مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

قوله : (وإن كانت واحدة). إلى آخره.

أقول : إذا شكّ المصلّي بين الثنتين والثلاث في الرباعيّة فقد عرفت أنّه يبني على الثلاث ، إذا كان بعد إكمال السجدتين ، وعرفت التحقيق في ذلك (١).

فإذا كان يبني على الثلاث ويأتي بركعة اخرى ويتشهّد ويسلّم يصلّي المشكوك فيه المسمّى بصلاة الاحتياط بعد التسليم.

والمشهور التخيير بين ركعة قائما وركعتين جالسا كما هو الحال فيما إذا شكّ بين الثلاث والأربع مطلقا من دون اشتراط إكمال السجدتين ، لأنّه في موضع تعلّق الشكّ بين الثنتين وأزيد منهما ، فإذا شكّ بين الثلاث والأربع يبني على الأربع ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يصلّي بعده صلاة الاحتياط بالنحو الذي ذكر.

ونسب إلى الصدوق وابن الجنيد التخيير بين البناء على الأقلّ ولا احتياط ، وبين البناء على الأكثر والاحتياط (٢).

وعرفت أنّ ما نسب إلى الصدوق وهم من الناسب (٣) ، وليس عندي كتاب ابن الجنيد.

حجّة المشهور ، مضافا إلى ما عرفت (٤) من موثّقات عمّار وغيرها (٥) ، صحيحة أبي العبّاس عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم وانصرف ،

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٢٤ ـ ٢٢٦ من هذا الكتاب.

(٢) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٨٢ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٥٨.

(٣) راجع! الصفحة : ١٨٥ ـ ١٨٨ من هذا الكتاب.

(٤) في (د ١) و (ك) : ما عرفته.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٢١ ـ ٢٢٣ من هذا الكتاب.

٢٤١

وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (١).

ومثل هذه الصحيحة كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وحسنة ابن مسلم (٣) ، وحسنة الحسين ابن أبي العلاء (٤) في أنّهم أمروا بالركعتين جالسا في صلاة الاحتياط.

ومعتبرة جميل عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه‌السلام قال فيمن لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء : «فهو بالخيار ، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات [وهو جالس]» (٥).

وأمّا صلاة الاحتياط في هذا الشكّ والشكّ بين الثنتين والثلاث ، فقد عرفت أنّ المشهور التخيير بين ركعة قائما وركعتين جالسا ، كما دلّ عليه المعتبرة المذكورة ، وأنّه لا ينافيها الصحاح السابقة عليها (٦) ، لأنّ الواجب التخييري أيضا يؤدّي بلفظ الأمر.

ومستند القائل بالركعتين جالسا خاصّة صحّة تلك الأخبار أو كصحّتها ، وعدم مقاومة غير الصحيح للصحيح.

ومستند القائل بالركعة الواحدة قائما خاصّة كونها الركعة المتروكة على

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٣ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٤ الحديث ٧٣٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١١ الحديث ١٠٤٤٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٣ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٢ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥١ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٥ الحديث ٧٣٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٨ الحديث ١٠٤٦٥.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٥٣ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٤ الحديث ٧٣٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٦ الحديث ١٠٤٦١.

(٦) مرّ آنفا.

٢٤٢

تقدير النقصان ، فكيف يكون ركعتين جالسا.

ولعلّ هذه الأخبار عنده أخبار آحاد لا توجب علما ، لو كان قائلا بعدم حجيّة خبر الواحد ، أو عملا أيضا لو كان قائلا بحجيّتها بناء على كونها مخالفة للقاعدة اليقينيّة ، أو التي هي أقوى منها.

مضافا إلى ما في أخبار كثيرة من قولهم عليهم‌السلام : «فابن على الأكثر وسلّم ثمّ ائت بما احتمل نقصانه» (١) وليس الناقص سوى الركعة قائما.

والقول بتعيين الركعتين جالسا ظاهر ابن أبي عقيل والجعفي (٢).

والقول بتعيين الركعة قائما منسوب إلى علي بن بابويه (٣).

والمشهور أقوى لانجبار المعتبرة بالشهرة مع عدم صراحة قول بخلاف ذلك.

بل ادّعى في «المنتهى» اتّفاق القائلين بالبناء على الأكثر على التخيير الذي هو مضمونها (٤).

لكن اختيار الركعتين جالسا أحوط في صورة الشكّ بين الثلاث والأربع ، واختيار الركعة قائما أحوط في صورة الشكّ بين الثنتين والثلاث لعدم نصّ في الإتيان بركعتين جالسا حينئذ.

مع أنّ المستفاد من موثّقات عمّار (٥) ، وعبارة «الأمالي» وغير ذلك (٦) ، الإتيان

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ و ٢١٣ الحديث ١٠٤٥١ و ١٠٤٥٣ و ١٠٤٥٤.

(٢) نقل عنهما في ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٩.

(٣) نقل عنه في الحدائق الناضرة : ٩ / ٢٢٦.

(٤) منتهى المطلب : ٧ / ٦٢.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٢١ ـ ٢٢٣ من هذا الكتاب.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٣ المجلس ٩٣ ، قرب الإسناد : ٣٠ الحديث ٩٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٥ الحديث ١٠٤٥٨.

٢٤٣

بركعة قائما ، لأمرهم عليهم‌السلام بالإتيان بما ظنّ ـ أي احتمل أنّه نقص ـ بعد التسليم ، ويجوز (١) الركعتين جالسا في الشكّ بين الثلاث والأربع لا يقتضي بدليّتهما للركعة قائما على المشهور.

ولذا لم يجوّزوا الركعة قائما بدل الركعتين جالسا في صورة الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، كما ستعرف.

وكذلك لا يجوز الركعتين جالسا مكرّرا بدلا عن الركعتين قائما.

وكذلك لا يجوز الركعة من قيام مكرّرا بدلا عن الركعتين من قيام.

وكذلك لا يجوز عند المشهور ركعة من قيام مع ركعتين من جلوس في صورة الشكّ بين اثنتين والثلاث والأربع ، كما ستعرف.

وبالجملة ، ما ذكر لا يقتضي البدليّة على سبيل الكليّة ، فتأمّل جدّا!

قوله : (للصحيح). إلى آخره.

هو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : يصلّي بركعة من قيام [ثمّ يسلّم] ثمّ يصلّي ركعتين وهو جالس» (٢).

واضطراب هذا السند رواية أبي إبراهيم عليه‌السلام عن الصادق عليه‌السلام بالعنوان المذكور وهو غريب غاية الغرابة.

ومع هذا في نسخة اخرى ركعتين من قيام ، وهي الأصح بملاحظة أنّ الصدوق قال بعد ذلك : وقد روي أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس ،

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر الصحيح : تجويز.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٠ الحديث ١٠٢١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٢ الحديث ١٠٤٧٩ مع اختلاف يسير.

٢٤٤

وليست هذه الأخبار مختلفة ، وصاحب السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ فهو مصيب (١) ، انتهى.

فلو كان الصحيح المذكور أيضا ركعة من قيام لم يبق لما ذكره وجه ، كما لا يخفى على من تأمّل عبارة «الفقيه».

أو على تقدير صحّة نسخة «ركعة من قيام» يصير التفاوت بين الروايتين أنّ صلاة ركعة من قيام تكون داخلة في أصل صلاته ، ومتّصلة بها ومتقدّمة على تشهّدها وتسليمها ، بخلاف الرواية الأخيرة ، فإنّها ليست هكذا.

لكن هذا الاحتمال ممّا لم ينسب إلى الصدوق أصلا ، بل لم ينسبه أحد إلى أحد ، بل ربّما كان مخالفا للضرورة من الدين.

وممّا ذكرنا ظهر فساد ما نسبه المصنّف إلى الصدوق كما ذكرنا مرارا أنّه وهم ، بل نسب غيره إليه القول بركعة من قيام بعد التسليم على التعيين ، ثمّ ركعتين من جلوس ، كما في «الذخيرة» (٢).

وفيه أيضا : أنّه نسب إلى ابن الجنيد القول بجواز البناء على الأقلّ ما لم يخرج الوقت (٣) ، ولم ينسب إليه ما نسب إلى الصدوق ، بل لعلّ غير «الذخيرة» فعل كذلك كما أظن (٤) ، والله يعلم حقيقة الحال.

قوله : (وقوّاه في «الذكرى»). إلى آخره.

حيث قال : قال ابنا بابويه وابن الجنيد : يصلّي ركعة من قيام وركعتين من جلوس ، وهو قوي من حيث الاعتبار لأنّهما تنضمّان حيث تكون الصلاة اثنتين ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ ذيل الحديث ١٠٢٤.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٧٧.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٧٧.

(٤) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٩ / ٢٤١.

٢٤٥

ويجتزي بإحداهما حيث يكون ثلاثا ، إلّا أنّ النقل والاشتهار يدفعه (١) ، انتهى.

وكلامه ظاهر في عدم ورود النقل الموافق للاعتبار ، وأنّ قوّة قولهما من الاعتبار لا النقل من الشارع ، بل النقل يدفعه مع الاشتهار.

ومن هذا لم يورد صحيحة عبد الرحمن أصلا في المقام ، مع أنّ المقام مقام ذكرها لو كانت كما ذكرها المصنّف.

والاعتبار الذي ذكره محلّ نظر ، كما قال المصنّف وغيره (٢) ، لأنّ قوله : لأنّهما ينضمّان. إلى آخره ، محلّ نظر ظاهر ، لأنّ العبادة توقيفيّة بلا شبهة والعقل لا طريق [له] إليها بلا ريبة.

فكيف يحكم بانضمامها إن اتّفق كون الصلاة ثنتين ، وعدم الانضمام إن اتّفق كونها ثلاثا ، بل يحكم بعدم الانضمام بعد ملاحظة ما صدر من الشرع من هيئتها قولا وفعلا ، وأنّ زيادة تكبيرة الإحرام بين الصلاة تبطل الصلاة ، وكذلك التسليم عمدا ، بل التشهّد أيضا كذلك.

وبالجملة ، ما ذكر خلاف القاعدة ولا دليل على خروجه عنها ، سيّما بعد ما عرفت من الحاشية السابقة على الحاشية السابقة من عدم كليّة البدليّة (٣) ، بل غالب الصور لا يتمشّى فيه البدليّة ولا تصح.

قال في «الذكرى» : هل يجوز أن يصلّي بدل الركعتين جالسا ، ركعة قائما ، ظاهر المفيد في «الغريّة» (٤) وسلّار (٥) تحتّمه ، والأصحاب عدمه والفاضل يتخيّر

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٧.

(٢) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٧٩ ، ذخيرة المعاد : ٣٧٧.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٤٤ من هذا الكتاب.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٨٦.

(٥) لم نعثر في مظانّه.

٢٤٦

لتساويهما في البدليّة (١) ، وهو قوي (٢) ، انتهى ، قد ظهر لك عدم قوّته ، فتدبّر!

قوله : (وحمله على الرخصة ممكن).

أقول : قد ظهر لك حال الصحيح ، ومع ما ظهر حمله على الرخصة يوجب شذوذه ، بحيث لم يقل أحد بمضمونه ، ومثل هذا لا يكون حجّة أصلا.

فكيف يعارض الحجّة ويغلب عليها ، إذ ظهر عليك أنّ مقتضى النص والفتاوى تعيين الركعتين من قيام ، لا التخيير أو الأفضليّة.

قوله : (للمعتبرة).

أقول : قد ذكرنا المعتبرة (٣) فلاحظ!

قوله : (كالمبدل).

يعني أنّه بدل عن الركعتين الأخيرتين ، وقاعدة البدليّة تقتضي مساواة البدل للمبدل إلّا ما خرج بالدليل ، وهو وجوب تكبيرة الافتتاح والتشهّد والتسليم.

ومن جهة البدليّة لا يجوز قراءة السورة فيها ، ويجوز ركعة واحدة وغير ذلك.

أقول : للخصم أن يقول : هو صلاة منفردة إلّا ما ثبت خلافه ، ولذلك يجب التكبيرة ، إلى غير ذلك من أحوال الصلاة المنفردة.

والحق أنّ كونه بدلا غلط ، بل هو معرض للبدليّة إن اتّفق نقص الصلاة واقعا ، ويتعرّض للصلاة المستقلّة أيضا إن اتّفق تماميّة الصلاة في الواقع ، كما ورد في

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ٣٨٦.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٧.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٢٤ و ٢٢٥ من هذا الكتاب.

٢٤٧

النصوص (١) ، وظاهر من الاعتبار والملاحظة.

فمن أجل معرضيّتها للأمرين جمع الشارع بين حالتيهما مهما أمكن.

واختيار تكبيرة الإحرام بناء على أنّ زيادتها سهوا ـ يعني من جهة وقوع السهو في عدد الركعة ونسيانه ـ غير مضرّ ، كما صرّح به الأصحاب ، وظهر من الأخبار ، ومرّ مشروحا في شرح قول المصنّف : فإن كان شكّه. إلى آخره في المفتاح السابق (٢) ، كما أنّ زيادة التشهّد والتسليم غير مضرّ في صورة السهو وهو ظاهر ، ومرّ في مبحث من ظنّ إتمام الصلاة فتشهّد وسلّم ، ثمّ ظهر النقص (٣).

ومثل التكبيرة القيام لجواز الجلوس وجعل الركعة ركعتين في المورد المنصوص على الأظهر والمشهور ، ومطلقا على مختار البعض (٤) ، كما عرفت سابقا (٥).

وبالجملة ، تجويز الركعة الواحدة قائما مراعاة للبدليّة ، وتجويز الركعتين جالسا بدلها مراعاة لكونها صلاة برأسها ، وترك السورة جمعا بين المراعاتين ، لما عرفت من أنّ الجمع بينهما مهما أمكن لازم ، كما يظهر من الأخبار والاعتبار والاشتهار ، فيلزم أن يكون قراءة الفاتحة متعيّنة لجميع ما ذكر.

ألا ترى أنّ المعصوم عليه‌السلام في الصحاح (٦) والمعتبرة (٧) صرّح بكون الاحتياط

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٢ الحديث ٤ ، ٣٥٣ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٩ الحديث ١٠١٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٦ الحديث ٧٣٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٢ الحديث ١٣١٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٩ الحديث ١٠٤٦٩ و ١٠٤٧٠.

(٢) راجع! الصفحة : ٢١٤ ـ ٢١٧ من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ١١٥ ـ ١١٧ من هذا الكتاب.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ٣٨٥ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٢ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٩.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٤٢ و ٢٤٣ من هذا الكتاب.

(٦) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٨ الحديث ١٠٤٦٧ ، ٢١٩ الحديث ١٠٤٦٩ و ١٠٤٧٠.

(٧) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٣ الحديث ١٠٤٥٣ ٢٢٣ الحديث ١٠٤٨٢.

٢٤٨

تتمّة الصلاة لو كانت ناقصة ، وصلاة نافلة مطلوبة مستقلّة لو كانت تامّة ، فكيف يجوز الصلاة التامّة المستقلّة بالتسبيح فقط ، مع أنّ «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (١) من المتواتر عن الشارع ، والضروريّات من المذهب بل الدين.

ومن هذا ورد في جميع الصحاح والمعتبرة الأمر بقراءة الفاتحة (٢).

ولم يرد خبر ضعيف شاذ في تجويز التسبيح هنا ، فما ظنّك بالصحيح والمعتبر ، وهذا شاهد آخر ، فتدبّر!

فلو كانت هذه الصلاة بدلا عن الأخيرتين البتّة ، ولم تكن إلّا بدلا عنهما يكون القراءة خارجة عن القاعدة البتّة ، كتكبيرة الإحرام وغيرها ، فما ظنّك إذا لم تكن بدلا خاصّة ، وقاعدة البدليّة ليست بأقوى ممّا ذكر من الأخبار (٣) وغيره ، بل ليست مقابلة لها بل أضعف منها بلا شبهة ، كيف ولم يعتبرها كثير كما لم تعتبر في كثير.

قوله : (وهل يجب تعقيبها). إلى آخره.

الظاهر عدم الخلاف في وجوب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة ، كما صرّح به في «الذكرى» (٤) ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يبطل الصلاة بتخلّل المنافي بينها وبين الاحتياط أم لا؟ المشهور نعم ، وعن ابن إدريس وجماعة من المتأخّرين (٥)

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧ الباب ١ من أبواب القراءة ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢١٨ الحديث ١٣.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٦ و ٢١٩ الباب ١٠ و ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٣ ـ ١٠٤٦٦ و ١٠٤٦٨ ، ٢١٩ الحديث ١٠٤٦٩ ـ ١٠٤٧١ ، ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٤.

(٤) ذكرى الشيعة : ٤ / ٨١.

(٥) في (د ١) و (ك) : لم ترد : وجماعة من المتأخّرين.

٢٤٩

لا ، للأصل ، ولأنّه صلاة منفردة ، وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كلّ حكم (١).

أقول : كونها صلاة منفردة فقط قد اتّضح فساده ، والأخبار تنادي بذلك ، حيث صرّحوا عليهم‌السلام في الأخبار بأنّه إن كان صلّى ناقصا كان هذا الاحتياط تتمّة صلاته جزءا لها.

ومن المعلوم أنّ الجزء والتتمّة لا بدّ أن يراعى فيه ما يجب مراعاته في الأجزاء والبقيّة ، ولا يكون هذا تتمّة لها إلّا أن يكون جزءا في صورة النقص ، ولذا لو ذكر النقص بعد ذلك ، تكون صلاته صحيحة تامّة كما هو المشهور المعروف ، وظاهر من الأخبار أيضا (٢).

بل روى في «التهذيب» بسنده إلى عمّار ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن شي‌ء من السهو من الصلاة ، فقال : «ألا اعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟» ، [قلت : بلى ، قال :] «إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا [فرغت و] سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (٣).

فهذه صريحة فيما ذكرناه ، وسيجي‌ء تمام التحقيق إن شاء الله تعالى ، مع أنّها لو كانت صلاة منفردة لما وجب المبادرة ، وقد وجبت بلا خلاف ، ويظهر من الأخبار أيضا (٤) ، كما لا يخفى على المتأمّل فيها ، فإنّ المتبادر منها القيام إلى هذا الاحتياط بعد

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٥٦ ، البيان : ٢٥٥ ، روض الجنان : ٣٥٣ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٧ ، ذخيرة المعاد : ٣٧٨.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٩ الحديث ١٤٤٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٣ الحديث ١٠٤٥٣.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٢٥٠

الفراغ من التسليم بدارا.

بل في صحيحة أبي بصير : «إن لم تدر أربعا صلّيت أو ركعتين ، فقم واركع ركعتين» (١) والفاء للتعقيب بلا مهلة.

وإذا تخلّل المنافي لم يمكن تحقّق المبادرة الثابتة ، لوجوب تحصيل الطهارة ، فيكون الإتيان به حينئذ إتيانا بالمأمور به على غير وجهه ، ويبقى المكلّف تحت عهدة التكليف ، إذ شغل ذمّته بالصلاة كان يقينا ، والبراءة اليقينيّة لم تحصل بمجرّد الصلاة المشكوك فيها ، ولا بالاحتياط المتخلّل بينه وبين الصلاة المنافي ، مع قطع النظر عمّا ذكرنا من المبادرة الثابتة بالنصوص والوفاق ، فكيف الحال بعد ملاحظتها أيضا.

والأصل لا يجري في ماهيّة التوفيقيّات ، كما هو المحقّق في محلّه (٢) ، مع أنّه لا يعارض دليلا ، فكيف الأدلّة؟

والمحقّق في الاصول أنّ المأمور به إذا كان مأمورا به على سبيل الفور فبفوات الفور يفوت المأمور به كالمؤقّت (٣) ، والصلاة الفريضة وقع فيها خلل ، والشارع قال : علاج ذلك فعل الاحتياط بدارا ، كيف يتحقّق الامتثال بدونه؟

وممّا ذكر ظهر فساد ما أجاب في «المدارك» بأنّ المبادرة والفوريّة إنّما تدلّ على وجوب المبادرة إليه بعد الفراغ من الصلاة ، ولا خلاف في ذلك ، كما قال في «الذكرى» ، ولا يلزم من ذلك بطلان الصلاة بتخلّل الحدث (٤).

وما أجاب أيضا عن الاستدلال بأنّ معرضيّة هذه الصلاة لأن تكون تماما

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٥ الحديث ٧٣٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٦ مع اختلاف يسير.

(٢) الفوائد الحائرية : ٤٨٤ (الفائدة : ٣٠).

(٣) الفوائد الحائرية : ٤٤٧ (الفائدة : ٢٢).

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٦.

٢٥١

للصلاة يقتضي بطلانها بتخلّل الحدث ، كما يبطل بالحدث المتخلّل بين أجزاء الصلاة : بأنّ ذلك لا يقتضي أن يكون جزء الصلاة (١) ، مع انفصالها عنها بالنيّة وتكبيرة الإحرام وغيرهما (٢) ، إذ بالتأمّل فيما ذكرنا اتّضح لك فساد أمثال هذه الأجوبة والإيرادات.

وممّا ينادي بجزئيّة الاحتياط للفريضة اليوميّة الخمسة ، وعدم كونه فريضة على حدة غير الخمسة وسوى اليوميّة ، تواتر الأخبار في كون الفريضة خمسة ، وكون الواجب في اليوم والليلة خمسة ، وأنّه لا يجب أزيد منها مطلقا ، وأن المكلّف لو أتى بها لم يؤاخذه الله تعالى بغيرها (٣) ، وأمثال هذه العبارات.

فيكون هذا الاحتياط إمّا جزءا لها وتتمّة منها ، أو صلاة نافلة على وفق ما نطق به الأخبار الصحاح والمعتبرة المفتى بها عند الكلّ ، من دون شائبة ، تأمّل!

مع أنّه اتّفق كلمات الكلّ في كون الواجب من الصلاة اليوميّة والجمعة والعيدين ، والآية ، والملتزم بنذر وشبهه ، ولا يجعلون صلاة الاحتياط واجبا آخر ، ومرّ في أوّل الكتاب تحقيق ذلك (٤).

ويدلّ على ذلك أيضا صحيحة ابن أبي يعفور المتضمّنة لحكم الشكّ بين الاثنتين والأربع ، إذ في آخرها : «وإن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (٥).

__________________

(١) في (د ١) : جزءا للصلاة.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٦.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ١٠ الباب ٢ من أبواب اعداد الفرائض

(٤) راجع! الصفحة : ٧٤ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٥٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٦ الحديث ٧٣٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٢ الحديث ١٤١٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٩ الحديث ١٠٤٧٠.

٢٥٢

إذ ظاهرها أنّه إن تكلّم قبل هاتين الركعتين اللتين تكونان تمام الأربع إن كان صلّى ركعتين ، فليسجد سجدتي السهو.

وظاهر أنّ التعرّض لذكر ذلك في هذا المقام من دون مقتض لذكره بالخصوص إظهار كون المصلّي قبل إتيان هاتين الركعتين بعد في الصلاة ، وأنّ حكم ما ذكر حكم من تكلّم بعد ما سلّم وبنى على أنّ صلاته تمّت ومضت ظانا خروجه من الصلاة كما عرفته ، وعرفت أنّه تكلّم في الصلاة سهوا ، فكذا الحال في المقام ، إذ لا بد من مراعاة ذلك بل مراعاة جميع أحوال الجزء مهما تيسّر ، كما عرفت.

وأجاب عنها في «المدارك» بأنّ في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس ، وأنّها لا تدلّ على المطلوب صريحا ، لاحتمال إرادة الكلام في الصلاة سهوا ، ثمّ لو كانت صريحة لم يلزم منه البطلان ، بل اللازم التحريم (١). انتهى.

ولا يخفى ما فيه ، لأنّ محمّد بن عيسى ثقة ، ويونس ثقة جليل القدر ، فلا يضرّ ما قاله بعض القميّين (٢).

مع أنّه رحمه‌الله لم يطعن على هذا السند في مبحث سجدتي السهو للشكّ بين الأربع والخمس وغيره (٣) ، على ما أظنّ.

بل الظاهر عمله به ، وما قال من عدم الصراحة في الدلالة ظاهر في قبول الظهور ، وهو كاف بلا شبهة عنده وعند سائر الفقهاء ، وما ذكر من أنّ اللازم منه هو التحريم خاصّة فساده واضح ، إذ ظاهر أنّ هذا التكلّم تكلّم سهو يحتاج علاجه إلى سجدتي السهو ، فظهر ظهورا تامّا كونه بعد في الصلاة ، سيّما بعد ملاحظة ما

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٦ مع اختلاف يسير.

(٢) رجال النجاشي : ٣٣٣ الرقم ٨٩٦.

(٣) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٦ و ٢٨١.

٢٥٣

ذكرناه في التقريب ، لا أنّ صلاة الاحتياط صلاة منفردة مستقلّة وأنّ المكلّف خرج عن صلاته ولم يشرع بعد في الصلاة الاخرى ، كما هو حاله في فراغه عن الظهر وعدم اشتغاله بالعصر مثلا.

وبالجملة ؛ إن ظهر منه حرمة ، ظهر البتّة كونها من حرمة الصلاة بلا خفاء.

مع أنّ مقتضى ما ذكره ابن إدريس (١) عدم حرمة أصلا ، كما هو شأن الصلاة المنفردة.

وحمل كلامه على كونها منفردة من جهة وغير منفردة من جهة ، فيه ما فيه ، لاقتضاء كونه من تتمّة الصلاة من مراعاة الجزئيّة مهما تتيسّر ، كما اختاره القوم.

فإن قلت : لعلّ الاحتياط صلاة منفردة من جميع الوجوه ، إلّا أنّه نقول بحرمة فعل المنافي بينهما من جهة خصوص الإجماع ، ولولاه لكنّا نقول بعدم الحرمة أيضا.

قلنا : هذا أيضا فيه ما فيه ، إذ لم يدّع أحد الإجماع ، بل الوفاق على تحريم فعل المنافي بينهما حتّى يقال : دليل ذلك الإجماع ، أو عدم دعوى الإجماع على تحريم فعل المنافي تعبّدا ، من غير مدخليّة البطلان أصلا ، مع كون معنى المنافي المنافي لتحقّق الصلاة ، وصحّتها ـ كما لا يخفى ـ من القطعيّات.

مع أنّه لو ادّعى مدّع ذلك فلا عبرة به ، لأنّ الفقهاء غير ابن إدريس حكموا بالمنع ، لكون الاحتياط معرضا لتماميّة الصلاة ، كما هو صريح أدلّتهم ومتمسّكهم ، بل فتاواهم أيضا في غاية الوضوح في ذلك ، ولذا نسب الخلاف إلى خصوص ابن إدريس (٢).

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٥٦.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٤٩ و ٢٥٠ من هذا الكتاب.

٢٥٤

نعم ، بعد ابن إدريس اختاره العلّامة في خصوص إرشاده (١).

ومعلوم أنّ الإجماع إنّما ثبت من فتاوى الفقهاء ، وفتاواهم كما عرفت ، فتأمّل جدّا!

مع ما عرفت من أنّ ذلك أيضا ظاهر في بقاء حرمة الصلاة على حالها حتّى يتحقّق الفراغ ممّا هو معرض ليكون جزءها وتتمّتها ، كما لا يخفى على المنصف.

ثمّ إنّ ما ذكره من منع كون البدل في حكم المبدل منه مطلقا إلّا ما خرج بالدليل ، ودعوى جواز التسبيح في هذه الصلاة بدل «الحمد» من جهة كونها بدلا عن الركعتين الأخيرتين تناقض واضح ، لا يندفع منه بوجه ، بل غفلة منه عجيبة ، كما صدر عن الشهيد أيضا في «الذكرى» (٢) وصاحب المدارك في «المدارك» (٣).

فإنّ العلّامة حين ما أورد عليه التناقض المذكور (٤) أجاب في «الذكرى» بأنّ التسليم جعل له حكما مغايرا للجزء ، ولا ينافي ذلك تبعيّة الجزء في بعض الأحكام (٥).

وفي «المدارك» قال بعد هذا الكلام : هو جيّد لو ثبت التبعيّة لكنّه غير ثابتة ، بل الدليل قائم على خلافه (٦) ، انتهى.

وفيهما ما فيهما.

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٧٠.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٨٢.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٧ ، تنبيه : اختلاف الشارح (اي الوحيد) والشهيد والعاملي في امكان البدلية لا في جواز التسبيح ، لأنهما صرحا بعدم جواز التسبيح في صلاة الاحتياط ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ٨١ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٥.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ٤١٦ و ٤١٧.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٨٢.

(٦) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٦٧.

٢٥٥

أمّا في «الذكرى» ، فلأنّ البدليّة لو اقتضت المساواة في الأحكام إلّا ما خرج بالدليل ، فلا وجه للحكم بعدم بطلان الصلاة معلّلا بأنّ البدل لا يجب مساواته للمبدل في كلّ حكم ، وإن لم يقتض المساواة المذكورة ، كما ادّعاه هنا ، فلا وجه للحكم ببقاء التخيير بين «الحمد» والتسبيح ، لكونه بدلا.

وأمّا في «المدارك» ، فلأنّ ابن إدريس قائل بأنّ التخيير من جهة البدليّة ، كما صرّح في «المدارك» بأنّ تخيير ابن إدريس بينهما من جهة أنّه قائم مقام الركعتين الأخيرتين ، فثبت فيه التخيير ، كما ثبت في مبدله ، واعتراض العلّامة إنّما هو عليه.

مع أنّك عرفت التبعيّة والدليل عليها ، وبطلان الدليل على عدم التبعيّة أصلا ، ومن أراد البسط في المقام أزيد ممّا ذكر فعليه بمطالعة حاشيتنا على «المدارك» (١).

قوله : (وإن كان الأوّل أحوط).

أقول : الأحوط على رأي ابن إدريس هو الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة ، إذ لو كان صلاة منفردة وذمّته مشغولة بها عنده كيف يتركها ويكتفي بإعادة ما صلّاها ، كما هو رأي المشهور ، بل ترك الواجب البتّة وأتى بما ليس واجبا عليه مطلقا.

ولعلّ مراد المصنّف هو الذي ذكرناه ، وإن كانت عبارته ظاهرة في غير الباطل بلا شبهة ، ولعلّ مراده خصوص التعقيب للصلاة وترك المنافي لا غير ، كما هو ظاهر عبارته.

__________________

(١) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ٣ / ٣١١ و ٣١٢.

٢٥٦

٢٠٤ ـ مفتاح

[الشكّ في صلاة الجماعة]

لا شكّ للمأمومين مع حفظ الإمام ، ولا له مع حفظهم ، بلا خلاف يعرف ، للمعتبرة (١) ، ويجوز رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن ، والشاكّ إلى الظانّ ، ولو اشتركا في الشكّ واتّحد لزمهما حكمه.

وإن اختلفا فإن جمعهما رابطة رجعا إليها ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ، فيرجعان إلى الثلاث ، لتيقّن الأوّل عدم الزيادة عليها والثاني عدم النقيصة عنها ، وإلّا تعيّن الانفراد ولزم كلّا منهما حكم شكّه ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنين والثلاث ، والآخر بين الأربع والخمس.

وإذا اختلف المأمومون لم يجز التعويل على أحدهم ، إلّا إذا أفاد الظن وكان في موضع يسوغ التعويل عليه (٢).

ولو سها الإمام فزاد ركعة لم يجز للمسبوق بركعة أن يأتمّ به في تلك

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٥.

(٢) وذلك كما إذا شكّ في فعل بعد ما جاوز وقته ، فإنّه ممّا لا يتلفت إليه «منه رحمه‌الله».

٢٥٧

الركعة للموثّق (١).

وكلّما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه ، ولا يلزم للآخر متابعته فيهما ، خلافا لـ «الخلاف» فنفاهما عن المأموم مطلقا وإن عرض له السبب (٢) ، ول «المبسوط» فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب (٣) ، وهما شاذّان. وأكثر هذه الأحكام مستفاد من الاصول والعمومات.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٣٩.

(٢) الخلاف : ١ / ٤٦٣ المسألة ٢٠٦.

(٣) المبسوط : ١ / ١٢٣.

٢٥٨

قوله : (للمعتبرة).

أقول : هي حسنة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة» (١).

ومرسلة يونس المرويّة في «الكافي» و «التهذيب» و «الفقيه» عن الصادق عليه‌السلام : عن الإمام يصلّي بأربعة أو خمسة فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثة ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعة ، يقول هؤلاء : قوموا ، ويقول هؤلاء : اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم ، فما يجب عليه؟ قال : «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق منهم» ـ هذا على نسخة «الفقيه». و «بإيقان منهم» ، على ما في «التهذيب» و «الكافي» ـ «وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ، ولا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة ، ولا سهو في نافلة ، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم» (٢).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : [سألته] عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى هل عليه سهو؟ قال : «لا» (٣).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٢٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٥.

(٢) الكافي ٣ / ٣٥٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ الحديث ١٠٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٤ الحديث ١٨٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٠ الحديث ١٤٥٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٩ الحديث ١٠٥٣٣.

٢٥٩

وفي «الفقيه» عن محمّد بن سهل ، عن أبيه ، عن الرضا عليه‌السلام : «الإمام يتحمّل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح» (١).

ورواها الكليني والشيخ بتفاوت ما في السند والمتن (٢).

ثمّ اعلم! أنّ مقتضى النصوص والفتاوى أنّ الشاك منهما يرجع إلى الآخر مع يقينه ، وأمّا مع ظنّه فمحتمل ، كما حكم به جماعة من الأصحاب (٣) ، لإطلاق الحسنة والصحيحة ، وإن كان الظاهر من المرسلة خلافه ، لقوله عليه‌السلام : «إذا حفظ عليه من خلفه» ، وقوله : «بإيقان منهم» على نسخة عرفتها ، وإن أمكن أن يقال : النسخة الاخرى أنسب بالمقام ، ولا أقلّ من التساوي ، وأنّ الحفظ الذي في مقابل السهو لا يأبي عن شموله للظن.

فإذا حصل للشاكّ ظنّ من ملاحظة ظنّ الآخر فالظاهر عدم إشكال في العمل على ظنّه ، لما مرّ (٤).

وأمّا الظانّ منهما ، فهل يجب أن يرجع إلى يقين الآخر ، كما نقل عن جماعة من الأصحاب (٥)؟ فيه إشكال ، لأنّ الظانّ مكلّف بالعمل بظنّه ، كما عرفت في محلّه ، فكيف يجوز له رفع اليد عنه وتقليد غيره؟

وكون اليقين أقوى من الظنّ إنّما هو لمن حصل له اليقين ، لا لمقلّده أيضا ، فإنّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٨١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٤٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٨١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ١٣٩ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٠ ، ذخيرة المعاد : ٣٦٩.

(٤) راجع! الصفحة : ١٩٤ و ١٩٥ من هذا الكتاب.

(٥) روض الجنان : ٣٤٢ ، ذخيرة المعاد : ٣٦٩ ، الحدائق الناضرة : ٩ / ٢٧٠ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٣ / ٣٤٣.

٢٦٠