مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

عندهم ، بل وواقعا أيضا ، كما مرّ في مبحثه.

مع أنّه لا يلزم أن يكون بالحصى ومثله ، بل يصير بمجرّد حركة الإصبع وضمّه ، ولا يضرّ ضمّه في الصلاة قطعا ، غاية ما في الباب أن يكون ترك الأولى ، مع أنّه ربّما يتأتّى بحركته أيضا ، وربّما يتأتّى بضبط آدمي من الخارج له في غاية السهولة ، بل والتسلّط عليه شرعا ، مثل أن يكون مملوكا له أو أجيرا ، بل الولد أيضا يجب عليه إطاعة والديه عموما ، الّا في عصيان الله تعالى.

بل نقول : ربّما يمكن العلاج بالسعي والاهتمام في إحضار القلب في الصلاة ، وتوجيهه إليه تعالى ، وقطع النظر عن الدنيا ومشوّقاتها (١) ، فإنّا جرّبنا أنفسنا أنّه عند أحدهما لا يحصل لنا شكّ فضلا عن كثرته ، وسيّما عند أوّلهما فضلا عن اجتماعهما.

فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ كثرة الشكّ متفاوتة شدّة وضعفا.

فمنها ، الضعيفة التي بأدنى حضور القلب ترتفع وتنعدم ، كما قلنا.

ومنها ، ما هو أشدّ منه لا ترتفع بالأدنى ، بل بالأشدّ منه.

ومنها ، ما هو أشدّ منه لا ترتفع إلّا بتخفيف الصلاة.

ومنها ، ما لا ترتفع عنه (٢) أيضا ، لكن ترتفع بالعدّ بالحصى وأمثاله.

ومنها ، ما لا ترتفع به أيضا ، وهذا الأخير لا شكّ في دخوله في الأخبار السابقة فقط.

وكذلك غيره من المراتب السابقة عليه ، إذا كان من الشيطان ، مريدا منه أن يطيعه ويعصي ربّه ، على حسب ما عرفت (٣) من مراتبه ومدارجه ، لما عرفت من

__________________

(١) في (د ١ ود ٢) و (ز ٣) : ومشوّشاتها.

(٢) في (د ١) : منه.

(٣) في (د ١) : عرفته.

٢٨١

أنّ إطاعته حرام لا أقلّ ، وأنّ الشيطان يريد أن يملأ جهنّم من أولاد آدم ، وأنّه لا يريد منه إلّا ما هو ضرره ، بل هلاكه.

فإذا كان من الشيطان ، وعالجه المكلّف بالعدّ بمثل الحصى ، إلّا أنّه يؤول الأمر إلى تنفّر المكلّف من العبادة ، أو غيره على حسب ما ذكرناه ، فلا جرم لا بدّ من العمل بالأخبار السابقة البتّة ، وعدم الالتفات إلى الشكّ بالكليّة.

وإذا آل الضبط بمثل الحصى إلى العسر في الدين لا غير ، فهو داخل في الأخبار الأخيرة في قولهم : «لا بأس».

وكذا في أمرهم به ، إذا كان محمولا على الاستحباب ، لما عرفت من أن العسر لا ينافي الاستحباب والأولويّة.

ويمكن إدخاله أيضا في بعض الأخبار السابقة ، ممّا تضمّن الأمر بالمضي في الصلاة فقط ، لجواز ورود ذلك الأمر في مقام توهّم الحظر ، فيكون المراد نفي وجوب عدم المضي.

لكن لعلّ الظاهر من ملاحظة الأخبار الاخر وجوب المضي ، وتحريم الالتفات إلى الشكّ ، بناء على أنّ أخبارهم يكشف بعضها عن بعض.

وإذا اتّفق عروض سانحة تشوّش المصلّي ، وتمنعه عن ضبط صلاته ، بحيث يكثر منه الشكّ ، ولا ينسب أحد هذه الكثرة إلى الشيطان ، بل ينسبونها إلى تلك السانحة ، كما لا يخفى ، فحينئذ يكون داخلا في الأخبار الأخيرة ، في أنّه يجب العلاج بما ورد فيها.

وعلى فرض أن يكون مستحبا يكون داخلا أيضا في بعض الأخبار السابقة على حسب ما ذكرنا.

وبالجملة ؛ المكلّف لا بدّ أن يلاحظ وجوب امتثاله في أشدّ الفرائض عليه ، وتحصيل الامتثال فيه بما أمكنه من المقدّمات ، وأن يلاحظ أتقن مفاسد إطاعة

٢٨٢

الشيطان ، والالتفات إلى الشكّ الكثير على حسب ما أشرنا إليه في الجملة ، ويلاحظ الأدلّة من الطرفين ، والاحتياط من الجانبين ، والخطر والضرر في كلّ من الشقّين ويمشي بينهما.

ولكن الغالب في كثرة الشكّ أنّه وسواس من الشيطان يعرف به المبتلى به بلا تأمّل فيه ، ويشاهد كونه كذلك بلا خفاء ولا تزلزل ، ولذا اتّفق الفقهاء على الفتوى بعدم الالتفات مطلقا ، وأنّه حرام البتّة.

ومعظم المحقّقين يحكمون ببطلان الصلاة أيضا حينئذ لو التفت المصلّي إلى شكّه واعتبر به ، واحتاط به من جهته (١) ، كما أشرنا إليه ، والأمر كما ذكروا ، بل أشرنا في الجملة إلى مفاسد الالتفات والإتيان ، فالحذر الحذر منه.

ومن أعظم ما ابتلي هؤلاء من الشيطان ، وأشدّ المصائب ، وهو أنّه لعلّه لم يصر بعد كثير الشكّ ، ولم يصل إلى حدّه فكيف يجوز لنا الآن عدم الالتفات أصلا ، ونترك موجب الشكّ ، ونكتفي بهذه الصلاة الناقصة الخالية عن الأجزاء والركعات؟ ويتخيّلون هذا وأمثال هذا ، ويبنون أمرهم على أنّ الاحتياط في الالتفات ، ولا ينتبهون أنّهم مغرورون ، غرّهم الشيطان في هذا ، لأنّهم يصرّحون بأنّهم يشكّون في الصلاة كثيرا ، وأنّ هذا من الشيطان.

بل ربّما يشتكون من غاية كثرة شكّهم ، ونهاية لجاجة الشيطان في ذلك ، وشدّة إصراره في كثرة صدور الشكّ منهم واستمراره.

ومع ذلك يقولون : نخاف أن لم نصر كثير الشكّ ، فلا بدّ لنا من الالتفات إلى الشكّ ومراعاته ، وربّما يسألون الفقيه ، ويقولون : كثيرا ما نشك في الصلاة ، هل صرنا كثير الشكّ أم لا؟ وربّما يقولون : الشيطان لا يدعنا نصلّي بغير شكّ ، وما

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٠٠ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٦ ، روض الجنان : ٣٤٣ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٢.

٢٨٣

أكثر شكّنا في الصلاة ، فهل وصلنا حدّ كثرة الشكّ وصرنا كثير الشكّ ، أم لا؟ وأمثال هذه العبارات وأوضح.

بل جازمون بأنّ هذا من الشيطان يخرّب علينا صلواتنا وعباداتنا ، ومع ذلك لا تأمّل لهم في أنّ إطاعة الشيطان حرام ، ومتابعته توجب دخول النار.

ومع ذلك لا يتفطّنون بعدم جواز متابعته ، وإطاعته في الشكوك المذكورة ، لأنّ الشيطان يغرّهم ، ولا يدعهم أن يتفطّنوا ، بل يخيّل إليهم خلاف ذلك ، لأن يهلكهم بالمرّة ، ويبلغهم إلى حدّ بغض العبادة والاشمئزاز منها ، بل وبغض تكاليف الله تعالى وأوامره والاشمئزاز عنها ، بل ربّما ينجرّ هذا البغض والاشمئزاز إلى نفسه تعالى والأنبياء عليهم‌السلام ، والأئمّة عليهم‌السلام نعوذ بالله من أمثال ذلك ، وربّما يصل إلى المفاسد الاخر التي أشرنا إلى بعضها ، ومع جميع ذلك لا يرفعون اليد عن مراعاة شكوكهم والتفاتهم إليها.

فاللازم على أمثال هؤلاء أنّه لو احتمل عندهم كون الالتفات والمراعاة من الشيطان ـ فيكونون من أهل النار ، عاصين للجبّار القهّار ، تاركين للصلاة أيضا ، لما عرفت من كونه مبطلا للصلاة ، بل ويجرّهم إلى مفاسد كثيرة شديدة ، مثل بغض العبادة ، أو بغض أمره تعالى بها ، أو بغضه تعالى ، إلى غير ذلك ممّا أشرنا إلى بعض ممّا هو مطلوب الشيطان من هذا الوسواس وتخيّل الاحتياط ـ أن يتوقّفوا فيه ، ويرفعوا اليد عنه ، فضلا أن يحصل لهم الجزم بكون ذلك من الشيطان ، وأنّه مطيع للشيطان ، بل وأنّه كثير الشكّ ، كما أشرنا ، لأنّ كثير الشكّ عبارة عمّن كثر شكّه ، ولا معنى له غير ذلك ، سيّما إذا اعترف بأنّ شكّه في غاية الكثرة ، وأمثال هذه المعاني.

حفظنا الله عن مكائد الشيطان ، وعصمنا عن الغرور ، فإنّ الشيطان كثيرا ما يهلك الإنسان لا من طرف الفسق والفجور ، إذ لا يقبله منه ، بل يهلكه من طرف

٢٨٤

العبادة والطاعة ، بل ومن الإبرام فيها والإصرار عليها.

اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، بمحمّد وآله المصطفين عليهم‌السلام.

وممّا ذكرنا ظهر أيضا الحال في أنّه هل يشترط في عدم الالتفات والاعتبار في الشكّ في شي‌ء أن يصير كثير الشكّ في ذلك الشي‌ء ، وأنّه لو لم يصر فيه كثير الشكّ يجب الالتفات فيه ، ويعتبر الشكّ فيه ، وإن صار كثير الشكّ في غيره من الأجزاء؟ فيكون كلّ جزء جزء من الصلاة كذلك حاله ، أم يكفي تحقّق كثرة الشكّ في الصلاة مطلقا؟ إذ كثيرا ما يصير هذا الشكّ أيضا من جملة مصائد الشيطان ومكائده ، لإهلاك المصلّي ، وإبلاغه حدّ المفاسد التي أشرنا إليها ممّا يكون الشيطان في غاية الحرص عليه ، ونهاية شدّة الاهتمام في الوصول إليه.

فكلّما تفطّن المصلّي وتفرّس ، وظهر عليه كونه من الشيطان يريد أن يطيعه المصلّي فيه ، وينال بغيته منه ، على حسب ما اشير إليه ، يجب ترك الالتفات إليه ، والبناء على حكم كثير الشكّ فيه.

ويحتمل أن يكون كلّما احتمل عنده كونه كذلك أن يكون كذلك ، بل الظاهر أنّه كذلك ، بل الأخبار مطلقة ، لم يظهر منها الشرط المذكور.

مثلا المعصوم عليه‌السلام في صحيحة زرارة وأبي بصير قال : «يمضي في شكّه» في جواب سؤالهما بقولهما : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما عاد شكّ (١) ، من دون استفصال في أنّ شكّه في كلّ ما أعاد هل هو في خصوص ما شكّ فيه أو لا؟ وأنّ جميع شكوكه إنّما هو في شي‌ء واحد وشخص معيّن أو لا؟

وترك الاستفصال في مقام السؤال وقيام الاحتمال يفيد العموم ، سيّما وكون الاحتمال أكثر وجودا ، وأظهر احتمالات السؤال ، فتدبّر!

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٨ الحديث ٧٤٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٤ الحديث ١٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٦.

٢٨٥

واحتمال كون مرادهما وقوع جميع الشكوك الكثيرة في شخص واحد ، من كلّ واحدة واحدة من الصلوات المعادة في غاية البعد ، كما لا يخفى على الفطن.

وأيضا قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم (١) ، وصحيحة ابن سنان (٢) ، وغيرهما (٣) : «إذا كثر عليك السهو» أعمّ من أن يكون السهو الكثير في خصوص شخص واحد من أجزاء الصلاة أو لا ، وتخصيصه بخصوص الأوّل لا غير خلاف الظاهر.

وأيضا موثّقة عمّار (٤) كالنص في عدم التخصيص ، إذ ظاهرها تحقّق الكثرة بمجموع الشكّ في الركوع والسجود ، لا خصوص واحد منهما ، فتأمّل جدّا.

وصرّح في «الذكرى» (٥) ، بما ذكرنا من العموم في فتواه مستندا إلى الروايات ، ووافقه في «المدارك» وفي «الذخيرة» (٦) ، وربّما كان غيرهما من الفقهاء أيضا ، لعدم إظهار الشرط المذكور في كلامهم ، فليلاحظ وليتأمّل!

ثم اعلم! أنّه قال في «المبسوط» : والقسم الثاني : وهو ما لا حكم له ففي اثني عشر موضعا : من كثر سهوه وتواتر ، وقيل : إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرّات متوالية (٧).

وفي «المدارك» : أنّه قال به ابن حمزة ، وقال ابن إدريس : حدّه أن يسهو في

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٣ الحديث ١٤٢٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ الحديث ١٠٤٩٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٣ الحديث ١٤٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٥٠٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٢ الحديث ١٣٧٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٤٩٩.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٧.

(٦) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٢ ، ذخيرة المعاد : ٣٧١.

(٧) المبسوط : ١ / ١٢٢.

٢٨٦

شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات ، ويسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس ، أعني ثلاث صلوات من الخمس ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة (١).

وأنكر في «المعتبر» (٢) هذا القول ، وقال : إنّه يجب أن يطالب هذا القائل بمأخذ دعواه ، فإنّا لا نعلم لذلك أصلا في لغة ولا شرع ، والدعوى من غير دلالة تحكّم (٣) ، انتهى.

وفي «الذخيرة» أيضا ذكر كذلك ، ثمّ اختار المشهور بعد ذلك كصاحب «المدارك».

ثمّ قال : وأمّا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمّد بن أبي حمزة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو» (٤) ، فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون المراد الشكّ في جميع الثلاث بأن يكون المراد في كلّ واحد واحد من أجزائه الثلاث ، أيّ ثلاث كان.

وثانيهما : أن يكون المراد أنّه كلّما صلّى ثلاث صلوات يقع فيها الشكّ ، بحيث لا يسلم له ثلاث صلوات خالية من الشكّ ثبت له حكم الكثرة.

وحينئذ يقع الاحتياج إلى العرف أيضا ، إذ ليس المراد كلّ ثلاث صلوات يجب على المكلّف على التعاقب إلى انقضاء التكليف ، وإلّا يلزم انتفاء حكم الكثرة وسقوطه بالكليّة.

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٤٨.

(٢) المعتبر : ٢ / ٣٩٤.

(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٩٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٥٠١.

٢٨٧

وترجيح أحد الاحتمالين على الآخر على وجه واضح لا يخلو عن إشكال ، وإن لم يبعد ادّعاء ترجيح الأخير.

ومع هذا فالثلاث مجمل ، فيحتمل أن يكون المراد الصلوات ، أو الفرائض ، أو الركعات أن الأفعال ، ولا يبعد ترجيح الأوّلين.

ومع هذا فغاية ما يستفاد من الرواية حصول الكثرة بذلك ، وهو غير مناف للعرف لا حصرها فيه ، فإذن لا معدل عن الإحالة إلى العرف (١) ، انتهى.

أقول : الاحتمال الثاني ، وإن كان أقرب إلى لفظ الرواية ، إلّا أنّه أبعد بحسب المعنى ، لأنّه يلزم انتفاء حكم الكثرة على حسب ما ذكره واعترف به.

وقوله : بحيث لا يسلم له ثلاث صلوات خالية من الشكّ ، لا تفاوت بينه وبين ما نفى كونه مرادا ، لأنّ قوله : «ثلاث» ، وإن كان مضافا إلى «صلوات» ، إلّا أنّه بعد نكرة وبالإضافة لم يكتسب التعريف البتّة.

ومن المسلّمات أنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، وهو ظاهر أيضا ، وتخصيص هذا العموم بمخصّص غير مذكور ولا ظاهر من العبارة تعسّف واعتساف ، فيكون هذا الاحتمال حينئذ أبعد من الأوّل بمراتب ، والحوالة إلى العرف غير مانع ، لعدم مخالفته اللغة في العبارات المذكورة.

نعم ، يستعمل العامّ في الخاص مجازا عرفا ولغة ، لكن المجاز فرع القرينة الصارفة عن الحقيقة والمعيّنة للمعنى المجازي ، ولا معيّنة في المقام.

ويمكن التوجيه بأنّه إذا حصل له المظنّة من كثرة ما تحقّق وصدر منه أنّه لا يسلم كلّ ثلاث منه ، فهو ممّن كثر سهوه ، فهذا رجوع إلى ظنّ المكلّف لا إلى العرف.

ومع ذلك كونه أقرب من الأوّل يحتاج إلى التأمّل ، لاحتياجه إلى التقدير

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٧١.

٢٨٨

وبنائه على اعتبار المظنّة من أيّ مكلّف يكون ، وبعده عن كثرة السهو عرفا فكيف يجعل شرطا لتحقّقها ، ويجعل معرّفا لأقل درجتها؟ وستعرف كونه معرّفا له ، فالاحتمال الأوّل أقرب معنى من الجهات المذكورة.

فلعلّه لذلك قال ابن حمزة وشريكه بما قالا (١) ، فإنّ الظاهر كون مرادهما مضمون الرواية بالاحتمال الأوّل ، يعني أنّه يشكّ في كلّ واحد واحد من أجزاء ثلاث صلوات ، أي آحاد تلك الثلاث ، لأنّها تحقّقت بثلاث آحاد ، وتركّب منها ، وثلاث واحدة تكفي ، لتحقّق الكثرة ، إذا كان كلّ واحد واحد من آحادها وقع فيه الشكّ.

فالمعنى أنّه إذا كان ممّن يسهو في كلّ واحد واحد من عدد ثلاث واحدة فهو ممّن يكثر عليه السهو ، والمتبادر من ثلاث واحدة هو الثلاث التي آحادها متوالية.

مع أنّه لا وجه لإطلاق الثلاث الواحدة على الصلوات المتفرّقة بين صلوات لا تحصى ، مضافا إلى أنّ جميع المكلّفين يشكّون في الثلاث المتفرّقة عادة البتّة ، ومن بديهيّات الدين عدم كونهم كثيري الشك ، مضافا إلى بداهة العدم لغة وعرفا أيضا.

وممّا ذكر ظهر قرب آخر للاحتمال الأوّل ، بل معيّن له ، إذ الاحتمال الثاني ممّا لا ينسب إلى أحد أصلا ورأسا.

مع كون الصدوق رحمه‌الله عاملا بالرواية (٢) ، مع كونها صحيحة السند ، وفي غاية الاعتبار ، فتأمّل جدّا.

وقوله : ومع هذا فالثلاث مجمل. إلى آخره ، فيه : أنّ الاحتمال على تقدير التساوي غير مضرّ ، فكيف إذا كان مرجوحا؟ إذ على أي احتمال احتمله ثلاث صلوات داخلة فيه سوى ثلاث ركعات.

__________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١٠١ ، السرائر : ١ / ٢٤٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٩٠.

٢٨٩

وغير خفيّ كونه في غاية البعد عن إطلاق لفظ ثلاث مطلق ، ومعلوم أنّه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، فثبت ما هو داخل على أيّ حال.

وقوله : ومع هذا فغاية. إلى آخره ، فيه : أنّ أفراد كثير السهو لا تعدّ ولا تحصى ، بل لا تتناهى.

وذكر كون هذا الفرد ممّن كثر سهوه عرفا لغو مستدرك لا يصدر عن حكيم ، إذ يصير من قبيل أن يقال : الماء الذي في النهر ماء عرفا ، والماء الذي في البئر ماء عرفا وهكذا.

والبناء على أنّه لعلّ أحدا تأمّل في كون الصورة المذكورة في الرواية بخصوصها ممّن كثر سهوه عرفا ، فأجابه المعصوم عليه‌السلام : بأنّه لا وجه لتأمّلك إذ هو أيضا ممّن يكثر سهوه بحسب العرف وما هو المعروف بينهم ، خلاف الظاهر ، للاحتياج إلى تقدير ، والأصل عدمه ، مضافا إلى بعده في نفسه ، كما لا يخفى.

فالظاهر أنّ مراد المعصوم عليه‌السلام أنّ الرجل إذا كان ممّن يسهو في كلّ ثلاث ، فهو داخل في كثير السهو (١) ، يعني أقلّ ما يتحقّق به كثرته هو هذا ، كما فهمه الفقيهان ، فلم يعتبر الكثرة الواقعة في صلاة واحدة أو صلاتين ، بل اعتبر كثرة الصلوات في تحقّق كثرة السهو كما اختارا.

ويمكن أن يكون المراد أنّ أوّل درجة كثرة السهو ثلاث متواليات كلّ واحد في صلاة وإن كان الثلاث منه في صلاة واحدة أيضا كثرة السهو ، إلّا أنّ تحقّق هذا بعد تحقّق الأوّل ، وأنّه لا يسهو ثلاث مرّات في صلاة واحدة غالبا ، إلّا بعد ما صار كثير الشكّ ، لا أنّه أول صيرورته كثير الشكّ.

والظاهر أنّه في الواقع كذلك ، يعني غالبا لا يسهون ثلاث مرّات في صلاة إلّا بعد دخولهم في حدّ كثير السهو ، فيكون ما في الرواية واردا مورد الغالب ، كما هو

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٩٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٥٠١.

٢٩٠

الحال في مطلقات الأخبار.

ولعلّ الفقيهين فهما أنّه لا يتحقّق إلّا كذلك ، مع احتمال كون الواقع كذلك ، إذ لا يحضرني الآن وجدان خلافه على الندرة ، فتأمّل!

ويحتمل أن يكون المراد على سبيل المثل ، يعني كثرة السهو يتحقّق أقلّها بثلاث متوالية ، مثل أن يكون ثلاث سهوات ، وثلاث صلوات متوالية ، أو في صلاة واحدة.

ولعلّ ذلك مراد ابن إدريس (١) ومن وافقه مثل المحقّق الشيخ علي وغيره (٢) ، في كون ابتداء حدّ كثرة السهو هو الثلاث في صلاة واحدة ، أو ثلاث صلوات متوالية ، لأنّ ابتداء درجة الكثرة وأقلّها عرفا هو الثلاث ، والثلاث المتفرّقة لا يكون كثرة السهو معيّنا ، ولذا لا (٣) يكون جلّ المصلّين كثير السهو مع عدم انفكاكهم عن الثلاث المتفرّقة لو لم نقل كلّهم كذلك ، سوى المعصوم عليه‌السلام.

وينبّه على ما ذكرناه أنّه قال في سرائره : الضرب الثاني من السهو الذي لا حكم له : هو الذي يكثر ويتواتر ، وحدّه أن يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر من الخمس فرائض ، أعني ثلاث صلوات من الخمس ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة ، فلا يلتفت إلى سهوه في الفريضة الرابعة (٤) ، انتهى.

حيث ذكر أوّلا قوله : يكثر ويتواتر ، فقال : وحدّه .. إلى أن قال : أعني ثلاث فرائض من الخمس ، فجعل هذه الثلاث أيضا كثيرا متواترا.

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٤٨.

(٢) رسائل المحقّق الكركي : ٣ / ٣٠٩ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٥ ، الحدائق الناضرة ٩ / ٢٩٧.

(٣) لم ترد في (د ٢) : لا.

(٤) السرائر : ١ / ٢٤٨.

٢٩١

وظاهر أنّ مراده من التواتر التوالي ، فإنّ فيها نوع توال ، فتأمّل جدّا!

وكيف كان ، لا يثبت من الرواية خلاف ما اختاره الأكثر ، ممّا هو الموافق للقاعدة الثابتة المسلّمة ، كما عرفت.

قوله : (أتى بالتحكّم). إلى آخره.

حاشاهم ثمّ حاشاهم عن ذلك ، إذ فتواهم ليس إلّا من مستند شرعي عندهم يقينا بلا شبهة.

وعدم اطّلاعنا عليه لا يصير منشأ لأن نقول : انّهم أتوا بالتحكّم والزور ، ومن البديهيّات أنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، سيّما مع أنّ القطع بأنّ فقيها من فقهائنا لا يقول بحكم شرعي من غير استناد إلى الشرع أصلا ، سيّما في العبادات التوقيفيّة ، وخصوصا مع تحريمهم العمل بالقياس والرأي والاستحسان ، وكون ذلك من ضروريّات مذهبنا.

والفقهاء هم المصرّون على التحريم ، المصرّحون به ، المستدلّون عليه ، المشنّعون على مخالفهم فيه غاية التشنيع.

على أنّا أشرنا إلى ما يصلح لكونه مستندا لهم ، فإنّ الكثرة العرفيّة ليست أمرا معيّنا مشخّصا ظاهرا على كلّ مكلّف ، لكونها مقولة بالتشكيك ، فيحتاج تعيين ابتداء حدّها إلى اجتهاد شديد ، ربّما يكون أشد من كثير من الاجتهادات.

مع أنّ الاجتهاد غير منحصر في نفس الأحكام الشرعيّة ، بل يتحقّق في موضوعاتها ، ويحتاج إليه كاحتياج نفسها.

ولذا نرى فقهاءنا قد أكثروا غاية الإكثار في كتبهم الفقهيّة والاستدلاليّة في الاجتهاد في الموضوعات.

وأيضا قد أكثروا من التمسّك بالعرف في تعيين معنى وتشخّصه على

٢٩٢

خصومهم ، بأنّه عرفا كذا ، فلم يقول كذا؟ فظهر أنّ في الموضوعات العرفيّة أيضا يتحقّق النزاع والمخاصمة ، والالتباس المقتضي للتشخيص.

بل القطع حاصل بأنّ معرفة ابتداء حدّ الكثرة العرفيّة في السهو ، بأن يقال كثر سهوه الآن لا قبل الآن ، ويعدّ كثير السهو عرفا حقيقة من دون قرينة ليست أمرا سهلا يتيسر لكلّ أحد ، بل يتيسّر لكلّ فقيه ، فما ظنّك بغيره؟

بل معرفة حدّ خصوص الدرجة الثانية الواقعة بعد الدرجة الاولى منها لا يخلو عن صعوبة ، بل وصعب أيضا ، فما ظنّك بالدرجة الاولى؟ وأوّل الحدّ وابتداؤه بحيث يكون أنقص منه غير داخل في كثير السهو العرفي البتّة.

فعلى تقدير أن يكون هؤلاء الأعلام أخطؤوا في اجتهادهم في تعيينهم الدرجة الاولى عرفا ، أو بالنسبة إلى الصحيحة المذكورة (١) أيضا ، لا يستأهلون لأن ينسبوا إلى التحكّم والزور ، لأنّ الخطأ غير مأمون على الظنون الاجتهاديّة ، والشيعة قاطبة من المخطّئة يعترفون بجواز خطئهم ، بل لا يسلمون عنه قطعا ، لأنّ حكم الله عندهم واحد ، ولا يكاد تتحقّق مسألة فقهيّة بغير خلاف ، بل بغير خلافات ، بل جلّ ما صدر من المصنّف ممّا خالف الفقهاء ، أو خالف المعظم أبعد ثمّ أبعد ممّا ذكر هؤلاء الأعلام في تعيينهم أوّل حدّ كثير السهو العرفي ، أو المعروف من الصحيح المذكور ، كما لا يخفى على من لاحظ شرحنا هذا لا أقلّ.

قوله : (ولو كثر). إلى آخره.

قد عرفت الحال فيه ، وأنّ الأقوى كونه كثير الشكّ مطلقا أو بحكمه.

ثمّ اعلم! أنّه على القول بأنّ حدّ كثرة السهو في المقام هو الثلاث المذكورة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٩٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٥٠١.

٢٩٣

سابقا ، فهل في الثالثة ينتفي حكم السهو ، ويبنى على الصحّة ـ كما قيل (١) ـ؟ أم في الرابعة ، كما نقلنا عن ابن إدريس (٢)؟

والثاني أقرب إلى فهم العرف ، كما لا يخفى على المتدبّر.

قوله : (أن يطعن). إلى آخره.

أقول : الذي في الرواية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك الأيسر». إلى آخر ما ذكره المصنّف ، فلم أدر وجه إسقاطه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا دخلت في صلاتك».

والرواية رواها الكليني في «الكافي» بسنده عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام ، ورواها الصدوق أيضا (٣).

وقال في باب ارتياد المكان للحديث بعد نقله أحاديث : ووجدت بخطّ سعد بن عبد الله حديثا أسنده إلى الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من كثر عليه السهو في الصلاة فليقل إذا دخل الخلا : بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ١٤٤.

(٢) السرائر : ١ / ٢٤٨.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٣ الحديث ٩٨٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٩ الحديث ١٠٥٦٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧ الحديث ٤٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٠٨ الحديث ٨١٢.

٢٩٤

٢٠٦ ـ مفتاح

[الشكّ في النوافل]

من شكّ في النافلة ، تخيّر بين البناء على الأقلّ والأكثر ، وإن بنى على الأقلّ كان أفضل ، لأنّه المتيقّن وللنصوص (١) ، وليس فيها احتياط ولا سجود سهو ، للأصل والصحيح (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الباب ١٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الحديث ١٠٥٠٤.

٢٩٥
٢٩٦

قوله : (من شكّ في النافلة). إلى آخره.

أقول : قال الصدوق رحمه‌الله في اماليه : من دين الإماميّة أن لا سهو في النافلة ، فمن سها فيها فليبن على ما شاء ، وإنّما السهو في الفريضة (١).

وقال الشيخ رحمه‌الله في «التهذيب» : النوافل عندنا لا سهو فيها ، ويبني الإنسان إن شاء على الأقلّ وإن شاء على الأكثر ، وإن كان البناء على الأقلّ أفضل (٢).

وقال في «المنتهى» : أنّه يعني ما ذكره الشيخ قول علمائنا أجمع إلّا ابن بابويه ، فإنّه جوّز البناء على الأقلّ والإعادة (٣).

فظهر أنّ المستند هو الإجماعات المنقولة ، واتّفاق الفتاوى ، وأنّ مستند أفضليّة البناء على الأقلّ الإجماع المنقول ظاهرا ، وما رواه في «الكافي» مرسلا حيث قال : وروي أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقلّ (٤).

وغير خفيّ أنّ الظاهر كون المراد الأكثر المصحّح لا المبطل ، فمن شكّ في أنّها الثانية أو الثالثة ـ مثلا ـ يبني على الثانية ، بخلاف من شك في أنّها الاولى أو الثانية ، فإنّه يبني على الثانية بناء على اختيار البناء على الأكثر ، وأنّ الأفضل في هذه الصورة البناء على الأقلّ ، بأن يأتي بركعة اخرى ويتشهّد ويسلّم.

فالبناء على الأقلّ الأفضل هو المصحّح بالنحو المذكور ، وبناء الإطلاق في الفتاوى على شيوع كون الشكّ في النافلة بين الاولى والثانية ، وتبادره من المطلق.

فعلى هذا يجوز أن يكون مستند البناء على الأكثر من طرف النصوص ؛

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٨ ذيل الحديث ٧١٣.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٩ / ٤٧٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الحديث ١٠٥٠٥.

٢٩٧

صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن السهو في النافلة ، فقال : «ليس عليك سهو» (١).

ومرسلة يونس المعتبرة التي ذكرناها في مسألة عدم السهو على المأموم والإمام ، لتضمّنها لقوله عليه‌السلام : «وليس في النافلة سهو» (٢).

فإنّ المتبادر من عدم السهو فيها البناء ، على أنّ ما صدر منه صحيح تامّ لا يحتاج إلى تدارك ، كما في قولهم عليهم‌السلام : «لا سهو على من كثر سهوه» (٣). وقولهم عليهم‌السلام : «ليس على السهو سهو» (٤) ، وغير ذلك.

مع احتمال أن يكون المراد منه في المرسلة (٥) بطلان النافلة بالسهو ، كما في المغرب ، وغيرها ممّا ذكر مقدّما عليه.

ولعلّ نظر الصدوق إلى ذلك في تجويزه الإعادة ، ونظره في البناء على الأقلّ على ما ذكرناه ، لكنّه بعيد ، كما لا يخفى.

ويحتمل أن يكون المراد ممّا في الصحيحة والمرسلة ما ذكر في «الأمالي» و «التهذيب» (٦).

ويحتمل أن يكون مطلقات كلمات الفقهاء باقية على إطلاقها ، أي أعمّ من أن يكون الأكثر مصحّحا أو مبطلا ، وكذلك الأقلّ ، ففي صورة البطلان يعيد ، لكنّه

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٣ الحديث ١٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الحديث ١٠٥٠٤ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ الحديث ١٠٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٤ الحديث ١٨٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ الباب ١٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٣ الباب ٢٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٨ ذيل الحديث ٧١٣.

٢٩٨

بعيد ، سيّما في الأقلّ ، فلا تغفل.

ثم اعلم! أنّه قال في «المدارك» : لا فرق في مسائل السهو والشكّ بين الفريضة والنافلة إلّا في الشك بين الأعداد ، فإنّ الثنائيّة من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة ، وفي لزوم سجدة السهو فإنّ النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في الفريضة للأصل ، وصحيحة ابن مسلم (١) ، ثم ذكر الصحيحة المذكورة (٢).

أقول : ما ذكره من بطلان الفريضة الثنائية بذلك دون النافلة ، اتّضح من الإجماع والأخبار.

وكذا عدم وجوب سجود السهو ظاهر من الصحيحة والمرسلة أيضا ، وكذا الشكّ في الأجزاء بعد التجاوز عن المحلّ ، مع أنّه إذا لم يكن فيه بأس ، ولا شي‌ء في الفريضة ففي النافلة بطريق أولى.

مع أنّه ربّما كان داخلا في عموم بعض الأخبار الواردة في عدم اعتبار هذا الشكّ مثل ، كصحيحة ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (٣) وغيرها من الصحاح (٤).

وكذلك الحال في السهو الذي ليس فيه تدارك أصلا ، وكذلك السهو الذي تداركه منحصر في سجود السهو ، وكلّ ذلك واضح.

لكن كون باقي أحكام السهو والشكّ مشتركا بينهما يحتاج إلى التأمّل ، لاحتمال دخوله في مضمون الصحيحة والمرسلة ، لأنّ السائل سأل عن حكم السهو

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الحديث ١٠٥٠٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٢٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ الحديث ١٠٥٢٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٢٩٩

في النافلة ، فأجاب عليه‌السلام بأنّه لا سهو فيها (١).

وترك الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم.

بل السائل سأل عن حكم مطلق السهو في النافلة من دون إيماء أصلا إلى خصوص سهو فيها ، ولا إجمال أصلا في العبارة.

بل المرسلة أيضا لعلّها أيضا تكون كذلك ، لأنّ العبارة تفيد العموم ، ولا يضرّ ذكر عدم السهو في الاوليين ومثله ، لأنّه ذكر فيها عدم السهو على الإمام والمأموم أيضا.

وحكم النافلة حكمه لا حكم الاوليين ومثلهما مع ظهور دخول سجدتي السهو فيها ، وهو أولى بالسهو في الأجزاء.

وجه الأولويّة أنّ المعصوم عليه‌السلام نفى نفس السهو لا خصوص سجدتي السهو ، وإن كان الثاني أيضا داخلا في الأوّل على ما سيجي‌ء.

لكنّ نفي اعتبار نفس السهو أولى بالدخول ، وهو يقتضي نفي اعتبار السهو في الأجزاء.

مع أنّه عليه‌السلام نفى اعتبار نفس السهو ومن حيث هي هي ، لا خصوص سهو ، فضلا عن نفي خصوص سجدتي السهو ، ولأنّك عرفت أنّ حكم نفي السهو في النافلة حكم نفي السهو عن الإمام والمأموم ، لا نفي السهو عن الأوّلتين ومثلهما ، لأنّ الثاني عبارة عن البطلان ، والمفروض صحّة النافلة وعدم بطلانها بالسهو فيها.

وحيث ظهر أنّ حكمه حكم نفي السهو عن الإمام والمأموم ظهر أنّ دخول نفي السهو في الأجزاء أولى ثمّ أولى ، لكون الأمر في الإمام والمأموم جميعا كذلك ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٠ الحديث ١٠٥٠٤.

٣٠٠