مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو» (١). الحديث.

ولا يضرّ تضمّنها للحكم الأخير ، لما عرفت أيضا مكرّرا ، وكذا ما قال في آخر الرواية : وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتّى يصلّي الفجر ، كيف يصنع؟ قال : «لا يسجد سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها».

وكذا غير هذا من بعض الأحكام الغير المعمول بها عند المستدلّين ، فتأمّل!

لكن مرّ أخبار كثيرة في أنّ من ترك سجدة أو تشهّدا وقام فذكر الترك ، أنّه رجع فتدارك ، من دون إشارة إلى وجوب سجدة سهو لذلك ، والأخبار في غاية الكثرة (٢).

ومع ذلك صحاح ومعتبرة مفتى بها عند الكلّ ، إلّا أن يقال بعدم دخول أمثال ما ذكر في المقام ، بأنّ المراد ما إذا وقع السهو في خصوص القيام موضع القعود ، وكذا العكس ، لا أنّه سها فترك السجود ، أو التشهّد فقام عمدا ، أو أنّه سها فاعتقد أنّه الركعة الثانية ، فقعد عمدا للتشهّد ، فتذكّر أنّه الركعة الاولى أو الثالثة مثلا ، لا أنّه غفل وسها فقام في الركعة الثانية في موضع قعود التشهّد ، أو قعد كذلك بعد الركعة الاولى أو الثالثة ، فتأمّل جدّا في الفرق وعدمه ، والتبادر من الأخبار وعدمه ، وكذا من كلام القائلين ، فتدبّر!

قوله : (حكاه الشيخ).

نقل عن خلافه أنّه قال : وأمّا سجدتا السهو فلا تجبان إلّا في أربعة مواضع ـ وعدّ المواضع وذكرناها فيما سبق (٣) ـ ثمّ قال : وأمّا ما عدا ذلك فهو كلّ سهو يلحق

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٠ الحديث ١٠٥٦٢.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) راجع! الصفحة : ١٣٣ و ١٣٤ من هذا الكتاب.

١٤١

الإنسان. إلى أن قال : وفي أصحابنا من قال : عليه سجدتا السهو في كلّ زيادة ونقصان (١).

والعلّامة أيضا اختاره في بعض كتبه (٢) ، وفي «شرح اللمعة» نسبه إلى الصدوق أيضا وإلى الشهيد (٣).

والظاهر أنّه جعل الذي نسب إليه في «الخلاف» هو الصدوق رحمه‌الله وفيه تأمّل ، لما عرفت في بحث وجوب سجدتي السهو للشك في الأربع والخمس (٤) فلاحظ!

وكيف كان ، المستند فيه صحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن سفيان بن السمط ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٥).

والإرسال وجهالة الراوي غير مضرّ ، للانجبار بالصحّة إلى ابن أبي عمير ، لأنّ مراسيله في حكم المسانيد ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٦) وممّن لا يروي إلّا عن الثقة ، فسفيان ثقة عنده ، والرواية صحيحة عند العصابة من الشيعة ، فتأمّل جدّا!

لكن معارضها أخبار صحاح ومعتبرة ، لا يكاد تحصى ، اشير إلى بعض منها ، والباقي ظاهر ، على ما أشرنا إليه ، والعاقل يكفيه الإشارة ، وأمّا القياس

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٤٥٩ المسألة ٢٠٢.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٢٥ و ٤٢٦.

(٣) الروضة البهيّة : ١ / ٣٢٧.

(٤) راجع! الصفحة : ١٣٥ ـ ١٣٧ من هذا الكتاب.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٥ الحديث ٦٠٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٦١ الحديث ١٣٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥١ الحديث ١٠٥٦٣.

(٦) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

١٤٢

بطريق الأولويّة الذي استدلّ به فمحلّ نظر ، لا يخفى على المطّلع بمنشإ حجيّته عند الشيعة ، وسيّما بعد ملاحظة ما ذكرناه ، والأحوط السجدة في الكلّ.

قوله : (ولم نجد). إلى آخره.

الظاهر أنّ وجوبها له مشهور بين الأصحاب ، قال به أكثرهم ، قال في «المنتهى» : إنّه لو سلّم في غير موضعه كالأوليين (١) من الرباعيّات والثلاثيّة ، أو الأوّلة من مطلق الصلاة سهوا أتمّ صلاته وسجد للسهو ، وبه قال مالك ، وعدّ جماعة اخرى منهم معه لما رواه أبو هريرة ثمّ ذكر حديث ذي اليدين (٢) ثمّ قال : ومن طريق الخاصّة ما تقدّم من حديث زرارة وابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (٣) ، وعن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : رجل صلّى ثلاث ركعات ، وظنّ أنّها أربع ، فسلّم ثمّ ذكر أنّها ثلاث ، قال : «يبني على صلاته [متى ما ذكر] ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو» (٤) (٥) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ حديث زرارة إنّما هو في التكلّم ، وحديث ابن مسلم تضمّن السلام والكلام جميعا ، فلعلّ السجدة للكلام وهو غير المقام.

وهو رحمه‌الله كغيره جعل للكلام عنوانا على حدة ، حتّى في «المنتهى» ، بل وقدّمه على السلام في غير موضعه ، ثمّ ذكره متّصلا به ، وادّعى في الكلام سهوا

__________________

(١) في (د ١) و (ك) : كالأوّلتين.

(٢) صحيح البخاري : ١ / ٣٧٩ الحديث ١٢٢٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩١ الحديث ٧٥٦ و ٧٥٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٨ الحديث ١٤٣٤ ، ٣٧٩ الحديث ١٤٣٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٠ الحديث ١٠٤١٨ و ١٠٤٢٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٣ الحديث ١٠٤٢٧.

(٥) منتهى المطلب : ٧ / ٦٨.

١٤٣

إجماع علمائنا على عدم الإبطال ووجوب سجدتي السهو ولم ينقل الخلاف إلّا عن خصوص أبي حنيفة (١).

وفي المقام لم يدّع الإجماع ولا الشهرة ، ولا موافقة جمع منّا ، بل ولم ينسبه إلى أحد ، وإن نقل بعيد ذلك اتّفاق علمائنا على وجوب سجدتي السهو على التكلّم ناسيا ، والتسليم في غير موضعه ، إلّا أنّه يظهر منه كون النسبة بينهما التباين ، لا العموم والخصوص.

ويظهر من «المختلف» أيضا ـ مع تصريحه فيه بوجود المانع ـ الوجوب من علمائنا في كلّ واحد منهما على حدة ـ ودليل المانع ـ بل وربّما يظهر الخلاف عن جماعة في الأخير (٢).

وممّا يشهد على التباين لا العموم والخصوص ، عدم نقله الخلاف في «المنتهى» في الأوّل إلّا عن أبي حنيفة ، كما ذكرنا ، ونقله الخلاف فيه في الثاني عن مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وذكر أنّهم استدلّوا برواية ذي اليدين.

وفي الأوّل لم يحتجّ أبو حنيفة إلّا بما رووا من أنّ الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الناس (٣) ، وبقياس السهو على العمد.

والظاهر أنّ استدلاله رحمه‌الله بروايتي زرارة وابن مسلم من باب الاستشهاد بالعامّ للخاص ، بناء على أنّ السلام أيضا كلام الناس ، وظهر لك ما فيه ، فدليله في الحقيقة هو رواية عمّار ، ولذا ذكرها بمتنها.

__________________

(١) منتهى المطلب : ٧ / ٦٦.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٢٣ و ٤٢٤.

(٣) المغني لابن قدامة : ١ / ٣٩١ المسألة ٩٣٥.

١٤٤

ووجه دلالتها أنّ الراوي فرّع على كونها أربعا خصوص السلام ، حيث قال : فسلّم ، بكلمة «الفاء» الدالّة على التعقيب بلا مهلة ، من دون إشارة إلى زيادة تشهّد وغيرها ، كي لا يتوهّم كون سجدتي السهو لزيادة التشهّد وغيره ، أو يجعل ذلك احتمالا مانعا عن الاستدلال.

سيّما مع أنّه عليه‌السلام في الجواب ترك الاستفصال ولم يقل : هل أردت ظاهر عبارتك أو غيره؟ وإن كان الظاهر فرضا بعيدا بأنّ المصلّي كما ظنّ أنها أربع ، ظنّ أيضا أنّه تشهّد وصلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتأمّل!

أو يقال : إنّ الراوي لمّا ذكر قوله : فسلّم ، ظهر اعتقاده في كون المضرّ هو السلام ، لكونه هو المخرج عن الصلاة ، فصلاته من هذه الجهة فسدت أم لا ، وأنّها لو كانت صحيحة هل يتوقّف صحّتها [على] علاج أم لا؟ فلمّا أجاب عليه‌السلام بما أجاب فهم أنّ العلاج علاج السلام الواقع في غير موقعه ، مع أصالة عدم مدخليّة غيره فيه ، فتأمّل!

وبالجملة ، الدليل على وجوبهما في المقام لا يخلو عن مناقشة ، سيّما مع كون المتن من عمّار ، لكن الاحتياط في مثله ممّا لا يترك تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، فتأمّل!

١٤٥
١٤٦

٢٠٠ ـ مفتاح

[كيفيّة سجدتي السهو]

المشهور أنّ محلّهما بعد التسليم ، كما في الصحاح المستفيضة (١) ، وقيل : قبله (٢) للخبر (٣) ، وقيل : إن كان للنقصان فقبل ، وإن كان للزيادة فبعد (٤) ، للصحيح (٥) ، وحملا على التقيّة (٦).

وصورتهما على المشهور : أن ينوي ثمّ يكبّر ثمّ يسجد ، ثمّ يرفع رأسه ، ثمّ يسجد ثانية ، ثمّ يرفع رأسه ويتشهّد تشهّدا خفيفا ثمّ يسلّم.

وفي الموثّق : عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : «لا إنّما هما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنّه قد سها ، وليس عليه أن يسبّح فيهما ولا فيهما تشهّد بعد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٧ الحديث ١٠٤٣٨ و ١٠٤٣٩ ، ٦ / ٤٠٢ الحديث ٨٢٨٧.

(٢) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٢.

(٤) لاحظ! المعتبر : ٢ / ٣٩٩ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣١.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤١.

(٦) الاستبصار : ١ / ٣٨٠ ذيل الحديث ١٤٤٠.

١٤٧

السجدتين» (١).

وفي الصحيح : «يتشهّد تشهّدا خفيفا» (٢) ، وفي الآخر : «ثمّ سلّم بعدهما» (٣).

ويمكن حمل نفي التسبيح والتشهّد على نفي وجوبهما وإن استحبّا جمعا.

واستحب في «المختلف» (٤) ما عدا النيّة ، والسجدتين ، للأصل والموثّق المذكور ، مع أنّه نقل في «المنتهى» الإجماع على وجوب التشهّد والتسليم (٥) ، وكذا في «المعتبر» (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٥ الحديث ١٠٥١٩ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ الحديث ١٠٤٩٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٦.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣٤.

(٥) منتهى المطلب : ٧ / ٧٥ و ٧٧.

(٦) المعتبر : ٢ / ٤٠٠.

١٤٨

قوله : (المشهور). إلى آخره.

أقول : بل قال الصدوق في أماليه : إنّ من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به أنّهما بعد التسليم في الزيادة والنقصان (١) ، انتهى.

وعن «المبسوط» : إنّه نقل عن بعض الأصحاب أنّهما إن كانتا للزيادة فمحلّهما بعد التسليم ، وإن كانتا للنقيصة فمحلّهما قبله (٢).

وعن «المعتبر» : أنّه نسبه إلى قوم من أصحابنا (٣) ، وفي «المختلف» : أنّه قول ابن الجنيد (٤).

ونقل في «الذكرى» كلام ابن الجنيد وقال : وليس في هذا كلّه تصريح بما يرويه بعض الأصحاب أن ابن الجنيد قائل بالتفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة (٥).

ونقل في «الشرائع» قولا بأنّ محلّهما قبل التسليم مطلقا (٦) ولم يظهر قائله.

ودليل المشهور بل المجمع عليه صحاح كثيرة ، مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة ، قال : «يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين» ، فقلت : سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال : «بعد» (٧).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٣ المجلس ٩٣.

(٢) المبسوط : ١ / ١٢٥.

(٣) المعتبر : ٢ / ٣٩٩.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣١.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٩٣.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ١١٩.

(٧) الكافي : ٣ / ٣٥٦ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩١ الحديث ٧٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٨ الحديث

١٤٩

وصحيحة عبد الله بن سنان (١) ، وصحيحة أبي بصير (٢) ، وصحيحة الحلبي (٣) المذكورات في مسألة الشك بين الأربع والخمس (٤) ، والمذكورات في مسألة من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص (٥) ، والمذكورات في مسألة من قام في موضع قعوده وبالعكس (٦) ، إلى غير ذلك من الصحاح ، والمعتبرة المذكورة فيها وفي غيرها (٧).

ومنها موثّقة عبد الله بن ميمون القدّاح عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام قال : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (٨).

ورواه الصدوق في «الفقيه» عنه عليه‌السلام مرسلا ، بأنّه قال : «وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سجدتا السهو» (٩). إلى آخره.

وهذا دليل على ثبوت كونه منه عليه‌السلام عنده.

ومثل صحيحة عبد الرحمن لا يحتاج إلى التتميم ، فإنّه تامّ ، وأمّا مثل صحيحة عبد الله بن سنان من الصحاح والمعتبرة الكثيرة غاية الكثرة فيحتاج إلى

__________________

١٤٣٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٦ الحديث ١٠٤٣٥.

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٥ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٧ الحديث ١٠٤٣٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٥ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٠ الحديث ١٠١٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٤١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٦.

(٤) راجع! الصفحة : ١٢٥ من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ١٣٨ و ١٣٩ من هذا الكتاب.

(٦) راجع! الصفحة : ١٤٠ و ١٤١ من هذا الكتاب.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠١ ـ ٤٠٦ أبواب ٧ ـ ٩ من أبواب التشهد ، ٨ / ٢٥٠ الباب ٣٢ من أبواب الخلل.

(٨) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٦٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٣٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٠.

(٩) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩٤.

١٥٠

ضمّ عدم القائل بالفصل ، مضافا إلى الاستقراء.

قوله : (للخبر). إلى آخره.

هو رواية أبي الجارود ، أنّه قال للباقر عليه‌السلام : متى أسجد سجدتي السهو؟ قال : «قبل التسليم فإنّك إذا سلّمت ذهبت حرمة صلاتك» (١).

قوله : (للصحيح). إلى آخره.

هو صحيح سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام في سجدتي السهو : «إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده» (٢).

وفي «الفقيه» : روى عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن الصادق عليه‌السلام : عن سجدتي السهو ، فقال : «إذا نقصت فقبل التسليم ، وإذا زدت فبعده» (٣).

قال الصدوق : إنّي افتي به في حال التقيّة (٤).

وحمل الشيخ أيضا روايتي سعد وأبي الجارود على التقيّة (٥).

ومعلوم كون رواية صفوان أيضا محمولة على التقيّة عنده ، كما أنّه نقل عن الصدوق حمل الكلّ على التقيّة (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٧٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٤٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٣٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ ذيل الحديث ٩٩٥.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ ذيل الحديث ٧٧٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ ذيل الحديث ١٤٤٠.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣٣.

١٥١

وبالجملة ، لا تأمّل في صحّة الحمل المذكور وتعيينه بملاحظة ما ورد في الأخبار المتواترة من لزوم ترك العمل بما ذهب إليه العامّة ، وأنّ الرشد في خلافهم ، وأنّهم ليسوا من الحنيفيّة في شي‌ء ، وأنّ أخبارهم بأمثاله تقيّة منهم عليهم‌السلام أو اتّقاء على شيعتهم ، وأنّه أبقى لهم عليهم‌السلام ولشيعتهم (١).

مع شهادة الاعتبار بذلك ، لأنّهم عليهم‌السلام معصومون من الخطأ والاشتباه ، وأنّ الاختلاف غالبا منهم ، وأنّه لداع يقينا ، وأنّ الداعي أصله ومعظمه هو الخوف من الأعداء ، كما يظهر ذلك من النقل أيضا ، ومن ملاحظة طريقة الشيعة في الأعصار السابقة بأنّهم متى رأوا أمثال ذلك قالوا : أعطاك من جراب النورة (٢) ، وأمثال ذلك ، مثل قولهم : واتقاك ، عدو الله ..؟ وغير ذلك (٣).

وكانوا يتنزّهون عنه كمال التنزّه ، وينفرون ويتنزّهون أيضا ، وملاحظة صيرورة المدار في الفقه على ذلك ، وتأسيس الحلال والحرام وغيرهما من الأحكام عليه ، سيّما في المقام بملاحظة ما ذكره الصدوق في أماليه (٤) ، وسائر الفقهاء في كتبهم المشهورة المعمول عليها المتداولة (٥) ، وقدماء فقهائنا هم أهل الخبرة بالتقيّة ، وكلامهم حجّة في ذلك ، كما هو حجّة في التوثيق والشهرة بين أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام وأمثالهما.

هذا كلّه ، مضافا إلى غاية كثرة الصحاح والمعتبرة ، بل لا تأمّل في الوصول إلى حدّ التواتر ، كما لا يخفى على المطّلع المتأمّل في الأخبار.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) تهذيب الأحكام : ٩ / ٣٣٠ ذيل الحديث ١١٩٥ ، وسائل الشيعة : ٢٦ / ٢٣٨ ذيل الحديث ٣٢٩١٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨ ذيل الحديث ٩٤ ، لاحظ! الفوائد الحائريّة : ٤٦١ و ٤٦٢ الفائدة ٢٦.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٣ المجلس ٩٣.

(٥) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٩ / ٣٣٠.

١٥٢

ومنها ما دلّ على كون السجدتين بعد الفراغ من الصلاة ، أو بعد الصلاة ، أو بعد التمام ، وأمثال ذلك (١) ، مع نهاية صحّة كثيرة منها.

ورواية أبي الجارود في غاية الضعف مع كونه زيديّا ، والزيديّة فروعهم فروع العامّة بلا شبهة ، فيناسبه التقيّة بلا ريبة.

ورواية صفوان فلم يثبت بعد صحّتها ، مع أنّ الذي رواها صرّح بكونها على التقيّة (٢) ، وغيره لم يروها.

وكذلك الحال في صحيحة سعد بن سعد ، مع أنّ في طريقها البرقي ، وفيه كلام وخلاف (٣).

وكيف كان ، لا يقابل صحيحا من الصحاح الكثيرة بحسب السند ، فكيف يقابل الجميع ، فكيف يقابل المتواتر من المعتبرة ، مع نهاية شذوذها من حيث العدد ، ومن حيث العمل ، ومن حيث الوهن بالموهنات الكثيرة التي أشرنا ، كما أنّ معارضها متقوّ بالمقوّيات التي عرفت (٤).

وأيّ مسألة من المسائل الفقهيّة بلغ الحال فيها هذه الغاية ، من دون تأمّل من متأمّل؟ فكيف يجوز التأمّل في المقام بجواز الحمل على التخيير ، كما فعل في «الذخيرة» (٥) ، فتأمّل!

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٧ الحديث ١٠٤٣٨ و ١٠٤٣٩ ، ٢٠٨ الحديث ١٠٤٤٠ ، ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٤ ، ٢٢٣ الحديث ١٠٤٨٠ ، ٢٢٤ الباب ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ ذيل الحديث ٩٩٥.

(٣) لاحظ! رجال العلّامة الحلّي : ١٤ الرقم ٧.

(٤) راجع! الصفحة : ١٤٩ و ١٥٠ من هذا الكتاب.

(٥) ذخيرة المعاد : ٣٨١.

١٥٣

قوله : (وصورتهما). إلى آخره.

أقول : إدخاله التكبيرة فيها ، فيه ما فيه ، لعدم معروفيّة ذلك منهم.

بل ربّما صرّحوا بنفي التكبيرة فيها ، كما فعل في «القواعد» وغيره (١) ، وكلمات الباقين منهم كالصريحة في النفي (٢) ، فيلاحظ!

نعم ، في «الشرائع» : إنّ صورتهما أن يكبّر مستحبّا ثمّ يسجد (٣).

وفي «المدارك» : إنّ استحبابها ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب (٤) واستدلّوا بموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : «لا إنما هما سجدتان فقط ، فإن كان الذي سها الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ، ليعلم من خلفه أنّه سها ، وليس عليه أن يسبّح فيهما ، ولا فيهما تشهّد بعد السجدتين» (٥) ، وهي إنّما تدلّ على اختصاص الاستحباب بالإمام مع أنّها ضعيفة السند (٦) ، انتهى.

أقول : الموثّقة حجّة ، سيّما في مقام إثبات المستحب ، لكنّها تضمّنت نفي التسبيح وغيره أيضا.

وسيجي‌ء التحقيق في ذلك ، ومع ذلك تضمّنت نفي التكبير مطلقا إلّا للإعلام

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٤٤ ، تحرير الأحكام : ١ / ٥٠ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٣.

(٢) غنية النزوع : ١١٤ ، المهذّب البارع : ١ / ٤٥٠ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٢٨.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ١١٩.

(٤) المبسوط : ١ / ١٢٥ ، المعتبر : ٢ / ٤٠٠ ، منتهى المطلب : ١ / ٤١٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ١٦٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧١ ، الاستبصار : ١ / ٣٨١ الحديث ١٤٤٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٥ الحديث ١٠٥١٩.

(٦) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٣.

١٥٤

من الإمام بأنّه سها فيتابعونه ، فليس من مستحبّات السجدتين للإمام أيضا ، ولا خصوصيّة لها أيضا بما ادّعوا من خصوص التكبيرة قبل السجود ، وأنّه لا تكبير بعده أصلا إلى أن يفرغ من السجدتين ، بل صريحة في التكبير بعد رفع الرأس ، وظاهرة غاية الظهور في التكبير الثالث للسجدة الثانية ، والرابع لرفع الرأس منها أيضا ، وأين هذا ممّا ذكروا وأرادوا؟

والظاهر أنّ منشأ فتواهم هو ما ذكره الشيخ في «المبسوط» من أنّه إذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح بالتكبير (١).

ولعلّ منشأ فتواه رواية ذي اليدين ، على ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ثمّ كبّر وسجد (٢) ، ولذا قال أكثر العامّة بالوجوب (٣).

وروى في «التهذيب» بسنده عن زيد بن علي عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن علي عليه‌السلام قال : «صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر خمس ركعات ثمّ انفتل ، فقال له بعض القوم : يا رسول الله! هل زيد في الصلاة شي‌ء؟ قال : وما ذاك؟ قال : صلّيت بنا خمس ركعات ، قال : فاستقبل القبلة وكبّر وهو جالس ثمّ سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ، ثمّ سلّم وكان يقول : هما المرغمتان» (٤).

ولا يخفى على المطّلع بأحوال الشيخ أنّه كان يعمل بالأحكام الواردة في أمثال الروايتين المذكورتين وإن كان يقول بورودها تقيّة ، وأنّها ليست بحجّة في

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٢٥.

(٢) صحيح البخاري : ١ / ٣٧٩ الحديث ١٢٢٨.

(٣) بدائع الصنائع : ١ / ١٧٣ ، المغني لابن قدامة : ١ / ٣٨٤ ، فتح الباري : ٣ / ١٢٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٩ الحديث ١٤٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٧ الحديث ١٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٣ الحديث ١٠٥١٦.

١٥٥

مثل كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سها ممّا ثبت بطلانه ، بل صرّح في «التهذيب» بما ذكرنا (١) مع أنّ المقام ، مقام الاستحباب وهم كانوا يسامحون فيه.

فظهر أنّ المستدلّ بالموثّقة كان غافلا عن حقيقة الحال ، ولذا لم يستدلّ العلّامة بها للاستحباب ، بل استدلّ بها لنفي الوجوب.

قال في «المنتهى» : قال الشيخ : إذا أراد أن يسجد للسهو كبّر ، فإن أراد الوجوب فهو في موضع المنع ، وإن أراد الاستحباب فهو مسلّم ، وقال أكثر الجمهور بالوجوب ، لنا : الأصل براءة الذمّة ـ وأيّده بموثّقة عمّار المذكورة ـ ثمّ قال : وأمّا الاستحباب فلأنّه ذكر الله تعالى (٢). إلى آخر ما ذكره.

ولمّا كان في نسختي سقط ووهم ، ترك لذلك الناسخ بعض عباراته فما فهمت مطلوبه ، فتركت ذكره ، فليلاحظ النسخة الصحيحة ، وليتأمّل فيما ذكره!

قوله : (ويمكن حمل). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الموثّق لا يعارض الصحيح فضلا عن الصحاح ، خصوصا إذا لم يكن باقيا على ظاهره ، إذا ظاهره نفي الاستحباب أيضا ، بل في غاية الظهور فيه ، بل كالنصّ بملاحظة استثناء التكبير للإمام ، إذ لم يقل بوجوبه أحد ، بل لم يقل أحد باستحباب التكبيرات المذكورة ، فتأمّل!

وبالجملة ، لا شبهة في شذوذ هذا الموثّق وعدم قائل بمضمونه ، فيجب ترك العمل به ، سيّما إذا عارض الإجماع أيضا ، إذ المحقّق في «المعتبر» ، والعلّامة في «المنتهى» قالا : وجوب التشهّد والتسليم فيهما قول علمائنا أجمع (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥١ ذيل الحديث ١٤٥٤.

(٢) منتهى المطلب : ٧ / ٧٧.

(٣) المعتبر : ٢ / ٤٠٠ و ٤٠١ ، منتهى المطلب : ٧ / ٧٥ و ٧٧.

١٥٦

لكن في «المختلف» قال : والأقرب عندي أنّ ذلك كلّه للاستحباب ، بل الواجب النيّة لا غير ، لنا الأصل براءة الذمّة ، وما رواه عمّار ـ وذكر الموثّقة (١) ـ انتهى.

أقول : الأصل لا يجري في الامور التوقيفيّة كاللغات وغيرها ، وشغل الذمّة بالصلاة يقيني ، وكذا سجدتي السهو ، والبراءة اليقينيّة تتوقّف على ما علم شرعا أنّه سجدتي السهو ، أو ثبت بالظنّ المنتهي إلى اليقين ، فشغل الذمّة مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ووجوب الإطاعة والامتثال العرفي أيضا يقتضي ذلك ، وكذا الإجماع وغيره أيضا يقتضيان ذلك ، وأصل البراءة جار فيما لم يعلم التكليف به بعبارة توقيفيّة ، وقد علم ، وتمام التحقيق ذكرناه في «الفوائد الجديدة» (٢).

سلّمنا الجريان ، لكن وجد الدليل على الوجوب بل الأدلّة ، مثل ما في صحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا نسي». إلى أن قال : «وإن كان شاكّا فليسلّم ثمّ ليسجد [ها] وليتشهّد تشهّدا خفيفا» (٣) ، الحديث.

فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، سيّما مع قرينة السياق.

وصحيحة الحلبي : «يتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» (٤) ، فإنّ يتشهّد هنا بمعنى تشهّد ، كما لا يخفى ، مع أنّه ربّما كان أدلّ على الوجوب ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «بغير ركوع». إلى آخره ، أوصاف ومميّزات لسجدتي السهو ، كما لا يخفى على المتأمّل ،

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣٤.

(٢) الفوائد الحائريّة : ٤٧٧ الفائدة ٣٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٦ الحديث ٦٠٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٠ الحديث ١٣٦٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٠ الحديث ٨٢٠٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٠ الحديث ١٠١٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٠ الحديث ١٤٤١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٦.

١٥٧

فلا يتحقّق سجدتا سهو بغير تلك المميّزات.

وفي صحيحة علي بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام : في الرجل لا يدري كم صلّى ، قال عليه‌السلام : «يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهّد تشهّدا خفيفا» (١).

وصحيحة أبي بصير : في من لم يدر أربعا صلّى أم ركعتين ، قال عليه‌السلام : «ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما» (٢).

وفي صحيحة ابن سنان : «ثمّ سلّم بعدهما» (٣) والأمر حقيقة في الوجوب ، كما هو المحقّق ، وبناء الفقه عليه من جميع فقهائنا ، حتّى العلّامة في «المختلف» (٤) ، كما لا يخفى على من له أدنى اطّلاع ، وهذه الصحاح مضت جلّها ، وسيجي‌ء ما لم يمض.

وروى الكليني في كالصحيح ، والصدوق في الصحيح عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «تقول في سجدتي السهو : بسم الله وبالله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» قال : وسمعته مرّة اخرى يقول : «بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» (٥).

ولا يخفى أن الضمير في قال ، عائد إلى الصادق عليه‌السلام وقوله عليه‌السلام : «تقول» خطاب وأمر بالقول المذكور في سجدتي السهو وفي التسبيح المتداولة ، كما ذكرنا ، فقوله : وسمعته مرّة اخرى يقول : «بسم الله» في غاية الظهور في كون المراد بسم الله

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٧ الحديث ٧٤٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٤ الحديث ١٤٢٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ الحديث ١٠٤٩٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٥ الحديث ٧٣٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٥ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٥ الحديث ٧٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٧ الحديث ١٠٤٣٩ و ٢٢٤ الحديث ١٠٤٨٣.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٣.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٥٦ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٤ الحديث ١٠٥١٧.

١٥٨

وبالله السلام عليك. إلى آخره ، موضع بسم الله اللهمّ صلّ على محمّد وآل «محمّد».

يعني سمعته مرّة اخرى قال : يقول في سجدتي السهو : «بسم الله وبالله السلام عليك». إلى آخره.

وينادي بما ذكرنا قوله : مرّة اخرى ، إذ لا يصير «مرّة اخرى» بحسب الظاهر إلّا بما ذكرناه ، ولو كان مراده أنّه سمعه عليه‌السلام يقول في سجدتي السهو لنفسه كذلك لما قال : مرّة اخرى ، بل كان يقول : خاطبني أن أقول في سجدتي السهو كذا ، وسمعته يقول في سجود سهوه كذا.

وما ذكرناه ظاهر على الفطن ، وعلى تقدير تسليم عدم ظهوره فظهوره في غيره ممنوع ، ولو سلّمنا فظهوره في كون هذا القول منه عليه‌السلام حين ما هو ساجد من أين؟ وعلى فرض ظهوره فظهوره في كون سجوده ذلك لمّا سها في صلاته من أين؟ إذ لعلّه للتعليم والإرشاد ، كما كان شغله وطريقته ، لا أنّه في المرّة الاخرى سها ففعل كذا.

بل هو مع ثبوت فساده من الدليل من الخارج ، وعدم ظهوره من مجرّد ما ذكر من العبارة لا يخلو عن بعد من جهة اخرى ، وهي أنه عليه‌السلام كان يسهو مكرّرا والحلبي حاضر حال (١) سهوه ويسمع ما يقوله عليه‌السلام في سجدته لسهوه ، لأنّه عليه‌السلام كان يجهر في ذكر سجدته لسهوه.

مع أنّه عليه‌السلام لو كان فعل كذلك بحضرته لكان إماما في صلاته ، بل وصلاة غيره أيضا ، فكيف لم يظهر ذلك على غيره؟ ولو ظهر فكيف لم يشر إليه غيره أصلا؟

__________________

(١) في (د ١) : وقت.

١٥٩

وممّا ذكر ظهر فساد تضعيف المحقّق هذه الصحيحة بأنّها منافية للمذهب من حيث تضمّنها وقوع السهو من الإمام.

قال في «المعتبر» : لو سلّمناه لما وجب فيهما ما سمعه لاحتمال أن يكون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم (١) ، انتهى.

ولا يخفى فساد آخر كلامه أيضا.

والشيخ روى هذه الصحيحة هكذا : عن عبيد الله الحلبي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في سجدتي السهو : «بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» ، قال : وسمعته مرّة اخرى يقول : «بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» (٢).

ولا يخفى على الفطن أنّ النقل كذلك توهّم من بعض الرواة ، وأنّ الصحيح ما رواه الكليني والصدوق مع كونهما أضبط ، وما في «الكافي» و «الفقيه» أصحّ غالبا ممّا في «التهذيب» ، كما هو عند غير واحد من المحقّقين.

بل في بعض نسخ «التهذيب» هكذا : قال : وسمعته يقول مرّة اخرى يقول فيهما : «بسم الله» ، وفي ذلك ظهور فيما ذكرنا وفي موافقته لما في «الكافي» و «الفقيه» ، فتأمّل جدّا!

وحيث عرفت أنّ الروايات الدالّة على وجوب التشهّد والتسليم والذكر فيهما صحاح كثيرة ومعتبرة ومعتضدة أيضا بفتاوى الفقهاء جميعا سوى المحقّق والعلّامة بحسب ما أشرنا (٣) ، ظهر عدم العبرة بموثّقة عمّار (٤) من جهات متعدّدة ،

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٠١ و ٤٠٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٤ الحديث ١٠٥١٧.

(٣) راجع! الصفحة : ١٥٧ من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٥ الحديث ١٠٥١٩.

١٦٠