شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

بواسطة الحرف ، وقال الفارسيّ في الإيضاح الشعري وابن جنّي في سرّ الصناعة : ان العامل في الثاني مقدّر من جنس الأول ، لقولك : يا زيد وعمرو ؛

وأقول : لا دليل فيه ، إذ علة البناء في الثاني وقوعه موقع الكاف كالمعطوف عليه ، مع عدم المانع من البناء ، كما كان (١) في : يا زيد والحارث أعني اللام ، وإنما كان اللام مانعا ، لامتناع مجامعته لحرف النداء المقتضي للبناء ، فلما ارتفع المانع (٢) ، صار كأن حرف النداء باشر التابع ، لا أنه يقدر له حرف آخر ؛

واستدل (٣) أيضا بقولهم : قيام زيد وعمرو ، وقال : العرض الواحد لا يقوم بمحلّين ؛

والجواب : أن القيام ههنا ليس بعرض واحد ، بل هو مصدر ، والمصدر يصلح للقليل والكثير ، بلفظ الواحد ، والمراد ههنا : القيامان بقرينة قولك وعمرو ؛ وكذا لا حجة له في قام زيد وعمرو ، إذ هو متضمن للقيام الصالح للقليل والكثير ، ولو كان العامل مقدّرا ، لوجب تعدد الغلام في : جاءني غلام زيد وعمرو ، وهو متحدّ ، ولكان معنى كل شاة وسخلتها بدرهم : كل شاة بدرهم ، وكلّ سخلتها بدرهم ، والمراد : هما معا بدرهم ؛

وأيضا ، لم يجز : يا زيد والحارث ، ولم يجز : ما زيد قائما ولا عمرو قاعدا ، و: ليس زيد وعمرو ذاهبين ، إذ لا يجوز تقدير «ما» و «ليس» بعد «لا» ، وأيضا لم يجز : زيد ضربت عمرا وأخاه ، إذ يبقى خبر المبتدأ بلا ضمير ، مع كونه جملة ؛

وقال بعضهم (٤) : العامل حرف العطف بالنيابة ؛ وهو بعيد لعدم لزومه لأحد القبيلين ، كما هو حق العامل ؛

__________________

(١) أي المانع ، وهو حرف التعريف ،

(٢) يعني في المثال الذي قاسوا عليه ،

(٣) أي الفارسي ، ويلزم منه استدلال ابن جني ، وكان يمكن أن يقرأ بالبناء للمجهول لو لا قوله بعد ذلك ، وقال ، أي الفارسي ؛

(٤) هذا هو القول الثالث بعد قول سيبويه ، وقول الفارسي وابن جني ،

٢٨١

وفائدة الخلاف في هذا كله : جواز الوقف على المتبوع دون (١) التابع عند من قال : العامل في الثاني غير الأول ، وامتناعه عند من قال العامل فيهما هو الأول ؛

هذا ، وإنما قدّم (٢) المصنف النعت على سائر التوابع ، لكونه أكثر استعمالا

__________________

(١) يعني بدون أن يذكر المتبوع معه لاستقلال كل منهما على هذا الرأي ؛

(٢) هذا تعجيل من الرضي لوجه تقديم المصنف للنعت ، وكان يمكن جعله في بدء حديثه عن شرح كلام المصنف في النعت ،

٢٨٢

[النعت]

[تعريفه]

[قال ابن الحاجب :]

«النعت تابع يدل على معنى في متبوعه مطلقا» ؛

[قال الرضي :]

قال في شرح المفصل (١) : الصفة تطلق باعتبارين : عام ، وخاص ، والمراد بالعام : كل لفظ فيه معنى الوصفية ، جرى تابعا أو ، لا ، فيدخل فيه خبر المبتدأ والحال في نحو : زيد قائم ، وجاءني زيد راكبا ، إذ يقال هما وصفان ؛ ونعني بالخاص : ما فيه معنى الوصفية إذا جرى تابعا ، نحو : جاءني رجل ضارب ؛ قال : حدّ العام : ما دلّ على ذات باعتبار معنى هو المقصود ؛

وينتقض (٢) حدّه بأسماء الآلة ، والمكان والزمان ، إذ : المقتل مثلا دالّ على ذات ، وهو الموضع ، باعتبار معنى ، وهو القتل ، هو المقصود من وضع هذا اللفظ ، على ما فسّر ؛

ثم سأل نفسه وقال : إن أسماء الأجناس كلها تدل على ذات باعتبار معنى وليست بصفات ، فإن «رجلا» موضوع لذات باعتبار الذكورة والإنسانية ؛

__________________

(١) لابن الحاجب شرح على مفصل الزمخشري كما اشرنا إلى ذلك غير مرة ،

(٢) أجاب الجرجاني في تعليقاته عن هذا النقض في تعليقة طويلة بهامش المطبوعة التركية ؛

٢٨٣

قال : والجواب أنا احترزنا عن مثله بقولنا هو المقصود ، فإن أسماء الأجناس : المقصود بها هو الذات ، والصفات : المقصود بها المعنى لا الذات ؛

ولقائل أن يمنع في الموضعين ، أي في الأسماء والصفات ؛ ويقول : إن أردت بقولك في أسماء الأجناس : أن المقصود بها الذات وحدها ، من دون المعنى ، فلا نسلم ، إذ قصد الواضع بوضع «رجل» : ذات فيها معنى الرجولية ، بلا خلاف ، وإن أردت أن المقصود الذات ، سواء كان المعنى ، أيضا مقصودا معها أو ، لا ، فلا ينفعك ، لأن الصفات أيضا ، إذا ذكرتها مجردة من متبوعاتها فلا بدّ فيها من الدلالة على الذات مع المعنى المتعلق بها ، وكذا إذا ذكرتها مع متبوعاتها ، لأن معنى «ضارب» : ذو ضرب ، ولا شك أن معنى «ذو» : ذات ، ومعنى «ضرب» معنى في تلك الذات ، ولو لم يدل إلا على المعنى ، لكانت الصفة هي الحدث ، كالضرب والحسن ؛

ثم نقول : قولك في الصفات : إن المقصود بها المعنى ، لا الذات ، مناقض لقولك في حدّ الصفة العامة : ما دالّ على ذات باعتبار معنى ، وكيف تدل بالوضع على الذات مع أن المقصود بها ليس ذاتا ، وهل دلالة اللفظ على شيء إلا مع القصد بذلك اللفظ إلى ذلك الشيء؟ ؛

وإن قال : المراد بالقصد : القصد الأهم ، فإن نحو ضارب ، وإن دل على الذات ، إلا أن المقصود الأهم به : الحدث القائم بالذات المطلقة ، التي دل عليها هذا اللفظ ؛ فلمانع أن يمنع أن المقصود الأهمّ من هذا اللفظ بيان المعنى ، بل المعنى كان يدل عليه تركيب «ض ر ب» ؛ فلم تضع منه هذه الصيغة المختصة إلا للدلالة على ذات يقوم بها ذلك المعنى ، وكذا نحو : المضروب والمحبوس ، فإنه موضوع لذات مطلقة يقع عليها الضرب والحبس ؛

قال (١) : والوصف الخاص : تابع يدل على معنى في متبوعه مطلقا ، قال (٢) : تابع ،

__________________

(١) أي المصنف في شرح المفصل أيضا ، بعد أن فرغ من تعريف الوصف العام ؛

(٢) المراد ابن الحاجب أيضا ، لشرح هذا التعريف الذي قاله ؛

٢٨٤

يدخل في «تابع» جميع التوابع ، ويخرج منه خبر المبتدأ ، والمفعول الثاني ، لما ذكرنا في حدّ التابع ، وقولنا يدل على معنى في متبوعه ، يخرج عنه ما سواه ؛

قلت : يدخل فيه البدل في نحو قولك : أعجبني زيد علمه ، ولو قال : يدلّ على معنى في متبوعه أو متعلقه ، لكان أعمّ ، لدخول (١) نحو : مررت برجل قائم أبوه ، فيه ؛

ثم نقول : أمّا خروج البدل (٢) ، وعطف البيان ، وعطف النسق والتأكيد الذي هو تكرير لفظي ، أو معنوي ، فظاهر ، وأمّا التأكيد (٣) المفيد للإحاطة فداخل في هذا الحد ، إذ «كلهم» في : جاءني القوم كلهم ، يدل على الشمول الذي في القوم ؛

فإن قال : شرط هذا المعنى الذي يدل عليه الوصف : ألّا يفهم من المتبوع ، والشمول يفهم من القوم ، وكذا في : جاءني الزيدان كلاهما ؛

فالجواب : أن ذكر هذا الشرط ليس في حدّك ، مع أنه يلزم منه ، ألّا يكون : واحدة ، واثنين في قوله تعالى : (نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) (٤) ، و: (إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ) (٥) نعتا (٦) ؛

قوله : «مطلقا» ، قصد به إخراج الحال في نحو : قولك : ضربت زيدا مجرّدا ، فإن «مجرّدا» دال على معنى في زيد ، لكن لا مطلقا ، بل مقيّدا بحال الضرب ؛

أقول : قد خرج الحال عن الحدّ بقوله : تابع ، بزعمه (٧) ، لأنه ليس بإعراب سابقه من جهة واحدة ؛

__________________

(١) أي ليدخل ، وهذا تعليل لكونه أعم ، وقوله فيه بعد ذلك متعلق بدخول ؛

(٢) هذا جري على اصطلاح النحاة في التفرقة بين عطف البيان والبدل ، أما رأيه هو فلا فرق بينهما عنده وهو يبرز هذا المعنى كلما سنحت الفرصة ،

(٣) جرى الرضي على أن قسما مما يسميه النحاة توكيدا معنويا وهو التوكيد بالنفس والعين ، من باب التكرير المعنوي كما سيأتي في التوكيد ،

(٤) الآية ١٣ سورة الحاقة ،

(٥) الآية ٥١ سورة النحل ،

(٦) خبر قوله يلزم ألّا يكون ..

(٧) يعني كما هو في تعريفه للتابع ؛

٢٨٥

هذا ، ولا يبعد (١) ، لو حددنا الوصف العامّ ، أي ما وضع من الأسماء وصفا ، سواء استعمل تابعا ، أو ، لا ، بأن نقول : هو اسم وضع دالّا على معنى غير الشمول وصاحبه ، صحيح التبعية لكل ما يخصص صاحبه ؛

فقولنا : اسم ، يخرج الجمل الاسمية والفعلية ، وإن صح وقوعها نعتا تابعا في نحو : جاءني رجل ضرب أبوه ، أو : أبوه ضارب ؛ وقولنا : وضع ، يخرج ألفاظ العدد في نحو : جاءني رجال ثلاثة ، لأن وضعها لمجرد العدد ، وكذا سائر المقادير ، نحو : عندي زيت رطل ، ويخرج أسماء الأجناس سواء وقعت صفات ، نحو : .. برجل أسد ، أو ، لا ، نحو : زيد أسد ؛ فإنها ، وإن دلّت على معان ، لكنها ليست كذلك بحسب الوضع ؛ وكذا يخرج نحو : صوم وعدل في : .. برجل صوم وعدل ، لأنه ليس بالوضع ، فلا يدخل في الصفات العامة ؛ بلى ، يدخل في حدّ الصفة الخاصة ، كما يجيء ، فيقال : إن أسد ، وصوم ، في : برجل أسد ، وبرجل صوم ، صفة ، وكذا نحو : أيّ رجل (٢) ، لأنه في الأصل للاستفهام ؛

وقولنا : على معنى ، يخرج ألفاظ التوكيد إلّا التي للشمول ، فإن نحو نفسه لا يدل على معنى في شيء ، بل مدلوله نفس متبوعه ، وقولنا : غير الشمول يخرج ألفاظ الشمول في التوكيد ، نحو : كلاهما ، وكله ، وأجمع ومرادفاته ؛ وجاءني القوم ثلاثتهم ، عند التميميين ، كما مرّ في الحال (٣) ، إذ كل ذلك يدل على الشمول وصاحبه ، أي : جميعها أو جميعهم ، وقولنا : وصاحبه يخرج المصادر ويدخل أسماء الزمان والمكان والآلة ، وقولنا : صحيح التبعية ، يخرج هذه الأسماء ، لأنها لم توضع صحيحة التبعية لغيرها ، بل لو جرت صفات في بعض المواضع نحو : رجل مثقب (٤) ، فليس ذلك من حيث الوضع ، كحمار

__________________

(١) هذا تعقيب من الرضي بعد أن نقد تعريف ابن الحاجب باختياره تعريفا للوصف العام ، ثم يأتي بعده اختياره في تعريف الوصف الخاص ،

(٢) في نحو : مررت برجل أيّ رجل ،

(٣) انظر في هذا الجزء ، ص ٢١.

(٤) بصيغة اسم الآلة ، يعني نافذ الرأي ،

٢٨٦

في : مررت برجل حمار ؛ وقولنا : لكل ما يخصّص صاحبه ، يخرج أسماء الأجناس ، فإنها لا يصح أن تتبع بالوضع إلا المبهم فقط ، دالة على معنى فيه ، نحو : هذا الرجل ، وأيّها الرجل ، ومع هذا ، فهي أسماء لا صفات عامة ، وكذا يخرج اسم الإشارة لخصوصه (١) ، كما يجيء ، ببعض الموصوفات ، ويدخل في قولنا صحيح التبعية : الحال ، وخبر المبتدأ ، وغير ذلك ، في نحو : جاءني زيد راكبا ، وزيد عالم ، والعالم زيد ، فإنها صفات ، وإن لم تتبع شيئا ، لكنه يصح تبعيتها وضعا ؛

وتقول في حدّ الوصف الخاص ، أي التابع : هو تابع دال على ذات ومعنى غير الشمول ، في متبوعه أو متعلقه مطلقا ، فيدخل فيه التابع في نحو : هذا الرجل ، وبرجل أيّ رجل ، وبرجل تميميّ ، وبرجل حسن وجهه ، وبرجل حمار ، وغير ذلك ، ويخرج البدل في نحو : أعجبني زيد علمه ؛

[فائدة النعت]

[قال ابن الحاجب :]

«وفائدته تخصيص أو توضيح ، وقد يكون لمجرّد الثناء أو الذمّ»

«أو التأكيد ، نحو : نفخة واحدة» ؛

[قال الرضى :]

معنى التخصيص في اصطلاحهم : تقليل الاشتراك الحاصل في النكرات ، وذلك أن «رجل» في قولك : جاءني رجل صالح ، كان بوضع الواضع محتملا لكل فرد من أفراد هذا النوع ، فلما قلت : صالح ، قلّلت الاشتراك والاحتمال ؛ ومعنى التوضيح عندهم :

__________________

(١) أي لاختصاصه ببعض الموصوفات ،

٢٨٧

رفع الاشتراك الحاصل في المعارف ، أعلاما كانت ، أو ، لا ، نحو : زيد العالم ، والرجل الفاضل ؛

قوله : «وقد يكون لمجرّد الثناء ..» ، لفظة «قد» التي هي للتقليل في المضارع مؤذنة بأن مجيئه لمجرد الثناء ، أو الذم ، أو التأكيد : قليل ؛

وإنما يكون لمجرد الثناء أو الذم ، إذا كان الموصوف معلوما عند المخاطب ، سواء كان مما لا شريك له في ذلك الاسم ، نحو : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) ، إذ لا شريك له. تعالى ، في اسم «الله» ، ونحو : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ أو كان ممّا له شريك فيه ، نحو : أتاني زيد الفاضل العالم ، أو الفاسق ، الخبيث ، إذا عرف المخاطب زيدا الآتي ، قبل وصفه ، وإن كان له شركاء في هذا الاسم ؛

وإنما يكون الوصف للتأكيد ، إذا أفاد الموصوف معنى ذلك الوصف مصرّحا به بالتضمن نحو : «نفخة واحدة (٢)» و: (إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ) (٣) ، فإن كان ذلك المعنى المصرّح به في المتبوع ، شمولا ، أو إحاطة ، فالتابع تأكيد ، لا صفة ، نحو : الرجلان كلاهما والرجال كلهم ، وإن لم يكن ، فهو صفة كما في قوله تعالى : (إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ)(٤) ، وإن كان معنى التابع معنى المتبوع سواء ، بالمطابقة ، فالتابع تأكيد تكرير ، نحو : الرجل نفسه وزيد زيد ؛ وقد يجيء لمجرد الترحم ، نحو : أنا زيد البائس الفقير ؛

__________________

(١) البسملة آية من القرآن اتفاقا في سورة النمل ، الآية ٣٠ / وفيما عدا ذلك موضع خلاف ،

(٢) تقدمت في البحث السابق ،

(٣) وكذلك هذه الآية.

(٤) الآية السابقة مع زيادة هنا ، وفي الزيادة استشهاد على الموضوع نفسه ،

٢٨٨

[الاشتقاق في النعت]

[وحكمه]

[قال ابن الحاجب :]

«ولا فرق بين أن يكون مشتقا وغيره ، إذا كان وضعه لغرض»

«المعنى ، عموما ، مثل : تميميّ ، وذي مال ، أو خصوصا»

«مثل : مررت برجل أيّ رجل ، ومررت بهذا الرجل وبزيد»

«هذا» ؛

[قال الرضى :]

قال في الشرح : (١) يعني أن معنى النعت : أن يكون تابعا يدل على معنى في متبوعه ، فإذا كانت دلالته كذلك ، صحّ وقوعه نعتا ، ولا فرق بين أن يكون مشتقا أو غيره ، لكن ، لمّا كان الأكثر في الدلالة على المعنى في المتبوع هو المشتق ، توهمّ كثير من النحويين أن الاشتقاق شرط حتى تأوّلوا غير المشتق بالمشتق ؛ هذا كلامه ؛

اعلم أن جمهور النحاة شرطوا في الوصف الاشتقاق ، فلذلك استضعف سيبويه : مررت برجل أسد ، وصفا ، ولم يستضعف : بزيد أسدا ، حالا ، فكأنه يشترط في الوصف ، لا الحال ، الاشتقاق ؛ وفي الفرق نظر ؛

والنحاة يشترطون ذلك فيهما معا ؛ والمصنف لا يشترطه فيهما ، ويكتفي بكون الوصف دالّا على معنى في متبوعه ، مشتقا كان ، أو ، لا ، وبكون (٢) الحال : هيئة للفاعل أو المفعول ؛

قوله : «إذا كان وضعه لغرض المعنى عموما» ، أي وضع للدلالة على معنى في

__________________

(١) المراد هنا شرح ابن الحاجب نفسه على الكافية ،

(٢) أي ويكتفي بكون الحال .. الخ ؛

٢٨٩

متبوعه في جميع استعمالاته ، كالمنسوب ، و «ذو» المضاف إلى اسم الجنس ، فإن لهما موصوفا في جميع المواضع ، إمّا ظاهرا ، أو مقدّرا ، فالمراد بالموضوع لغرض المعنى عموما : الوصف العام ، وقد حددناه ؛

ومن الجامد الموضوع كذلك : كل موصول فيه الألف واللام ، كالذي ، والتي ، وفروعهما ، و «ذو» الطائية ؛ لأن «الذي قام» بمعنى القائم ؛

قوله : «أو خصوصا» ، يعني به أن يوضع للدلالة على معنى في متبوعه في بعض استعمالاته ، وهي ، كاسم الجنس الجامد بالنظر إلى اسم الإشارة ، نحو : هذا الرجل ، كما ذكرنا في باب النداء ، أمّا إذا جعلته صفة لغير اسم الإشارة نحو : مررت بزيد الرجل ، أي الكامل في الرجوليّة ، فليس الجنس موضوعا لمعنى في متبوعه ، لأن استعمال الرجل بمعنى الكامل في الرجوليّة ليس وضعيّا ، كما أن استعمال أسد ، بمعنى شجاع في قولك : مررت برجل أسد ، ليس وضعيا ،

فإن قيل : لم لم يجز أن يوصف بأسماء الأجناس باقيا معناها على ما وضعت له ، سائر (١) المبهمات التي هي غير أسماء الإشارة ، كما جاز وصفها بها ، فيقال : مررت بشخص رجل ، وبسبع أسد ، كما يقال : بهذا الرجل وبذاك الأسد ، فإن شخصا وسبعا ، مبهمان ، كاسم الإشارة؟

قلت : لتجرد الموصوف في مثله عن فائدة زائدة على ما كان يحصل من أسماء الأجناس لو لم تقع صفات ، إذ قولك : مررت برجل ، يفيد الشخصيّة ، وأسد ، يفيد السبعيّة ، بخلاف : رجل طويل ، ورجل عالم ، فإن العلم والطول يكونان في غير الرجل أيضا ؛ ولهذا يحذف الموصوف في الأغلب ، مع قرينة دالة عليه ، نحو قوله :

٣٢٢ ـ ربّاء شماء لا يأوي لقلّتها

الّا السحاب وإلّا الأين والسبل (٢)

__________________

(١) نائب فاعل للفعل «يوصف» في قوله : لم لم يجز أن يوصف ...

(٢) هذا البيت من قصيدة للمتنخّل الهذلي ، يرثي بها ابنه أثيلة ، وأولها :

ما بال عينك أمست دمعها خضل

كما وهى سرب الأحزاب منبذل

ـ إلى أن يقول :

أقول لما أتاني الناعيان به

لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل

وقوله : ربّاء ، صيغة مبالغة من : ربا ، ومنه قولهم هو ربيئة القوم للذي يتقدمهم ، وتقدير الكلام : هو ربّاء ، وشماء مفعول به لربّاء ، أي ربّاء هضبة شماء ، مرتفعة لا يصل إلى قمتها إلا السحاب وإلا الأوب وهو النحل ، وهو المطر أيضا ، وقد يكون هذا مرجحا لتفسير الأوب بالنحل ، وقد شرح البغدادي عددا من أبيات هذه القصيدة ، قال : لأن كثيرا من أبياتها قد ورد شاهدا في هذا الشرح ؛ وهي قصيدة جيدة حقا ؛

٢٩٠

وكالأورق ، في الحمام ، والأطلس في الذئب ، والغبراء ، والخضراء ، في الأرض والسماء ؛

أمّا قولك : هذا الرجل ، فللموصوف فائدة جعل الوصف حاضرا معيّنا ، وفي : يا أيها الرجل : للموصوف فائدة منع حرف النداء من مباشرة ذي اللام ؛

ومن الموضوع للدلالة على معنى في متبوعه خصوصا ، على ما قال المصنف : «أيّ» ، واسم الإشارة ، في نحو : مررت برجل أيّ رجل وبزيد هذا ، فأيّ إنما تقع صفة للنكرة فقط ، بشرط قصدك للمدح ، واسم الإشارة يقع وصفا للعلم ، وللمضاف إلى المضمر ، وإلى العلم ، وإلى اسم الإشارة ، لأن الموصوف أخصّ ، أو مساو ، وأمّا في غير هذه المواضع فلا يقع صفة ؛

والذي يقوى عندي ، أن «أيّ رجل» ، لا يدل بالوضع على معنى في متبوعه ، بل هو منقول عن «أيّ» ، الاستفهامية ، وذلك أن الاستفهامية موضوعة للسؤال عن التعيين ، وذلك لا يكون إلا عند جهالة المسئول عنه ، فاستعيرت لوصف الشيء بالكمال في معنى من المعاني والتعجب من حاله ، والجامع بينهما : أن الكامل البالغ غاية الكمال بحيث يتعجّب منه ؛ يكون مجهول الحال بحيث يحتاج إلى السؤال عنه ؛ ومن ثمّ ، قال الفراء ، في ما أحسن زيدا : إن «ما» استفهامية ، ولهذا المعنى : شرط في «أيّ» الواقعة صفة أن تكون صفة للنكرة حتى تضاف إلى النكرة ، لأن المضافة إلى المعرفة ليس فيها إبهام كامل ، إذ معنى أي الرجلين هو؟ : من هو من بين هذين الرجلين ؛ وكذا : أي الرجال : بخلاف : أي رجل هو؟ ، فمعناه : أي فرد هو من أفراد هذا الجنس ، كما مرّ في باب الإضافة (١) ،

__________________

(١) انظر في هذا الجزء ، ص ٢٥١

٢٩١

وإذا جاءت بعد المعرفة فانصبها على الحال ، نحو : هذا زيد أيّ رجل ؛ وتجوز المخالفة بين الموصوف والمضاف إليه لفظا ، إذا توافقا معنى ، نحو : مررت بجارية أيّما أمة ، وأيّتما أمة ؛

وأما اسم الإشارة فإنما يقع وصفا للعلم ، والمضاف إلى المضمر ، وإلى العلم وإلى اسم الإشارة ، لأن الموصوف أخص أو مساو ، وأمّا في غير هذه المواضع فلا يقع صفة ، فلذا عدّ من الموضوع للدلالة على المعنى خصوصا ؛

وجميع ما ذكر من الجوامد ، قياسيّ ، عموما كان (١) ، كالمنسوب ، وذو ، والموصول ذي اللام ، وذو ، الطائية ؛ أو خصوصا ، كأيّ ، التابع للنكرة ، واسم الجنس التابع لاسم الإشارة ، واسم الإشارة التابع لما ذكرنا ؛

وقد بقي من الجوامد الواقعة صفة أشياء لم يذكرها المصنف ، وهي على ضربين : قياسيّ وسماعيّ ؛

فمن القياسيّ : كلّ ، وجدّ ، وحق ، تابعة للجنس ، مضافة إلى مثل متبوعها لفظا ومعنى ، نحو : أنت الرجل كلّ الرجل ، وجدّ الرجل ، وحق الرجل ؛ هذا (٢) هو الأغلب الأحسن ، ويجوز ، على ضعف : أنت المرء كل الرجل وجدّ الرجل وحق الرجل ؛

ولا تتبع غير الجنس ، فلا يقال : أنت زيد كل الرجل .. وذلك لأن الوصف بهذه الألفاظ الثلاثة كالتأكيد اللفظي ، فلهذا لم يحسن أنت المرء كل الرجل ، وليس في لفظ زيد ، معنى الرجوليّة حتى يؤكد بكل الرجل ؛ ويوصف بها النكرات أيضا ، فيقال : أنت رجل كل رجل ، وحق رجل ، وجدّ رجل ؛

ومعنى كل الرجل : أنه اجتمع فيه من خلال الخير ما تفرق في جميع الرجال ، ومعنى

__________________

(١) أي سواء كان بمعنى الوصف العام أو الوصف الخاص ، بالاصطلاح الذي تقدم فيهما ؛

(٢) أي كون هذه الكلمات مضافة إلى مثل ما قبلها لفظا ومعنى ،

٢٩٢

جد الرجل ، أي كأنّ ما سواك هزل ، وحق الرجل ، أي من سواك باطل ، وهي من باب جرد قطيفة (١) ،

ويقال أيضا ، في الذم : أنت اللئيم جد اللئيم وحق اللئيم ، وأنت لئيم جد لئيم وحق لئيم ، ومنه قولك : ما شئت من كذا مقصورا على نكرة ، نحو قولك : جاءني رجل ما شئت من رجل ، و «ما» إمّا نكرة موصوفة بالجملة بعدها ، أو موصولة ، وهي خبر مبتدأ محذوف على الحالين ، والجملة صفة للنكرة ؛ أي : هو الذي شئته ، أو هو شيء شئته ، ويجوز أن تكون موصوفة بالجملة بعدها وهي صفة للنكرة قبلها ؛

وإنما استعمل «ما» دون «من» ، لأن «ما» للمبهم أمره وإن كان من أولي العلم ، كقوله تعالى : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)(٢) ، وقوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً)(٣) ، وما نحن فيه موضع الإبهام ؛

وفي معنى قولك رجل ما شئت من رجل : عندي رجل شرعك من رجل ورجلان حسبك من رجلين ، ورجال نهيك أو نهاك أو كفيك من رجال ، ورجل همّك من رجل ، وهدّك من رجل ، كما ذكرنا في باب الإضافة (٤) ؛

والجار والمجرور في جميع ذلك يفيد أن المذكور هو المخصوص بالمدح من بين أقسام هذا الجنس ، إذا صنّفوا رجلا رجلا ، ورجلين رجلين ، ورجالا رجالا ، كما قلنا في : أفضل رجل ، وأفضل رجلين ، وأفضل رجال (٥) ؛

ويجيء مثل ذلك بعد كثير مما يقصد به المدح والتعجب ، نحو : يا لك من ليل ، ولله درّ زيد من رجل ، وقاتله الله من شاعر ، وقال عزّ من قائل ، والمعنى في الجميع واحد ،

__________________

(١) يعني من باب ما ظاهره إضافة الصفة إلى الموصوف ،

(٢) الآية ٢٣ من سورة الشعراء ،

(٣) الآية ٣٥ من سورة آل عمران ،

(٤) تقدم شرح هذه الأمثلة في باب الإضافة ، في هذا الجزء ؛ وسيشرح بعضها هنا ؛

(٥) انظر إضافة اسم التفضيل في هذا الجزء ، ص ٢٤٨.

٢٩٣

أي : هو الممدوح والمتعجب منه خاصة من جملة هذا الجنس ، إذا فصّلوا وقسّموا هذا التقسيم ؛

وقولهم : همّك من رجل ، مصدر بمعنى المفعول ، أي : مهمومك أي مقصودك ، أو ، من همّه أي أذابه أي يذيبك وصف محاسنه ، كقولهم : هدّك من رجل ، أي يثقل عليك عدّ مناقبه ، من هدّته المصيبة ، أي : أوهنته وكسرته ؛

ومن المقيس ، أيضا أن تكرر الموصوف وتضيفه إلى نحو : صدق ، وسوء نحو : عندي رجل ، رجل صدق ، وحمار ، حمار سوء ؛ والمراد بالصدق في مثل هذا المقام : الجودة ، لا الصدق في الحديث ، وذلك لأن الصدق في الحديث مستحسن جيّد عندهم ، حتى صاروا يستعملونه في مطلق الجودة ، فيقال ثوب صدق ، وخل صادق الحموضة ؛ كما أن الكذب مستهجن عندهم ، بحيث إذا قصدوا الإغراء بشيء ، قالوا : كذب عليك ، قال عمرو بن معد يكرب ، لمن شكا إليه المغص : كذب عليك العسل ، أي العسلان (١) ، بمعنى : عليك به ، والزمه ، ويجوز أن يريد بالعسل : العسل المعروف ؛ وقال :

٣٢٣ ـ وذبيانية أوصت بنيها

بأن كذب القراطف والقروف (٢)

أي عليكم بهما ؛

والإضافة في نحو : رجل صدق ، و (دَائِرَةُ السَّوْءِ) (٣) ، للملابسة ، وهم ، كثيرا ما يضيفون الموصوف إلى مصدر الصفة ، نحو : خبر السوء ، أي الخبر السيئ ، فمعنى رجل صدق : رجل صادق أي جيّد ، فكأنك قلت : عندي رجل ، رجل صادق ،

__________________

(١) نوع من المشي ،

(٢) قائله معمر البارقي ، من بارقة إحدى قبائل اليمن وسيوضح الشارح معنى الإغراء بقولهم كذب عليك في باب أسماء الأفعال ، والقراطف جمع قرطف على وزن جعفر وهو الكساء المخمل ، والقروف جمع قرف بفتح القاف وسكون الراء : وعاء يتخذ لوضع نوع من الأطعمة ، والمعنى أنها تحثهم على أن يحرصوا في غاراتهم ومعاركهم التي يخوضونها على كسب هذه الأشياء ،

(٣) جزء من الآية ٦ سورة الفتح ،

٢٩٤

فلما كان المراد من ذكر رجل الثاني ، صفته ، صار رجل ، مع صفته صفة للأول ، كما مرّ في باب «لا» التبرئة في نحو : لا ماء ماء باردا ، ويجوز أن يكون الثاني بدلا من الأول ، كما قيل في قوله تعالى : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ)(١) ، إلّا أن وجوب تطابقهما تعريفا وتنكيرا يرجح كونه صفة ؛

ومن القياسيّ : الوصف بالمقادير ، نحو عند رجال ثلاثة ، قال عليه الصلاة والسّلام : «الناس كإبل مائة ، لا تجد فيها راحلة واحدة» ،

وتقول : عندي برّ قفيزان ، وكذا الوصف بالذراع والشبر والباع ، وغير ذلك من المقادير الدالة على الطول والقصر والقلة والكثرة ونحو ذلك ؛

والسماعيّ (٢) على ضربين : إمّا شائع كثير ، وهو الوصف بالمصدر ، والأغلب أن يكون بمعنى الفاعل نحو : رجل صوم ، وعدل ؛ وقد يكون بمعنى المفعول ، نحو : رجل رضى أي مرضيّ ؛ قال بعضهم هو على حذف المضاف ، أي : ذو صوم ، وذو رضى ؛ والأولى أن يقال : أطلق اسم الحدث على الفاعل والمفعول مبالغة ، كأنهما من كثرة الفعل ، تجسّما منه ؛

وإمّا غير شائع ، وهو ضروب :

أحدها : جنس مشهور بمعنى من المعاني يوصف به جنس آخر ، كقولك : برجل أسد ، قال المبرد : هو بتقدير «مثل» أي مثل أسد ، ويقوّي تأويله قولهم : مررت برجل أسد شدّة ، أي يشابه الأسد شدّة ، فانتصاب «شدة» على التمييز عن نسبة «مثل» إلى ضمير المذكور ، كما في قولك : الكوز ممتلئ ماء ، على ما ذكرنا في الحال في قولهم : هو زهير شعرا ؛ (٣)

__________________

(١) من الآيتين ١٥ ، ١٦ سورة العلق ،

(٢) النوع الثاني مما أشار إليه في قوله : وبقي من الجوامد الواقعة صفة ... وهي على ضربين قياسي وسماعي ،

(٣) انظر في هذا الجزء ، ص ٣٨.

٢٩٥

وقد يقال : برجل الأسد شدة ، وهو بدل عند سيبويه ، ويجوز ، عند الخليل. أن يكون صفة بتأويل : مثل الأسد ، كما ذكرنا في قولهم : له صوت صوت حمار (١) ؛

ويقولون : مررت برجل نار حمرة ، أي مثل نار حمرة ؛ ويجوز أن يكون : أسد شدة ، ونار حمرة ، بمعنى كامل شدة ، وكامل حمرة ، فلا يكون بتقدير المضاف ، بل يكون كقولهم : أنت الرجل علما ، كما ذكرنا في باب الحال (٢) ؛

والمنصوب في هذا الوجه أيضا ، تمييز عن نسبة «الكامل» إلى ضمير المذكور ؛

وقال غير المبرد : بل بتأويل الجوهر (٣) في مثل هذا ، بما يليق به من الأوصاف فمعنى : برجل أسد ، أي جريء ، وبرجل حمار ، أي بليد ، ولا معنى للتمييز في نحو : برجل أسد شدة على هذا التأويل ، قال الشاعر :

٣٢٤ ـ وليل يقول الناس من ظلماته

سواء صحيحات العيون وعورها (٤)

كأن لنا منه بيوتا حصينة

مسوحا أعاليها وساجا ستورها

أي : سودا أعاليها ، وكثيفا ستورها ؛

وثانيها (٥) : جنس يوصف به ذلك الجنس ، فيكرر اللفظ ، بمعنى الكامل ، نحو : مررت برجل رجل ، أي كامل في الرجولية ، ورأيت أسدا أسدا ، أي : كاملا ،

وثالثها : جنس مصنوع منه الشيء ، يوصف به ذلك الشيء ، نحو : هذا خاتم

__________________

(١) باب المفعول المطلق ج ١ ص ٢١٩

(٢) انظر في هذا الجزء ، ص ٣٧.

(٣) أي اسم الذات الذي وقع نعتا ،

(٤) هذا من شعر مضرس بن ربعي الأسدي كما قال البغدادي ، وقال إن هذا من أحسن ما وصف به الليل وسواده ، والمسوح جمع مسح بكسر الميم وهو كيس سميك النسج يوضع فيه الحبّ ، وهو غالبا ينسج من الشعر الأسود ، والساج نوع من الشجر يتخذ منه الخشب وهو أسود أيضا ، وهذا مما يبرر قول البغدادي إنهما من أحسن وأقوى ما وصفت به ظلمة الليل ؛

(٥) أي الضرب الثاني من ضروب غير الشائع ،

٢٩٦

حديد ، قال سيبويه (١) : يستكره نحو : خاتم طين ، وصفّة خزّ ، وخاتم حديد ، وباب ساج في الشعر أيضا ، قال السيرافي : إذا قلت : مررت بسرج خزّ صفّته ، وبصحيفة طين خاتمها ، وبرجل فضة حلية سيفه ، وبدار ساج بابها ، وأردت حقيقة هذه الأشياء ، لم يجز فيها غير الرفع ، فيكون كقولك مررت بدابة : أسد أبوها ، وأنت تريد بالأسد : السبع بعينه ، لأن هذه جواهر ، فلا يجوز ان ينعت بها ؛ وأن أردت المماثلة والحمل على المعنى جاز ؛ هذا كلامه ؛ (٢) قلت ، وما ذكره خلاف الظاهر ، لأن معنى : فضة حلية سيفه : أنها فضة حقيقة ، وكذا في : طين خاتمها ، لكنه جوّز على قبح ، الوصف بالجواهر ، على المعنى ، بتأويل معمول من طين ، ومعمول من فضة ؛

وقريب منه قولهم : مررت بقاع عرفج كله ، أي : كائن من عرفج ؛ ومررت بقوم عرب أجمعون ، أي : كائنين عربا ، أجمعون ؛

وإن أريد التشابه ، كان معنى ، بسرج خزّ صفّته ، أي بسرج ليّن صفته كالخز ، وليس بخز ؛ وكذا : فضة حلية سيفه ، أي مشرقة وإن لم تكن فضة ؛ وأمّا : طين خاتمها فالتشبيه فيه بعيد ؛

ومن غير الشائع قولهم : مررت برجل أبي عشرة ، وأخ لك وأب لك ؛

وصف النكرة

بالجملة

[قال ابن الحاجب :]

«وتوصف النكرة بالجملة الخبرية ، ويلزم الضمير» ؛

__________________

(١) قلنا في أول هذا الباب أن حديث سيبويه عن التوابع وأولها النعت : في الجزء الأول ص ٢٠٩ وما بعدها فلا حاجة بنا إلى تحديد كل موضع يرد ،

(٢) أي كلام السيرافي وعقب عليه بقوله : قلت.

٢٩٧

[قال الرضى :]

اعلم أن الجملة ليست نكرة ولا معرفة ، لأن التعريف والتنكير من عوارض الذات إذ التعريف : جعل الذات مشارا بها إلى خارج ، إشارة وضعية ، والتنكير : ألّا يشار بها إلى خارج في الوضع ، كما يجيء في باب المعرفة والنكرة ، وإذا لم تكن الجملة ذاتا ، فكيف يعرض لها التعريف والتنكير ؛ فيخصص قولهم : النعت يوافق المنعوت في التعريف والتنكير بالنعت المفرد.

فإن قيل : فإذا لم تكن الجملة لا معرفة ولا نكرة ، فلم جاز نعت النكرة بها دون المعرفة؟

قلت : لمناسبتها للنكرة ، من حيث يصح تأويلها بالنكرة ، كما تقول في ، قام رجل ذهب أبوه ، أو : أبوه ذاهب : قام رجل ذاهب أبوه ، وكذا تقول في ، مررت برجل أبوه زيد : إنه بمعنى : كائن أبوه زيدا ؛

وكل جملة يصح وقوع المفرد مقامها (١) ، فلتلك الجملة موضع من الإعراب ، كخبر المبتدأ ، والحال ، والصفة ، والمضاف إليه ؛

ولا نقول إن الأصل في هذه المواضع هو المفرد ، كما يقول بعضهم ، وان الجملة إنما كان لها محل لكونها فرع المفرد ، لأن ذلك دعوى بلا برهان ، بل يكفي في كون الجملة ذات محل : وقوعها موقعا يصح وقوع المفرد هناك (٢) ، كما في المواضع المذكورة ؛

وقال بعضهم : الجملة نكرة ، لأنها حكم ؛ والأحكام نكرات ؛ إشارة (٣) إلى أن الحكم

__________________

(١) مقامها ، أي موقعها ، وهو تعبير منظور فيه إلى المعنى ، أي يصح وقوع المفرد موقعها ، أو : يصح قيام المفرد مقامها ، ويكثر مثله في كلام الرضي ،

(٣) هناك إشارة إلى «موقعا» أي يصح وقوع المفرد فيه ،

(٤) يعني أن هذا البعض اعتمد في حكم على الجملة بأنها نكرة بأن الأصل في الحكم أن يكون مجهولا .. الخ

٢٩٨

بشيء على شيء ، يجب أن يكون مجهولا عند المخاطب إذ لو كان معلوما ، لوقع الكلام لغوا ، نحو : السماء فوقنا ، والأرض تحتنا ؛

وليس بشيء ، لأن معنى التنكير ، ليس كون الشيء مجهولا (١) ، بل معناه في اصطلاحهم : ما ذكرت الآن (٢) ، أعني كون الذات غير مشار بها إلى خارج إشارة وضعيّة ؛ ولو سلّمنا أيضا ، أن كون الشيء مجهولا ، وكونه نكرة بمعنى واحد ، قلنا : إن ذلك المجهول المنكّر ، ليس نفس الخبر ، والصفة ، حتى يجب كونهما نكرتين ، بل : المجهول انتساب ما تضمنه الخبر والصفة مضافا إلى المحكوم عليه ، كعلم زيد ، في جاءني زيد العالم ، و: زيد هو العالم ؛ وكذا زيديّة (٣) المتكلم هي المجهولة في : أنا زيد ؛ فلا يلزم من تنكير المضمون : تنكير المتضمّن الذي هو نفس الخبر والصفة ، ولو لزم ذلك ، لزم تنكير كل خبر وكل نعت ، لأنهما حكمان ، فكان يلزم بطلان نحو : جاءني زيد العالم ، و: أنا زيد ، وجواز هذا مقطوع به ؛

وإنما وجب في الجملة التي هي صفة ، أو صلة ، كونها خبرية ، لأنك إنما تجيء بالصفة والصلة ، لتعرّف المخاطب بالموصوف والموصول المبهمين ، بما كان المخاطب يعرفه قبل ذكرك الموصوف والموصول ، من اتصافهما بمضمون الصفة والصلة ، فلا يجوز ، إذن ، إلّا أن تكون الصفة والصلة جملتين متضمنتين للحكم المعلوم عند المخاطب حصوله قبل ذكر تلك الجملة ، وهذه هي الخبرية ، لأن غير الخبريّة إمّا إنشائية نحو : بعت ، وطلّقت ، وأنت حرّ ، ونحوها ، وإمّا طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض ، ولا يعرف المخاطب حصول مضمونهما إلا بعد ذكرهما (٤) ؛

ولمّا لم يكن خبر المبتدأ معرّفا للمبتدأ ، ولا مخصّصا له ، جاز كونه إنشائية ، كما مرّ في بابه ؛

__________________

(١) عبارة قلقة ، وحقها أن تكون : لأنه ليس معنى التنكير كون الشيء مجهولا.

(٢) هو ما ذكره في مقدمة الفصل ،

(٣) أي كون المتكلم مسمّى بزيد

(٤) التثنية راجعة إلى النوعين اللذين ذكرهما وهما : الإنشائية ، والطلبية ،

٢٩٩

ويتبّن بهذا وجوب كون الجملة ، إذا كانت صفة أو صلة ، معلومة المضمون للمخاطب قبل ذكر الموصوف والموصول ؛

وقد يوصف بالجملة ، معرّف بلام ، لا تشير بها إلى واحد بعينه ، كقوله :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني (١) ـ ٥٦

لأن تعريفه لفظيّ ، على ما يجيء في باب المعارف ؛ ولا تقدر على إدخال الألف واللام (٢) في الوصف ليطابق الموصوف لفظا في التعريف ؛

وهذا كما قال الخليل في النعت المفرد في نحو : ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك ، وما يحسن بالرجل خير منك أن يفعل ذلك : ان «مثلك» وخير منك ، نعتان ، على نية الألف واللام ؛

وإنما جرّأهم على ذلك اجتماع شيئين ، كون التعريف في الموصوف لفظيا لا معنى تحته ، فلا يجوز في العلم : ما يحسن بعبد الله مثلك ؛ وكون الوصف مما يمتنع جعله مطابقا للموصوف بإدخال اللام عليه ، فلا يجوز : ما يحسن بالرجل شبيه بك ، لأن تقدر على ادخال الألف واللام نحو : بالرجل الشبيه بك ؛

ولا يكون ذلك (٣) في كل جملة ، بل في الجملة المصدرة بالمضارع ، فلا تقول : .. بالرجل قال ، ولا بالرجل أبوه قائم ، وذلك لأن اللام في الوصف مقدرة ليطابق الموصوف تقديرا ، وإنما تقدر اللام في الاسم ، أو في المضارع للاسم ، نحو : يقول ، ويفوه ، ونحوه ؛

وقال ابن مالك : خير منك ، ومثلك ، بدل لا صفة ؛

__________________

(١) تكرر ذكر هذا الشاهد من قبل ، ولا يخرج الاستشهاد به في كل مرة عن المعنى الذي من أجله أورده هنا ؛

(٢) في هذا البحث تكرر تعبير الشارح عن أداة التعريف باللام مرة والألف واللام مرة أخرى ، وذلك مبني على الخلاف في وضعها ؛

(٣) أي وصف النكرة بالجملة ،

٣٠٠