شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

نكرة بلا خلاف ، فكذا يلزم أن يكون : لا أبا لك ، إذ المعرفة لا توافق النكرة معنى ؛ والجواب أنهم اتفقوا على أن معنى الجملتين ، أعني : لا أبا لك ولا أب لك سواء ، ولم يتفقوا على أن : أبا لك ، وأب لك بمعنى واحد ، وقد يكون المقصود من الجملتين واحدا ، مع أن المسند إليه في احداهما معرفة ، وفي الأخرى نكرة ، فالمسند ، أي خبر «لا» في : لا أبا لك ، محذوف ، أي : لا أبا لك موجود ، وأمّا في : لا أب لك ، فهو «لك» أي : لا أب موجود لك فالجملة الأولى بمعنى : لا كان أبوك موجودا ، والثانية بمعنى : لا كان لك أب ، ولا خلاف في اتحاد فحوى الجملتين مع كون المسند إليه في إحداهما معرفة وفي الأخرى نكرة ؛

ثم قال المصنف : إن الوجه في مثله أن يقال : هو ، وإن لم يكن مضافا للفساد المذكور ، لكنه مشابه للمضاف ، فأعطى حكم المضاف من إثبات الألف في : أبا ، وأخا ، وحذف النون في : غلامي ومسلمي ،

ولا يريد بمشابهته للمضاف أنه مضارع للمضاف بالتفسير الذي مرّ في باب المنادى ، إذ لو كان كذلك لوجب تنوينه ، كما في : لا حسنا وجمه ، ولا حافظا لكتاب الله ، وأيضا ، فإن أبا لك وأب لك عنده شيء واحد ، من حيث المعنى ، و «لك» في : لا أب لك إمّا خبر «لا» ، أو صفة لاسمها ، واسم «لا» لا يصير بالصفة ولا بالخبر مضارعا للمضاف ، بدليل أنك تقول : لا رجل في الدار ، ولا غلام ظريفا ، ولو كان مضارعا للمضاف ، لقلت : لا رجلا في الدار ، ولا غلاما ظريفا ؛

قوله : «لمشاركته له» ، أي لمشاركة نحو : أبا لك ، لأباك ، المضاف في أصل معناه ، أي في أصل معنى المضاف ، وذلك أن أصل معنى المضاف الذي هو «أبوك» ، وأصله «أب لك» ، كان تخصيص الأب بالمخاطب فقط ، ثم لمّا حذف اللام وأضيف ، صار المضاف معرفة ، ففي «أبوك» تخصيص أصلى وتعريف حادث بالإضافة كما يجيئ في باب الإضافة ، و «أب لك» يشارك «أبوك» في التخصيص الذي هو أصل معناه ؛ ومن ثمّ لم يجز ، أي من جهة أن اعطاءه حكم المضاف لمشاركته له في أصل معناه ، لم يجز : لا أبا فيها ، ولا رقيبي عليها ، لأن المضاف قبل الإضافة لم يكن بمعنى في ، وعلي ؛

١٨١

قوله : «لفساد المعنى» ، يعني أن المعرّف لا يكون بمعنى المنكر ، كما ذكرنا من تقديره ؛

ولو كان كما ذكر المصنف ، لجاز ، أيضا في المنكّر : لا أبا لرجل طويل ونحوه ، تشبيها بالمضاف ، ولم يختص هذا الحكم بالمعرّف ؛

فإذا قلت : لا غلامين ظريفين لك ، لم تحذف النون من غلامين ، اتفاقا ، أمّا على مذهب النحاة فلامتناع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بنعت المضاف ؛ وأمّا على مذهب المصنف ، فللفصل بين شبه المضافين بما لا يفصل به بينهما ؛

وأمّا إن فصلت بالظرف أو الجار والمجرور الناقص ، دون الظرف المستقر نحو : لا يدي بها لك ولا غلامي اليوم لك فأجازه يونس اختيارا ، لأن الفصل كلا فصل لكثرة ما يتّسع في الظروف ؛

ولم يجزه سيبويه والخليل ، بل أوجبا إثبات النون ، إلا لضرورة الشعر ، كقوله :

٢٦٠ ـ كأن أصوات من إيغالهن بنا

أواخر الميس إنقاض الفراريج (١)

__________________

(١) من قصيدة لذي الرمة ، والبيت في وصف الإبل ، وشدة سيرها حتى أن الرحال حين يحكّ بعضها بعضا تحدث صوتا شبيها بصوت صغار الدجاج ، والميس : شجر تتخذ منه الرحال ، وأراد به الرحال هنا ، والإنقاض ، مصدر : أنقضت الدجاجة أي صوّتت ؛

١٨٢

[حذف اسم لا]

[قال ابن الحاجب :]

«ويحذف في مثل : لا عليك» ؛

[قال الرضي :]

أي : لا بأس عليك ، أي يحذف اسم «لا» في : لا عليك ، ولا يحذف إلا مع وجود الخبر ، كما لا يحذف الخبر إلا مع وجود الاسم ، لئلا يكون إجحافا ،

وقولهم : لا كزيد ، إن جعلنا الكاف اسما ، جاز أن يكون «كزيد» اسما والخبر محذوف ، أي : لا مثله موجود وجاز أن يكون خبرا ، أي لا أحد مثل زيد ؛

وإن جعلنا الكاف حرفا فالاسم محذوف ، أي لا أحد كزيد ؛

١٨٣

[خبر ما ولا]

[المشبهتان بليس]

[قال ابن الحاجب :]

«خبر ما ، ولا ، المشبهتان بليس ، هو المسند بعد دخولهما ،»

«وهي حجازية ؛ وإذا زيدت إن ، مع ما ، أو انتقض النفي»

«بالّا ، أو تقدم الخبر ، بطل العمل ، وإذا عطف عليه»

«بموجب فالرفع» ؛

[قال الرضي :]

قوله : «المسند بعد دخولهما» ، أي دخول «ما» في مسألتها ، و «لا» ، في مسألتها ، لا أنهما تجتمعان معا ، والاعتراض عليه كما في خبر «كان» ؛

قوله : «وهي حجازية» أي هذه اللغة ، وهي إعمال «ما» و «لا» عمل «ليس» ، وقد ذكرنا (١) أنهم لا ينقلون عن أحد ، لا عن الحجازيين ولا عن غيرهم رفع اسم «لا» ونصب خبرها في موضع ، فاللغة الحجازية إذن ، اعمال «ما» وحدها دون «لا» عمل ليس بشروط ستجيئ ؛

وغير الحجازيين وهم بنو تميم ، لا يعملونها مطلقا ؛

__________________

(١) وضح الشارح هذا المعنى في باب اسم ما ولا ، في الجزء الأول وكرره في باب خبر لا التبرئة السابق على هذا الباب ؛

١٨٤

قوله : «وإذا زيدت إن مع ما» ، هذه شروط عملها عمل ليس : أحدها : ألّا يليها «إن» كقوله :

٢٦١ ـ وما إن طبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا (١)

اعلم أن الأصل في «ما» : ألّا تعمل ، كما في لغة بني تميم ، إذ قياس العوامل أن تختصّ بالقبيل الذي تعمل فيه ، من الاسم ، أو الفعل ، لتكون متمكنة بثبوتها في مركزها ، و «ما» مشتركة بين الاسم والفعل ،

وأمّا الحجازيون فإنهم أعملوها مع عدم الاختصاص ، لقوة مشابهتها لليس ، لأن معناهما في الحقيقة سواء ، وذلك لأن معنى «ليس» في الأصل : ما كان ، ثم تجرّدت عن الدلالة على الزمان ، فبقيت مفيدة لنفي الكون ، ومعنى «ما» مجرد النفي ، ومعلوم أن نفي الشيء بمعنى نفي كونه ، سواء ، من حيث الحقيقة ، كما ذكرنا في باب الاستثناء ؛ (٢)

وعند النحاة أن «ما» و «ليس» ، كلاهما لنفي الحال ؛ والحق ، أنهما لمطلق النفي ، كما يجيئ في الأفعال الناقصة ؛

فلمّا كان (٣) قياس إعمالها ضعيفا ، انعزلت لأدنى عارض ؛ فمن ذلك (٤) مجيئ «إن» بعدها ، وإنما عزلتها ، لأنها وإن كانت زائدة ، لكنها تشابه «إن» النافية لفظا ، فكأنّ «ما» النافية دخلت على نفي ، والنفي إذا دخل على النفي أفاد الإيجاب ، فصارت «إن» كالّا ، الناقضة لنفي «ما» في نحو : ما زيد إلا منطلق ، ويجوز أن يقال : إنما انعزلت

__________________

(١) من أبيات لعزوة بن مسيك المرادي يقول فيها :

فان نغلب فغلّابون قدما

وإن نغلب فغير مغلّبينا

والطب بكسر الطاء : العلة والداء ، يقول : لم يكن سبب انهزامنا علة الجبن والخور ولكن القدر جرى بمنايانا وانتصار غيرنا ؛

(٢) انظر في هذا الجزء ص ١١٠

(٣) عودة بالحديث إلى «ما» وعملها وأنه ضعيف ونتيجة ذلك ؛

(٤) أي من الأمور التي تعرض فتعزلها عن العمل ،

١٨٥

للفصل بينها وبين معمولها بغير الظرف ؛

وقد جاءت «إن» بعدها غير كافّة ، شذوذا ، وهو عند المبرد قياس ؛ أنشد أبو عليّ :

٢٦٢ ـ بني غدانّة ما إن أنتم ذهبا

ولا صريفا ولكن أنتم الخزف (١)

و «إن» العازلة (٢) عند الكوفيين ، نافية لا زائدة ، ولعلهم يقولون : هي نافية زيدت لتأكيد نفي «ما» ، وإلّا (٣) ، فإن النفي إذا دخل على النفي أفاد الإيجاب ؛

وردّ عليهم بأنه لا يجوز الجمع بين حرفين متفقي المعنى ، إلا مفصولا بينهما ، كما في إنّ زيدا لقائم (٤) ، وأمّا الجمع بين اللام وقد في نحو : (لَقَدْ سَمِعَ)(٥)» ، مع أن في كليهما معنى التحقيق والتأكيد ، فلأن «قد» يشوبها معنيان آخران ؛ وهما التقريب والتوقع ، فلم تكن بحتا للتحقيق ، وكذا في : ألا إنّ ، مع أن في «ألا» معنى التحقيق ، لأن (٦) فيها معنى التنبيه ، أيضا ، وأنشد الفراء :

٢٦٣ ـ الّا أواريّ ما إن لا أبيّنها

والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد (٧)

بالجمع بين ثلاثة أحرف نافية ، والرواية : لأيّا ما أبيّنها ؛

ومما يعزلها عن العمل : انتقاض نفيها ، لأن عملها إنما كان لأجل النفي الذي به شابهت

__________________

(١) غدانة بضم الغين المعجمة : حيّ من بني يربوع من تميم والمراد بالصريف : الفضة ، والخزف ما يصنع من الطين ثم يحرق قال البغدادي : ولم أجد من نسبه لأحد مع كثرة وروده في كتب النحو ؛

(٢) أي التي تمنع ما من العمل ،

(٣) أي وإذا لم يكن هذا هو وجهة نظر الكوفيين ،

(٤) يعني الجمع بين انّ واللام

(٥) أول الآية ١٨١ سورة آل عمران ،

(٦) أي جاز الجمع بين ألا وان لأن في ألا معنى التنبيه ،

(٧) هو البيت الثاني من قصيدة النابغة الذبياني ، التي تعد إحدى المعلقات عند بعض العلماء ، ويروى : الا الأواريّ بالتعريف ، وهو جمع آريّ ، أي محبس الخيل ؛ واللأى البطء ، والنؤى بضم النون حفرة حول الخباء لمنع المطر ، شبهه بالحوض الذي يحفر في الأرض لغير غرض الإقامة ، فتكون الأرض مظلومة بحفره فيها ، والجلد : الأرض الصلبة ؛

١٨٦

«ليس» فكيف تعمل مع زوال المشابهة؟

ونقل عن يونس أنه يجوز اعمالها مع انتقاض نفيها بالّا ، وأنشد في ذلك :

٢٦٤ ـ وما الدهر إلا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلا معذّبا (١)

وأجيب بأن المضاف محذف من الأول ، أي : دوران منجنون ، وكذا «معذبا» مصدر ، كقوله تعالى ، (وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) (٢) ، فيكون مثل قولك ما زيد إلا سيرا ، على ما مضى في المعقول المطلق ؛ (٣)

ومن ذلك : أن يتقدم نفس الخبر ، ظرفا كان أو غيره ، نحو : ما قائم زيد ، وما في الدار زيد ، وذلك لضعفها في العمل ، فلا تتصرف في العمل بأن تعمل النصب قبل الرفع ، كالفعل ؛

وقال ابن عصفور (٤) ، وتبعه العبديّ (٥) ، لا يبطل عملها إذا كان الخبر المتقدم ظرفا أو جارّا ومجرورا ، لكثرة التوسع فيه ، كما تعمل «إن» وأخواتها ؛

قال أبو علي : زعموا أن قوما جوّزوا اعمالها متقدمة الخبر ، ظرفا كان ، أو غيره ، قال الربعي (٦) : الأعمال عندي هو القياس لبقاء معنى النفي ؛

__________________

(١) المنجنون : الدولاب الذي يستقي به الماء ، شبه به الدهر في تقلبه ودورانه بأهله ، وخرجه بعضهم على أوجه أخرى غير ما قال الشارح منها أن التقدير : كمنجنون بحذف أداة التشبيه ، ويروى : أرى الدهر .. وفي تخريمه تكلف ، والميم في منجنون أصلية ، وقد كتب ابن جني في شرحه على تصريف المازني على هذه الكلمة ما فيه مقنع للباحث. والبيت غير منسوب كما قال البغدادي بأكثر من قول ابن جني إنه لبعض العرب ؛

(٢) الآية ١٩ من سورة سبأ ،

(٣) فيكون المعنى يدور دوران منجنون ، ويعذّب معذّبا أي تعذيبا

(٤) ابن عصفور هو علي بن مؤمن ، قال عنه السيوطي إنه حامل لواء العربية في زمنه ، توفي سنة ٦٦٩ ه‍ وهو معاصر للرضي ؛

(٥) العبدي هو أحمد بن بكر ، من علماء القرن الرابع أخذ عن السيرافي وقد ذكر في الجزء الأول ،

(٦) الربعي نسبة إلى ربيعة : أبو الحسن علي بن عيسى من علماء القرن السادس ، وتقدم ذكره في الجزء الأول ،

١٨٧

وأمّا قول الفرزدق :

٢٦٥ ـ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (١)

فإن سيبويه ، حكى أن بعض الناس ينصبون «مثلهم» وقال : هذا لا يكاد يعرف (٢) ؛ وقيل إن خبر «ما» محذوف أي : إذ ما في الدنيا بشر ، ومثلهم : حال من بشر ، مقدم عليه ؛ وجوّز الكوفيون انتصابه على الظرف أي في مثل حالهم وفي مثل مكانهم من الرفعة ؛

ويروى : ما مسيئا من أعتب ؛ (٣)

قالوا : ونحو قوله :

٢٦٦ ـ لو انك يا حسين خلقت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا الخليق (٤)

دليل (٥) على جواز تقديم الخبر المنصوب ، إذ الباء لا تدخل إلا على الخبر المنصوب ، دون المرفوع ؛ وعلى هذا بنى أبو عليّ ، والزمخشري : امتناع دخولها (٦) على خبر «ما» التميمية ، وأجازه الأخفش ، وهو الوجه ، لأنها تدخل بعد «ما» المكفوفة بإن ، اتفاقا ، نحو : ما إن زيد بقائم ، قال :

٢٦٧ ـ لعمرك ما إن أبو مالك

بواه ولا بضعيف قواه (٧)

__________________

(١) هذا من قصيدة للفرزدق في مدح عمر بن عبد العزيز ، الخليفة الأموي رحمه الله ، وفي تخريج البيت أوجه أخرى غير ما قاله الرضي ؛

(٢) مأخوذ بنصه من سيبويه ج ١ ص ٢٩ ، مع البيت المذكور ؛

(٣) الأكثر في روايته الرفع ، والإعتاب : ازالة العتب ، وهو كلام يجري مجرى المثل ؛

(٤) يروى أما والله أن لو كنت حرّا ؛ وعلى رواية الشارح هو مسبوق بقسم في بيت قبله وهو :

أما والله عالم كل غيب

وربّ الحجر والبيت العتيق

ولم ينسب البيتان لأحد ؛

(٥) دليل ؛ خبر عن : نحو قوله ،

(٦) أي الباء

(٧) هذا أول أبيات للمتنخل الهذلي في رثاء أبيه ، ومنها قوله :

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

١٨٨

ومنع أبو علي والأخفش دخولها على خبر «ما» المتقدم ، خلافا للرّبعي ، والبيت المذكور شاهد له ؛ (١)

ولا يمنع دخول الباء في خبر ليس غير انتقاض النفي بالّا ، وذلك لأن الباء لتأكيد النفي ، فلا تدخل بعد انتقاضه ؛ وقد تدخل هذه الباء على خبر مبتدأ بعد «هل» نحو : هل زيد بخارج ، وفي الخبر المنفي في باب «ظنّ» نحو : ما ظننته بخارج ؛ وقد تزاد في خبر «لا» التبرئة ، نحو : «لا خير بخير بعده النار» ، (٢) وقيل ، هي بمعنى «في» ؛

وربما زيدت في الحال المنفية (٣) ، نحو : ما جاءني زيد براكب ، وفي خبر «أن» الآتية بعد باب «رأيت» منفيا ، كقوله تعالى : «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ (٤) ..» ،

وقد تزاد بعد «ليت» ، قال :

٢٦٨ ـ ندمت على لسان كان مني

فليت بأنّه في جوف عكم (٥)

وممّا يبطل عمل «ما» ، أن يتقدم ما ليس بظرف على الاسم المتقدم على الخبر ، فلا يجوز : ما زيدا عمرو ضاربا ، بخلاف ما إذا كان ظرفا ، كقوله تعالى : «فَما مِنْكُمْ

__________________

(١) شاهد له أي لما ذهب إليه أبو علي والأخفش ، ومراده بالبيت : لو أنك يا حسين الخ ...

(٢) هذا مما جاء في نهج البلاغة المنسوب إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وروايته في النهج : ما خير بخير بعده النار ، وما شر بشر بعده الجنة ، انظر ص ٤١٦ من نهج البلاغة طبع دار الشعب بالقاهرة تحقيق الأستاذين محمد البنا ، ومحمد عاشور ؛

(٣) استشهدوا له بقول القحيف العقيليّ :

فما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها

(٤) الآية ٣٣ سورة الأحقاف ،

(٥) من أبيات للحطيئة قالها في بني سهم بن مالك بعد أن تحوّل عنهم فندم ، حيث يقول :

فيا ندمي على سهم بن عود

ندامة ما سفهت وضلّ حلمي

ندمت ندامة الكسعيّ لما

شريت رضا بني سهم برغمي

وشريت بمعنى بعت ، ويروى : فليت بيانه ، أي بيان لساني ، ولا شاهد فيه على هذا ؛

١٨٩

مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (١)» ؛

وأمّا الخبر إذا تقدم وكان ظرفا ، فقد ذكرنا حاله ؛ وقال الكوفيون : الاسمان بعد «ما» مبتدأ وخبر ، وانتصاب الثاني بنزع الخافض أعني الباء ، وليس بشيء ، لأن الباء زائدة ، فإذا لم تثبت لم يحكم بأنها محذوفة ، وأيضا ، ليس المجرور بها مفعولا حتى ينتصب بالمفعولية مع حذف الجار ووصول الفعل إليه ، كما في : استغفرت الله ذنبا (٢) ، وذلك لأن الناصب ليس نزع الخافض ، بل الناصب هو الفعل أو شبهه ، ينصب المجرور محلا لكونه مفعولا ، إذ لا يمكن نصبه لفظا بسبب الجارّ ، فإذا عدم الجار ، ظهر عمله المقدر ، هذا ، مع أن حذف الجار ونصب المفعول بعده ، أيضا ، ليس بقياس إلا مع «أنّ» و «أن» ؛

وأجاز الأخفش حذف اسم «ما» ، استغناء ببدل موجب نحو : ما قائما إلا زيد ؛ وليس بشيء ، لما ذكرنا أن المستثنى في المفرّغ قائم مقام المتعدد المقدّر ، فيكون ، قد عمل «ما» ، على هذا ، في الاسم مع تأخره عن الخبر ، وانتقاض النفي ، وأحدهما مبطل لعملها فكيف إذا اجتمعا؟ ؛

ولا يجوز أن يقال : ما إلا زيد قائما ، لتقدم المستثنى المفرغ على الحكم ، ولا يجوز ، أيضا ، أن تعمل «ما» مع الفصل بينها وبين معمولها بغير الظرف ومع انتقاض النفي ؛

قوله : «وإذا عطف عليه» ، أي على خبر «ما» ، سواء كان منصوبا أو مجرورا بالباء الزائدة ؛ قوله : «بموجب (٣)» ، وذلك إذا عطفت عليه ببل ، أو لكن ، لأنهما للإثبات بعد النفي ، كما يجيئ في حروف العطف ،.

قوله : «فالرفع» ، أي الرفع واجب ، وذلك لزوال علة العمل وهي النفي ؛ وقد

__________________

(١) الآية ٤٧ من سورة الحاقة ؛

(٢) إشارة إلى بيت شعر مجهول القائل تقدم في الجزء الأول ص ٥٠٣ وقد اعتبره البغدادي شاهدا وكتب عليه.

وهو في سيبويه ج ١ ص ١٧.

(٣) بكسر الجيم ، أي مفيد للإيجاب والثبوت فيما بعده ،

١٩٠

ذكرنا وجه الرفع فيه ، في باب الاستثناء (١) ، فلا نعيده ؛

وقال عبد القاهر (٢) : هو خبر لمبتدأ محذوف ، أي : ما زيد بقائم ، لكن هو قاعد ، فعلى هذا ، ليس هذا عنده ممّا نحن فيه ، أي من باب عطف المفرد على المفرد ، ولا يمكن أن يكون منه ، لامتناع عطفه عنده على الخبر وحده ، إذ يلزمه النصب عنده ، فهو ، على هذا من باب القطع ، كما يجيئ في باب العطف ؛

وقال ابن جعفر (٣) : هو عطف على التوهم ، لأنه كثيرا ما يقع خبر «ما» ، مرفوعا ، عند ما تنعزل عن العمل ، فتوهموا أن الأول مرفوع ، وهذا كتوهم الجرّ في قوله :

٢٦٩ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا بيين غرابها (٤)

وليس ما ذهب إليه بشيء ، لأن مثل ذلك ليس بمطرد ، ولا في سعة الكلام ؛

وإذا عطفت على خبر «ما» أو خبر «ليس» المجرور بالباء : منفيا ، نحو : ما زيد بقائم ولا قاعد ، جاز في المعطوف الجر ، حملا على اللفظ ، والنصب حملا على المحل ، قال :

معاوي إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٥) ـ ١٢٠

__________________

(١) انظر في هذا الجزء ، ص ١٠٨

(٢) الإمام عبد القاهر الجرجاني صاحب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة وتقدم ذكره في الجزء الأول ،

(٣) الأرجح أنه يريد : محمد بن جعفر الأنصاري المرسي (بفتح الميم) من مرسية بالمغرب ، وهو من علماء القرن السادس وتقدم ذكره في الجزء الأول ؛ وقد يكون المراد : ابن درستويه ، واسمه عبد الله بن جعفر ، وهو ممن ينقل عنهم الرضي ، وقد يذكر بعض من ينقل عنهم بهذه الصورة كقوله عن الزجاج : ابن السري ، لأن اسمه إبراهيم بن السري ،

(٤) من قصيدة للأحوص يلوم قومه على قبولهم الدية من بني دارم الذين قتلوا واحدا من قومه ، وبنو دارم هم المقصودون بقوله : مشانيم ... ويقول في هذه القصيدة مخاطبا قومه :

فإن أنتم لم تعقلوا بأخيكم

فكونوا بغايا بالأكف عيابها

العياب بكسر العين جمع عيبة ، وهي الحقيقة وما يشبهها ، مما يمسك باليد وفيه بعض المتاع ؛

(٥) البيت منسوب إلى عقبة بن الحارث ، أو عقبة بن هبيرة الأسدي والمخاطب به معاوية بن أبي سفيان وقد ـ ـ ورد في شعر منصوب القوافي ، وآخر مجرورها فكأن كلّا من الشعرين لأحد الشاعرين المذكورين ، فلا وجه لإنكار من أنكر رواية النصب وتقدم هذا البيت في الجزء الأول من هذا الشرح ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٣٤ وتكرر في مواضع أخرى منه ، وانظر خزانة الأدب ،

١٩١

ويجوز الرفع ، على أن يكون من باب عطف الجملة على الجملة ، والمبتدأ محذوف ، أي : ولا هو قاعد ؛

وقد يجرّ المعطوف على خبرهما المنصوب أيضا ، مع الرفع والنصب ، نحو : ما زيد قائما ، ولا قاعدا ، ولا قاعد ، ولا قاعد ، وذلك لتوهم الباء فيه لكثرة دخولها على خبرهما ، وذلك كما في قوله :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... البيت (١)

وأمّا في غير خبرهما (٢) ، نحو : هل زيد خارج أو داخل بالجر ، فضعيف نادر ، لأنه لا تكثر الباء في مثله حتى يكون المعدوم كالثابت ؛

وقد يعامل هذه المعاملة : المعطوف على منصوب اسم الفاعل ، بشرط اتصال المنصوب باسم الفاعل ، على توهم إضافته إليه ، نحو : زيد ضارب عمرا وبكر ؛

فإن عطفت على خبر ليس أو «ما» المنصوب ، وصفا منفيا مرتفعا به بعده ما هو من سبب اسمها ، نحو : ما زيد قائما ، ولا قاعدا غلامه ، جاز لك في ذلك الوصف وجه آخر ، وهو أن ترفعه ، على عطف جملة ابتدائية متقدمة الخبر على الجملة التي هي : ما زيد قائما ، لا على : «زيد قائما» ، فيكون عطف اسميّة على اسمية (٣) ، ويجوز مثل ذلك في نحو : ما كان زيد قائما ولا قاعد غلامه ، فيكون من عطف اسمية على فعلية ، ويكون مضمون المعطوف عليه ههنا ماضيا ، لأن ما كان ، لنفي الماضي ، ومضمون المعطوف حال ،

__________________

(١) الشاهد المتقدم قبل قليل ،

(٢) المناسب أن يكون التعبير : وأما في خبر غيرهما ؛

(٣) هذا واضح بالنسبة للمثال الذي في أوله «ما» ، وأما المصدر بليس فهو من قبيل ما سيأتي في المعطوف بعد ما كان .. ؛

١٩٢

لأنه ليس مبنيا على : ما كان ، بل هو كقولك : غلامه قاعد ، فظاهره الحال ؛

وأمّا في : ما ، وليس ، فمضمون المعطوف والمعطوف عليه حال ، رفعت الوصف الذي بعد حرف العطف أو نصبته ، لأن «ما» و «ليس» ، للنفي المطلق ، فظاهرهما الحال ؛

وتقول (١) ، على هذا ، ما كان زيد قائما ، ولا عمرو قاعدا أو قاعد ، فإذا انصبت فالقيام والعقود منفيان في الماضي ، وإذا رفعت فالقيام منتف في الماضي ، والعقود في الحال ؛ وأمّا في : ما زيد ، أو ليس زيد قائما ، ولا عمرو قاعدا أو قاعد ، فالجملتان حاليتان ، رفعت قاعدا ، أو نصبته ، لما ذكرنا ؛

فنصب «قاعدا» في المواضع الثلاثة ، أعني : ما كان ، وليس ، وما ، عطف على الاسم والخبر ، ورفعه على عطف الجملة على : ما كان زيد قائما ، و: ليس زيد قائما ، و: ما زيد قائما ؛

ويجوز في : ما زيد قائما ولا قاعد أبوه ، برفع «قاعد» ، أن يكون على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر ، إلّا أنه لمّا تقدم الخبر في المعطوف بطل عمل «ما» ، ولا يجوز ذلك في : ما كان زيد قائما ولا قاعد أبوه ، ولا في «ليس» ، إذ لا يبطل عملهما بتقديم خبرهما على اسمهما ، بل يجب أن يكون ذلك فيهما على عطف الاسمية على الفعلية ؛

ويجوز في نصب «قاعدا» في : ليس زيد قائما ولا قاعدا أبوه ، أن يكون لأجل عطف الخبر على الخبر ، وأبوه ، فاعله ، ويجوز هذا الوجه في : ما زيد قائما ولا قاعدا أبوه ، وأن يكون لكونه خبرا مقدما على الاسم ، ولا يجوز هذا الوجه في : ما كان ؛

ويجوز في هذه المسألة ، جرّ المعطوف على توهم الجر في المعطوف عليه ، ويكون من عطف المفرد على المفرد ؛ ولو جعلناه على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر ، جاز في : ليس ، على تقدير جواز العطف على عاملين مختلفين ، على ما سيجيئ من مذهب

__________________

(١) ما سيذكره الشارح هنا إلى نهايته مما تعوّد الاستطراد إليه ، وهو أشبه بالتطبيق وتكرير القواعد والأحكام ؛

١٩٣

الأخفش ، وجاز في «ما» على تقدير جواز دخول الباء على خبر «ما» المتقدم ، وكذا إن أظهرت الباء في هذه المسألة في «قائما» نحو : ليس زيد أو ما زيد بقائم ، ولا قاعد أبوه ، جاز (١) لك في «قاعد» الرفع والنصب والجر ، على الوجه المذكور ، سواء ؛ (٢)

ولو جعلت مكان السبب المذكور أعني «أبوه» اسم «ما» مكررا فقلت : ما زيد بقائم ولا قاعد زيد ، فالرفع أجود من النصب والجر ، لأن الكلام مع الرفع جملتان ، ومع النصب والجر جملة واحدة ، وتكرير الاسم في الجملة الواحدة ضعيف غير كثير ، نحو : زيد ضربت زيدا ؛ على إقامة الظاهر مقام الضمير ، لأن (٣) الضمير أخف ، الّا أن يكون في موضع التفخيم نحو قوله تعالى : (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ) (٤) ، وأمّا في الجملتين فكثير ، وإن اتصلتا ، كقوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ، اللَّهُ أَعْلَمُ) (٥) ،

وإن جعلت موضع السبب اسمه (٦) بلا ضمير يرجع إلى الاسم (٧) ، نحو : ما زيد قائما عمرو ، وعمرو أبو زيد ، لم يجز ، لأنك لم تجعله في اللفظ مربوطا به ، بخلاف تكرير الاسم في نحو : ما زيد ضاربا زيد ، فإن فيه ربطا ، بتكرار الاسم لفظا ، فلذا جازمع ضعفه على ما ذكرنا ؛

ولو قلت : ما أبو زينب ذاهبا ولا مقيمة أمها ، لم يجز نصب مقيمة ، لخلوّها مع المرفوع بعدها من العائد إلى الاسم ، أي : أبو زينب ؛

__________________

(١) هذا تفسير لما فهم من التشبيه في قوله : وكذا إن أظهرت الباء .. الخ

(٢) أي المسألتان سواء ؛ وهو تعبير يتردد كثيرا في كلامه.

(٣) علة الضعف في إقامة الظاهر مقام الضمير في الجملة الواحدة ،

(٤) الآيتان ١ ، ٢ من سورة القارعة ،

(٥) الآية ١٢٤ سورة الأنعام

(٦) أي الاسم الموضوع لذلك السبي.

(٧) أي اسم «ما» ،

١٩٤

وإن جعلت موضع السببي أجنبيا ، نحو : ما زيد بقائم أو قائما ، ولا قاعد عمرو ، فليس ، مع «ما» نصب قاعد ، لأن «عمرا» لا يصلح أن يكون فاعلا لقاعد ، على عطف الخبر على الخبر ، لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجب له ، وقد وجب في المعطوف عليه أن يكون فيه ، أو في معموله ضمير يرجع إلى اسم «ما» لكونه مشتقا ، فكذا يجب في المعطوف الذي هو «قاعد» ، ولا ضمير فيه لو رفع «عمرو» ، ولا في معموله ؛ فإذا لم يجز عطف الخبر على الخبر ، لم يبق إلا عطف الجملة على الجملة ، فوجب إمّا رفع «قاعد» ، لتقدمه على الاسم ، أو جرّه ، إن جوّزنا دخول الباء على خبر «ما» المتقدم على الاسم ، على ما هو مذهب الرّبعي ؛ (١)

هذا في «ما» ، وأمّا في «ليس» فيجوز نصب «قاعدا» على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر ، ويجوز الرفع على عطف الاسمية على الفعلية ، ويجوز الجرّ ، على ما ذهب إليه الأخفش من تجويز العطف على عاملين مختلفين ، لأنه لا يشترط في المعطوف عليهما ما يشترطه المصنف من كون الأول مجرورا والثاني منصوبا أو مرفوعا ، كما يجيئ في باب العطف ؛

وبعض القدماء ، منع من نحو : ما زيد قائما ، ولا عمرو ذاهبا ؛ ونقض (٢) سيبويه عليهم ذلك بجواز : ما زيد ولا أبوه ذاهبين ؛ إجماعا ، والعامل في المعطوف عنده ، هو العامل في المعطوف عليه ، لا المقدّر ، كما يجيئ في التوابع (٣) ؛

* * *

وأجاز المبّرد إعمال «إن» النافية عمل «ليس مستشهدا بقوله :

__________________

(١) تقدم ذكر الربعي وبيان مذهبه قريبا في هذا الجزء

(٢) هذا وما يتصل به مستفاد من كلام سيبويه ج ١ ص ٢٩ وما بعدها ؛

(٣) هذا آخر ما استطرد إليه الرضي مما أشرنا إلى أنه أشبه بتطبيق لتثبيت القواعد ،

١٩٥

٢٧٠ ـ إن هو مستوليا على أحد

إلا على أضعف المجانين (١)

وليس بمشهور ؛

وجميع النحاة جوّزوا إعمال «لا» عمل ليس ، على الشذوذ ، وفيه النظر الذي تكرر ذكره (٢) ؛

قال الأندلسي (٣) : ينبغي في «لا» العاملة عمل «ليس» مراعاة الشروط المعتبرة لإعمال «ما» ، بل هي فيها أولى ، فإنها أضعف من «ما» ؛

قال : لكن النحاة لا يذكرون في كتبهم إلا شرطا واحدا ، وهو كون معمولها نكرة ، اسما كان أو خبرا ، قال : ومن رأى اعمال «إن» عمل «ليس» يعتبر ، أيضا ، هذه الشروط ؛

وقد تلحق «لا» التاء ، نحو : لات ، فتختص بلفظ الحين مضافا إلى النكرة ، نحو : (ولات حين مناص) (٤) ، وقد تدخل على لفظة «أوان» ولفظة «هنّا» أيضا ، وقال الفراء : تكون مع الأوقات كلها ؛

وأنشد :

٢٧١ ـ ندم البغاة ولات ساعة مندم

والبغي مرتع مبتغيه وخيم (٥)

__________________

(١) اختلفت الروايات في لفظ هذا البيت ولكنها لا تخرجه عما استشهد به لأجله ، وقال البغدادي إن قائله غير معروف.

(٢) هو ما أشار إليه في المرفوعات وكرره في أول هذا الباب من أنه لم يسمع خبرها مرفوعا ،

(٣) تقدم ذكره وتكرر في الجزء الأول

(٤) الآية ٣ سورة ص

(٥) البيت هكذا نسبه العيني لمحمد بن عيسى بن طلحة ، وقيل أنه لمهلهل بن مالك الكناني ، نقل ذلك البغدادي ثم قال والله أعلم بحقيقة الحال ، وجملة : ولات ساعة مندم وردت في بيت شعر آخر هو كما رواه ابن السكيت :

ولتعرفنّ خلائقا مشمولة

ولتندمنّ ولات ساعة مندم

ـ ـ وقد ذكره البغدادي في الخزانة وتكلم عليه كلاما كثيرا ؛

١٩٦

والتاء في «لات» للتأنيث ، كما في : ربّت وثمّت ، قالوا : إمّا لتأنيث الكلمة ، أي «لا» ، أو لمبالغة النفي ، كما في «علّامة» ؛

فإذا وليها «حين» ، فنصبه أكثر من رفعه ، ويكون اسمها محذوفا ، و «حين» خبرها ، أي : لات الحين حين مناص ؛

وتعمل عمل ليس ، لمشابهتها لها بكسع (١) التاء ، إذ تصير على عدد حروفها ساكنة الوسط ؛ ولا يجوز أن يقال بإضمار اسمها كما يجيئ في نحو : عبد الله ليس منطلقا ، لأن الحرف لا يضمر فيه ، وإن شابه الفعل ؛

وإذا رفعت «حين» على قلّته ، فهو اسم «لا» والخبر محذوف ، أي : لات حين مناص حاصلا ، ولا تستعمل إلا محذوفة أحد الجزأين ؛

هذا قول سيبويه ، وعند الأخفش أن «لات» غير عاملة ، والمنصوب بعدها بتقدير فعل ، فمعنى لات حين مناص ، أي : لا أرى حين مناص ، والمرفوع مبتدأ محذوف الخبر ؛ وفيه ضعف ، لأن وجوب حذف الفعل الناصب ، أو خبر المبتدأ ، له مواضع متعينة ؛

ولا يمتنع دعوى كون «لات» هي «لا» التبرئة ، ويقوّيه لزوم تنكير ما أضيف «حين» إليه ، فإذا انتصب «حين» بعدها فالخبر محذوف ، كما في : لا حول ، وإذا ارتفع ، فالاسم محذوف ، أي : لات حين حين مناص ، كما في : لا عليك ؛

ونقل عن أبي عبيد (٢) : أن التاء من تمام «حين» ، كما جاء :

__________________

(١) الكسع في الأصل : الضرب باليد على مؤخر الإنسان ، واستعمله العلماء في إلحاق الشيء بالشيء وصار اصطلاحا عندهم فالمعنى أنها بإلحاق التاء لها في آخرها تشبه ليس الخ ؛

(٢) أبو عبيد (بدون تاء) هو القاسم بن سلّام صاحب كتاب الغريب المصنف وهو أشهر كتبه ، وله غريب القرآن ، وغريب الحديث وغيرهما ، وهو تلميذ أبي عبيدة (بالتاء) : معمر بن المثنى ؛

١٩٧

٢٧٢ ـ العاطفون تحين ما من عاطف

والمطعمون زمان ما من مطعم (١)

وفيه ضعف ، لعدم شهرة «تحين» في اللغات ، واشتهار : لات حين ، وأيضا ، فإنهم يقولون : لات أوان ، ولات هنّا ، ولا يقال : تأوان ولا : تهنّا ؛

وأمّا : لات أوان بكسر النون ، فعند الكوفيين ، «لات» حرف جر ، كما ذكر السيرافي عنهم ؛ وليس بشيء ؛ إذ لو كان ، لجرّ غير «أوان» ، واختصاص الجارّ ببعض المجرورات نادر ، ولم يسمع : لات حين مناص بجرّ «حين» إلا شاذا ، وأيضا ، لو كان جارّا ، لكان لا بدّ له من فعل أو معناه يتعلق به ؛ وأوان ، عند السيرافي والمبرد مبني لكونه مضافا في الأصل إلى جملة ، فمعنى قوله :

٢٧٣ ـ طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن ليس حين بقاء (٢)

أي : لات أوان طلبوا ، ثم حذفت الجملة ، وبني «أوان» على السكون ثم أبدل التنوين من المضاف إليه كما في : يومئذ ، فكسر النون لثلاثة سواكن (٣) ، كما كسر ذال «إذ» ، أو نقول : حذفت الجملة ، وبني على الكسر للساكنين ، لا على السكون لئلا يلزم اجتماع ساكنين (٤) ، ثم أتي بتنوين العوض ، ولا يعوّض التنوين في المبنيات من المضاف إليه إلا

__________________

(١) قائله أبو وجزة السعدي ، يمدح آل الزبير بن العوّام. والبيت ملفق من بيتين. وهما قوله بعد بيت آخر :

وإلي ذرا آل الزبير بفضلهم

نعم الذّرا في النائيات لنا : هم

العاطفون تحين ما من عاطف

والمسبغون يدا إذا ما أنعموا

واللاحقون جفانهم قمع الذرا

والمطعمون زمان أين المطعم

وعلى رواية الشارح : ما من مطعم ، يكون في البيت إقواء ؛

(٢) من أبيات لأبي زبيد الطائي ، وكان رجل من بني شيبان قتل رجلا من طيئ ، ففخر بذلك بنو شيبان وكان القاتل اسمه : المكّاء ، فقال أبو زبيد في ذلك :

خبّرتنا الركبان أن قد فخرتم

وفرحتم بضربة المكّاء

وأشار بعد ذلك إلى ما كان من طلب بني شيبان الصلح ، وهو معنى بيت الشاهد ؛

(٣) هي الألف والنون المفروض أنها بنيت على السكون ، والتنوين ،

(٤) ينقد الرضي بعض عبارات لابن الحاجب تكون غير واضحة المعنى ، ولكنه يقع في مثل ذلك كما هنا ،

١٩٨

إذا كان جملة ، فلا يبدل (١) في نحو : من قبل ؛

وقيل : إن أوان مجرور بمن مقدرة بعد «لات» أي : لات من أوان ، فكذا يكون : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) على القراءة الشاذة ، كما قالوا : لا رجل ، أي : لا من رجل ؛

وأمّا : لات هنّا ، فهنّا في الأصل للمكان ، استعير للزمان ، قال :

٢٧٤ ـ حنّت نوار ولات هنّا حنّت

وبدا الذي كانت نوار أجنّت (٢)

وهو يضاف إلى الجملة الفعلية ، وقد يقطع عن الإضافة ، قال :

٢٧٥ ـ أفي أثر الأظعان عينك تلمح

نعم ، لات هنّا إن قلبك متيح (٣)

أي : ليس هنّا تلمح ،

ورفع ما بعد «الّا» في نحو : ليس الطيب إلا المسك ، لغة تميم ، وذلك لحملهم «ليس» على «ما» (٤) ؛ وقال أبو علي : في «ليس» ضمير الشأن ، والجملة بعدها خبرها ؛ ولا يطرد ذلك العذر (٥) ؛ لوروده (٦) في كلامهم نحو : الطيب ليس إلا المسك ، بالرفع ،

__________________

(١) يعني فلا يؤتى بالتنوين بدلا من المضاف إليه ؛

(٢) نوار إسم امرأة ، والبيت منسوب إمّا إلى شبيب بن جعيل ، وإما إلى حجل بن نضلة ، وكلاهما من شعراء الجاهلية ، وأورد البغدادي بعده بيتا آخر وقال : لا ثالث لهما ، والبيت الثاني هو :

لما رأت ماء السّلى مشروبا

والفرث يعصر في الاناء أرنّت

والبيتان في وصف ما لحقهم من شدة جعلتهم يشربون ماء السّلى ، وهو ما يوجد من ماء داخل المشيمة بعد الولادة ، وجعلتهم يعصرون فرث الماشية لشرب ما يسيل منه وقوله مشروبا لا يستقيم به وزن البيت وإنما يستقيم لو قال : مشروبها ، أو متشرّبا ، وأرنّت أي صوّنت من سوء ما رأت ؛

(٣) هذا مطلع قصيدة للراعي النميري في مدح بشر بن مروان ، والمتيح بكسر الميم وسكون التاء وفتح الياء ، وبالحاء المهملة : العود الذي يأخذ في كل جهة لعدم استقراره. أي أن قلبه يميل إلى كل شيء ولا يستقر ،

(٤) لمشابهتها لها في النفي فأهملت ليس حملا على ما لأنها لا تعمل عندهم

(٥) أي لا يطرد هذا التعليل ،

(٦) يريد أن يقول : لأنه ورد من كلامهم ما لا يحتمل ضمير الشأن لأن في ليس ضميرا يعود على الطيب في مثل ما ذكره ؛

١٩٩

وجوّز أيضا أن يكون «إلا المسك» : إمّا بدلا من الطيب ، أو صفة له ، والخبر محذوف ، أي ليس إلا المسك في الدنيا ، ويشكل ذلك بلزوم حذف الخبر بلا سادّ مسدّه ، إذن ، ولم يثبت ؛

٢٠٠