مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

ولا يعارض ما ذكر ، قوله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) (١) لتوجّه الخطاب إلى المكلّفين ، لما عرفت من أنّ «إذا» من أداة الإهمال.

ولو كان المسلّم على المصلّي صبيّا مميّزا ، ففي وجوب الردّ عليه وجهان ، والأحوط أنّه قراءة آية قرآنية مع قصد التنبيه بها بعنوان الاحتياط.

السابع : إذا سلّم عليه بغير الألفاظ المذكورة فقد عرفت أنّ ابن إدريس حكم بعدم جواز إجابته (٢).

ونقل عن المحقّق أيضا ذلك (٣) ، وعنه أيضا : نعم لو دعا له ، وكان مستحقّا وقصد الدعاء لا ردّ السلام لا أمنع منه (٤).

وعن «التذكرة» و «النهاية» : أنّه يجوز الردّ إذا سمّي تحيّة ، وكذا إن قصد الدعاء وإن لم يسمّ تحيّة (٥).

وعن «المختلف» وجوب الردّ (٦) ، وعن «المنتهى» أيضا كونه قريبا (٧).

أقول : تسميته تحيّة لا يرفع الإشكال ، لما عرفت من كون كلمة «إذا» من أداة الإهمال ، والمطلق ينصرف إلى الشائع الغالب ، وكون التحيّة بمثل ذلك على المصلّي حال صلاته من الشائع الغالب في زمان نزول الآية ، محل تأمّل ، فتأمّل!

وكذا قصد الدعاء ، لأنّ المحاورة مع الناس ، والمكالمة والمخاطبة مع الآدميّ بما

__________________

(١) النساء (٤) : ٨٦.

(٢) السرائر : ١ / ٢٣٦.

(٣) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٣٦٦ ، لاحظ! المعتبر : ٢ / ٢٦٤.

(٤) المعتبر : ٢ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٣ المسألة ٣٢١ ، نهاية الإحكام : ١ / ٥١٨.

(٦) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٠٤.

(٧) منتهى المطلب : ٥ / ٣١٨.

٤١

تضمّن دعاء ، مثل طوّل الله عمرك ، أو أكبت عدوّك ، أو لا يدعك محتاجا (١) ، إلى غير ذلك مخاطبة مع الآدميين.

وفي الأخبار : أنّ كلّ ما كلّمت الله أو كلّما ناجيت به ربّك وأمثال ذلك في الصلاة فلا بأس به ، وليس بكلام (٢).

ومعلوم أنّ ما ناجى الناس وكلّمهم وخاطبهم غير ما ناجى الله وكلّمه وخاطبه ، ولذا استثني منه السلام بالنحو المذكور والتسميت أيضا ، وقد عرفت ما فيه وعرفت ما ذكرنا في التسليم من الإشكال (٣) فرفع الإشكال في المقام أيضا بقراءة آية من القرآن أو قراءة دعاء ويقصد التنبيه احتياطا ، لا أنّه يحاور ويكالم ويخاطب مع الآدمي ، ولعلّ ذلك مراد المحقّق وغيره (٤) ، والله يعلم.

الثامن : الفور المعتبر في الردّ عرفيّ ، فلا يضرّ إتمام كلمة أو كلام لو وقع السلام في أثنائها.

التاسع : قد عرفت أنّ الردّ حقّ من حقوق المسلّم (٥) ، فلعلّه يبقى ويمتدّ وقته ما أمكن أداؤه وإيصاله إليه ، وإن قلنا بأنّ الفوري يفوت بفوات الفور.

العاشر : لو أخلّ بالردّ ثمّ صار بحيث يستلزم الردّ إليه بطلان الصلاة بأن يتوقّف على المشي إلى مكان المسلّم أو تنبيهه بأمر مناف للصلاة ليسمع ، ففي بقاء الردّ على الوجوب ولزوم إبطال الصلاة ورفع اليد عنها حينئذ نظر. ولعلّ الأظهر البقاء واللزوم ، والله يعلم.

__________________

(١) في (د ١) و (ك) : تحتاج.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٣ الباب ١٣ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٣ و ٢٤ من هذا الكتاب.

(٤) المعتبر : ٢ / ٢٦٤ و ٢٦٥ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٣ المسألة ٣٢١.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٣ من هذا الكتاب.

٤٢

الحادي عشر : قيل : يحرم سماع صوت الأجنبيّة (١) ، وسيجي‌ء التحقيق في موضعه إن شاء الله تعالى ، وأنّ المشهور ، ولكن على هذا يحرم سلام المرأة على الأجنبيّ.

وهل يجب على الأجنبيّ الردّ عليها؟ يحتمل ذلك ، لعموم الدليل ، وفيه ما عرفت من منعه (٢) ، لاحتمال تبادر التحيّة المشروعة من الأدلّة.

وفي وجوب الردّ عليها لو سلّم عليها أجنبيّ وجهان : أقواهما الوجوب خفيّا ، والإبلاغ بالإشارة ونحوها مع الإمكان ، والله يعلم.

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ٢٦٩ ، إرشاد الأذهان : ٢ / ٥.

(٢) راجع! الصفحة : ٤١ و ٤٢ من هذا الكتاب.

٤٣
٤٤

١٩٤ ـ مفتاح

[حكم الفعل الكثير في الصلاة]

من فعل في الصلاة فعلا كثيرا خارجا عنها بطلت صلاته إجماعا ، لخروجه عن كونه مصلّيا. أمّا القليل أو مع السهو فلا بلا خلاف فيهما ، إلّا أنّ الثاني مشروط بعدم انمحاء الصورة ، فتبطل معه.

ويرجع في القلّة والكثرة إلى العرف ، لعدم التحديد في الشرع.

نعم ؛ كلّ ما ورد في المعتبرة جواز فعله فهو في حيّز القليل ، كقتل البرغوث (١) والحيّة والعقرب (٢) والبقّة والقمّلة والذباب (٣) وضمّ الجارية المارّة إليه (٤) ، وحمل الصبيّ الصغير وإرضاعه (٥).

والإشارة باليد والإيماء بالرأس (٦) ، ورفع القلنسوة من الأرض ووضعها على الرأس (٧) ، ورمي الغير بالحصى طلبا لإقباله (٨) ، وتصفيق المرأة عند إرادة

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٤ الباب ٢٠ من أبواب قواطع الصلاة.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الباب ١٩ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٤ الباب ٢٠ من أبواب قواطع الصلاة.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٨ الحديث ٩٣٣٣.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٠ الباب ٢٤ من أبواب قواطع الصلاة.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٤ الباب ٩ من أبواب قواطع الصلاة.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٦ الحديث ٤١٦٢.

(٨) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٨ الحديث ٩٢٦٩.

٤٥

الحاجة (١) ونحو ذلك.

وفي الصحاح المستفيضة : «لو أنّ رجلا رعف في صلاته ، وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيناوله ، فقال برأسه فغسله ، فليبن على صلاته ولا يقطعها» (٢).

وفي بعضها : «ينفتل ويغسل أنفه ويعود في صلاته ، وإن تكلّم فليعد صلاته» (٣). وحملت على ما إذا لم يكثر فانمحى صورة الصلاة ، جمعا بينها وبين الصحيح الآخر (٤) بحمله على الماحي.

والأصح أنّ الأكل والشرب أيضا كذلك ، إنّما يبطلان مع الكثرة عرفا دون المسمّى ، خلافا لـ «المبسوط» و «الخلاف» فمطلقا (٥) ، إلّا الشرب في النافلة ، للخبر (٦).

وربّما خصّ بمورده وهو الوتر للعطشان المريد للصوم الخائف للإصباح القريب من الماء (٧) ، وهو ضعيف.

وربّما يلحق بالفعل الكثير السكوت الطويل الذي يخرج به عن كونه مصلّيا (٨) ، وهو حسن.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٤ الحديث ٩٢٥٩ و ٩٢٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٨ ـ ٢٤٣ الباب ٢ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٨ الحديث ٩٢١٥.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٢ الحديث ٦٨٠.

(٥) المبسوط : ١ / ١١٨ ، الخلاف : ١ / ٤١٣ المسألة ١٥٩.

(٦) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٩ الحديث ٩٣٣٦.

(٧) المعتبر : ٢ / ٢٦٠ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٩٣.

(٨) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٩ ، جامع المقاصد : ٢ / ٣٤٤.

٤٦

قوله : (من فعل). إلى آخره.

لا خلاف بين العلماء في أنّ الفعل الكثير الخارج عن الصلاة ممّا لم يكن من جنس الصلاة عامدا مبطل للصلاة ، حكى ذلك الفاضلان (١).

قال في «المنتهى» : ويجب ترك الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة ، فلو فعله عامدا بطلت صلاته ، وهو قول أهل العلم كافّة ، لأنّه يخرج عن كونه مصلّيا ، والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع.

قال : ولم يحدّ الشارع القلّة والكثرة فالمرجع في ذلك إلى العادة ، وكلّ ما ثبت أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام فعلوه في الصلاة أو أمروا به فهو في حيّز القليل ، كقتل البرغوث والحيّة والعقرب.

وكما روى الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يحمل أمامة بنت أبي العاص ، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها (٢) (٣) ، انتهى.

وفي «التذكرة» قال : الفعل الذي ليس من أفعال الصلاة إن كان قليلا لم يبطل به الصلاة ، كالإشارة بالرأس ، والخطوة ، والضربة ، وإن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف في الحكمين ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة : الحيّة والعقرب (٤). إلى أن قال : واختلف الفقهاء في حدّ الكثرة ، فالذي عوّل عليه علماؤنا البناء على العادة فما يسمّى في العادة كثيرا فهو كثير وإلّا فلا ، لأنّ عادة الشرع ردّ الناس فيما لم ينصّ عليه إلى عرفهم (٥) ، وبمثل ذلك صرّح ابن إدريس (٦).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٥٥ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٨ المسألة ٣٢٨.

(٢) الموطأ : ١ / ١٧٠ الحديث ٨١ مع اختلاف يسير.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٣ و ٢٩٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٤ الحديث ٩٣٢١.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٨ المسألة ٣٢٨.

(٦) السرائر : ١ / ٢٣٨.

٤٧

وفي «الذكرى» : يحرم الفعل الكثير الخارج عن الصلاة إذا خرج فاعله به عن كونه مصلّيا ، لسلب اسم الصلاة فلا تبقى حقيقتها (١) ، انتهى.

أقول : الشرع يردّ الناس إلى عرفهم فيما يكون للناس عرف واصطلاح فيه ، لأنّ كلّ متكلّم مع مخاطب إنّما يتكلّم معه بما هو مصطلح عليه بينهما إن لم يعيّن غيره بالقرينة الصارفة عن ذلك المصطلح.

وإن كان اصطلاح المتكلّم غير اصطلاح المخاطب ولم يعرفه المخاطب فلا شبهة في أن تكلّمه معه إنّما هو باصطلاح ذلك المخاطب ، لئلّا يتحقّق الإغراء بالجهل والتكليف بما لا يطاق.

فإذا لم يكن للمخاطب اصطلاح أصلا ، كما هو الحال في العبادات كيف يكون لهم اصطلاح فيها ، فإنّ أهل العرف لا يعرفون أنّ الصلاة مثلا ما هي ، وكيف هي أصلا ورأسا ، لكونها من مستحدثات الشرع بالبديهة ، لا طريق إلى معرفتها مطلقا بل هي مجهولة عندهم مطلقا فكيف يعرفون أنّ الأمر الفلاني من الصلاة أو لا؟ فإذا عرفوا من الشرع أنّه ليس من الصلاة فمن أين يدرون أنّه مضرّ بالصلاة؟ يبطل لها أم لا؟ فضلا أن يعرفوا أنّ قليلها لا يضرّ وكثيرها يضرّ ، إذ لا طريق لهم إلى معرفة ما يضرّ الصلاة بالمرّة إلّا من جهة الشرع ، لتوقيفيّتها عليه بالبديهة.

فإن قلت : إذا علمنا من الشرع أنّ الأمر الفلاني ليس من الصلاة لا جرم يكون حال اشتغاله به غير مصلّ ، لأنّه آت بغير ما هو من الصلاة.

قلت : فيلزم بمجرّد ارتكاب قليل من القليل بطلان صلاته من غير توقّف على الكثير.

مع أنّ نظرنا إلى غير موضع السجود ـ مثلا ـ ليس من الصلاة قطعا ، ومع

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٦ و ٧.

٤٨

ذلك لا يخرجنا عن الصلاة بالبديهة.

فإن قلت : لعلّه ظهر من الشرع أنّ قليلا ممّا هو خارج عن الصلاة غير مخرج عنها بخلاف الكثير منه.

والقلّة والكثرة معناهما معروفان لغة وعرفا ، فيرجع الشرع إلى العرف ، كما هو الحال في كثير الشكّ وغيره ممّا ذكر فيه لفظ الكثير ، فيرجع فيه إلى ما يعدّ كثيرا عرفا وهو كونه ثلاثا فما فوقه.

قلت : لم يوجد في حديث من أحاديث العامّة والخاصّة لفظ الفعل الكثير ، بل ولا لفظ الفعل القليل ولا ما يومئ إليهما بقليل أيضا ، والآية أيضا كذلك بالبديهة.

وأمّا الإجماع ؛ فكلامنا ليس إلّا فيما يعرف منه ، وما ذكره ناقل الإجماع من الحوالة إلى العرف سيّما بالنحو الذي ذكر.

فإن قلت : إذا عرف من الشرع أنّ الأمر الفلاني ليس من الصلاة ، وعرف من الإجماع أنّ قليله لا يضرّ الصلاة وبارتكابه لا يكون خارجا عنها ، بخلاف كثيره ، تعيّن أن تحقّق ذلك في الصلاة بالقدر الذي يسمّى عرفا كثيرا بالكثير العرفي يكون مخرجا عن الصلاة ، مضرّا بها ، مبطلا لها.

قلت : هذا أيضا مشكل ، إذ عرفت أنّ نظرنا في الصلاة إلى غير الموضع الذي استحبّ كون نظرنا فيها إليه ، لو وقع ثلاث مرّات وأزيد بمراتب لا تحصى ، لا يكون مبطلا لها عندهم ، كما أنّ الوثبة العظيمة غاية العظم لو وقعت فيها تكون مبطلة لها وإن كانت فعلا واحدا عرفا.

فإن قلت : لعلّ المراد من العرف عرف المتشرّعة ، وبعد صدر الإسلام ومعرفة المتشرّعة الأمر الذي به يخرج المصلّي عن كونه مصلّيا في عرف المتشرّعة.

٤٩

قلت : ثبوت أمر من المتشرّعة بحيث يصير معرّفا لنا وحكما يرجع إليه ، ومع ذلك يكون ذلك ثابتا من الشرع ؛ محلّ تأمّل ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكر من أنّ كل ما ثبت أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام فعلوه فيها أو أمروا به فهو في حيّز القليل (١). إلى آخره.

مع أنّ المتشرّعة فقهاء ومقلّدون لهم ، ومن لا يقلّد مع وجوب التقليد عليه أو لا يمكنه أن يقلّد ، والأخيران كون قولهما حجّة ، فيه ما فيه ، والأوّلان قولهما هو قول الفقهاء وعينه.

وعرفت الكلام فيه ، مع أنّ غير الفقيه لاستئناسه بالهيئة الصادرة عن المسلمين في الأعصار والأمصار يحكم بالخروج عن الصلاة في غالب ما يثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام عدم ضرره لها ، مثل حمل بنت في الصلاة أو ابن بحيث كلّما سجد وضع ، وكلّما قام رفع (٢).

ومثل ما صدر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التقدّم إلى ما رآه من النخامة في جدار المسجد في القبلة ، وحكّها بعرجون ثمّ الرجوع [الـ] قهقرى (٣) ، وغير ذلك ممّا ستعرف.

وعن ابن حمزة أنّه حصر القليل في المقام في ثمانية : مثل الإيماء ، وقتل المؤذيات من الحيّة والعقرب ، [والتصفيق] وضرب الحائط تنبيها على الحاجة ، وما لا يمكن التحرّز منه كازدراد ما يخرج من خلل الأسنان ، وقتل القمّل والبرغوث ، وغسل ما أصاب الثوب من الرعاف ما لم ينحرف عن القبلة أو لم

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٧ من هذا الكتاب.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٠ الحديث ٨٤٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٩٢ الحديث ٩٣٧٧.

٥٠

يتكلّم ، وحمد الله على العطاس ، وردّ السلام بمثله (١).

وفي «الذكرى» زاد على ما ذكر : عدّ الركعات والتسبيح بالأصابع ، والإشارة باليد ، والتنحنح ، وضرب المرأة على فخذها ، ورمي الغير بالحصى طلبا لإقباله ، وضمّ الجارية إليه ، وإرضاع الصبي حال التشهّد ، ورفع القلنسوة من الأرض ووضعها على الرأس ، ولبس العمامة والرداء ، ومسح الجبهة (٢).

وعن الفاضل بعض ما ذكر والتأمّل في كون الثلاثة مبطلة ، وأنّ الثلاثة المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة ، وأمّا الحركات الخفيفة كتحريك الأصابع في سبحة ، أو حكّة (٣) ، فالأقرب منع الإبطال بها ، فهي مع الكثرة بمثابة الفعل القليل ويحتمل الإبطال للكثرة (٤). ولعلّه ضعيف.

وفي «المنتهى» ادّعى الإجماع على جواز عدّ الركعات بأصابعه (٥).

والتحقيق في المقام هو إنّا مكلّفون عند دخول الوقت بعبادة معيّنة نسمّيها الآن صلاة ، فإن ثبت كونها اسما لمجرّد الأركان والأجزاء المعلومة ، وثبت أيضا الحقيقة الشرعيّة فيها ، فمتى أتينا بتلك الأركان والأجزاء نكون ممتثلين خارجين عن عهدة التكليف ، فتكون صحيحة ، وإن وقع فيها ما لا يكون من الصلاة ، إلّا أن يثبت فسادها من دليل شرعي إجماع أو غيرها.

فما أجمعوا على فسادها [به] يكون مفسدا لا غير ، إلّا أن يثبت الإفساد من آية أو حديث حجّة.

__________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٩٧.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧ و ٨ و ١١ و ١٢.

(٣) في (د ١) : أو حكّه بأصابعه ، وفي المصدر : أو حكمه.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٩٠ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ٣٥٥.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٥.

٥١

وإن لم يثبت ذلك فلم يعرف المأمور به ، فلم يتحقّق الامتثال بمجرّد الإتيان بالأجزاء المذكورة فيكون الأصل عدم الصحّة وعدم الامتثال إلّا فيما ثبت الصحّة والامتثال من إجماع أو نصّ حجّة.

وعدم معروفيّة المأمور به بأسباب متعدّدة ، وهي بأن ثبت كونها اسما لخصوص الصحيحة المستجمعة لجميع شرائط الصحّة ، كما هو الأقوى بالنظر إلى الأدلّة ، مثل التبادر وصحّة السلب وغيرهما ممّا ذكرنا في موضعه ، أو لم يثبت ، لا هذا ولا ذاك ، أو يثبت كونها اسما لمجرّد الأركان والأجزاء المعهودة ، لكن لم يثبت الحقيقة الشرعيّة ، ولم يكن قرينة معيّنة لإرادة المصطلح عليه عند المتشرّعة ، كما هو الظاهر من صاحب «المدارك» (١) وموافقيه (٢) فيه ، أو ثبت الحقيقة الشرعيّة أيضا ، أو يكون عند المتشرّعة قرينة معيّنة على إرادة المصطلح عليه في كلام الشارع ، كما هو الظاهر من النافين للحقيقة الشرعيّة ، لكن احتمل على التقديرين أن يكون من جملة أجزاء الصلاة الهيئة المعتبرة فيها المقتضية لخلوّها عن المنافيات.

كيف لا؟ وصريح كلام الفقهاء المؤسّسين بهذه القواعد أنّه لو كان الفعل الكثير بحيث يخرج المصلّي عن كونه مصلّيا يكون مفسدا مبطلا لها.

وهذا ينادي بمدخليّة ذلك في ماهيّة الصلاة ، مع أنّه في المتواتر من الأخبار أنّ الصلاة تقطع (٣) ، وكذا في كلام المسلمين ، والقطع فرع دخول الهيئة المتّصلة في ماهيّتها ، فيحصل من هذه الجهة أيضا إجمال واختلال في تعيين المراد ، لاختلاف الفقهاء في القدر المضرّ ، كما هو ظاهر ، وأشرنا إليه في الجملة وسنشير أيضا.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٥٣ ، ٣ / ٥.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٥٥ ، معالم الدين في الاصول : ٣٨ ، لاحظ! الوافية : ٦٠.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٨ ـ ٢٤٤ الباب ٢ و ٣ من أبواب قواطع الصلاة.

٥٢

هذا ؛ مضافا إلى تواتر الأخبار في المنافيات وما يخرج به عن الصلاة مع اختلاف فيها في كثير.

مثل ما في صحيحة ابن مسلم : «أنّ المصلّي لا يتأخّر وهو في صلاته ، لكن يتقدّم ما شاء إلى القبلة» (١) ، وفي غيرها : «أنّه إن كان خطوة فنعم مطلقا ، وإن زاد فلا ، كذلك» (٢) إلى غير ذلك.

وبالجملة ؛ يكون الأصل في جميع الصور المذكورة عدم صحّتها ، وعدم تحقّق الامتثال ، وعدم الخروج عن عهدة التكليف فيما لم يكن إجماع على صحّته ، أو دليل آخر من آية أو حديث حجّة ، لأنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.

ولا يكفي البراءة الاحتماليّة بلا خفاء (٣) ولا شبهة ، وأشرنا إلى وجهه مكرّرا وهو الاستصحاب ، وقولهم عليهم‌السلام في أحاديث كثيرة : «لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا ولا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله» (٤) ولقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) وغير ذلك ، وحقّق في محلّه.

بل تتبّع أحكام الفقهاء يكشف عن كونه إجماعيّا ومسلّما عندهم.

والقول بأنّ شغل الذمّة اليقيني لا يكون إلّا في القدر اليقيني من الصلاة دون المشكوك فيه منها ، وأنّ المشكوك فيه يكون الأصل براءة الذمّة من التكليف به ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٨٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٥ الحديث ١٠٩٧٢ مع اختلاف.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٧٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣١ الحديث ١٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الحديث ٩٣٢٠ مع اختلاف.

(٣) في (د ١) : بلا خلاف.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ نقل بالمضمون.

(٥) النساء (٤) : ٥٩.

٥٣

قد بيّنا فساده في «الفوائد الحائريّة» (١) وغيرها (٢) ، إلّا فيما ثبت التكليف به من خصوص الإجماع فقط ، ولم نجد ذلك في الأحكام الفقهيّة.

وأمّا إذا ثبت التكليف من لفظ «صلّوا» أو «أقيموا الصلاة» ونحوهما فالتكليف ثبت بالعبادة التوقيفيّة بالبديهة ، فيكون الأمر كما ذكرنا بلا ريبة.

مع أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» (٣) أيضا يقتضي الاقتصار على خصوص ما صدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أن يثبت صحّة غيره من الإجماع أو دليل آخر.

وأيضا تتبّع تضاعيف الأحاديث الواردة في جواز قطع الصلاة لأمور كثيرة أو استحباب قطعها أو وجوبه على حسب ما مرّ الإشارة إليه (٤) وكذا تتبّع تضاعيف ما ورد في تحريم قطع الصلاة لأمور ، مثل أن يكون بين المصلّي وبين الحيّة أزيد من خطوة ، وغير ذلك (٥) ، وكذا تتبّع تضاعيف ما ورد في منافيات الصلاة ومبطلاتها (٦) ، كما سنشير إلى بعضها.

وبالجملة ؛ تتبّع تضاعيف الأحاديث في جميع ما ذكرنا وأمثاله يكشف كشفا تامّا أنّ الصلاة تنافيها أشياء لا تحصى ممّا ورد في الأخبار وما لم يرد فيها أيضا.

يظهر من ملاحظة الجميع عدم اختصاص المنافيات بخصوص ما ورد في

__________________

(١) انظر! الفوائد الحائريّة : ٤٦٧ الفائدة ٢٨.

(٢) الرسائل الاصولية : ٤٣٢.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٢١٢ الحديث ٦٣١ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٤٥.

(٤) لاحظ! الصفحة : ٥٠٠ و ٥٠١ (المجلّد الثامن) من هذا الكتاب.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣١ الحديث ١٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ و ٢٧٦ الحديث ٩٣٢٠ و ٩٣٣٠.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٣ الباب ١ ، ٢٤٤ الباب ٣ ، ٢٤٧ الباب ٥ ، ٢٥٠ الباب ٧ ، ٢٦٥ الباب ١٥ ، ٢٨١ الباب ٢٥ ، ٢٨٦ الباب ٢٩ من أبواب قواطع الصلاة.

٥٤

الأخبار. بل يحصل القطع بعدم الاختصاص من غاية كثرة المقامات ، وملاحظة خصوصيّات كثيرة منها كما لا يخفى.

مضافا إلى ملاحظة حال المسلمين في الأعصار والأمصار وسلوكهم في صلاتهم وتحرّزهم عمّا لا يحصى فيها ، إذ جميع ذلك يعضد القاعدة التي ذكرناها وتعيّن الأصل الذي أشرنا إليه ، وهو كون الأصل في الصلاة التي وقع فيها غيرها عدم الصحّة حتّى يثبت الصحّة من دليل شرعي ، فلا بدّ من إثبات ما لم يضرّها ولم يوجب فسادها من الإجماع أو غيره.

فنقول : أجمع الأصحاب على جواز عدّ الركعات بالأصابع أو بشي‌ء يكون معه من السبحة أو الحصى أو نحوهما ، بشرط عدم التلفّظ ، بل يعقده في ضميره. وليس مكروها أيضا ، وادّعى الإجماع على ذلك في «المنتهى» ، بل ادّعى إجماع أهل العلم سوى أبي حنيفة والشافعي ، فإنّهما كرهاه (١).

ويدلّ عليه صحيحة ابن المغيرة أنّه قال : «لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذه بيده فيعدّ به» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه (٣).

ومنها رواية البزنطي ، عن داود بن سرحان ، عن الصادق عليه‌السلام : في عدّ الآي بعقد اليد ، قال : «لا بأس هو أحصى للقرآن» (٤).

وفي الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرعاف ، أينقض الوضوء؟ قال : «لو أنّ رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٧ الحديث ١٠٥٥٥.

(٣) انظر! تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٨ الحديث ١٤٤٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٦ الحديث ٧٧٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٧ الحديث ١٠٥٥٣ و ١٠٥٥٤.

(٤) ذكرى الشيعة : ٤ / ٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٧ الحديث ٩٣٦٢.

٥٥

فيناوله ، فقال برأسه فغسله ، فليبن على صلاته ولا يقطعها» (١).

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن مسمع قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : أكون أصلّي فتمرّ بي الجارية فربّما ضممتها إليّ ، قال : «لا بأس» (٢).

وفي الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء ، عن الصادق عليه‌السلام : «عن الرجل يرى الحيّة والعقرب وهو يصلّي المكتوبة؟ قال : يقتلهما» (٣).

وفي الصحيح عن ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يكون في الصلاة فيرى الحيّة أو العقرب يقتلهما إن آذياه؟ قال : «نعم» (٤).

لكن مرّ في موثقة عمّار عنه عليه‌السلام : أنّه «إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلّا فلا» (٥).

وفي حسنة الحلبي ـ بـ إبراهيم بن هاشم ـ عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة أينقض صلاته ووضوءه؟ قال : «لا» (٦).

وفي الصحيح عن البزنطي ، عن أبي الوليد ذريح الثقة ، قال : كنت جالسا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٧ الحديث ١٣٤٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤١ الحديث ٩٢٢٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٩ الحديث ١٣٥٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٨ الحديث ٩٣٣٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٠ الحديث ١٣٥٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الحديث ٩٣١٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٦٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٠ الحديث ١٣٥٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الحديث ٩٣١٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٧٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣١ الحديث ١٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الحديث ٩٣٢٠.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٦٧ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٧٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٠ الحديث ١٣٥٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٤ الحديث ٩٣٢٢.

٥٦

عند الصادق عليه‌السلام فسأله ناجية فقال : جعلت فداك إنّ لي رحى أطحن فيها ، فربّما قمت في ساعة من الليل فأعرف من الرحى أنّ الغلام قد نام ، فأضرب الحائط لأوقظه ، فقال : «[نعم] أنت في طاعة الله عزوجل تطلب رزقه» (١).

وفي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن الرجل يحرّك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه؟ قال : إن كان لا يدميه فلينزعه ، وإن كان يدمي فلينصرف.

وعن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكّه وهو في الصلاة؟ قال : «لا بأس» ، وقال : «لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء وهو يصلّي» (٢).

وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل هل يحتك وهو في الصلاة؟ قال : «لا بأس» (٣).

وفي صحيحته أيضا عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال : «نعم ، قد كان أبو جعفر عليه‌السلام يفعل ذلك» (٤).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة ، قال : «لا بأس به» (٥).

وفي صحيح الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل يقوم في الصلاة فيرى القمّلة ، قال : «فليدفنها في الحصى» (٦) ، الحديث.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٠١ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٥ الحديث ١٣٢٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٦ الحديث ٩٢٦٦ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٤ الحديث ٧٧٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٤ الحديث ٩٣٥٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٦٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٥ الحديث ٩٣٥٥ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ الحديث ٨٢١٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٦ الحديث ١٠١٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٣ الحديث ٩٣٥١.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٩ الحديث ١٣٥٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٦ الحديث ٩٣٢٨.

٥٧

وفي موثق عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها وهي تصلّي ، أو ترضعه وهي تتشهّد» (١).

وفي الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن محمّد بن بجيل أخي علي بن بجيل قال : رأيت الصادق عليه‌السلام يصلّي فمرّ به رجل وهو بين السجدتين ، فرماه الصادق عليه‌السلام بحصاة فأقبل إليه الرجل (٢).

وفي الصحيح أيضا عنه عن علي بن الحسن الرباطي ، عن زكريّا الأعور ؛ ورواه الصدوق أيضا عن زكريّا قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يصلّي قائما وإلى جانبه رجل كبير ، يريد أن يقوم ومعه عصا له ، فأراد أن يتناولها ، فانحطّ أبو الحسن عليه‌السلام وهو قائم في صلاته ، فناول الرجل العصا ثمّ عاد ، إلى صلاته (٣).

وفي الموثّق كالصحيح عن يونس بن يعقوب قال : رأيت الصادق عليه‌السلام يسوي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين (٤).

وفي صحيح صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن رجل من بني عجل ، عن الصادق عليه‌السلام : عن المكان يكون فيه الغبار أفأنفخه إذا أردت السجود ، فقال : «لا بأس» (٥).

وفي موثّقة عمّار : «إنّ المرأة إذا أرادت شيئا ضربت يدها على فخذها وهي

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٠ الحديث ١٣٥٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٠ الحديث ٩٣٣٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٣ الحديث ١٠٧٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٧ الحديث ١٣٤٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٨ الحديث ٩٢٦٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٢ الحديث ١٣٦٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٣ الحديث ٧١٧٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٦ الحديث ٨٣٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ الحديث ٨٢١٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٧ الحديث ٨٣٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٢ الحديث ١٢٢٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٩ الحديث ١٢٣٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٠ الحديث ٨١٥٧.

٥٨

في الصلاة» (١) ، إلى غير ذلك ممّا ذكرناه فيما سبق في مباحث متعدّدة ، وأشرنا إليه في المقام أو سنذكره فيما سيأتي ، أو نشير إليه.

لكن ليس كلّما ورد في خبر معتبرا ، بل لا بدّ من اعتبار ذلك الخبر سندا ودلالة ، وخلوّه عن المعارض المضرّ وعدم شذوذه.

وذكر ذلك على التفصيل يتوقّف على كثير تطويل لم أره مناسبا في المقام ، والخبر المذكور يعرف بأدنى اطّلاع على ما ذكرناه ، فيعرف الموضع الذي لا يضرّ.

مع أنّ ما ذكرناه من الأخبار جلّها معتبرة ، وكثير منها في غاية الاعتبار.

ومع ذلك الاحتياط ظاهر ، مضافا إلى ملاحظة ما ورد في آداب الصلاة من الخشوع والطمأنينة في الجوارح والقلب ، وعدم العبث ، وجعل النظر إلى موضع السجود وغيره (٢) ممّا مرّ في موضعه.

وكذا الحال في [رفع] اليد ، كما عرفت في محلّه ، إلّا أن يدعو داع إلى قطع الصلاة فيقطعها على حسب ما مرّ في موضعه ، أو يدعو داع إلى ما لا يقطعها فلا يقطعها ويرتكب ذلك فيكون هو الاحتياط ، وإن كان الإعادة مع ذلك أحوط ، إلّا أنّها في الغالب لا اهتمام به ، بل ويوجب العسر والحرج في الدين ولا يناسب السهولة تكون في الملّة ، فالوثبة الفاحشة تضرّ وإن استشكل فيها في «التذكرة» لصدق الوحدة ، ولإفراطها في بعدها عن حال المصلّي (٣).

واستشكل أيضا فيه في الكثير غير المتوالي من صدق الكثرة عليه وعدمه للتفرّق (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٢ الحديث ١٠٧٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٥ الحديث ٩٢٦٢ مع اختلاف يسير.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ ـ ٤٧٦ الباب ١ و ٢ و ٣ من أبواب افعال الصلاة.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٩٠.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٩.

٥٩

وفيه ؛ أنّ فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلى أمامة (١) ، وفعل الباقر عليه‌السلام بالنسبة إلى مسح الغبار (٢) ، وقول الصادق عليه‌السلام فيه (٣) ، وقوله أيضا في العبث بالذكر (٤) ، وكذا الحال في تسوية الحصى وأمثال ذلك ممّا يدلّ على عدم الضرر.

ومن ذلك ما روي : أنّ الحسين عليه‌السلام كان يصلّي وعلى عاتقه شي‌ء ، وكلّما يركع أو يسجد يقع من كتفه ثمّ يضعه عليه حتّى كمل صلاته (٥).

وإن كان علي بن الحسين عليه‌السلام ارتكب خلاف ذلك لكنّه مستحب بلا شبهة (٦) وما فعله الحسين عليه‌السلام وغيره لداع ، لكن يظهر عدم وجوبه وعدم الضرورة أيضا ، فتأمّل جدّا!

وبالجملة ؛ كلّما علم بالبداهة من الدين أو المذهب عدم ضرره في الصلاة ، فحكمه معلوم بالبداهة ، أو علم من إجماع المسلمين أو الشيعة ، فحكمه معلوم منهما ، أو من الآية أو الأخبار المعتبرة السالمة عن المعارض فكذلك.

وكلّما علم ضرره من واحد ممّا ذكر فحكمه معلوم منه ، والكلام إنّما هو فيما لم يعلم ضرره وعدم ضرره ، وعلم حكمه ممّا ذكرناه من أنّه لا بدّ من عدم الاكتفاء بالصلاة التي وقع فيها ، ولزوم الإعادة من جهته لعدم الاكتفاء بالبراءة الاحتماليّة وعدم نفعها قطعا بلا ريبة ، وإن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة ، والإعادة لا بدّ منها البتّة.

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠١ الحديث ١٢١٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ الحديث ٨٢١٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٧ الحديث ٨٣٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠٢ الحديث ١٢٢٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٩ الحديث ١٢٣٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٠ الحديث ٨١٥٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٦ الحديث ١٠١٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٨٣ الحديث ٩٣٥١.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٧ الحديث ٧٨٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٩٢ الحديث ٥٤٨٨.

(٦) بحار الأنوار : ٨١ / ٢٣٧ و ٢٦٥ الحديث ١٧ و ٦٦.

٦٠