شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

[الضمائر]

[علة بنائها ، والغرض من وضعها]

[أنواعها]

[قال ابن الحاجب :]

«والمضمر ما وضع لمتكلم ، أو مخاطب ، أو غائب تقدم»

«ذكره لفظا ، أو معنى ، أو حكما» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن المقصود من وضع المضمرات رفع الالتباس ، فإن «أنا» ، و «أنت» ، لا يصلحان إلا لمعيّنين ، وكذا ضمير الغائب ، نص في أن المراد هو المذكور بعينه في نحو : جاءني زيد وإيّاه ضربت ، وفي المتصل يحصل مع رفع الالتباس : الاختصار ؛

وليس كذا : الأسماء الظاهرة ، فإنه لو سمّي المتكلم والمخاطب بعلميهما (١) فربّما التبس ، ولو كرّر لفظ المذكور (٢) مكان ضمير الغائب فربّما توهّم أنه غير الأول ؛

وإنما بنيت المضمرات ، إمّا لشبهها بالحروف وضعا ، على ما قيل ، كالتاء في «ضربت» والكاف في «ضربك» ، ثم أجريت بقية المضمرات نحو : أنا ، ونحن ، وأنتما : مجراها (٣) ، طردا للباب ؛

__________________

(١) أي بالاسمين الموضوعين علمين لهما ، وفي نسخة بعينهما ، ورأينا أن ما أثبتناه أوضح ،

(٢) المراد به مفسّر الضمير ،

(٣) يعني مجرى التاء والكاف ونحوهما ،

٤٠١

وإمّا لشبهها بالحروف (١) لاحتياجها إلى المفسّر ، أعني الحضور للمتكلم ، والمخاطب ، وتقدم الذكر في الغائب ، كاحتياج الحرف إلى لفظ يفهم به معناه الافرادي ، وإمّا لعدم موجب الاعراب فيها ، وذلك أن المقتضى لإعراب الأسماء : توارد المعاني المختلفة على صيغة واحدة ، والمضمرات مستغنية باختلاف صيغها لاختلاف المعاني ، عن الاعراب ، ألا ترى أن كل واحد من المرفوع والمنصوب والمجرور له ضمير خاص ؛

قوله : «ما وضع لمتكلم» ، يخرج قول من اسمه «زيد» : زيد ضرب ، وقولك لزيد : يا زيد افعل كذا ، وقولك لزيد (٢) الغائب : زيد فعل كذا ، فإن لفظ «زيد» وإن أطلق على المتكلم والمخاطب والغائب (٣) إلا أنه ليس موضوعا للمتكلم ولا للمخاطب ولا للغائب المتقدم الذكر ، بل الأسماء الظاهرة كلها موضوعة للغيبة مطلقا ، لا باعتبار تقدم الذكر ، فمن ثمّ قلت : يا تميم كلهم ، نظرا إلى أصل المنادى قبل النداء ، ولهذا يقول المسمّى بزيد : زيد ضرب ، ولا يقول : زيد ضربت ، وكذا لا تقول للمسمّى بزيد : زيد ضربت ، لكنها ليست لغائب تقدم ذكره ، كهو ، وهي ، ونحوهما ؛

وإنما جاز : يا تميم كلكم ، لأن «يا» ، دليل الخطاب ، وليس في : زيد ضرب ، دليل التكلم ؛

ويدخل في حدّه لفظ المتكلم والمخاطب ، إلا أن يقال (٤) : ما وضع لمتكلم به ، أو لمخاطب به ، أي للمتكلم بهذا اللفظ الموضوع ، وللمخاطب به ،

وكذا في حدّ أسماء الإشارة ، ينبغي أن يقيّد فيقال : ما وضع لمشار إليه به حتى لا يدخل لفظ «المشار إليه» ؛

قوله : «لفظا ، أو معنى ، أو حكما» ، قسم التقدم اللفظي قسمين ، أحدهما متقدم

__________________

(١) يعني لشبهها بالحروف في المعنى ، فهو غير الوجه الأول ؛

(٢) أي في الحديث عنه ،

(٣) في الأمثلة التي ذكرها

(٤) في تفسير معنى التكلم وما معه

٤٠٢

لفظا تحقيقا ، نحو : ضرب زيد غلامه ، والآخر متقدم لفظا تقديرا نحو : ضرب غلامه زيد ، إذ «زيد» متقدم في اللفظ تقديرا لكونه فاعلا ، وقسم ، أيضا ، التقدم المعنوي قسمين ، أحدهما أن يكون قبل الضمير لفظ متضمن للمفسّر بأن يكون المفسّر جزء مدلول ذلك اللفظ ، كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١) ، أي : العدل أقرب ، لأن الفعل يدل على المصدر والزمان ؛ والثاني أن يدل سياق الكلام على المفسّر التزاما ، لا تضمنا ، كقوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا ..)(٢) ، لأنه لما ساق الكلام قبل ، في ذكر الميراث لزم من ذلك السياق أن يكون ثمّ مورّث فجرى الضمير عليه من حيث المعنى ؛

هذا تقرير كلامه ، رحمه الله ، وفيه مخالفة لطريقته المألوفة ، لأن عادته جعل التقدير قسيم اللفظ ، لا قسمه ، كما قال في أول الكتاب في المعرب ، «لاختلاف العوامل لفظا ، أو تقديرا» (٣) ، وقال بعيد : (٤) «التقدير فيما تعذر» ، ثم قال : «واللفظي فيما عداه» ؛

فجعل نحو : ضرب غلامه زيد مما تقدم معنى ، أولى ، إذ هو متقدم معنى وتقديرا ، لا لفظا ؛ فإذا جاز سلب اللفظية عن هذا التقدم بأن يقال : ليس لفظ المفسّر مذكورا قبل الضمير ، فكيف يكون التقدم لفظيا ؛

فإن قال : أردت كأنه متقدم لفظا من حيث التقدير ؛ قيل : فعدّ نحو : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ) ، أيضا من هذا القسم لأن المفسّر فيه كأنه متقدم اللفظ أيضا في التقدير ، ولا فرق بينهما ، إلا أن المفسّر في نحو : ضرب غلامه زيد ، ملفوظ به ، بخلاف المفسّر في نحو : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ، والتقدم في كليهما ليس لفظيا ، بل هو تقديري ، وكلامنا في التقدم اللفظي ، لا في المفسّر الملفوظ به أو المقدّر ؛

__________________

(١) الآية ٨ سورة المائدة

(٢) الآية ١١ سورة النساء ؛

(٣) انظر ص ٥٥ من الجزء الأول ،

(٤) أي بعد ذلك بقليل ،

٤٠٣

وقد قرّر على الصواب ، في باب الفاعل (١) ، وهو قوله في : ضرب غلامه زيد ، لا بدّ من متقدم يرجع إليه هذا الضمير تقدما لفظيا ، أو معنويا ، وهو راجع إلى «زيد» وهو متأخر لفظا ، فلو لا أنه متقدم عليه من حيث المعنى ، لم يجز ؛ فجعله من باب المتقدم معنى لا لفظا ، وهو الحق ؛

وعلى هذا ، فالحق أن يقول : التقدم اللفظي : أن يذكر المفسّر قبل الضمير ذكرا صريحا ، سواء كان من حيث المعنى ، أيضا ، متقدما ، نحو : ضرب زيد غلامه ، لأن الفاعل من حيث المعنى متقدم على المفعول ، أو كان من حيث المعنى متأخرا ، كقوله تعالى ، : (وَإِذِ ، ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)(٢) ، لأن المفعول من حيث المعنى متأخر عن الفاعل ؛

واعلم أنه إذا تقدم ممّا يصلح للتفسير شيئان فصاعدا ، فالمفسّر هو الأقرب لا غير ، نحو : جاءني زيد وبكر فضربته ، أي ضربت بكرا ، ويجوز ، مع القرينة ، أن يكون للأبعد ، نحو : جاءني عالم وجاهل ، فأكرمته ؛

والتقدم المعنوي ألّا يكون المفسّر مصرّحا بتقديمه ، بل هناك شيء آخر غير ذلك الضمير يقتضي كون المفسّر قبل موضع الضمير ، وذلك ضروب : كمعنى الفاعلية ، المقتضى كون الفاعل قبل المفعول رتبة ، كضرب غلامه زيد ، ومعنى الابتداء المقتضى لكون المبتدأ قبل الخبر ، نحو : في داره زيد ؛ ومعنى المفعول الأول ، المقتضى تقدّمه على الثاني ، نحو : أعطيت درهمه زيدا ، وكذا نحو (٣) : ضربت في داره زيدا ، وكلفظ الفعل المتضمن للمصدر المفسّر لضمير متصل بذلك الفعل نحو :

هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا ان يلقها ذيب (٤) ـ ٨١

أو منفصل عنه نحو قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(٥) ، وقوله تعالى : «بَلْ

__________________

(١) ص ١٨٧ من الجزء الأول ،

(٢) الآية ١٢٤ سورة البقرة ؛

(٣) لأن «في داره» مفعول ثان بواسطة الحرف ،

(٤) تقدم الاستشهاد بهذا البيت في الجزء الأول

(٥) الآية ٨ من سورة المائدة وتقدمت قريبا ؛

٤٠٤

هُوَ شَرٌّ لَهُمْ» (١) ، وكذا الصفة (٢) ، كقوله :

٣٦٤ ـ إذا زجر السفيه جرى إليه

وخالف والسفيه إلى خلاف (٣)

أي : إلى السفه ، وكسياق الكلام المستلزم للمفسّر ، استلزاما قريبا ، كقوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ)(٤) ، لأن سياق ذكر الميراث دالّ على المورّث دلالة التزاميّة ؛ أو بعيدا (٥) ، كقوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(٦) ، إذ العشيّ (٧) يدل على تواري الشمس ، وكقوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٨) ، إذ النزول في ليلة القدر التي هى في شهر رمضان ، دليل على أن المنزل هو القرآن ، مع قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذ أُنْزِلَ فهِ الْقُرْآنُ) (٩) ، وكذا قوله تعالى : (مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) (١٠) ، فإن ذكر الدابّة مع ذكر «على ظهرها» دال على أن المراد ظهر الأرض ؛ وكذا الفناء مع لفظة «على» في قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (١١) ، وكذا قوله تعالى : (وإن كانت واحدة) (١٢) ، أي إن كانت الوارثة واحدة ، إذ هو في بيان الوارث ؛

والتقدم الحكمي : أن يكون المفسّر مؤخرا لفظا ، وليس هناك ما يقتضي تقدمه على

__________________

(١) من الآية ١٨٠ سورة آل عمران ؛

(٢) مقابل قوله كلفظ الفعل المتضمن للمصدر الخ ؛

(٣) استشهد به كثير من أئمة النحو ، ولم ينسبه أحد ، ويروى إذا نهي ، وهو بالبناء للمجهول مثل زجر ، ومعنى قوله : والسفيه إلى خلاف : أن ذلك من شأنه ودأبه ، وبيان الشاهد ما قاله الشارح من أن مرجع الضمير ما تضمنه الوصف من المصدر ، أي إذا زجر السفيه جرى إلى السّفه ؛

(٤) من الآية ١١ سورة النساء ، وتقدم بعضها ؛

(٥) أي استلزاما بعيدا ،

(٦) من الآية ٣٢ سورة ص ،

(٧) المذكور في قوله : إذ عرض عليه بالعشي الصافات الجياد ، في الآية التي قبل ذلك ،

(٨) أول آية في سورة القدر ،

(٩) الآية ١٨٥ في سورة البقرة ،

(١٠) من الآية ٤٥ سورة فاطر ؛

(١١) الآية ٢٦ سورة الرحمن ،

(١٢) جزء من الآية ١١ سورة النساء وتقدمت ،

٤٠٥

محل الضمير ، إلا ذلك الضمير ، فنقول : إنه وإن لم يتقدم لفظا ولا معنى (١) ، إلا أنه في حكم المتقدم نظرا إلى وضع ضمير الغائب. وإنما يقتضي ضمير الغائب تقدم المفسّر عليه لأنه وضعه الواضع معرفة لا بنفسه بل بسبب ما يعود عليه ، فإن ذكرته ولم يتقدمه مفسّره بقي مبهما منكّرا لا يعرف المراد به حتى يأتي مفسّره بعده ، وتنكيره خلاف وضعه ؛

فإن قلت : فأيش (٢) الحامل لهم على مخالفة مقتضى وضعه بتأخير مفسّره عنه ؛

قلت : قصد التفخيم والتعظيم في ذكر ذلك المفسّر ، بأن يذكروا أوّلا شيئا مبهما ، حتى تتشوّق نفس السامع إلى العثور على المراد به ، ثم يفسّروه فيكون أوقع في النفس ، وأيضا ، يكون ذلك المفسّر مذكورا مرتين ، بالإجمال أوّلا ، والتفصيل ثانيا ، فيكون آكد ؛

فإن قلت : فهذا الضمير الذي هذا حاله ، أيبقى على وضعه معرّفا أم يصير نكرة ، لعدم شرط التعريف ، أعني تقدم المفسّر؟ ؛

قلت : الذي أرى أنه نكرة ، كما يجيء في باب المعرفه ، وعند النحاة : يبقى معرّفا ، لكن تعريفه أنقص مما كان في الأوّل (٣) ، لأن التفسير يحصل بعد ذكره مبهما ، فقبل الوصول إلى التفسير ، فيه الإبهام الذي في النكرات ، ولهذا جاز دخول «ربّ» عليه ، مع اختصاصها بالنكرات ؛

وإنما حكموا ببقائه على وضعه من التعريف ، لأنه حصل جبران (٤) ما فاته بذكر المفسّر بعده بلا فصل ، فهو كالمضاف الذي يكتسي التعريف من المضاف إليه ، أمّا الجبران في ربّه رجلا ، ونعم رجلا ، وبئس رجلا ؛ و: (ساءَ مَثَلاً)(٥) فظاهر ؛ لأن الاسم المميّز المنصوب لم يؤت به إلا لغرض التمييز والتفسير ، فنصبه على التمييز مع عدم انفصاله

__________________

(١) يعني بالتفسير المتقدم للتقدم اللفظي والمعنوي.

(٢) المعنى : أي شيء وتقدم التنبيه عليها في أول الباب ،

(٣) أي حالة تقدم المفسّر ،

(٤) مصدر قليل الاستعمال بمعنى التعويض عما فات ويستعمله الرضي كثيرا ،

(٥) جزء من الآية ١٧٧ في سورة الأعراف ؛

٤٠٦

عن الضمير قائم مقام المفسر المتقدم ، فالجبران ، في مثله في غاية الظهور ؛ وقريب منه : ضمير يبدل منه مفسّره نحو : مررت به زيد ، إذ لم يؤت بالبدل إلا للتفسير ؛

وأمّا في ضمير الشأن والقصة (١) ، فالجملة بعده ، وإن لم تأت كالتمييز المذكور لمجرد التفسير ، إلا أن قصدهم لتفخيم الشأن بذكره مجملا ثم مفصلا مع اتصال الخبر المفسّر بالمبتدأ ، سهّل الإتيان به مبهما فهذا التفسير دون الأول ؛

وأمّا تأخر المفسّر في باب التنازع نحو : ضربني وضربت زيدا ، على مذهب البصريين ، فالحق أنه بعيد ، لأنّ مجوّز تأخير المفسّر لفظا ومعنى : قصد تفخيم المفسّر مع الإتيان بالمفسّر لمجرد التفسير بلا فصل كما في نعم رجلا زيد ، أو قصد التفخيم مع اتصال المفسّر كما في ضمير الشأن ؛ والثلاثة في ضمير التنازع معدومة ، أعني قصد التفخيم والإتيان بالمفسّر لمجرد التفسير واتصاله بالضمير ؛ فضعف (٢) ، فمن ثمّ ، حذف الكسائي الفاعل في مثله ، مع أن فيه محذورا أيضا ؛

وما أجازه المبرد والأخفش من نحو : ضرب غلامه زيدا ، أعني اتصال ضمير المفعول المؤخر بالفاعل المقدم ، ليس بأضعف مما ارتكبه البصرية (٣) ، لأن الاتصال الذي بين الفاعل والمفعول إذا كانا لعامل واحد ، أكبر من الاتصال الذي بين الضمير ومفسّره على ما ذكره البصرية في باب التنازع ؛

قال المصنف : أردت بالتقدم الحكمي : أنك إذا قصدت الإبهام للتفخيم ، فتعقلت المفسّر في ذهنك ولم تصرح به للابهام على المخاطب ، وأعدت الضمير على ذلك المتعقّل ، فكأنه راجع إلى المذكور قبله ، فذلك المتعقّل في حكم المفسّر المتقدم ؛

ولا يتمّ ما ذكره في باب التنازع إذ لا يقصد هناك التفخيم ؛

__________________

(١) سيأتي الكلام عنهما. وأراد هنا بيان جبر ما فاته من تقدم مفسّره عليه : كما بين ذلك في المجرور برب ، وفاعل نعم وبئس الخ ؛

(٢) أي ضعف بسبب تأخير مفسّره من غير تعويض وجبر له ومن غير وجود أحد الأشياء الثلاثة المذكورة فيه ،

(٣) يعني في باب التنازع ، والمراد أنّ ما ذهب إليه الأخفش والمبرد أقوى مما ذهب إليه البصريون في باب التنازع ؛ وإن كان مذهبهما في ذاته ضعيفا ؛

٤٠٧

[المتصل والمنفصل]

[في الضمائر]

[قال ابن الحاجب :]

«وهو متصل ومنفصل ، فالمنفصل : المستقل بنفسه والمتصل»

«غير المستقل» ؛

[قال الرضى :]

يعني بالمستقل بنفسه : أنه لا يحتاج إلى كلمة أخرى قبله يكون كالتتمّة لها بل هو كالظاهر ، سواء انفصل عن عامله نحو : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(١) ، و: ما ضربت إلا إيّاك ، أو اتصل به نحو : ما أنت قائما ، عند الحجازية ، وذلك لأنه يجوز استقلاله بنفسه وفصله عن عامله نحو : ما اليوم أنت قائما ، فليس كالجزء مما قبله ، وإلّا لم يجز انفصاله عما قبله ،

والمتصل : ما يتصل بعامله الذي قبله ويكون كالتتمّة لذلك العامل وكبعض حروفه ، فالضمائر المستترة في نحو : زيد ضرب ، ويضرب ، وهند ضربت وتضرب ، واضرب ، أمرا ، وأضرب ، ونضرب ، وتضرب في خطاب المذكر ، وفي الصفات نحو : زيد ضارب والزيدان ضاربان إلى آخر تصاريفها (٢) : كلها متصلة ، كما يجيء تحقيقها ، وليس المستتر فيها : ما يبرز في نحو : زيد ضرب هو وعمرو ، و: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٣) ، وهند زيد ضاربته هي ؛ بل البارز تأكيد للفاعل ، لا فاعل ، كما يجيء شرحه ، وهو منفصل بدليل قولك : زيد ضرب اليوم هو وعمرو ، واسكن اليوم أنت وزوجك. وهند زيد ضاربته اليوم هي ؛

__________________

(١) من الآية ٤٠ سورة يوسف ،

(٢) جاء في بعض النسخ ذكر هذه التصاريف كلها ، وهي واضحة ،

(٣) من الآية ٣٥ سورة البقرة ؛

٤٠٨

[تقسيم الضمائر]

[من حيث الإعراب]

[قال ابن الحاجب :]

«وهو مرفوع ومنصوب ومجرور ، فالمرفوع والمنصوب متصل»

«ومنفصل ، والمجرور متصل ، فذلك خمسة أنواع ، الأول»

«ضربت وضربت إلى ضربن وضربن ، والثاني : أنا .. إلى»

«هنّ ، والثالث : ضربني إلى ضربهنّ ، والرابع : إيّاي إلى»

«إياهنّ ، والخامس : غلامي ، ولي ، إلى غلامهنّ ولهنّ» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن الضمير إنما كان مرفوعا ومنصوبا ومجرورا ، لأن الضمير كما قلنا ، قائم مقام الظاهر ، لرفع الالتباس وحده ، أو له ، وللاختصار ؛ فيكون كالظاهر مرفوعا ومنصوبا ومجرورا ؛

وإنما لم يكن المجرور إلا متصلا ، لأن المتصل ، كما ذكرنا ، هو الذي يكون كالجزء الأخير لعامله ، يعني يجيء العامل أوّلا ثم يجيء الضمير بعده على وجه لا يمكن معه الفصل بينهما ، والمجرور كذلك ؛

فإن قيل : أليس الفصل جائزا بين المضاف والمضاف إليه في الشعر؟ ؛ قلت : ذلك مع الظاهر قبيح (١) ، فامتنع في المضمر الذي هو أشد اتصالا بعامله من الظاهر ؛

وكل واحد من هذه الأنواع الخمسة (٢) ، يكون لثمانية عشر معنى ؛ لأن كل واحد منها ، إمّا أن يكون لمتكلم أو مخاطب أو غائب ، وكل واحد من هذه الثلاثة إمّا أن يكون

__________________

(١) للرضي رأي في الفصل بين المتضايقين أدّى إلى إنكاره لتواتر القراءات كما في باب الإضافة ،

(٢) المستفادة من كلام المصنف ،

٤٠٩

لمفرد أو مثنى أو مجموع ، صارت تسعة ، وكل واحد من التسعة إمّا أن يكون لمذكر أو مؤنث ، فصارت للمتكلم ستة ، وللمخاطب ستة وللغائب ستة ؛ وضعوا للمتكلم منها لفظين يدلّان على ستة المعاني المذكورة ، كضربت وضربنا ، فضربت مشترك بين الواحد المذكر والمؤنث وضربنا بين الأربعة : المثنى المذكر والمثنى المؤنث ، والمجموع المذكر والمجموع المؤنث ؛ وإنما شركوا في المتكلم بين المذكر والمؤنث ، مفردا كان أو غيره ، لأن المشاهدة تكفي في الفرق ؛ وإنما ارتجل لمثنى المتكلم وجمعه صيغة وهي «نا» وكذلك قولك «نحن» ، ولم يزيدوا للمثنى ألفا ، وللجمع واوا كما فعلوا في مثنى المخاطب وجمعه ، لأن مثناهما (١) : اسم انضمّ إليه لفظ آخر مثله ، بدليل أنك إذا قيل لك : فصّل «أنتما» قلت : أنت يا زيد وأنت يا عمرو ، وهذه حقيقة المثنى كما يجيء ، وكذلك في الجمع إذا قيل لك : فصّل «أنتم ، قلت : أنت يا زيد ، وأنت يا عمرو ، وأنت يا خالد ؛

وأمّا إذا قيل نحن ، وأردت المثنى ، فقيل لك فصّل ، قلت (٢) : أنا وزيد ، أو أنا وأنت ، أو أنا وهو ، وتقول في الجمع : أنا وزيد وعمرو ، وليس كل أفراده «أنا» ، فلما لم يكن شرط المثنى والمجموع وهو اتفاق الاسمين أو الأسماء في اللفظ ، حاصلا لم يمكنهم إجراء تثنيته وجمعه على وفق ما أجري عليه سائر التّثاني (٣) والجموع ، فارتجلوا للمثنى صيغة ، وشركوا معه الجمع للأمن من اللبس بسبب القرائن ؛

وكثيرا ما يجيء في غير هذا الباب ، أيضا ، المثنى بصيغة الجمع نحو قوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) (٤) ؛

وقد يقول المعظّم (٥) : فعلنا ، ونحن ، وإيانا ، عادّا لنفسه كالجماعة ؛

__________________

(١) يريد مثنى المخاطب ؛

(٢) تكررت الإشارة إلى استعمال الرضي هذا ، وهو المجيء بجواب أمّا هكذا بدون فاء وكان أسهل لو قال :

وإذا قيل لك ... قلت ؛

(٣) أي سائر أنواع التثنية ،

(٤) من الآية ٤ سورة التحريم ،

(٥) أي المعظم لنفسه ،

٤١٠

ووضعوا منها للمخاطب خمسة ألفاظ : أربعة منها نصوص ، وهي : ضربت وضربت ، وضربتم وضربتنّ ، وواحد مشترك بين المثنى المذكر والمثنى المؤنث ، وهو ضربتما ؛

وحكم الغائب حكم الغائبة في النصوصيّة (١) والاشتراك ، نحو : ضرب وضربت وضربا وضربتا وضربوا وضربن ، والضمير هو الألف المشترك بين المثنّيتين (٢) ، والتاء حرف تأنيث ؛

ويجب أن يكون المقدّر في : ضرب وضربت متغايرين ، كما في البارز نحو : هو ، وهي ؛

هذا ، وبقية الأنواع الخمسة ، جارية هذا المجرى أعني أن للمتكلم لفظين ، وللمخاطب خمسة ، وللغائب خمسة ، فصار المجموع ثنتي عشرة كلمة ، لثمانية عشر معنى ؛

[التدرّج]

[في ضع الضمائر]

[قال الرضي (٣) :]

واعلم أن أوّل ما بدئ بوضعه من الأنواع الخمسة : ضمير المرفوع المتصل ، لأن المرفوع مقدّم على غيره ، والمتصل مقدم على المنفصل ؛ لكونه أخصر ، فنقول :

__________________

(١) أي كون اللفظ نصا في شيء لا يحتمل غيره ، وأشرنا إلى أن هذا تعبير مستحدث وهو من المصادر الصناعية ،

(٢) يعني فيكون المجموع خمسة أيضا ؛

(٣) هذا استطراد من الرضي كعادته في كثير من المباحث ، وقد أتى فيه بشيء عجيب ، إذا كان يدل على قدرة فائقة في التوليد والاختراع فإننا نشير إلى ان الرضي كثيرا ما يرد على غيره ممّن يوردون بعض الآراء الغريبة بقوله : من أين لهم هذا ، أو بقوله : إن هذا من قبيل الرجم بالغيب ، وفي هذا الشرح كثير من مثل هذه الاستطرادات أظهر فيها الرضي براعة زائدة ؛ رحمه الله ؛

٤١١

إنما ضموا التاء في المتكلم لمناسبة الضمة لحركة الفاعل ، وخصّوا المتكلم بها لأن القياس وضع المتكلم أولا ، ثم المخاطب ، ثم الغائب ؛

وفتحوا للمخاطب فرقا بين المتكلم وبينه ، وتخفيفا ، وكسروا للمخاطبة فرقا ، ولم يعكسوا الأمر بكسرها للمخاطب وفتحها للمخاطبة ، لأن خطاب المذكر أكثر فالتخفيف به أولى ، وأيضا ، هو مقدم على المؤنث ، فخصّ ، للفرق ، بالتخفيف ، فلم يبق للمؤنث إلا الكسر ؛

وزادوا الميم قبل ألف المثنى في «تما» (١) وقبل واو الجمع في «تموا» ، لئلا يلتبس المثنى بالمخاطب إذا أشبعت فتحته للاطلاق ، والجمع (٢) بالمتكلم المشبع ضمته ، وكان أولى الحروف بالزيادة : الميم ، لأن حروف العلة مستثقلة قبل الألف والواو ، والميم أقرب الحروف الصحيحة إلى حرف العلة لغنّتها ولكونها من مخرج الواو : شفوية ، ولذلك ضم ما قبلها ، كما يضم ما قبل الواو ؛ وحذف واو الجمع مع إسكان الميم إن لم يلها ضمير : أشهر من إثبات الواو مضموما ما قبلها ، وذلك لأنهم لما ثنّوا الضمائر وجمعوها ، والقصد بوضع متصلها التخفيف ، كما قلنا : لم يأتوا بنوني المثنى والمجموع بعد الألف والواو ، كما أتوا بهما في : هذان ، واللذان ، والذين ، فوقع الواو في الجمع ، في الآخر مضموما ما قبلها ، وهو مستثقل حسّا ، كما مرّ في الترخيم (٣) ، فحذفوا الواو ، وسكنوا الميم التي ضموها لأجله ، للأمن من الالتباس بالمثنى ، بثبوت الألف فيه دون الجمع ؛

ومن أثبت الواو مضموما ما قبلها ، فلأن ذلك مستثقل في الاسم المعرب كما يجيء في التصريف ؛

وأمّا إن ولي ميم الجمع ضمير نحو : ضربتموه ، وجب (٤) في الأعرف رجوع الضم

__________________

(١) اقتصر في التمثيل على الجزء المطلوب في مثل ضربتما وضربتمو ،

(٢) أي ولئلا يلتبس الجمع بالمتكلم ،

(٣) ج ١ ص ٤٠٩ والمراد عدم وقوع الواو طرفا مضموما ما قبلها ضما لازما في الأسماء المعربة وأما في المبني فقد يجيء ، وهو ما سيأتي في التصريف ،

(٤) جواب أما ، وحقه الاقتران بالفاء وكان يمكن الاقتصار على قوله : وإن ولي ...

٤١٢

والواو لأن الضمير ، لاتصاله ، صار كبعض حروف الكلمة ، فكأن الواو لم يقع طرفا ؛

وجوّز يونس حذف الواو وتسكين الميم مع الضمير ، أيضا ؛ ولم يثبت ما ذهب إليه ؛

وإذا لقي ميم الجمع ساكن بعدها ، ضمت الميم ردّا لها إلى أصلها ، وقد تكسر ، كما يجيء ؛

وزيدت للمؤنث (١) نون مشدّدة ، لتكون بإزاء الميم والواو في المذكر ، وإنما اختاروا النون لمشابهته ، بسبب الغنّة للميم والواو معا ، مع كون الثلاثة من حروف الزيادة ، واستتر ضمير الغائب والغائبة لأنه لما كان مفسّر الغائب لفظا متقدما في الأصل ، بخلاف المتكلم والمخاطب أرادوا أن تكون ضمائر الغيب أخصر من ضميريهما فابتدأوا في المفردين بغاية التخفيف ، وهي التقدير ، من دون أن يتلفّظ بشيء منه ، واقتصروا ، لمثنى مذكره ومؤنثه على الألف الذي هو علامة التثنية في كل مثنى ، وعلى الواو في جمع المذكر ؛

وقد يستغنى بالضمة عن الواو في الضرورة ، قال :

٣٦٥ ـ فلو أنّ الأطبّا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الأساة (٢)

استثقالا للواو المضموم ما قبلها في الأخير ؛

واقتصروا على نون واحدة في مقابلة الواو ، إذ كانت واحدة (٣) ،

وقول النحاة : ان الفاعل في نحو : زيد ضرب ، وهند ضربت : هو وهي : تدريس (٤) لضيق العبارة عليهم ، لأنه لم يوضع لهذين الضميرين لفظ ، فعبّروا عنهما بلفظ المرفوع

__________________

(١) يعني لجمع المؤنث

(٢) أورده صاحب الإنصاف : وكان مع الأطباء الشفاة ، لأن بعده :

إذن ما أذهبوا ألما بقلبي

وإن قيل الشفاة هم الأساة

والأساة جمع آس وهو المعالج ، ولم ينسب هذا الشعر لأحد غير أن البغدادي نقله عن الفراء ؛

(٣) أي بالنسبة للمؤنث ،

(٤) أي تقريب من العلماء في تدريسهم لتصوير المعنى ،

٤١٣

المنفصل ، لكونه مرفوعا مثل ذلك المقدر ، لا أن المقدّر هو ذلك المصرّح به ؛ وكيف ذا (١) ، ويجوز الفصل بين الفعل وهذا المصرّح به ، نحو : ما ضرب إلا هو ؛

فإن قلت : بل المفصول المصرّح به غير المتصل ، فهو تحكم (٢) ؛

وإلى هذا نظر من قال من النحاة : ان المقدر في : ضرب وضربت ينبغي أن يكون أقلّ من الألف (٣) : نصفه أو ثلثه ؛ وذلك لأن ضمير المفرد ينبغي أن يكون أقل من ضمير المثنى ؛

وأمّا التاء في : ضربت وضربتا ، فهي حرف للتأنيث ، لا ضمير ، بدليل : ضربت هند ؛ وقلّ جعل الألف والواو والنون حروفا كتاء التأنيث ، كما يجيء آخر الكتاب ، نحو : قاما أخواك ، وأكلوني البراغيث ، و:

٣٦٦ ـ ولكن ديافيّ أبوه وأمه

بحوران يعصرن السليط أقاربه (٤)

هذا كله في الماضي ، وأمّا في المضارع والأمر ، فلم يبرز الضمير في : أفعل ، ونفعل لاشعار حرف المضارعة بالفاعل ، لأن «أفعل» مشعر بأن فاعله «أنا» ، و «نفعل» مشعر بنحن ، الهمزة بالهمزة ، والنون بالنون (٥) ،

وكذا «يفعل» نصّ في المفرد الغائب ، فلم يحتاجوا إلى ضمير بارز ، وأمّا «تفعل»

__________________

(١) يعني وكيف يكون ذلك مع جواز الفصل بين الفعل وهذا الملفوظ به ،

(٢) قوله : فهو تحكم ، جواب عن قوله : فإن قلت ...

(٣) أي ألف المثنى ؛

(٤) هو من قصيدة للفرزدق ، وديافيّ ، منسوب إلى ديّاف : إحدى قرى الشام وينسب إليها كل من يراد أنه نبطيّ ، والسليط : الزيت مطلقا ، أو المستخرج من السمسم وحوران من قرى الشام أيضا ؛ والمقصود بهذا الشعر هو عمرو بن عفراء الضبيّ وكان يكره الفرزدق ، والاستدراك في قوله ولكن ديافي ، مرتبط ببيت قبل ذلك يقول فيه الفرزدق :

فلو كنت ضبيّا صفحت ولو جرت

على قدمي حيّاته وعقاربه

إلى أن قال ولكن ديافيّ ، فهو بهذا ينفي عنه حتى انتسابه إلى ضبّه ؛

(٥) يعني أن الهمزة في الفعل مشعرة بأن أول الضمير المستتر همزة في أنا ، وكذلك القول في النون ؛

٤١٤

فإنه ، وإن كان محتملا للمخاطب والغائبة ، لكنهم لم يبرزوا ضميره ، إجراء لمفردات المضارع مجرى واحدا في عدم إبراز ضميرها ؛

ولعل هذا هو الذي حمل الأخفش على أن قال : إن الياء في : تضربين ليس بضمير ، بل حرف تأنيث ، كما قيل في : هذي ؛ والضمير لازم الاستتار ، وانه استنكر الحكم بكون ضمير المفرد أثقل من ضمير المثنى ، مع أن القياس يقتضي أن يكون أخفّ ؛

وأمّا «افعل» أمرا ، و «لا تفعل» نهيا ، فحكمهما حكم «تفعل» للمخاطب لأن الأمر والنهي (١) مأخوذان من المضارع ، كما يجيء في قسم الأفعال ؛

ومذهب المازني : أن الحروف الأربعة في المضارع والأمر ، أعني الألف في المثنيات ، والواو في جمعي المذكر ، والياء في المخاطبة ، والنون في جمعي المؤنث علامات ، كألف الصفات وواوها في نحو : ضاربان وحسنون ، وهي كلها حروف والفاعل مستكن عنده ؛ ولعلّ ذلك حملا للمضارع على اسم الفاعل ، واستنكارا لوقوع الفاعل بين الكلمة وإعرابها أي النون ؛

وأمّا الضمائر المرفوعة في الصفات أعني اسم الفاعل واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، فلم يبرزوها ، لأنها غير عريقة في اقتضاء الفاعل ، بل اقتضاؤها له لمشابهة الفعل ، فلم يظهروا فيها ضمير الفاعل ، وكذا أسماء الأفعال ، والظروف ، على ما يجيء بعد ؛

وأيضا ، الألف والواو في مثنيّات الأسماء وجموعها الجامدة ، كالزيدان والزيدون : حروف زيدت علامة للمثنى والمجموع بلا ريب ، فجعلت مثنيات الصفات وجموعها على نهج مثنيات الجامدة وجموعها ، لأن الصفات فروع الجامدة ، لتقدم الذوات على صفاتها ، فصارت الألف علامة المثنى ، والواو علامة الجمع ، فلم يمكن أن يوصل ألف الضمير وواوه بالمثنى والمجموع ، لئلا يجتمع الفان ، وواوان ، فاستكنّ الضميران : الألف في المثنى ، والواو في المجموع ؛

__________________

(١) حقه أن يقتصر على الأمر لأن النهي مضارع حقيقة وليس مأخوذا منه كالأمر ؛

٤١٥

والدليل على أن الألف والواو الظاهرين ليسا بضميرين : انقلابهما بالعوامل ، نحو : لقيت ضاربين وضاربين ، والفاعل لا يتغيّر بالعوامل الداخلة على عامله نحو قولك : جاءني زيد راكبا غلامه ، فلم يعمل : «جاءني» في «غلامه» ؛

وكذا ، استكنّ النون في ضاربات ومضروبات ، تبعا لاستتار الضمير في جمع المذكر إذ هو الأصل ، وإذا استتر في المثنى ، والمجموع ، فالاستتار في مفرداتها أجدر ، فلزم الاستتار في الكل ، فلا ترى الفاعل ضميرا بارزا في الصفات إلا في نحو : أقائم هما ، وما قائم أنتما ؛

وأمّا في نحو : زيد عمرو ضاربه هو ، فالمنفصل ليس بفاعل ، بل هو تأكيد له لما سيجيء ؛

ثم ، لما فرغوا من وضع المرفوع المتصل في الأفعال والصفات أخذوا في وضع المرفوع المنفصل ؛

فقالوا : أنا للمتكلم : المذكر والمؤنث ؛ وقد تبدل همزتها هاء نحو : هنا ، وقد تمدّ همزته نحو : آنا فعلت ، وقد تسكن نونه في الوصل ؛

وهو عند البصريين ، همزة ونون مفتوحة ، والألف يؤتى بها بعد النون في حالة الوقف لبيان الفتح ، لأنه لو لا الألف لسقطت الفتحة للوقف ، فكان يلتبس بأن الحرفية ، لسكون النون ، فلذا يكتب بالألف لان الخط مبني على الوقف والابتداء ؛

وقد يوقف على نونها ساكنة ، وقد تبيّن فتحتها وقفا بهاء السكت ، قال حاتم : هكذا فزدي أنه (١) ، وقال : (٢)

__________________

(١) فزدي يعني فصدي ، وفصد الناقة أو البعير أن يجرحه فيسيل منه الدم فيشوى ويؤكل ، وكان حاتم الطائي أسيرا فطلبت منه إحدى الجواري أن يفصد لهم ناقة ليشتووا دمها فقام إليها فنحرها فلطمته الجارية وقالت له إنما قلت لك افصدها ، فقال : هكذا فزدي أنه ، وإبدال الصاد زايا من لغة طيئ ، وفي هذه القصة قال حاتم : لو ذات سوار لطمتني ،

(٢) وقال : أي الشاعر ، كما هو عادته ، وليس المراد أن القائل حاتم ؛

٤١٦

٣٦٧ ـ إن كنت أدري فعليّ بدنه

من كثرة التخليط فيّ من أنه (١)

وبنو تميم يثبتون الألف في الوصل ، أيضا ، في السّعة ، وغيرهم لا يثبتونها في الوصل إلا في الضرورة ، كقوله :

٣٦٨ ـ أنا سيف العشيرة فاعرفوني

حميد قد تذرّيت السناما (٢)

وجاء في قراءة نافع (٣) إثبات الألف إذا كان قبل همزة مفتوحة ، أو مضمومة ، دون المكسورة ؛

قال أبو علي (٤) : لا أعرف فرقا بين الهمزة وغيرها ، فالأولى ألّا يثبت الألف وصلا في موضع ؛

ومذهب الكوفيين أن الألف بعد النون من نفس الكلمة ؛ وسقوطه (٥) في الوصل ، في الأغلب ، مع فتح النون أو سكونه ، ومعاقبة هاء السكت له وقفا : دليلان على زيادته وكونه لبيان الحركة وقفا ؛

و: نحن ، للمتكلم مع غيره ، مثل : «نا» في المرفوع المتصل في صلاحيته للمثنى والمجموع ، والعلة كالعلة ، وتحريكه للساكنين وضمه : إمّا لكونه ضميرا مرفوعا ، وإمّا لدلالته على المجموع الذي حقه الواو ؛

وأما «أنت» إلى «أنتن» ، فالضمير ، عند البصريين «أن» ، وأصله «أنا» ، وكأنّ «أنا» عندهم ضمير صالح لجميع المخاطبين والمتكلم ، فابتدأوا بالمتكلم ، وكان

__________________

(١) قال البغدادي : لم أقف له على أثر ؛

(٢) قائله : حميد بن بحدل ، واسمه حميد بن حريث بن بحدل من بني كلب وهو شاعر إسلامي ؛

(٣) تقدم ذكره وهو أحد القراء السبعة ،

(٤) أي الفارسي ورأيه هذا يقرب من اتجاه الرضي وغيره من الطعن في القراءات

(٥) هذا رد على مذهب الكوفيين

٤١٧

القياس أن يبيّنوه بالتاء المضمومة نحو : أنت إلا أن المتكلم لما كان أصلا ، جعلوا ترك العلامة له علامة ، وبيّنوا المخاطبين بتاء حرفية بعد «أن» كالاسمية (١) في اللفظ وفي التصرف ؛

ومذهب الفراء أنّ «أنت» بكماله : اسم ، والتاء من نفس الكلمة ؛

وقال بعضهم : إن الضمير المرفوع هو التاء المتصرفة (٢) ، فكانت مرفوعة متصلة ، فلما أرادوا انفصالها : دعموها بأن ، المستقل لفظا ، كما هو مذهب الكوفيين وابن كيسان في : إياك وأخواته ، وهو أن الكاف المتصرفة كانت متصلة فأرادوا استقلالها لفظا لتصير منفصلة ، فجعلوا «إيّا» عمادا لها ، فالضمائر التي تلي إيا ، وإيا عماد لها ؛

وما أرى هذا القول بعيدا من الصواب في الموضعين ؛

وقالوا في الغائب : هو ، وهما ، وهم ، وهي ، وهما ، وهنّ ؛ فالواو ، والياء في هو ، وهي ، عند البصريين ، من أصل الكلمة ، وعند الكوفيين للاشباع والضمير هو الهاء وحدها ، بدليل التثنية والجمع فإنك تحذفهما فيهما ؛ والأوّل هو الوجه ، لأن حرف الإشباع لا يتحرك ، وأيضا حرف الاشباع لا يثبت إلا ضرورة ؛

وإنما حرّكت (٣) الواو ، والياء. لتصير الكلمة بالفتحة مستقلة حتى يصح كونها ضميرا منفصلا ، إذ لو لا الحركة لكانتا كأنهما للاشباع على ما ظنّ الكوفيون ، ألا ترى أنك إذا أردت عدم استقلالهما سكنت الواو والياء نحو : إنهّو ، وبهي ؛

وكان قياس المثنى والجمع ، على مذهب البصريين : هوما ، وهي ما وهوم ، وهين (٤) ، فخفف بحذف الواو والياء ؛

والكلام في زيادة الميم وحذف الواو في جمع المذكر ، وزيادة النونين في جمع المؤنث :

__________________

(١) يعني كالتاء الاسمية التي هي ضمير

(٢) أي التي تتغير بحسب المخاطب ؛

(٣) يعني بالنسبة لرأي البصريين ،

(٤) أي بزيادة علامات التثنية والجمع بنوعيه على صيغة المفرد مع بقائها على حالها ؛

٤١٨

على ما ذكرنا في المتصل ، سواء (١) ،

وهذه الضمائر المرفوعة المنفصلة ، يشترك فيها الماضي والمضارع والأمر ، والصفات ، وليست كالمرفوعة المتصلة ، فإنه لا شركة بين الماضي والمضارع فيها ، إلا في الألف والواو والنون ، كما ذكرنا ؛

تقول : ما ضرب إلا هو ، وما يضرب إلا أنا ، و: أضارب هما ... ؛

وتسكين هاء هو ، وهي ، بعد الواو ، والفاء ، ولام الابتداء جائز ، كما يجيء في التصريف (٢) ؛

وقد تسكن بعد كاف الجر شاذا ؛ وقد تحذف الواو والياء اضطرارا كقوله :

٣٦٩ ـ فبيناه يشري رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب (٣)

وقوله :

دار لسعدى إذه من هواكا (٤) ـ ٨٢

ويسكنها قيس ، وأسد ؛ ويشدّدهما همدان ، قال :

__________________

(١) أي هما سواء.

(٢) في بعض النسخ التي أشير إليها بهامش المطبوعة اختلفت الأمثلة وتضمنت تفصيلا لما أشار إليه بأنه سيجيئ في التصريف ؛ كما تضمنت الإشارة إلى بيت لزياد بن منقذ وهو المرار العدوي ، يقول فيه :

فقمت للطيف مرتاعا فأرقني

فقلت أهي سرت أم عادني حلم

وهو من الشواهد التي أوردها الجاربردي في شرح الشافية وكتب عليه البغدادي في شرحه لشواهد الشافية حيث أضاف إليه شواهد الجاربردي ؛

(٣) قوله يشري بمعنى يبيع ، والبيت في وصف رجل فقد جمله وبئس من العثور عليه فعرض رحله للبيع ثم فوجئ بمن ينادي أنه عثر على جمل صفته كذا ، وفي رواية .. رخو الملاط ذلول ، وهو بهذه الرواية من شعر للعجير السلولي.

(٤) يعني إذ هي من هواكا أي من مهويك وهو شطر تقدم ذكره في الجزء الأول ص ٣٠٧ مع شطر آخر متصل به ؛ وهو من شواهد سيبويه ، التي لم يعرف قائلوها ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٩.

٤١٩

٣٧٠ ـ وإن لساني شهدة يشتفى بها

وهوّ على من صبّه الله علقم (١)

ثم ، لما فرغوا من وضع المرفوع ، شرعوا في وضع المنصوب ، لأن النصب علامة الفضلات بلا واسطة ، والجرّ علامتها بواسطة ؛

فابتدأوا بمتصل المنصوب ، لتقدمه على منفصله ، وشركوا بينه وبين المجرور كما يجيء بعيد ، فوضعوا لمتكلمهما ياء ، إمّا ساكنة أو مفتوحة ، كما ذكرنا في باب الإضافة (٢) ، و «نا» للمتكلم مع غيره ، كما كان في متصل المرفوع ، والكاف للمخاطب مثل التاء في التصرف ، نحو : ك ، كما ، كم ، ك ، كما ، كنّ (٣) ؛ وبعض العرب يلحق بكاف المذكر إذا اتصلت بهاء الضمير ألفا ، وبكاف المؤنث ياء ، حكى سيبويه : أعطيتكاه ، وأعطيتكيه ، تشبيها للكاف بالهاء نحو : أعطيتهاه ، وأعطيتهوه ؛ قال أبو علي : وقد تلحق الياء تاء المؤنث مع الهاء ، قال :

٣٧١ ـ رميتيه فأقصدت

وما أخطأت الرّمية (٤)

وربما كسرت الكاف في التثنية والجمعين بعد ياء ساكنة أو كسرة تشبيها لها بالهاء نحو : بكما وبكم وبكنّ ، وعليكما وعليكم وعليكنّ ؛

والكلام في حذف واو «عليكموا» وإسكان الميم ؛ كما مضى في نحو : ضربتم ؛

ولما أرادوا وضع المتصل المنصوب الغائب من هذا القسم : اختصروا مفرديه من المرفوع

__________________

(١) لم يتعرض البغدادي في الخزانة لنسبة هذا البيت وكذلك لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به بأكثر من قول بعضهم انه لشاعر من همدان ، ومعروف أن هذه لغتهم ، وأورده صاحب مغني اللبيب شاهدا على حذف العائد المجرور بحرف من الصلة ؛

(٢) انظر في هذا الجزء ؛ ص ٢٦٤.

(٣) اقتصر على الجزء المقصود من الضمير كما فعل في المرفوع

(٤) لم ينسب إلى قائل معيّن ، وقال البغدادي : ان أبا حيّان أورده في تذكرته نقلا عن ابن جني وأورد بعده بيتا متعلقا به وهو قوله :

بسهمين مليخين

أعارتكيهما الظبية

ويروى البيت الشاهد : وما أخطأت في الرمية ؛

٤٢٠