مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ، ثمّ اقض ما شئت» (١).

ثمّ قال : حجّة القائلين بالمنع قول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (٢) وذكرنا تلك الصحيحة ، فلاحظ!

ولصحيحة زرارة قال : قلت للباقر عليه‌السلام : اصلّي نافلة وعليّ فريضة ، أو في وقت فريضة؟ قال : «لا ، إنّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك [صوم] من شهر رمضان ، أكان لك أن تتطوّع حتّى تقضيه؟» ، قال : قلت : لا ، قال : «فكذلك الصلاة» (٣).

ثمّ قال : والجواب عن الأوّل أنّه محمول على الفضيلة ، جمعا بين الأدلّة.

وعن الثاني بهذا الوجه ، وبأنّ المتبادر من وقت الفضيلة ودخول وقت الفريضة وقت الأداء ودخوله ، فلا ينتهض حجّة في حكم القضاء.

وقوله : وعليّ فريضة ، وإن كان ظاهره العموم لكن وقوع الرواية على هذا الوجه غير معلوم ، لمكان الترديد.

وعلى هذا ، فالمراد بقوله : «لو كان عليك من شهر رمضان» الأداء لا القضاء.

وهذا هو الجواب عن الأخبار السابقة إن تمسّك بها متمسّك (٤) ، انتهى.

أقول : ما احتجّ به من الصحاح فقد عرفت ما فيها ، وما في الاستدلال

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٣ الحديث ١٠٨٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٤ الحديث ٥١٧٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٩٢ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٦ الحديث ١٠٥٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٦ الحديث ١٠٥٧٦.

(٣) مستدرك الوسائل : ٣ / ١٦٠ الحديث ٣٢٦٦.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٠٤.

٤٦١

بها (١) ، وأمّا رواية أبي بصير فمقتضاها الأمر بركعتين قبل الغداة (٢). وأين هذا من استحباب ترك التطوّع؟ وكونه الفضيلة ، كما اختاره جمعا بين الأدلّة.

ومنه يظهر الجواب عن سائر أدلّته ، مضافا إلى عدم مقاومتها لما دلّ على المنع لا سندا ولا فتوى ولا عملا ، لأنّ النادر لا يقاوم المشهور الذي كاد أن يكون إجماعا ، إذ المخالف منحصر في الصدوق وابن الجنيد ، وأمّا الشهيدان ؛ فحدث رأيهما في هذا القرب.

مع أنّ حمل الصحاح المانعة على الفضيلة قد ظهر لك حاله ، سيّما صحيحة زرارة المذكورة هنا ، إذ ما ذكره في مقام الجواب عنها في غاية الغرابة ، إذ كلام زرارة في غاية الظهور في سؤاله عن صورة اشتغال الذمّة (٣) بالقضاء ، وعن صورة دخول وقت الفريضة أيضا.

وقوله عليه‌السلام : «إنّه لا تصلّى» (٤). إلى آخره ، في مقام التعليل ظاهر في أنّ السؤال لم يكن مختصّا بالصورة الثانية ، لأنّه يصير حينئذ العلّة عين المعلول ونفسه ، من دون تفاوت بينهما أصلا ورأسا ، بأن يكون عليه‌السلام جعل نفس المعلول علّة له ، وفيه ما فيه ، فلا بدّ من جعل المراد في التعليل أنّ الذمّة إذا اشتغلت بالفرض الإلهي فوقت اشتغالها به كيف يترك ويؤتى بالمستحبّ من جنس ذلك الفرض؟ ألا ترى أنّ من كان عليه فريضة من شهر رمضان ، أكان له أن يتطوّع بالصوم حتّى يقضي تلك الفريضة؟

فظهر من ذلك أنّ المقصود بالذات في ذكره هو حال القضاء ، وإن كان يظهر

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٩٩ و ٤٠٣ و ٤٢٣ و ٤٢٤ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٤ الحديث ٥١٧١.

(٣) في (د ١) : ذمّته.

(٤) مرّ آنفا.

٤٦٢

منه حال الأداء أيضا بسبب مشاركته له في كونه فرضا ، فحمل قوله عليه‌السلام : «لو كان عليك من شهر رمضان» (١) على كون المراد منه خصوص صورة الأداء لا يخفى فساده ، لما عرفت ، ولأنّ الأداء لم يجب حتّى يقول عليه‌السلام : «لو كان عليك من شهر رمضان» ، بل بطلوع الفجر منه يجب الشروع في الصوم وارتكاب ابتدائه أوّلا فأوّلا إلى أن ينقضي اليوم.

مع أنّ كلامه عليه‌السلام ينادي بأنّ العلّة هي الفرض والوجوب لا الأدائيّة ، والفرض والوجوب في القضاء أظهر وأقوى منه في الأداء ، كما عرفت. فإنّ الوجوب الثابت اللازم أقوى من الوجوب الذي لم يثبت بعد ولم يلزم ، بل هو في شرف اللزوم والثبوت شيئا فشيئا حتّى يتمّ اليوم.

ولهذا لو حاضت المرأة مثلا في أثناء اليوم ، أو مات الصائم فيه انكشف عدم الوجوب ، وإن كان ترك صوم ذلك اليوم بالمرّة حراما ، بل وموجبا للكفّارة أيضا.

وبالجملة ؛ كيف يجوّز عاقل أنّ زرارة فهم من الكلام المذكور والقياس المزبور مجرّد أفضليّة الترك ، بعد ملاحظة ما نبّهنا عليه وقوله عليه‌السلام : «أكان لك أن تتطوّع»؟ مضافا إلى ظهور المنع من التطوّع في الصوم بعد اشتغال الذمّة بعنوان الفرض بصوم شهر رمضان من الخارج.

أو كان يفهم أنّ المنع في خصوص صورة اشتغال الذمّة بعنوان الأداء ، من دون مدخليّة الوجوب من حيث هو هو.

نعم ؛ ليس هذا الذي ارتكبه بأعجب ممّا ارتكبه في الأوامر الواردة بالتطوّع بحملها على كون المراد المرجوحيّة ، كما ارتكبه في المقام ، وفي فعل الفريضة في الوقت الموسّع مع اشتغال الذمّة بالقضاء الواجبة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ٣ / ١٦٠ الحديث ٣٢٦٦.

٤٦٣

هذا ؛ مع أنّه اختار في النافلة في وقت الفريضة أيضا عدم المنع (١) ، فلا وجه لتوجيهه المذكور في المقام. ولا يمكنه تجويز التطوّع بالصوم في شهر رمضان ، مع وجوب صومه عليه أداء.

فإن قلت : لا تأمّل عند صاحب «الذخيرة» في أنّ ما ارتكبه توجيهات بعيدة وارتكاب عنايات ، إلّا أنّه لا بدّ منها ، لأنّ الضرورات تبيح المحظورات.

قلت : فلم اعترض على من جوّز النسخ فيما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه عدول عن الظاهر من غير ضرورة ، وكذا على الشيخ بأنّه بعيد جدّا.

مع أنّهما أقرب من حمل الأمر على المرجوحيّة الذي ارتكبه في الصحاح الكثيرة غاية الكثرة ، مضافا إلى عنايات اخر.

مع أنّه لم يرد منهم عليهم‌السلام أنّ الأخبار الصادرة منّا ليس فيها اختلاف ، سيّما وأن يكون هذا قطعيّا.

بل ورد في الأخبار منهم خلاف ذلك ، وأنّهم أوقعوا الاختلاف بيننا من جهة اختلاف أخبارهم (٢).

بل أمروا بالأخذ بالمرجّحات ومراعاتها مطلقا لعلاج تعارض أخبارهم ، فأمرونا بالأخذ برواية الأعدل والأفقه ، وما هو المشتهر بين الأصحاب ، وما هو أبعد عن العامّة وعمّا ذهب إليه حكّامهم وقضاتهم ، وما وافق الكتاب ، وغير ذلك (٣) ممّا مرّ الإشارة إليه ، مثل أنّه لا سلطان للشيطان على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجلّة

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٠٢.

(٢) لاحظ! علل الشرائع : ٣٩٥ الحديث ١٤ ـ ١٦.

(٣) الكافي : ١ / ٦٧ الحديث ١٠ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٥ الحديث ١٨ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠١ الحديث ٨٤٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

٤٦٤

أصحابه بنصّ الكتاب (١) ، فكيف يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نمتم بوادي الشيطان» (٢) إلى غير ذلك ، فلاحظ!

اللهمّ إلّا أن يقال : تتبّع الأخبار الواردة في المنع عن النافلة عند دخول وقت الفريضة وفي وقت الفريضة ربّما يؤيّد مختار «الذخيرة» فليلاحظ!

وعلى أيّ تقدير الاحتياط واضح ، بل وربّما كان في غاية الشدّة بالنسبة إلى المقام.

وعلى أيّ تقدير لا مانع من النافلة في صورة مطلوبيّة تأخير الفريضة ، مثل أن تؤخّر لتحصيل فضيلة الجماعة وغير ذلك ، على ما ظهر من الشيخ في مقام توجيهه رواية أبي بصير السابقة (٣) وغيرها. ولم نجد أحدا اعترض عليه بأنّ المنع عن النافلة عند اشتغال الذمّة بالفريضة مطلق ، ولم نجد رادّا لما ذكره ، لأنّ الظاهر من النصوص والفتاوى تقديم الفريضة على النافلة في صورة تساويهما شرعا ، لا في صورة مطلوبيّة ترك الفريضة شرعا في ذلك الوقت ، وكون اهتمام الشرع في تأخيرها عنه أيضا ، بأن يقعد ولا يصلّي أصلا لا لفريضة ولا لنافلة ، سيّما وأن يقعد عبثا ، ولا يشتغل بعبادة أصلا ، بل وإن اشتغل بمستحبّ آخر ، لأنّ مقتضى تقديمها لم يكن إلّا وجوبها وفرضيّتها ومطلوبيّتها شرعا حينئذ كذلك ، فتدبّر في النصوص وكلام المستدلّين حتّى يظهر لك الحال.

فما ذكره الشيخ أقرب وجوه الجمع ، بل ومتعيّن ، بل ولعلّه لا يكون معارضة أصلا لو كان المجوّز حجّة ، ولذا لا يفهم المنع من صوم التطوّع في السفر في شهر

__________________

(١) الحجر (١٥) : ٤٠ ـ ٤٢ ، النحل (١٦) : ٩٩ و ١٠٠ ، ص (٣٨) : ٨٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٣ الحديث ٥١٧٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٤ الحديث ٥١٧١.

٤٦٥

رمضان ـ فضلا عن غيره ـ مع اشتغال الذمّة بالقضاء من الصحيحة المذكورة (١) على القول بجواز التطوّع بالصوم في السفر ، فتدبّر!

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ٣ / ١٦٠ الحديث ٣٢٦٦.

٤٦٦

خاتمة

في أحكام قضاء صلوات الأموات

وقد ذكرنا في صدر الكتاب أنّ من جملة الصلوات الواجبة الصلوات المتحمّلة عن الأموات بالإجارة ، وبيّنا صحّة ذلك ، وأثبتناها على حسب ما هو المعروف من الفقهاء ، والمتداول بيننا في الأمصار والأعصار ، وبيّنا فساد توهّم المصنّف ومن وافقه من المتوهّمين ، حيث توهّموا البطلان من جهة اشتراط نيّة القربة والإخلاص فيها ، وأنّ ذلك ينافي وقوعها من جهة اجرتها المأخوذة من أولياء الميّت ، فلاحظ.

ثمّ إنّي عثرت على ما أورده السيّد الجليل رضي الدين علي بن طاوس الحسيني ، في كتابه المسمّى بـ : «غياث سلطان الورى لسكّان الثرى» من الأخبار المتعلّقة بالمقام ، وتحقيقاته رحمه‌الله في ذلك ، فإنّه قد بلغ الغاية فيه ، وقد نقلها في «الذكرى» عن الكتاب المذكور (١).

الأوّل : رواه في «الفقيه» أنّ الصادق عليه‌السلام سأله عمر بن يزيد : أيصلّى عن الميّت؟ قال : «نعم حتّى أنّه ليكون في ضيق فيوسّع [الله] عليه ذلك الضيق ، ثمّ

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٦٧ ـ ٧٧.

٤٦٧

يؤتى فيقال له : خفّف عنك ذلك الضيق بصلاة فلان أخيك عنك» (١).

الثاني : رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال : «نعم ، فيصلّي ما أحب ويجعل تلك للميّت فهو للميّت إذا جعل ذلك له» (٢).

الثالث : من مسائله أيضا عن أخيه عليه‌السلام : عن الرجل هل يصلح [له] أن يصلّي ويصوم عن بعض أهله بعد موته؟ فقال : «نعم يصلّي ما أحبّ ويجعل ذلك للميّت فهو للميّت إذا جعله له» (٣).

الرابع : رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن عمر بن يزيد أنّه قال للصادق عليه‌السلام : يصلّى عن الميّت؟ قال : «نعم حتّى أنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه [ذلك ، ثمّ يؤتى] فيقال [له] : خفّف عنك [هذا الضيق] بصلاة فلان أخيك» (٤).

الخامس : رواه بإسناده عن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز له أن يقضيه عنه رجل غير عارف؟ قال : «لا يقضيه إلّا رجل عارف» (٥).

السادس : رواه بإسناده إلى محمّد بن أبي عمير ، عن رجاله ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : «يقضيه أولى الناس به» (٦).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١١٧ الحديث ٥٥٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٤٣ الحديث ٢٥٩٨ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٧ الحديث ١٠٦٤٨.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٧ الحديث ١٠٦٤٨ مع اختلاف يسير.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٧ الحديث ١٠٦٥٠ مع اختلاف يسير.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٨ الحديث ١٠٦٥١ مع اختلاف يسير.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٨ الحديث ١٠٦٥٢.

٤٦٨

السابع : رواه في «الكافي» بإسناده إلى ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن الصادق عليه‌السلام مثله (١).

الثامن : هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر إلى كتابه الذي هو من الاصول (٢).

التاسع : روي في أصل هشام بن سالم [وهو] من رجال الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، ويروي عنه ابن أبي عمير ، قال هشام في كتابه : وعنه عليه‌السلام قال : قلت : يصل إلى الميّت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟ قال : «نعم» ، قلت : أو يعلم من صنع ذلك به؟ قال : «نعم» ، تمّ قال : «يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه» (٣).

العاشر : رواه علي بن أبي حمزة في أصله وهو من رجال الصادق والكاظم عليهما‌السلام قال : وسألت عن الرجل يحجّ ويعتمر ويصلّي ويصوم ويتصدّق عن والديه وذوي قرابته ، قال : «لا بأس به ، يؤجر فيما يصنع ، وله أجر آخر بصلته قرابته» ، قلت : وإن كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال : «يخفّف عنه بعض ما هو فيه» (٤).

قال في «الذكرى» : وهذا أيضا ذكره ابن بابويه في كتابه (٥).

الحادي عشر : رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في كتاب «المنسك» بإسناده إلى علي بن أبي حمزة أنّه قال للكاظم عليه‌السلام : أحجّ واصلّي وأتصدّق عن

__________________

(١) الكافي : ٤ / ١٢٣ الحديث ١ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٢ / ٦٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٨ الحديث ١٠٦٥٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٨ الحديث ١٠٦٥٤.

(٥) ذكرى الشيعة : ٢ / ٦٩.

٤٦٩

الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال : «نعم صدّق عنه ، وصلّ عنه ، ولك أجر آخر بصلتك إيّاه» (١).

قال ابن طاوس رحمه‌الله : يحمل في الحيّ على ما يصحّ فيه النيابة من الصلوات ، ويبقى الميّت على عمومه (٢).

الثاني عشر : ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب «المشيخة» عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «تدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والبرّ والدعاء» ، قال : «ويكتب أجره للّذي يفعله وللميّت» (٣).

ثمّ ذكر بعض مدائح ابن محبوب المذكور ، منه أنّ الرضا عليه‌السلام دعا له وأثنى عليه ، وقال ـ فيما كتبه ـ : «إنّ الله قد أيّدك بحكمة ، وأنطقها على لسانك ، قد أحسنت وأصبت ، أصاب الله بك الرشاد ويسّرك للخير ، ووفّقك لطاعته» (٤).

الثالث عشر : رواه محمّد بن أبي عمير ـ بطريق آخر ـ عن الإمام عليه‌السلام : «تدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والبرّ والدعاء» قال : «ويكتب للّذي يفعله وللميّت» (٥).

قال السيّد رحمه‌الله : هذا عمّن أدركه ابن أبي عمير من الأئمّة عليهم‌السلام ، ولعلّه مولانا الرضا عليه‌السلام (٦).

الرابع عشر : رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال ، ذكر مثله

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٨ الحديث ١٠٦٥٥.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٦٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٥٦ ، بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١١.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٠ ، بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١١.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٥٦.

(٦) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٠.

٤٧٠

بعينه (١).

الخامس عشر : روى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام : «تدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والعتق» (٢).

السادس عشر : ما رواه عمر بن محمّد بن يزيد قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إنّ الصلاة والصوم [والصدقة] والحج والعمرة ، وكلّ عمل صالح ينفع الميّت حتّى أنّ الميّت ليكون في ضيق فيوسّع عليه ، ويقال : إنّ هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين» (٣).

السابع عشر : ما رواه علي بن يقطين ـ وكان عظيم القدر عند الكاظم عليه‌السلام ، له كتاب المسائل عنه ـ قال : وعن الرجل يتصدّق على الميّت ويصوم ويعتق ويصلّي ، قال : «كلّ ذلك حسن يدخل منفعته على الميّت» (٤).

الثامن عشر : ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي في أصل كتابه قال : حدّثني كردين قال : قلت للصادق عليه‌السلام : الصدقة والحجّ والصوم يلحق الميّت؟ فقال : «نعم» قال : فقال : «هذا القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك» قال : قلت : وما أنا وذا؟! فو الله ؛ لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه ، قال : فضحك (٥).

قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة على الميّت أتلحق به؟ قال : «نعم» (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٥٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢٧٩ الحديث ١٣٦٩ ، وسائل الشيعة : ١١ / ١٩٨ الحديث ١٤٦١٥.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ٧١ ، بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١١ و ٣١٢.

(٤) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٥٧.

(٥) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٥٨.

(٦) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٥٩.

٤٧١

قال : وسألت الصادق عليه‌السلام فقلت : إنّي لم أتصدّق بصدقة منذ ماتت امّي إلّا عنها ، قال : «نعم» ، قلت : أفترى غير ذلك؟ قال : «نعم ، نصف عنك ، ونصف عنها» قلت : أيلحق بها؟ قال : «نعم» (١).

قال السيّد رحمه‌الله : قوله : الصلاة على الميّت أي التي كانت على الميّت أيّام حياته ، ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها (٢).

التاسع عشر : ما رواه حمّاد بن عثمان قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إنّ الصلاة والصوم والصدقة والحجّ والعمرة وكلّ عمل صالح ينفع الميّت حتّى أنّ الميّت ليكون في ضيق فيوسّع عليه ، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان أخوك في الدين» (٣).

العشرون : ما رواه عبد الله بن جندب قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبرّ والخير أثلاثا : ثلثا له ، وثلثين لأبويه؟ أو يفردهما من أعماله بشي‌ء ممّا يتطوّع به وإن كان أحدهما حيّا والآخر ميّتا؟ فكتب إليّ : «أمّا الميّت فحسن جائز ، وأمّا الحي فلا إلّا البرّ والصلة» (٤).

قال السيّد رحمه‌الله : لا يراد بهذه الصلاة المندوبة ، لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء ، في الزيارات والحج وغيرهما (٥).

الحادي والعشرون : ما رواه محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنّه كتب إلى الكاظم عليه‌السلام مثله ، وأجابه بمثله (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٩ الحديث ١٠٦٦٠.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٧١ و ٧٢.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٢ ، بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٠ الحديث ١٠٦٦١.

(٤) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٠ الحديث ١٠٦٦٢.

(٥) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٢.

(٦) قرب الإسناد : ٣١١ الحديث ١٢١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٠ الحديث ١٠٦٦٢.

٤٧٢

الثاني والعشرون : ما رواه أبان بن عثمان ، عن علي ، بن (١) مسمع ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : امّي هلكت ولم أتصدّق بصدقة ، كما تقدّم ، إلى قوله : أفيلحق ذلك بها؟ قال : «نعم» ، قلت : والحج؟ قال : «نعم» ، قلت : والصلاة؟ قال : «نعم» ، ثمّ سألت أبا الحسن عليه‌السلام بعد ذلك عن الصوم؟ فقال : «نعم» (٢).

الثالث والعشرون : رواه الكليني بإسناده إلى محمّد بن مروان قال : قال الصادق عليه‌السلام : «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين ، يصلّي عنهما ، ويتصدّق ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك ، فيزيد الله ببرّه وصلته خيرا كثيرا» (٣).

الرابع والعشرون : عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به» (٤).

ثمّ ذكر عشرة أحاديث تدلّ بطريق العموم.

الأوّل : ما رواه ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «يقضى عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن» (٥).

الثاني : رواه صفوان بن يحيى ـ وكان من خواصّ الرضا والجواد عليهما‌السلام وروى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه‌السلام ـ قال : «يقضى عن الميّت» ، وذكر مثله بعينه (٦).

__________________

(١) الوسائل «عن» ، والظاهر أنّ هذا هو الصحيح لأنه لا يوجد في كتب الرجال علي بن مسمع.

(٢) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٠ الحديث ١٠٦٦٣.

(٣) الكافي : ٢ / ١٥٩ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٦ الحديث ١٠٦٤٧.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٤.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٥.

٤٧٣

الثالث : رواه محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «يقضى عن الميّت» ، وذكر مثلهما بعينه (١).

الرابع : رواه العلاء بن رزين في كتابه ـ وهو أحد رجال الصادق عليه‌السلام ـ قال : «يقضى عن الميّت» ، وذكر مثل الكلّ بعينه (٢).

الخامس : رواه البزنطي ـ وكان من رجال الرضا عليه‌السلام ـ قال : «يقضى عن الميّت» ، وذكر مثل الكلّ بعينه (٣).

السادس : ما ذكره صاحب «الفاخر» ـ ممّا أجمع عليه ، وصحّ من قول الأئمّة عليهم‌السلام ـ قال : «يقضى عن الميّت أعماله الحسنة كلّها» (٤).

السابع : رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام قال : «من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف الله أجره ، ونفع الله به الميّت» (٥).

الثامن : رواه عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام قال : «من عمل من المؤمنين عن ميّت عملا صالحا أضعف الله أجره ، وينعم بذلك الميّت» (٦).

التاسع : رواه العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «يقضى عن الميّت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن» (٧).

العاشر : رواه حمّاد بن عثمان في كتابه قال : قال الصادق عليه‌السلام : «من عمل من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٧.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١١٧ الحديث ٥٥٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٤٤ الحديث ٢٦٠١.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٢ الحديث ١٠٦٧١.

(٧) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٩.

٤٧٤

المؤمنين عن الميّت عملا صالحا أضعف الله أجره ، وينعم بذلك الميّت» (١).

قال الشهيد رحمه‌الله : وروى يونس ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : «يقضى عن الميّت الحج والصوم والعتق والفعل الحسن» (٢).

قال : وممّا يصلح ما أورده في «التهذيب» بإسناده إلى عمر بن يزيد ، قال : كان أبو عبد الله يصلّي عن ولده في كلّ ليلة ركعتين ، وعن والديه في كلّ يوم ركعتين .. وكان يقرأ فيهما بالقدر والكوثر (٣).

قال : هذا الحديث يدلّ على وقوع الصلاة عن الميّت من غير الولد كالأب ، وهو حجّة على من ينفي الوقوع أصلا ، أو من غير الولد (٤).

وفي «الذخيرة» : أنّه يفهم من هذا الكلام وقوع الخلاف في وقوع الصلاة عن الميّت ، ثمّ في عدم اختصاصه بقضاء الولد عن الوالد.

وسيجي‌ء ما يدلّ على اتّفاق الإماميّة على وقوع الصلاة عن الميّت وعدم اختصاصه بالولد ، نقلا عن كلام الشهيد ، فلعلّ الخلاف المذكور من العامّة ، أو بعض المعاصرين للسيّد أو الشهيد ، ممّن لا يرون مخالفته قادحا في الإجماع (٥) ، أي اتّفاق الإماميّة المذكور.

ثمّ ذكر السيّد رحمه‌الله : أنّ الصلاة دين ، وكلّ دين يقضى عن الميّت ، أمّا الأوّل ففيه أربعة أحاديث :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٧٠.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٢ الحديث ١٠٦٧٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٦٧ الحديث ١٥٣٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤٤٥ الحديث ٢٦٠٤.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٥.

(٥) ذخيرة المعاد : ٣٨٦.

٤٧٥

الأوّل : رواه حمّاد عن الصادق عليه‌السلام في إخباره عن لقمان عليه‌السلام : «وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي‌ء فصلّها واسترح منها فإنّها دين» (١).

الثاني : ذكره الصدوق في باب آداب المسافر : إذا جاء وقت الصلاة ، وذكر مثله (٢).

الثالث : رواه في «معاني الأخبار» بإسناده إلى محمّد بن الحنفيّة في حديث الأذان لمّا اسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. إلى قوله : «حيّ على الصلاة ، قال الله جلّ جلاله : فرضتها على عبادي ، وجعلتها [لي] دينا» (٣) إذا روي بفتح الدال.

الرابع : ما رواه حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ، ولم يصلّ صلاة ليلته تلك ، قال : «يؤخّر القضاء ، ويصلّي صلاة ليلته تلك» (٤).

وأمّا الثاني : فلقضيّة الخثعميّة لمّا سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخا زمنا لا يستطيع أن يحجّ إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك؟» ، قالت : نعم ، قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء» (٥).

إذا تقرّر ذلك ، فلو أوصى الميّت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيّته ، لعموم قوله تعالى (فَمَنْ بَدَّلَهُ) (٦) الآية ، ولأنّه لو أوصى ليهودي أو نصراني وجب إنفاذ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٢ الحديث ١٠٦٧٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٩٥ الحديث ٨٨٤.

(٣) معاني الأخبار : ٤٢ الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٨٦ الحديث ٥١٧٨.

(٥) وسائل الشيعة : ١١ / ٦٤ الحديث ١٤٢٥٠ مع اختلاف يسير.

(٦) البقرة (٢) : ١٨١.

٤٧٦

وصيّته ، فكيف الصلاة المشروعة؟ لرواية الحسين بن سعيد بسنده إلى [محمّد] بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل أوصى بماله في سبيل الله ، قال : «أعطه لمن أوصى له ، وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا ، إنّ الله يقول (فَمَنْ بَدَّلَهُ) الآية» (١).

وذكر الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق عليه‌السلام : «لو أنّ رجلا أوصى إليّ [أن أضع] في يهودي أو نصراني لوضعت فيهم ، إنّ الله تعالى يقول : (فَمَنْ بَدَّلَهُ) الآية» (٢).

وقال السيّد رحمه‌الله بعد هذا الكلام : ويدلّ على أنّ الصلاة عن الميّت أمر مشروع ، تعاقد صفوان بن يحيى وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام : أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته ويصوم عنه ويحجّ عنه ما دام حيّا ، فمات صاحباه وبقي صفوان فكان يفي لهما بذلك ، فيصلّي كلّ يوم وليلة خمسين ومائة ركعة (٣).

وهؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب والرواة عن الأئمّة عليهم‌السلام.

قال السيّد رحمه‌الله : إنّك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعيّة وجدت الأخبار فيها مختلفة ، حتّى صنّف لأجلها كتب ولم يستوعب الخلاف.

والصلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع هذه الأخبار ، ولم نجد خبرا واحدا يخالفها.

ومن المعلوم أنّ هذا المهمّ في الدين لا يخلو عن شرع بقضاء أو ترك ، فإذا وجد المقتضي ولم يوجد المانع علم موافقة ذلك للحكمة الإلهيّة ، وقد ذكر ذلك

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٤٥ الحديث ٢٤٧٣٤.

(٢) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٤٥ الحديث ٢٤٧٣٥.

(٣) رجال النجاشي : ١٩٧ الرقم ٥٢٤ ، نقل عن السيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٦ و ٧٧.

٤٧٧

الأصحاب ، لأنّهم مفتون بلزوم قضاء الصلاة على الوليّ.

وقد حكى ابن حمزة في كتابه في قضاء الصلاة عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسين الشوهاني أنّه كان يجوّز الاستئجار عن الميّت.

واستدلّ ابن زهرة على وجوب قضاء الوليّ الصلاة بالإجماع أنّه تجري مجرى الصوم والحجّ (١).

وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام ، حيث قال : العليل إذا وجب عليه الصلاة وأخّرها عن وقتها إلى أن فاتته قضاها عنه وليّه ، كما يقضي حجّة الإسلام والصيام.

قال : وكذلك روى ابن يحيى عن إبراهيم بن هشام عن الصادق عليه‌السلام ، فقد سويا بين الصلاة والحجّ ، ولا ريب في [جواز] الاستئجار للحجّ (٢) (٣).

قلت : هذه [المسألة] ـ أعني الاستئجار على فعل الصلوات الواجبات بعد الوفاة ـ مبنيّة على مقدّمتين :

إحداهما : جواز الصلاة عن الميّت ، وهذه إجماعيّة ، والأخبار الصحيحة ناطقة بها ، كما تلوناه.

والثانية : أنّه كلّما جازت الصلاة عن الميّت جاز الاستئجار عنه.

وهذه المقدّمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر ، ولا يخالف فيها أحد من الإماميّة ، بل ولا من غيرهم ، لأنّ المخالف من العامّة إنّما منع لزعمه أنّه لا يمكن وقوعها للمستأجر.

__________________

(١) لاحظ! غنية النزوع : ١٠٠.

(٢) بحار الأنوار : ٨٥ / ٣١٧ مع اختلاف.

(٣) نقل عن السيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ٧٧.

٤٧٨

أمّا من يقول بإمكان وقوعها له ، وهم جميع الإماميّة ، فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار إلّا أن يخرق الإجماع في إحدى المقدّمتين.

على أنّ هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإماميّة الخلف والسلف من عهد المصنّف وما قبله إلى زماننا هذا ، وقد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعيّة (١) ، انتهى.

أقول : لا شبهة في وقوع الإجماع من الشيعة على كلّ واحدة من المقدّمتين المزبورتين ، وظهورهما من الأدلّة.

أمّا الإجماع على المقدّمة الاولى فغير خفيّ على المطّلع بطريقة الفقهاء وغيرهم من الشيعة ، حتّى أنّها ربّما صارت من شعار الشيعة ، وبأنّه يمتازون عن العامّة.

حتّى أنّ المنكرين للاستئجار في أمثال زماننا ، مثل المصنّف ومن وافقه ، لا يتأملون إلّا في خصوص الاستئجار ، ولا يردّون على مدّعي الإجماع عليها أصلا ، ولذا يذكرون الأخبار المذكورة الدالّة على العموم على وجه المسلّمية والمقبوليّة الواضحة الخالية عن شائبة عدم معلوميّة العمل بها من أحد فقهائنا القدماء والمتأخّرين.

حتّى أنّهم يذكرون ما صدر عن صفوان وعبد الله بن جندب وابن النعمان في مقام مدحهم من دون تأمّل منهم في المدح به.

هذا مع نقل فقهائنا تلك الأخبار على وجه يظهر منهم مقبوليّة مضامينها عندهم ، وكونها مفتى بها لديهم.

مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ، وهو رحمه‌الله بالغ في نقله غاية المبالغة ، وشدّد وأكّد ، ولم يظهر علينا أصلا خطؤه ، سيّما بعد ملاحظة ما أشرنا إليه ، فإنّه لو لم

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٦٧ ـ ٧٨.

٤٧٩

يصدّقه لم يكذّبه.

مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس معناه إلّا كون ناقله واحدا.

والأصل فيه الحجّية ، بمقتضى الأدلّة الدالّة على حجيّة خبر الواحد.

مع أنّ العمومات المذكورة تكفي في الفتوى ، وإن لم تكن مجمعا عليها ، سيّما وإن صارت كذلك ، فالمناقشة مع المدّعي ليست بمكانها بعد تسليم حجيّة تلك العمومات ومقبوليّتها ومسلميّتها عندنا.

وأمّا الإجماع على المقدّمة الثانية ـ وهو العمدة في المقام ـ فظهر ذلك من كلمات الفقهاء في مبحث الإجارة ، من اتّفاقهم على أنّ كلّ ما جاز شرعا صدوره عن شخص جاز إجارته ، وجعلهم ذلك معيارا فيما يصح إجارته ، من دون تأمّل ولا تزلزل من أحد منهم ، ولذا لم يطالب أحد منهم في موضع من مواضع الإجارة بخصوصه إجماعا ، ولا حديثا ، ولا آية ، ولا غيرها من الأدلّة.

وكذا لم يستدل أحد منهم في موضع بأحد ما ذكر ، ولم يناقش جاهل فضلا عن العالم في صحّة إجارة شي‌ء مباح ، بأنّا لا نسلّم الصحّة ، لأنّ الصحّة فرع دليل من الأدلّة : إجماع ، أو حديث ، أو أمثالهما ، بل الكلّ يسلّمون ، وبالقبول يتلقّون ، إلى أن صار من ضروريّات الدين أو المذهب بل الدين ، كما صرّح به رحمه‌الله ، وظاهر على كلّ من نشأ في ديننا العوام منهم فضلا عن الخواص.

وأيضا معنى الإجارة لغة وعرفا هو نقل منفعة بعنوان اللزوم بعوض (١) ، فحيث سلّم المنفعة تحقّق مصداق الإجارة بالبديهة.

وما ذكرنا إجماعي مرادف للضرورة ، فحيث ثبت الإجماعات ثبت الإجماع الثالث الذي ادّعاه أيضا ، لأنّه لو كان جواز الصلاة عن الميّت إجماعيّا ـ وكلّ ما

__________________

(١) لاحظ! مجمع البحرين : ٣ / ٢٠٠.

٤٨٠