ،

(٣) أي من جور الزمان

(٤) أي للاضراب

(٥) من الآية ١٩ سورة سبأ ؛

٣٥٥
٣٥٦

[التأكيد]

[معناه والغرض منه]

[قال ابن الحاجب :]

«التأكيد تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة والشمول» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «يقرّر» التقرير ههنا : أن يكون مفهوم التأكيد ومؤدّاه ثابتا في المتبوع ، ويكون لفظ المتبوع يدل عليه صريحا ، كما كان معنى «نفسه» ثابتا في قولك : جاءني زيد نفسه ، إذ يفهم من زيد : نفس زيد ؛

وكذا ، كان معنى الإحاطة الذي في «كلهم» مفهوما من القوم في : جاءني القوم كلهم ، إذ لا بدّ أن يكون القوم إشارة إلى جماعة معيّنة فيكون حقيقة في مجموعهم ؛ ثم إن التأكيد يقرر ذلك الأمر ، أي يجعله مستقرا متحققا بحيث لا يظنّ به غيره ، فربّ لفظ دالّ وضعا على معنى ، حقيقة فيه ، ظنّ المتكلم بالسامع أنه لم يحمله على مدلوله ، إمّا لغفلته ، أو لظنه بالمتكلم الغلط ، أو لظنه به التجوّز ؛

فالغرض الذي وضع له التأكيد : أحد ثلاثة أشياء :

أحدها : أن يدفع المتكلم ضرر غفلة السامع عنه ؛ وثانيها : أن يدفع ظنه بالمتكلم الغلط ، فإذا قصد المتكلم أحد هذين الأمرين ، فلا بدّ أن يكرّر اللفظ الذي ظنّ غفلة السامع عنه ، أو ظن أن السامع ظنّ به الغلط فيه ، تكريرا لفظيا ، نحو : ضرب زيد زيد ، أو : ضرب

٣٥٧

ضرب زيد ، ولا ينجع هنا (١) التكرير المعنوي ، لأنك لو قلت : ضرب زيد نفسه ، فربّما ظن بك السامع أنك أردت : ضرب عمرو ، فقلت : نفسه ، بناء على أن المذكور عمرو ؛ وكذا ان ظننت به الغفلة عن سماع لفظ زيد ، فقولك : نفسه ، لا ينفعك ؛

وربما يكرر غير المنسوب ، والمنسوب إليه (٢) ، لظنك غفلة السامع عنه ، أو لدفع ظنه بك الغلط ، وذلك إمّا في الحرف ، نحو : انّ انّ زيدا قائم ، أو في الجملة نحو قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(٣) ؛

ولا يدخل هذا النوع من التأكيد في حدّ المصنف ، لأنه يقرر أمر المتبوع ولكن لا في النسبة والشمول ؛ ولا يضرّه ذلك (٤) لأنه في حدّ التأكيد الاسميّ. والغرض الثالث : أن يدفع المتكلم عن نفسه ظن السامع به تجوّزا ، وهو ثلاثة أنواع ؛

أحدها أن يظن به تجوزا في ذكر المنسوب ، فربما تنسب الفعل إلى الشيء مجازا وأنت تريد المبالغة ، لا أن عين ذلك الفعل منسوب إليه ، كما تقول : قتل زيد ، وأنت تريد : ضرب ضربا شديدا ، أو تقول : هذا باطل ، وأنت تريد : غير كامل ، فيجب ، أيضا تكرير اللفظ حتى لا يبقى شك في كونه حقيقة ، نحو قوله عليه الصلاة والسّلام : «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل باطل باطل» ؛

والثاني : أن يظن السامع به تجوّزا في ذكر المنسوب إليه المعيّن ، فربّما نسب الفعل إلى الشيء ، والمراد ما يتعلق بذلك المنسوب إليه ، كما تقول : قطع الأمير اللصّ ، أي قطع غلامه بأمره ؛ فيجب ، إذن ، إمّا تكرير لفظ المنسوب إليه ، نحو : ضرب زيد زيد ، أي ضرب هو ، لا من يقوم مقامه ، أو تكريره معنى ، وذلك بالنفس والعين ، ومتصرّفاتهما (٥) لا غير ؛

__________________

(١) أي لا يفيد في دفع هذا الظن ،

(٢) أي الفعل والفاعل ، أو المبتدأ أو الخبر

(٣) الآيتان ٥ ، ٦ سورة ألم نشرح

(٤) يعني لا يقدح في تعريفه للتأكيد ؛

(٥) يعني انتقالهما من الافراد إلى التثنية والجمع ،

٣٥٨

والثالث : أن يظن السامع به تجوّزا ، لا في أصل النسبة ، بل في نسبة الفعل إلى جميع أفراد المنسوب إليه ، مع أنه يريد النسبة إلى بعضها ، لأن العمومات المتخصصة كثيرة ، فيدفع هذا الوهم بذكر «كله» ، و: «أجمع» وأخواته ، و: «كلاهما» ، وثلاثتهم وأربعتهم ، ونحوها ؛

فهذا هو الغرض من جميع ألفاظ التأكيد ؛

قوله : «أمر المتبوع» ، أي ما يتعلق به من نسبة الفعل المذكور إليه ، أو كونها شاملة عامة له ، فالتكرير لفظا أو معنى يقرر ما يتعلق بالمتبوع من اتصافه بكونه منسوبا إليه الفعل ؛ وألفاظ الشمول تقرر ما يتعلق بالمتبوع ، من اتصافه بكون ما نسب إليه عامّا لأجزائه شاملا ، وقوله : «في النسبة أو الشمول» ، بيان للأمر المراد به صفة المتبوع وشأنه ، كما يقال : شأنك في العلوّ أعظم من أن يوصف ، وأمري في الفقر ظاهر ، أي : في باب العلوّ ، وباب الفقر ؛

فالمعنى يقرر أمر المتبوع في باب كونه منسوبا إليه ، وفي باب كون النسبة شاملة عامة لأفراده ؛

فعلى هذا ، يخرج عن حدّ التأكيد ، نحو قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ)(١) ، فإن «اثنين» و «واحد» ، وإن قررا وحققا أمر متبوعهما ، وهو الاثنينيّة والوحدة ، لكن لم يكن ذلك الأمر من باب كون المتبوع منسوبا إليه الاتخاذ الذي في قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا) ، ولا من باب شمول الاتخاذ للالهين ؛ وكذا في قوله تعالى : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ»)(٢) فلفظ «واحدة» لم تقرر كون «نفخة» منسوبا إليها قوله : «نفخ» ولا كون النفخ شاملا لآحاد النفخة ، إذ لا آحاد لها ؛

وقد أورد المصنف الاعتراض على نفسه بنفخة واحدة ، فقال : إن لفظة «واحدة» تقرر الوحدة التي في «نفخة» فيجب أن تكون تأكيدا ؛ وأجاب بأن «نفخة» وإن دلّت

__________________

(١) الآية ٥١ سورة النحل وتكررت

(٢) الآية ١٣ سورة الحاقة ، وتكررت ؛

٣٥٩

على الوحدة لكن ذلك دلالة تضمن لا مطابقة ، لأن مدلولها بالمطابقة : نفخ موصوف بالوحدة ، فمجرد الوحدة مدلول هذه اللفظة تضمنا لا مطابقة ؛

ولقائل أن يقول (١) : المدلول أعمّ من المدلول بالتضمن والمدلول بالمطابقة فكل مدلول لمتبوع ، هو أمر ذلك المتبوع وشأنه ، سواء كان ذلك مطابقة أو تضمنا أو التزاما ؛ وأيضا : أجمعون ، في قولك : جاءني الرجال أجمعون ، يقرر مدلول الرجال تضمنا لا مطابقة ، لأن كونهم مجتمعين في المجيء بحيث لم يخرج منه أحد منهم : مدلول اللفظ (٢) من حيث كونه جمعا معرّفا باللام المشار بها إلى رجال معيّنين ، لا مدلول أصل الكلمة أعني كونهم رجالا مجتمعين ، وهو مركب من الرجال ومن اجتماعهم ؛

وكذا ، جاءني الرجلان كلاهما ، لفظة «كلا» موضوعة للاثنينيّة التي هي مدلول «الرجلان» ضمنا ، وهو مع ذلك تأكيد ؛

فإن قلت : بل معنى «كلاهما» في : جاءني الزيدان كلاهما : كلا الزيدين وكلا الزيدين : هما الزيدان ، فمفهوم التأكيد مفهوم المؤكد مطابقة ؛

قلت : هذا وهم ، لأن التأكيد هو : كلا ، المضاف ، ومعناه : الاثنان ، لا «هما» (٣) الذي هو المضاف إليه الذي مدلوله مدلول الزيدين فمعنى : كلا الزيدين : اثناهما ، إلا أنه لم يستعمل لفظ «اثناهما» ، والاثنان ، مدلول لفظ الزيدين تضمنا لا مطابقة ؛

واعلم أنهم إذا أرادوا الوحدة ، والاثنينيّة والاجتماع ، لا باعتبار نسبة الفعل ، لم يضيفوا الألفاظ الدالة على هذه المعاني ، نحو : جاءني رجل واحد ، ورجلان اثنان ورجال جماعة ، ومع قصد تعيين عدد الجماعة تقول : رجال ثلاثة أو أربعة أو خمسة ، وعلى هذا القياس ؛

__________________

(١) هذه مناقشة لما أجاب به المصنف عن الاعتراض ،

(٢) أي لفظ الرجال ؛

(٣) يعني لفظ «هما» في : كلاهما ،

٣٦٠