شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

[المجرورات]

[معنى المجرور]

[قال ابن الحاجب :]

«المجرورات : هو ما اشتمل على علم المضاف إليه» ،

[قال الرضي :]

يتبيّن شرحه بما مضى في حدّ المرفوعات ؛ وعلم المضاف إليه ، كما مضى ، ثلاثة : الكسر ، والفتح ، والياء ؛

[المضاف إليه]

[تسمية المجرور بحرف مضافا إليه]

[قال ابن الحاجب :]

«والمضاف إليه كل اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف جر»

«لفظا ، أو تقديرا ، مرادا» ؛

[قال الرضي :]

بنى الأمر أوّلا ، على أن المجرور بحرف جر ظاهر : مضاف إليه ، وقد سماه سيبويه

٢٠١

أيضا مضافا إليه ؛ لكنه خلاف ما هو المشهور الآن ، من اصطلاح القوم ، فإنه إذا أطلق لفظ : المضاف إليه ، أريد به : ما انجرّ بإضافة اسم إليه ، بحذف التنوين من الأول للإضافة ؛

وأمّا من حيث اللغة فلا شك أن «زيدا» في قولك : مررت بزيد : مضاف إليه ، إذ أضيف إليه المرور بواسطة حرف الجر ؛

قوله : لفظا ، نحو : زيد ، في : مررت بزيد ، قوله : تقديرا ، كما في : غلام زيد ، وخاتم فضة ؛

والظاهر أن انتصاب : لفظا ، وتقديرا ، على الحال ، وذو الحال : «حرف جر» وإن كان نكرة ، لاختصاصه بالإضافة ، والعامل : معنى واسطة ، أي : يتوصّل بالحرف ، ظاهرا أو مقدرا ، قوله : مرادا ، حال بعد حال ، أي : مقدرا مرادا ؛

قال : احترزت بمرادا ، عن المفعول فيه ، والمفعول له ، لأن الحرف مقدر فيهما ، لكنه غير مراد ؛

ولقائل أن يقول : إن أردت أنه غير مراد معنى ، لم يجز ، إذ معنى الظرفية والتعليل فيهما ظاهر (١) ، وأيضا أنت مقرّ بتقدير الحرف فيهما ، وكل مقدّر : مراد معنى ، إذ لا معنى له إلا هذا ؛ وإن أردت أنه غير مراد لفظا ، أي ليس في حكم الملفوظ به من حيث إنه لم يجر ، والمقدر في الإضافة مراد ، أي عمله وهو الجرّ باق ، كان (٢) كأنك قلت : المضاف إليه كل اسم صفته كذا مجرور بحرف جر مقدر ، فيكون ، على ما أنكرت من حدّهم المعرب (٣) بأنه ما يختلف ، ويفضي إلى الدور ، كما ألزمتهم ، إذ كون المضاف إليه مجرورا ، يحتاج إلى معرفة حقيقة المضاف إليه ، حتى إذا عرفت حقيقته ، جرّ بعد ذلك ،

__________________

(١) أي معنى الظرفية في الظرف ، والتعليل في المفعول لأجله ، ظاهر ، وهو معنى حرف الجر ؛

(٢) جواب قوله : وإن أردت .. وتقديره كان قولك هذا كأنك قلت ، أو كان الحال والشأن ،

(٣) اعترض ابن الحاجب على تعريف النحاة للمعرب بأنه يؤدي إلى الدور .. الخ ص ٥٢ ج ١

٢٠٢

كما قلت في الفاعل ، إنما نحدّه ليعرف فيرفع ؛ ثم جعلت (١) من حدّك معرفة حقيقته محتاجة إلى كونه مجرورا ، إذ معنى «مرادا» على ما ذكرنا : باقيا على عمله في الجرّ ؛

واعلم أن المضاف إليه إضافة لفظية ، خارج عن هذا الحد ، إذ ليس «الوجه» في قولنا : زيد حسن الوجه ، مضافا إليه «حسن» بتقدير حرف الجر ، بل : هو هو ، وكذا في : ضارب زيد ، لأن «ضارب» وإن كان مضافا إلى «زيد» لكنه بنفسه لا بحرف الجر ، كما كان مضافا إليه من حيث المعنى حيث نصبه أيضا ؛ ولم يحتج في إضافته إليه ، لا في حال الإضافة ولا قبلها ، إلى حرف جرّ ؛

بلى ، قد يدعم اسم الفاعل بحرف جرّ في بعض المواضع وإن كان من فعل متعدّ بنفسه ، نحو : أنا ضارب لزيد ، لكونه أضعف عملا من الفعل ؛

هذا ، وفي العامل في المضاف إليه خلاف بينهم ، كما مرّ في أول الكتاب (٢) ، وفي العامل في المضاف إليه اللفظي ، إشكال ، إن قلنا ان العامل هو الحرف المقدر ، إذ لا حرف فيه مقدرا ؛ وكذا إن قلنا ان العامل معنى الإضافة ، لأنّا لا نريد بها مطلق الإضافة ، إذ لو أردنا ذلك لوجب انجرار الفاعل والمفعول والحال ، وكل معمول للفعل ، بل نريد الإضافة التي تكون بسبب حرف الجر ؛ وكذا إن قلنا إن العامل هو المضاف ، لأن الاسم ، على ما قال أبو عليّ ، في هذا الباب لا يعمل الجر الّا لنيابته عن الحرف العامل ، فإذا لم يكن حرف ، فكيف ينوب الاسم عنه؟ ؛

ويجوز أن يقال (٣) : عمل الجر ، لمشابهته للمضاف الحقيقي ، بتجرده عن التنوين أو النون ، لأجل الإضافة ؛

__________________

(١) أي في تعريفك للمضاف إليه هنا ، ويريد الرضي أن تعريف ابن الحاجب هنا يؤدي إلى الدور ، ولكنه لم يزد على ذلك ؛

(٢) ص ٧٢ من الجزء الأول ؛

(٣) لدفع ما أشار إليه من الإشكال ؛

٢٠٣

قال جار الله (١) ، الإضافة مقتضية للجرّ ، والفاعلية للرفع ، والمفعولية للنصب ، وهي غير العوامل ، يعني أن العامل ما به تقوم هذه المعاني المقتضية كما تقدم في أول الكتاب ، وإنما نسب العمل إلى ما تقوّم به المقتضي ، لا إلى المقتضي ، فقيل : الرافع هو الفعل ولم نقل هو الفاعلية ، لكون المقتضي أمرا خفيا معنويا ، وما تقوّم به المقتضي أمرا ظاهرا جليا في الأغلب ؛

[متى يقدّر حرف الجر]

[قال ابن الحاجب :]

«فالتقدير ، شرطه أن يكون المضاف اسما مجرّدا تنوينه لأجلها» ؛

[قال الرضي :]

قال في الشرح (٢) : الغرض أن يندرج فيه اللفظي والمعنوي ، ثم ينفصل اللفظي عن المعنوي بقوله بعد : فالمعنوية أن يكون المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها ؛

وفيه نظر ، لأن اللفظي ، كما ذكرنا ، كالحسن الوجه ، ومؤدّب الخدّام ، وضارب زيد ، ليس الحرف فيه مقدرا ، فكيف يندرج في التقديري ؛

وإنما قال : اسما ، ليخرج المضاف بالحرف الظاهر ، نحو : مررت بزيد ، فإن المضاف فيه ، يكون فعلا ، أو بمعنى الفعل ؛

قوله : مجردا تنوينه ، أي التنوين ، أو ما يقوم مقامه من نوني التثنية والجمع ، وكذا

__________________

(١) أي الزمخشري وتكرر ذكره ،

(٢) المراد شرح ابن الحاجب على هذه الرسالة ،

٢٠٤

ما ليس فيه التنوين والنون ، يقدر أنه لو كان فيه تنوين لحذف لأجل الإضافة ، كما في : كم رجل ، وهنّ حواجّ بيت الله ، والضارب الرجل ؛ وإنما حذف التنوين أو النون ، لأنها دليل تمام ما هي فيه ، كما ذكرنا في إعراب المثنى والمجموع ، فلما أرادوا أن يمزجوا الكلمتين مزجا تكتسب به الأولى من الثانية التعريف أو التخصيص ، حذفوا من الأولى علامة تمام الكلمة ؛ وقد يحذف من المضاف هاء التأنيث إذا أمن اللّبس كقوله تعالى : (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ)(١) ، وقولهم : هو أبو عذرها (٢) ، ولا يقاس على ذلك ، وقالوا إن الفراء يقيس عليه ؛

__________________

(١) الآية ٧٣ سورة الأنبياء ؛

(٢) العذرة : البكارة في المرأة ، ومنه يقال للتي لم تتزوج عذراء ، فمعنى قولهم أبو عذرتها وأبو عذرها : الذي افتض بكارة المرأة ، ثم استعمل لكل من يأتي بشيء لم يسبق إليه ؛

٢٠٥

[الإضافة المعنوية]

[قال ابن الحاجب :]

«وهي معنوية ولفظية ، فالمعنوية أن يكون المضاف غير صفة»

«مضافة إلى معمولها ؛ وهي بمعنى اللام فيما عدا جنس المضاف»

«وظرفه ، أو بمعنى من ، في جنس المضاف ، أو بمعنى في ،»

«في ظرفه ، وهو قليل ، نحو : غلام زيد ، وخاتم فضة ،»

«وضرب اليوم ؛ وتفيد تعريفا مع المعرفة ، وتخصيصا مع»

«النكرة ؛ وشرطها تجريد المضاف من التعريف ، وما أجازه»

«الكوفيون من : الثلاثة الأثواب ، وشبهه من العدد ، ضعيف» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أنه لا تلتبس المعنوية إلا باللفظية ، ففسّر المعنوية بمضادّتها اللّفظية التي هي كون المضاف صفة مضافة إلى معمولها فقال : المعنوية ألّا يكون المضاف صفة مضافة إلى معمولها ، أي : هي على ضربين ، إمّا ألّا يكون المضاف صفة نحو : غلام زيد ، أو يكون صفة ، لكن لا تكون الصفة مضافة إلى معمولها ، نحو : مصارع مصر ، والله خالق السموات ، لأن اسم الفاعل بمعنى الماضي لا يعمل ، فلا يكون له معمول حتى يضاف إليه ؛

ثم قسّم المعنوية ثلاثة أقسام : إمّا بمعنى اللام ، أو بمعنى من ، أو بمعنى في ؛ قوله : «فيما عدا جنس المضاف» ، «ما» كناية عن المضاف إليه ، أي في مضاف إليه هو غير جنس المضاف ، وغير ظرفه ، ويعني بكون المضاف إليه جنس المضاف : أن يصحّ إطلاقه على المضاف ويصح على غيره ، أيضا ، فيكون نحو : بعض القوم ، ونصف القوم ، وثلثهم :

٢٠٦

بمعنى اللام ، لأنك تريد بالقوم : الكلّ ، والكل لا يطلق على بعضه ، وكذا : يد زيد ، ووجهه ، بمعنى اللام ، وإن كان يقال : بعض منه ، ونصف منه ، ويد منه ، لأن «من» التي تتضمنها الإضافة ، هي التبيينيّة ، كما في : خاتم حديد ، وأربعة دراهم ، وشرط «من» المبينة أن يصح إطلاق اسم المجرور بها على المبيّن كما في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) (١) ،

وأمّا قولك ثلاثة دراهم ، وراقود خلّ ، فإنما كنيت فيه بالمقدار عن المقدّر ، كما يجيئ في باب العدد ، فالثلاثة هي الدراهم ، والراقود هو الخل ، ومن ثمّ تقول : دراهم ثلاثة ، وخلّ راقود ، وثوب ذراعان ، وإن كان المقدار في الأصل غير المقدّر به ؛

وبقولنا : يصح إطلاقه على غير المضاف ، أيضا ، خرج نحو : جميع القوم ، وعين زيد ، وطور سيناء ، ويوم الأحد ؛ فجميعها ، إذن ، بمعنى اللام ، وكذا سعيد كرز ، ومسجد الجامع ، على ما يجيئ من التأويل ، لأن الثاني ، أعني الجامع غلب وتخصّص ، حتى إذا أطلق لم يتناول إلّا الأول ، فالجامع في العرف ، هو المسجد لا غير ؛

ولا يلزم فيما هو بمعنى اللام أن يجوز التصريح بها ، بل يكفي افادة الاختصاص الذي هو مدلول اللام ، فقولك : طور سيناء ، ويوم الأحد ، بمعنى اللام ، ولا يصح إظهار اللام في مثله ، فالأولى ، إذن ، أن نقول : نحو ضرب اليوم ، وقتيل كربلاء (٢) ، بمعنى اللام كما قاله باقي النحاة ، ولا نقول : إن إضافة المظروف إلى الظرف بمعنى «في» ، فإن أدنى ملابسة واختصاص يكفي في الإضافة بمعنى اللام ، كقول أحد حاملي الخشبة لصاحبه : خذ طرفك ، ونحو : كوكب الخرقاء (٣) لسهيل ، وهي التي يقال لها إضافة

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الحج ؛

(٢) كربلاء مكان بأرض العراق قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما ويقال له أيضا قتيل الطفّ ، وهو اسم جزء معيّن من أرض كربلاء ؛

(٣) هذا تعبير يريدون به النجم المعروف باسم سهيل ، ومضت الإشارة في الجزء الأول إلى أن البغدادي اعتبره شاهدا لأنه ورد في بيت شعر : هو قول الشاعر :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل ، اذاعت غزلها في القرائب ؛

٢٠٧

لأدنى ملابسة ؛ فنقول : كل ما لم يكن فيه المضاف إليه جنس المضاف بالتفسير الذي مرّ ، من الإضافة المحضة ، فهو بمعنى اللام ، وكل اضافة كان المضاف إليه فيها جنس المضاف ، فهي بتقدير «من» ولا ثالث لهما ؛

قوله : «وتفيد تعريفا مع المعرفة وتخصيصا مع النكرة» ، يعني أن الإضافة المعنوية بخلاف اللفظية ؛ وإنما أفادت تعريفا مع المعرفة ، لأن وضعها لتفيد أنّ لواحد مما دلّ عليه المضاف ، مع المضاف إليه خصوصيّة ليست للباقي ، معه (١) ، مثلا ، إذا قلت : غلام زيد راكب ، ولزيد غلمان كثيرون ؛ فلا بدّ أن تشير (٢) به إلى غلام من بين غلمانه ، له مزيد خصوصيّة بزيد ، إمّا بكونه أعظم غلمانه ، أو أشهر بكونه غلاما له دون غيره ، أو بكونه غلاما معهودا بينك وبين المخاطب ، وبالجملة ، بحيث يرجع إطلاق اللفظ إليه دون سائر الغلمان ؛

وكذا كان الحال في : ابن الزبير ، وابن عباس ، قبل العلمية ؛ هذا أصل وضعها ، ثم ، قد يقال جاءني غلام زيد من غير اشارة إلى واحد معيّن ، وذلك ، كما أن أصل ذي اللام في أصل الوضع لواحد معيّن ، ثم قد يستعمل بلا إشارة إلى معيّن ، كما في قوله :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

فأعف ثم أقول لا يعنيني (٣) ـ ٥٦

وذلك على خلاف وضعه ؛

فلا تظنّنّ من اطلاق قولهم في مثل : غلام زيد ، إنه بمعنى اللام : أن (٤) معناه ومعنى :

__________________

(١) أي ليست لبقية أفراد المضاف مع المضاف إليه كما سيوضح ذلك بالمثال ؛

(٢) أي تقصد به ،

(٣) تكرر ذكر هذا البيت في هذا الشرح ، ولا يخرج الغرض من ذكره في كل مرة عن بيان وقوع المعرف باللام الجنسية موصوفا بالجملة لأنه لا يراد به معيّن ، ومعلوم أنه يجوز النظر إلى لفظه فتعرب الجملة حالا ؛

(٤) مفعول قوله : فلا تظنن ؛

٢٠٨

غلام لزيد ، سواء ، بل معنى غلام لزيد : واحد من غلمانه غير معيّن ، ومعنى غلام زيد ، الغلام المعيّن من بين غلمانه إن كان له غلمان جماعة أو ذلك الغلام المعلوم لزيد إن لم يكن له إلا واحد ؛

قوله : «وتخصيصا مع النكرة» ، نحو قولك : غلام رجل ، إذ تخصص من غلام امرأة ؛.

قوله : «وشرطها» ، أي شرط الإضافة الحقيقية : تجريد المضاف من التعريف ، فإن كان ذا لام ، حذفت لامه ، وإن كان علما ، نكّر ، بأن يجعل واحدا من جملة من سمّي بذلك اللفظ نحو قوله :

علا زيدنا يوم النقى رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشفرتين يماني (١) ـ ١١٤

ولا يجوز إضافة سائر المعارف ، من المضمرات والمبهمات لتعذر تنكيرها ، وعندي : أنه يجوز إضافة العلم مع بقاء تعريفه ، إذ لا مانع من اجتماع التعريفين إذا اختلفا ، كما ذكرنا في باب النداء (٢) ، وذلك إذا أضيف العلم إلى ما هو متّصف به معنى ، نحو : زيد الصدق ، يجوز ذلك ، وإن لم يكن في الدنيا إلا زيد واحد ، ومثله قولهم : مضر الحمراء ، وانمار الشاء ، وزيد الخيل (٣) ، فإن الإضافة فيها ليست للاشتراك المتفق (٤) ،

__________________

(١) تقدم هذا البيت في الجزء الأول وبعده بيت آخر يرتبط بمعناه وهو قوله :

فإن تقتلوا زيدا بزيد فإنما

أقادكم السلطان منذ زمان

(٢) انظر ص ٣٧٣ في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

(٣) مضر وأنمار وربيعة أيضا ، أبناء نزار ، وكل منهم أبو قبيلة من العرب ، وسمي كل منهم بما ورث عن أبيه ، فقد قالوا إن مضر ورث الذهب ، وأنمار ورث الغنم ، وربيعة ورث الخيل فقيل لهم : مضر الحمراء وأنمار الشاء وربيعة الفرس ، وقيل في سبب التسمية غير ذلك ، وأما زيد الخيل فهو زيد بن مهلهل من طيّئ ، أدرك الإسلام وأسلم وسماه النبي صلّى الله عليه وسلّم : زيد الخير ؛ وكان من فرسان العرب وصاحب خيل كثيرة ؛ وله شعر جيد ؛

(٤) أي الحاصل اتفاقا بدون قصد

٢٠٩

هذا ، وإنما يجرد المضاف في الأغلب (١) من التعريف ، لأن الأهمّ من الإضافة إلى المعرفة : تعريف المضاف ، وهو حاصل للمعرفة ، فيكون تحصيلا للحاصل ؛ والغرض من الإضافة إلى المنكّر : تخصيص المضاف ، وفي المضاف المعرف : التخصيص مع الزيادة وهي التعيين ؛

[الأسماء المتوغلة](٢)

[في الإبهام]

[وحكمها في الإضافة]

واعلم أن بعض الأسماء قد توغل في التنكير ، بحيث لا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة إضافة حقيقية ، نحو : غيرك ، ومثلك ، وكل ما هو بمعناها من : نظيرك ، وشبهك ، وسواك وشبهها ؛ وإنما لم يتعرف «غيرك» لأن مغايرة المخاطب ليست صفة تخص ذاتا دون أخرى ، إذ كل ما في الوجود إلا ذاته (٣) ، موصوف بهذه الصفة ، وكذا مماثلة زيد ، لا تخص ذاتا ، بلى ، نحو مثلك ، أخص من : غيرك ، لكن المثلية ، أيضا يمكن أن تكون من وجوه ، من الطول والقصر ، والشباب والشيب ، والسواد ، والعلم ، وغير ذلك مما لا يحصى ؛

قال ابن السريّ (٤) : إذا أضفت «غيرا» إلى معرّف له ضد واحد فقط تعرّف «غير»

__________________

(١) هذا استدراك على ما قال من جواز إضافة العلم مع بقاء تعريفه

(٢) استطراد من الرضي كعادته في استكمال المباحث

(٣) أي ذات المقصود بهذه الكلمة

(٤) المراد به : الزجاج واسمه ابراهيم بن السري ، والذي اشتهر بابن السري هو أبو بكر بن السراج وقل أن يذكر الرضي الزجاج بهذا الاسم ،

٢١٠

لانحصار الغيريّة ، كقولك : عليك بالحركة غير السكون ، فلذلك كان قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ، صفة : (الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) (١) ، إذ ليس لمن رضي الله عنهم ضدّ ، غير المغضوب عليهم ، فتعرّف (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) لتخصّصه بالمرضي عنهم ؛

وكذا إذا اشتهر شخص بمماثلتك في شيء من الأشياء ، كالعلم أو الشجاعة ، أو نحو ذلك ، فقيل : جاء مثلك ، كان معرفة إذا قصد : الذي يماثلك في الشيء الفلاني ، واعتبار المعرفة والنكرة بمعانيهما (٢) ، فكل شيء خلص لك بعينه من سائر أمّته فهو معرفة ؛

وقدح ابن السّراج (٣) في قوله (٤) هذا ، بقوله تعالى : (نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) (٥) ؛ مع أن معنى (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) أي الصلاح لأن عملهم كان فسادا ؛ وبقول الشاعر :

٢٧٦ ـ إن قلت خيرا قال شرا غيره

أو قلت شرّا مدّه بمداد (٦)

والجواب (٧) : أنه على البدل ، لا الصفة ، أو حمل «غير» على الأكثر ، مع كونه صفة ، لأن الأغلب فيه عدم التخصص بالمضاف إليه ؛

وقد جاء قبل «غير» ، معمول لما أضيف إليه «غير» نحو : أنا زيدا غير ضارب ،

__________________

(١) الآية الأخيرة من سورة الفاتحة ؛

(٢) يعني أن الحكم على الألفاظ بالتعريف أو التنكير راجع إلى ما تدلّ عليه من المعنى ،

(٣) هذا هو أبو بكر محمد بن السراج الذي أشرنا إليه في التعليق على قول الرضي قال ابن السري ،

(٤) أي في قول الزجاج الذي عبر عنه الرضي بابن السري ،

(٥) الآية ٣٧ سورة فاطر ،

(٦) هذا من شعر الأسود بن يعفر في صاحب عنيد مولع بالمخالفة حتى لا يستريح الإنسان إلى عشرته ، وبعده قوله :

فلئن أقمت لأظفرنّ ببلدة

ولئن ظعنت لأرسين أو تادي

(٧) الجواب عما قاله ابن السراج في رده على الزجاج ،

٢١١

مع أنه لا يجوز اعمال المضاف إليه فيما قبل المضاف فلا تقول : أنا زيدا مثل ضارب ؛

وإنما جاز هذا (١) ، لحملهم «غير» على «لا» فكأنك قلت : أنا زيدا لا ضارب ، وما بعد «لا» يعمل فيما قبلها ، وذلك كما تقدم في باب المنصوب بلاء التبرئة ، من حمل «لا» على «غير» (٢) ، والدليل على تآخيهما : العطف على «غير» بتكرير «لا» ، كما في قوله تعالى : (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (٣) ، كأنه قال : لا المغضوب عليهم ولا الضالّين ؛

وسمع سيبويه : لي عشرون مثله ، وقاس عليه يونس وغيره من البصريين من غير سماع : عشرون غيره ، ومنعهما الفراء ، والسماع لا يردّ ، ولا سيّما إذا عضده القياس ، وكلهم منعوا : عشرون أيّما رجل وأيّ رجل لعدم السماع ، وإن لم يمنعه القياس ؛

قالوا : ولفظ شبيه ، يتعرّف بالإضافة ، لانحصار الشبه في جميع الوجوه ، وذلك لأجل المبالغة التي في هذا التركيب (٤) ، كما في : عليم وسميع ، فمعنى مررت بالرجل شبيهك ، أي : من يشبهك في جميع الوجوه ؛

وقال أبو سعيد (٥) : في ، مثلك ، وغيرك ، وما في معناهما ، أنها لم تتصرف لكونها بمعنى اسم فاعل مضاف إلى مفعوله ، أي : مماثلك ، ومشابهك ومغايرك ؛

فإن قيل (٦) : غير ، وشبه ، مطلق (٧) ، وإضافة اسم الفاعل ، إنما تكون لفظية إذا أردت الحال أو الاستقبال ؛

__________________

(١) أي في المثال الذي فيه غير

(٢) انظر في هذا الجزء ، ص ١٦٣ ،

(٣) هي الآية السابقة من سورة الفاتحة مع زيادة هنا ؛

(٤) أي اللفظ المصوغ على هذا الوزن ،

(٥) أي السيرافي ،

(٦) اعتراض على ما ذهب إليه السيرافي ، ورد الرضي عليه ،

(٧) أي غير محدد بزمان معيّن ،

٢١٢

فالجواب : أنه لما فاتت موازنة المضارع ، لم يشترط فيه أحد الزمانين أو تقول : شرط كون إضافة اسمي الفاعل والمفعول لفظية : ألّا يكونا بمعنى الماضي ، لا أن يكونا بمعنى الحال أو الاستقبال ، كما سيجيئ في هذا الباب ، أو الاستمرار (١) ، كما يجيئ بعد ، والإطلاق يفيد الاستمرار ؛

وقالوا في : حسبك ، وشرعك ، وكافيك ، وناهيك ، وكفيك ونهيك ، ونهاك ، إنها لم تتعرّف لكونها بمعنى الفعل ، لأن معنى حسبك زيد : ليكفك زيد ، وكذا أخواته ، وإنما بني قدك ، وقطك ، وبجلك دون حسبك وأخواته ، لأنها (٢) صارت أسماء أفعال ، كما يجيئ في باب اسم الفعل ، بخلاف حسبك وأخواته ، ويدخل عليها (٣) من نواسخ الابتداء «إن» فقط ، كقوله تعالى : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ)(٤) ، لأنها لا تغيّر معنى الكلام ، ولا تقع إذا جاوزت هذا الموضع إلا موقعا يصح وقوع الفعل فيه ، لأدائها معنى الفعل ، وتكون صفة للنكرة ، نحو : مررت برجل حسبك وكفيك ، وحالا من المعرفة ، نحو :

هذا عبد الله حسبك وشرعك ، منصوبين ؛

ولم يتصرّف في هذه ، إلا في الإعراب ، فلم تثنّ ولم تجمع ، لمشابهة قدك وقطك ؛ غير المتصرّفين ، وعلى هذا قالوا : مررت برجل كافيك من رجل ، وبرجلين كافيك من رجلين (٥) ، وبامرأة كافيك من امرأة ، اجراء له في عدم التصرف مجرى : قدك وقطك ؛

وقد استعمل «ناهيك» على أصله من التصرف ، فقيل : برجلين ناهييك من رجلين ، وبامرأة ناهيتك من امرأة ، وكذا سائر تصرفاته ؛ وقالوا : مررت برجل هدّك من رجل ، وبرجلين هدك من رجلين ، وبرجال هدّك من رجال ، وبامرأة هدّك من امرأة ؛

__________________

(١) أي نقول ان الشرط هو أن يكونا للاستمرار ، والإطلاق الذي تدل عليه غير ، مفيد للاستمرار ،

(٢) أي قدك وما بعده ،

(٣) أي على حسب وأخواته ،

(٤) الآية ٦٢ من سورة الأنفال ؛

(٥) في بعض الأمثلة هنا زيادة ليست في المطبوعة أو هي موجودة في بعض النسخ التي أشير إليها بالهامش ، رأيت أن إثباتها فيه استيفاء للأمثلة ؛

٢١٣

ومعنى هدك : أي أثقلك وصف محاسنه ، فأجروه مجرى : قدك ، في عدم التصرف ، لافادته فائدته ؛ وربّما جاء فعلا متصرّفا ، نحو : برجلين هدّاك من رجلين ، وبرجال هدّوك ، وبامرأة هدّتك ، وبامرأتين هدّتاك ، وبنسوة هددنك ؛

ويجوز أن يقال في حسبك ، وهدك ، ونهيك ، ونهاك ، وشرعك : انها لم تتصرّف ، لكونها في الأصل مصادر ؛

وبعض العرب يجعل «واحد امّه» و «عبد بطنه» : نكرتين ، قال حاتم :

٢٧٧ ـ أماويّ ، اني ربّ واحد أمّه

أخذت فلا قتل عليه ولا أسر (١)

وليست العلة في تنكيرهما : ما قال بعضهم ، ان «واحد أمه» ، مضاف إلى أمّ ، و «أمّ» مضاف إلى ضمير «واحد» ، فلو تعرّف بضميره لكان كتعرّف الشيء بنفسه ؛ وذلك (٢) ، لأن الضمير في مثله لا يعود إلى المضاف الأول ، بل إلى ما تقدم عليه من صاحب ذلك المضاف ، نحو : ربّ رجل واحد أمه ، فالهاء عائدة إلى «رجل» ، وكذا في قوله : ربّ واحد أمه ، أي ربّ رجل واحد أمه ، وسيجيء في باب المعرفة والنكرة ، أن الضمير الراجع إلى نكرة غير مختصة : نكرة ، كقولك : ربّ شاة وسخلتها ، فإن كان ذلك المضاف معرفة تعرّف المضاف ، لكون الضمير معرفة ، نحو : زيد واحد أمه ، وكذا ان كان نكرة مختصة ، نحو : رأيت رجلا هو واحد أمه ؛ وكذا ينبغي أن يكون قولك : صدر بلده ، ورئيس قبيلته ، وابن أمه ، ونادرة دهره ، ونحو ذلك ؛

وأجاز ابن كيسان (٣) تنكير المضاف الذي لا مانع فيه من التعريف ، لنيّة الانفصال ،

__________________

(١) هذا من قصيدة جيدة لحاتم الطائي ، أولها :

أماويّ ، قد طال التجنب والهجر

وقد عذرتني في طلابكم العذر

وقد بدأ كثيرا من أبياتها بمثل هذا البدء : أماويّ ؛ ومنها قوله :

أماويّ ، ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

(٢) تعليل قوله : وليست العلة في تنكيرهما ... الخ ؛

(٣) أبو الحسن ، محمد بن أحمد من مشاهير النحاة ، تقدم ذكره في هذا الجزء وفي الجزء الأول ؛

٢١٤

نحو : ما جاءني غلام زيد ، ظريف ، أي : غلام لزيد ، كما يجوز ذلك في المعرف باللام ، كقوله :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني (١) ـ ٥٦

وقد يكتسي المضاف التأنيث من المضاف إليه ، إن حسن الاستغناء في الكلام الذي هو فيه ، عنه ، بالمضاف إليه ، يقال : سقطت بعض أصابعه ، إذ يصح أن يقال : سقطت أصابعه ، بمعناه ، قال :

٢٧٨ ـ لما أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشع (٢)

إذ يصح أن يقال : تواضعت المدينة ، وقال :

٢٧٩ ـ إذا بعض السنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبى اليتيم (٣)

وقال :

٢٨٠ ـ مرّ الليالي أسرعت في نقضي

أخذن بعضي وتركن بعضي (٤)

إذ يقال : السنون تعرّقتنا ، والليالي أخذن ، ومنه قوله :

٢٨١ ـ فما حبّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبّ من سكن الديارا (٥)

__________________

(١) تكرر هذا البيت وأشرنا قريبا إلى ذلك وأن الغرض من إيراده في كل مرة لا يتغير ؛

(٢) هذا البيت من قصيدة لجرير في هجاء الفرزدق وإن كان البيت يبدو أنه رثاء ، ولكن القصيدة تضمنت كثيرا من الطعن في قوم الفرزدق وأن من عيوبهم ما فعله ابن جرموز المجاشعي من قتل الزبير بن العوّام غيلة ؛

(٣) وهذا البيت أيضا من قصيدة لجرير ، وهي في مدح هشام بن عبد الملك بن مروان ، يقول عنه فيها :

وأنت إذا نظرت إلى هشام

عرفت نجار منتخب كريم

يرى للمسلمين عليه حقا

كفعل الوالد الرؤف الرحيم ،

الرؤف بدون مدّة.

(٤) من أرجوزة قيل إنها للأغلب العجلي ، أولها :

أصبحت لا يحمل بعض بعضي

منفّها أروح مثل النقض

(٥) مما نسب إلى مجنون بن عامر ، قيس بن الملوح ، قال البغدادي إن قبله بيتا ولا ثالث لهما ، وهو : ـ ـ

أمر على الديار ديار ليلى

أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

٢١٥

فاكتسى التأنيث والجمع ، وقد يكتسي المضاف البناء من المضاف إليه ، كما يجيء في الظروف المبنية ؛

قوله : «وشرطها تجريد المضاف من التعريف» ، قد مرّ وجهه ، وقوله : وما أجازه الكوفيون ... ؛ نقل الكوفيون تعريف الاسمين في كل عدد مضاف إلى معدوذه نحو : الثلاثة الأثواب .. إلى العشرة ، والمائة الدرهم والألف الرجل ، وهو ضعيف قياسا واستعمالا (١) ، أمّا القياس فلأن تعريف المضاف يحصل بالمضاف إليه ، فيكون اللام في المضاف ضائعا ؛ وأمّا الاستعمال فلأنهم نقلوه عن قوم غير فصحاء ، والفصحاء على غيره ؛

قيل : وجهه ، على ضعفه ، أن المضاف (٢) من حيث المعنى هو المضاف إليه ، والمضاف هو المقصود بالنسبة ، وإنما جيء بالمضاف إليه لغرض بيان أن المضاف من أيّ جنس هو ، فعرّف المقصود بالنسبة ، تعريفا من حيث ذاته ، لا تعريفا مستعارا من غيره ، ثم أضيف بعد التعريف ، لغرض تبيين أن هذا المعرّف من أي نوع هو ، كأنك كنت ذكرت أوّلا أن عندك ثلاثة ، مثلا ولم تذكر من أي نوع هي ، ثم رجعت إلى ذكرها فقلت : بعت الثلاثة ، أي تلك الثلاثة ثم بيّنت نوعها فقلت : الثلاثة الأثواب ؛

وهذا هو الوجه لمن قال : الثلاثة أثواب ، وإن كان أقبح من الأوّل ، لإضافة المعرفة إلى النكرة ، ولا نظير له ؛ لا في المعنوية ، ولا في اللفظية ، كأنهم لما عرّفوا الأول ، استغنوا عن تعريف الثاني ، لأنه هو ، ولأن الإضافة لبيان نوعه لا للتعريف ؛

وفي هذا الاعتذار نظر (٣) ، أمّا أولا ، فلأن المقصود بالنسبة في العدد المضاف هو المميّز ، وإنما جيء بالعدد لنصوصيّة (٤) كمية المميّز ، ألا ترى أن المفرد والمثنى نحو رجل ، ورجلان ،

__________________

(١) مع قول الرضي هذا ، هو يستعمل الرأي الذي أنكره على الكوفيين ، وقد أشرنا إلى ذلك في عدد من المواضع ؛

(٢) أي في نحو : الثلاثة الدراهم ،

(٣) هو ما تضمنه قوله : قيل وجهه على ضعفه .. الخ

(٤) أشرنا من قبل إلى أن هذا اللفظ مستحدث يراد به كون الشيء نصا في المقصود منه لا يحتمل غيره ،

٢١٦

لمّا دلّا على النصوصيّة لم يؤت بالعددين ، وأيضا ، الأغلب وصف المضاف إليه ، لا المضاف ، كقوله تعالى : (سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) (١) ، وأمّا ثانيا ، فلأن كلّ ما ذكر ، حاصل في : خاتم فضة ، ولم يسمع الخاتم الفضة ، ولا : الخاتم فضة (٢) ؛

__________________

(١) من الآية ٤٣ سورة يوسف ،

(٢) أي بإضافته إلى خاتم ، سواء مع تعريف المضاف إليه أو تنكيره ؛

٢١٧

[الإضافة اللفظية]

[معناها وفائدتها]

[قال ابن الحاجب :]

«واللفظية : أن يكون صفة مضافة إلى معمولها ، مثل : ضارب»

«زيد وحسن الوجه ، ولا تفيد إلا تخفيفا في اللفظ ، ومن ثمّ»

«جاز : مررت برجل حسن الوجه ، وامتنع : مررت بزيد»

«حسن الوجه وجاز : الضاربا زيد ، وامتنع : الضارب زيد»

«خلافا للفراء ، وضعف : الواهب المائة الهجان وعبدها (١) ؛»

«وإنما جاز : الضارب الرجل ، حملا على المختار في :»

«الحسن الوجه ، والضاربك وشبهه فيمن قال انه مضاف ،»

«حملا على : ضاربك» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «أن يكون صفة» ، أي يكون المضاف صفة ، احتراز عن نحو : غلام زيد ، وباب ساج ؛ قوله : «مضافة إلى معمولها» ، أي إلى مرفوعها ، أو منصوبها ، وهو احتراز عن الصفة المضافة لا إلى معمولها ، نحو : مصارع مصر ، وخالق السموات ، وزيد مضروب عمرو ، فإن جميعها مضافة لا إلى معمولها ، فاضافتها محضة ؛

__________________

(١) شطر بيت سيأتي كاملا ، في الشرح ،

٢١٨

قال المصنف : ومن ذلك : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(١) على الأصح ؛

وهذا منه عجيب ، وذلك أن «يوم الدين» ، إمّا أن يكون بمعنى «في» كما يدّعي المصنف في : ضرب اليوم ، فيكون المضاف إليه مفعولا فيه من حيث المعنى ، فيكون معمول اسم الفاعل ، فهو صفة مضافة إلى معمولها ، وليس كضرب اليوم ، لأنه ، وإن كان مضافا إلى معموله ، لكنه ليس صفة ، فإضافته حقيقية (٢) ، وإمّا أن يكون ممّا كان مفعولا فيه فاتّسع فيه فألحق بالمفعول به ، كما يدّعيه النحاة في نحو :

يا سارق الليلة أهل الدار (٣) ـ ١٦٨

فهو أيضا معمول الصفة ، فتكون الإضافة غير محضة ؛ قال :

٢٨٢ ـ ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعلّ

طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل (٤)

ولعلّ المصنف جعل (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بتقدير اللام ، كمصارع مصر ، فلذا قال : ومن ذلك : مالك يوم الدين ، لكن ذلك مخالف لإطلاق قوله قبل ، أو بمعنى في ، في ظرفه ؛

والوجه في تعرّف مالك يوم الدين ، حتى وقع صفة «لله» : أنه بمعنى اللام ، نحو : قتيل كربلاء (٥) ، رضي الله عنه ؛ أو أنه بمعنى الماضي ، كأنه قال : ملك يوم الدين أي :

__________________

(١) الآية ٤ من سورة الفاتحة ،

(٢) قصده المثال المتقدم الذي هو : ضرب اليوم ؛

(٣) تقدم هذا الشطر في باب المفعول فيه من الجزء الأول ، والاستشهاد به هناك على أن الظرف قد يتوسع فيه فيعامل معاملة المفعول به حتى انه يضاف إلى المصدر وإلى الوصف المشتق ، وقال هناك : إن معناه ظرفا باقيا على ظرفيته ، ومتوسّعا فيه : واحد ؛ وهو من شواهد سيبويه ، ج ١ ص ٨٩ ،

(٤) المشمعلّ : الخفيف في كل ما يأخذ فيه من عمل ، وهذا من رجز ، لابن أخي الشماخ بن ضرار ، وكان مع القوم في رحلة فطلبوا منه أن يحدو الابل ، فارتجز قائلا :

قالت سليمى لست بالحادي المدل

مالك لا تملك أعضاد الأبل

(٥) المراد : الحسين بن علي وتقدم وجه التسمية قريبا ،

٢١٩

أمر يوم الدين ، فيكون كخالق السموات (١) ، وإيراده ماضيا على طرز قوله تعالى : «وَسِيقَ الَّذِينَ (٢) ..» و: (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ) (٣) لكونه من الأمر المحتوم ، فكأنه وقع ومضى ؛

وقيل : مالك يوم الدين ، نكرة ، جرت على الله ، تعالى ، على وجه البدل ، والأوّل أولى ؛

والمتفق عليه من الإضافة اللفظية ، ثلاثة أشياء : اسم الفاعل المضاف إلى فاعله أو مفعوله ، كما يجيء ، واسم المفعول المضاف إلى مفعول ما لم يسمّ فاعله أو إلى المنصوب المفعول (٤) ، والصفة المشبّهة المضافة إلى ما هو فاعلها معنى ، بعد جعله في صورة المفعول لفظا ، على ما يجيء في بابها إن شاء الله تعالى ؛

والمختلف فيه ، هل هو لفظي أو معنوي : ثلاثة أشياء : إضافة ما ظاهره أنه موصوف مضاف إلى صفته ، وما ظاهره أنه صفة مضافة إلى موصوفها ، وإضافة أفعل التفضيل بمعنى «من» ، وسيجيئك بيانها بعون الله تعالى ؛

أمّا إضافة اسم الفاعل والمفعول إضافة لفظية فنقول :

كون إضافة الصفة إضافة لفظية مبني على كونها عاملة في المضاف إليه رفعا أو نصبا ، وذلك لأنه إذا كان كذا ، فالذي هو مجرور في الظاهر ليس مجرورا في الحقيقة ، والتنوين المحذوف في اللفظ مقدّر منويّ ، فتكون الإضافة كلا إضافة ، وهو المراد بالإضافة اللفظية ؛

فالصفة ، إمّا أن تكون صفة مشبهة ، أو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، أو أفعل تفضيل ؛

أمّا أفعل التفضيل فسيجيء حكمه بعد ، وأمّا الصفة المشبهة فهي أبدا ، جائزة العمل ،

__________________

(١) في كون إضافته حقيقية.

(٢) صدر كل من الآيتين ٧١ ، ٧٣ سورة الزمر ،

(٣) من الآية ٥٠ سورة الأعراف.

(٤) يعني إذا كان اسم المفعول من المتعدي إلى اثنين ؛

٢٢٠