مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

فلا وجه في التمسّك بها وبالأصل وطرح تلك الصحاح وقاعدة تحصيل البراءة اليقينيّة في شغل الذمّة اليقيني.

واعترض أيضا على المشهور بأنّ بعض الأخبار الواردة في سجدة السهو اكتفوا عليهم‌السلام بذكر السجدة مطلقا والأمر بها كذلك ، أو ذكر خصوص السلام ، أو ذكر خصوص التشهّد (١) مع كون المقام مقام البيان (٢).

وفيه ؛ أنّا لا نسلّم ذلك ، فإنّ المقام فيه ما كان يقتضي أزيد ممّا ذكر ، كما هو الحال في المطلقات والعمومات والأوامر المطلقة التي لا تأمّل في استحبابها أو إباحتها ، إلى غير ذلك من الأخبار المحمولة على خلاف ظاهرها البتّة.

مع أنّ لفظ السجدة فيما ذكرت من الأخبار ليس المراد منه المعنى اللغوي قطعا ، والمعنى الشرعي فيه غير ظاهر يقينا ، وبمجرّد القرينة الصارفة عن اللغوي كيف يكتفي الشارع في إرادة الشرعي؟ مع عدم ظهوره من غير الشرع قطعا.

فإمّا أن يكون المقام ؛ مقام كفاية الإجمال ، أو كان الرواة يعرفون معناها ، ونحن لا نعرف ، فلا بدّ من الإتيان بجميع ما احتمل اعتباره من باب المقدّمة إلّا الاحتمال الذي ثبت من النص أو الإجماع عدم اعتباره.

مع أنّ المتبادر سجدة الصلاة ، لانصراف الذهن إليها عند الإطلاق ، وظهور إرادة الشرعي مع عدم ظهور شرعي غيرها.

ولذا قال من قال : إنّه يجب فيهما ما يجب في سجدة الصلاة إلّا ما أخرجه الدليل (٣).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الباب ١٤ ، ٢٣٤ الباب ٢٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٢ ، ذخيرة المعاد : ٣٨٢.

(٣) كما في ذكرى الشيعة : ٤ / ٩٤ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٠٧ و ٢٠٨.

١٦١

مع أنّك عرفت أن الأقوى وجوب مطلق الذكر في سجدة الصلاة.

ولعلّ المقام أيضا كذلك ، ويكون حال الأذكار المذكورة حال «سبحان ربّي العظيم وبحمده» في الركوع ، و «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» في السجود.

وفي «الذخيرة» : إنّ المشهور وجوب مطلق الذكر فيهما. إلى أن قال : وعلى تقدير وجوب الذكر هل يتعيّن فيه ما ذكر؟ قال جماعة من الأصحاب : نعم (١) ، والأشبه لا ، وهو قول الشيخ (٢) ، نظرا إلى إطلاق الأدلّة (٣) ، انتهى.

ولا شكّ في أنّ الاحتياط في عدم الخروج عن الذكر المذكور في الأخبار ، بل قوله عليه‌السلام : «تقول» ظاهر في الوجوب ، والإطلاق قد عرفت حاله ، إذ المطلق ما يكون معناه معروفا ولم يقيّد ، والشرعي لا يعرف إلّا من الشارع ، وله أجزاء وشروط بالبديهة مثل النيّة وغيرها ، وكما لم يتعرّض لمحلّ النزاع لم يتعرّض لغيره أيضا ، سيّما والحاضر في الأذهان سجدة الصلاة.

وسيجي‌ء أنّهم اعتبروا في ماهيّتها ما اعتبر في سجدة الصلاة بناء على انصراف الإطلاق إليها.

وبالجملة ؛ ما توهّمه من الإطلاق بديهي الفساد.

ولعلّ اختيار «بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» أولى. لما ذكره الصدوق في أماليه عند ذكر دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به ، حيث قال فيه : ويقال فيهما : «بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (٤).

__________________

(١) المقنع : ١١٠ ، المقنعة : ١٤٨ ، المراسم : ٩٠ ، الكافي في الفقه : ١٤٨ ، السرائر : ١ / ٢٥٨ و ٢٥٩.

(٢) المبسوط : ١ / ١٢٥.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٨١ و ٣٨٢.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٣ المجلس : ٩٣.

١٦٢

هذا ؛ مضافا إلى وجوده في الكتب المعتبرة جميعا (١) ، وهي متّفقة فيه ، بخلاف الذكر الآخر.

مضافا إلى أنّ الصدوق روى الآخر هكذا : «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآله» (٢) ، فوقع فيه الاختلاف ممّا ذكر في الكتابين : «الكافي» و «الفقيه».

وفي «الذخيرة» : إنّ بعض نسخ «الفقيه» موافق لـ «الكافي» (٣) فيكون ما في «الكافي» أقوى من الجهة المذكورة ومن كون «الكافي» بنفسه أقوى وأضبط ، وإن كان ما في «الفقيه» موافقا لما في «التهذيب» ، لكن ما في «التهذيب» : «وآل محمّد» ، موضع : «وآله».

فضعف التقوية ممّا ذكر ، وممّا ذكرنا من وقوع الوهم فيما (٤) في «التهذيب» فتأمّل!

وممّا ذكر ظهر أنّ الأولى ترك كلمة الواو في قوله : «والسلام عليك أيّها النبي» ، بل يترك البتّة ، لما عرفت من وقوع الوهم فيما ذكر في «التهذيب» ، بل وربّما نقل عنه بغير الواو (٥).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٦ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٤ الحديث ١٠٥١٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٧.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٨١.

(٤) في (ك) : فيما ذكر.

(٥) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٥.

١٦٣
١٦٤

٢٠١ ـ مفتاح

[ما يجب في سجدتي السهو]

يجب فيهما السجود على الأعضاء السبعة ، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، لأنّه المعهود من الشرع ، فينصرف إليه الإطلاق.

وفي وجوب الطهارة والستر والاستقبال والذكر ، ثمّ في تعيّن لفظه وجهان : أحوطهما الوجوب.

وفي الصحيح : تقول في سجدتي السهو : «بسم الله وبالله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد». قال الراوي : وسمعته مرّة اخرى يقول : «بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» (١).

يجب البدار بهما بعد التسليم ، ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، خلافا لـ «الخلاف» ، عليه الإتيان بهما وإن طالت المدّة (٢) ، لإطلاق الأمر وحصول الامتثال وللموثّق (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٤ الحديث ١٠٥١٧.

(٢) الخلاف : ١ / ٤٦٢ المسألة ٢٠٣ و ٢٠٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٥ الحديث ١٠٥٤٨.

١٦٥
١٦٦

قوله : (لأنّه المعهود من الشرع). إلى آخره.

إن أراد أنّه المعهود منه في سجدة السهو أو ما هو سجدة أيّ سجدة يكون ، فهو مصادرة بالبديهة ، وإن أراد المعهود منه في سجدة الصلاة فمسلّم قطعي ، لكن كون سجدة السهو ، أو كلّ ما هو سجدة مثل سجدة الصلاة يتوقّف على دليل ، إلّا أن يتمّ التقريب بما ذكرنا من كون سجدة الصلاة هي المعهودة المعروفة من الشرع ، والمأنوسة منه الحاضرة في الأذهان ، فينصرف الذهن إليها عند الإطلاق ، كما مرّ في مبحث كون الوضوء واجبا لغيره ، وغيره (١).

لكن على هذا لا وجه للتأمّل والتردّد في اشتراط الطهارة ونحوها ممّا هو معتبر في سجدة الصلاة جزما ، سيّما على القول الأقوى من كون لفظ العبادة اسما لخصوص المستجمعة لشرائط الصحّة وخصوصا بملاحظة أنّ المطلقات ينصرف إلى الأفراد الشائعة المتعارفة.

ولم يتعرّض لحال مساواة موضع الجبهة لموضع القيام ، وعدم التفاوت أزيد من قدر اللبنة ، وطهارته وكونه بحيث يستقرّ عليه الجبهة وغيرها من الأعضاء ، إنّها من قبيل الأوّل أو الثاني عنده ، وعدم تعرّضه لذلك من جهة عدم تعرّض صاحب «المدارك» ، بل ما ذكره ممّا ذكره وعينه من دون تفاوت (٢).

وظاهر أنّ ما في «المختلف» من عدم اعتبار غير النيّة مراده ما زاد عن الماهيّة (٣) ، ولم يذكر أنّ ماهيّتها ما هي.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٧٢ و ٧٣ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٤.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣٤.

١٦٧

والظاهر من جماعة من فقهائنا العظام مساواتها مع سجدة الصلاة (١).

بل صرّح بذلك الشهيدان في «اللمعة» وشرحها (٢) ، وكذا صرّح في «الدروس» (٣) ، وكذا في «الذكرى» ، بل نسبه فيه إلى فتوى الأصحاب ، وجعله المشهور بينهم (٤).

وقال المفيد في «المقنعة» : سجدتا السهو بعد التسليم ، يسجد الإنسان كسجوده في الصلاة متفرّجا معتمدا على سبعة أعظم حسب ما شرحناه ، ويقول في سجوده : «بسم الله وبالله». إلى أن قال : «فيجلس ويتشهّد ويسلّم» (٥).

وقال أبو الصلاح : وصفتهما أن يسجد كسجود الصلاة ، ويقول في كل واحد منهما : «بسم الله وبالله». إلى أن قال : ويجلس ويتشهّد لهما تشهّدا خفيفا وينصرف عنهما بالتسليم على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

وقال في «المقنع» : ليس فيهما قراءة ولا ركوع ، بل يتشهّد تشهّدا خفيفا (٧).

وقال المرتضى : هما بعد التسليم ، بغير ركوع ولا قراءة ، يقول في كلّ واحد منهما : «بسم الله وبالله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ويتشهّد تشهّدا خفيفا ويسلّم (٨).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣٦٢ المسألة ٣٦٦ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٤ ، ذخيرة المعاد : ٣٨٢.

(٢) اللمعة الدمشقية : ٣٥ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٢٨.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٠٧ و ٢٠٨.

(٤) ذكرى الشيعة : ٤ / ٩٤ و ٩٥.

(٥) المقنعة : ١٤٨.

(٦) الكافي في الفقه : ١٤٨.

(٧) المقنع : ١٠٣.

(٨) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٧.

١٦٨

وكذا قال سلّار (١) ، وقريب منه قال ابن إدريس (٢).

وجه الظهور أنّهم تعرّضوا في مقام بيانها لنفي القراءة والركوع وتعرّضوا لكيفيّة الذكر ، فلو كان غير القراءة والركوع ممّا هو مأخوذ في نفس السجدة منفيّا أيضا لكان نفي ذلك أولى بالتعرّض له ، ثمّ أولى وأهم وأهم بلا شبهة ، سيّما مع التعرّض للتغيير في كيفيّة الذكر ، وكون التشهّد خفيفا ، وأنّ لها تشهّدا وتسليما ونسبا إليها ، فتأمّل جدّا!

مضافا إلى أنّ ما في ماهيّتها أمر معتبر قطعا ولم يتعرّضوا له أصلا وقطعا.

وبما ذكر ظهر أنّ في الأخبار أيضا شهادة على ما ذكرناه وظهورا ، لقولهم عليهم‌السلام : «فاسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» (٣).

قوله : (والذكر). إلى آخره.

قد مرّ الكلام في ذلك مشروحا ، وقلنا : إنّ الأولى اختيار «بسم الله وبالله السلام عليك» (٤). إلى آخره ، لكن المرتضى وابن إدريس عيّنا «بسم الله وبالله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» (٥).

وهما لا يعملان بأخبار الآحاد ، ومن ذلك حصل ترجيح لاختيار ما في «الكافي» ، مضافا إلى كمال الوثوق والاعتماد عليه ، بضميمة قوله عليه‌السلام : «تقول»

__________________

(١) المراسم : ٩٠.

(٢) السرائر : ١ / ٢٥٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٠ الحديث ١٠١٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٤١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٤ الحديث ١٠٥١٨.

(٤) راجع! الصفحة : ١٦٢ و ١٦٣ من هذا الكتاب.

(٥) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٧ ، السرائر : ١ / ٢٥٨ و ٢٥٩.

١٦٩

الظاهر في الوجوب ، مع عدم تشويش فيه أصلا ، بخلاف «بسم الله وبالله السلام عليك». إلى آخره ، لما عرفت من وقوع تشويش ما فيه ، وإن كان التوجيه فيه ظاهرا ، كما ذكرنا.

والظاهر جواز كلّ واحدة من الصور المذكورة سابقا.

قوله : (ولو أهملهما). إلى آخره.

علّل في «المدارك» عدم الإبطال بأن أقصى ما يستفاد من الأخبار وجوبهما ، ولا يلزم من ذلك بطلان الصلاة بالإخلال بهما (١).

أقول : لم يؤمر بهما إلّا من جهة خلل وقع في الصلاة ، والمتبادر من إيجاب شي‌ء عند وقوع خلل كونه تداركا وعلاجا لذلك الخلل ، وأيضا لا شبهة في أنّ المكلّف مع هذا الخلل فيها لا يكون ممتثلا ، لأنّ الامتثال هو الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وقد جعل الشارع هذه السجدة تداركا لخلله ، لأنه لمّا سأل عن حال خلله وعلاجه أمره بهذه السجدة ، فالصلاة المتخلّلة بالخلل المعهود تكون مطلوبة مع هذه السجدة ، مأمورا بها بهذا الوجه ، فلو ترك السجدة عمدا كيف يكون آتيا بالمأمور به على وجهه ، وعلى النحو الذي طلبت منه ، بل مع الترك سهوا أيضا لم يكن آتيا به كذلك ، فما ظنّك بالعمد.

نعم ؛ في صورة السهو إن كانت صحيحة فمن دليل أو قاعدة البتّة ، إلّا أن يقول هو ومن وافقه : إنّ الصلاة اسم لمجرّد الأركان التي وقع فيها هذا الخلل أم لم يقع ، فيكون الإتيان بسجدة السهو واجبا برأسه ، من غير مدخليّة لها في صحّتها ، لأصالة العدم.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٥.

١٧٠

وما ذكر فساده في غاية الوضوح ، لأنّ الصلاة اسم للصحيحة المستجمعة لشرائط الصحّة ، كما هو الحق المحقّق ، كما بيّناه في «الفوائد» (١).

وعلى تقدير عدم ثبوت ذلك فثبوت عدمه من أين؟ مع أنّ الخلل وقع في الجزء وما هو داخل في الصلاة ، ولم يقع فيما هو خارج عنها ، وتدارك الداخل عوض الداخل ، فلا يجري فيه الأصل بلا شبهة.

مع أنّ هؤلاء لا يقولون بثبوت الحقيقة الشرعيّة فالصلاة يكون اسما لمجرّد الأركان ، أيّ نفع فيه لهم؟ ولا يكتفون بالقرينة الصارفة ، كما أشرنا إليه مرارا ، فتأمّل جدّا!

نعم ؛ لو بنى على أنّ كلّ خلل وقع في الصلاة خطأ وسهوا لا يضرّ بصحّة الصلاة ـ من جهة عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» (٢) ، كما يصدر عن العلّامة في بعض الأوقات (٣) ـ صحّ ما ذكره لكنّه غير مرضي عندهم ، ولذا لم يعلّل به كما علّل العلّامة.

ولا يخفى عدم صحّته أيضا ، سيّما في المقام الذي يجعل المعصوم عليه‌السلام أمرا تداركا لسهو.

بل تتبّع تضاعيف أحكام السهويّات والشكّيات في الأجزاء والشروط والركعات يورث القطع بفساد أصالة الصحّة بالنسبة إلى غير كثير الشكّ ، من كان شكّه بعد الخروج عن موضع المشكوك والدخول في غيره ، وأنّ الذي يبني على الصحّة هو المذكوران لا غير ، كما لا يخفى على المتأمّل.

__________________

(١) الفوائد الحائريّة : ١٠٣ الفائدة ٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٦ الحديث ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٩ الحديث ١٠٥٥٩.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٢٧٧ و ٧ / ٦٦.

١٧١

قوله : (خلافا للخلاف). إلى آخره.

أقول : «الخلاف» صرّح بذلك (١) ، وظاهر الباقين مثل «الخلاف» ، لأنّهم قالوا : وجب سجدتا السهو كذا ، ومقتضى ذلك أنّه لو لم يسجدها لم يأت بالمأمور به على وجهه ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : (لإطلاق الأمر). إلى آخره.

أقول : في غير واحد من الأخبار بعنوان «فاسجد سجدتي السهو» (٢) والفاء تفيد التعقيب بلا مهلة.

وربّما منع ذلك في الفاء الواقعة في مقام جواب الشرط ، وإن كان بعض الفقهاء يستدلّ بها على الفوريّة ، ويقول بأنّها تفيدها (٣).

وعلى القول بعدم إفادتها نقول : «إذا» معناها الظرف ـ أي ظرف زمان ـ فيكون الظاهر من مجموع الشرط المذكور والجزاء في الأخبار المذكورة وقوع الجزاء في زمان وقوع الشرط لا مدّة العمر.

بل المتبادر من الأخبار الاخر أيضا ليس مدّة العمر ، بل قريب تلك الصلاة ، بل بعيدها ، فإنّ المتبادر من قولهم : يسجد سجدتي السهو بعد التسليم ، وأمثال هذه العبارة كونها بعيده ، لا مدّ العمر.

وكذلك المتبادر من قوله عليه‌السلام : «بعد التسليم» في جواب سؤال من سأل أنّهما قبل التسليم أو بعده ، إذ المتبادر والظاهر كون السجدتين بعد التسليم بنحو كونه

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٤٦٢ المسألة : ٢٠٣.

(٢) انظر! الكافي : ٣ / ٣٥٥ الحديث ٣ و ٦ ، ٣٥٧ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٣ و ١٠٤٨٥.

(٣) فقه القرآن : ١ / ٢٧ ، زبدة البيان : ٤٠ ، كشف اللثام : ١ / ٥٥٦.

١٧٢

قبله ، فتأمّل جدّا!

ويدل على ذلك صحيحة أبي بصير السابقة في الشكّ بين الأربع والخمس حيث قال عليه‌السلام : «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس» (١).

ومثلها كصحيحة زرارة السابقة في الشاكّ في صلاته فلم يدر زاد أم نقص (٢).

وموثّقة عبد الله بن ميمون القدّاح بالحسن بن علي بن فضّال (٣) ، وهو ثقة جليل القدر ، في غاية الزهد والورع ، وممّن أجمعت العصابة (٤) وإن كان فطحيّا ، مع أنّ الظاهر رجوعه في آخر عمره ولم يمنع عن العمل برواياته.

ورواها الصدوق مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بأن قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من دون تأمّل ولا تزلزل ، ولا نسبة إلى راو ، ومضمون الرواية : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (٥).

ورواية منهال القصّاب عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، فقال : «إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب» (٦) إذ لو كان وقتها موسّعا لما أمر عليه‌السلام كذلك ، فتأمّل!

مع أنّ المطلق يحمل على المقيّد ، وقد عرفت المقيّد بل المقيّدات.

وأمّا موثّقة عمّار ، فإنّما هي في صورة النسيان ، ومع ذلك تتضمّن أحكاما لا يقولون بها.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٥ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٦٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٣٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٠.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم : ١٠٥٠.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٠.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٣٨.

١٧٣

ومثلها لا يكون حجّة عندهم ، بل الموثّق لا يكون حجّة عندهم أصلا ، فضلا عن مثلها ، إذ هي هكذا :

قال ـ أي عمّار ـ سألت الصادق عليه‌السلام عن السهو وما يجب فيه سجدتا السهو ، قال : «إذا أردت أن تقعد فقمت ، أو أردت أن تقوم فقعدت ، أو أردت أن تقرأ فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت ، فعليك سجدتا السهو ، وليس في شي‌ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو».

وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ، ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئا أو يحدث شيئا ، قال : «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي‌ء».

وعن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو ، قال : «يسجدهما متى ذكرهما».

وسأل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو؟ قال : «لا ، قد أتمّ الصلاة». إلى أن قال : وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتّى يصلّي الفجر كيف يصنع؟ قال : «لا يسجد سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها» (١).

وسيجي‌ء تمام التحقيق إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٠ الحديث ١٠٥٦٢.

١٧٤

٢٠٢ ـ مفتاح

[حكم الشكّ في عدد الركعات]

من شكّ في عدد الثنائية أو الثلاثيّة أو الاوليين من الرباعيّة أو لم يدر كم صلّى مطلقا ، بطلت صلاته على المشهور ، للصحاح المستفيضة (١). خلافا للصدوق فجوّز البناء على الأقلّ ، كما جوّز الإعادة (٢) ، جمعا بينها وبين ما يدلّ على البناء من المعتبرة ، كالموثّق : «إذا شككت فابن على اليقين». قلت : هذا أصل؟ قال : «نعم» (٣). وفي معناه الصحاح (٤) ، وهو أظهر وإن كان الأوّل أحوط وأولى.

ولو ظنّ أحد الطرفين بنى عليه بلا خلاف ، إلّا من الحلّي (٥) ، وكذا في كلّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ١٨٧ الباب ١ ، ١٩٣ الباب ٢ ، ٢٢٥ الباب ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) نقل عنه في منتهى المطلب : ٧ / ١٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الحديث ١٠٤٥٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٣ الحديث ١٠٣٩٨ ، ٢١٣ الحديث ١٠٤٥٥ ، ٢٢٧ الحديث ١٠٤٩٤.

(٥) السرائر : ١ / ٢٥٠.

١٧٥

تردّد وقع في الصلاة وغلب أحد طرفيه ، كما يستفاد من المعتبرة (١).

ولو شكّ فيما زاد على الاثنين من الرباعيّة ، فإن كان شكّه بين الإتمام والزيادة أتمّ وسجد سجدتي السهو بلا خلاف ، كما مضى ، وإلّا بنى على الأكثر وأتمّ ثمّ احتاط بما شكّ فيه على المشهور ، للمعتبرة المستفيضة ، منها عام كالموثّق : «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت» (٢).

ومنها ؛ خاص كالصحاح فيمن شكّ بين الاثنتين والأربع (٣) ، والحسان : فيمن شكّ بين الاثنتين والثلاث (٤) ، والمعتبرين : فيمن شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع (٥) ، أنّ كلّهم يبنون على الأكثر ويحتاطون بالباقي.

وأوجب في «المقنع» الإعادة فيما إذا شكّ بين الاثنين والثلاث (٦) ، للصحيح (٧) وهو أحوط ، وكذا بين الاثنين والأربع (٨) للصحيح الآخر (٩) ، وحملا على المغرب والغداة (١٠) أو الاستحباب (١١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١١ الباب من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الحديث ١٠٤٥١.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٩ الباب ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٤ الباب ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٢ الحديث ١٠٤٧٩ و ١٠٤٨٢.

(٦) المقنع : ١٠١ و ١٠٢.

(٧) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٥ الحديث ١٠٤٥٩.

(٨) المقنع : ١٠١ و ١٠٢.

(٩) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٥.

(١٠) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٦ ذيل الحديث ٧٤١.

(١١) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٠.

١٧٦

وجوّز في «الفقيه» البناء على الأقلّ مطلقا (١) من دون احتياط ، لإطلاق ما دلّ على البناء على اليقين (٢).

واجيب بأن المراد به الإتيان بالاحتياط بعد الإتمام جمعا بين النصوص (٣) ، والجمع بالتخيير أصوب.

__________________

(١) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٤ / ٦٦.

(٢) مرّ آنفا.

(٣) لاحظ! المعتبر : ٢ / ٣٩١.

١٧٧
١٧٨

قوله : (على المشهور). إلى آخره.

أقول : قال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة وجوب الإقرار بأنّ من سها في الأوّلتين أعاد الصلاة ، ومن شكّ في المغرب أعاد الصلاة ، ومن شكّ في الثانية والثالثة أو في الثانية والرابعة فليبن على الأكثر ، فإذا سلّم أتمّ ما ظنّ أنّه نقصه (١).

وقال المرتضى في «الانتصار» : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّه لا سهو في الركعتين الاوليين من كلّ صلاة فرض ، ولا سهو في صلاة الفجر والمغرب وصلاة السفر ، لأنّ باقي الفقهاء يخالفون في ذلك والحجّة على ذلك إجماع الطائفة.

ثمّ قال : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من شكّ فلم يدر كم صلّى ثنتين أو ثلاثا واعتدل في ذلك ظنّه ، فإنّه يبني على الأكثر.

وكذلك القول فيمن شكّ لا يدري أصلّى ثلاثا أم أربعا ، ومن شكّ بين اثنتين وثلاث وأربع بنى أيضا على الأكثر.

وباقي الفقهاء يوجبون البناء على اليقين وهو النقصان ، ويوجبون في هذا الموضع سجدتي السهو.

والحجّة فيما ذهبنا إليه إجماع الطائفة (٢).

وقال العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» : لو شكّ في عدد الركعات فإن كان في الثنائيّة كالصبح ، وصلاة المسافر ، والجمعة والعيدين والكسوف ، أو في الثلاثيّة كالمغرب ، أو في الاوليين من الرباعيّة ، أعاد عند علمائنا ، وإن كان في الأخيرتين من

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٣ المجلس ٩٣ مع اختلاف يسير.

(٢) الانتصار : ٤٨ و ٤٩ مع اختلاف يسير.

١٧٩

الرباعيّة احتاط بما يأتي ، ولم يفرق واحد من الجمهور بين الصلوات ، بل سووا بينها في الحكم ، وهو قول الصدوق منّا (١) ، انتهى.

وقال ابن إدريس في سرائره : من سها في صلاة الكسوف والعيدين إذا كانت واجبة ، وصلاة الطواف الواجب ، فجميع ذلك يوجب الإعادة ، لأنّ أصحابنا متّفقون على أنّه لا سهو في الاوليين من كلّ صلاة ، ولا في المغرب والفجر وصلاة السفر ، وعلى هذا الإطلاق لا سهو في هذه الصلوات ، وقد ذكر ذلك السيّد المرتضى رحمه‌الله ، وذهب إليه في «الرسيّات» (٢).

وادّعى الإجماع ، بل اتّفاق أصحابنا أيضا على البناء على الأكثر في غير الاوليين من الرباعيّة على التعيين (٣).

وقال في «الذكرى» : تبطل الصلاة بالشكّ في عدد الاوليين إجماعا إلّا من أبي جعفر بن بابويه ، فإنّه قال : لو شكّ بين الركعة والركعتين فله البناء على الركعة (٤) ، انتهى.

أقول : لم يقل ذلك ، كما عرفت (٥) وستعرف ، بل هذا توهّم من العلّامة ، وتبعه من تبعه ، وستعرف الحال مشروحا.

ثمّ نقل عن والده أيضا مذهبا آخر (٦) ، وستعرف الحال.

وأيضا الشيخ في «الاستبصار» ادّعى الإجماع على بطلان صلاة المغرب

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣١٤ و ٣١٥ المسألة ٣٤١ ، منتهى المطلب : ٧ / ١٩.

(٢) رسائل الشريف المرتضى : ٢ / ٣٨٦.

(٣) السرائر : ١ / ٢٤٨ و ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٤) ذكرى الشيعة : ٤ / ٦٦.

(٥) مرّ آنفا.

(٦) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ٦٧.

١٨٠