مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

التقليد لا يفيد أزيد من الظنّ ، بل ربّما لا يفيده أيضا ، كما صرّح به غير واحد من المتأخّرين في المقام (١) ، كما ستعرف ، وفي صورة الإفادة ربّما لا يفيده إذا حصل له ظنّ بخلافه ، أو يفيد أضعف من ظنّ نفسه ، كما هو الغالب فيتحقّق التساقط في القدر المساوي ، ويبقى الزائد سالما ، فيرجع إلى الأوّل.

نعم ، إذا حصل من يقينه ظنّ أقوى من ظنّ نفسه ينعكس الأمر ، فيتعيّن العمل بالزائد الباقي ، سمّيته تقليدا أم اجتهادا وعملا بظنّه الحاصل له بعد بذل جهده.

ويظهر ممّا ذكر أنّهما لو تساويا تعارضا وتساقطا ، فيبقى الشكّ فيعمل بمقتضاه.

واعلم! أنّ رجوع الإمام إلى المأموم أعمّ من أن يكون المأموم فاسقا أو عادلا ، وأمّا إذا كان صبيّا مميّزا أو امراة ويحصل منهما ظنّ للإمام فلا إشكال ، وإلّا ففيه إشكال تامّ ، لعدم كونهما من الأفراد الشائعة المتبادرة من الإطلاقات.

بل لو كان رجلا ولم يحصل منه ظنّ أصلا لعلّه أيضا لا يخلو عن إشكال ، لأنّ الغالب الشائع حصول الظن ، والشارع لعلّه لهذا اعتبره مطلقا ، فيكون حالهما وحال غيرهما واحدا ، بأن حفظ على المصلّي من لم يكن إماما ولا مأموما ، كما ورد في بعض الصحاح : أنّ رجلا صلّى ثم اخبر أنّه صلّى في غير وقته ، قال : «يعيد» (٢).

وفي اخرى جواز الاتّكال في العدد على الغير (٣) ، لكن المذكور في عبارة غير واحد من المتأخّرين رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر ، وإن لم يحصل ظنّ أصلا من فعله وقوله ، بل يكون باقيا على شكّه.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ١٦٧ الحديث ٤٨١٤.

(٣) مستطرفات السرائر : ١١٠ الحديث ٦٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٢ الحديث ١٠٥٦٤.

٢٦١

ولذا ورد في الأخبار أنّه لا سهو للإمام والمأموم مع حفظ الآخر (١) ، ففرض فيها أنّه سهو إلّا أنّه لا حكم له ، كما هو الحال في كثير السهو وفي السهو في السهو.

ويؤيّده أيضا أنّه لو كان لحصول الظن من فعل الآخر وقوله ، لم يكن للتعرّض لذكرهما بالخصوص وجه ، وأنّه لما ذكر أيضا تعرّض الفقهاء لذكرهما بالخصوص.

وهذا أظهر بالنظر إلى ظواهر الأخبار والفتاوى ، إلّا أنّ الأخبار منها المرسلة (٢) وستعرف حالها ، وغير المرسلة يكون الظاهر منها عدم العبرة بشكّهما أصلا ، كما هو الحال في كثير السهو وغيره لا أنّهما يرجعان إلى الآخر مع حفظ الآخر ، كما هو المسلم والمفتى به ، وصريح من المرسلة التي هي المقيّدة له.

وظاهر الرجوع إلى الغير هو الاستناد إليه والاعتماد عليه.

وظاهر أنّ عدم حصول استناد إلى الآخر أصلا ومظنّة مطلقا ورجحان لوجه من الوجوه لعلّه في غاية البعد ، حتّى بالقياس إلى إطلاقات الفتاوى أيضا ، وأنّه لو اعتبر ما ذكر لزوم الرجوع وإن حصل الوهم أيضا ، لعدم التفاوت بالنسبة إلى ما ذكر ، لا في إطلاقات النصوص ولا إطلاقات الفتاوى ، إذا كان مجرد التعبّد ، فصرف المطلقات إليهما لعلّه لا يخلو عن مناقشة ما ، سيّما بعد ملاحظة المرسلة المقيّدة ، كما ستعرف.

واستثناء صورة الوهم من إجماع أو غيره يتوقّف على ظهوره وثبوته ، إذا كان الرجوع من باب التعبّد لا غير ، ولم يظهر أيضا أولويّة احتياط في المقام خاصّة لا من نصّ ولا من فقيه ، إذ هؤلاء بنوا على أنّ رجوع كلّ من المأموم والإمام إلى

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٩ الباب ٢٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ الحديث ١٠٢٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

٢٦٢

الآخر خارج عن قاعدة مراعاة الظنّ واعتباره ، فإذا كان خارجا عنها وبناء على مجرّد التعبّد ، لا جرم يكون ظاهر النصّ والفتاوى شاملا لصورة الوهم أيضا ، ولا دليل على خروجها.

مثلا إذا شكّ الإمام بين الثنتين والأربع ، والمأموم بناؤه على الثلاث لا غير ، والإمام ظانّ بعدم الثلاث ، يكون على الإمام الرجوع إلى المأموم ، وإن كان الثلاث موهوما ومرجوحا ، وهؤلاء حكموا بعدم رجوع الإمام إلى المأموم حينئذ ، ووجوب رجوعه إلى ظنّ نفسه ، والعمل بمقتضى شكّه مع دعواهم خروج رجوع كلّ منهما إلى الآخر عن قاعدة اعتبار الظن ، بناء على أنّ النص والفتاوى مطلقان غير مقيّد واحد منهما بحصول الظنّ أصلا.

فمن أين يظهر التقيد بخصوص عدم الوهم؟ مع كون البناء على مجرّد التعبّد والعمل بإطلاق النص والفتاوى في خصوص الرجوع المذكور.

مع أنّه ربّما كان الإمام شاكا بين الثلاث والأربع مثلا ، والمأموم بناؤه على خصوص الثلاث ، وظهر على الإمام أن مبنى بنائه لا عبرة به أصلا عنده ، وموهوم لا يوجب ظنّا مطلقا ، بل غلط واشتباه ، فحينئذ إلزام رجوع الإمام إلى ما هو مأخوذ من محض الغلط والاشتباه ، فيه ما فيه.

وبالجملة ، في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة يحتاط في الاكتفاء بالرجوع في صورة حصول الوهم البتّة ، وفي صورة حصول الشكّ أيضا.

فإن قلت : الظاهر من قوله في مرسلة يونس : «إذا حفظ عليه من خلفه» (١) عدم كون هذا الحفظ موهوما له ، كما أنّه لا يشمل صورة حصول القطع للإمام

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣١ الحديث ١٠٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٥٤ الحديث ١٨٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

٢٦٣

بفساد حفظ من خلفه ، لأنّ المعصوم عليه‌السلام شرط حفظ من خلفه عليه.

وهذه المرسلة هي المقيّدة لسائر الأخبار باشتراط حفظ من خلفه ، فتكون منجبرة بفتاوى الفقهاء.

قلت : ولم يقل بالانجبار بما ذكر مثل صاحب «المدارك» فلا يكون ما ذكرت عذره ، إلّا أن يكون مستنده الفتاوى من المشهور أو المجمع عليه ، لكن يمكن المناقشة معه فيما ذكر أيضا.

مع أنّ الظاهر من المرسلة والمتبادر منها حصول رجحان للإمام من هذا الحفظ البتّة ، وأنّ وجوده في نظره ليس مثل عدمه على السواء ، سيّما بملاحظة باقي هذه المرسلة ، فإنّه كالصريح فيما ذكرنا ، فلاحظ وتأمّل!

والحاصل ، أنّه إن كان في المقام إجماع فهو الحجّة ، لكن الإجماع أمر يقيني لا ظاهريّ ظني ، فضلا عمّا عرفت ممّا أشرنا إليه.

وأمّا ظواهر غير المرسلة فليست باقية على حالها بلا شبهة ، بل مقيّدة بما في المرسلة ، كما عرفت ، مع أنّ بقاء ظواهرها على حالها بملاحظة ما عرفت ، وعدم تطرّق تزلزل فيها لعلّه محلّ تأمّل ما ، وإن كان ما ذكره غير واحد من المتأخّرين لا يخلو عن قوّة ، فتأمّل جدّا!

قوله : (لتيقّن الأوّل). إلى آخره.

أقول : فيرجع كلّ واحد من الساهي منهما إلى من حفظ عليه ذلك السهو ، سواء كان الشاكّ بين الاثنتين والثلاث هو الإمام ، والشاكّ بين الثلاث والأربع هو المأموم ، أو كان الأمر بالعكس ، لاتّحاد العلّة ، وهي عموم مرسلة يونس (١) ، فما

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

٢٦٤

حكي عن بعض المتأخّرين من وجوب الانفراد واختصاص كلّ منهما بشكّه في الصورة الاولى ، والموافقة في الصورة الثانية (١) لا وجه له أصلا.

ولو كان الرابطة شكّا رجعا إليها أيضا لما ذكر ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع ، فيسقط اعتبار الاثنتين لحفظ الآخر عليه عدم احتمالهما.

ولو حفظ بعض المأمومين وشكّ الباقون رجعوا إليه ، لحصول الظنّ منه ، ولو فرض عدم حصوله فالإمام يرجع إليه ، لعموم الدليل ، وأمّا المأمومون الشاكّون فيرجعون إلى الإمام ، كما قيل ، لعموم الدليل (٢) ، وفيه تأمّل ما ، فتأمّل!

قوله : (إلّا إذا أفاد الظنّ). إلى آخره.

الأمر كما ذكره ، لعموم ما دلّ على الرجوع إلى الظنّ في موضع يرجع إليه ، كما مرّ ، بل مرّ أنّ الأقوى ذلك في كلّ موضع من الصلاة (٣).

ومرسلة يونس (٤) محمولة على عدم حصول الظنّ في اختلاف المأمومين والإمام ، يعني وقوع الاختلاف بينهم ودعوى كلّ بخلاف الآخر أورث الريبة والتزلزل ، وارتفع الوثوق منهم ، كما هو الحال في غالب الأوقات بالنسبة إلى المنصفين البريئين عن اللجاج والخصام ، فإنّ الظنّ في نفسه أمر وهن ، فإذا حصل بين الظنون التصادم والتعارض والتخالف ، ربّما ينجرّ إلى عدم الوثوق ، ولذا ترى أهل العرف والعقلاء كثيرا ما يقولون لأمثال هؤلاء المتعارضين المتخاصمين : ظهر

__________________

(١) لاحظ! روض الجنان : ٣٤٢.

(٢) روض الجنان : ٣٤٣ ، ذخيرة المعاد : ٣٧٠ ، الحدائق الناضرة : ٩ / ٢٧٦.

(٣) راجع! الصفحة : ١٩٤ و ١٩٥ من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

٢٦٥

من هذا النزاع منكم أنّ ظنّ واحد منكم ليس بشي‌ء أو ظنونكم لا عبرة بها ، فتأمّل جدّا!

ويمكن الحمل على الاستحباب سيّما بملاحظة الوهن الحاصل ، ممّا عرفت.

قوله : (ولو سها). إلى آخره.

قد مرّ ذلك في محلّه (١) ، فلاحظ.

قوله : (وكلّما عرض). إلى آخره.

أقول : إذا عرض للإمام ما يوجب سجدتي السهو فالذي ذهب إليه جماعة من الأصحاب أنّه يجب عليه موجبه (٢) ، وإذا عرض لمأمومه أيضا يكون الموجب واجبا عليه أيضا لعموم الدليل.

وإذا عرض للمأموم خاصّة يكون الموجب واجبا عليه كذلك للعموم ، وخصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يتكلّم ناسيا في صلاته يقول : أقيموا صفوفكم ، قال : «يتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو» فقلت : سجدتي السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال : «بعد» (٣).

ورواية منهال القصّاب عن الصادق عليه‌السلام قال : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، فقال : «إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب» (٤).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٦٠ ـ ٢٦٥ من هذا الكتاب.

(٢) المعتبر : ٢ / ٣٩٥ ، تحرير الأحكام : ١ / ٤٩ ، روض الجنان : ٣٤٣ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٨٠ ، الحدائق الناضرة : ٩ / ٢٨٥.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٦ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩١ الحديث ٧٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٨ الحديث ١٤٣٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٦ الحديث ١٠٤٣٥ و ١٠٤٣٨ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٣٨.

٢٦٦

ونقل عن الشيخ والسيّد أنّه لا سهو على المأموم وإن فعل موجب السجدة (١).

وادّعى الشيخ إجماع الفرقة على ذلك في خلافه ، والقول المنقول منه أيضا فيه (٢).

وعن المحقّق والشهيد أنّهما اختارا ذلك ، إلّا أنّه نقل عن المحقّق أنّه لا قضاء عليه أيضا فيما يوجب القضاء ، وعن الشهيد أنّه صرّح بخلافه ، وعن المحقّق أيضا أنّ المحلّ إن كان باقيا يأتي به ، وإن كان السهو موجبا للبطلان يبطل صلاته (٣).

وفي «المنتهى» : أنّ هذا ـ أي ما قاله الشيخ والسيّد ـ قول العامّة إلّا مكحول.

ثمّ قال : والذي نذهب إليه نحن أنّ المأموم إذا انفرد بالسهو وكان ممّا يبطل الصلاة كسهوه عن النيّة أو عن تكبيرة الإحرام بطلت صلاته ، وإن كان ممّا يوجب سجدتي السهو سجد ، كالكلام ناسيا.

لنا أنّه سهو موجب للاحتياط ، أو الإعادة فيثبت مسببه ، كغير المأموم ، ويؤيّده صحيحة عبد الرحمن عن الصادق عليه‌السلام.

وذكر الصحيحة المذكورة الآن ، ونقل رواية منهال المذكورة أيضا ، ثمّ نقل رواية عمّار الساباطي ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : «يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح» (٤).

__________________

(١) نقل عنهما في المعتبر : ٢ / ٣٩٤ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٤٦٣ المسألة ٢٠٦ ، رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤١.

(٢) الخلاف : ١ / ٤٦٣ المسألة : ٢٠٦.

(٣) نقل عنهما في ذخيرة المعاد : ٣٧٠ ، لاحظ! المعتبر : ٢ / ٣٩٤ و ٣٩٥ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٣٩.

٢٦٧

ثم قال : احتجّ المخالف بما رواه عمر بن الخطّاب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ليس على من خلف الإمام سهو ، الإمام كافية» (١). إلى أن قال :

احتجّ الشيخ برواية حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس على الإمام ولا على من خلف الإمام سهو» (٢).

ورواية محمّد بن سهل عن الرضا عليه‌السلام : «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الافتتاح» (٣).

ورواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل نسي وهو خلف الإمام أن يسبّح في الركوع أو في السجود ، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا ، فقال : «ليس عليه شي‌ء» (٤).

وعن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة ، فلم يقل شيئا ولم يكبّر ، ولم يسبّح ولم يتشهّد حتّى يسلّم ، فقال : «جازت صلاته وليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو ، لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه» (٥).

وأجاب عن الأوّل بالحمل على السهو والشكّ في عدد الركعات ، وكذا عن

__________________

(١) سنن الدارقطني : ١ / ٣٦٥ الحديث ١٣٩٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٢٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٥ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٤ الحديث ١٢٠٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٨١٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٣ الحديث ١٢٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٨ الحديث ٨١٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٦ مع اختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٤ الحديث ١٢٠٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٨ الحديث ٨١٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٠ الحديث ١٠٥٣٧.

٢٦٨

رواية حفص مع طعن فيه بأنّ فيه قول (١).

وليس هذا الطعن بشي‌ء كما لا يخفى ، بل الطعن في الرواية الاولى في سندها في غاية الظهور.

مع أنّ رواية حفص في غاية الوضوح والصراحة في أنّ نفي السهو على المأموم كنفي السهو على الإمام ، وهو مع حفظ الآخر ورجوعه إليه ، كما مرّ مشروحا ، وهو رحمه‌الله أجاب أيضا كذلك أخيرا.

وأجاب عن رواية محمّد بن سهل بالحمل على الوهم في العدد وأنّ الإمام إنّما يتحمل القراءة خاصّة ، لما في الأخبار الكثيرة من أنّه لا يضمن صلاة من خلفه سوى القراءة (٢) ، مثل صحيحة معاوية بن وهب أنّه قال للصادق عليه‌السلام : أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن ، فقال : «لا يضمن ، أيّ شي‌ء يضمن؟ إلّا أن يصلّي بهم جنبا أو على غير طهر» (٣).

ورواية اخرى عنه عليه‌السلام : «إنّ الإمام ضامن للقراءة وليس يضمن [الإمام] صلاة [الذين هم] من خلفه ، إنّما يضمن القراءة» (٤).

وفي جوابه هذا ما فيه ، بل الجواب الحمل على التقيّة ، كما ينادي به ما في صحيحة معاوية ، وما ذكره هو عن العامّة وما يومي إليه أدلّتهم ، ورواية منهال أيضا ، وممّا ذكر ظهر الجواب عن رواية عمّار الأخيرة.

وأمّا الأدلّة فجوابها عدم وجوب سجدتي السهو لما ذكر فيها ، كما أجابها رحمه‌الله

__________________

(١) منتهى المطلب : ٧ / ٣٧ ـ ٣٩.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٣ الباب ٣٠ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٧ الحديث ٨١٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٧٣ الحديث ١٠٩٣٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٧ الحديث ١١٠٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٩ الحديث ٨٢٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٥٣ الحديث ١٠٨٨٠.

٢٦٩

أيضا كذلك مع احتمال التقيّة فيها أيضا.

ثمّ قال رحمه‌الله : ولو سها الإمام خاصّة انفرد بمقتضاه من السجود له أو التلافي ، ولا يجب على المأموم متابعته خلافا لفقهاء الجمهور كافّة وللشيخ رحمه‌الله (١).

لنا أنّ السجود وجب على الإمام لمعنى لم يوجد في المأموم ، احتجّ المخالف بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا» (٢) ، فأجاب عنه بأنّ المراد سجود الصلاة بقرينة الركوع.

ونقل أيضا حديثا آخر من طرقهم حجّة لهم ، وأجاب عنه (٣) ولا عناية لنا فيه.

وذكر في «المختلف» أنّ الشيخ احتجّ بأنّ الإمام متبوع ، ويجب على المأموم اتّباعه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام إماما ليتّبعوه» (٤).

وأجاب بأنّه متبوع في أفعال الصلاة لا غيرها ، والجبران ليس منها (٥) ، انتهى.

وهو كما قال ، لأنّ المتبادر من الخبر ليس سوى ما ذكر ، بل مرّ في مبحث التسليم والجماعة عدم وجوب المتابعة فيه مطلقا أو في الجملة ، فما ظنّك بما بعده ممّا هو خارج عن الصلاة قطعا ، وظاهر أنّه مسلّم عند الشيخ أيضا أنّه لو لم يكن الخبر المذكور ودلالته على مدّعاه لم يكن على المأموم شي‌ء ، فتأمّل جدّا!

ويمكن الاستدلال له بموثقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يدخل [مع

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٢٣ و ١٢٤ ، لاحظ! المغني لابن قدامة : ١ / ٣٨٨ ، المجموع للنووي : ٤ / ١٤٣ ـ ١٤٧.

(٢) صحيح البخاري : ١ / ٢٣٧ مع اختلاف يسير.

(٣) منتهى المطلب : ٧ / ٤١ و ٤٢.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٢٦١ و ٣٠٤ مع اختلاف يسير.

(٥) مختلف الشيعة : ٢ / ٤٣٧.

٢٧٠

الإمام] وقد صلّى الإمام ركعة أو أكثر ، فسها الإمام كيف يصنع الرجل؟ قال : «إذا سلّم فسجد سجدتي السهو فلا يسجد [الرجل] الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمّها وسلّم سجد سجدتي السهو» (١). الحديث.

لكن في جملة هذه الموثّقة «أنّه إذا نسي من عليه سجدتا السهو فذكر بعد صلاة الفجر ، لا يسجد للسهو حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها».

مضافا إلى ما عرفت من دعوى إطباق علماء العامّة على ذلك (٢) ، وما سيجي‌ء أيضا.

ويمكن الاستدلال له أيضا بموثّقة عمّار التي مضت في بيان سجدتي السهو ، حيث سأل الصادق عليه‌السلام عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال : «لا ، إنّما هما سجدتان فقط فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنّه قد سها» (٣) ، الحديث.

وغير خفيّ أنّ الغرض من الإعلام أو العلم بسهوه ليس إلّا متابعته في سجدتيه ، للقطع بأنّ مجرّد الإعلام أو العلم به لا يصلح أن يصير علّة لشرعيّة التكبيرة في سجوده وفي رفعه عنه ، فإنّ العبث لا يصير علّة لشرعيّة أمر قطعا بالبديهة ، وليس هنا غرض شرعي وفائدة مرعيّة سوى ما ذكرناه.

نعم ، الرواية مهجورة ، كما عرفت في ذلك المبحث.

هذا ، والأحوط مراعاة ما ذكره الشيخ البتّة (٤) ، كما لا يخفى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٣ الحديث ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٣٩.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٦٧ من هذا الكتاب.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٧٧١ ، الاستبصار : ١ / ٣٨١ الحديث ١٤٤٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٥ الحديث ١٠٥١٩.

(٤) انظر! المبسوط : ١ / ١٢٣ و ١٢٤.

٢٧١

ويمكن أن يتأيّد بما في مرسلة يونس من قوله عليه‌السلام : «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه بإيقان منهم» أو «باتّفاق منهم» على النسختين ، «وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام» (١) حيث عدل عن قول : إذا حفظ عليهم الإمام بقوله عليه‌السلام : «إذا لم يسه الإمام» إذ مفهومه : أنّه إذا سها يكون عليهم السهو ، ومنطوقه : أنّ عدم السهو على المأموم خلف الإمام مشروط بعدم سهو إمامهم. فتأمّل جدّا!

ولو ترك الإمام هذه السجدة وجب على المأموم فعله ، على ما نقل عن الشيخ (٢).

قال في «الذكرى» : وربّما قيل : يبني ، هذا على أنّ سجود المأموم هل هو لسهو الإمام ونقص صلاته ، أو لوجوب المتابعة؟ فعلى الأوّل يسجد وإن لم يسجد الإمام ، وعلى الثاني لا يسجد إلّا لسجوده (٣) ، انتهى.

أقول : على ما ذكره يشتدّ تأكّد الاحتياط بحيث يجب ارتكابه تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، هذا إذا وجب على الإمام أن يسجد ، وأمّا إذا استحبّ فلا.

نعم ، إذا سجد للاستحباب يحتمل وجوب متابعته ، بناء على كون سجوده لوجوب المتابعة ، ويحتمل اختصاصه بالواجب منه ، وهو الأقرب ، والله يعلم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤١ الحديث ١٠٥٤٠.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٩ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٤٦٤ المسألة ٢٠٧ ، المبسوط : ١ / ١٢٤.

(٣) ذكرى الشيعة : ٤ / ٥٩.

٢٧٢

٢٠٥ ـ مفتاح

[حكم كثير الشك]

لا حكم للشكّ مع كثرته سواء تعلّق بأعداد الركعات أو أفعالها ، وسواء تعلّق بالركعتين الاوليين أو الأخيرتين ، فلا يلتفت مطلقا ، بل يبني على وقوع المشكوك فيه وإن كان في محلّه ، دفعا للحرج وللصحيحين (١).

والمرجع في الكثرة إلى العرف ، وتحديده في الصحيح بالسهو في كلّ ثلاث ـ بمعنى أنّه لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية ـ ليس حصرا بل بيان للعرف ، فمن حدّده بأن يسهو ثلاث مرّات متوالية أو يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات ، فيسقط بعد ذلك حكمه أو يسهو في أكثر الخمس ـ أعني ثلاثا منها ـ فيسقط حكمه في الفريضة الرابعة ، أتى بالتحكّم والزور ، إذ لم يثبت لشي‌ء من ذلك مستند في لغة ولا شرع.

ولو كثر شكّه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشكّ مطلقا فيبني في غيره على فعله أيضا أم يقتصر على ذلك؟ وجهان.

ويستحب لكثير السهو أن يطعن فخذه اليسرى بإصبعه اليمنى المسبّحة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ و ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٥ و ١٠٤٩٦.

٢٧٣

ثمّ يقول : «بسم الله وبالله وتوكّلت على الله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» فإنّه يزجره ويطرده ، كما في الخبر (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٩ الحديث ١٠٥٦٠.

٢٧٤

قوله : (لا حكم للشك). إلى آخره.

هذا إجماعي بل ضروري ، يدلّ عليه العقل والقرآن ، لنفي الحرج وإرادة الله اليسر دون العسر (١) والأخبار :

مثل صحيحة زرارة وأبي بصير أنّهما قالا : قلنا له : الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا [ما] بقي عليه؟ قال : «يعيد» ، قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شك ، قال : «يمضي في شكّه» ، ثمّ قال : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ».

قال زرارة : ثمّ قال : «إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (٢).

وصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان» (٣).

وصحيحة ابن سنان ، عن غير واحد ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» (٤).

__________________

(١) الحج (٢٢) : ٧٨ ، البقرة (٢) : ١٨٥.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٨ الحديث ٧٤٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٤ الحديث ١٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٣ الحديث ١٤٢٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٧ الحديث ١٠٤٩٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٣ الحديث ١٤٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٧.

٢٧٥

وموثّقة عمّار عنه عليه‌السلام : في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع ، فلا يدري أركع أم لا؟ ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟ فقال : «لا يسجد ولا يركع ، ويمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا» (١).

ومرسلة الصدوق عن الرضا عليه‌السلام قال : «إذا كثر عليك السهو [في الصلاة] فامض على صلاتك [ولا تعد]» (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه‌السلام : عن رجل يشكّ فلا يدري أواحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته ، قال : «كلّ ذا؟» ، قال : قلت : نعم ، قال : «فليمض في صلاته وليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإنّه يوشك أن يذهب عنه» (٣).

ولا يخفى أنّ مقتضى الأخبار الصحاح وغيرها عدم حكم لشكّه ، وعدم الاعتناء والبناء على وقوع المشكوك فيه ما لم يستلزم الزيادة ، فيبني على وقوع المصحّح ، كما فهمه الأصحاب ، وصرّح به جماعة منهم (٤) ، لا البناء على الأقلّ ، كما احتمله في «الذخيرة» في الصحاح منها (٥).

ومقتضاها أيضا عدم التدارك للشكّ أصلا حتّى سجدتي السهو.

فما في «المدارك» من أنّ أقصى ما تدلّ عليه الروايات وجوب المضي وعدم

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٢ الحديث ١٣٧٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٤٩٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٩ الحديث ١٠٥٠٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٠ الحديث ١٠٢٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٨ الحديث ٧٤٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٤ الحديث ١٤٢١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٨.

(٤) المعتبر : ٢ / ٣٩٣ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٣٩ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧١.

(٥) ذخيرة المعاد : ٣٧٠.

٢٧٦

الالتفات إلى الشكّ ، فيبقى الأوامر المتضمّنة للسجود بفعل موجبة سالمة من المعارض (١) ، فيه ما فيه ، سيّما مع ظهور أنّ وجوب الإتيان بالسجدة التفات إلى الشكّ بلا شبهة.

وأيضا ما ذكرنا من الأدلّة يشمل الشكّ في الأفعال والركعات أعمّ من أن يكون من الثنائيّة أو الثلاثيّة ، أو اولتي الرباعيّة أو أخيرتيها ، كما لا يخفى.

وأيضا يشمل ما لم يتجاوز محل المشكوك فيه وما لو تجاوز ، من غير خصوصيّة للصحيحين في ذلك ، كما ذكره المصنّف ، بل الموثّقة أدلّ وصريحة.

قوله : (والمرجع). إلى آخره.

هذا هو المشهور بين المتأخّرين ، ووجهه ورود لفظ الكثير (٢) في الأخبار والفتاوى ، وتعليق الحكم عليه فيهما ، فيرجع فيه إلى العرف ، لأنّه المحكّم في مثله ، مع عدم ورود تحديد من الشرع ، فلو تحقّق الكثرة عرفا في صلاة واحدة أو أزيد لم يكن له حكم على حسب ما ذكرناه.

لكن في صحيحة زرارة وأبي بصير المذكورة آنفا : إنّ الرجل يشكّ كثيرا في صلاته ، ومع ذلك يجب عليه الإعادة ، إلّا أن يحمل على أنّ المراد كثرة احتمالات شكّه وأطرافه ، لا كثرة عدد شكّه ، بقرينة قوله : حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه على قياس ما في أخبار كثيرة من أنّ «من شكّ فلم يدر كم صلّى يجب عليه الإعادة» (٣) والفقهاء أفتوا بمضامينها على حدة.

لكن رواية علي بن أبي حمزة وردت بهذا المضمون ، مع أنّ المعصوم عليه‌السلام قال :

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٤ / ٢٧٢.

(٢) في (د ١) و (ك) : الكثرة.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٥ الباب ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٢٧٧

«فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإنّه يوشك أن يذهب عنه» (١).

والصدوق عمل بمضمونها (٢) ، والشيخ حملها على النافلة تارة وعلى من كثر سهوه اخرى (٣).

وهي كالصحيحة إلى عبد الله بن المغيرة ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٤) ، وهو رواها عن علي بن أبي حمزة ، والشيخ ادّعى إجماع الشيعة على العمل برواياته (٥) ، إلّا أن يقال : قوله : «يشكّ» ، فعل مضارع يفيد الاستمرار التجدّدي ، فيكون المراد كثير الشكّ ، كما نقلنا عن الشيخ.

مع أنّ قوله عليه‌السلام في آخر الرواية «فإنّه يوشك أن يذهب عنه» ينادي بذلك والأخبار الاخر كاشفة عن ذلك ، وكذا الفتاوى ، وإن كان الصدوق غفل عن ذلك.

لكن ورد في أخبار كثيرة أنّ «من كثر سهوه يعدّ صلاته بالخاتم ونحوه» ، مثل رواية حبيب الخثعمي قال : شكوت إلى الصادق عليه‌السلام كثرة السهو في الصلاة ، فقال : «أحص صلاتك بالحصى» ، أو قال : «احفظها بالحصى» (٦).

ورواية المغيرة أنّه قال : «لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به» (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٨ الحديث ٧٤٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٤ الحديث ١٤٢١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٢٨ الحديث ١٠٤٩٨.

(٢) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٠ الحديث ١٠٢٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٨ ذيل الحديث ٧٤٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٧٤ ذيل الحديث ١٤٢١.

(٤) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٥) عدّة الاصول : ١ / ١٥٠.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٨ الحديث ١٤٤٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٧ الحديث ١٠٥٥٣.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٧ الحديث ١٠٥٥٥.

٢٧٨

ومثله رواية حبيب بن المعلى عن الصادق عليه‌السلام (١).

وورد في بعض الأخبار أنّه يخفّف الصلاة ، مثل الموثّق كالصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن السهو فإنّه يكثر عليّ ، فقال : «أدرج صلاتك إدراجا» ، قلت : فأيّ شي‌ء الإدراج؟ قال : «ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود» (٢).

ورواية عمران الحلبي عنه عليه‌السلام قال : «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو» (٣).

ورواية عمر بن يزيد أنّه شكا إلى الصادق عليه‌السلام السهو في المغرب ، فقال : «صلّها بـ «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» و «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» قال : ففعلت [ذلك] فذهب عنّي (٤).

والحاصل ، أنّهم عليهم‌السلام في الأخبار السابقة منعوا عن الالتفات إلى الشكّ إذا كثر ، وأمروا بالمضيّ ، وعدم الاعتناء به أصلا ورأسا ، وصرّحوا بأنّه من الشيطان يريد أن يطاع ويعصى الله ، لأنّ إطاعته عصيان الله تعالى ، ولا شبهة في تحريم ذلك.

مضافا إلى ما يشاهد (٥) بالوجدان أنّ المطيع للشيطان في المقام يثقل عليه الصلاة والعبادة ـ بما فيه كثرة شكّه ـ غاية الثقل ، ويتنفّر منها كمال التنفّر ، ويشمئزّ منها أشدّ اشمئزازا ، حتّى أنّه يبغضها كمال البغض.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٦ الحديث ٧٧٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٧ الحديث ١٠٥٥٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥٩ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٢٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٦ الحديث ١٠٥٢٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٥٧٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٦ الحديث ١٠٥٢٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٤ الحديث ٩٨٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٦ الحديث ١٠٥٢١.

(٥) في (د ١) : نشاهد.

٢٧٩

وأين هذا من حبّ إطاعة الله وعبادته ، والشوق إليها ، والالتذاذ بها ، والميل إليها؟!

مضافا إلى ما يصدر منه من المكروهات الشديدة ، والمحرّمات غير العديدة ، مثل قطع الصلاة مكرّرا ، وإبطالها كثيرا من جهة وسواسه ، أو تأخيرها عن أوقاتها ، وترك واجبات كثيرة عليه عند ذلك ، بل وفعل محرّمات ، كضرب رأسه وغيره في غاية الشدّة ، إلى أن تصير مؤوفة ، وربّما يصدر منه أفعال ركيكة مضحكة ، بل وكلمات منكرة ربّما تكون كفرا أو قريبة إليه ، إلى غير ذلك.

فمع جميع ذلك ، كيف جوّزوا عليهم‌السلام في الأخبار الأخيرة الالتفات إليه بتخفيف الصلاة؟ أو العدّ بالحصى وغيره ، ممّا يحفظها به.

ولا يحضرني الآن أنّ أحدا تعرّض لرفع المنافاة وكيفيّته ، ولا يجوز أن يقال إنّهم أعرضوا عن هذه الأخبار بالمرّة ، وطرحوا بمعارضتها للسابقة.

لأنّا نراهم اعتبروها في كتب أحاديثهم ، بل وفي كتب فتاواهم أيضا ، حيث جعلوا عدّ الركعات بالحصى وأمثاله داخلا في غير الفعل الكثير (١) ، وجعلوه ممّا ورد من الشارع جواز العمل به في أثناء الصلاة.

مضافا إلى اعتبار سند أكثرها ، وكونه حجّة عندهم مضافا إلى موافقتها للأصل والقاعدة ، من وجوب الإتيان بالمأمور به على وجهه ، ووجوب تحصيل الإطاعة والامتثال من دون ارتكاب مشقّة وعسر وإشكال.

فإنّ تخفيف الصلاة في غاية السهولة والخفّة ، وترك المستحب لتحصيل الامتثال بالواجب ، والخروج عن عهدة التكليف به ممّا لا غبار عليه.

وكذلك الحال في العدّ بالحصى ، لما عرفت من عدم دخوله في الفعل الكثير

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٥ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٨ ، ذخيرة المعاد : ٣٥٥.

٢٨٠