مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

الخصوصيّات ، سوى نيّة كونه ظهرا ـ مثلا ـ ونيّة كونه أداء ، فبالواحدة المردّدة بين الثلاث يحصل الامتثال ، لكون القضاء واحدة من الصلوات.

قال في «الذخيرة» : ويشكل هذا الاحتجاج على القول بوجوب الجهر والإخفات ، كما هو المشهور (١) ، انتهى.

أقول : القدر الذي ثبت من الدليل أنّ من جهر موضع الإخفات ، أو أخفت موضع الجهر ، إن كان فعل ذلك متعمّدا فقد أضرّ بصلاته ، وإن كان فعل ناسيا ، أو لا يدري ، فلا يضرّ أصلا (٢).

فلا يثبت وجوب مراعاة الجهر والإخفات فيما نحن فيه ، لعدم صدق التعمّد ، بل هو داخل فيما لا يدري ، لأنّه نوع منه ، وليس داخلا في التعمّد المذكور جزما ، لكونه في مقابل السهو والنسيان وعدم الدراية ، والحال فيه هو الحال فيما إذا كان متعمّدا في الجهر والإخفات ، وصار المكلّف في القضاء ناسيا للجهر والإخفات ، أو غير عالم بوجوبهما متردّدا فيه ، أو بالعكس ، فتأمّل!

بل بعد ملاحظة النص والفتاوى يظهر ظهورا تامّا عدم دخوله في التعمّد المذكور ، بل ودخوله فيما يقابله.

وكذلك الحال في فتاوى الأصحاب ، إذ لم يثبت من فتاواهم وجوب مراعاة الجهر والإخفات فيما لا يمكن معرفة كونه جهريّا أو إخفاتيّا.

بل الظاهر من فتاواهم عدم لزوم مراعاة الجهر والإخفات في المقام حتّى من فتوى أبي الصلاح وابن حمزة ، لأنّهما أوجبا الخمس ، وما أوجبا الأربع ، فظهر أنّهما راعيا قصد التعيين لا الجهر والإخفات ، لأنّ الأربع ركعات الجهريّة ، والأربع

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٨٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٨٦ الباب ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

٤٤١

ركعات الاخفاتيّة تكفي لمراعاة الجهر والإخفات ، فإنّ الأربع ركعات بالقصد المردّد بين كونها ظهرا أو عصرا تكفي لمراعاة الإخفات ، كالأربع الاخرى بقصد كونها عشاء.

نعم ؛ وجوب قصد التعيين عند المكلّف اقتضى وجوب الخمس عندهما.

لكن ذلك باطل لعدم لزوم قصد التعيين بالنحو الذي توهّما ، إذ الذي ثبت بالدليل وجوب قصد التعيين بالنحو الذي يتحقّق امتثال المكلّف عرفا ، ويصدق في العرف أنّه أتى بالذي كلّف به ، كما مرّ في مبحث نيّة الوضوء ونيّة الصلاة ، ولمّا كان الفائتة في المقام واحدة على التعيين ، كان يكفي لامتثال المكلّف قصد خصوص تلك الفائتة المعيّنة المشخصة واقعا ، لصدق أنّه أتى بما طلب منه وكلّف به.

نعم ؛ لا بدّ من الإتيان بالهيئات المختلفة المحتملة لتحقّق الامتثال ، وهي ثلاث إن لم يراع الجهر والإخفات ، وأربع إن روعيا.

وحيث عرفت عدم وجوب مراعاتهما كفى الثلاث ، وربّما كان الإتيان بالأربع أحوط من جهة مراعاتهما ، والخمس أحوط من جهة الخروج من خلافهما ، فتأمّل جدّا!

ولم يتعرّض المصنّف لحكم صلاة القصر ، في أنّه هل يكفي ثنائيّة مردّدة بين أربع صلوات وثلاثيّة ، كما هو المشهور أم لا؟ بل لا بدّ من الخمس.

وابن إدريس مع اكتفائه بالثلاث في الصورة السابقة لم يكتف في المقام ، لخروجه عن المنصوص ، والمجمع عليه ، وتحريم القياس (١).

وفيه ما عرفت ، من عدم وجوب مراعاة قصد التعيين الموجب لقضاء الخمس ، ولا الجهر والإخفات الموجب لقضاء الثلاث في هذه الصورة ، وهو

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٧٥.

٤٤٢

أحوط ، والمشهور أقوى (١) ، والخمس خروج عن الخلافات ، ولا يجب ترتيب أصلا في صورة من الصور المذكورة ، وهو ظاهر.

قوله : (ولو فاته من ذلك). إلى آخره.

أي : فاته من الخمس فرائض مرّات لا يعلمها ، أعمّ من أن يكون يعلم تعيينها أو لا ، فالمشهور أنّه يقضي حتّى يغلب على ظنّه الوفاء ، لأنّ القضاء تدارك ما فات.

وورد عنهم عليهم‌السلام : «فليقض كما فاتته» ونحوه ، كما عرفت (٢).

ولا شكّ في أنّ عدد الفائتة داخل في عموم ما ذكر ، بل العمومات الواردة في الأمر بالقضاء تقتضي وجوب قضاء ما فات واقعا ، من غير علم المكلّف بعنوان التعيين والتشخيص ، بل العلم الإجمالي بفوات فرائض لا يعلم عددها على التعيين كاف لتحقّق التكليف.

ولمّا لم يمكن تحصيل العلم بالمجموع ، أو يكون حرجا وعسرا عادة ، كما هو الحال في كثير من الصور ، اكتفي بالظن دفعا للحرج وغيره ، كما هو الحال في نظائر ذلك.

ولعلّ مرادهم بما لا يعلمها هي الصورة المذكورة ، لا الصورة التي يتأتّى [فيها] العلم بسهولة من دون شائبة عسر وحرج ، مثل أنّه يعلم أنّها لا تزيد على ثلاث جزما ، أو أربع قطعا ، أو خمس كذلك مثلا ، بل عباراتهم ظاهرة فيما ذكرنا ، لو لم نقل بصراحة بعضها.

وفي «الذخيرة» عند ذكر العلّامة : أنّه يجب تكرار الفائتة التي نسي عددها

__________________

(١) في (ك) زيادة : ويؤيّده ما ذكرنا من كتاب المحاسن.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٨ الحديث ١٠٦٢١.

٤٤٣

حتّى يغلب الوفاء : قال الشارح الفاضل : هذا إذا لم يمكنه تحصيل اليقين وإلّا وجب ، كما لو علم انحصار العدد المجهول بين حاضرين ، فإنّه يجب قضاء أكثر الأعداد المحتملة ، فلو قال : أعلم أنّي تركت صبحا ـ مثلا ـ في بعض الشهر ، وصلّيتها في عشرة أيّام ، فنهاية المتروك عشرون ، فيجب قضاء عشرين (١).

ثمّ قال صاحب «الذخيرة» : ولعلّ مراده بانحصار العدد المجهول بين حاضرين انحصاره في عدد معروف عرفا ، وإلّا فكلّ فرض يوجد يكون المتروك محصورا بين حاضرين (٢) ، انتهى.

أقول : المراد من الحاضر العدد الذي يعلم عدده لغة وعرفا وعقلا وعادة ، كما يعلم أيضا اشتماله للمحصور المجهول جزما.

ومن المعلوم أنّه لا يوجد مجهول كذلك إلّا وله حاضر ممّا ذكر بالبديهة ، غاية ما في الباب أنّه ربّما لا يمكن تحصيل ذلك الحاضر ، لكونه ممّا لا يطاق فلا يجب.

فإذا كان ممّا يمكنه تحصيله وجب تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، لليقين باشتغال الذمّة ، لأنّ المكلّف عقيب كلّ فوت حصل له العلم بذلك الفوت ، فوجب عليه الإتيان بتلك الفائتة نصوصا وإجماعا ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة نصوصا وإجماعا واستصحابا ، كما هو الحال في غير المقام.

ومجرّد عروض النسيان في معرفة التفصيل لا يقتضي البراءة اليقينيّة ، ولا يرفع التكليف الذي ثبت على اليقين ، ولا يرفع وجوب الإطاعة والامتثال العرفي الثابت من الآيات والأخبار المتواترة والإجماع والعقل.

ومجرّد النسيان المذكور ليس إتيانا بالامتثال المذكور بالبديهة.

__________________

(١) روض الجنان : ٣٥٩.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٨٤.

٤٤٤

ويشير إلى ما ذكرناه أنّه رحمه‌الله قال في شرحه على «اللمعة» في المقام : ولو اشتبه الفائت في عدد منحصر عادة وجب قضاء ما تيقّن به البراءة ، كالشكّ بين عشرة وعشرين ، وفيه وجه بالبناء على الأقلّ ضعيف (١) ، انتهى ، فتدبّر!

وأمّا الاكتفاء بغلبة الظن فيما لا يمكن تحصيل اليقين ، فهو الأصل والقاعدة الشرعيّة الثابتة المقرّرة في جميع المقامات ، والبناء في الفقه على ذلك بلا شبهة ، بل هو اسّ الاجتهاد ، وأساسه عليه ، كما لا يخفى.

مع أنّه ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٢).

وعن علي عليه‌السلام : «إنّ الميسور لا يسقط بالمعسور» (٣) ، وإنّ «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٤) ، مضافا إلى الاستصحاب في الجملة ، لأنّ هذا القدر من جملة ما كان واجبا عليه لو تيسّر منه ما بقي منه إلى أن يحصل اليقين ، وعدم التمكّن منه لا يرفع وجوب هذا القدر.

وأيضا الدليل اقتضى وجوب هذا ، وأزيد منه إلى أن يحصل اليقين ، فحيث حصل المانع من الأزيد ، فلا معنى لرفع الوجوب عمّا تمكّن.

بل الظاهر من العرف وغيره أنّ وجوبه حينئذ آكد ، ولزوم فعله حينئذ أشدّ.

والحاصل ؛ أنّ وجوب الإتيان بجميع ما هو محصّل لمطلوب الشارع الثابت من الأدلّة المعروفة المقرّرة ، لا يرتفع بمجرّد عدم التمكّن من بعض ذلك.

وأيضا رفع اليد عن القدر المظنون ترجيح للمرجوح على الراجح بالبديهة ، وهو غير جائز عقلا ، فلا يجوز شرعا أيضا ، لأنّ عندنا أن الشرع والعقل

__________________

(١) الروضة البهيّة : ١ / ٣٥٥.

(٢) بحار الأنوار : ٢٢ / ٣١.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٤) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧ مع اختلاف يسير.

٤٤٥

متطابقان ، وللأخبار المتواترة في كون العقل حجّة يجب اتّباعه.

وأيضا إذا جزمنا بتكليفات كثيرة إجمالا ، وتوقّف براءة الذمّة على الإتيان بجميع المحتملات ، جزمنا بوجوب الإتيان بالجميع ، من دون فرق بين ما علم إجمالا وما علم تفصيلا.

فإذا تعذّر بعض هذه التكاليف ، لا جرم نحن مكلّفون بما لم يتعذّر عرفا ، لأنّ المولى إذا قال مثل ذلك لعبده يصير مكلّفا عرفا ، ويعدّون تارك امتثاله عاصيا ، فتأمّل جدّا! وبالجملة ؛ تمام التحقيق ليس المقام مقامه.

قال في «الذخيرة» ـ بعد ما نقلنا عنه ـ : واعلم! أنّ الحكم المذكور من وجوب القضاء حتّى يحصل الظن ، والاكتفاء به مشهور في كلام الأصحاب ، ولم يرد به نص ، كما اعترف به بعض الأصحاب (١) ، وهو الظاهر من كلامهم.

واحتمل في «التذكرة» الاكتفاء بقضاء ما يحصل اليقين بفواته (٢) ، واستوجهه بعض المتأخّرين ، والظاهر أنّ مراده صاحب «المدارك» (٣).

ثمّ قال : نظرا إلى أصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقّن الفوات ، ويؤيّده قوله في حسنة زرارة والفضيل : «متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنّك لم تصلّها صلّيتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن ، وإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» (٤).

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٠٦.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٦١ المسألة ٦٣.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٣٠٧.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٩٤ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٦ الحديث ١٠٩٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٢ الحديث ٥١٦٨ مع اختلاف يسير.

٤٤٦

ثمّ قال : وهو متّجه ، وقال : احتجّ الشيخ على اعتبار الظن بأنّ قضاء الفرائض واجب ، ولم يمكن التخلّص من ذلك إلّا بالاستكثار فيجب ذلك ، وبالأخبار الدالّة على ثبوت هذا الحكم في النوافل (١) ، فيكون في الفرائض أولى.

ثمّ قال : ويرد على الأوّل أنّ الواجب قضاء الفرائض التي تيقّن فواتها لا مطلقا ، وعلى الثاني أنّ ثبوت استحباب القضاء في النوافل لا يقتضي أولويّة ثبوت إيجاب القضاء في الفرائض ، لأنّ الحكم الاستحبابي أهون.

ولو كان مقصوده به الاستدلال على إيجاب القضاء بمقدار الظن والاكتفاء بذلك كما هو ظاهر العبارة ، يرد عليه أنّ الاكتفاء بذلك في النوافل لا يقتضي أولويّة ذلك في الفرائض ، لأنّ أمر الفريضة أشدّ (٢) ، انتهى.

أقول : قد ظهر لك ممّا قرّرنا أنّ ما ذكره العلّامة في «الإرشاد» (٣) صحيح تامّ لا غبار عليه أصلا ، لأنّ المكلّف حينما علم بالفوات صار مكلّفا بقضاء هذه الفائتة قطعا وإجماعا ، وكذلك الحال في الفائتة الثانية والثالثة وهكذا.

ومجرّد عروض النسيان بعد ذلك كيف يرفع الحكم الثابت من الإطلاقات والاستصحاب؟ بل الإجماع أيضا.

وأيّ شخص يمكنه التأمّل في أنّه إلى ما قبل صدور النسيان كان مكلّفا مخاطبا بلا شبهة ، وأنّه بمجرّد النسيان لا يرتفع التكليف الثابت إجماعا ونصوصا ، وأنّه لا بدّ من الإتيان به والخروج عن عهدته متى ما أمكنه ، وأنّه إذا لم يمكنه في صورة تحقّق التكليف بما لا يطاق يكتفي بالقدر الممكن من ذلك التكليف على

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٥٣ الحديث ١٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥٩ الحديث ١٥٧٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٨ الحديث ٧٧٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٧٥ الحديث ٤٥٥٣.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٨٤.

(٣) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٧١.

٤٤٧

حسب ما قرّر فتدبّر.

لا يقال : لعلّ إيراده على دليل الأصحاب بناء على إنكاره حجيّة الاستصحاب.

قلت : يتمسّك موضع الاستصحاب بالإطلاقات في موضع تحقّقها ، ومع ذلك مسلّم عنده أيضا اشتغال الذمّة اليقيني بأمر واقعي يستدعي البراءة اليقينيّة مهما أمكن ، وإن وقع الإجمال وتعدّد الاحتمال في ذلك الواقعي ، لوجوب الامتثال العرفي ، فإنّ المكلّف به الواقعي اليقيني بمجرّد وقوع الاحتمال لا يخرج عن كونه مكلّفا به عقلا وعرفا وشرعا ، بعد إمكان الخروج عن عهدته بارتكاب الاحتمالات المحصّل لليقين بالبراءة والخروج عن العهدة ، كما هو الحال في المسألة السابقة وغيرها ، لأنّ المقتضي موجود والمانع مفقود ، والأصل إنّما يكون حجّة في الموضع الذي لا يكون دليل على التكليف ولا مقتض للخروج عن عهدته ، كما حقّق في محلّه.

نعم ؛ في الصورة التي يحصل للمكلّف دفعة علم إجمالي باشتغال ذمّته بفوائت متعدّدة يعلم قطعا تعدّدها لكن لا يعلم مقدارها ، فإنّه حينئذ يمكن أن يقال : لا نسلّم تحقّق العلم بأزيد من القدر الذي تيقّنه ، إن كان مرّتين فذاك ، وإن كان ثلاثا فذاك ، وهكذا.

وهذا هو الذي ذكره في «شرح اللمعة» بقوله : وفيه وجه بالبناء على الأقلّ (١) واستضعفه.

ووجه استضعافه كونه خلاف فتوى الأصحاب والمشهور منهم.

ووجه فتواهم ما عرفته من الاستصحاب والامتثال العرفي وغيرهما من أنّ

__________________

(١) الروضة البهيّة : ١ / ٣٥٥.

٤٤٨

شغل الذمّة إذا وقع بالواقعي المجمل علينا لا بدّ من الإتيان بذلك المجمل المكلّف به مهما أمكن ، وعدم جريان الأصل فيه.

ألا ترى أنّ أهل العرف إذا جزم واحد منهم باشتغال ذمّته أو ذمّة والده المتوفّى بحقّ زيد ، مثل دنانير متعدّدة يجزم بتعدّدها ولا يعلم مقدارها ، لا يتمسّك بالأصل لتعيّنه ، بأن يقول : الأصل عدم كونها أزيد من اثنين أو ثلاث فتعيّن كون المتعدّد المذكور خصوص اثنين أو ثلاث ، بل يوجبون تحصيل البراءة بالصلح وغيره.

على أنّه عرفت أنّ كلامهم مفروض في صورة عدم إمكان تحصيل اليقين بالبراءة عادة ، لغاية كثرة الاحتمالات الناشئة عن كثرة عدد الفائتة التي يعلم فوتها ، لأنّ المكلّف يعلم الكثرة البتّة ، لكن لا يتعيّن عنده عددها.

وكلام الشيخ أيضا صريح في ذلك ، حيث قال : ولم يمكنه التخلّص من ذلك إلّا بالاستكثار فيجب ذلك (١) ، فلا يشمل مثل ما ذكرناه من أنّه يعلم أنّها لا تزيد على ثلاث أو أربع أو خمس جزما ، فإنّ التخلّص فيه بعنوان اليقين ممكن ، بل ميسّر غاية السهولة.

فلا وجه لحصره في المظنّة ، بل لا وجه للاكتفاء بالظنّ حينئذ ، فضلا عن الحصر فيه.

بل ربّما لا يتحقّق فيه المظنّة ، بل ينحصر الاحتمال فيه في الشكّ واليقين ، كما هو الحال فيما نعلم أنّها لا تزيد على ثلاث ونحوه ، وأين هذا من الحصر في الظن؟

فإذا ظهر أنّ كلامهم فيما يجزم بكثرة تعدّد الفائتة كثيرة لا يمكن التخلّص عادة إلّا بالظن ، فمعلوم أنّ مثل ذلك لا يمكن حصول العلم عادة بعدد معيّن

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٧ ذيل الحديث ٧٧٧ نقل بالمعنى.

٤٤٩

مشخّص لا يقبل الزيادة والنقيصة أصلا ورأسا ، حتّى يقال : إنّ ذلك معلوم وما زاد عنه مشكوك فيه فينتفي بالأصل ، مثلا إذا جزمنا بأنّ في البيت جماعة كثيرة غاية الكثرة لا يعرف عددهم على التعيين ، هل يمكن أن يعلم أنّ القدر اليقيني منهم والعدد القطعي ـ بحيث لا يزيد ولا ينقص ـ ثلاث مائة أو ثلاث مائة وواحدة وأمثال ذلك؟

وإذا لم يمكن العلم به فكيف يعيّن قدرا خاصّا منه بأنّه اليقيني لا غير ، والغير منفيّ بالأصل؟ إذ من البديهيّات استحالة الترجيح من غير مرجّح ، بل والترجيح كذلك فتدبّر.

والحاصل ؛ أنّ المكلّف إذا حصل له القطع باشتغال ذمّته بمتعدّد ، والتبس ذلك المتعدّد عليه كمّا ، وأمكنه الخروج عن عهدته ، فالأمر كما أفتى به الأصحاب ، وإن لم يحصل ذلك بأن يكون ما علم به خصوص اثنين أو ثلاث مثلا ، وأمّا أزيد من ذلك فلا ، بل احتمال احتمله ، وأمره وحاله على حدة ، فالأمر كما ذكره في «الذخيرة» (١).

ومن هذا لو لم يعلم بتعدّد أصلا في فائتة ، بأن علم أنّ صلاة صبح يومه فاتت ، وأمّا غيرها فلا يعلم ولا يظن فوته أصلا ، فليس عليه إلّا الفريضة الواحدة ، وإن احتمل فوت ذلك الغير وشكّ فيه ، لكونه شكّا في فعل الفريضة بعد خروج وقتها ، والمنصوص أنّه ليس عليه قضاؤها ، بل لعلّه المفتى به أيضا.

والنص هو حسنة زرارة والفضيل السابقة (٢) ، ولا خفاء في كونها معمولا بها عند الكليني ، بل الشيخ أيضا.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٨٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٢ الحديث ٥١٦٨.

٤٥٠

وأمّا ما اعترض على الشيخ بأنّ ثبوت استحباب (١). إلى آخره ، فيمكن أن يقال : إنّه بملاحظة الأخبار تظهر الأولويّة المذكورة.

مثل صحيحة ابن مسلم المرويّة في «الكافي» ، و «الفقيه» ، و «التهذيب» عن الباقر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل مرض فترك النافلة ، قال : «يا محمّد ليست بفريضة ، إن قضاها فهو خير يفعله ، وإن لم يفعل فلا شي‌ء عليه» (٢).

وما ورد في الأخبار من مباهاة الربّ تعالى ملائكته بالعبد الذي يقضي النافلة بقوله تعالى : «انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه» (٣) ، وأمثاله إلى غير ذلك (٤) ، مثل قولهم عليهم‌السلام في المسافر : «لو صلحت النافلة [في السفر] لتمّت الفريضة» (٥). وما رواه في «التهذيب» في الصحيح عن سعد بن أبي عمرو الجلّاب قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ركعتا الفجر تفوتني أفأصلّيها؟ قال : «نعم» ، قلت : لم ، أفريضة؟ قال : فقال : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّها ، فما سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو فرض» (٦).

وفي «الكافي» في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «إنّما تقبل النافلة بعد قبول الفريضة ، وإذا لم يؤدّ الرجل الفريضة لم تقبل منه [النافلة] فإنّما جعلت النافلة

__________________

(١) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٣٨٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١٢ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣١٦ الحديث ١٤٣٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٩٤٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٧٩ الحديث ٤٥٦٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٧٧ الحديث ٤٥٥٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٧٧ الحديث ٤٥٥٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨٥ الحديث ١٢٩٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦ الحديث ٤٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٨٢ الحديث ٤٥٦٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٢ الحديث ٩٦٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٠٤ الحديث ٤٦٣٤.

٤٥١

ليتمّ بها ما أفسده من الفريضة» (١). إلى غير ذلك من الأخبار التي تظهر دلالتها على ما ذكرناه بالتأمّل ، ويؤيّده الاعتبار.

ثمّ اعلم! أنّه إن شكّ في فعل الفريضة قبل خروج وقتها وجب الإتيان بها ، لاقتضاء شغل الذمّة ذلك ، ولحسنة زرارة والفضيل السابقة (٢) ، إلّا أن يكون كثير الشكّ على حسب ما مرّ في موضعه (٣) ، وكذا إن حصل الظن بالعدم ، بل بطريق أولى.

وأمّا إن حصل الظنّ بالفعل ، فهل يجب الفعل تحصيلا للبراءة اليقينيّة إلّا أن يكون كثير الظنّ ، أم لا بل يكفي الظنّ له مطلقا ، لما مرّ في حسنة زرارة والفضيل (٤) ، ولأنّ الصلاة ليست إلّا الركعات المعلومة والأجزاء المجتمعة المعروفة؟!

وقد عرفت في مبحثها أنّ الظن كاف في الامتثال والبناء على تحقّقها (٥).

ويؤيّده ما اشتهر من أنّ المرء متعبّد بظنّه (٦) ، وظهور كون الغالب كذلك ، ولعلّه كذلك عند الفقهاء ، فتأمّل!

وعلى هذا لو وقع ذلك خارج الوقت فالاكتفاء به يكون بطريق أولى ، سيّما على رأي المشهور من كون القضاء بفرض جديد ، وظهر أنّه الأظهر ، والأصل براءة الذمّة حتّى يتحقّق العلم بالتكليف.

ودخوله في عموم قولهم عليهم‌السلام : «من فاتته فريضة» ونحوه (٧) ، محلّ تأمّل.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٦٩ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣١ الحديث ٤٤٣٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٢ الحديث ٥١٦٨.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٧٥ ـ ٢٧٧ من هذا الكتاب.

(٤) راجع! الصفحة : ٤٤٦ من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٣٤٤ من هذا الكتاب.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ١٠٠ ، ذخيرة المعاد : ٢٠٩ ، الحدائق الناضرة : ٦ / ٢٩٢.

(٧) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٨ الحديث ١٠٦٢١.

٤٥٢

مع أنّه ربّما يكون عدم الاكتفاء به حينئذ موجبا للعسر والحرج.

وقوله في الحسنة المذكورة : «فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن».

وكذا قوله عليه‌السلام : «فإن استيقنت» (١). إلى آخره في غاية الظهور في ذلك.

ولعلّ الإعادة أحوط ، لو لم توجب العسر والحرج ، سيّما في الصورة الاولى ، وهي ما لو وقع قبل خروج الوقت ، لو لم نقل بالإشكال في تركها حينئذ ، والله يعلم.

وممّا ذكر ظهر حال ما لو ظنّ بالترك بعد خروج الوقت ، فإنّ الاحتياط حينئذ أشدّ وآكد بمراتب ، لو لم نقل بالإشكال في تركه حينئذ ، لأنّ الظنّ المذكور يقتضي الظن في الدخول في عموم قولهم عليهم‌السلام : «من فاتته». إلى آخره ونحوه ، فربّما يصير الظاهر شموله له ، فيشكل حينئذ مقاومة ظاهر الحسنة له ، وترجيحه عليه ، سيّما بملاحظة المؤيّدين المذكورين ، فتأمّل جدّا!

واعلم! أيضا أنّ الشكّ في عدد الفريضة الفائتة الذي علم كثرته ، وعلم شخصها بعينه ، إذا اقتضى العلم بالبراءة الإتيان بجميع الاحتمالات ، ومع العجز عنه فالاكتفاء بالظنّ على حسب ما عرفت اقتضى أيضا العلم بالبراءة بالإتيان بجميع الاحتمالات إذا لم يعلم شخصها بعينه ، واحتمل كونها ثنائيّة وثلاثيّة ورباعيّة ، فإنّ المكلّف حينئذ يأتي مكان كلّ شخص غير معلوم العدد بثلاث صلوات ، أي ثنائيّة وثلاثيّة ورباعيّة إلى أن يتحقّق امتثاله.

هذا على المشهور ، وأمّا على رأي من قال بوجوب الإتيان بمجموع الصلوات الخمس المعروفة لتأتّي ذلك الشخص الواحد الذي لم يعلم أنّه أيّ صلاة من الخمس ، فالمكلّف في المقام يأتي مكان كلّ شخص غير معلوم العدد بخمس

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٩٤ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٦ الحديث ١٠٩٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٢ الحديث ٥١٦٨.

٤٥٣

صلوات ، أي الفرائض الخمس المعروفة ، ووجهه واضح.

قوله : (واحتمل في «التذكرة»). إلى آخره.

أقول : قال فيه : لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة العدد صلّى من تلك الصلوات إلى أن يتغلّب في ظنّه الوفاء ، لاشتغال الذمّة بالفائت ، فلا تحصل البراءة قطعا إلّا بذلك (١).

وهذا الكلام منه صريح في دعواه القطع بعدم حصول البراءة إلّا بذلك الذي ذكره.

فهو مثل كلام الشيخ (٢) ، بل وأصرح منه من جهة دعواه القطع بانحصار حصول البراءة فيما ذكره.

لكن قال بعد ذلك بلا فصل : ولو كانت واحدة ولا يعرف العدد ، صلّى تلك الصلاة مكرّرا لها حتّى يظن الوفاء.

ثمّ قال بلا فصل : ويحتمل هنا أمران : إلزامه بقضاء المشكوك فيه ، فإذا قال : أعلم أنّي تركت ظهرا في بعض أيّام شهر وصلّيتها في البعض الآخر ، قيل له : كم المعلوم من صلاتك؟ فإذا قال : عشرة أيّام ، كلّف بقضاء ظهر عشرين ، لعلمنا باشتغال ذمّته بالفرض ، فلا يسقط إلّا بيقين.

وإلزامه بقضاء المعلوم تركه ، فيقال : كم المعلوم من ترك الصلاة؟ فإذا قال : عشرة أيّام ، وشكّ في الزائد ، كلّف قضاء العشرة خاصّة ، لأنّ الظاهر أنّ المسلم لا يفوّت الصلاة ، والأوّل أحوط ، وكلا الوجهين للشافعيّة (٣) ، انتهى كلامه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٦١ المسألة ٦٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٨ ذيل الحديث ٧٧٧.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٦١ المسألة ٦٣.

٤٥٤

فكلامه هذا ينادي بأعلى صوته بأنّ احتماله الاكتفاء بقضاء ما تيقّن فواته خاصّة ليس في الصورة التي أفتى المشهور بأنّه يقضي حتّى يغلب على ظنّه الوفاء ، لأنّه رحمه‌الله أيضا ادّعى القطع بانحصار حصول البراءة فيما أفتى به هو والشيخ وغيرهما من فقهائنا بأنّه يصلّي إلى أن يغلب في ظنّه الوفاء.

وظهر لك أيضا حال كلام الشيخ ، وباقي الفقهاء وافقوهما فيما ذكرا.

بل صريح كلامه رحمه‌الله في «التذكرة» أنّ الاحتمال المذكور في الصورة التي يتيسّر حصول الحاضر اليقيني ، كما يتيسّر حصول العلم بالأقلّ الذي هو القدر اليقيني لا أزيد منه ، فجعل الاحتمال المذكور في خصوص هذه الصورة وفي مقابل تحصيل الحاضر اليقيني الذي هو سهل ، وهو قضاء عشرين.

كما أنّ الاحتمال المذكور لم يكن إلّا قضاء العشرة خاصّة في المثال الذي ذكره فلا تغفل!

وينادي بما ذكرنا عبارة «الذكرى» حيث قال في المقام : لو فاته ما لم يحصه قضى حتّى يغلب على الظن الوفاء ، تحصيلا للبراءة ، فعلى هذا لو شكّ بين عشر صلوات وعشرين قضى العشرين ، إذ لا يحصل البراءة المقطوعة إلّا به مع إمكانها ، وللفاضل وجه بالبناء على الأقلّ ، لأنّه المتيقّن ، ولأنّ الظاهر أنّ المسلم لا يترك الصلاة (١) ، انتهى.

إذ صريحه في أنّ غلبة الظنّ إنّما تعتبر في الصورة التي تكون الفائتة قدرا لا يحصيها ، ولا يمكن تحصيل البراءة المقطوعة حينئذ ، وإلّا كان تحصيلها واجبا ، كما في الشكّ بين العشر والعشرين.

فكما أنّها من جهة عدم الإحصاء لا يمكن تحصيل القطع بالبراءة ، كذا لا

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٤٣٧.

٤٥٥

يمكن البناء على أقلّ يقينيّ بخصوصه وهو العشرة ، كما مثّل الفاضل به.

والاحتياط بإتيان الأكثر وهو العشرين ، كما قال الفاضل ، لأنّ ما لا يحصى غير ما يحصى ، ويتعيّن بأن يكون عشرا مثلا وعشرين.

وقد عرفت الوجه في الحاشية السابقة (١).

وفي قوله رحمه‌الله : فعلى هذا (٢). إلى آخره ، تنبيه على أنّ ما أفتى به الأصحاب هو الصورة المشكلة التي يظهر منها حال غير المشكلات ، ولذا لم يتعرّضوا لها صريحا ، فتدبّر!

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٤٥ ـ ٤٥٠ من هذا الكتاب.

(٢) مرّ آنفا.

٤٥٦

٢١٤ ـ مفتاح

[منع التنفّل لمن عليه فريضة]

منع أكثر المتأخّرين من التنفّل لمن عليه فريضة ، لظاهر الصحاح ، منها : «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (١).

خلافا للصدوق (٢) والإسكافي (٣) والشهيد (٤) فجوّزوه على كراهة ، وهو الأصحّ ، جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز من الصحاح وهي مستفيضة (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٦ الحديث ١٠٥٧٦.

(٢) المقنع : ١٠٨.

(٣) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٢٠٤.

(٤) اللمعة الدمشقيّة : ٣٨ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٠٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٣ الباب ٦١ من أبواب المواقيت.

٤٥٧
٤٥٨

قوله : (لمن عليه فريضة). إلى آخره.

أقول : هذا أعم من أنّ عليه الفريضة الحاضرة أو الفائتة ، والمشهور فيهما المنع ، إلّا في النوافل الراتبة في أوقات الحاضرة المعروفة ، على حسب ما مرّ في محلّه ، والكلام في المنع في وقت الحاضرة مرّ في محلّه مستوفى (١).

وأمّا المنع في وقت الفائتة فالصدوق وابن الجنيد والشهيدان على الجواز (٢).

واختاره في «الذخيرة» (٣) محتجّا بصحيحة ابن سنان السابقة المتضمّنة لفوات صلاة الفجر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه بسبب غلبة النوم (٤) ، وظهر عليك حالها ، وحال الاستدلال بها (٥).

واحتجّ أيضا بصحيحة الأعرج السابقة (٦) المتضمّنة للحكاية المذكورة ، وعرفت حالها أيضا (٧).

واحتجّ أيضا بصحيحة زرارة (٨) السابقة ، المتضمّنة للحكاية المذكورة واعتراض الحكم بن عتيبة وأصحابه على زرارة بالتناقض بين حديثه ، وجواب

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٥٣٣ ـ ٥٣٥ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.

(٢) المقنع : ١٠٨ ، نقل عن ابن الجنيد في ذخيرة المعاد : ٢٠٤ ، اللمعة الدمشقيّة : ٣٨ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٦٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٠٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٥ الحديث ١٠٥٨ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٦ الحديث ١٠٤٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٣ الحديث ٥١٧٠.

(٥) راجع! الصفحة : ٣٩٩ من هذا الكتاب.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٦ الحديث ١٠٥٧٥.

(٧) راجع! الصفحة : ٤٠٢ و ٤٠٣ من هذا الكتاب.

(٨) ذكرى الشيعة : ٢ / ٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٥ الحديث ٥١٧٥.

٤٥٩

ذلك التناقض عن الباقر عليه‌السلام ، وعرفت حالها أيضا (١).

واحتجّ أيضا بصحيحة الحسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس ، فقال : «يصلّي الركعتين ، ثمّ يصلّي الغداة» (٢).

ونقل عن الشيخ حملها على كون المراد جواز التطوّع بالركعتين ، ليجتمع الناس الذين فاتتهم الصلاة ليصلّوا جماعة ، كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمّا إذا كان الإنسان وحده فلا يجوز له أن يبدأ بشي‌ء من التطوّع أصلا (٣).

ثمّ قال : وهذا التأويل فيها بعيد جدّا ، وقال : وحكى في «الذكرى» عن بعض الأصحاب الإشارة إلى إمكان كون الخبر المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المنسوخ (٤) ، ثمّ قال : وفيه عدول عن الظاهر من غير ضرورة.

واحتجّ أيضا بما نقله عن ابن طاوس رحمه‌الله في بعض مصنّفاته عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه ، فخاف أن يدركه الصبح ولم يصلّ صلاة ليلته تلك ، قال : «يؤخّر القضاء ويصلّي صلاة ليلته تلك» (٥).

ثمّ قال : وممّا يؤيّد ما اخترناه قول الصادق عليه‌السلام في موثّقة عمّار ، «فإذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتّى تبدأ فتصلّي قبل

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٢٣ و ٤٢٤ من هذا الكتاب.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٥ الحديث ١٠٥٧ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٦ الحديث ١٠٤٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٤ الحديث ٥١٧١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٥ ذيل الحديث ١٠٥٨ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٧ ذيل الحديث ١٠٤٩.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٤٢٤.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٦ الحديث ٥١٧٨.

٤٦٠