مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

يخفى ، إلّا أن يكون مراده أنّ هذا القدر من الظهور لا يكفي في مقام التعارض ، مع ما دلّ على وجوب الاستدراك ، لكونه نصوصا ، لكن فيه أيضا تأمّل.

لأنّ عمومه وشموله للمقام ليس نصّا ، سيّما والمقام من الفروض النادرة غاية الندرة ، لو لم يكن مجرّد فرض ، وخصوصا أنّه ربّما يؤدّي إلى العسر والحرج ، بأن يكون موجبا للإعادة.

كيف ، وهو حكم بسقوط سجدتي السهو دفعا للحرج ، بل الحرج فيهما ليس بأزيد ممّا في القضاء ، إلّا بالبناء على عدم التداخل في سجودات السهو ، لكنّه أندر من السجود الواحد للسهو بمراتب ، فكيف حكم بالسقوط مطلقا للحرج؟

ويمكن أن يقال : ظهور شمول الأخبار والفتاوى لسجود السهو لا يعارضه ما هو أقوى منه ، بخلاف شمولهما للركن.

بل وغيره ممّا يجب الرجوع إليه وتداركه أو قضاؤه ، لنصّ الأصحاب بعد الأخبار ، لكن كون المقام مورد نصوص الأخبار والفتاوى محلّ تأمّل ، كما عرفت.

فالمسألة مشكلة والاحتياط واضح ، وإن كان الإبطال بالسهو في الركن بعد تجاوز المحلّ أقوى ، بعد ملاحظة ما ورد من أنّ «الصلاة [ثلاثة أثلاث] ثلث طهور ، وثلث ركوع وثلث سجود» (١) وأمثال هذا الخبر (٢).

بل التدارك في غيره أيضا لعلّه أقوى ، لكنّه أيضا محلّ تأمّل ، بعد ملاحظة ما اعتبروه في شقوق عدم السهو في السهو ، لأنّهم اعتبروها في الركن وغيره ، وما يقضى وغيره ، بل الركعة أقوى من الركن ، كما لا يخفى ، والله هو العالم بحقيقة الحال.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٠ الحديث ٨٠٤٩.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٠ الباب ٩ من أبواب الركوع.

٣٤١

الثالث عشر : لو اشترك السهو بين الإمام والمأموم اشتركا في بطلان الصلاة ، إن كان السهو مبطلا ، كالسهو في الركوع مع الدخول في السجود ، واشتركا في التدارك إن كان له تدارك ، كالسهو عن التشهّد ، أو السجدة الواحدة ، أو كليهما ، رجعا ما لم يركعا ، فيسجدان أو يتشهّدان ، أو يسجدان ثمّ يتشهّدان ، ثمّ يقومان إلى ما بقي من الصلاة ، وبعد التسليم يسجدان للسهو على ما مرّ (١).

فإن ركعا فتذكّرا أيضا مضيا ثمّ يقضيان ، ثمّ يسجدان للسهو ، فإن ذكر أحدهما قبل الركوع والآخر بعده ، فإن كان الأوّل هو الإمام رجع إلى ما سهاه ، والمأموم يرجع إلى الإمام ، ثمّ يشتركان في التدارك ، إن كان ركوعه قبل الإمام على سبيل السهو ، أو الخطأ في الاعتقاد.

وإن كان عمدا بطلت صلاته ، على حسب ما مرّ في محلّه (٢).

وإن كان الأوّل هو المأموم رجع إلى ما نسيه ، ويتداركه على النهج الذي ذكر ، والإمام يمضي ثمّ يقضي ، فإن لحقه المأموم قبل رفع رأسه عن الركوع لم يفته القدوة ، وإلّا فاتته.

وإن لم يكن له تدارك كذكر الركوع ، أو ذكر السجود ، صحّت صلاتهما وسجدا للسهو ، إن قلنا بوجوبها لأمثاله.

وكذا الحال في القراءة ، بأنّ المأموم تبع الإمام في الركوع سهوا ، وغفلة عن كون إمامه ناسيا لقراءته ، إذ صلاة الإمام صحيحة قطعا ، وصلاة المأموم لم يقع فيها سهو عن الركن ، ولا تعمّد ترك واجب ، فيشملها عموم ما ورد : من «أنّ الصلاة لا

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٦٦ و ٢٦٧ من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٣٦ (المجلّد الثامن) من هذا الكتاب.

٣٤٢

تعاد إلّا من خمسة» (١) ، وأمثاله (٢) ، وعموم ما تضمّن نفي القراءة عن المأموم (٣) ، وغير ذلك.

نعم ؛ إن تذكّر المأموم أنّ إمامه ركع بغير قراءة سهوا وهو لم يركع ، أشكل متابعته في الركوع والاقتداء به ، لأنّ الإمام ضامن لقراءته ، والضامن لم يأت بما ضمنه ، وهو لم يقرأ من جهة أنّ الإمام قرأ ، وصلاته خالية عن الحمد مثلا ، ولا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، وهو غير ناس لها متذكّر تركها.

وإن كان صلاة إمامه صحيحة من أنّه نسي القراءة ، لكن المأموم ليس بناس ، ولا آت بها بنفسه ، ولا بواسطة الضمان ، فالعلاج منحصر في رفع يده عن الاقتداء ، والإتيان بالقراءة الواجبة عليه ، حتّى يكون مطيعا ممتثلا ، وإن لم يصح هذا العدول منه يعيد صلاته ، فلاحظ ما مرّ في مبحث العدول (٤).

وبالجملة ؛ جميع صور نسيان الإمام ، وعدم نسيان المأموم يكون على المأموم أن يأتي بما هو متذكّر له ، سواء بطلت صلاة إمامه كسهوه الركن فيكون المأموم منفردا غير مقتد بعد البطلان ، أو صحّ صلاة إمامه والاقتداء بعد بحاله لم تتفاوت أصلا ، مثل سهوه ذكر الركوع ونحوه ، نعم ؛ هل على المأموم متابعته في سجدتي السهو أم لا؟ مرّ التحقيق فيه (٥) ، أو أشكل بقاء الاقتداء على حاله ، مثل سهوه السجود والتشهّد إلى أن ركع ، فالمأموم المتذكّر يشتغل بذكر الله تعالى ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٢ الحديث ٥٩٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩١ الحديث ٧٤٢٧.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٠ الباب ٩ من أبواب الركوع.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٣ الباب ٣٠ ، ٣٥٥ الباب ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) راجع! الصفحة : ٤٧٧ و ٤٧٨ (المجلّد الثامن) من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٦٦ ـ ٢٧١ من هذا الكتاب.

٣٤٣

وتنبيه إمامه بما لا ينافي الصلاة.

فإن تنبّه ورجع إلى ما غفل عنه تبعه المأموم فيه ، والاقتداء بعد بحاله.

وإن لم يتنبّه إلى أن ركع ، شرع المأموم في السجود ، أو التشهّد ، أو كليهما ، فإن لم يلحق الإمام في ركوعه يصير منفردا ، وإن لحقه أمكن بقاء الاقتداء بحاله ، وقبل اللحوق أو الفوت ، إن رجا اللحوق وبنى عليه ، أمكن بقاء القدوة على حالها ، وإلّا فاتت من الحين. والاحتياط في أمثال المقام في غاية الاهتمام.

الرابع عشر : قد عرفت أنّ الظن معتبر في الركعات والأجزاء كالعلم ، فإذا كان المصلّي كثير الظن ، فلا يضرّ ذلك باعتبار الظن ، بل يؤكّده.

وعلى رأي ابن إدريس (١) ، لعلّ الظن حينئذ يكون معتبرا ، دفعا للحرج والعسر ، وإطاعة الشيطان ، على قياس ما ذكرناه في كثير الشكّ (٢).

بل لعلّه لا تأمّل في ذلك ، لا أنّه يبني على وقوع مظنون العدم ولا وقوع مظنون الوجود.

وإذا كثر الظن بترك واجب سهوا ، أو فعل مضرّ كذلك ، فإن أدّى اعتباره إلى العسر والحرج المنفيين فلا عبرة به ، وكذلك إن كان وسواسا ومن الشيطان يريد أن يفسد عليه أمره ، على حسب ما ذكرنا في كثير السهو ، بل الظاهر دخوله في كثير السهو الوارد في الأخبار (٣) ، فتأمّل جدّا!

الخامس عشر : الشاك بين الاثنين والثلاث جالسا لا يجوز له التشهّد ، ولا القيام حتّى يغلب أحد طرفي شكّه ، أو يبني على الأكثر إن لم يغلب ، لأنّه إتيان بغير ما أمر به الشارع في الصلاة ، كما لو أتى بواحد منهما في الصلاة عبثا ، فيشكل صحّة

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٤٤.

(٢) راجع! الصفحة : ١٩٥ ـ ١٩٨ من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ الباب ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٤٤

هذه الصلاة ، وإن ظهر كونه بمكانه ، بأن ظهر أنّها الاثنتين وقد أتى بالتشهّد ، أو ثلاثا وقد قام أو بنى على الأكثر بعد القيام ، لأنّ الظهور بعد ما أتى بغير وجه شرعي ، وغير امتثال لأمره تعالى ، ولأنّه تشريع إلى حين ظهور الأمر ، ولأنّ شرط صحّته قصد القربة والإطاعة ، وكان مفقودا ، ولأنّه منهيّ عنه وعن أمثاله في أثناء العبادة التوقيفيّة.

ألا ترى أنّه لو قام أحد عمدا في صلاته في غير موضع قيامه بقصد أنّه من الصلاة ، لم تصحّ صلاته ، بل وبغير هذا القصد أيضا ، بأن قام عبثا بحتا.

وكذا الحال في التشهّد ، إلّا أن يبني على أنّه مجرّد ذكر الله ، وغيره ممّا لا ينافي هيئة الصلاة ، فإنّه إن صدر منه كذلك يقوم بعد البناء على الأكثر ، أو يتشهّد بعده إن ظنّ الاثنين.

ولو صدر سهوا ، فإن كان التشهّد فلا يضرّ ، يقوم إن بنى على الأكثر ، أو غلب ويتشهّد ثانيا ، إن غلب الاثنين.

وإن قام سهوا فغلب الاثنين جلس وتشهّد ، وأتمّ الصلاة وسجد للسهو.

وإن غلب الثلاث أو بنى عليه ، فهل يجب عليه أن يقعد ، ثمّ يقوم بقصد القيام إلى الثلاث المطلوب منه؟ لأنّ قيامه لم يكن إطاعة ، ولا لله تعالى وقربة إليه ، بل محض الغفلة ، أو أنّ قيامه بعد البناء على الأكثر ، أو غلبته بقصده الإطاعة كاف لامتثاله ، فإنّ ما صدر منه غفلة لم يكن إلّا مجرّد النهوض.

وكذا القيام المتّصل به قبل وقوع البناء ، أو ظهور غلبة الثلاث.

والأوّل ليس من أجزاء الصلاة ، لما عرفت من أنّ من شكّ في السجود ، أو التشهّد بعد دخوله في النهوض ، وقبل دخوله في القيام ، يرجع إلى السجود أو التشهّد ، لعدم خروج المصلّي عن محلّ السجود في الاولى والثالثة ، أو عن محلّ التشهّد في الثانية ، وعدم دخوله في غيرهما من أجزاء الصلاة.

٣٤٥

وأمّا الثاني فلم يظهر ضرره للصلاة ومنافاته لها بحيث يوجب إعادتها ، لعدم معلوميّة بطلانها بهذا القيام السهوي ، لعدم منافاته لهيئة الصلاة ، لوقوعه سهوا في مقام القيام الشرعي ، وإن لم يجب به لما ذكر ، فيجب حينئذ عدم الرجوع ، لاستلزامه وقوع الأجنبي في الصلاة عمدا وعبثا.

وبالجملة ؛ المسألة مشكلة ، ولو كان قيامه السهوي بقصد كونه من الصلاة ، وإطاعة الله تعالى ، فلعلّ الاحتمال الثاني يكون أرجح حينئذ ، فالاحتياط أولى.

وممّا ذكر ظهر الحال في الشكوك التي تكون مثل الشكّ بين الاثنين والثلاث ، مثل ما لو شكّ قائما في موضع يسلم له حالة القيام ، فإنّه لا يجوز له فعل شي‌ء حتّى يترجّح أحد الطرفين ، أو يبني على الأكثر.

السادس عشر : من شكّ بين المغرب أو الثنائيّة ، أو الاوليين من الرباعيّة ، ولم يتحقّق غلبة فلم يبطلها وأتمّها ثمّ حصل له الغلبة أو اليقين بصحّة ما فعله لم يجزه ، بل تكون باطلة ، بل يكون فعل الحرام أيضا.

وكذا الحال لو أتى بفعل من أفعال الصلاة قبل أن يتمّ الصلوات المذكورات ، مثل الركوع والسجود بعد زمان التروّي ، وعدم ظهور الحال ، ثمّ حصل اليقين أو الظن بالحال.

وكذا في زمان التروّي ، لما مرّ في الفرع السابق. إلّا أن يأتي به بعنوان التردّد بأنّه من الصلاة لو ظهر صحّة صلاتي.

لكن الحكم بصحّتها حينئذ مشكل أيضا ، لكونها من التوقيفيّات ، واشتراط النيّة فيها على حسب ما مرّ في مبحثها (١) ، وعدم معلوميّة كونه في زمان التروّي مخاطبا بالركوع ومثله لو لم نقل بظهور العدم ، سيّما بملاحظة أصالة عدم ظهور

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٤٣ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

٣٤٦

الحال ، فتأمّل جدّا!

وأمّا لو كان مثل تطويل التشهّد أو القنوت ، ممّا هو من مستحبّات الصلاة ، وكان في زمان التروي ، فلا ضرر فيه ، وتصحّ صلاته بعد ما ظهر عليه الأمر باليقين ، أو الظنّ فأتمّها ، وإن تجاوز زمان التروّي ، ولم يظهر عليه أصلا ، بطلت صلاته لما مرّ.

وأمّا القراءة والقدر الواجب من التشهّد ونحوهما ، فإن وقعت في زمان التروّي ، وبقصد عدم جزئيّة الصلاة ، فلا ضرر فيها أيضا.

وإن وقعت بعنوان التردّد في النيّة بأنّها جزء الصلاة إن صحّت ، وإلّا فخارجة عنها فظهر الصحّة ، أشكل صحّتها على قياس ما مرّ ، لعدم كونه مأمورا بهذا الواجب في حال التروّي ، أو عدم معلوميّة ذلك. وظهر من ذلك ما لو أوقعها بقصد الجزئيّة الآن ، وبالجملة ظهر الحال.

والأولى أن لا يكون ساكتا حال التروي ، بل يكون مشتغلا بذكر الله ، أو الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام ونحوهما.

مع أنّه لو سكت بالمرّة ، فربّما ينجرّ إلى المبطل منه ، ولما ينقضي زمان التروي مع تأمّل في ذلك ، فتأمّل فيما ذكرناه ، لصحّة التروّي حتّى يظهر الحال.

السابع عشر : من شكّ بين الثنتين والثلاث ـ مثلا ـ قبل إكمال السجدتين ، فتروّى فظن الثلاث أو الثنتين ، فأتى بركعة اخرى مثلا ، فزال ظنّه ، وظهر عليه أنّ منشأ ظنّه كان فاسدا لا عبرة به ، ولم يكن مورثا للظنّ ، فهل تبطل صلاته حينئذ لكون شكّه قبل إكمال السجدتين وظهور فساد ظنّه ، أم تصحّ لأنّ ظنّه منع عن إفساد شكّه حتّى دخل في الثالثة فارتفع حينئذ ، فيكون شاكّا بين الثلاث والأربع.

ويمكن ترجيح الأوّل ، بأنّ الظن إذا ظهر خطؤه ، ظهر كون الشكّ الأوّل بمكانه مستصحبا إلى الآن ، لا أنّ هذا شكّ على حدة مغاير للشكّ الأوّل.

٣٤٧

نعم ؛ لو عرضه ظن الآن معارض لظنّه الأوّل ومصادم له ، بحيث صارا معا شكّا الآن ، فهذا شكّ جديد مغاير للشكّ الأوّل ، فتصحّ صلاته على الأظهر ، ويتمّها على علاج الشكّ الجديد ، وقس على ما ذكر نظائره.

وإن كان الشكّ بعد إكمال السجدتين ، فغلب الأكثر ، فقام إلى الرابعة ، فعاد شكّه بارتفاع ظنّه وظهور خطئه ، بنى على أنّ الّذي قام منه هو الثالثة ، يتمّ الرابعة ويحتاط بعد الصلاة.

وإن شكّ قبل إكمالهما ، ثمّ حصل له الظنّ أو كان الظنّ حاصلا أوّل الأمر ، ثمّ حصل له الظنّ بخلاف الظنّ الأوّل ولمّا يكمل السجدتان ، فإن تصادما بحيث حصل الشكّ بطلت الصلاة.

وإن غلب الثاني على الأوّل بحيث جعله وهما ، بنى على الثاني ، وأتمّ الصلاة على مقتضاه.

وإن ظنّ أوّلا ثمّ حصل له الشكّ بعد ذلك قبل الإكمال ، بطلت صلاته وبعده صحّت ، وبنى على مقتضاه.

الثامن عشر : إنّ المكلّف ربّما كان من أوّل الأمر على اطمئنان تامّ في أنّ الأمر كذا ، ثمّ يعرضه شكّ ، فبملاحظة أنّه حين ذلك الظنّ كان أذكر منه حين هذا الشكّ ، إن حصل له هذه الحالة ، يترجّح في نظره برجحان في الجملة ما ظنّه فيبني عليه.

مثلا كان عنده في أوّل قيامه وشروعه في القراءة إلى شروعه في السجدة الثانية أنّ هذه الركعة هي الثالثة ، وفي أثناء السجدة الثانية ، وقبل رفع الرأس منها وقع في الشكّ في كونها الثانية أو الثالثة ، ربّما يترجّح في النظر أذكريّته في الأوّل وأرجحيّته ، وقس على هذا الشقوق الاخر.

وأولى ممّا ذكر كونه من أوّل صلاته إلى السجدة الثانية لم يكن له شكّ أصلا ،

٣٤٨

وكان بناؤه على الاولى والثانية والثالثة إلى حين السجدة الثانية فسنح له شكّ.

وأولى ممّا ذكر أنّه كان بناؤه على إتمام الصلاة بنحو ، لكن ربّما يعرضه طلبه التذكّر فيما فعله ويريد أن يظهر له ما فعله ، فيتأمّل ، فلا يظهر له ولا يتذكّر ، فيعرضه من هذه الجهة الشكّ ، وإلّا فبناؤه كان بنحو لو لم يعرضه هذا لكان يتمّ صلاته على ذلك النحو ، وبعد العروض وعدم العثور يقع في الشكّ.

وهذا الشكّ أيضا لا عبرة به ، إذ يكفيه بناؤه وتحصيل الظن من جهته ، ولا يضرّه عدم المجي‌ء بالخاطر ، وعدم تحقّق التذكّر فتذكّر.

التاسع عشر : لو شكّ بين الاثنين والثلاث بعد إكمال السجدتين ، فبنى على الثلاث ، وقام ليأتي بتمام الصلاة فشكّ بين الثلاث والأربع ، بأن شكّ هل أتى بتمام الصلاة التي كان يريد أن يأتي بها وهذا القيام إلى الخامسة ، أو أنّه لم يأت به وهذا القيام قيام للإتيان به ، بنى على الرابعة وقعد وتشهّد وسلّم وأتى بالاحتياطين لحصول موجبهما ، فيكون يصلّي ركعة قائما للشكّ الأوّل ، وركعتين جالسا للثاني ، لما عرفت من الأولويّة ، وكفاية احتياط واحد محتمل ، فإنّه إن كان أتى بالتمام ، لم يكن عليه إلّا احتياط واحد ، نعم ؛ يسجد للسهو للقيام ، وإن لم يكن إتيانه في الواقع يكون إتيانه بظاهر الشرع ، فرجع إلى الأوّل.

ويحتمل أيضا رجوع هذين الشكّين إلى الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، فيعمل بمقتضاه ، لكن لا يخلو عن الإشكال ، لأنّه لم يكن متبادرا من الإطلاق فتأمّل!

ويحتمل على بعد عدم اعتبار الشكّ الثاني ، لكونه شكّا في موجب الشكّ ، فليتأمّل!

وكيف كان ؛ فالأحوط الإعادة أيضا.

وأمّا إذا انقلب شكّه الأوّل بالشكّ الثاني ، بأن صار مطمئنّا بعدم الشكّ

٣٤٩

الأوّل ، وفساد ما صدر منه ، أو كان ظانّا كذلك ، وأنّ الشكّ شكّه الثاني ، عمل بمقتضى الثاني ، إلّا أن يكون يترجّح في نظره كون الأوّل أقرب ، لكونه في زمانه أذكر ، ولأنّه حين صدور الزائد وهو القيام إلى الرابعة كان أذكر ، أي الرابعة عنده حال القيام ، وإن كان الآن عنده الخامسة على الظاهر ، فإن ترجّح وغلب يرجع إلى الأوّل ، وإن تساويا ووقع في الشكّ يرجع إلى حكم هذا الشكّ.

وإن كان شكّه أوّلا أقلّ ثمّ زاد ، بأن كان شكّه ـ مثلا ـ بين الثنتين والثلاث خاصّة ، فزاد فصار شكّه بين الثنتين والثلاث والأربع عمل بمقتضى الثاني على النهج الذي ذكرنا.

وكذا لو كان أوّلا أكثر وأزيد ، ثمّ صار أقل عكس الأوّل ، عمل بمقتضى الثاني على النحو المذكور.

وكذا لو كان في الأوّل ظنّا ، فانقلب فصار شكّا وبالعكس ، وممّا ذكر ظهر حال سائر التغيّرات والانقلابات والأحوال في أمثال المقام وغيرها.

العشرون : من شكّ فتروّى فظنّ ، فزال ظنّه سريعا فشكّ ، فتروّى فظنّ فزال ، وكان مضطربا ، فإن سكت طويلا بطلت صلاته ، وإن اشتغل بذكر الله ، فالظاهر دخوله في كثير الشكّ ، لا عبرة بشكّه ، وبنى على الصحّة على ما مرّ.

وأمّا ظنونه ؛ فإن كانت على نسق واحد عمل بمقتضاها ، وإن كانت متضادّة مضطربة ، فالظاهر عدم اعتبار ظنونه أيضا ، كما مرّ التحقيق في كثير الظن (١) ، لأدائها إلى العسر والحرج ، وعدم التيسّر من العبادة ، والله العالم بأحكامه.

الحادي والعشرون : من صلّى جالسا ، ورفع رأسه عن السجدتين ، فشكّ أنّه هل صلّى واحدة أو ثنتين؟ بطلت ، وإن شكّ هل صلّى اثنتين أم ثلاثا ، فإمّا أنّه قعد ليتشهّد ، أو قعد بقصد الدخول في الركعة الثالثة ، أو قعد من غير قصد

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٦٥ و ٢٦٦ من هذا الكتاب.

٣٥٠

أحدهما.

فعلى الأوّل يترك التشهّد ، ويبني على كونه في الركعة الثالثة ، ويتمّ الصلاة ويحتاط بركعة جالسا.

وعلى الثاني يكون شكّه بين الثلاث والأربع ، وحكمه أيضا ظاهر.

وعلى الثالث يكون متردّدا بين كونه في مقام التشهّد ، وكونه في الركعة الثالثة ، فيبني على الأكثر ، وحكمه أيضا ظاهر.

وإذا شكّ بين الثنتين والأربع وجلوسه للتشهّد ، يتشهّد ويسلّم ويصلّي ركعتين جالسا ، وإن كان جلوسه بقصد كونه في الركعة يكون شاكّا في كونها الخامسة أو الثالثة ، يهدم هذه الركعة ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين جالسا.

وإن لم يعيّن واحدا منهما ، فجلوسه مردّد بين كونه ركعة خامسة ، أو ثالثة ، أو مقام التشهّد ، فيبني على الأقلّ والأكثر جميعا ، الأقلّ يجعله مقام التشهّد الأخير ، ثمّ يأتي بالاحتياط المذكور.

وإن كان شكّه بين الثنتين والثلاث والأربع ، فعلى الأوّل يتشهّد ويسلّم ، ويأتي بركعتين جالسا ثمّ بركعة ، كما ذكرنا سابقا.

وعلى الثاني تكون هذه الركعة مردّدة بين كونها خامسة أو رابعة أو ثالثة ، فيهدمها ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يأتي بالاحتياطين.

وعلى الثالث يكون جلوسه مردّدا بين كونه الركعة الخامسة أو الرابعة أو الثالثة ، أو مقام التشهّد الأخير ، فيبني على الأقلّ والأكثر جميعا ، يجعله مقام التشهّد الأخير ، ثمّ يأتي بالاحتياطين.

وهل يتطرّق في الصورتين الأخيرتين الإشكال الذي ذكرناه في الشكّ بين الأربع والخمس قائما أم لا؟ لعدم تغيّر في الهيئة أصلا ، بالقياس إلى الصورة الاولى ، فكأنّه ليس فيهما بناء على الأقل حقيقة ، فتأمّل جدّا!

٣٥١

ومع احتمال كون الفراغ عن الذكر إكمالا للسجدتين أو مع رفع الرأس أيضا ، وإن لم يصل إلى حدّ القعود فالأمر واضح ، لكن الاحتمالان لعلّهما ضعيفان ، فتأمّل جدّا!

وممّا ذكر ظهر الحال في الصلاة نائما ومستلقيا وغيرهما ، فتأمّل جدّا!

الثاني والعشرون : إذا رفع الرأس عن السجدة الثانية فشكّ في التشهّد ، فإن كان جلوسه ليتشهّد فالشكّ في المحل وقبل التجاوز ، وإن كان بقصد كونه ركعة ، فالظاهر التجاوز عن المحل.

وأمّا إن لم يكن يقصد أصلا ، فالظاهر أيضا عدم التجاوز ، وإن كان يقصد أحدهما لا بالخصوص ، فالظاهر أيضا عدم التجاوز ، فتأمّل جدّا!

وإذا ذكر عدم التشهّد يتشهّد على أيّ تقدير ، وهو ظاهر ، وممّا ذكر ظهر أيضا حال الصلاة مضطجعا ومستلقيا وغيرهما.

الثالث والعشرون : قد مرّ سابقا أنّه يعتبر في الشكّ كونه بعد التروّي ، وأنّ المصلّي لا يرتكب شيئا من أجزاء الصلاة ممّا يتوقّف على التروّي ، وظهور الحال حال التروّي.

فإذا شكّ في السجود الثاني لا يقعد بقصد الركعة ، ولا بقصد مقام التشهّد ، ولا بقصد أحدهما لا على التعيين ، ولا بقصد الإبطال ، ولا يبني على البطلان حتّى يتروي ، ويظهر الحال ، ويستحكم الشكّ.

الرابع والعشرون : من قام إلى الظهر ـ مثلا ـ ودخل فيها ، ثمّ شكّ في الركعة الرابعة ـ مثلا ـ أنّها رابعة الظهر أو العصر ، أو رابعة الظهر أو الاولى أو الثانية ـ مثلا ـ من العصر ، بأنّه لا يدري هل أتمّ الظهر ودخل في العصر ، أم هو بعد في الظهر. أتمّ صلاته بقصد الظهر ، ثمّ صلّى بعده العصر.

وكذلك الحال في سائر الفرائض اليوميّة ، وكذلك الحال في النوافل.

٣٥٢

وإذا دخل في نافلة ، ثمّ شكّ في أنّه هل أتمّها ودخل في الفريضة وهو الآن في الفريضة؟ أو بعد في تلك النافلة ، أتمّها على أنّها تلك النافلة.

وإذا دخل في الفريضة ثمّ شكّ في أنّه هل أتمّها ثمّ دخل بعد في النافلة؟ أو أنّه بعد [في] تلك الفريضة ، أتمّها بقصد تلك الفريضة ، وإن كان ما يأتي به كان بقصد النافلة ، لما مرّ في مبحث النيّة من كون الصلاة على ما افتتحت (١).

وإن كان بقصد الفريضة ، أو مجرّد القربة ، فبطريق أولى ، وإن لم يدر أنّه بأيّ قصد دخل ، فلا تنفعه هذه الصلاة لفريضته ولا نافلته الراتبة.

ويحتمل استحباب إتمامها على أنّها نافلة إن كانت ركعتين.

الخامس والعشرون : قال في «التذكرة» : لا سجود لترك المندوب لجواز تركه مطلقا ، فلا يستعقب تركه نسيانا تكليفا ، فلو ترك القنوت في صلاة الصبح أعاد بعد الركوع استحبابا ، ولا يسجد للسهو ، وقال الشافعي : يسجد. إلى آخر ما قال.

وقال رحمه‌الله أيضا فيه : ترك التكبيرات المستحبّة لا يقتضي سجود السهو. وبه قال الشافعي. إلى آخر ما قال.

ثمّ قال : لو زاد فعلا مندوبا أو واجبا في غير موضعه سجد للسهو ، فلو قنت في الركعة الاولى ساهيا سجد للسهو (٢) ، انتهى.

ويظهر منه أنّه لو فعل مندوبا في موضعه سهوا ، لم يكن عليه سجدة السهو ، وذلك لأنّ فعل المندوب بقصد المندوبيّة في موضعه مندوب مطلقا ، فلو كان قصده ترك هذا المندوب ، أو لم يكن في قصده فعله في موضعه ، ثمّ فعله فيه سهوا ، لم يفعل أمرا يستعقب فعله نسيانا تكليفا.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٢٩ ـ ١٣٣ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣٥٢ و ٣٥٣ المسألة ٣٦٢.

٣٥٣

فلا يشمله قوله عليه‌السلام : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (١) ، كما لا يشمل تركه سهوا ، مضافا إلى دلالة أخبار كثيرة وردت في ترك القنوت سهوا ، كلّها ظاهرة في عدم سجدة السهو أصلا فيه (٢) ، وإن كان مقتضى بعضها استحباب قضائها بعد رفع الرأس عن ركوع ركعته إن ذكر في ذلك الركوع ، أو بعد رفع رأسه منه ، وإن لم يذكر فلا شي‌ء عليه (٣) ، وبعضها القضاء بعد تماميّة الصلاة (٤) ، كما مرّ في موضعه (٥).

وأمّا سجدتي السهو لزيادة المندوب في غير موضعه كالواجب ، فلمشاركته معه في كونهما أجنبيين في الصلاة ، خارجين عنها ، غير موظّفين فيها ، يجب على المكلّف تركهما في ذلك الموضع منها ، مع عدم كونهما من منافيات الصلاة ، فيشملهما عموم قوله عليه‌السلام : «كلّ زيادة تدخل عليك» (٦).

وبالجملة ؛ حالهما واحد. ومرّ حكم زيادة الواجب سهوا في موضعه (٧) فراجع.

وربّما كان الشمول لمثل الجلوس للاستراحة ، باعتقاد كونه في الركعة الاولى أو الثالثة ، ثمّ ظهر عليه كونه في الثانية أو الرابعة ، وأنّه يجب عليه التشهّد فيتشهّد

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٥ الحديث ٦٠٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٦١ الحديث ١٣٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥١ الحديث ١٠٥٦٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٨٥ الباب ١٥ من أبواب القنوت.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٨٧ الباب ١٨ من أبواب القنوت.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٨٦ الباب ١٦ من أبواب القنوت.

(٥) راجع! الصفحة : ٩٢ ـ ٩٤ (المجلّد الثامن) من هذا الكتاب.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٥ الحديث ٦٠٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٦١ الحديث ١٣٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥١ الحديث ١٠٥٦٣.

(٧) راجع! الصفحة : ١٤٠ ـ ١٤٥ من هذا الكتاب.

٣٥٤

ربّما لا يخلو عن وهن ، سيّما إذا لم يكن بقصد الاستحباب ، فتأمّل!

نعم ؛ لا تأمّل في احتياط سجدة السهو في مثله أيضا ، وكذلك في مثله من الواجب ، مثل جلوسه بقصد ما بين السجدتين ، فظهر عليه أنّه في مقام التشهّد أو بالعكس.

السادس والعشرون : لو جلس بقصد الندب للاستراحة ، فظهر عليه أنّه بين السجدتين ، ولم يسجد الثانية بعد ، يجلس أيضا بقصد الوجوب ، بقصد ما بين السجدتين.

وكذلك الحال لو كان الأمر بالعكس ، مع احتمال الكفاية فيه ، بل في عكسه أيضا ، لصدق الجلوس وكونه لله ، وعدم ثبوت اشتراط ما زاد عليهما.

ومرّ التحقيق في ذلك في مبحث النيّة (١) ، وكيف كان ؛ الاحتياط واضح.

وأمّا لو ظهر أنّه في مقام التشهّد ، فيكفي شروعه في التشهّد بحسب الظاهر.

ولو كان جلوسه للاستراحة بقصد الوجوب لاعتقاده وجوبه ، فظهر كونه بين السجدتين ، فهل يكفي ذلك عن جلوسه بينهما؟ مثل أنّه يتشهّد بقصد التشهّد الأوّل ، فظهر أنّه التشهّد الثاني ، أو بدا له عن قصده الإقامة حينئذ ، ومثل كون قيامه بقصد الركعة الثانية ، فظهر أنّها الثالثة أو الرابعة ، وكذلك الحال في ركوعه وسجوده ، وأمثال ذلك ممّا هو ظاهر عدم ضرر الخطأ فيه أم لا ، لوجوب قصد التعيين ، وكون أحدهما غير الآخر.

وعلى الأوّل : لا يجب سجدة السهو وهو ظاهر.

وعلى الثاني : يجب بناء على وجوبها لكلّ زيادة سهوا على ما مرّ.

ويحتمل أن يكون الأوّل أقوى ، والثاني أحوط.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٠٤ و ٤٠٥ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

٣٥٥

ولو قرأ الحمد بقصد الاولى أو الثانية ، فظهر أنّها الثالثة أو الرابعة ، فالظاهر كفايته.

وأمّا العكس فلعلّه أيضا كذلك ، مع إشكال فيه ، بملاحظة ما ظهر عليك في مبحثه أنّ الحمد حينئذ عوض التسبيح ، وفي مكانه ومقامه (١).

وأنّ الأصل هو التسبيح ، حيث قال عليه‌السلام ـ بعد طلب التسبيح وأنّه الموظّف ـ : «وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تسبيح وتحميد ودعاء» (٢).

ولعلّ الأحوط حينئذ إعادة الحمد ، بقصد مردّد بين كونه المقصود بالذات ، إن لم يكن الأوّل كافيا ، وكونه القراءة الواقعة في أثناء الصلاة غير المضرّة بها ، إن كان الأوّل كافيا ، والله يعلم.

ولو كبّر بقصد تكبيرة الافتتاح ، فظهر كونها تكبيرة الركوع ـ مثلا ـ بطلت صلاته ، بناء على ما مرّ من تحقّق الزيادة في الركن. أمّا لو كبّر بقصد مردّد بين تكبيرة الافتتاح ـ إن لم يكن كبّرها ـ وتكبيرة اخرى ، أو مجرّد ذكر الله إن كان كبّرها ، فالظاهر عدم الضرر أصلا ، إن ظهر أنّه كان كبّرها أوّلا.

وأمّا إن ظهر أنّه لم يكن كبّرها ، فلعلّه أيضا كذلك ، لما عرفت في مبحث النيّة ، من عدم ضرر مثل هذا الترديد في مقام التردّد (٣).

السابع والعشرون : قد مرّ أنّ من سها السجدة ، وذكر قبل الركوع عليه أن يرجع ويسجد (٤).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٦٣ و ٢٦٤ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٦٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٢١ الحديث ١١٩٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ و ١٠٩ الحديث ٧٤٦٧ و ٧٤٧٢.

(٣) راجع! الصفحة : ١٣٢ و ١٣٣ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

(٤) راجع! الصفحة : ٤٨٥ ـ ٤٨٨ (المجلّد السابع) من هذا الكتاب.

٣٥٦

وفي «التذكرة» أنّه هل يجب جلسة الفصل قبل السجود إن لم يكن قد جلس أو كان جلس للاستراحة؟ إشكال ينشأ من عدم النص ، وقيام القيام مقامه للفصل ، وأصالة البراءة من أنّها واجبة فيأتي بها (١) ، انتهى.

أقول : الأخبار الواردة (٢) في المقام كلّها خالية عن التعرّض للأمر بالجلوس قبل السجود ، إذ ليس فيها أزيد من الأمر بالسجود الفائت.

وحمل الكلّ على صورة وقوع الجلوس بينهما والسهو بعده بعيد ، سيّما مع ترك الاستفصال في مقام السؤال المطلق ، إلّا أن يقال : إنّ السائل فرض كون المتروك خصوص السجدة ، لا أمرا آخر أيضا معها ، وإن كان بعيدا ، أو يقال : إنّ الشيعة كانوا يجلسون للاستراحة ، وإطلاق السؤال محمول على الشائع ، وأنّ ذلك الجلوس كاف ، كما احتملناه سابقا.

أو يقال : المراد من قولهم عليهم‌السلام : «يسجدها إذا ذكرها» (٣) ونحوه ، أنّه يسجدها بالنحو الذي فاتت عنه ، على قياس ما ورد في صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (٤).

والكلّ لا يخلو عن مناقشة وتأمّل ، والاحتياط واضح حتّى في صورة الصلاة جالسا ، بأن ينوي جلوسه بكونه بين السجدتين ثمّ يسجد ، ويكتفي في الجلوس المذكور بأقلّ المسمّى.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣٣٤ المسألة ٣٥٣ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الباب ١٤ من أبواب السجود.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠٠٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٢ الحديث ٥٩٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠٠٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٠ الحديث ١٤٥٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٦ الحديث ٨٠٦٦.

٣٥٧

والظاهر انتفاء جلسة الاستراحة حينئذ ، لأنّها لأجل القيام ولا قيام ، وكون قعوده مقام قيامه وقيامه مقام قعوده ، للفصل هنا أظهر ، وكذا عدم النص وأصالة البراءة.

وإن ترك الجلوس سهوا ، وسجد قبل الإتيان به ، سجد سجدتي السهو بعد الصلاة احتياطا.

وكذلك إن ترك قصد ذلك الجلوس في صورة الصلاة جالسا ، وتاركهما جهلا يعيد الصلاة احتياطا ، والله يعلم.

الثامن والعشرون : إذا ظنّ في أثناء الصلاة إتمام الصلاة ، أو الأكثر ، وبعد التسليم ظن النقص ، فإن غلب الأوّل بملاحظة كونه في الصلاة أذكر صح صلاته.

وكذلك إذا تصادم الظنّان وتساويا ، لأنّ الشكّ بعد الصلاة لا ضرر فيه أصلا.

وإن غلب الثاني كما هو الغالب ، أتمّ النقصان الذي ظنّه من دون تكبيرة الإحرام ، وسجد سجدتي السهو للتسليم الأوّل ، أو له وللتشهّد أيضا على حسب ما مرّ.

هذا إذا لم يصدر منه ما ينافي الصلاة ويبطلها ، فإن صدر المنافي أعاد على ما عرفت سابقا.

وإذا ظنّ في أثناء الصلاة النقص ، فأتمّ الصلاة على ما ظنّ ، فظنّ بعد التسليم عدم النقص ، فإن غلب الأوّل أو تساويا ، صحّ صلاته لما عرفت.

وإن غلب الثاني كما هو الغالب أعاد صلاته ، لأنّه زاد في صلاته.

وعرفت أنّها تقتضي البطلان ، إلّا أن تكون رباعيّة وجلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد ، أو تشهّد أيضا عند القائل بالصحّة حينئذ.

وعرفت أنّ الأقوى عدم الصحّة حينئذ أيضا.

وممّا ذكر ظهر حال المخالفة المذكورة في ظنّ الأجزاء أيضا.

٣٥٨

القول في الفوائت

قال الله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (١).

٢٠٧ ـ مفتاح

[موارد لزوم قضاء الفريضة]

من ترك صلاة فريضة مع استكمال شرائطها ، أو أخلّ بها لنوم أو نسيان لزمه القضاء إلّا الجمعة والعيدين على ما مرّ ، للإجماع والصحاح المستفيضة.

منها : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» (٢).

أمّا ما فات منه في الصغر أو الجنون أو الكفر الأصلي فلا ، بالضرورة من الدين. وكذا الحيض والنفاس بالنص والإجماع ، إلّا ما أدركتا وقته طاهرتين ثمّ فاتهما قبل الدم أو بعده. وفيما فات لفقد الطهورين قولان :

__________________

(١) طه (٢٠) : ١٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٣ الحديث ١٠٥٦٥.

٣٥٩

أصحّهما الوجوب ، لإطلاق الأخبار (١) ، وعدم تبعيّة القضاء للأداء ، كما هو التحقيق.

ويستحب فيما فات بالإغماء ، وفاقا للأكثر جمعا بين ما دلّ على ثبوته من الصحاح المستفيضة (٢) ، وما دلّ على سقوطه منها (٣).

ولو زال عقله لشي‌ء من قبله كشرب مسكر ، وجب لعموم الأخبار السابقة خرج منها ما خرج وبقي ما سواه ، وكذا لو ارتدّ وجب عليه قضاء زمان ردّته بالإجماع.

ولا يجب على المخالف من أهل القبلة إذا استبصر إعادة ما فعله في تلك الحال ، وإن كان الحقّ بطلان عبادته ، كما يستفاد من الصحاح (٤) للصحيحين (٥) ، وهو تفضّل من الله سبحانه.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٣ الباب ١ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٦٤ الباب ٤ من أبواب قضاء الصلوات.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٨ الباب ٣ من أبواب قضاء الصلوات.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ١١٨ الباب ٢٩ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٦ الحديث ١١٨٧٠ و ١١٨٧١.

٣٦٠