شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

قوله : «ويلزم الضمير» ، إنما اشترط الضمير في الصفة والصلة ليحصل به ربط بين الموصوف وصفته ، والموصول وصلته ، فيحصل بذلك الربط اتصاف الموصوف والموصول بمضمون الصفة والصلة ، فيحصل لهما بهذا الاتصاف تخصص أو تعرف ، فلو قلت : مررت برجل قام عمرو ، لم يكن الرجل متصفا بقيام عمرو بوجه ، فلا يتخصص به ، فإذا قلت : قام عمرو في داره ، صار الرجل متصفا بقيام عمرو في داره ؛

وقد يحذف الضمير ، كما مرّ في خبر المبتدأ (١) ؛

وقد تقع الطلبية صفة ، لكونها محكية بقول محذوف ، هو النعت في الحقيقة كقوله :

جاءوا بمذق ، هل رأيت الذئب قط (٢) ـ ٩٤

أي بمذق مقول عنده ، (٣) هذا القول ؛ كما تقع حالا نحو : لقيت زيدا اضربه ، أو اقتله ، أي مقولا في حقه هذا القول ؛ ومفعولا ثانيا في باب ظن ، نحو : «وجدت الناس : اخبر تقله (٤)» ؛

__________________

(١) انظر ص ٢٣٨ من الجزء الأول ؛

(٢) تقدم هذا الشطر ، في باب المفعول المطلق من الجزء الأول ،

(٣) أي عند رؤيته ، أو عند حضوره ومشاهدته ،

(٤) أي مقولا في شأنهم : اخبر ، أي اختبر ، تقله ، أي تقلي وتبغض ، وهو مضارع مجزوم والهاء المسكت ، وقيل إنه حديث نبوي شريف ، وقد جاء الجزء الأخير منه : «اختبر تقله» في نهج البلاغة ص ٤٢٢ طبع دار الشعب ، وقال الشريف الرضي إن مما يرجح كونه من كلام أمير المؤمنين : ما حكاه ثعلب عن ابن الإعرابي.

قال المأمون : لو لا أن عليا ، قال اخبر تقليه ، لقلت : اقله تخبر ، يريد المأمون أن الهجر يكشف حقيقة الناس ويبيّن مدى صدق مودتهم ،

٣٠١

[الحقيقي والسببي من النعت]

[وحكم كل منهما]

[قال ابن الحاجب :]

«ويوصف بحال الموصوف وحال متعلقه ، نحو : مررت»

«برجل حسن غلامه ؛ فالأول يتبعه في الإعراب ، والتعريف ،»

«والإفراد ، والتثنية والجمع ، والتذكير والتأنيث ؛ والثاني»

«يتبعه في الخمسة الأول ؛ وفي البواقي كالفعل» ؛

[قال الرضي :]

قوله «بحال الموصوف» ، الجار والمجرور في محل الرفع نائب فاعل يوصف (١)» ، أي يجعل حال الموصوف ، أي هيئته : وصفا له ، وهو الكثير ، كما في : رجل قائم ، ومضروب ، وحسن ، وقد يجعل حال متعلق الشيء وصفا لذلك الشيء ، لتنزيله منزلة حاله ، نحو : .. برجل مصري حماره ، في (٢) حصول الفائدة بذلك ؛ وهذا السببي ، إن كان منونا فهو يجري على الأول رفعا ونصبا وجرّا ، بلا خلاف فيه بينهم ، نحو : مررت برجل ضارب أبوه زيدا ، وضارب أباه زيد ، ولا يكون ، إذن ، اسما الفاعل والمفعول الناصبان للمفعول به ماضيين ، لما تقدم من أنهما لا ينصبان مفعولا به ، بمعنى

__________________

(١) في المطبوعة : فاعل يوصف ، ولا بد من وضع كلمة نائب : وإن كان من الممكن التكلف بجعل المراد بقوله «فاعل» أنه مرفوع بيوصف أو نحو ذلك من التأويل ،

(٢) متعلق بقوله : لتنزيله ،

٣٠٢

الماضي (١) ، وإن كان (٢) مضافا ، فلا يخلو من أن يكون صفة مشبهة ، أو غيرها ؛

والصفة يجب إضافتها إلى فاعلها إن أضيفت ، نحو : برجل حسن الوجه ، إذ لا مفعول لها ؛ وغير الصفة ، إمّا أن يكون ماضيا (٣) ، أو غيره ، فالماضي اللازم : مضاف إلى الفاعل نحو : برجل قائم الغلام ، ولا يتعرّف لإضافته إلى معموله ؛ ولا يجوز إضافة الماضي المتعدي إلى الفاعل ، لأنك إن أضفته إلى الفاعل ، بلا ذكر المفعول به ، نحو : برجل ضارب الغلام ، التبس الفاعل بالمعقول ، فلا يعلم أن اسم الفاعل سببي ، وإن ذكرت المفعول به ، لم يجز أيضا ، لأن اسم الفاعل الماضي لا ينصب مفعولا به ، وإن أضفته إلى المفعول به ، فلا بدّ من ذكر الفاعل بعده مرفوعا ، نحو : بزيد ضارب عمرو غلامه أمس ، وبزيد ضارب غلامه عمرو أمس ، إذ لو لم تذكر الفاعل لكان اسم الفاعل غير سببي ، ويتعرف بالإضافة ، لأنه مضاف إلى غير معموله ؛

وإن لم يكن السببي ماضيا ، جاز ، عند سيبويه ، أن ينعت به مطلقا كما في المنون ، سواء كان حالا أو مستقبلا ، نحو : برجل ضارب غلامه زيد ، الآن أو غدا ، وسواء كان علاجا ، وهو ما كان محسوسا يرى ، كالقاتل والضارب ، أو غير علاج ، كالعالم ، والعارف ، والمخالط والملازم ؛

وقال يونس (٤) : لا يخلو من أن يكون حالا أو مستقبلا ، فالحال يجب نصبه على الحال ، وإن كان عن نكرة ، سواء كان علاجا ، أو ، لا ، نحو : مررت برجل ضاربه عمرو ، وبزيد مخالطه داء ؛

وألزمه سيبويه : تجويز نصبه على الحال مع كونه معرفة (٥) ، لأن المانع عنده من

__________________

(١) أي لا يعملان إذا كانا بمعنى الماضي ،

(٢) أي السببي الواقع صفة ؛

(٣) أي بمعنى الماضي ، أو غيره أي بمعنى الحال أو الاستقبال ؛

(٤) رأى يونس هذا ، ورد سيبويه الذي أشار إليه الشارح بقوله وألزمه سيبويه ، موجود في كتاب سيبويه ج ١ ص ٢٢٦.

(٥) أي معرفة بأل ، كما هو واضح من التمثيل ومن المثال الثاني المقرون بالضمير ،

٣٠٣

إجرائه على الأول : الإضافة ، فينبغي أن يجوز : بزيد الضارب الرجل غلامه ، بنصب الضارب ، على الحال ؛

وأمّا نصبه في : بزيد المخالطه داء ، فربّما لا يلزمه ، لارتكابه أنه ليس بمضاف إلى الضمير ، وكلامنا في المضاف ، بل نقول : الضمير في محل نصب ، على أنه مفعول ، كما مرّ في باب الإضافة على مذهب بعضهم (١) ؛

والمستقبل ، عند يونس ، يجب رفعه ، علاجا كان ، أو ، لا ، على أن يكون هو والمرفوع بعده جملة اسمية ، صفة للنكرة ، نحو : مررت برجل ضاربه عمرو ؛

وسيبويه يوافقه في جواز النصب في الأول والرفع في الثاني ، ويخالفه في وجوبهما ، مستشهدا بقول ابن ميّادة :

٣٢٥ ـ ونظرن من خلل الستور بأعين

مرضى مخالطها السقام صحاح (٢)

واسم الفاعل ههنا للإطلاق ، وحكمه حكم الحال والمستقبل ، كما مرّ في باب الإضافة ، قال : (٣) والرواية : مخالطها بالجر ؛ وأنشد غيره :

٣٢٦ ـ حمين العراقيب العصا وتركنه

به نفس عال مخالطه بهر (٤)

برفع مخالطه ؛ وليونس أن يحمل رفعه على الابتداء (٥) ؛

__________________

(١) انظر في هذا الجزء ؛ ص ٢٣٠.

(٢) قبله :

وارتشن حين أردن ان يرميننا

نبلا مقذذة بغير قداح

الارتياش أن تجعل للسهم ريشا ، والقداح جمع قدح بكسر القاف ، وهو عود السهم قبل أن يركب عليه الريش ، وأورد سيبويه البيتين معا في مناقشته ليونس ؛

(٣) أي سيبويه ، وفي قوله إن الرواية بجر مخالطها ، الدليل على جواز الإتباع كما يرى ،

(٤) الضمير في «حمين» يعود على الإبل المذكورة في بيت سابق ، ويرتبط هذا بقوله :

إذا اتّزر الحادي الكميش وقوّمت

سوالفها الركبان والحلق الصفر

ومعنى حمين العراقيب : أن الإبل لسرعتها حمت عراقيبها من عصا الحادي الذي يضربها وجعلته يتعب ويلهث من جريه خلفها ، والبيت للأخطل ؛

(٥) فلا يصلح دليلا ،

٣٠٤

وقال عيسى بن عمر (١) : إن كان علاجا ، وجب رفعه على الابتداء ، حالا كان ، أو مستقبلا ، وأمّا غير العلاج ، فإن كان حالا ، وجب نصبه على الحال وإن كان مستقبلا وجب إتباعه للأول ؛ وسيبويه ينازعه في الوجوب لا في الجواز ؛ وألزمهما (٢) سيبويه بما لا محيص عنه ؛ وذلك أنه قال : المضاف إضافة لفظية ، كالمنون ، عند العرب وعند النحاة ، والمنون ، سببيّا كان أو غيره ، يجوز جريه على الأول ، علاجا كان أو ، لا ، حالا كان أو مستقبلا ؛

وكذا ينبغي أن يكون المضاف المنون تقديرا ؛ ولا سبب في الإضافة عارض لإيجاب الرفع ، فإيجاب أحدهما بلا موجب : تحكّم.

هذا كله ، إذا أردت إعمال اسم الفاعل عمل الفعل ، أمّا إذا لم ترد ذلك ، وجعلته اسما فليس فيه إلا الرفع على كل حال ، نحو : مررت برجل ملازمه رجل ، أي صاحب ملازمته رجل ؛ جعلت «ملازمه» بمنزلة ما لم يؤخذ من الفعل ، كما تجعل : صاحبه ، كذلك ؛ فعلى هذا تقول في المثنى والمجموع : برجل ملازماه الزيدان ، وملازموه بنو فلان ؛

وممّا يقع سببيا قياسا من غير اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة : الاسم المنسوب ، نحو : برجل مصريّ حماره ، لكونه بمعنى منسوب ، فيعمل عمله ؛

ومما جاء من ذلك سماعيا على قبح ؛ «سواء» ، نحو : مررت برجل سواء هو والعدم ، وسواء أبوه وأمّه ، والفصيح المشهور : رفع سواء ، على الابتداء والخبر ؛ فعلى هذا يقبح كون : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) في محل الرفع بأنه فاعل سواء ، في قوله تعالى : «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ (٣) أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» ؛ على أن يكون «سواء» وحده مرفوعا على أنه خبر «أنّ» ؛ بل الوجه ارتفاعه وما بعده على الابتداء والخبر ؛

__________________

(١) عيسى بن عمر الثقفي أحد شيوخ سيبويه وتقدم ذكره في الجزء الأول

(٢) أي ألزم كلّا من يونس وعيسى بن عمر ، وهذا في كتابه ج ١ ص ٢٢٨ ؛

(٣) من الآية ٦ سورة البقرة ،

٣٠٥

وقد جاء : مررت برجل سواء درهمه ، أي تامّ ، فيطلب فاعلا واحدا ، بخلاف الأول ، لأنه بمعنى «مستو» ، فهو من اثنين فصاعدا ؛

ومن السماعيّ القبيح قولك : برجل حسبك فضله ، ومررت برجل رجل أبوه ، وكذا المقادير نحو : برجل عشرة غلمانه ، وبجبّة ذراع طولها ، وكذا الجنس المصنوع منه الشيء ، نحو : بسرج خزّ صفّته ، وبكتاب طين خاتمه ، وكذا قولك : برجل مثله أبوه ، وبرجل أبي عشرة أبوه ، وهذه كلها من الجوامد التي تقع صفات على القياس (١) ، كما تقدم ذكرها ؛

قوله «فالأول يتبعه ..» ، أي الوصف بحال الموصوف ، يتبع الموصوف في أربعة أشياء من جملة العشرة الأشياء (٢) المذكورة ،

أحد تلك الأربعة : واحد من الثلاثة التي هي الإفراد والتثنية والجمع ، وأمّا برمة أعشار وأكسار ، وثوب أسمال ، ونطفة أمشاج ، فلأن البرمة مجتمعة من الأكسار والأعشار ، وهي قطعها ، والثوب مؤلف من قطع ، كل واحد منها سمل أي خلق (٣) ، والنطفة مركبة من أشياء كل منها مشيج ؛ فلما كان مجموع تلك الأجزاء : ذلك الشيء المركب منها ، جاز وصفه بها ، وجرّأهم على ذلك كون «أفعال» جمع قلة فحكمه حكم الواحد ، قال الله تعالى : (نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ) (٤) والضمير للأنعام ؛

وقال سيبويه (٥) : أفعال : واحد لا جمع ؛

__________________

(١) لا منافاة بين هذا وبين قوله قيل إنها من السماعي القبيح ، فإن ما تقدم حكم بأنها قياسية من غير رفعها للظاهر السببي.

(٢) يتكرر استعمال الرضي لهذا الأسلوب في تعريف العدد وهو رأي الكوفيين ، وقد أنكره وبين وجه ضعفه في باب الإضافة وسيكرر ذلك في باب العدد ،

(٣) سمل بكسر الميم وفتحها وكذلك خلق بفتح اللام وكسرها.

(٤) الآية ٦٦ سورة النحل.

(٥) قال سيبويه ج ٢ ص ١٧ : وأمّا أفعال ، فقد يقع للواحد ، وعدّه من جموع القلة في ج ٢ ص ١٤٠ ، فهو لم يقبل إنه غير جمع ،

٣٠٦

وجاء قميص شراذم (١) ، ولحم خراديل ؛

وثانيها (٢) : واحد من التعريف والتنكير ؛ وأجاز بعض الكوفيين وصف النكرة بالمعرفة ، فيما فيه مدح أو ذم ، استشهادا بقوله تعالى : (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا) (٣)؛ والجمهور على أنه بدل ، أو نعت مقطوع رفعا أو نصبا ، كما يجيء في موضعه (٤) ؛

وأجاز الأخفش وصف النكرة الموصوفة بالمعرفة ، قال : الأوليان ، صفة لآخران يقومان مقامهما (٥) ، والأولى أنه بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف.

وثالثها : واحد من التذكير والتأنيث ؛ ورابعها : واحد من أنواع الإعراب التي هي الرفع والنصب والجر ؛

وإنما تبعه في هذه (٦) العشرة ، لكونه إياه في المعنى ؛

قوله : «والثاني يتبعه في الخمسة الأول» ، أي : النعت بحال المتعلّق يتبع الموصوف في اثنين من جملة الخمسة الأول ، أعني : واحد من ثلاثة أنواع الإعراب (٧) ، وواحد من التعريف والتنكير ؛

__________________

(١) تقدم الاستشهاد له في الجزء الأول ص ١٥١ بقولة الراجز :

جاء الشتاء وقميصي أخلاق

شراذم يعجب منه التواق

وهو الشاهد رقم ٣٤

(٢) أي ثاني الأمور التي يتبع فيها النعت منعوته ،

(٣) الآيتان ١ ، ٢ من سورة الهمزة ،

(٤) في الكلام على قطع النعت في هذا الباب ،

(٥) إشارة إلى الآية ١٠٧ من سورة المائدة وهي قوله تعالى : «فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ» ؛

(٦) أي فيما يوجد منها في المنعوت ،

(٧) وهنا استعمل الرضي رأي البصريين في تعريف العدد ، وتكررت الإشارة إلى أنه يستعمل الوجهين في هذا الشرح مع أنه نقد كلّا منهما ، وإن كان نقده أشد لرأي الكوفيين ؛

٣٠٧

قوله : «وفي البواقي كالفعل» ، أي : هذا السببي في الخمسة البواقي ، أي الإفراد والتثنية والجمع ، والتذكير والتأنيث ، كالفعل ، أي ينظر إلى فاعله ، فإن كان الفاعل مفردا أو مثنى أو مجموعا : أفرد السببي ، كما يفرد الفعل ، وإن كان الفاعل مذكرا أو مؤنثا ، طابقه السببي ، كما يطابق الفعل فاعله في التذكير والتأنيث ، أو يذكر إذا كان الفاعل غير حقيقي التأنيث أو حقيقيا مفصولا ، كالفعل ؛

ولو نظرت حقّ النظر ، لوجدت الأوّل ، وهو الوصف بحال الموصوف أيضا ، في الخمسة البواقي ، منظورا إلى فاعله ، وكائنا كالفعل ، لأن فاعله ، حينئذ ، الضمير المستكن فيه ، الراجع إلى موصوفه ، والفعل إذا أسند إلى الضمير ، يلحقه الألف في التثنية ، والواو في جمع المذكر العاقل ، والنون في جمع المؤنث ، ويؤنث في الواحد المؤنث ، فلذلك قلت : .. برجل ضارب وبرجلين ضاربين ، وبرجال ضاربين ، وبامرأة ضاربة ، وبامرأتين ضاربتين ، وبنسوة ضاربات ، كما تقول في الفعل : (١) يضرب ، ويضربان ويضربون ، وتضرب وتضربان ويضربن ؛

نتائج

لما تقدم

[قال ابن الحاجب :]

«ومن ثمّ : حسن : قام رجل قاعد غلمانه ، وضعف :»

«قاعدون ، ويجوز : قعود غلمانه» ؛

[قال الرضى :]

أي ومن جهة أن السبي في هذه الخمسة كالفعل ، حسن : قاعد غلمانه ، كما حسن :

__________________

(١) كل مثال مما يأتي راجع إلى ما يقابله من أمثلة النعت باسم الفاعل السابقة ؛

٣٠٨

يقعد غلمانه ، وحسن أيضا : قاعدة غلمانه ، لأن الفاعل مؤنث غير حقيقي (١) ، كما حسن ؛ تقعد غلمانه ، وضعف : جاءني رجل قاعدون غلمانه ، لأنه بمنزلة : يقعدون غلمانه ، ولحاق علامتي التثنية والجمع في الفعل المسند إلى ظاهر (٢) المثنى والمجموع ، ضعيف ، كما يجيء في آخر الكتاب ؛ لكن ضعف : قاعدون غلمانه أقلّ من ضعف : يقعدون غلمانه ، لأن الألف والواو ، في الفعل ، فاعل في الأغلب الأكثر ، وتجريدهما (٣) علامتين للتّثنية ، والجمع ، ، ضعيف كما يجيء ، بخلاف الألف والواو في مثنى الاسم ومجموعه ، فإنهما ، حرفان وضعا ، علامتين للمثنى والمجموع ، كما مضى في أول الكتاب ، ولو كانا فاعلين لم ينقلبا في حالتي النصب والجر ، نحو : رأيت قاعدين وقاعدين ؛ بل هما في المشتق ، مثلهما في غير المشتق الذي لا فاعل له ، نحو : الزيدان والزيدون ؛

وإنما جاز : قام رجل قعود غلمانه ، وان كان «قعود» جمعا ، كقاعدون ، لأنك إذا كسرت الاسم المشابه للفعل ، خرج لفظا عن موازنة الفعل ومناسبته ، لأن الفعل لا يكسّر ، فلم يكن في : قعود غلمانه ، شبه اجتماع فاعلين ، كما كان في : قاعدون غلمانه ، لمشابهته ليقعدون غلمانه ، الذي اجتمع فيه فاعلان في الظاهر ، إلّا أن تخرج الواو عن الاسمية إلى الحرفية ، أو تجعل المظهر بدلا من المضمر ، أو تجعل الفعل خبرا مقدما على المبتدأ ، فعلى هذا ، يضعف : مررت برجل قاعدين أبواه ، لأنه كيقعدان أبواه ، بل الوجه : قاعد أبواه ، أو برجل قاعدان أبواه (٤) ؛

__________________

(١) لأنه جمع تكسير ولو كان لعاقل ،

(٢) يعني إلى الظاهر من المثنى والمجموع ،

(٣) أي كونهما مجرّدين للعلامة ، والمراد في حالة اتصالهما بالفعل ، كما هو المفروض في البحث ؛

(٤) فيكون الوصف بجملة اسمية ،

٣٠٩

[الضمير لا يوصف]

[ولا يوصف به]

[قال ابن الحاجب :]

«والمضمر لا يوصف ولا يوصف به» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن المضمر لا يوصف ولا يوصف به ، أمّا أنه لا يوصف ، فلأن المتكلم والمخاطب منه : أعرف المعارف ، والأصل في وصف المعارف ، أن يكون للتوضيح ، وتوضيح الواضح تحصيل للحاصل ؛ وأمّا الوصف المفيد للمدح أو الذم ، فلم يستعمل فيه ، لأنه امتنع فيه ما هو الأصل في وصف المعارف (١) ؛

ولم يوصف الغائب ، إمّا لأن مفسّره في الأغلب لفظيّ ، فصار بسببه واضحا غير محتاج إلى التوضيح المطلوب في وصف المعارف في الأغلب ، وإمّا لحمله على المتكلم والمخاطب لأنه من جنسهما ؛

وأمّا أنه لا يوصف به ، فلما يجيء من أن الموصوف في المعارف ينبغي أن يكون أخصّ أو مساويا ، ولا أخصّ من المضمر ، ولا مساوي له ، حتى يقع صفة له ؛

وقول بعضهم : لم يقع صفة لأنه لا يدل على معنى ، فيه نظر ، إذ هو يدلّ على ما يدلّ عليه مفسّره ، فلو رجع إلى دالّ على معنى كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، لدلّ ، أيضا عليه ، كقولك : زيد كريم وأنت هو ؛

وأجاز الكسائي وصف ضمير الغائب في نحو قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢) ، وقولك : مررت به المسكين ، والجمهور يحملون مثله على البدل ؛

__________________

(١) وهو كونه للتوضيح ، والوصف لمجرد المدح أو الذم خلاف الأصل فامتناعه أولى ؛

(٢) الآية ٦ سورة آل عمران ،

٣١٠

ولم يذكر المصنف (١) أنه لا يوصف بالضمير ، لأنه يتبيّن ذلك من قوله بعد : والموصوف أخص أو مساو ، فإنه لا شيء أخص من المضمر ولا مساوي له ؛

[شرط الموصوف]

[قال ابن الحاجب :]

«والموصوف أخص أو مساو ، ومن ثمّ ، لم يوصف ذو»

«اللام الا بمثله ، أو بالمضاف إلى مثله» ؛

[قال الرضى :]

ينبغي أن تعرف أوّلا ، أنه ليس مرادهم بهذا أنه ينبغي أن يكون ما يطلق عليه لفظ الموصوف من الأفراد : أقلّ مما يطلق عليه لفظ الصفة أو مساويا له ، فإن هذا لا يطرد ، في المعارف ولا في النكرات ؛

أمّا في المعارف ، فأنت تقول : جاءني الرجل العاقل ، وهذا الرجل ، ولقيت الشيء العجيب ، وأمّا في النكرات فأنت تقول : رأيت شيئا أبيض ، وهذا ذات قديمة ، أو واجبة الوجود ؛

بل مرادهم أن المعارف الخمس ، أعني المضمرات ، والأعلام ، والمبهمات وذا اللام ، والمضاف الى أحدها ، لا يوصف ما يصح وصفه منها بما يصح الوصف به منها ، إلّا أن يكون الموصوف أخصّ ، أي أعرف من صفته ، أو مثلها في التعريف ؛ فقولك : الرجل العاقل ، الثاني فيه وإن كان أخصّ من الأول من جهة مدلول اللفظ ، إلّا أنهما من جهة التعريف

__________________

(١) يبدو من هذه العبارة مدى اختلاف النسخ في هذا الشرح فإن النسخة المطبوعة التي نقلنا عنها تضمنت هذه الجملة التي يقول الشارح إن المصنف لم يذكرها ، ولم يرد في التعليقات التي بهامشها ما يدل على شيء من اختلاف النسخ ؛

٣١١

الطارئ على مدلوليهما الوضعيّين ، متساويان ، وفي قولك : هذا الرجل ، لفظ «هذا» أعمّ من الرجل من حيث إنه يصح أن يشار به بوضع واحد إلى أيّ مشار إليه كان ؛ لكن التعريف الاشاري أقوى من تعريف ذي اللام ، كما يجيء.

فعلى هذا ، يختص قولهم : الموصوف أخصّ أو مساو ، بالمعرفة ، فينبغي أن تعرف مراتب المعارف في كون بعضها أقوى من بعض ، حتى تبني عليه الأمر في قولهم : الموصوف أخصّ أو مساو ؛

فالمنقول عن سيبويه ، وعليه جمهور النحاة ، أن أعرفها المضمرات ، ثم الأعلام ، ثم اسم الاشارة ، ثم المعرّف باللام والموصولات ؛

وكون المتكلم أعرف المعارف : ظاهر ، وأمّا الغائب فلأن احتياجه الى لفظ يفسّره ، جعله بمنزلة وضع اليد (١) ؛

وإنما كان العلم أخصّ وأعرف من اسم الإشارة ، لأن مدلول العلم ذات معيّنة مخصوصة عند الواضع كما عند المستعمل ، بخلاف اسم الإشارة فإن مدلوله عند الوضع : أيّ ذات معيّنة كانت ، وتعيينها إلى المستعمل ، بأن يقترن به الاشارة الحسيّة ، فكثيرا ما يقع اللبس في المشار إليه اشارة حسية ، فلذلك كان أكثر أسماء الإشارة موصوفا في كلامهم ؛

ولذا لم يفصل بين اسم الاشارة ووصفه ، لشدة احتياجه اليه ، وإنما كان اسم الاشارة أخصّ وأعرف من المعرّف باللام ، لأن المخاطب يعرف مدلول اسم الإشارة بالعين والقلب معا ، ومدلول ذي اللام ، يعرف بالقلب دون العين ، فما اجتمع فيه معرفة بالقلب والعين ، أخص مما يعرف بأحدهما ، ولضعف تعرّف ذي اللام ، يستعمل بمعنى النكرة نحو قوله تعالى : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ)(٢) كما يجيء في باب المعرفة والنكرة ، والموصول كذى اللام ؛ وأمّا

__________________

(١) يعني أنه غير مستحق للتعريف بذاته بل استفاده من مفسره ؛

(٢) الآية ١٤ سورة يوسف

٣١٢

المضاف إلى أحد الأربعة فتعريفه مثل تعريف المضاف إليه ، سواء ، لأنه يكتسب منه التعريف ؛

هذا عند سيبويه ؛ وأمّا عند المبرد فان تعريف المضاف أنقص من تعريف المضاف إليه ، لأنه يكتسي التعريف منه ، ولذا يوصف المضاف إلى المضمر ، ولا يوصف المضمر ، فعنده ، نحو «الظريف» في قولك : رأيت الرجل الظريف ، بدل لا صفة ، وعند سيبويه ، هو صفة لغلام ؛

ومذهب الكوفيين أن الأعرف : العلم ، ثم المضمر ، ثم المبهم ، ثم ذو اللام ، ولعلهم نظروا إلى أن العلم من حين وضع ، لم يقصد به إلا مدلول واحد معيّن ، بحيث لا يشاركه في اسمه ما يماثله ، وان اتفق مشاركته ، فبوضع ثان ، بخلاف سائر المعارف ، كما يجيء في باب المعارف.

وعند ابن كيسان : الأوّل المضمر (١) ، ثم العلم ثم اسم الاشارة ، ثم ذو اللام والموصول وعند ابن السّراج : أعرفها اسم الاشارة لأن تعريفه بالعين والقلب ، ثم المضمر ثم العلم ثم ذو اللام ؛

وقال ابن مالك ، أعرفها ضمير المتكلم ، ثم العلم الخاص ، أي الذي لم يتفق له مشارك ، وضمير المخاطب ، جعلهما في درجة واحدة ، ثم ضمير الغائب السالم من الابهام ، أي الذي لا يشتبه مفسره (٢) ، ثم المشار به والمنادى ، ثم الموصول وذو الأداة ؛ والمضاف بحسب المضاف إليه ؛

أقول : المشهور : الذي عليه الجمهور ؛

فاذا تقرر ذلك ، فإن وجدت الأخص في مذهب ، تابعا لغير الأخص ، فهو بدل

__________________

(١) هذا موافق لما ذكره من رأي سيبويه وقال إن عليه جمهور النحاة ؛

(٢) أي بحيث يتحدد كونه مرجعا لهذا الضمير ،

٣١٣

عند صاحب ذلك المذهب لا صفة ؛ فاسم الاشارة في قولك : يزيد هذا ، بدل عند ابن السّراج ، صفة عند غيره ، وعليه فقس ؛

وإنما لم يجز أن يكون النعت أخص من المنعوت ، لأن الحكمة تقتضي أن يبدأ المتكلم بما هو أخص ، فإن اكتفى به المخاطب فذاك ، ولم يحتج إلى نعت ، وإلّا زاد عليه من النعت ما يزداد به المخاطب معرفة ؛

فإذا ثبت ذلك ، رجعنا إلى التفصيل ، وبنينا على مذهب سيبويه (١) في ترتيب المعارف ، إذ هو أولى وأشهر ، فنقول :

المضمر لا يوصف ولا يوصف به كما تقدم ؛ والعلم لا يوصف به لأنه لم يوضع إلا للذات المعيّنة ، لا لمعنى في ذات ، ولذلك ، إذا نقل إلى العلمية عن الجنسية ، اسم دال على معنى ، انمحى ذلك المعنى بالتسمية نحو أحمر ، وأشقر ، إذا سميت بهما ؛

ولا يقع من الموصولات وصفا إلّا ما في أوله اللام ، نحو الذي والتي ، واللاتي ، وبابها ، لمشابهته لفظا للصفة المشبهة في كونه على ثلاثة أحرف فصاعدا ، بخلاف من وما ؛ وأمّا «أيّ» الموصول فلم يقع وصفا ، لأن الأغلب فيه : الشرط والاستفهام ووقوعه موصولا قليل فروعي ذلك الأكثر ؛

وإنما يوصف بذو ، الطائية وإن كانت على حرفين كما في قوله :

٣٢٧ ـ فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا

هلمّ فان المشرفيّ الفرائض (٢)

لمشابهته لذو ، الموضوع للوصف بأسماء الأجناس نحو : رجل ذو مال ؛

وأمّا وقوع الموصول موصوفا ، فلم أعرف له مثالا قطعيا ؛ بلى ، قال الزجاج : إن

__________________

(١) سيبويه ج ١ ص ٢٢٣ وما بعدها.

(٢) لشاعر أموي اسمه قوّال الطائي ، وكان الطائيون قتلوا عامل الصدقات بعد أن منعوها أيام الفتنة وقال البغدادي إن رواية البيت : قولا لهذا المرء ، بدون فاء ، قال لأنه أول الكلام ، وبعده بيت آخر فيه الاستشهاد نفسه وهو قوله :

أظنك دون المال ذو جئت تبتغي

ستلقاك بيض للنفوس قوابض ؛

٣١٤

(الموفون) (١) صفة ، لمن آمن ، كما يجيء ، والظاهر أنه مستغن بالصلة عن الصفة ؛

فالعلم ينعت بالمبهمين (٢) وذي اللام ، وبالمضاف إلى العلم وإلى أحد المبهمين وإلى ذي اللام ، ولا ينعت بالمضاف إلى المضمر ، لأنه أعرف من العلم ، إذ اعتبار المضاف في التعريف بالمضاف إليه ؛

وأمّا اسم الإشارة فلا يوصف إلا بذي اللام والموصول لما يجيئ ، وكان القياس أن يوصف بكل واحد من المبهمين وبذي اللام وبالمضاف إلى أحد هذه الثلاثة ؛

وذو اللام لا يوصف إلا بمثله ، أو بالمضاف إلى مثله ، أو بالموصول ، لأنه مثله ، على ما بيّنّا ، وزعم بعضهم أنه يوصف بجميع المضافات ، فأجاز : بالرجل صاحبك ، وصاحب زيد ، قال : والمنع منه تعسّف ؛

وعلى مذهب سيبويه ، لو جاء مثل ذلك فهو بدل ، لا صفة ؛

فإن جعلنا المضاف موصوفا قلنا : المضاف إلى المضمر يوصف بكل واحد من المبهمين وبذي اللام وبالمضاف إلى المضمر وإلى العلم ، وإلى كل واحد من المبهمين وإلى ذي اللام ؛ وأمّا المضاف إلى اسم الإشارة ، فينعت بكل من المبهمين وبذي اللام ، وبالمضاف إليه ، وكذا المضاف إلى الموصول ، ينعت بهما ؛ هذا كله على مذهب سيبويه الذي عليه الجمهور ؛

ولك ، بعد أن عرفت مذهب غيره ، أن تصف المعارف بعضها ببعض على وفق مذاهبهم ، وإن جاء على غير ما يقتضيه مذهب بعضهم ، فهو بدل عنده لا وصف ، على ما مرّ ؛

وقد تبيّن مما ذكرنا ، معنى قوله : «ومن ثمّ لم يوصف ذو اللام إلا بمثله ، أو بالمضاف إلى مثله» ؛ ويوصف بالموصول أيضا كقوله :

... لهذا المرء ذو جاء ساعيا (٣) ـ ٣٢٧

__________________

(١) إشارة إلى الآية ١٧٧ من سورة البقرة ، وسيعود إلى ذكرها في الحديث عن قطع النعت بعد قليل ،

(٢) المراد أسماء الإشارة والمقرون باللام من الموصولات.

(٣) البيت السابق قريبا ؛

٣١٥

[اسم الإشارة]

[ولزوم وصفه بذي اللام]

[قال ابن الحاجب :]

«وإنما التزم وصف باب «هذا» بذي اللام ، للإبهام ومن ثمّ»

«ضعف : مررت بهذا الأبيض» ؛

[قال الرضى :]

كأنه سئل ، فقيل ؛ كان الواجب بناء على قولك ان الموصوف أخص أو مساو ، أن يوصف اسم الإشارة بكل واحد من المبهمين ، وبذي اللام ، وبالمضاف إلى أحد هذه الثلاثة ، و «هذا» ، لا يوصف إلا بذي اللام والموصول ، نحو : بهذا الرجل ، وبهذا الذي قال كذا ، وبهذا ذو قال كذا على اللغة الطائية ؛

فأجاب بقوله : للإبهام ، أي : اسم الإشارة مبهم الذات ، وإنما تتعين الذات المشار إليها به ؛ إمّا بالإشارة الحسية ، أو بالصفة ، فلما قصد تعيينه بالصفة ، لم يمكن تعيينه بمبهم آخر مثله ، لأن المبهم مثله لا يرفع الإبهام ، فلم يبق إلا الموصول وذو اللام ، أو المضاف إلى أحدهما ، وتعريف المضاف بالمضاف إليه ، والأليق بالحكمة أن يرفع إبهام المبهم بما هو متعيّن في نفسه ، كذي اللام ، لا بالشيء الذي يكتسب التعريف من معرّف غيره ثم يكتسب المبهم منه تعريفه المستعار. فاقتصر على ذي اللام ، لتعيّنه في نفسه ، وحمل الموصول عليه ، لأنه مع صلته بمعنى ذي اللام ، فالذي ضرب ، بمعنى الضارب ؛ وأيضا ، الموصول ، الذي يقع صفة : ذو لام ، وإن كانت زائدة ، إلا «ذو» الطائية ؛

وقد ذكرنا طرفا من حال المبهم الموصوف بذي اللام في باب المنادى فليرجع إليه (١) ؛

__________________

(١) انظر ص ٣٧٣ في الجزء الأول ،

٣١٦

وقد ذكرنا هناك ، أن بعضهم يقول إنّ ذا اللام ، عطف بيان لاسم الإشارة ،

قوله : «ومن ثمّ ضعف» ، أي من جهة أن المراد من وصف المبهم تبيين حقيقة الذات المشار إليها ، ضعف : بهذا الأبيض ، لأن الأبيض عام ، لا يخص نوعا دون آخر ، كالإنسان والفرس والبقر ، وغيرها ، بخلاف : هذا العالم ، فإن «العالم» مختص بنوع من الحيوان فكأنك قلت : بهذا الرجل العالم ؛

[تكملة]

[في ذكر أحكام للنعت]

[أهملها المصنف]

ولا بأس أن نذكر بعض ما أغفله المصنف من أحكام النعت وهي أقسام :

أحدها : جمع الأوصاف مع تفرّق الموصوفات :

اعلم أنه إذا كان العامل واحدا ، وله معمولان متفقان في الإعراب بسبب عطف أحدهما على الآخر ، فإن اتفقا تعريفا وتنكيرا ، جاز إفراد كل واحد منهما بوصف ، وجاز جمعهما في وصف واحد ؛

فالأول نحو : جاءني زيد الظريف ، وعمرو الظريف ، والثاني نحو : جاءني زيد وعمرو الظريفان ، ورأيت رجلا وامرأة ظريفين (١) ، وإذا جمعتهما في النعت غلّبت التذكير على التأنيث كما رأيت ، والعقل على غيره نحو : مررت بالزيدين وفرسيهما المقبلين ، وكذا في خبر المبتدأ ، والحال ونحوهما ، نحو : الزيدان والحمر مقبلون ، وجاءني زيد وهند والحمار مسرعين ؛

__________________

(١) لم يذكر مثالا لتفريق النعتين مع النكرة لأنه واضح ؛

٣١٧

وإن اختلفا تعريفا وتنكيرا ، لم يمكن جمعهما في وصف واحد ، فلا تقول : هذه ناقة وفصيلها الراتعان ، ولا : راتعان ، لامتناع تخالف النعت والمنعوت تعريفا وتنكيرا ، فإمّا أن تفرد كل واحد منهما بنعت ، أو تجمعهما في نعت مقطوع ، نحو : جاءني رجل وزيد ، الظريفين ؛

وإن اتفقا إعرابا لا بسبب العطف ، نحو : أعطيت زيدا أباه ، فلا يجوز جمعهما في وصف واحد ، بل تفرد كلّا منهما بوصف ، أو تجمعهما في نعت مقطوع ، لأن التابع في حكم المتبوع إعرابا ، فلا يكون اسم واحد مفعولا أوّل وثانيا ؛

فإن كان العامل واحدا ، ومعمولاه مختلفي الإعراب ، فإن اختلفا معنى أيضا لم يجز جمعهما في وصف واحد فإمّا أن تفرد كلّا منهما بوصف ، أو تجمعهما في نعت مقطوع ، فإن أفردت ، فالأولى أن يكون نعت كل واحد إلى جنبه ، نحو : لقي زيد الظريف عمرا الظريف ، ويجوز جمعهما (١) ، نحو : لقي زيد عمرا الظريف الظريف ، نعت الثاني بجنبه ونعت الأول بعد نعت الثاني ، لأنه إذا كان لا بدّ من الفصل بين النعت ومنعوته ، ففصل أحدهما من صاحبه ، أولى من فصلهما معا ، كما مضى مثله في الحال (٢) ؛

وكذا حالهما عند البصريين إذا اتفقا معنى نحو : ضارب زيد عمرا ؛

وأجاز هشام (٣) ، وثعلب : جمعهما في نعت ، نظرا إلى المعنى ، إذ كل واحد منهما فاعل ومفعول من حيث المعنى ، إلّا أن هشاما ، يغلّب مراعاة جانب الفاعل ، لأنه معتمد الكلام فيرفع الوصف ، نحو : ضارب زيد عمرا الظريفان ؛ وثعلب يسوّي بين الرفع والنصب لتساويهما في المعنى ؛

وإن لم يكن العامل واحدا فإمّا أن يكون العمل واحدا ، أو ، لا ؛ وفي الأول : إن كان العامل مكررا للتوكيد ، جاز جمعهما في وصف نحو : قام زيد وقام عمرو الظريفان

__________________

(١) أي ذكرهما معا بعد ذكر المنعوتين لأنه في مقابل قوله .. نعت كل واحد إلى جنبه ؛

(٢) انظر في هذا الجزء ؛ ص ١١.

(٣) هو هشام بن معاوية الضرير وتقدم ذكره ، وهو وثعلب من زعماء الكوفيين ؛

٣١٨

وإن لم يكن مكررا للتأكيد ، فإن كان العاملان من نوع واحد ، أي كانا رافعين أو ناصبين ، أو كانا اسمين جارّين ، أو مبتدأين أو خبرين ، وكان أحدهما معطوفا على الآخر ، والمعمولان مشتركان في اسم واحد كأن يكونا فاعلين أو مفعولين أو خبرين أو مبتدأين ؛ جاز ، عند سيبويه والخليل جمعهما في وصف ، إذا اتفقا تعريفا وتنكيرا ، نحو : قام زيد وقعد عمرو الظريفان ، وضربت زيدا وأكرمت بكرا الطويلين وجاءني غلام زيد وأبو عمرو الظريفين ، وأخوك زيد وأبوك عمرو الظريفان ، سواء كان «الظريفان» (١) صفة للمبتدأين أو للخبرين ؛

والمبرد والزجاج ، وكثير من المتأخرين ، يأبون جواز ذلك إلّا إذا اتفق العاملان معنى مع الشروط المذكورة ، نحو : جلس أخوك وقعد أبوك الكريمان ؛

والمبرد يمنع نحو : هذا رجل وتلك امرأة منطلقان لاختلاف اسمي الإشارة قربا وبعدا ، خلافا لسيبويه ، فإنه جعل خبريهما كفاعلي الفعلين المختلفين ؛

فإن لم يعطف أحدهما على الآخر ، أو لم يشترك المعمولان في اسم خاص ، أو لم يتفقا تعريفا وتنكيرا ، لم يجز جمعهما في وصف ، فلا تقول : هذه جارية أخوي ابنين لفلان كرام ، على أن «كرام» وصف لأخوي ، وابنين ، معا ، بل تقول : كراما على القطع ، وكذا تقطع نحو : هذا فرس أخوي ابنيك : العقلاء الحكماء ، وذلك لأن أحدهما ليس معطوفا على الآخر ؛

وكذا لا تقول : هذا رجل وفي الدار آخر : كريمان (٢) ، لأن المعمولين لم يشتركا في اسم خاص ، لأن أحدهما مبتدأ ، والآخر خبر ؛ وكذا لا تقول : جاءني زيد وذهب رجل كريمان ؛ بل تقطع ، لاختلاف المعمولين تعريفا وتنكيرا ؛

وذهب بعض المتأخرين إلى وجوب القطع عند اختلاف العاملين مطلقا ، لأن العامل في النعت والمنعوت شيء واحد على الصحيح فيلزم كون الصفة معمولة لعاملين ؛

__________________

(١) يعني في المثالين الأخبرين ؛

(٢) محل منعه إذا قصد الإتباع ، فلا مانع من القطع على أنه خبر مبتدأ محذوف ،

٣١٩

وإن لم يكن العاملان من نوع واحد ، نحو ضربت زيدا ، وإن عمرا قائم ، ونحو : هذا لغلام زيد ، (١) فالجمهور منعوا جمعهما في وصف واحد ، وأجازه بعضهم ، نحو : بغلام زيد الظريفين ؛

وإن اختلف العاملان والعمل معا ؛ فالجمهور على إيجاب قطع النعت المشترك فيه ، إلّا الكسائي ، فإنه أجاز جمعهما في وصف عند تقارب المعنى نحو : ضربت زيدا ، والمهان عمرو ، الظريفان ، لأن زيدا وعمرا مهانان معا ؛

واعلم أنه لا يجوز نحو : من عمرو؟ وهذا زيد : الرجلين الصالحين على القطع ، لأنك لا تثني إلّا على من أثبتّه وعلمته ، ولا يجوز أن تخلط من تعلم بمن لا تعلم ، فتجعلهما بمنزلة واحدة ؛

وثانيها (٢) : تفريق الصفات مع جمع الموصوفات ؛

اعلم أن الموصوف إذا كان مجموعا متغاير الصفات ، فإمّا أن تجيء بالصفات على وفق عدده ، أو أقلّ ، ففي الأول ، يجوز الإتباع والقطع إلى الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، تقول : مررت بثلاثة رجال : شاعر ، وكاتب ، وبزّاز (٣) ؛ وإذا رفعت فالتقدير (٤) : بعضهم شاعر ، وبعضهم كاتب وبعضهم بزاز ، أو : هم شاعر وكاتت وبزاز ، أو : منهم شاعر ، ومنهم كاتب ومنهم بزاز ؛

ولو تخالفا (٥) تعريفا وتنكيرا ، فقطع الوصف إلى الرفع فقط أولى ، إن لم يكن هناك للحال معنى ، نحو : بالرجلين : قصير «وطويل» ، ويجوز قطعه إلى النصب أيضا ، على الحال إن كان لها معنى ، نحو : بالرجلين ضاحكا وباكيا ، ولا يمتنع في الوجهين : الإتباع على البدل ؛

__________________

(١) لغلام جار ومجرور خبر هذا ، وزيد مضاف إليه ،

(٢) ثاني الأحكام التي استكمل بها الكلام على النعت مما أغفله المصنف وقد طال الكلام على الأول منها ؛

(٣) البزاز بائع البز ، وهي الثياب ؛

(٤) التقدير إن الأوّلان على جعل النعت خبرا لمبتدأ محذوف والأخير على جعله مبتدأ محذوف الخبر ؛

(٥) أي النعت والمنعوت ؛

٣٢٠