مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

وكذلك «ألم تر كيف» و «لإيلاف» ، وأنّه لا يجوز الاقتصار على أحدهما في الفريضة ، بل عرفت من عبارة الصدوق في أماليه كون ذلك من دين الإماميّة يجب الإقرار به.

وبعد تصريحه بالوحدة المذكورة في دين الإماميّة قال : فلا يجوز التفرّد بواحدة منهما في ركعة من الفريضة (١) ، إلى آخر ما ذكرنا عنه في بحث وجوب السورة ، وكذلك قال في «الفقيه» أيضا (٢).

وذكرنا أيضا عن المرتضى دعواه الإجماع على وجوب السورة كملا بعد الحمد في الفريضة فلاحظ ،. إلى أن قال : ولا يجوز قراءة بعض سورة في الفريضة ، ولا سورتين مضافتين إلى الحمد في الفريضة ، ولا إفراد كلّ واحد من الضحى و «ألم نشرح» عن صاحبتها ، وكذا «الفيل» عن «لإيلاف» ،. إلى أن قال : والوجه في المنع عن إفراد السورة التي ذكرناها أنّهم ـ يعني الإماميّة ـ يذهبون إلى أنّ «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة ، وكذلك «الفيل» و «لإيلاف» ، فإذا اقتصر على واحدة كان قارئا ببعض السورة (٣) ، انتهى.

وقال الشيخ في «الاستبصار» : هاتين السورتين ـ يعني «الضحى» و «ألم نشرح» ـ سورة واحدة عند آل محمّد عليهم‌السلام ، وينبغي أن يقرأهما موضعا واحدا لا يفصل بينهما ببسم الله في الفرائض (٤).

وفي «النهاية» : أنّ «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة ، وكذا «ألم تر كيف» و «لإيلاف» (٥).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٠ ذيل الحديث ٩٢٢.

(٣) الانتصار : ٤٤ ، راجع! الصفحة : ٢٨١ من هذا الكتاب.

(٤) الاستبصار : ١ / ٣١٧ ، ذيل الحديث ١١٨٢.

(٥) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٨.

٣٢١

وفي «التهذيب» : عندنا أنّه لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلّا في ركعة واحدة (١).

وفي «التحرير» قال : عند علمائنا أنّ «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة ، وكذا «لإيلاف» و «ألم تر كيف» (٢).

و (٣) في «النهاية» : و «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة عند علمائنا ، وكذا الفيل و «لإيلاف» (٤) ، وكذا قال في «التذكرة» أيضا (٥).

والمحقّق أيضا نسب وحدة الأوّلتين وكذلك وحدة الأخيرتين إلى رواية الأصحاب (٦).

وفي كتاب «القراءات» لأحمد بن محمّد بن سيّار : أنّه روى البرقي عن القاسم بن عروة ، عن أبي العبّاس ، عن الصادق عليه‌السلام ، ومحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أبي جميلة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة».

البرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن شجرة أخي بشير النبّال ، عن الصادق عليه‌السلام : إنّ «ألم تر كيف» و «لإيلاف» سورة واحدة».

ومحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أبي جميلة عنه عليه‌السلام مثله (٧) ، انتهى.

وفي «الفقه الرضوي» : «ولا تقرأ في الفريضة «والضحى» و «ألم نشرح» ، و «ألم تر كيف» و «لإيلاف» ، ولا المعوّذتين ، فإنّه قد نهي عن قراءتهما في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٢ ذيل الحديث ٢٦٤.

(٢) تحرير الأحكام : ١ / ٣٩.

(٣) في (د ١) : قال ، بدل «و».

(٤) نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٨.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٤٩ المسألة ٢٣٣.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ٨٣.

(٧) نقل عنهما في مستدرك الوسائل : ٤ / ١٦٣ الحديث ٤٣٨٢ و٤٣٨٣.

٣٢٢

الفرائض ، لأنّه روي : أنّ «والضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة ، وكذلك «ألم تر كيف» و «لإيلاف» سورة واحدة ، وأنّ المعوّذتين من الرقية» (١) .. إلى آخر ما قال.

وفي «مجمع البيان» روى المنع عن القران بين السورتين إلّا الضحى ، و «ألم نشرح» ، و «ألم تر كيف» و «لإيلاف» ، كلّ ذلك عن الصادق عليه‌السلام.

قال : وعن أبي العبّاس ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : ««ألم تر كيف» و «لإيلاف» سورة واحدة» وروي أنّ أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه (٢) ، انتهى.

وغير خفيّ أنّ الرواية الضعيفة تنجبر بالشهرة فتصير حجّة ، فما ظنّك بانجبارها باتّفاق الكلّ والإجماعات المنقولة ، والتصريح بأنّ اتّحاد كلّ واحدة من الأوّلتين والأخيرتين من روايات الأصحاب؟

وبعد الاطّلاع على جميع ما ذكرنا كيف يبقى مجال للتأمّل؟ كما صدر عن غير واحد من المتأخّرين (٣).

ويشهد على ذلك أيضا إجماع الأصحاب على منع التفرّد بواحدة منها ، والأخبار الكثيرة.

منها ما مرّ في بحث القران ووجوب السورة (٤).

ومنها صحيحة زيد الشحّام قال : صلّى بنا الصادق عليه‌السلام الفجر فقرأ الضحى و «ألم نشرح» في ركعة (٥).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١١٢ مع اختلاف يسير.

(٢) مجمع البيان : ٦ / ٢٤١ (الجزء ٣٠) ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣١ و٧٣٣٢.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٢٦ ، روض الجنان : ٢٦٩ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٦٣.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٨١ و٣١٧ من هذا الكتاب.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٢ الحديث ٢٦٦ ، الاستبصار : ١ / ٣١٧ الحديث ١١٨٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٤ الحديث ٧٣٢٦.

٣٢٣

وهذه الصحيحة نقلت بثلاث طرق منها ما ذكر ، ومنها الصحيح أيضا عنه أنّ الصادق عليه‌السلام صلّى بنا فقرأ بنا بالضحى و «ألم نشرح» (١).

وغير خفيّ اتّحادهما ، وسقط لفظ «ركعة» في الأخيرة ، أو عدم ذكره لعدم اقتضاء المقام له.

والثالث في الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن زيد الشحّام قال : صلّى بنا الصادق عليه‌السلام فقرأ في الأولى والضحى ، وفي الثانية «ألم نشرح» (٢).

ولعلّه توهّم من الراوي من جهة عدم ذكر ركعة في الطريق الثاني ، فظنّ كونهما في ركعتين ، فروى على ما ظنّ وما فهم.

ولذا ادّعى في «الذخيرة» تبادر ذلك من الطريق الثاني (٣) ، والشيخ حمله على النافلة (٤) ، والحمل على ما حمل به الأخبار الدالّة على التبعيض أقرب من الحمل على النافلة.

وما رواه في «المنتهى» و «المعتبر» عن كتاب البزنطي عن المفضّل قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «لا تجمع بين سورتين في ركعة [واحدة] إلّا «الضحى» و «ألم نشرح» و «الفيل» و «لإيلاف»» (٥).

والظاهر اتّحاد هذه الرواية مع التي رويناها عن المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله (٦) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٢ الحديث ٢٦٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٤ الحديث ٧٣٢٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٢ الحديث ٢٦٥ ، الاستبصار : ١ / ٣١٨ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٤ الحديث ٧٣٢٨.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٨٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٢ ذيل الحديث ٢٦٥.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٨٣ ، المعتبر : ٢ / ١٨٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢٤٣.

٣٢٤

وظاهر على المنصف أنّ استثناء خصوص هذه الأربعة من بين جميع سور القرآن ليس إلّا لما ذكر ، بملاحظة ما مرّ في بحث القران من منعهم عليهم‌السلام عن ذلك مطلقا من غير تقييد وتخصيص ، وعدم ظهور مناسبة أصلا في خصوص استثناء هذه الأربعة.

بل قالوا عليهم‌السلام : «أعط لكلّ سورة حقّها من الركوع والسجود» (١) فكيف سقط حق كلّ واحدة من هذه الأربعة إلى حدّ لم يجز مراعاته فيها ويحرم؟ بل صار الحقّ لسورتين بالإجماع ، خصوصا خصوص هاتين السورتين ، بحيث لا يجوز التعدّي إلى غيرهما ، مضافا إلى أنّ الاستثناء خلاف الأصل والظاهر جزما ، فيكون هذا شاهدا آخر على ما اتّفق كلّ الفقهاء عليه.

مع أنّ تصريحهم أيضا كاف في معرفة السرّ في خصوص الجمع في هذه الأربعة دون غيرها أصلا.

ولا يضرّ ذكر سورتين في رواية المفضّل ، لكون الضبط في جميع المصاحف بصورة سورتين قطعا ، والاشتهار في الألسن عند الكلّ بسورة «والضحى» وبسورة «ألم نشرح».

وهكذا الحال في الأخيرتين ، فإنّ الإطلاق المتعارف عند المسلمين ليس إلّا كذلك ، ولا يضرّ ذلك لأنّه صار بعد ضبط عثمان ، وأيّ عبرة بفعل عثمان؟ بل بفعل القرّاء أيضا؟ لما عرفت من أنّ العبرة بتجويز الأئمّة عليهم‌السلام ذلك ، لا أنّ ما فعلوه حقّ.

بل لا شكّ في بطلان كثير منه ، وأنّ الحقّ في مصحف عليّ والأئمّة عليهم‌السلام ، وجميع ما ذكر في هذا المبحث ينادي بعدم جواز التبعيض عند الأئمّة عليهم‌السلام وشيعتهم وأصحابهم ، وأنّ السورة واجبة عندهم ، والله يعلم.

وأمّا ذكر البسملة بينهما فالشيخ نفاه ، كما عرفت لما عرفت (٢) ، والعلّامة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٠ الحديث ٧٣١٤.

(٢) الاستبصار : ١ / ٣١٧ ذيل الحديث ١١٨٢.

٣٢٥

وغيره أثبته (١) للإثبات في المصاحف ، وعدم منافاة ذلك للوحدة ، كما في سورة النمل ، كما أنّه لا ملازمة بين تركها والوحدة كما في سورة البراءة.

وظاهر صحيحتي الشحّام ورواية المفضّل أيضا ، إذ لو ترك عليه‌السلام البسملة لذكره الراوي أيضا ، كما ذكر الجمع بينهما وهو أحوط ، بل ربّما لا يحصل اليقين بالبراءة إلّا به.

والأحوط ترك اختيار هذه السور الأربع في الفريضة.

واعلم! أنّه ذكر في «الفقه الرضوي» : «أنّ المعوّذتين من الرقيّة ليستا من القرآن ، أدخلوها في القرآن ، وقيل : إنّ جبرئيل عليه‌السلام علّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢) ، انتهى.

لكن في «المنتهى» قال : مذهب العلماء كافّة أنّهما من القرآن يجوز أن يقرأ بهما في الصلاة فرضها ونفلها (٣) ، انتهى.

ويدلّ عليه صحيحة صفوان قال : صلّى بنا الصادق عليه‌السلام المغرب فقرأ المعوّذتين في الركعتين (٤).

ورواية صابر مولى بسّام قال : أمّنا الصادق عليه‌السلام في صلاة المغرب فقرأ المعوّذتين ، ثمّ قال : «هما من القرآن» (٥).

وكونهما تعويذ الحسنين عليهما‌السلام (٦) ـ على ما هو المشهور ـ لا يمنع من ذلك ، لأنّ التعويذ يتحقّق بالقرآن ، والله يعلم.

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٨ ، السرائر : ١ / ٢٢٠.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١١٣.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٩٦ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٣١٤ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١١٤ الحديث ٧٤٨٨.

(٥) الكافي : ٣ / ٣١٧ الحديث ٢٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١١٥ الحديث ٧٤٨٩.

(٦) مجمع البيان : ٦ / ٢٨٧ (الجزء ٣٠) ، بحار الأنوار : ٤٣ / ٢٨٢ الحديث ٤٩.

٣٢٦

١٥٤ ـ مفتاح

[تحريم قراءة ما يفوت الوقت بقراءته]

المشهور ، تحريم قراءة ما يفوت الوقت بقراءته ، وقراءة العزائم في الفريضة ، لاستلزام الأوّل الإخلال بالصلاة أو بعضها عمدا حتّى خرج الوقت ، والثاني الإخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود ، وزيادة سجدة متعمّدا إن أمرناه به.

ويبتني الأولى على وجوب إكمال السورة وعلى تحريم القران ، والثاني مع ذلك على فوريّة السجود مطلقا وعدم إجزاء الإيماء عنه وإن كان لعذر وإبطال زيادة السجدة مطلقا.

وكلّ هذه المقدّمات منظور فيه. والمعتبرة (١) تنادي بخلافها ، وأمّا الخبران المانعان (٢) عن الثاني فضعيفان ، مع إمكان حملهما على الكراهة ، كما يشهد له الآخر (٣) ، إلّا أنّ العمل على المشهور.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٢ الحديث ٧٤٥٤ ، ١٠٤ الحديث ٧٤٥٩ ، ١٠٦ الحديث ٧٤٦٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٥ الحديث ٧٤٦٠ و٧٤٦١.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٦ الحديث ٧٤٦٣.

٣٢٧
٣٢٨

قوله : (المشهور). إلى آخره.

هذا مذهب الأصحاب ، أمّا الأوّل فلاقتضائه خروج الواجب عن وقته عمدا ، ولا شكّ في حرمته ، بل ضروريّ الدين وجوب إيقاع الفريضة في وقتها ، وحرمة التعدّي.

وهذا غير مبنيّ على مقدّمة خلافيّة ، لأنّ قراءة ما يفوت الوقت بقراءته كيف تكون مبنيّة على مختلف فيه؟

نعم ، يحرم الشروع في قراءة ذلك واختياره ، بناء على وجوب الإتمام ، كما هو المشهور ، بل كاد أن يكون إجماعا ، وعلى عدم جواز القران بأن يرفع اليد عنها ويقرأ غيرها ممّا لا يفوت الوقت إن أمكن ، وإلّا فلا يبني عليه بل حرام. هذا إذا كان يعلم فوات الوقت بقراءته ، أو يظن أو يحتمل عنده ذلك.

أمّا الأوّل ، فظاهر ، وأمّا الثاني والثالث ، فلعدم تأتّي نيّة القربة فيما يحتمل الحرمة احتمالا مساويا ، فكيف إذا كان راجحا ، بل إذا ظهر عنده الوفاء قبل خروج الوقت بظنّ ضعيف يشكل أيضا ، لعدم دليل على اعتبار كلّ ظنّ في الصلاة حتّى يتحقّق قصد القربة.

فظهر الإشكال في مطلق الظنّ ، مع التمكّن من قراءة سورة تتمّ الصلاة بها قبل خروج الوقت.

وأمّا لو أدرك ركعة من الوقت فقط أو قرأ ما يضرّ إدراك الكلّ فهل يحرم ذلك ، لما ظهر من الأخبار المتواترة وجوب كون مجموع الصلاة في الوقت ، لا ركعة واحدة منها فقط. وإن كان إذا أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، لا أنّه يجوز أن يؤخّر الصلاة عمدا إلى أن يدرك ركعة من الوقت؟ أو يجوز ذلك ، نظرا إلى

٣٢٩

إطلاق قوله عليه‌السلام : «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك كلّه» (١)؟ الأحوط الأوّل ، بل يشكل الثاني في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة ، والعلم بالإطاعة.

وأمّا تحريم قراءة العزيمة في الفريضة فهو أيضا كسابقة ، يكون الشروع فيها موقوفا على ما ذكر ، وأمّا تحريم قراءتها فقد نقل المرتضى في «الانتصار» الإجماع عليه (٢) ، وكذلك الشيخ في «الخلاف» (٣) ، وابن زهرة في «الغنية» (٤) ، والعلّامة في «النهاية» (٥).

وباقي الأصحاب أفتوا بذلك ، سوى ما نقل عن ابن الجنيد أنّه قال : إذا قرأ من العزائم سورة فإن كان في النافلة سجد ، وإن كان في الفريضة أومأ ، فإذا فرغ قرأها وسجد (٦).

حجّة المعظم : توقيفيّة العبادة ، والمنقول منها إلينا بهيئة خالية عن سجود العزيمة في أثنائها يقينا ، وكذا فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، وأمرهم بمتابعتهم وغير ذلك ، كما مرّ في بحث وجوب السورة ، ولا شكّ في وجوب السجود عقيب قراءة السجدة ، والظاهر فوريّة هذا الوجوب بالإجماع.

ويدلّ عليه رواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (٧).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٧ ، منتهى المطلب : ٤ / ١٠٩.

(٢) الانتصار : ٤٣.

(٣) الخلاف : ١ / ٤٢٦ المسألة ١٧٤.

(٤) غنية النزوع : ٧٨.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٦.

(٦) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ١٧٥.

(٧) الكافي : ٣ / ٣١٨ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٦ الحديث ٣٦١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٥ الحديث ٧٤٦٠.

٣٣٠

وفي الطريق ابن بكير وهو كالثقة أو ثقة ، ولا شكّ في حجيّة خبره ، والقاسم ابن عروة وهو معتبر ، كما حقّقنا في الرجال (١) ، مع الانجبار بالشهرة سيّما هذه الشهرة ، بل الظاهر الإجماع ، وأنّ ابن الجنيد خارج معلوم النسب ، بل عرفت الإجماعات المنقولة.

ويدلّ عليه صحيحة عثمان بن عيسى وهو ممّن أجمعت العصابة (٢) ـ عن سماعة ـ وهو أيضا كذلك ، مضافا إلى توثيقه مرّتين ، وامور اخر دالّة على غاية جلالته ، وكونه اثنى عشريّا ، مع ما عرفت من الجوابر ـ قال : «من قرأ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فإذا ختمها فليسجد ، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع ، وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ، ولا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع» (٣).

ويظهر من هذه الرواية أنّ العامّة يقرءون ـ بل المشاهد الآن أنّهم يقرءون ـ والشيعة بالمرّة يتركون ، بل كان في الأعصار السابقة أيضا كذلك ، إلى أن كان شعارهم كما أنّ القراءة كانت من شعار العامّة.

فالأخبار المعارضة محمولة على التقيّة ، كما حملها الأصحاب ، مثل صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع ويسجد ، قال : «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار.

ومع ذلك لا يصلح شي‌ء منها دليلا لابن الجنيد بأنّه يومئ بالسجود ثمّ بعد

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ٢٦٣ و٢٦٤.

(٢) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٢ الحديث ١١٧٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٠ الحديث ١١٩١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٢ الحديث ٧٤٥٥ ، ١٠٥ الحديث ٧٤٦١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٢ الحديث ١١٧٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٤ الحديث ٧٤٥٩.

٣٣١

الصلاة يقرأ ويسجدها ، فهي شاذّة لا قائل بها مطلقا ، والشاذّ لا يعمل عليه.

واعلم! أنّه إذا قرأ العزيمة فيها نسيانا فإن لم يبلغ أو لم يتجاوز النصف يعدل إلى سورة اخرى ، وإن تجاوز ولم يقرأ آية السجدة لم يبعد جواز قراءة غيرها ، لعدم ثبوت تحريم ذلك ممّا دلّ على المنع من القران ، لعدم تبادره منه كما هو ظاهر ، ولا ممّا دلّ على المنع من العدول بعد تجاوز النصف (١) ، لأنّه ليس بعدول.

ومع ذلك ففي عموم مفهومه بحيث يشمل المقام على سبيل الظهور والتبادر نظر ، وإن عدل إلى النافلة وأتمّها كذلك ثمّ استأنف لعلّه يكون أحوط ، ولا يمكن الحكم بالوجوب.

وإذا قرأ آية السجدة أيضا فالعدول إن أمكن متعيّن ، بأن يسجد في النافلة بناء على جوازه ، أو يبطلها ويسجد.

وبالجملة ، البراءة اليقينيّة منحصرة حينئذ في الاستئناف إن أمكن ، وإن لم يمكن فلعلّه يصحّ إتمام الصلاة والسجدة بعدها ، كما إذا حصل مانع عن السجدة فورا في غيرها ، والأحوط إعادة تلك الصلاة وليست بلازم ، سيّما على ما هو الأقوى من أنّ الأمر بشي‌ء لا يستلزم النهي عن ضدّه أصلا.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٠ الباب ٣٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

٣٣٢

١٥٥ ـ مفتاح

[جواز العدول من سورة إلى اخرى]

يجوز العدول من سورة إلى اخرى ، إلّا من «التوحيد» و «الجحد» فيحرم.

وقيل : يكره (١) ، إلّا إلى الجمعتين في الجمعتين (٢) فيستحبّ ، للجمع بين الصحاح (٣).

وقيل : يحرم من السورتين مطلقا (٤) ، عملا على بعضها (٥).

وخصّ الجواز في المشهور بما قبل بلوغ النصف على رأي (٦) ، وبعدم تجاوزه على آخر (٧) ، أمّا بعد ذلك فلا يجوز العدول عندهم مطلقا ، ولم أجد لهم

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ١٩١.

(٢) إنّما يجوز العدول عن «الجحد» و «التوحيد» إلى الجمعتين في الجمعتين لمن جرى لسانه على «الجحد» و «التوحيد» ، أو قصدهما من غير خطور الجمعتين بباله ، لا لمن تعمّد قراءتهما مؤثرا لهما على الجمعتين لعدم دليل عليه «منه رحمه‌الله».

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٩٩ الباب ٣٥ ، ١٥٢ الباب ٦٩ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٤) الانتصار : ٤٤ ، شرائع الإسلام : ١ / ٩٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٩٩ الحديث ٧٤٤٧ و٧٤٤٨.

(٦) السرائر : ١ / ٢٢٢ ، الجامع للشرائع : ٨١.

(٧) المقنعة : ١٤٧ ، المبسوط : ١ / ١٠٧ ، شرائع الإسلام : ١ / ٩٩ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٥٠ المسألة ٢٣٤.

٣٣٣

في ذلك مستندا.

وفي الموثّق : في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها؟ قال : «له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثها» (١).

وفي رواية : «يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف» (٢).

ويجوز عند الضرورة مطلقا بلا خلاف ، وفي الصحيح : «من غلط في سورة فليقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثمّ ليركع» (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠١ الحديث ٧٤٥١ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠١ الحديث ٧٤٥٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١١٠ الحديث ٧٤٧٥.

٣٣٤

قوله : (يجوز العدول). إلى آخره.

هذا هو المشهور ، ذكره الشيخان والفاضلان وغيرهم (١) بل لم يوجد مخالف ، وابن إدريس والشهيد اعتبرا عدم بلوغ النصف في جواز العدول (٢) ، وأسنده في «الذكرى» إلى الأكثر (٣) ، ونسبه المدقّق الشيخ علي إلى العلّامة في «النهاية» (٤) ، لكن كلامه في غيره عدم تجاوز النصف (٥) موافقا لكلام المحقّق (٦) ، وكلاهما موافق لكلام الشيخ في «النهاية» (٧).

ومستند عدم التجاوز ما رواه البزنطي عن أبي العبّاس : في الرجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ [في] اخرى ، قال : «يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف» (٨).

مفهومه أنّه بعد التجاوز لا يرجع ، لأنّه مفهوم غاية أكيدة ، لكن مقتضاها أنّه كان يريد أن يقرأ غيرها فسها عن قصده وإرادته إيّاها ، فقصد غيرها فقرأه.

ومستند عدم البلوغ «الفقه الرضوي» ، إذ فيه : «وتقرأ في صلاتك كلّها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة «الجمعة» و «المنافقين» و (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فإن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك ، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف

__________________

(١) المقنعة : ١٤٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٧٧ ، المعتبر : ٢ / ١٩١ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٧٨ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٥٣ ، ذخيرة المعاد : ٢٨٠.

(٢) السرائر : ١ / ٢٢٢ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٣.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٥٥.

(٤) جامع المقاصد : ٢ / ٢٧٨.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٥٠ المسألة ٢٣٤ ، تحرير الأحكام : ١ / ٣٩ ، منتهى المطلب : ٥ / ١٠٦.

(٦) المعتبر : ٢ / ١٩١.

(٧) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٧.

(٨) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٥٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠١ الحديث ٧٤٥٢.

٣٣٥

سورة فارجع إلى سورة الجمعة وإن لم تذكر [ها] إلّا بعد ما قرأت نصف السورة فامض في صلاتك» (١).

وهذا أيضا كسابقه مقيّد بإرادة سورة معيّنة وقراءة غيرها نسيانا ، لكن فتواهم أعمّ.

ولا يخلو عن إشكال ، سيّما بملاحظة ما مرّ في بحث عدم جواز القران في السورة ، اللهمّ إلّا أن تكون الفتوى مجمعا عليها.

والمراد من العدول أن يرفع اليد عمّا قرأ ويبني على أنّه ليس بقراءة الصلاة الموظّفة ، فيعيد البسملة عند الفقهاء ، لأنّه قرأ على أنّها جزء ما يرفع اليد عنه ، فبضمّها مع ما عدل إليه لم يقرأ سورة كاملة بل قرأ بعضا من سورة وبعضا من اخرى ، ولذا حكموا بوجوب تعيين السورة عند قراءة البسملة ، كما سيجي‌ء.

فمعنى قولهم : يعيد البسملة أنّه يرفع اليد عن البسملة التي قرأها ، ويبني على أنّها ليست بقراءة صلاته الموظّفة لا أنّه يجعلها جزء السورة التي عدل إليها ، لأنّه بجعلها جزء الاولى صارت جزء الاولى.

وسيجي‌ء إن شاء الله تمام التحقيق في تعيين السورة ، وإذا قرأ البسملة على أنّها جزء السورة التي أرادها ثمّ يقع على قراءة الغير نسيانا لا يعيدها إذا عدل إلى ما أرادها.

وكذا لو قرأ البسملة بقصد ما عدل إليها ثمّ شرع في قراءة غيرها عمدا ، على أنّه قراءة صلاته ثمّ عدل إلى ما عدل لا يعيد البسملة ، إن صحّت هذه الصلاة ، لكونها على خلاف الهيئة المنقولة من الشرع ، وعدم ضرر القراءة في الصلاة إنّما هو إذا قصد كونها غير قراءة صلاته ، ومع ذلك لا تكون مغيّرة لهيئة الصلاة التوقيفيّة ،

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٣٠.

٣٣٦

فتأمّل جدّا!

واستدلّ أيضا على عدم جواز العدول بعد النصف بما مرّ في بحث القران ، لأنّ هذه الصورة أيضا في عموم ما دلّ على المنع ، على حسب ما عرفت من العامّ ، وعلى جواز العدول قبل النصف ، أو قبل التجاوز بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في اخرى ، قال : «فليرجع إلى السورة الاولى إلّا أن يقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١).

وما رواه الكليني والشيخ ، عن عمرو بن أبي نصر ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يقوم في الصلاة ، يريد أن يقرأ سورة فيقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ، فقال : «يرجع من كلّ سورة إلّا [من] (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (٢).

ورواية الحلبي أنّه قال للصادق عليه‌السلام : رجل قرأ في الغداة [سورة] (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، قال : «لا بأس ، ومن افتتح بسورة ثمّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلّا (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، ولا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (٣).

ويظهر منها جواز العدول مع عدم إرادة ما عدل إليها ، ولذا أفتى الأصحاب بما أفتوا ، لكن الرواية ضعيفة معارضة لما دلّ على عدم جواز امتثال ذلك ، كما مرّ في بحث القران ، وضعفها لأنّ في طريقها أحمد بن محمّد عن ابن مسكان ، ولا يخفى أنّ بينهما واسطة ، إلّا أن يقال بانجبارها بفتاوى المشهور ، ويقال : إنّ القران هو أن يبني

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٤٢ الحديث ٦٥١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٥٣ الحديث ٧٥٩٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٣١٧ الحديث ٢٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٠ الحديث ١١٦٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩٩ الحديث ٧٤٤٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٠ الحديث ٧٥٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩٩ الحديث ٧٤٤٨.

٣٣٧

على أنّ السورة وما زاد عنها معا قراءة الصلاة الموظّفة ، لا أنّه يعدل عمّا فعله ، لكن عرفت ما يظهر منه منع صورة العدول أيضا ، إلّا أنّها خرجت بدليل ، والضعيف المنجبر كاف ، لكن لا بدّ من ملاحظة تحقّق الشهرة الجابرة ولا يبعد تحقّقها ، إلّا أنّه ليس عندي كتب الفقهاء حتّى أستعلم.

واستدلّ أيضا بأنّ العدول إبطال العمل ، المنهيّ عنه ، لأنّه أخرج ما صدر منه عن الانتفاع بكونه قراءة لصلاته وجزئه ، ويصدق على ذلك عرفا أنّه أبطله ، فخرج منه ما خرج وبقي الباقي ، وهذا على فرض أن لا يكون دليلا مستقلّا ، فلا شكّ في كونه شاهدا ومؤيّدا لما ذكرنا.

ومقتضى هذا وسابقه عدم جواز العدول إذا بلغ النصف ، فيكونان دليلين لابن إدريس والشهيد ، إلّا أن يقال : رواية أبي العبّاس منجبرة بفتوى (١) الأكثر ، بل الشهرة كما ادّعاه في «الذخيرة» وخالي العلّامة المجلسي في «البحار» (٢). والأوّل أحوط.

وأمّا ما روي ـ في الصحيح ـ عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يريد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها ، فقال : «له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها» (٣) فبملاحظة ما ذكرنا من الفتاوى ومستندها تكون هذه شاذّة ، فكيف يتأتّى للفقيه تحصيل البراءة اليقينيّة بها؟ وأوّلت بالبعيدة.

وكذا الحال في صحيحة الحلبي والكناني وأبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثمّ ينسى فيأخذ في اخرى حتّى يفرغ منها ثمّ

__________________

(١) في (د ٢) : بعمل.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٨١ ، بحار الأنوار : ٨٢ / ١٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٣ الحديث ١١٨٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠١ الحديث ٧٤٥١.

٣٣٨

يذكر قبل أن يركع ، قال : «يركع ولا يضرّه» (١).

مع أنّه يحتمل أن يكون شروعه في اخرى من ابتدائها ، ويكون المعنى أنّ الرجل قرأ نصف سورة فينسى البقيّة منها ، فلأجل هذا يأخذ في غيرها حتّى يتمّها ، وبعد الإتمام ذكر البقيّة المنسيّة قال عليه‌السلام : «يركع ولا يضرّه» لأنّ الحكم فيما سأله هو الذي فعله ، لأنّ ناسي بعض السورة يرجع إلى اخرى ويتمّها ، ولا يضرّه تلك الزيادة ، على أنّها لو دلّت على جواز التبعيض يكون حكمها حكم سائر ما دلّ عليه ، وقد مرّ الكلام فيه.

وبالجملة ، على القول بوجوب السورة على ما هو المشهور المعروف ربّما يصير العدول واجبا ، مثل الذي أشرنا إليه.

ومرّ في (٢) صحيحة معاوية بن عمّار الدالّة عليه في بحث وجوب السورة (٣) ، ومثل أن يرى أنّ الوقت يفوت لو أتمّ السورة التي شرع فيها ، فيجب عليه العدول إلى سورة قصيرة يفي الوقت بها إن أمكن.

ومثل ضيق الوقت الأعذار الاخر.

والعدول الواجب غير محدود بالنصف وغيره ، بل دائر مع الباقي والحصول بالنحو الصحيح.

بل على القول بعدم وجوب السورة أيضا يصحّ ما ذكر من العدول ، بل ويستحب أيضا مستحبّا مؤكّدا ، لأنّ السورة كذلك على هذا القول.

ثمّ اعلم! أنّ البسملة لمّا كانت جزء السورة يراعى ذلك في حساب النصف ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩٠ الحديث ٧٥٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠١ الحديث ٧٤٥٣.

(٢) لم ترد في (د ١) و (ك) : في

(٣) راجع! الصفحة : ٢٩٠ و٢٩١ من هذا الكتاب.

٣٣٩

وقولهم عليهم‌السلام : «يرجع إلى السورة التي يريد» (١) ظاهره أنّه يرفع اليد عمّا قرأ ويعدل عنه إلى ما يريد.

ورفع اليد والعدول قد عرفت أنّ معناه أنّه مبنيّ على أنّه ليس من قراءة صلاته الموظّفة ، بل الواجبة ، بل تكون خارجة عن الصلاة ، ويأتي مكانها بما أراد ، فظاهر ذلك أنّه يرفع اليد أيضا عن البسملة التي قرأها أيضا ، لدخولها في قوله عليه‌السلام : «يرجع منها» على الظاهر والمتبادر ، مضافا إلى أنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : «إلى السورة التي يريد» ، مجموع تلك السورة البتّة ، فظاهر ذلك قراءة بسملتها أيضا.

فما في «الذخيرة» من الاعتراض عند تعليل وجوب إعادة البسملة التي حكم بها جماعة من الفقهاء ، بأنّ البسملة لا تصير جزء من السورة إلّا بقصد كونها منها ، والواجب هو السورة الكاملة على ما هو المشهور ، بل المفروض بأنّا لا نسلّم أنّ للنيّة مدخلا في صيرورة البسملة جزءا من السورة ، ثمّ جعل منشأ الجزئيّة الإتيان ببقيّة الأجزاء (٢) ، فيه ما فيه ، إذ عرفت الدليل على وجوب إعادتها ، سيّما بملاحظة وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة في العبادات التوقيفيّة.

على أنّ الإتيان ببقيّة الأجزاء لو جعلها جزءا لا جرم تصير البسملة التي قرأها مع باقي أجزاء تلك السورة جزء لتلك السورة وتتمّة لها ، حتّى تصير السورة تامّة ، لإجماع الشيعة على كون البسملة جزءا من كلّ سورة ، والجزء داخل لا خارج.

فإذا قال عليه‌السلام : «ارفع اليد عمّا قرأت من السورة» لا جرم تكون البسملة داخلة فيها ، مثلا إذا كان إرادته قراءة المنافقين ، فقرأ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) ، فإذا

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٥٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠١ الحديث ٧٤٥٢.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٨١.

٣٤٠