شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ليست في الثاني ، وذلك لأن للإبهام أوّلا ثم التفسير ثانيا وقعا وتأثيرا في النفس ، ليس للإتيان بالمفسّر أولا ، وذلك نحو : برجل زيد ، فإن الفائدة الحاصلة من «رجل». تحصل من زيد ، مع زيادة التعريف ، لكن الغرض : ما ذكرنا ؛ ولا يجوز العكس نحو : بزيد رجل ، إذ لا فائدة في الإبهام بعد التفسير ؛

ثم يسمّى بعطف البيان من جملة بدل الكل : ما يكون الثاني فيه موضحا للأول ، وذلك إمّا بأن يكون لشيء اسمان هو بأحدهما أشهر من الآخر وإن لم يكن أخصّ منه نحو قوله :

أقسم بالله أبو حفص عمر (١)

فان ابن الخطاب رضي الله عنه ، كان ، بعمر ، أشهر منه بأبي حفص ، ولو فرضنا أنه ليس في الدنيا من اسمه عمر ، ولا من كنيته : أبو حفص إلّا إيّاه ؛

وإمّا بأن يكون اسمان مطلقان على ذات ، ثانيهما جامد وهو بعض أفراد الأول ، سواء كان أشهر من الأول لو أفرد ، أو ، لا ، كما إذا كان لك خمسة إخوة اسم أحدهم زيد ، وهناك خمسة رجال مسمّين بزيد : أحدهم أخوك ، فإذا قيل : جاءني أخوك زيد فزيد أحد أفراد «أخيك» أي هو واحد من جملة ما يطلق عليه لفظ «أخيك» وكذا ان عكس فقيل : جاءني زيد أخوك ، فأخوك واحد من جملة من يطلق عليهم زيد ؛ فالثاني في الصورتين أخصّ من الأول عند الاقتران ، وأمّا عند الانفراد فأحدهما مساو للآخر في الشهرة لأن كل واحد منهما يطلق على خمسة ؛

والأغلب أن يكون البدل جامدا ، بحيث لو حذفت الأول لاستقل الثاني ولم يحتج إلى متبوع قبله ؛

__________________

(١) تقدم ذكر هذا الشاهد في أول باب التأكيد ، وسيأتي ذكره مرة أخرى يستوفي الشارح فيها الكلام عليه ويذكر قصة هذا الشعر ؛

٣٨١

فإن لم يكن جامدا كقوله :

٣٥٦ ـ فلا وأبيك خير منك إني

ليؤذيني التّحمحم والصهيل (١)

قدّر الموصوف ، أي فلا وأبيك رجل خير منك ، بخلاف الصفة ، فانك لو حذفت الأول في جاءني زيد العالم ، لاحتاج الثاني إلى مقدر قبله ، لأن الوصف لا بدّ له من موصوف ، فلذا قيل إن الثاني في : العائذات الطير (٢) ، بدل ، وفي : الطير العائذات : صفة ، وبخلاف التأكيد ، فإنه وإن كان جامدا ، لكن كون معناه مفهوما من المتبوع لو سكتّ عليه ، منع من اعتباره مستقلا ، ولما لم يكن للبدل معنى في المتبوع حتى يحتاج إلى المتبوع ، كما احتاج الوصف ، ولم يفهم معناه من المتبوع كما فهم ذلك في التأكيد : جاز اعتباره مستقلا لفظا ، أي صالحا لأن يقوم مقام المتبوع ولما كان اعرابه بتبعية الأول جاز أن يعتبر غير مستقل ، أخرى (٣) ، فالأول نحو : يا زيد أخ ، ويا أخانا زيد مبنيّين ؛ والثاني نحو : يا غلام بشر وبشرا معربا بالوجهين ، ويا أخانا زيدا بالنصب ، وكذا قوله :

أنا ابن التارك البكري بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا (٤) ـ ٢٩٠

بالجر ؛ وكذا المنسوق يجوز جعله مستقلا ، نحو : يا زيد وعمرو ، وغير مستقل نحو يا زيد والحارث ، للعلة المذكورة بعينها ؛

__________________

(١) قاله شمير بن الحارث الضبي وهو جاهلي في ضمن أبيات يذكر فيها حبه للخيل ورغبته أن يرزقه الله بشيء منها ، وأول هذه الأبيات :

دعوت الله حتى خفت أن لا

يكون الله يسمع ما أقول

قالوا : إن يسمع بمعنى يجيب. أما قوله ليؤذيني التحمحم الخ فقد اختلف في معناه بعد معرفة أن الشاعر يذكر حبه للخيل. فقيل ان التقدير ليؤذيني فقدهما ، وأعجبني ما ذكره البغدادي من رأي لبعضهم أنه محرف عن : ليؤذنني بنونين أي يجعلني آذن أي أصغي إلى ذلك لحبي له ؛

(٢) إشارة إلى بيت النابغة الذبياني : والمؤمن العائذات الطير يمسحها .. الخ وتقدم في باب الإضافة

(٣) أي مرة أو تارة أخرى ؛

(٤) تقدم ذكره في باب الإضافة من هذا الجزء ،

٣٨٢

وإنما لم يجز : يا زيد وعمرا ، ولا : يا زيد وعمرو بالتنوين ، كما جاز : يا غلام بشر وبشرا في البدل ، لأن العاطف كحرف النداء والمعطوف صالح لمباشرته له ؛

والفائدة في بدل البعض والاشتمال : البيان بعد الاجمال والتفسير بعد الإبهام ، لما فيه من التأثير في النفس ، وذلك أن المتكلم يحقق (١) بعد التجوز والمسامحة بالأول ، تقول : أكلت الرغيف ثلثه ، فتقصد بالرغيف ثلث الرغيف ، ثم تبيّن ذلك بقولك ثلثه ؛ وكذا في بدل الاستمال ، فإن الأول فيه يجب أن يكون بحيث يجوز أن يطلق ويراد به الثاني نحو : أعجبني زيد علمه ، وسلب زيد ثوبه ، فانك قد تقول : أعجبني زيد ، إذا أعجبك علمه ، وسلب زيد ، إذا سلب ثوبه على حذف المضاف ، ولا يجوز أن تقول : ضربت زيدا وقد ضربت غلامه ؛

وقال سيبويه (٢) في قولهم : رأيت قومك أكثرهم ، وصرفت وجوهها أولها : انك .. أردت : رأيت أكثر قومك وصرفت وجوه أولها ولكنك ثنيت (٣) الاسم توكيدا ، كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(٤) ، وهذا الذي قاله قريب ، إلا أنه بالتفسير بعد الابهام أشبه ؛

قالوا (٥) : والفرق الآخر : أن البدل في حكم تكرير العامل ؛ ولو سلمنا ذلك فيما تكرر فيه العامل ظاهرا ، فبأي شيء يعرف المخاطب ذلك فيما لم يتكرر فيه ؛ ولنا أن ندّعي ذلك فيما سمّوه عطف البيان مع التسليم في البدل ؛

وفرقوا أيضا بينهما بعدم وجوب توافق البدل والمبدل منه تعريفا وتنكيرا بخلاف عطف البيان ؛

__________________

(١) أي يأتي بالحقيقة بعد المجاز ؛

(٢) انظر الكتاب ج ١ ص ٧٥ ،

(٣) يعني كررته ،

(٤) الآية ٧٣ سورة ص وتقدمت قريبا ،

(٥) أي النحاة ،

٣٨٣

والجواب : تجويز التخالف في المسمّى عطف بيان أيضا ؛

هذا الذي ذكرت ، هو الذي يقوى عندي ؛

[أقسام البدل]

[قال ابن الحاجب :]

«وهو بدل الكل ، وبدل البعض ، وبدل الاشتمال ، وبدل»

«الغلط ، فالأول : مدلوله مدلول الأول ، والثاني جزؤه»

«والثالث بينه وبينه ملابسة بغيرهما ؛ والرابع أن تقصد إليه»

«بعد أن غلطت بغيره» ،

[قال الرضي :]

قوله : «فالأول مدلوله مدلول الأول» فيه تسامح ، إذ مدلول قولك : «أخيك» في : بزيد أخيك ، لو كان عين مدلول زيد ، لكان توكيدا ، و: أخوك ، يدل على أخوة المخاطب ، ولم يكن يدل عليها زيد ، لكن مراده أنهما يطلقان على ذات واحدة ، وإن كان أحدها يدل على معنى فيها لا يدل عليه الآخر ؛

قوله : «والثاني جزؤه» ، أي بدل البعض : جزء الأول ، نحو كسرت زيدا يده ؛ قوله : «والثالث بينه وبينه ملابسة» بغير الكلية والجزئية ، وهذا الاطلاق يدخل فيه بدل الغلط ، نحو : جاءني زيد غلامه ، أو حماره ، ولقيت زيدا أخاه ، ولا شك في كونها من بدل الغلط ؛

وإنما قيل لهذا : بدل الاشتمال ، قال ابن جعفر (١) : لاشتمال المتبوع على التابع ، لا

__________________

(١) محمد بن جعفر الأنصاري المرسي ، تقدم ذكره في هذا الجزء ، وفي الجزء الأول ؛

٣٨٤

كاشتمال الظرف على المظروف ، بل من حيث كونه دالّا عليه اجمالا ومتقاضيا (١) له بوجه ما ؛ بحيث تبقى النفس عند ذكر الأول مشوقة إلى ذكر ثان ، منتظرة له ، فيجيئ الثاني ملخصا لما أجمل في الأول مبيّنا له ؛

وقال المبرد ، والقولان (٢) متقاربان : سمّي بدل الاشتمال لاشتمال الفعل المسند إلى المبدل منه على البدل ، ليفيد ويتمّ ، لأن الإعجاب في قولك : أعجبني زيد حسنه ، وهو مسند إلى زيد ، لا يكتفى به من جهة المعنى لأنه لم يعجبك للحمه ودمه ، بل لمعنى فيه ؛

وكذا : سلب زيد ، ظاهر في أنه لم يسلب هو نفسه ، بل سلب شيء منه ، وكذا السؤال عن نفس الشهر في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٣) ، غير مفيد إلا أن يكون لحكم من أحكامه غير معيّن ، وكذا : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ)(٤) ، مطلق غير مفيد ، إلا لفعلهم بذلك الأخدود ما استحقوا به اللعن ؛ بخلاف : ضربت زيدا عبده ، فانه بدل الغلط لأن ضرب زيد مفيد غير محتاج إلى شيء آخر ؛

ولا نقول في بدل الاشتمال (٥) ، نحو قتل الأمير سيّافه ، وبنى الوزير وكلاؤه ؛ لأن شرط بدل الاشتمال ، ألّا يستفاد هو من المبدل منه معيّنا ، بل تبقى النفس مع ذكر الأول متشاقة إلى البيان للاجمال الذي فيه ، وهنا : الأول غير مجمل ، إذ يستفاد عرفا من قولك قتل الأمير ، أنّ القاتل سيّافه ، وكذا في أمثاله فلا يجوز مثل هذا الإبدال مطلقا ؛

ودليل حصر الأبدال في الأربعة : أنه لا يخلو مدلول الثاني من أن يكون مدلول الأول ، أو ، لا ؛ الأول بدل الكل ، والثاء إمّا أن يكون الثاني فيه بعض الأول ، أو ، لا ؛ والأول بدل البعض ، والثاني إمّا أن يكون فيه الفعل المسند إلى المبدل منه مشتملا على

__________________

(١) أي طالبا ومستدعيا له ،

(٢) أي قول المبرد وقول ابن جعفر ،

(٣) من الآية ٢١٧ سورة البقرة ،

(٤) الآية ٤ سورة البروج ، وفي النسخة المطبوعة : لعن ، وهو تحريف ،

(٥) يريد أنه لا يصح التمثيل لبدل الاشتمال بما ذكر من الأمثلة ؛

٣٨٥

الثاني ، أي متقاضيا له بوجه ما ، أو ، لا ، والأول بدل الاشتمال ، والثاني بدل الغلط ؛

وهذا الذي يسمّى بدل الغلط ، على ثلاثة أقسام ؛ إمّا بداء ، وهو أن تذكر المبدل منه عن قصد وتعمّد ، ثم توهم أنك غالط ، لكون الثاني أجنبيا ، وهذا ، يعتمده الشعراء كثيرا للمبالغة والتفنن في الفصاحة ، وشرطه أن يرتقي من الأدنى للأعلى ، كقولك : هند نجم ، بدر ، شمس ، كأنك ، وإن كنت معتمدا (١) لذكر النجم ، تغلط نفسك ، وتري أنك لم تقصد في الأول إلّا تشبيهها بالبدر ، وكذلك قولك : بدر شمس ؛

وإمّا غلط صريح محقق ، كما إذا أردت ، مثلا ، أن تقول : جاءني حمار فسبق لسانك إلى «رجل» ، ثم تداركت فقلت : حمار ؛

وإمّا نسيان ، وهو أن تعتمد ذكر ما هو غلط (٢) ، ولا يسبقك لسانك إلى ذكره لكن تنسى المقصود ، ثم بعد ذلك تتداركه بذكر المقصود ؛

ولا يجيء الغلط الصرّف ، ولا بدل النسيان في كلام الفصحاء ، وما يصدر عن رويّة وفطانة (٣) ، فلا يكون في شعر أصلا ؛

وإن وقع في كلام فحقه الاضراب عن الأول المغلوط فيه ببل ؛

ومعنى بدل الغلط : البدل الذي كان سبب الإتيان به الغلط في ذكر المبدل منه ، لا أنّ البدل هو الغلط ؛

وبدل الكل من الكل يجب موافقته للمتبوع في الافراد والتثنية والجمع ، والتذكير والتأنيث فقط ، لا في التعريف والتنكير ؛

وأمّا الأبدال الأخر فلا يلزم موافقتها للمبدل منه في الافراد والتذكير وفروعهما أيضا ؛

__________________

(١) أي قاصدا ومريدا لذكره ،

(٢) أي الذي تبيّن أنه غلط

(٣) يعني فيما يصدر بعد إعمال الفكر فيما يريد المتكلم أن ينطق به ،

٣٨٦

[التطابق والتخالف]

[بين المبدل والمبدل منه وصور ذلك]

[قال ابن الحاجب :]

«ويكونان معرفتين ونكرتين ومختلفين ، وإذا كان نكرة من»

«معرفة ، فالنعت ، مثل : بالناصية ناصية كاذبة» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن البدل والمبدل منه ، في الأبدال الأربعة ، يقعان معرفتين ، ونكرتين ، والأول معرفة والثاني نكرة ، وعلى العكس ؛

والأربعة في أربعة : ستة عشر ،

فأمثلة الكل من الكل : بزيد أخيك ، برجل أخ لك ، بزيد أخ لك ، برجل أخيك ؛ وأمثلة البعض : بزيد رأسه ، برجل رأس له ، بزيد رأس له ، برجل رأسه ؛

وأمثلة الاشتمال : بزيد علمه ، برجل علم له ، بزيد علم له ، برجل علمه ،

وأمثلة الغلط : بزيد الحمار ، برجل حمار ، بزيد حمار ، برجل الحمار ؛

قوله : «وإذا كان نكرة» ، أي إذا كان نكرة مبدلة من معرفة ، فنعت تلك النكرة واجب ، وليس ذلك على الإطلاق ، بل في بدل الكل من الكل ؛

وإذا رويت «نكرة» (١) بالنصب ، فالمعنى : وإذا كان الثاني نكرة مبدلة من معرفة ، قال أبو علي في الحجة (٢) ، وهو الحق ، يجوز تركه ، أي ترك وصف النكرة المبدلة من المعرفة ، إذا استفيد من البدل ما ليس في المبدل منه كقوله تعالى : (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(٣) ،

__________________

(١) أي لفظ نكرة الواقعة في كلام المصنف أي إذا قرئت ،

(٢) المراد أبو علي الفارسي وله كتاب في توجيه القراءات اسمه حجة القراءة ،

(٣) الآية ١٢ سورة طه ،

٣٨٧

إذا لم يجعل «طوى» اسم الوادي بل كان مثل : حطم وختع (١) ، من الطيّ ، لأنه قدّس مرتين ، فكأنه طوي بالتقديس ، وكقول الشاعر :

٣٥٧ ـ إنا وجدنا بني جلّان كلّهم

كساعد الضب لا طول ولا قصر (٢)

أي : لا ذي طول ، ولا ذي قصر ، وقوله :

فلا وأبيك خير منك ... البيت (٣) ـ ٣٥٦

فإن لم تفد النكرة ما أفاده الأول ، لم يجز (٤) ، لأنه يكون إيهاما بعد التفسير نحو : بزيد رجل ، وقد مرّ أنه لا فائدة فيه ؛

[إبدال الظاهر من الضمير]

[وعكسه]

[قال ابن الحاجب :]

«ويكونان ظاهرين ، ومضمرين ومختلفين ؛ ولا يبدل ظاهر»

«من مضمر بدل الكل ، إلّا من الغائب نحو : ضربته زيدا» ؛

[قال الرضي :]

هذه قسمة أخرى للأبدال الأربعة ، وهي بهذا الاعتبار ، أيضا ، ستة عشر : فهذه قسمة البدل باعتبار الإظهار والإضمار ، وتلك كانت باعتبار التعريف والتنكير ،

__________________

(١) الختع من أسماء الضبع ويستعمل بمعنى الرجل الحاذق البصير بالأمور

(٢) معنى التشبيه في قوله كساعد الضب يقصد به التساوي كقولهم هم كأسنان المشط قال البغدادي : المراد أنهم يتساوون في رشق السهام لا يتفاوتون في ذلك ، وقال بعد ذلك : لم أقف على قائله ولا تتمته ؛

(٣) تقدم هذا الشاهد قريبا ،

(٤) يعني لم يجز الإبدال ،

٣٨٨

فأمثلة الكل من الكل وهما مظهران : بزيد أخيك ، وإذا كانا مضمرين : فنحو : لقيتهم إيّاهم ، إذا تقدم لفظا الزيدين ، وإخوتك ، وكان الزيدون اخوة المخاطب ، نحو : جاءني الزيدون اخوتك (١) ، والنحويون يوردون في هذا المقام نحو : زيد ضربته إياه ، وهو تأكيد لفظي لرجوعهما إلى شيء واحد ، وقد اتفقوا كلهم في مثل : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٢) ، على أن «أنت» تأكيد ، وكذا في : مررت بك أنت ، وبه هو ، فكذلك هنا ؛

والمضمر من المظهر نحو : أخوك ، لقيت زيدا إياه ، بتقدير أنّ زيدا أخوك ، ولو رجع «إيّاه» إلى «زيد» على ما يورده النحاة لكان تأكيدا لفظيا ، أيضا ، لأنه يكون كقولك : رأيت زيدا زيدا ، كما أن : مررت بك أنت ، تكرير لفظي عندهم ، اتفاقا ؛

والمظهر من المضمر نحو : أخوك ، لقيته زيدا ، والأخ هو زيد ؛ وأمثلة البعض : قطعت زيدا يده ، والمضمر من المضمر : كسرت زيدا يده ثم قطعته إياها ، والمضمر من المظهر نحو : كسرت يد زيد وقطعت زيدا إياها ، والنحاة يوردون في مثله نحو : يد زيد قطعت زيدا إياها ، ويقولون هو تكلف ، لإعادة الظاهر بلفظه في جملة واحدة ، ونحن ذكرنا جملتين ليرتفع التكلف ، إن كان من أجله ؛ والمظهر من المضمر نحو : زيد قطعته يده ؛

وأمثلة الاشتمال : كرهت زيدا جهالته ، والمضمر من المضمر كرهت زيدا جهالته وأبغضته إيّاها ، والمضمر من المظهر : كرهت جهالة زيد وأبغضت زيدا إيّاها ، والمظهر من المضمر : زيد كرهته جهالته ؛

وأمثلة الغلط : كرهت زيدا دابة ، والمضمر من المضمر نحو : كرهته إياها ، إذا تقدم ذكر زيد والدابة ، والمضمر من المظهر : كرهت زيدا إياها مع تقدم ذكر الدابة ، والمظهر من المضمر : زيد كرهته الدابة ؛

__________________

(١) تمثيل لتقدم مرجع الضميرين في المثال المذكور

(٢) الآية ٣٥ سورة البقرة ،

٣٨٩

وربّما سمّى بعضهم بدل البعض من الكل ، بدل الاشتمال أيضا ، لاشتمال الأول على الثاني ، لكونه كلّا له ، ولكن المشهور إفراده بالتسمية ببدل البعض ،

ولا بدّ في بدل البعض والاشتمال إذا كانا ظاهرين من ضمير راجع إلى المبدل منه ، حتى يعرف تعلقهما بالأول وأنهما ليسا ببدل الغلط ؛

بلى ، يجوز ترك الضمير إذا اشتهر تعلق الثاني بالأول ، كقوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ)(١) ، لاشتهار قصتهم وأنهم ملأوا الأخدود نارا ؛

وقال الكوفيون : يجوز سدّ اللام مسدّ الضمير ، نحو قولهم : مطرنا السهل والجبل ، أي مطرت أرضنا السهل والجبل على حذف المضاف ، أي : سهلها وجبلها ، فهو نحو قوله :

لحافي لحاف الضيف والبرد برده

ولم يلهني عنه غزال مقنع (٢) ـ ٢٨٤

قال ابن الخشاب (٣) : لا يجوز جاءني زيد الأخ ، أي أخوه ، اتفاقا وأمّا الاعتذار عن نحو : مطرنا السهل والجبل ، فقد مضى في باب التأكيد (٤) ؛

قوله : «ولا يبدل ظاهر من مضمر» إلى آخره ؛ اعلم أن بدل البعض والاشتمال والغلط ، إذا كان ظاهرا ، يجوز أن يكون من ضمير المتكلم والمخاطب قال الشاعر في بدل البعض :

٣٥٨ ـ أوعدني بالسجن والأداهم

رجلي فرجلي شتنة المناسم (٥)

__________________

(١) الآية ٤ من سورة البروج وتقدمت

(٢) تقدم هذا الشاهد في باب الإضافة

(٣) ابن الخشاب : هو أبو محمد : عبد الله بن أحمد البغدادي ممن تقدم ذكرهم في الجزء الأول من هذا الشرح ؛ توفي في منتصف القرن السادس الهجري ،

(٤) انظر في هذا الجزء ؛ ص ٣٦٩.

(٥) نقل البغدادي عن ياقوت والعيني : ان هذا البيت للعديل بن الفرخ ، شاعر إسلامي في دولة بني مروان ، كان هجا الحجاج ثم هرب ، في قصة طويلة ، وقال ان ابن السيد قال : لا أعلم قائل هذا الرجز ، والله أعلم بحقيقة الحال ؛

٣٩٠

وقال في بدل الاشتمال :

٣٥٩ ـ ذريني ان أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا (١)

بخلاف بدل الكل من الكل ، فإن غير الأخفش لا يجيز نحو : بي المسكين مررت ، ولا : عليك الكريم المعوّل : قالوا (٢) : لأن البدل ينبغي أن يفيد ما لم يفده المبدل منه ، ومن ثمّ لم يجز : بزيد رجل ؛ وافادة بدل البعض والاشتمال والغلط ذلك : ظاهرة ، لأن مدلول هذه الثلاثة غير مدلول الأول ، وأمّا بدل الكل فمدلوله مدلول الأول فلو أبدلنا فيه الظاهر من أحد الضميرين ، أي المتكلم والمخاطب ، وهما أعرف المعارف كان البدل أنقص في التعريف من المبدل منه ، فيكون أنقص في الإفادة منه ، إذ المدلولان واحد وفي الأول زيادة تعريف ؛

وجواب الأخفش بمنع اتحاد المدلولين في بدل الكل ، كما ذكرنا في هذا الباب (٣) ، ولو اتحدا ، لكان الثاني تأكيدا لا بدلا ، وإفادة الثاني في المثالين زيادة فائدة ، من صفة المسكنة والكرم : ظاهرة ، ولا يضر نقصان الثاني في التعريف عن الأول ، ألا ترى إلى جواز : مررت بزيد رجل عاقل ، فربّ نكرة أفادت ما لا تفيده المعرفة ، وإن كان في المعرفة فائدة التعريف التي ليست في النكرة ،

واستدل الأخفش بقوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا)(٤) والباقون يقولون إنه نعت مقطوع للذّم امّا مرفوع الموضع أو منصوبه ، ولا يلزم (٥) أن يكون كل نعت مقطوع ، يصح اتباعه نعتا ، بل يكفي فيه معنى الوصف ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، الَّذِي جَمَعَ مالاً)(٦) ،

__________________

(١) من أبيات لعدي بن زيد العبادي وهو شاعر جاهلي ؛

(٢) قالوا أي النحاة غير الأخفش على ما تقدم ،

(٣) وضح الشارح هذا المعنى في أول الباب ،

(٤) الآية ١٢ سورة الانعام ،

(٥) رد عما يمكن أن يقال ان الأول في الآية ضمير وهو لا ينعت ،

(٦) أول سورة الهمزة وتقدمت

٣٩١

وقال ابن مالك : لا يبدل من الضمير اللازم الاستتار ، وهو في : «افعل» أمرا ، و «تفعل» في الخطاب ، و «أفعل ونفعل» ؛ وإذا وقع ما يوهم ذلك فهناك فعل مقدّر من جنس الأول ، نحو : تعجبني جمالك ، أي : تعجبني : يعجبني جمالك ؛ ولعلّ ذلك (١) ، استقباحا لإبدال الظاهر مما لا يقع لا ظاهرا ولا بارزا ؛

وإذا أبدل ممّا تضمن معنى الاستفهام ، فلا بدّ من اقتران الهمزة بالبدل ، نحو : من لقيت؟ أزيدا أم عمرا ، لبيان أنه بدل من متضمن الاستفهام ؛ وأمّا قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)(٢) ، فهو كأنه جواب الاستفهام وليس ببدل ؛

واختلف النحاة في المبدل منه ، فقال المبرد : إنه في حكم الطرح معنى ، بناء على أن المقصود بالنسبة هو البدل لا المبدل منه ؛

وعلى ما ذكرنا من فوائد البدل والمبدل منه ، يتبيّن أن الأول ليس في حكم الطرح معنى إلّا في بدل الغلط ؛

ولا كلام في أن المبدل منه ليس في حكم الطرح لفظا ، لوجوب عود الضمير إليه في بدل البعض وبدل الاشتمال ، وأيضا في بدل الكل إذا كان ضميرا لا يستغنى عنه نحو : ضربت الذي مررت به أخيك ، أو ملتبسا بضمير كذلك نحو : الذي ضربت أخاه ، زيد : كريم ؛

وقد يعتبر الأول في اللفظ دون الثاني ، قال :

٣٦٠ ـ وكأنه لهق السّراة كأنه

ما حاجبيه معيّن بسواد (٣)

ولم يقل معيّنان ؛ وقال :

__________________

(١) التماس وجه لتبرير ما ذهب إليه ابن مالك ؛

(٢) أول سورة النبأ ،

(٣) الشاهد فيه أنه أبدل الحاجبين من الضمير في كأنه ، وما ، زائدة ، ثم قال معيّن فراعى الضمير المبدل منه ، والبيت في تشبيه البعير في نشاطه بالثور الوحشي الأبيض ، والسراة أعلى الظهر ، وفي سيبويه ج ١ ص ٨٠ نسبته إلى الأعشى ولكن البغدادي قال انه من الأبيات الخمسين التي لم يقفوا لها على قائل ؛

٣٩٢

٣٦١ ـ إن السيوف غدوّها ورواحها

تركت هوازن مثل قرن الأعضب (١)

ولو كان في حكم الطرح لفظا لم يعتبر هو دون الثاني ؛

وقد يبدل الفعل من الفعل ، إذا كان الثاني راجح البيان على الأول ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ)(٢) ، وكقول الشاعر :

٣٦٢ ـ إن عليّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا (٣)

ولو كان الثاني بمعنى الأول سواء ، لكان تأكيدا لا بدلا ، نحو : إن تنصر تعزّ : أنصرك ، ولا أعرف له شاهدا ؛

والذي يفصّل به مذكور ، إن كان وافيا بما في المذكور من الاعداد ، جاز في التفصيل ، الإتباع والقطع رفعا كقوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ)(٤) ، أي : منهم فئة ، وقال الشاعر :

٣٦٣ ـ وكنت كذي رجلين : رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلّت (٥)

يروى : رجل ، رفعا وجرّا ؛

وإن لم يف ، تعيّن الرفع نحو : مررت برجال ، رجل فاضل ، ورجل كريم ،

وقد جاء نصب الوافي وغيره في البدل باضمار «أعني» كما مرّ في باب الوصف (٦) ؛

__________________

(١) هذا البيت للأخطل التغلبي في مدح العباس بن محمد حفيد العباس بن عبد المطلب. من قصيدة أولها :

بان الشباب وربما عللته

بالغانيات وبالشراب الأصهب

وبعد أن مدح العباس المذكور ، اقتضب الكلام وانتقل إلى قوله :

ان السيوف غدوها ورواحها ... إلى آخر ما قال.

(٢) من الآيتين ٦٨ ، ٦٩ سورة الفرقان ،

(٣) قال البغدادي : قلما خلا منه كتاب نحوي ، وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلوها ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٧٨.

(٤) الآية ١٣ من سورة آل عمران ؛

(٥) من قصيدة كثير عزة المشهورة التي أولها :

خليلي هذا ربع عزة فاعقلا

قلوصيكما ثم انزلا حيث حلت

(٦) انظر في هذا الجزء ؛ ص ٣٢٢.

٣٩٣

[ترتيب التوابع]

واعلم أن التوابع إذا اجتمعت ، بدئ بالنعت ثم بالتأكيد ثم بالبدل ثم بالمنسوق ، أمّا الابتداء بالنعت قبل التأكيد فلما مرّ في تعليل قولهم ان النكرة لا تؤكد ؛ وابن كيسان يقدم التأكيد على النعت ؛ إذ النعت يفيد ما لا يفيده الأول بخلاف التأكيد ؛ وإنما يقدم التأكيد على البدل ، لأن مدلول البدل غير مدلول متبوعه في الحقيقة ، ومدلول التأكيد مدلول متبوعه ، وأمّا تقديم البدل على المنسوق ، فلأن البدل نسبة معنوية إلى المبدل منه ، إمّا بالكلية أو بالبعضية ، أو بالاشتمال ، وأمّا بدل الغلط فنادر ؛ والمنسوق أجنبي من متبوعه ؛

[عطف البيان]

[قال ابن الحاجب :]

«عطف البيان تابع غير صفة يوضح متبوعه ، مثل : أقسم»

«بالله أبو حفص عمر ، وفصله من البدل لفظا ، في مثل : أنا»

«ابن التارك البكري بشر» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «يوضح متبوعه» ، يخرج التأكيد ، لأنه لا يوضح المؤكّد ، بل يحقق أصل نسبته ، أو شمول النسبة لأجزائه ، وعدم إيضاح المنسوق لمتبوعه ظاهر (١) ، وكذا البدل ، عند النحاة ، لأن الأول عندهم في حكم الطرح وفي حكم المعدوم ، فلم يبق إلا الصفة وعطف البيان ، فلما قال : غير صفة ، خرجت الصفة ؛

والأولى أن يحدّ بهذا الحدّ : الأبدال الثلاثة ، فيدخل فيها عطف البيان ، كما ذكرنا ،

__________________

(١) لأنه غيره غالبا ؛

٣٩٤

ويحدّ بدل الغلط ، بما حدّ به المصنف مطلق البدل ؛

قوله : «أقسم بالله أبو حفص عمر» (١) ؛ قصته : أنه : أتى أعرابي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ان أهلي بعيد ، واني على ناقة دبراء عجفاء نقباء ، واستحمله فظنه كاذبا فلم يحمله ، فانطلق الأعرابي فحمل بعيره ثم استقبل البطحاء وجعل يقول :

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسّها من نقب ولا دبر (٢) ـ ٣٤٨

اغفر له اللهم إن كان فجر

وعمر مقبل من أعلى الوادي فجعل إذا قال : اغفر له اللهم إن كان فجر ، قال : اللهم صدق ، حتى التقيا ، فأخذ بيده فقال : ضع عن راحلتك فوضع فإذا هي نقبة عجفاء ، فحمله على بعيره ، وزوّده وكساه ؛

قوله : في مثل :

أنا ابن التارك البكري بشر (٣) ـ ٢٩٠

قال (٤) إنما قلت «في مثل» ، إشارة إلى أن الفرق يقع في غير هذا الباب أيضا ، كقولك : يا أخانا الحارث ، ولا يجوز لو جعل بدلا ، لعدم جواز يا الحارث ، وكذا : يا غلام زيد وزيدا ولو جعل بدلا لوجب الضم ؛

وقد ذكرت ما عليه في باب البدل (٥) ؛

والفراء (٦) يجوّز : الضارب زيد ، فلا يتم معه الاستدلال بهذا البيت على أن الثاني عطف بيان لا بدل ، والمبرد أنكر رواية الجر وقال : لا يجوز في «بشر» إلا النصب بناء على أنه بدل ، والبدل يجب جواز (٧) قيامه مقام ، المتبوع ؛

__________________

(١) تقدم ذكر هذا الشاهد وهنا استوفى الرضي الكلام على معناه ، وذكر قصته ولم يذكر اسم قائله ، وفي القصة روايات أخرى غير ما هنا ؛

(١) تقدم ذكر هذا الشاهد وهنا استوفى الرضي الكلام على معناه ، وذكر قصته ولم يذكر اسم قائله ، وفي القصة روايات أخرى غير ما هنا ؛

(٢) تقدم في باب الإضافة ، وسيذكر الشارح تكملته ويشرحه ؛

(٣) أي ابن الحاجب

(٤) انظر في هذا الجزء ؛ ص ٣٨٢.

(٥) ردّ آخر على ما قاله ابن الحاجب ، وكذلك ما يأتي عن المبرد ،

(٦) يعني يجب أن يكون صالحا لقيامه مقام المتبوع ،

٣٩٥

والبيت للمرار الأسدي ، وتمامه :

عليه الطير ترقبه وقوعا

فعليه الطير : ثاني مفعولي : التارك ، إن جعلناه بمعنى المصيّر والا فهو حال ، وقوله : ترقبه ، حال من الطير إن كان فاعلا ل «عليه» وإن كان مبتدأ فهو حال من الضمير المستحق المستكن في عليه ؛

ونحو قولهم : أعجبني من زيد علمه ، ومن عمرو جوده ، الثاني فيهما كأنه عطف بيان والمعطوف عليه محذوف والأصل : أعجبني شيء من أوصاف زيد. علمه ، وخصلة من خصال عمرو : جوده ، وكذا : كسرت من زيد يده ، أي كسرت عضوا من أعضائه ، يده ؛ حذف المعطوف عليه (١) ، وأقيم المعطوف مقامه ، كما يحذف المستثنى منه ويقوم المستثنى مقامه في نحو : ما جاءني الّا زيد ؛

[قال الرضى :] (٢)

وهذا آخر قسم المعربات من الأسماء والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، وصحبه أجمعين ، ثم الحمد لله على درك المسئول وبلوغ المأمول ،

تمّ الجزء الأول بحمده تعالى وحسن تأييده ؛

__________________

(١) أي المعطوف عليه عطف بيان ؛

(٢) بهذا ختم الرضي الجزء الأول من الشرح حسب تقسيمه الذي جاءت عليه النسخ المطبوعة ، وقد رأيت أن أكمل الجزء الثاني حسب التقسيم الذي اخترته لهذه الطبعة ، ببعض المباحث من قسم المبنيات حتى يكون تقسيمي للكتاب إلى أربعة أجزاء متناسقا ، لأن الجزء الثاني من تقسيم الشارح أكبر حجما من الجزء الأول ؛ وقد اتفق التقسيم الذي اخترته مع ما أشير إليه بهامش المطبوعة من أن الجزء الأول ينتهي في تقسيم الشارح بنهاية باب اسم الإشارة وأن الجزء الثاني يبدأ بالموصول في بعض النسخ ،

والله الموفق والمعين على الإكمال بفضله وجميل تيسيره وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ؛

٣٩٦

[قسم المبنيّات]

[من الأسماء]

ـ ـ ـ ـ

[المبني وتعريفه]

[قال ابن الحاجب :]

«المبني : ما ناسب مبني الأصل ، أو وقع غير مركب»

[قال الرضى :]

المبني ، كما مرّ في حد المعرب ، ضربان : إمّا مبني لفقدان موجب الإعراب الذي هو التركيب (١) ، كالأسماء المعدّدة ، كواحد ، اثنان ، ثلاثة : و: ألف ، با ، تا ، ثا ، و: زيد ، عمرو ؛ بكر ؛

وإمّا مبني لوجود المانع من الاعراب ، مع حصول موجبه ، وذلك المانع : مشابهة الحرف ، أو الماضي ، أو الأمر ، وهي التي سمّاها : مبنيّ الأصل ، أو كونه اسم فعل ، كما يجيء :

قال (٢) : ولا يفسد الحد بلفظة «أو» ، لأنها لمجرّد أحد الشيئين ههنا. لا للشك الذي ينافي تبيين الماهية ؛ قال : ولم أقل في حدّه : ما لا يختلف آخره ، كسائر النحاة ، لأن معرفة انتفاء الاختلاف : فرع على تعقل ماهية المبني ؛ فلا يستقيم أن يجعل تعقل ماهية

__________________

(١) أي وقوع الاسم جزء كلام ،

(٢) أي ابن الحاجب في شرحه على الكافية وكذلك ما يأتي من قوله : قال ولم أقل ،

٣٩٧

المبني فرعا على معرفة انتفاء الاختلاف ، فيؤدّي إلى الدور ، كما ذكر في حد الإعراب ؛

هذا كلامه ، وقد مرّ الكلام عليه في حدّ المعرب فلا نعيده (١) ، وهذا الحد لا يصح إلّا لمن يعرف ماهية المبني على الإطلاق ، ولا يعرف الاسم المبني ، ولو لم يعرفها لكان تعريفا للمبني بالمبني ، لأنه ذكر في حدّ المبني لفظ المبني ؛

[ألقاب البناء]

[قال ابن الحاجب :]

«وألقابه : ضم وفتح وكسر ووقف» (٢) ؛

[قال الرضى :]

أي ألقاب حركات أواخره وسكونها ، والضم والفتح والكسر : ألقاب مطلق الحركات وحدها ، سواء كانت حركات المبني كقولك : حيث مبني على الضم ، أو حركات المعرب كقولك ، في «زيد» : إنه متحرك بالضم في حال الرفع ، أو ، لا هذا ولا ذاك ، كقولك في جيم «رجل» : انه متحرك بالضم ؛

ولا تقع على حروف البناء ، فلا يقال إن : يا زيدان مبني على الضم ، وامّا ألقاب الإعراب ، فإنها كما تطلق على الحركات ، تطلق على الحروف أيضا فيقال في نحو : جاءني زيد ، والزيدان ، والزيدون : إنها مرفوعة ؛

هذا على مذهب المصنف ؛ والذي يغلب في ظني ، أن المتقدمين لم يضعوا ألقاب الإعراب أيضا ، أعني الرفع والنصب والجر ، إلا للحركات المعينة ، فالرفع كالضم ،

__________________

(١) ص ٥٥ من الجزء الأول

(٢) في بعض النسخ بعد هذا : وحكمه أن لا يختلف آخره لاختلاف العوامل ، ولم أثبتها لأن الرضي لم يكتب عليها في الشرح ، وكأنها غير موجودة في النسخة التي شرحها ؛

٣٩٨

والنصب كالفتح ، والجر كالكسر ، ثم إنهم يطلقون على الحروف ، لقيامها مقام حركات الإعراب ، أسماء الحركات مجازا ، فقولهم في نحو : رأيت الزيدين : إن «الزيدين» منصوب : مجاز ، وكذلك إذا قام بعض الحركات مقام بعض ، أطلقوا اسم المنوب عنه على النائب مجازا ، فقالوا في «السموات» و «أحمد» في : خلق الله السموات ، وبأحمد : ان الأوّل منصوب والثاني مجرور ؛ فأيش (١) المانع ، على هذا ، أن يطلق على الحروف القائمة مقام حركات البناء : اسم تلك الحركات مجازا فيقال في : لا رجلين ، إنه مفتوح ، وكذا في : لا مسلمات ، عند من يكسر ، ويقال في : يا زيدان ، ويا زيدون : انهما مبنيان على الضم ، مجازا ، فلا يكون. إذن ، لردّ المصنف على النحاة اطلاقهم ان يا زيدان مبني على الضم ولا رجلين ، على الفتح : وجه (٢) ،

هذا ، والتمييز بين ألقاب حركات الإعراب وحركات البناء وسكونهما في اصطلاح البصريين متقدميهم ومتأخريهم : تقريب على السامع ؛

وأمّا الكوفيون فيذكرون ألقاب الإعراب في المبني وعلى العكس ولا يفرقون بينهما ؛

[حصر المبني من الأسماء]

[قال ابن الحاجب :]

«وهي المضمرات ، وأسماء الإشارة والموصولات والمركبات».

«والكنايات ، وأسماء الأفعال والأصوات ، وبعض الظروف» ؛

[قال الرضى :]

حصر جميع المبنيات جملة ، فليطلب لكل واحد منها علة البناء لأن الأصل في

__________________

(١) كلمة «أيش» مختصرة من قولهم : أي شيء وهي مستحدثة فيما رجحه أئمة اللغة وبعضهم ينكر استعمالها ، وتقع كثيرا في استعمال الرضي ، وقد نبهنا على ذلك ؛

(٢) يعني فلا يكون لردّه على النحاة وجه ، فكلمة وجه اسم يكون ؛

٣٩٩

الأسماء الإعراب ، كما مرّ في أول الكتاب ،

وإن كان مبنيا على الحركة ، فليطلب. مع ذلك ، علتان أخريان : إحداهما للناء على الحركة ، فإن أصل البناء : السكون ، لأنه ضد الإعراب وأصله الحركة ؛ وأخرى للحركة المعيّنة ولم اختيرت دون الباقيتين ؛

٤٠٠