مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

عذب قوما على التورّك كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة».

قيل (١) : المراد أن يكون الوضع على سبيل الاعتماد عليهما.

ثمّ قال : «ولا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس ، وأرسل يديك وضعهما على فخذيك قبالة ركبتيك فإنّه أحرى أن تهتمّ بصلاتك ، ولا تشغل عنها نفسك فإنّك إذا حركتها كان ذلك يلهيك ، ولا تستند إلى جدار إلّا أن تكون مريضا ، ولا تلتفت عن يمينك ولا عن يسارك ، فإن التفتّ حتّى ترى من خلفك فقد وجب عليك إعادة الصلاة ، فإنّ العبد إذا التفت في صلاته ناداه الله عزوجل فقال : عبدي إلى من تلتفت [أتلتفت] إلى من هو خير لك منّي؟ فإن التفت ثلاث مرّات صرف الله عزوجل عنه نظره فلم ينظر إليه بعد ذلك أبدا» (٢) الحديث.

ويظهر ممّا ذكر ، أنّ الصدوق فهم أنّ الاستناد منحصر في صورة المرض ، وإن كان ما ذكر حديثا ، فيدلّ مضافا إلى فهم الصدوق ، كون الاستناد الوارد في بعض الأخبار ، يكون في حال المرض ، كما أشرنا إليه أيضا.

والصدوق لا يقول من قبل نفسه ، بل يكون ما ذكر ممّا ورد في الأخبار ، سيّما بعد ما ذكر صحيحة علي بن جعفر السابقة في بحث وجوب الاستقلال في قيام الصلاة (٣).

ومن هذا ، ظهر أيضا أنّ الحمل على الكراهة لا وجه له ، كيف ويكون أقرب المحامل ، كما توهّم من توهّم ، ومنتصبا ، فيما ذكره الصدوق قبل ما نقله عنه المصنف آداب أيضا من جملتها : «وقم منتصبا ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له واخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السماء وليكن نظرك إلى موضع سجودك» (٤).

__________________

(١) في (ز ٣) : فلعلّ.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٨ الحديث ٩١٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٧ الحديث ١٠٤٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٩ الحديث ٧١٦٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٠ الحديث ٨٥٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣١٣ الحديث ٥٢٤٣ مع اختلاف يسير.

٦١

إلى آخر ما قال.

وفي رواية غياث بن إبراهيم : «لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك» (١).

ونقل أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل نظره موضع سجوده لمّا نزل قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢) (٣).

ثمّ اعلم! أيضا أنّه ورد في صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيديك ولا برأسك ولا بلحيتك ، ولا تحدّث نفسك ، ولا تتثاءب ، ولا تتمطّ ، ولا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس» ـ إلى أن قال : ـ ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنّها من خلال النفاق» (٤) الحديث.

وفي كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام : «إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على صلاتك ، فإنّ الله تعالى يقول (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٥)» (٦).

وعنه عليه‌السلام المنع من الصلاة حال سكر النوم وغير النوم ، كما قال تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٧) (٨).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٦ الحديث ١٣٣٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥١٠ الحديث ٧١٩٢.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ٢.

(٣) التبيان : ٧ / ٣٤٨ ، مجمع البيان : ٤ / ١٣٥ (الجزء ١٨).

(٤) الكافي : ٣ / ٢٩٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٣ الحديث ٧٠٨١.

(٥) المؤمنون (٢٣) : ٢.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٠٠ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٧٣ الحديث ٧٠٩٦ مع اختلاف يسير.

(٧) النساء (٤) : ٤٣.

(٨) الكافي : ٣ / ٣٧١ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٥٨ الحديث ٧٢٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠٣ نقل بالمضمون.

٦٢

وورد في المتواتر الحثّ على الإقبال بالقلب ، وأنّه لا يقبل منها إلّا ما أقبل بقلبه (١). وأن يتمّ بالنوافل حتّى أنّه قال الراوي ـ بعد ما سمع ذلك ـ : ما أرى النوافل ينبغي أن تترك على حال ، فقال عليه‌السلام : «أجل ، لا» (٢).

واحتمل بعض أن معنى ذلك ، أنّ الإقبال الفائت في الفريضة يتدارك بتحصيله في النافلة ، لا أنّه يتدارك بفعل النافلة ، وإن لم يكن فيها إقبال (٣).

ولا شكّ في كونه أولى ، وإن كان الأظهر من الأخبار حصول التدارك بنفس الفعل ، لكن ليس مثل التدارك بالإقبال فيها ، فإنّه أكمل بلا شبهة ، كما أنّ الإقبال في مجموع الفريضة أكمل ثمّ أكمل.

وورد أنّ الأئمة عليهم‌السلام كانوا إذا قاموا إلى الصلاة تغيّرت ألوانهم ، واقشعرّت جلودهم ، وارتعدوا كالسعفة ، وأنّهم كساق شجرة لا يتحرّك منهم شي‌ء إلّا ما حرّكته الريح (٤) ، إلى غير ذلك ، رزقنا الله متابعتهم ، وجعلنا من شيعتهم ، آمين بمحمّد وآله الميامين عليهم‌السلام.

قوله : (وأن يثبت). إلى آخره.

قال في «الدروس» : يكره التراوح بين القدمين (٥) ، انتهى.

أقول : هذا هو الذي ذكرنا أنّه ببالي ، ورود المنع عنه من الأئمّة عليهم‌السلام (٦) ، ولعلّ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٧٦ الباب ٣ من أبواب أفعال الصلاة.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٦٣ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٢ الحديث ١٤١٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٧١ الحديث ٤٥٤٢.

(٣) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٦ / ١١.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٧٣ الباب ٢ من أبواب أفعال الصلاة.

(٥) الدروس الشرعية : ١ / ١٧٠.

(٦) مستدرك الوسائل : ٤ / ١١٨ الباب ٢ من أبواب القيام.

٦٣

ذلك مراد المصنّف ، وفي «الفقه الرضوي» : «ولا تتكئ مرّة على رجلك ومرّة على اخرى» (١).

ولعلّ المراد النهي عن زيادة الاتّكاء لا نفسه ، لما عرفت من وجوب الاعتماد عليهما مطلقا ، وظاهره يقتضي الاكتفاء بالاعتماد على الواحدة ، وعدم المنع إلّا من صورة كونه مرّة على واحدة ، واخرى على اخرى ، وهو محتمل بعد وضعهما على الأرض ، وصدق القيام العرفي ، إلّا أنّه يخالف ما مرّ.

قوله : (كذا قيل). إلى آخره.

القائل الجعفي (٢) ، ولعلّ مراده أنّ بعد الثبوت على القدمين لا يتقدّم ولا يتأخّر مرّة بعد اخرى ، إن تقدّم يقف ، كذلك إلى تمام الصلاة ، وإن تأخّر فكذلك ، لأنّ تقديم الواحد لا ينافي الاستقرار الثابت ، وليس بفعل كثير ، لكن دلالة الاستقرار تنافي ذلك ، إلّا ما ثبت جوازه ممّا ستعرف في مبحث منافيات الصلاة.

ويحتمل أن يكون مراده ما لا ينافي الاستقرار مطلقا ، حيث نسب إليه قوله بالكراهة واستحباب الترك.

وكيف كان ، رفع إحدى الرجلين ثمّ وضعها من جهة الوجع أو عذر آخر ـ ولو كان مجرّد الغفلة ـ لم يضرّ.

قوله : (ويكره التكفير).

اختلف الأصحاب فيه ، فالمشهور الحرمة وبطلان الصلاة به ، بل الشيخ والسيّد نقلا الإجماع على ذلك (٣) ، وكذلك الشهيد (٤).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠١ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ١١٨ الحديث ٤٢٧٧.

(٢) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٧٨.

(٣) الخلاف : ١ / ٣٢١ المسأله ٧٤ ، الانتصار : ٤١.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٥.

٦٤

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّه لا يجوز التكفير في الصلاة (١) ، وعن أبي الصلاح أنّه مكروه (٢) ، وكذا عن «المعتبر» (٣) ، وعن ابن الجنيد أنّ تركه مستحب (٤).

حجّة المشهور ـ لو لم نقل بالإجماع ـ الإجماعات المنقولة الكثيرة ، والإجماع المنقول حجّة ، كما هو المحقّق في محلّه.

ويدلّ على ذلك أيضا كون العبادات توقيفية ، وألفاظ العبادات أسامي للصحيحة منها ، كما حقّق في محلّه ، ولا أقلّ من التوقّف فيه وفي كونها أسامي للأعم فلم يثبت كون ما وقع فيها ذلك صلاة شرعا.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة زرارة السابقة آنفا (٥). وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت : الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى ، فقال : «ذلك التكفير ، لا تفعل» (٦).

والنهي فيهما حقيقة في الحرمة ،. إلى غير ذلك من الأخبار ، مثل ما في «الخصال» بسنده عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبّه بأهل الكفر يعني المجوس» (٧).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٢) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٥٧.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٩١.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٣ الحديث ٧٠٨١.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٤ الحديث ٣١٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٦ الحديث ٩٢٩٥.

(٧) الخصال : ٢ / ٦٢٢ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٧ الحديث ٩٣٠١ مع اختلاف يسير.

٦٥

وفي «قرب الإسناد» : بسنده عن علي بن الحسين عليه‌السلام : «وضع الرجل إحدى يديه على الاخرى عمل في الصلاة وليس فيها عمل» (١).

ومثله عن علي بن جعفر ـ في كتابه ـ عن أخيه ، عن علي عليه‌السلام (٢).

والظاهر أنّ المراد أنّه فعل أجنبي بالنسبة إلى الصلاة كالمشي ، وكلام الناس ونحوهما ، ولذا استدلّ جمع من الفقهاء بكونه فعلا كثيرا (٣).

وأجاب المحقّق بأنّه وإن لم يكن مشروعا في الصلاة ، لم يثبت أيضا حرمته ، لأنّ إطلاق الأمر بالصلاة ، يقتضي جواز وضع اليد فيها كيف شاء (٤).

وفيه ما عرفت من أنّه مبنيّ على كون الصلاة اسما للأعمّ من الصحيح ، وفيه ما فيه.

مع أنّ الإطلاق لا عموم فيه ، فبملاحظة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (٥) وأنّ التوقيفي موقوف على النقل ، وطريقة الشيعة في احترازهم عنه إلّا تقيّة وغير ذلك ، كيف يبقى على العموم الذي ذكره؟

ولا فرق بين أن يكون التكفير ووضعه فوق السرّة أو تحته.

والأحوط الاجتناب من وضع اليسار على اليمين أيضا ، بل ربّما يظهر من بعض ما ذكر المنع عنه أيضا.

بل في «دعائم الإسلام» روى عن الصادق عليه‌السلام المنع عنه أيضا صريحا ، معللا بأنّه تكفير أهل الكتاب (٦) ، فتأمّل!

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٠٨ الحديث ٨٠٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٦ الحديث ٩٢٩٨ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٦ الحديث ٩٢٩٩.

(٣) الانتصار : ٤١ ، منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٨ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١٩٢ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٩٣.

(٤) المعتبر : ٢ / ٢٥٧.

(٥) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٨ الحديث ٨.

(٦) دعائم الإسلام : ١ / ١٥٩ ، مستدرك الوسائل : ٥ / ٤٢١ الحديث ٦٢٤٧.

٦٦

وبالجملة ، الأخبار صريحة في حرمة التكفير ، فلا وجه لحمله على الكراهة ، مع عدم معارض.

وكلّ من قال بالحرمة ، قال بالبطلان أيضا ، وإن قال الشهيد الثاني ، وولده في «المدارك» ، بالحرمة دون البطلان ، محتجّين بأنّ النهي تعلّق بأمر خارج عن العبادة ، فلا يقتضي الفساد (١).

ويرد عليهما ما ذكرنا من الأدلّة حتّى النهي في الصحيحين ، لعدم قائل بالحرمة خاصّة أصلا ، ومثل الصحيحين ، صحيحة حمّاد ، عن حريز ، عن رجل ، عن الباقر عليه‌السلام السابقة في بحث القيام ، إذ في آخرها : وقال : «لا تكفّر إنّما يصنع ذلك المجوس» (٢).

وما ذكرنا عن «الفقيه» في مستحبات القيام (٣).

هذا كلّه ، مضافا إلى ما اشتهر وظهر أنّ ذلك من بدع الثاني (٤) ، وأنّ «كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار» (٥) ، وغير ذلك ، وأيضا هو تشبيه بالمجوس.

وورد منهم عليهم‌السلام «من تشبّه بقوم فهو منهم» (٦) ، وظاهره أيضا الحرمة ، وليس فيها دلالة على عدم الحرمة ، حتّى يجعل دليلا على عدم إرادة التحريم فيما علّل به من الأخبار.

__________________

(١) الروضة البهيّة : ١ / ٢٣٥ ، روض الجنان : ٣٣٠ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦١.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٦ الحديث ٩٢٩٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٨ ذيل الحديث ٩١٧.

(٤) لاحظ! جواهر الكلام : ١١ / ١٩ ـ ٢٠.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٣٧٤ الحديث ١٧٦٨ ، وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٧٠ الحديث ٢١٥٤٣.

(٦) دعائم الإسلام : ٢ / ٥١٣ الحديث ١٨٣٨ ، مستدرك الوسائل : ١٧ / ٤٤٠ الحديث ٢١٨٠٤.

٦٧

فقول المصنّف بالكراهة ، مع اعترافه بصحّة الحديث المتضمّن للنهي عنه ، واعتقاده واعترافه بكون النهي حقيقة في الحرمة ، فيه ما فيه.

مضافا إلى منعه الإجماع المنقول بعد ثبوته عليه ، لأنّ المنقول لا يجب أن يثبت حتّى يقال بحجّيته ، وإلّا لم يكن خبر واحد حجّة أصلا.

وما دلّ على حجّيته يشمل الإجماع المنقول ، بل هو خبر جزما ، سيّما مع تعريفه ، فإنّه اتّفاق كاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام.

ولا شكّ في كون قوله حديثا ، والكشف لا يجب أن يكون قطعيا بالنسبة إلى الفقيه ، كما أنّ الحال في أخبار الآحاد كذلك ، فإنّه قطعي بالنسبة إلى السائل والراوي ومن تأمّلها ، وإن لم يكن قطعيّا بالنسبة إلى الفقهاء وغالب الرواة عن الراوي ، فتدبّر!

قوله : (وأمّا المرأة).

لا تأمّل في مساواتها مع الرجل في واجبات الصلاة إلّا ما ستعرف ، وكذا مستحباتها ، إلّا ما سيذكر في المقام ، وغيره من الأجزاء.

وأمّا ما في المقام ، فهو ما ذكره المصنّف ، والصحيح هو صحيحة زرارة المروية في «الكافي» (١) ، وفي «الفقيه» روي مرسلا مقطوعا (٢).

وقوله عليه‌السلام : «وتضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها» ظاهره أنّها ليست مثل الرجل في إرسال اليد (٣) ، بل ترسل منضمّة إيّاها إلى صدرها ، من جهة ما فيه من الثدي ، حتّى يخفى بعض الخفاء ، ولم يكن في البروز بحيث ينافي الحياء المطلوب

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٣٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٦٢ و٤٦٣ الحديث ٧٠٨٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٣.

(٣) في (د ٢) و (ك) : اليدين.

٦٨

منهنّ ، فإنهنّ في مقام استحيائهنّ يفعلن ذلك ، فإنّهنّ يستحيين من ظهور ثديهنّ كلّ الظهور ، واليد إذا انضمت إلى الثدي لم يظهر كذلك ، هكذا فسّره بعض مشايخي (١).

وما قاله بعض الفقهاء من أنّ المراد أنّها ترفع كفّيها ، وتأخذ ثدييها بهما (٢) ، ففيه أنّه خلاف ظاهر العبارة.

ومع ذلك يصير شبيها بالتكفير ، يمنعه بعض الأدلّة الدالّة على منع التكفير ، فلاحظ وتأمّل!

__________________

(١) في (د ٢) : مشايخنا.

(٢) الألفية والنفليّة : ١١٤.

٦٩
٧٠

١٤١ ـ مفتاح

[ما لو عجز عن القيام]

ولو عجز عن القيام ولو مع الاستناد صلّى جالسا ، وإن عجز فمضطجعا ، وإلّا فمستلقيا ، ولو عجز عن حالة في الأثناء انتقل إلى ما دونها وبالعكس ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، للنصوص (١).

نعم ، في تقديم الجانب الأيمن على الأيسر والتخيير بينهما مع فضل الأيمن مع القدرة قولان (٢) ، وإطلاق النصّ (٣) مع الثاني ، وإن كان الأوّل أحوط ، للخبرين (٤).

ومعرفة العجز موكولة إليه ، فإنّ الإنسان على نفسه بصيرة ، وفي الصحيح : «إنّ الرجل ليوعك ويحرج ولكنّه أعلم بنفسه ولكن إذا قوي فليقم» (٥).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الباب ١ من أبواب القيام.

(٢) لاحظ! المعتبر : ٢ / ١٦٠ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٦٩ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الحديث ٧١١٣ ، ٤٨٢ الحديث ٧١١٧ ، ٤٨٧ الحديث ٧١٣٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٣ الحديث ٧١٢٢ ، ٤٨٥ الحديث ٧١٢٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٥ الحديث ٧١٥٣.

٧١

ويجوز التعويل على قول الأطبّاء ، كما يستفاد من الصحيح. (١).

ومن أسباب العجز زيادة المرض ، وبطء برئه ، وخوف التلف ، والعدوّ ، والمشقّة الكثيرة ، وقصر السقف ، ونحو ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٦ الحديث ٧١٥٥.

٧٢

قوله : (ولو مع الاستناد). إلى آخره.

قد عرفت وجوب القيام ، بغير استناد اختيارا ، بل وكونه إجماعا.

وأمّا مع العجز عنه والتمكّن من القيام بعنوان الاستناد ، لا جرم يكون واجبا ، لأنّ «الميسور لا يسقط بالمعسور» (١) ، و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٢) ، كما ورد عن علي عليه‌السلام ، ولقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٣). وللاستصحاب.

هذا إذا كان الاستقلال مأخوذا في القيام ، وإلّا فجميع ما ذكر جاز فيه أيضا ، مضافا إلى أنّ العمومات تقتضي وجوبه ولو مع الاستناد ، خرج صورة الاختيار بمقتضى الإجماع المنقول ، وغيره ممّا عرفت (٤) ، لأنّ مقتضاه مقصور في صورة الاختيار ، فإنّ النهي عن الاستناد ، ظاهر في صورة التمكّن منه ومن تركه وهو قائم.

ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام بعده : «إلّا أن تكون مريضا» (٥) ، فإنّ الظاهر منه الإتيان بالقيام ، مستندا حال المرض وغيره من أسباب العجز ، بملاحظة ما عرفت.

مع أنّ الغالب في صورة العجز وهو المرض ، حتّى كاد أن يكون غيره مجرّد فرض ، ولذا قال عليه‌السلام : «إلّا أن تكون مريضا» ، إذ لا يخفى على المتأمّل المنصف أنّ المراد صورة العجز ، ذكر ذلك لما ذكرنا ، سيّما بعد ملاحظة أنّ المريض يجب عليه

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧ مع اختلاف يسير.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٦ مع اختلاف يسير.

(٤) راجع! الصفحة : ٤١ و٤٢ من هذا الكتاب.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٠ الحديث ٧١٦٥.

٧٣

القيام حينئذ ، فغيره بطريق أولى ، مضافا إلى عدم قائل بالفصل.

وظاهر أنّ صحّة القيام مستندا حال المرض يقتضي وجوبه الاستصحاب وغيره ممّا عرفت ، مضافا إلى عدم قائل بها إلّا كذلك ، بل لم يجوّز أحد من المسلمين بالفصل أيضا.

وقد ظهر لك أنّ الأظهر كون المراد من صحيحة علي بن جعفر (١) ، وموثّقة ابن بكير (٢) ، ورواية سعيد (٣) ، عدم البأس من القيام مستندا في الصلاة حال المرض والعجز ، على أنّه على تقدير بنائها على العموم والإطلاق خرج منها صورة القدرة والاختيار ، بما عرفت من الدليل وبقي الباقي.

سيّما بملاحظة ما عرفت من أنّ الأقرب حمل المطلق على المقيّد ، إذ عرفت من الصحيحة المعمول بها إجماعا ، المنع من الاستناد إلّا حال المرض ، وعرفت الحال في الاستناد أيضا.

وممّا ذكر ظهر حال ما لو عجز عن القيام المستقلّ بالنسبة إلى بعض أجزاء الصلاة ، وكذا بالنسبة إلى فرد منها ، ولو رجا حصول الاستقلال أخّر وجوبا إلى أن يضيق الوقت.

ولو عجز عن المستقلّ مطلقا انتقل إلى القيام مستندا مطلقا ، وإن عجز عنه بالنسبة إلى بعض دون بعض من الأجزاء والأفراد انتقل إلى الأدون منه بالنسبة إلى ما عجز عنه.

وممّا ذكر أيضا ظهر حال العجز عن الانتصاب والتمكّن من الانحناء ، ولو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٩ الحديث ٧١٦٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٠ الحديث ٧١٦٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٠ الحديث ٧١٦٦.

٧٤

قدر على الانحناء من غير استناد ، والاستناد من غير انحناء ففيه إشكال.

ويمكن قويّا القول بتقديم الانتصاب ، لقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا به» (١) ، والإجماعات مع عدم معارض ولا نقل مخالف ، ولأنّه أقرب إلى الهيئة الواردة من الشرع ، ولأنّ ما به التفاوت حصّة من القيام الواجب ، فلا بدّ من تحصيلها مهما أمكن ، ولو بالاستناد بمقتضى ما عرفت من الأدلّة ، فتأمّل!

ويمكن الفرق بين قلّة الانحناء وكثرته وتقديم القليل ، سيّما إذا كان بحيث يشبه المنتصب ، وكذا الحال في قلّة الاستناد وزيادته ، وعلى تقدير التساوي التخيير أو الجمع ، ويمكن التخيير أو الجمع من أوّل الأمر ، والجمع أحوط مهما تيسّر.

ولو عجز عن القيام منحنيا أيضا إلّا بأن يستند يقدم على الجلوس كلّا إن قدر كلّا ، وجزءا إن قدر جزءا ، بالنسبة إلى ما قدر خاصّة.

وإن عجز عن الركوع قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام يقوم ويومي للركوع ، ثمّ يجلس ويسجد إن أمكنه السجود ، وإلّا يومي للسجود ، قال في «المنتهى» : وعليه علماؤنا (٢).

وهذا هو المرجّح ، للعمومات الدالّة على القيام ، على العمومات الدالّة على الركوع والسجود.

ويؤيّده أيضا أنّ القيام معنى لغوي معروف مضبوط ، بخلاف الركوع والسجود ، فإنّهما وظيفة الشرع توقيفي ، لكونهما هيئة مستحدثة من الشرع ، فكما ثبت من الشرع كون الانحناء ركوعا ، كذا ثبت منه كون الإيماء ركوعا ، وكذا الحال

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٨ الباب ٢ من أبواب القيام.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ١٠.

٧٥

في السجود ، فلا يظهر عموم يعارض العموم الظاهر المعلوم عند كلّ أحد ، فتأمّل جدّا!

وإن عجز عن القيام بالمرّة فلم يقدر عليه لا منتصبا ولا منحنيا ، لا بغير استناد ولا معه ، جلس بالنسبة إلى القدر الذي عجز ، إن كلّا فكلّا ، وإن جزءا ففي ذلك الجزء ، وهذا إجماعي بين العلماء ، نقل الإجماع جماعة منهم الفاضلان (١) ، بل الظاهر كونه ضروريا.

ويدلّ عليه صحيحة أبي حمزة (٢) ، وصحيحة جميل (٣) السابقتان ، في وجوب القيام ، ورواية الكليني بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : «يصلّي المريض قائما ، فإن لم يقدر صلّى قاعدا ، فإن لم يقدر صلّى مستلقيا ، يكبّر ثمّ يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ، ثمّ يسبّح ، ثمّ يفتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ، ثمّ يسبّح ، ثمّ يفتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ، ثمّ يتشهّد وينصرف» (٤).

وروى الشيخ بسنده عنه عليه‌السلام مثله ، وكذا الصدوق مرسلا عنه (٥).

وروي أيضا مرسلا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «المريض يصلّي قائما ، فإن لم يستطع صلّى جالسا ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر ، فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة وجعل

__________________

(١) المعتبر : ٣ / ١٥٩ ، منتهى المطلب : ٥ / ١١ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٩١ المسألة ١٩٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الحديث ٧١١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٥ الحديث ٧١٥٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٤١١ الحديث ١٢ مع اختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٥ الحديث ١٠٣٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٦٩ الحديث ٦٧١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٤ الحديث ٧١٢٥.

٧٦

سجوده أخفض من ركوعه» (١).

وفي كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام : عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال : «يومئ برأسه إيماء ، وإن يضع جبهته على الأرض أحب إليّ» (٢).

وفي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه‌السلام قال : «لا يصلّي على الدابّة [الفريضة] إلّا مريض» (٣) الحديث ، فتأمّل جدّا!

ويدلّ عليه أيضا جميع ما دلّ على المنع من الصلاة على الدابة إلّا للعذر أو الاضطرار (٤).

وفي «الفقيه» عن إبراهيم الكرخي أنّه قال للصادق عليه‌السلام : [رجل] شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : «ليومئ برأسه [إيماء] ، وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد» (٥).

ويدلّ عليه أيضا ما مرّ ، من أنّ «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٦) ، وغير ذلك.

ثمّ اعلم! أنّه إذا قدر على القيام ماشيا وعجز عنه مستقرا ، ففي ترجيحه على الجلوس خلاف.

فعن العلّامة والشهيد الثاني ترجيح القيام (٧) ، لرواية سليمان بن حفص (٨)

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٦ الحديث ١٠٣٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٥ الحديث ٧١٢٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الحديث ٧١١٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٨ الحديث ٩٥٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٥ الحديث ٥٢٨٤.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٥ الباب ١٤ ، ٣٢٨ الباب ١٥ من أبواب القبلة.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٥٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٤ الحديث ٧١٢٣.

(٦) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٧) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٩٢ المسألة ١٩٢ ، مسالك الأفهام : ١ / ٢٠٢.

(٨) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٧٨ الحديث ٤٠٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٥ الحديث ٧١٥٤.

٧٧

الآتية ، وبأنّ القيام ماشيا يفوت عنه صفة القيام ، بخلاف الجلوس ، وتفويت نفس القيام ، فإنّ الأوّل أولى ، لما مرّ من أنّ «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، وغير ذلك.

وعن الشهيد والمحقّق الشيخ علي ترجيح الجلوس ، بأنّ الاستقرار ركن في القيام ، لكونه المعهود من صاحب الشرع ، وأنّ الطمأنينة أقرب إلى حال الصلاة من الاضطراب عرفا وشرعا ، والخشوع روح العبادة (١).

والوجهان من الطرفين لا يخلوان من المناقشة والمدافعة.

وفي «الذخيرة» أنّه يمكن تقوية الأوّل بما ورد من أنّ المريض يصلّي قائما ، فإن لم يقدر صلّى جالسا (٢) (٣).

أقول : لمّا كان المفروض من الفروض النادرة الغير المتبادرة من إطلاقات الأخبار يشكل الترجيح من جهتها ، ولا يمكن الترجيح من غيرها لتوقيفيّة العبادة فيتعيّن التخيير ، وتنحصر البراءة اليقينية في الجمع بينهما إن تيسّر ، وإلّا فلا شبهة في التخيير.

ويمكن أن يقال : «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» ، يفيد العموم اللغوي ، لكون «صلاة» نكرة في سياق النفي ، خرج منه صورة العجز وبقي الباقي ، مضافا إلى الإجماعات الصريحة ، وعدم ظهور مخالف ، فتأمّل!

وكيف كان ، الأحوط الجمع مهما تيسّر ، وظهر من ذلك حال من يمكنه الاستقرار متوكّئا ، والاستقلال ماشيا ، وأنّ الأوّل أقوى وأولى ، والجمع أحوط ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٦٧ و٢٦٨ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٠٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٥ الحديث ١٠٣٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٤ الحديث ٧١٢٥.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٦٢.

٧٨

واعلم أيضا! أنّ العجز يتحقّق بحصول ما لا يتحمّل عادة من الألم أو الضعف ، ولا يتوقّف على العجز التام الذي لا يمكنه القيام.

واعلم أيضا! أنّ المراد من الجلوس جميع صوره المتعارفة ، لظهورها من الأخبار ، وللأصل ، وما رواه الصدوق عن الصادق عليه‌السلام و «الكافي» من أنّه يصلّي متربّعا ومادّا رجليه ، ولا بأس به ، وكلّ ذلك واسع (١).

وما روي في الموثّق ، عن جماعة من فضلاء الأصحاب ، عن الصادق عليه‌السلام في الصلاة في المحمل ، [فقال :] «صلّ متربّعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك» (٢). وغير ذلك من الأخبار ، وإن استحب أن يجلس متربّعا ، لكونه أشبه بالقائم ، ولما ورد من استحباب التربّع (٣).

هذا في حال الجلوس ، وفي الركوع يثني رجليه ، وفي التشهّد يتورّك ، والأولى أن لا يمدّ رجله ، كما رواه «الكافي» وغيره ، عن معاوية بن ميسرة أنّ سنانا سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يمدّ في الصلاة إحدى رجليه بين يديه وهو جالس قال : «لا بأس ولا أراه إلّا قال في المعتلّ والمريض» (٤) ، فتأمّل!

واعلم! أنّه إن عجز عن الجلوس مستقلّا ، يجب أن يجلس متوكّئا ، وإن عجز عنه منتصبا يجب أن يجلس منحنيا ، على حسب ما مرّ في القيام ، فيقدّم المنتصب المتوكّئ على المستقل المنحني ، مع احتمال التخيير أو الجمع أو غيرهما ، وأنّ

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤١١ ذيل الحديث ٩ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٨ الحديث ١٠٥٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠١ الحديث ٧١٦٩ نقل بالمعنى.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٨ الحديث ٥٨٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٢ الحديث ٧١٧٢.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠١ الباب ١١ من أبواب القيام.

(٤) الكافي : ٣ / ٤١١ الحديث ٩ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٩٤٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠١ الحديث ٧١٦٨ مع اختلاف يسير.

٧٩

الأحوط الجمع مع التيسّر.

ولو عجز عنه مطلقا فمضطجعا ، وهذا أيضا على ما مرّ في القيام ، إن كلّا فكلّا ، وإن جزءا فبالنسبة إليه خاصّة ، فكما كان حال القيام لا بدّ أن يكون مستقلّا على حسب ما مرّ في الاستقبال ، فكذا حال الجلوس والاضطجاع ، وهذا أيضا إجماعي ، ويدلّ عليه ما مرّ من الأخبار ، وغيرها من الأدلّة ، مضافا إلى صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطبّاء فيقولون : نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلّي ، فرخّص في ذلك ، وقال (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (١)» (٢).

وهذا يدلّ على جواز الانتقال من كلّ حالة لا يمكنها إلى ما يمكنه ، نظير قوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٣) ، ونحوه.

وكذلك الحال في موثّقة سماعة ، فإنّها مثل الصحيحة ، إلّا أنّ في آخرها : «وليس شي‌ء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه» (٤).

ومثلها مضمرة بزيع المؤذّن (٥) ، إلّا ما في آخرهما.

ومرسلة الصدوق عن علي عليه‌السلام : «أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على رجل من الأنصار وقد شبّكته الريح ، فقال : يا رسول الله! كيف اصلّي؟ فقال : إن استطعتم أن تجلسوه فاجلسوه ، وإلّا فوجّهوه إلى القبلة ومروه فليومئ برأسه إيماء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، وإن كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤوا عنده

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٧٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٤١٠ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٩٦ الحديث ٧١٥٥.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٩٤٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٢ الحديث ٧١١٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٦ الحديث ١٠٣٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٤ الحديث ٧١٢٤.

٨٠