مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فدخل عليه رجل فسأله عن رجل لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين فقال : «يعيد» ، فقال له : فأين ما روي : «إنّ الفقيه لا يعيد الصلاة؟» قال : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع» (١).

وقال الصدوق أيضا في «المقنع» : سئل الصادق عليه‌السلام عمّن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا قال : «يعيد» قيل : فأين ما روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الفقيه لا يعيد الصلاة؟» قال : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع» (٢).

والتقريب مضى عند ذكر كلام الصدوق (٣) ، إذ ما ذكره هو عين مضمون هذه الصحيحة.

وصحيحة ابن مسلم قال : «لا سهو إلّا في الثلاث والأربع ، وكذا في الثنتين والأربع بمنزلته» (٤) ، الحديث.

وموثّقة عمّار ، أنّه قال له الصادق عليه‌السلام : «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت» (٥).

فإنّ قوله عليه‌السلام : «أجمع لك السهو» ، في غاية الظهور في جميع شكوك الركعات ، سيّما بملاحظة قوله عليه‌السلام : «كلّه» ، وملاحظة قوله : «متى ما شككت» ، فإنّ كلّا منهما نصّ في العموم اللغوي.

وقوله : (فإذا سلّمت). إلى آخره ، لا يفي بتخصيص العموم المؤكّد بما ذكر ؛ لأنّ «إذا» ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط ، فهي شرطيّة ، بقرينة دخول الفاء

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٥٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٨٨ الحديث ١٠٣٧٩.

(٢) المقنع : ١٠١ و ١٠٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٥ الحديث ١٠٤٥٩.

(٣) راجع! الصفحة : ١٨٥ و ١٨٦ من هذا الكتاب.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥٢ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٣ مع اختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الحديث ١٠٤٥١.

٢٢١

على قوله : أتمّ ، مع كونه جزاء بلا خفاء.

فالمعنى : أنّ إتمام ما ظنّ نقصه مشروط بصورة تحقّق التسليم ، أي : إن تحقّق التسليم فافعل كذا ، ولا يتحقّق إلا بعد البناء على الصحّة.

ومعلوم أنّه لا يتحقّق إلّا في الشكّ بين التمام والنقص خاصّة ؛ لأنّ ذلك هو الصحيح غير المبطل إذا بني على الأكثر ، بخلاف الشكّ بين التمام والزيادة ، فإنّه بالبناء على الأكثر مبطل جزما ، فكيف يسلّم ، فتأمّل!

وموثّقته الاخرى عنه عليه‌السلام قال : «كلّ ما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر ، قال : فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (١).

والتقريب ما ذكر ، لما عرفت في مبحث التسليم أنّ الانصراف عبارة عنه (٢) ، ويؤكّد التقريب الإتيان بكلمة «قال» ، قبل قوله عليه‌السلام : «فإذا انصرفت» فتأمّل!

نعم ؛ روايته الاخرى ظاهرة في كون الشكّ في الإتمام والنقص خاصّة ، حيث قال عليه‌السلام له : «ألا اعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ .. قال : إن سهوت فابن على الأكثر» (٣). إلى آخر الحديث.

وآخره أيضا ظاهر فيما ذكره ، فيحتمل أن يكون رواياته رواية واحدة ، وأنّه توهّم في نقل روايته في الاولى والثانية جميعا أو الثالثة فقط ، إلّا أنّه خلاف الأصل والظاهر ، وأنّ البناء عليه يوجب سدّ باب العمل بالروايات ، فتأمّل!

وممّا يؤيّد المقام ما روي أنّ من سها في النافلة بنى على الأقلّ (٤) ، وظهر منها

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٣ الحديث ٧٦٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٦ الحديث ١٤٢٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٣ الحديث ١٠٤٥٤.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٠٨ و ٢٠٩ (المجلّد الثامن) من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٩ الحديث ١٤٤٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٣ الحديث ١٠٤٥٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الحديث ١٠٥٠٥.

٢٢٢

أنّ الفريضة ليست كذلك ، فتأمّل!

وصحيحة عبيد وما وافقها لا غبار فيها عند أكثر القائلين بمضمون الصحاح ، حيث لم يخصّصوها بالشكّ بعد إكمال السجدتين ، كما عرفت (١).

بل المحقّق ومن وافقه جعل الركعة مأخوذة من الركوع (٢) ، فيكون الشكّ بعد الركوع داخلا فيها فما ظنّك بما بعده.

وأمّا على ما ذكرنا فمحمولة على الشكّ قبل إكمال الثانية ، ودخوله في الثالثة جمعا بين الأخبار ، وبينها وبين الفتاوى.

هذا ؛ ولكن الصحاح اشتهر العمل بها عند المتأخرين ، فالأحوط العمل بها ثمّ الإعادة ، بل جميع صور الشكّ بين الأربع والخمس لا يخلو عن الاحتياط ؛ الإتمام كما ذكره جمع من الفقهاء ـ ثمّ الإعادة.

وفي الصورة الخارجة عن ظواهر الصحاح يكون الأصل فيها الإعادة ، وإن كان الإتمام قبل الإعادة لا يخلو عن احتياط ما ، وفي الصورة الداخلة يشكل الاكتفاء بالعمل بمضمونها ، لما عرفت (٣) ، والله يعلم.

وممّا ذكرنا ظهر حال جميع الخلافات في هذه المسألة سوى ما ذكرنا أخيرا عن الصدوق رحمه‌الله ، وهو أنّه لا يسجد سجدتي السهو بل يصلّي ركعتين جالسا بعد التسليم (٤).

ومستنده في هذا عبارة «الفقه الرضوي» (٥) ، بل لعلّه ما ذكره عين عبارته.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٢٠ و ٢٢١ من هذا الكتاب.

(٢) الرسائل التسع : ٢٥١ ، الحدائق الناضرة : ٩ / ٢٥٠.

(٣) راجع! الصفحة : ٢١٩ و ٢٢٠ من هذا الكتاب.

(٤) انظر! المقنع : ١٠٣.

(٥) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٢٠.

٢٢٣

فلا يرد عليه ما أورد في «المختلف» من أنّ الاحتياط لاحتمال النقص ، وهو هنا منتف ، بل احتمل الزيادة خاصّة فلا يجب عليه بدل المأتي به (١) ، إلّا أن يكون مراده أنّ الثابت من تضاعيف أحاديث الأئمّة عليهم‌السلام هو الذي ذكره ، فإذا ورد حديث لا يوافقها ولا يشبه أحكامها يجب طرحه وترك العمل به ، كما ورد منهم عليهم‌السلام ، كما أشرنا (٢).

ثمّ احتمل كون مراد الصدوق الشكّ قبل الركوع والبناء على الهدم (٣). كما مرّ ذلك عن الشهيد (٤).

وعبارة الصدوق تأبى عن هذا الاحتمال ، سيّما مع ما عرفت من أنّها عبارة «الفقه الرضوي» ، بل لعلّه عينها ، فلا يكون فتواه ، بل نقله على عادة المصنّفين ، لما مرّ من عبارة «الأمالي» وغيرها (٥).

قوله : (كالصحاح).

هي : صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل صلّى ركعتين ، فلا يدري ركعتان هي أو أربع؟ قال : «يسلم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة ويتشهّد وينصرف وليس عليه شي‌ء» (٦).

فيها دلالة أيضا على وجوب مراعاة الاحتمالين في مثل هذا الشكّ وتعيّن

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ٣٩١.

(٢) راجع! الصفحة : ٢١٩ و ٢٢٠ من هذا الكتاب.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ٣٩١.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٠١ من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ١٣٢ من هذا الكتاب.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٥ الحديث ٧٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٢ الحديث ١٤١٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٤.

٢٢٤

القراءة في صلاة الاحتياط ، وكونها خصوص «الحمد» من دون سورة وغيرها ، وعدم وجوب سجدتي السهو ، بل وتأييد لعدم استحبابهما ، والكلّ هو المشهور بين الأصحاب ، كما عرفت وستعرف.

وصحيحة ابن أبي يعفور : عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعا ، قال : «يتشهّد ويسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثمّ يتشهّد ويسلّم ، فإن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع» (١) ، الحديث.

والدلالات فيها كالسابقة.

ومثل هذه الصحيحة بعينها صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وحسنته عنه عليه‌السلام (٣) ، وصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : عن رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين ، قال : «يعيد» ، قلت له : لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا ، قال : «إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثمّ صلّى الاخرى ، ولا شي‌ء عليه ويسلّم» قلت : لم يدر في ثنتين هو أم في أربع؟ قال : «يسلّم ويقوم فيصلّي ركعتين ثمّ يسلّم ، ولا شي‌ء عليه» (٤).

وهذه تدلّ على اشتراط كون الشكّ بعد إكمال السجدتين والشروع في

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٦ الحديث ٧٣٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٢ الحديث ١٣١٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٩ الحديث ١٠٤٧٠.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٣ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٩ الحديث ١٠١٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٩ الحديث ١٠٤٦٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٣ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٤.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٢ الحديث ٧٥٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٥ الحديث ١٤٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٤ الحديث ١٠٤٥٧ مع اختلاف يسير.

٢٢٥

الثالثة ، كما أفتى به الأصحاب احترازا عمّا إذا وقع في طرف الركعتين فيكون باطلا ، فيدلّ على أنّ كلّما ورد حديث يتضمّن صحّة الصلاة في الشكّ بين الثنتين وأزيد محمول على كونه بعد إكمال السجدتين ، وأنّه المراد منه ، كما أفتى به الأصحاب.

وهذه الصحيحة تدلّ أيضا على أنّ ما ورد في الصحيح بالسند المزبور عن أحدهما عليهما‌السلام : عمّن لم يدرأ في أربع هو أو في الثنتين ، وقد أحرز الثنتين؟ قال : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ، ويتشهّد ولا شي‌ء عليه ، وإذا لم يدرأ في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شي‌ء عليه ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكن ينقض الشكّ باليقين ، ويتمّ على اليقين ، فيبنى عليه ولا يعتدّ بالشكّ ، في حال من الأحوال» (١).

يكون المراد ما ذكر فيها من كون البناء على الأكثر وإتمام الصلاة على هذا البناء ، ثمّ الاحتياط بعد الإتمام ، لا أنّه يبني على الأقلّ ويتمّ الصلاة كذلك من دون احتياط ، كما هو رأي العامّة لاتّحاد السند والمسؤول والمسؤول عنه والحكاية ، ولقوله عليه‌السلام : «وهو قائم بفاتحة الكتاب» إذ بعد البناء على الأقلّ يكون الأمر واضحا غاية الوضوح في أنّه يأتي بالتتمّة على الطريقة الظاهرة القطعيّة ، بل بالضرورة من الدين.

فلا وجه للتعرّض لذكر الإتيان بالتتمّة ، لأن البناء على الأقلّ عبارة عنه بلا شبهة.

وبعد التعرّض يتعرّض لذكر وجوب القيام في الركعتين ، وذكر كونهما بفاتحة

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٦ الحديث ٧٤٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٣ الحديث ١٤١٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٦ الحديث ١٠٤٦٢ مع اختلاف يسير.

٢٢٦

الكتاب ، إذ لا مجال للاشتباه في وجوب القيام في التتمّة سيّما مع كون الخطاب مع زرارة ، وهو كان فقيها ماهرا قبل تشيّعه فما ظنّك به بعده ، فإنّ أخباره على وفق طريقة الشيعة ، وورد في شأنه ما ورد من أنّه «لولاه لا ندرس آثار النبوّة» (١) وأعظم من ذلك منه ما ورد عنهم عليهم‌السلام : «أرأيت أحدا أصدع بالحق من زرارة» (٢).

ومن أخباره ، الصحيحة السابقة (٣) ، وأخباره الواردة في كون الركعتين الأخيرتين بالتسبيح (٤) على حسب ما عرفت في مبحثه ، فكيف يروي هنا تعيّن الفاتحة ، مع أنّه من ضروري مذهب الشيعة أنّه لا يجب كونهما بفاتحة الكتاب ، بل الظاهر عدم جهة لذكر قوله : ركعتين وأربع سجدات ، بل على احتمال التتمّة يلزم ترك ذكر الامور المذكورة.

مع أنّ قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشكّ». إلى آخره ، ربّما لا يناسبه أيضا ، فإنّ الاكتفاء بالبناء على الأقلّ هو بعينه نقض اليقين بالشكّ ، لأنّ شغل الذمّة بأربع ركعات يقيني مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ولا يثبت بالاكتفاء المذكور ، لاحتمال وقوع الزيادة ، وتساوي احتمالي النقيصة والتماميّة.

وهذا بعينه هو معنى الشكّ ، فتعيّن طريقة الشيعة للإجماع على عدم الإعادة ، وحرمة إبطال العمل ، فلعلّها يكون الإبطال المنهيّ بل عدم وجوب الإعادة من ضروريّات الدين.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما عرفته من الإجماعات والنصوص الدالّة على حقيقة

__________________

(١) رجال الكشي : ١ / ٣٩٨ الرقم ٢٨٦ مع اختلاف يسير.

(٢) رجال الكشي : ١ / ٣٥٥ الرقم ٢٢٥ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٢٥ من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩ ، ١٢٤ الحديث ٧٥١٤.

٢٢٧

طريقة الشيعة.

منها صحيحة زرارة السابقة (١) ، لاتّحاد السند والمسؤول والمسؤول عنه ، فالمراد من الشكّ هو الاكتفاء بمراعاة أحد الاحتمالين خصوص الأقلّ ، كما هو رأي العامّة أو خصوص الأكثر وهو ترك الإتيان بالاحتياط.

لا يقال : يمكن أن يكون المراد من اليقين هو العدم ، أي عدم الحادث من أجزاء الصلاة ، ومن الشكّ هو الاكتفاء باحتمال الحدوث ونقض ذلك اليقين باليقين بالحدوث.

قلت : مع أنّه ينافي ذلك لجميع ما عرفته مشروحا وستعرف ، مع بعده عن عبارة الحديث ، حقّق في الاصول عدم جريان أصل العدم في ماهيّة التوقيفيّات ، وحقّقناه في «الفوائد» (٢) ، سيّما العبادات ، لاستصحاب اشتغال الذمّة اليقيني ومعارضة ذلك الأصل بأصالة عدم كون ذلك هو المطلوب من الشارع ، وأصالة بقاء شغل الذمّة ووجوب الإطاعة والامتثال العرفي الثابت من الأدلّة اليقينيّة.

فوجب الإتيان بالمأمور به على وجهه عقلا ونقلا ، كتابا وسنّة وإجماعا ، كما هو المقرّر المسلّم.

ومن البديهيّات عقلا وعرفا وشرعا عدم الاكتفاء بمجرّد الشكّ والاحتمال في تحقّق المعدوم ، بل تحقّق الامتثال أيضا.

والجهّال بل الأطفال قاطعون بذلك فضلا عن الفقهاء ، فكيف يقول المعصوم عليه‌السلام لزرارة : لا تنقض اليقين العدم بمجرّد احتمال الوجود ، بل كيف يقول بمجرّد احتمال الامتثال : لا تعدّ نفسك ممتثلا؟!

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٢٥ من هذا الكتاب.

(٢) الفوائد الحائريّة : ٤٧٧ الفائدة ٣٠.

٢٢٨

فظهر أنّه عليه‌السلام في مقام الردّ على العامّة المكتفين بمراعاة الاحتمال ، أي خصوص احتمال الأقلّ.

وممّا ذكر ظهر الحال في قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف». إلى آخره ، لاتّحاد السياق وعدم القول بالفصل بين الشكّ في الثانية والرابعة والشكّ في الثالثة والرابعة.

على أنّ الإتيان بجزء شي‌ء لعلّه لا يقال : أضاف إليه ذلك ، فتأمّل جدّا!

وقوله عليه‌السلام : «لا يدخل الشكّ». إلى آخره ، يحتمل أن يكون المراد لا يدخل ركعتي الاحتياط في الركعتين اليقينيّتين ، كما يفعله العامّة.

وقوله عليه‌السلام : «ولا يخلط». إلى آخره ، تأكيد ، أو يحتمل أن يكون المراد لا يدخل الشكّ في الأخيرتين في اليقين في الأوّلتين ، بأن يقول : الأوّلتان أيضا صارتا مشكوكا فيهما ، فتبطل الصلاة لوقوع الشكّ في الأوّلتين أيضا ، لأنّك لا تدري أنّ الثانية ثانية أو رابعة مثلا.

أو يجري حكم الأوّلتين في الأخيرتين المشكوك فيهما.

فنقول : كما أنّ الأوّلتين صارتا محلّ الشك ومع ذلك حكمهما ، فكذلك الأخيرتان.

وهذه الفقرات أيضا لا تناسب الاحتمال المذكور بل تضرّه. كما لا يخفى.

على أنّه على تقدير أن يكون المراد الإتيان بالتتمّة لا يكون من جهة كون البناء في الشكّ على الأقلّ ، كما هو رأي العامّة ، بل من جهة أنّ المراد من قوله : أحرز الثنتين ، أنّه لم يقع من أوّل الثنتين إلى آخرهما شكّ أصلا.

مع كون بناء المصلّي على أنّهما ثنتان.

ثمّ بعد إكمالهما والشروع في الدخول في الثالثة عرض الشكّ في أنّ الذي صدر عنه وفرغ منه هل كان الثانية أو الرابعة؟ وأنّ التشهّد هنا هل هو التشهّد الأوّل أم

٢٢٩

الثاني في الرباعيّة؟ كما هو المتعارف في عروض هذا الشكّ غالبا من جهة التشهّد ، وبمدخليّته ، فحكم المعصوم عليه‌السلام بالبناء على الثانية من جهة أنّ المصلّي حين الفعل أذكر له منه بعد الفراغ عنه والدخول فيما ليس من الركعتين الأوّلتين ، من التشهّد أو غيره ، أو الشروع في الدخول فيه ، وورد النصّ بذلك (١).

ويشهد عليه الاعتبار ، مضافا إلى استصحاب الحالة السابقة نصوصا واعتبارا ، ولهذا صار القاعدة شرعا : أنّ من شكّ في شي‌ء وقد خرج منه فشكّه ليس بشي‌ء.

فهذا من باب البناء على ما هو أرجح ، لا أنّه بعد تساوي الاحتمالين بالمرّة يكون البناء على الأقل.

ويدلّ على ما ذكرنا قوله عليه‌السلام : «لا ينقض اليقين بالشكّ» (٢) يعني الاطمئنان الذي كان له أوّلا في أنّهما ثنتان ، وبناؤه كان على ذلك.

وكذلك قوله عليه‌السلام : «ولا يدخل». إلى آخره ، أي : لا يدخله في اليقين السابق.

وكذا قوله عليه‌السلام : «ولا يخلط». إلى آخره ، لأنّه إذا بنى على شكّه الآن يسري هذا الشكّ في الثنتين أيضا ، فيخلط شكّه الآن بعدم شكّه السابق ، أي : كون بنائه على أنّهما ثنتان واطمئنانه به.

وكذا قوله عليه‌السلام : «ولكن ينقض الشكّ باليقين» يعني يبطل الشكّ الحاصل له الآن باليقين السابق استصحابا.

وكذا قوله عليه‌السلام : «ويتمّ على اليقين ويبني عليه».

__________________

(١) انظر! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ الحديث ١٠٢٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٦ الحديث ١٠٥٥٢ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٦ الحديث ١٠٤٦٢.

٢٣٠

وقوله عليه‌السلام : «ولا يعتد بالشكّ». إلى آخره ، إشارة إلى المقدّمة المسلّمة من أنّ شغل الذمّة اليقيني يتوقّف على البراءة اليقينيّة.

وممّا ذكر ظهر أنّ ما في رواية إسحاق بن عمّار السابقة من قوله : «إذا شككت فابن على اليقين» (١) يحتمل أن يكون المراد ما ذكرنا ، لأنّ الشكّ لا يعرض عادة إلا بعد اطمئنان نفس وبناء على أنّه كذلك ، ثمّ يعرض الشكّ بعد اليقين الذي هو في مقابل الشكّ والتزلزل ، والمراد من اليقين الاطمئنان وعدم التزلزل.

ويحتمل أن يكون الصدوق أيضا فهم كذلك ، ولذا أوردها في ذلك المقام الخاص الذي ذكرناه سابقا (٢).

ومن التأمّل فيما ذكرناه هناك يظهر ما في قول المصنّف الذي سيذكره من أنّ الصدوق جوّز في «الفقيه» البناء على الأقلّ مطلقا من دون احتياط.

قوله : (وأوجب في المقنع). إلى آخره.

مرّ أنّ المصلّي في هذه الصورة وغيرها من صور الشكّ في الأخيرتين يبني على الأكثر ويأتي بالاحتياط (٣).

وهذه الصورة والصورة الآتية إنّما يصير الشكّ شكّا في الأخيرتين إذا كان الشكّ بعد إكمال السجدتين ، كما أنّ صورة الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع أيضا كذلك ، لما أشرنا إليه من الأخبار والفتاوى ، من أنّ الشكّ في الركعات يبطل الصلاة إذا وقع الفرض الإلهي ، وهو الركعتان الأوّلتان ، فلا بدّ من خلوصهما عنه.

ولا يكون ذلك إلّا إذا كانتا من أوّلهما إلى آخرهما خالصتين عنه ، ويكون

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الحديث ١٠٤٥٢.

(٢) راجع! الصفحة : ١٨٧ من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٢٤ ـ ٢٢٨ من هذا الكتاب.

٢٣١

طرف الشكّ فيهما غير جزء من أجزائهما.

فإذا وقع الشكّ قبل إكمال السجدتين فلا شكّ في كون طرف الشكّ هو الفرض الإلهي ، فيبطل الصلاة عند الأصحاب ، وصلاة المغرب وصلاة الفجر ونحوها بحكم الركعتين الأوّلتين عندهم.

ونقل عن بعض الاكتفاء بالركوع (١) ، ولعلّه بناء على أنّ الركعة مأخوذة من الركوع ، وفيه ما فيه لما ستعرف.

قال في «الذكرى» : نعم ، لو كان ساجدا في الثانية ولمّا يرفع رأسه وتعلّق الشكّ لم أستبعد صحّته لحصول مسمّى الركعة (٢).

ولا يخفى أنّه أيضا محلّ تأمّل ، لاحتمال كون رفع الرأس من أجزاء الركعة (٣).

وبالجملة ، المشهور المعروف من الأصحاب أنّ من شكّ في الثانية والثالثة والثانية والرابعة يبني على الأكثر ويصح صلاته ، كالشكّ في الثانية والثالثة والرابعة.

بل مرّ عن «الأمالي» أنّ ما ذكر مذهب الإماميّة ومن دينهم الذي يجب عليهم الإقرار به (٤).

وادّعى الفاضلان أيضا الإجماع على عدم الإعادة في صورة الشكّ في الأخيرتين (٥) وعدّا ما ذكر من جملة الشكّ فيهما.

لكن نقل في هذه المسألة أقوال اخر كما في «الذخيرة» (٦) ، منها قول

__________________

(١) نقل في مدارك الأحكام : ٤ / ٢٥٧ ، الرسائل التسع : ٢٥١.

(٢) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ٨١.

(٣) في (د ١) من قوله : ونقل عن بعض. إلى قوله : من أجزاء الركعة ، مشطوبة ، مع زيادات فيه.

(٤) انظر! أمالي الصدوق : ٥١٣ المجلس ٩٣.

(٥) المعتبر : ٢ / ٣٩١ ، منتهى المطلب : ٧ / ٥٩.

(٦) ذخيرة المعاد : ٣٧٦.

٢٣٢

الصدوق في «الفقيه» من تجويزه البناء على الأقل أيضا لكن عرفت فساده (١).

ومنها قول والده من التخيير بين البناء على الأقلّ والتشهّد في كلّ ركعة وبين البناء على الأكثر والعمل بمقتضاه.

ولم ينقل هو عنه ، بل قال : نقل عنه ، وعرفت من عبارة «الأمالي» فساد هذا النقل أيضا ، إذ والده عنده من الإماميّة قطعا بل رئيسهم ومؤسّس مذهبهم ، كما لا يخفى على المطّلع على حاله بالنسبة إليه.

ومع ذلك كان هو أعرف بمذهب والده من غيره ، بل أهل البيت أدرى بما في البيت.

ومنها ما نقل عن «المقنع» أنّه قال فيه : سئل الصادق عليه‌السلام عمّن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا ، قال : «يعيد» ، فقيل : فأين ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الفقيه لا يعيد الصلاة»؟ قال : «إنّما ذاك في الثلاث والأربع» (٢).

وغير خفيّ أنّه رحمه‌الله ذكر مضمون ما ذكر في «الفقيه» أيضا مفتيا به ، كما عرفته مشروحا ، وأنّ ذلك مضمون صحيحة عبيد بن زرارة ، وأنّ ذكره ذلك لتصحيح ما أفتى به هناك من قوله : من سها في الأوّلتين من كلّ صلاة فعليه الإعادة ، ومن شكّ في المغرب فعليه الإعادة ، ومن شكّ في الغداة فعليه الإعادة ، ومن شكّ في الجمعة فعليه الإعادة ، ومن شكّ في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر ، فإذا سلّم أتمّ ما ظنّ أنّه قد نقص.

ثمّ قال : ومعنى الخبر الذي روي «أنّ الفقيه لا يعيد الصلاة» إنّما هو الثلاث والأربع ، لا في الأوّلتين (٣).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٨٥ ـ ١٨٧ من هذا الكتاب.

(٢) المقنع : ١٠١ و ١٠٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩٣.

٢٣٣

فانظر أيّها الفطن أنّ ما ذكره لتصحيح ما صرّح به من بطلان الشكّ في الأوّلتين وصحّته في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة.

فكلامه صريح في أنّ الشكّ في الثانية له صورتان :

إحداهما : كون الشكّ فيها شكّا في الأوّلتين ، وليس ذلك إلّا أن يكون الشكّ فيها قبل إكمال السجدتين ، فيكون الشكّ في الأوّلتين اللتين هما الفرض الإلهي ، كما ذكره هو ذلك في كتابه «العلل» وغيره أيضا نصّا عن الأئمّة عليهم‌السلام (١).

والثانية : أن يشكّ فيها بعد إكمالهما ، بأن يقول : إنّ الذي فعلت لا أدري كان الثانية أو الثالثة ، فحينئذ يصح ، ويبني على الأكثر ، ويأتي بما ظنّ نقصه.

وبالجملة ، ما ذكره في «الفقيه» عين عبارة «الأمالي» ، فلم يظهر منه ما يخالف ما ذكره في «الأمالي» أصلا.

وكذا ما نقله الفاضلان من الإجماع ، فظهر ظهورا تامّا أنّ الخلافات التي نقل لم تكن إلّا مجرّد وهم من الناقل.

نعم ، ذكر في «الذخيرة» أنّه نقل عن المرتضى البناء على الأقلّ (٢). وليس عندي من كتب السيّد كتاب أصلا حتّى أنظر ، سوى «الانتصار» ، إلّا أنّي ألاحظ الخبيرين الماهرين المطّلعين نسبوا إلى الشيعة القول بالبناء على الأكثر في المقام ونظائره.

نعم ، بعض منهم نسب إلى الصدوق تجويز البناء على الأقلّ (٣) ، وعرفت أنّه أيضا توهّم منه (٤).

__________________

(١) انظر! علل الشرائع : ٣١٦ الحديث ١.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٧٦.

(٣) منتهى المطلب : ٧ / ٥٩.

(٤) راجع! الصفحة : ١٨٥ ـ ١٨٧ من هذا الكتاب.

٢٣٤

مع أنّ عادة السيّد وطريقته العمل بما انفرد به الإماميّة ، وعدم القول بما انفرد به العامّة ، حاشاه عنه.

بل نقل عنه في «الذكرى» أنّه في كتابه «الانتصار» أفتى كما أفتى المشهور ، مدّعيا فيه الإجماع (١).

بل عرفت ما ذكرناه عن «الانتصار» مكرّرا من تصريحه بالإجماع المذكور.

وقال في «الذكرى» : إنّه رحمه‌الله في «الناصريّة» قال : من شكّ في الأوّلتين استأنف ، ومن شكّ في الأخيرتين بنى على اليقين (٢) ، ولم يقل : بنى على الأقلّ.

وفي «الذخيرة» فهم منه البناء على الأقلّ ، فنقله ، كما نقل (٣) ، لأنّه أخذه من «الذكرى» ، كما لا يخفى.

وقد ظهر لك ممّا ذكرنا في كلام الصدوق أنّ البناء على اليقين ليس هو البناء على الأقلّ جزما ، وأنّه يحتمل إرادة البناء على الأكثر.

والشاهد عليه دعوى الإجماع منه في كتابه «الانتصار» ، مضافا إلى ما ذكرناه من طريقته وعدم نسبة أحد إليه ذلك.

ويحتمل أن يكون مراده البناء على سبيل الجزم واليقين ، يعني يبني يقينا ، لا أنّه يعيد الصلاة مثل الشكّ في الأوّلتين ، أو يكون مراده أنّه يبني على اليقين الذي حصل له في الأوّلتين أو غير ذلك ، وليس عندي نسخته.

ويحتمل أن يكون مراده البناء على الأقلّ بعد ما سلّم ، كما أنّ البناء على الأكثر قبل التسليم ، بل لعلّه هو الظاهر ، كما عرفت سابقا (٤) ، فتأمّل!

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٨ ، الانتصار : ٤٨ و ٤٩.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٨ ، لاحظ! الناصريّات : ٢٤٩.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٣٢ و ٢٣٣ من هذا الكتاب.

(٤) راجع! الصفحة : ١٩٢ و ١٩٣ من هذا الكتاب.

٢٣٥

وبالجملة ، الظاهر أنّ ما عرفت من الأصحاب لا غبار عليه بعد ملاحظة موثّقات عمّار السابقة ، والأخبار الخاصّة ، والتقريب فيها وتوضيح دلالتها (١) ، بل ادّعى ابن أبي عقيل تواتر الأخبار في ذلك (٢).

وأمّا الصحيحان اللذان ذكرهما المصنّف فأوّلهما ، صحيح عبيد بن زرارة السابق (٣) ، وثانيهما ، صحيح ابن مسلم ، قال : سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا ، قال : «يعيد» (٤).

وصحيحة عبيد مضى الكلام والتحقيق فيها (٥) ، وأمّا صحيح ابن مسلم فمضمر ، فلا يعارض المصرّح ، فضلا عن مصرّحات كثيرة ، وشاذّ فلا يعارض المشتهر بين الأصحاب ، لو لم نقل بأنّه المجمع عليه بينهم ، سيّما مع كثرتها ، ومخالف للإجماعات المنقولة فلا يعارض الموافق لها فضلا عن الموافقات.

ومع ذلك يخالف حكم الشكّ بين الثانية والثالثة والرابعة ممّا لا خلاف لأحد فيه ولم ينقل.

بل إذا كان هذا الشكّ صحيحا لا يوجب إعادة ، فالشكّ بين الثانية والرابعة بطريق أولى.

وكذلك بين الثانية والثالثة ، لأنّ هذا أيضا شكّ بين الثانية والرابعة مع زيادة شكّ آخر ، والزيادة في الشكّ يناسب زيادة الاختلال لا رفعه.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٢٠ ـ ٢٢٣ من هذا الكتاب.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٨ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٥٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٣ الحديث ٧٦٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٥ الحديث ١٠٤٥٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٦ الحديث ٧٤١ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٣ الحديث ١٤١٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢١ الحديث ١٠٤٧٥.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٢٠ و ٢٢١ من هذا الكتاب.

٢٣٦

وكذلك هذا أيضا شكّ بين الثانية والثالثة مع زيادة شكّ آخر فكيف يجوز صحّة هذا وعدم الإعادة ، وفساد الشكّ بين الثانية والثالثة خاصّة.

فحمل هذا الصحيح وتوجيهه متعيّن لو لم يطرح ، وأقربه الحمل على الاستحباب ، أو كون الشكّ قبل إكمال السجدتين ، والله يعلم.

قوله : (وجوّز). إلى آخره.

قد عرفت أنّ ما ذكر مجرّد توهّم ، وأنّ الجمع بالتخيير فاسد بلا شبهة.

٢٣٧
٢٣٨

٢٠٣ ـ مفتاح

[صلاة الاحتياط]

المشكوك فيه المحتاط به إن كانت اثنتين صلّاهما من قيام بلا خلاف وإن كانت واحدة تخيّر بين ركعة من قيام وركعتين من جلوس.

وقال المفيد والقاضي : بل تعيّن الأوّل (١) ، وقال العماني والجعفي : بل تعيّن الثاني (٢) ، وهو أحوط وأولى لصحّة مستنده وضعف مستند التخيير ، ولم أجد للآخر مستندا.

وإن كانت مردّدة بين الركعة والركعتين صلّى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس عند الأكثر ، للخبر المعتبر (٣) ، خلافا للصدوق والإسكافي (٤) فاكتفيا بالركعة من قيام واثنتين من جلوس للصحيح (٥) ، وفي سنده اضطراب.

__________________

(١) نقل عن المفيد في ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٧ ، لاحظ! رياض المسائل : ٤ / ٢٤١ ، مستند الشيعة : ٧ / ١٥١.

(٢) نقل عنهما مدارك الأحكام : ٤ / ٢٥٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٣ الحديث ١٠٤٨٢.

(٤) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٢ الحديث ١٠٤٧٩.

٢٣٩

وقوّاه في «الذكرى» من حيث الاعتبار ودفعه من حيث الاشتهار (١) ، وفي الأوّل نظر (٢) ، وحمله على الرخصة ممكن.

ولا بدّ في الاحتياط من نيّة وإحرام وتشهّد وتسليم لأنها صلاة منفردة ، ويتعيّن فيها القراءة عند الأكثر للمعتبرة (٣) ، خلافا للمفيد والحلّي (٤) فخيّرا بينها وبين التسبيح كالمبدل.

وهل يجب تعقيبها للصلاة من غير تخلّل المنافي؟ الأكثر نعم ، والحلّي لا (٥) وهو الأظهر ، وإن كان الأوّل أحوط.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٧٧.

(٢) لأنّ توحيد الركعة في الصلاة غير معهود «منه رحمه‌الله».

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٦ الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٤) المقنعة : ١٤٦ ، السرائر : ١ / ٢٥٤.

(٥) السرائر : ١ / ٢٥٦.

٢٤٠