مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

قوله : (وفي بطلان الصلاة).

أمّا نيّة الخروج ، فعن الشيخ في «المبسوط» وجمع من الأصحاب منهم المحقّق في «الشرائع» ـ عدم البطلان (١) ، وعن كثير من المتأخّرين البطلان (٢) ، منهم العلّامة في كثير من كتبه (٣).

وفي «المختلف» : البطلان إن نوى القطع أو الخروج دون ما إذا نوى أنّه سيخرج (٤).

وفي «القواعد» : فلو نوى الخروج أو تردّد فيه كالشاك بطلت ، ولو نوى في الأولى الخروج في الثانية ، فالوجه عدم البطلان إن رفض القصد قبل البلوغ إلى الثانية (٥) ، وعن «التذكرة» التردّد في ذلك (٦).

وفي «الذخيرة» رجح البطلان على تقدير كون الصلاة اسما للصحيحة منها ، أو كون النيّة جزء لها ، والصحّة على تقدير كونها شرطا وخارجة عن حقيقة الصلاة (٧).

وعن الشيخ في «الخلاف» : إذا دخل في صلاته ثمّ نوى أنّه سيخرج منها قبل إتمامها ، أو شكّ هل يخرج أو يتم؟ فإنّ صلاته لا تبطل ، واستدلّ عليه بأنّ صلاته قد انعقدت صحيحة فبطلانها يحتاج إلى دليل وليس [في الشرع ما يدلّ عليه] ، وبأنّ نواقض الصلاة مرويّة ولم ينقل فيها ذلك.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٠٢ ، شرائع الإسلام : ١ / ٧٩ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ١٩٣ ، لاحظ! ذخيرة المعاد : ٢٦٥.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٥١ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٢٢ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٩٧.

(٣) نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٩ ، منتهى المطلب : ٥ / ٢٣ ، إرشاد الأذهان : ١ / ٢٥٢.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ١٣٩.

(٥) قواعد الأحكام : ١ / ٣٢.

(٦) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٠٨ المسألة ٢٠٥.

(٧) ذخيرة المعاد : ٢٦٥.

١٤١

ثمّ اختار البطلان بأنّ الاستدامة الحكميّة شرط ، وبالأخبار الدالّة على النيّة (١) ، وأورد على الأوّلين بمنع حجيّة الاستصحاب ومنع انحصار القاطع فيما ورد في الروايات ، وعلى الأخيرين بمنع اشتراط الاستدامة الحكمية للحكم بالصحّة ، والأخبار غير دالّة إلّا على حصول النيّة المطلقة (٢).

ولا يخفى أنّ الاستصحاب حجّة ، إلّا أنّه معارض بما دلّ على وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة ، وهو الإجماع والاستصحاب ، وصدق الامتثال العرفي. بل حقّق في محلّه عدم جريان الاستصحاب في العبادات التوقيفيّة ، فليلاحظ وليتأمّل.

ومنع اشتراط الاستدامة للصحّة ظاهر الفساد ، لما عرفت من الأدلّة كون النيّة شرطا لكلّ جزء جزء من الصلاة ، لكونه فعلا اختياريا لا يصدر عن المكلّف إلّا بنيّة وداع ولمّا كان الداعي منحصرا عندهم ، وعند المورد أيضا في الحاضر في الذهن عند إيجاد الفعل ، ولا يتيسّر ذلك في كلّ جزء جزء ، لا جرم اكتفوا بالاستدامة الحكميّة ، وهي أن لا ينوي فيها ما ينافي النيّة الاولى.

ونقل في «التذكرة» الإجماع عليه (٣) ، ومسلّم عند المورد أيضا ، مع أنّه لا معنى لمنعه ، إذ لو نوى المنافي لزم وقوع ما بعده بغير نيّة ، بل بنيّة الغير ، وهذا فاسد عند المورد أيضا ، ولذا بعد اطلاعه على ما ذكر ، وعلى الإجماع على وجوب الاستمرار قال : مقتضى الإجماع الإثم بترك الاستمرار ، ومقتضى الأوّل البطلان لو وقع ما بعده بغير نيّة ، لا في صورة الرجوع إلى النيّة الأولى أيضا (٤).

وفيه ، أنّ ملاحظة كلام المجمعين يكشف عن كون مرادهم من الوجوب

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٣٠٧ و٣٠٨ المسألة ٥٥.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٦٥.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٠٨ المسألة ٢٠٥.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٦٥ نقل بالمعنى.

١٤٢

الشرطيّة ، يعني الحالة التي تكون في نفس النيّة ، لا أنّ الاستدامة محض تعبّد واجب لا دخل لها في أمر النيّة.

والجواب عمّا ذكره من أنّ مقتضى الأوّل. إلى آخره ، سيظهر في مسألة الحدث في أثناء الصلاة ، مضافا إلى أنّ المكلّف بعد ما نوى الخروج يكون عازما على أنّ ما صدر منه قبله لا يكون جزء للصلاة بل يكون لغوا فاسدا باطلا خرابا ، فبعد الرجوع إلى النيّة الأولى كيف يرجع اللغو الفاسد الخراب إلى الصحّة ، وصيرورته جزء لصلاته وتتمّة منها؟ وبعد رفع اليد عن كونه لله تعالى وأنّه ليس ما يمتثل به ويطيعه تعالى كيف يصير ما يمتثل ويطيع به؟

وكون ذلك من الأفراد المتبادرة للنيّة التي ثبت اشتراطها من الأدلّة محل تأمّل ، سيّما والمشروط عبادة توقيفيّة.

وممّا ذكر ظهر أنّ الأقوى البطلان ، حتّى في صورة التردّد أيضا ، سواء كان الخروج الآن أو فيما سيأتي.

وأمّا نيّة فعل المنافي مثل الحدث والتكلّم وغيرهما إذا لم يفعله ، ففي «الشرائع» إنّ حكمه حكم نيّة الخروج (١).

وفي «الدروس» أيضا كذلك (٢) ، إلّا أنّه حكم بكونهما مبطلين جميعا ، ووافقه في «المسالك» و «شرح اللمعة» (٣) ، ووافقهما غيرهما أيضا من جملة المتأخّرين (٤).

وفي «التحرير» فرق بينهما بجعل الأوّل مبطلا دون الثاني (٥) ، وفي

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٧٩.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٦٦.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ١٩٧ ، الروضة البهيّة : ١ / ٢٥٧.

(٤) لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٣١٥.

(٥) تحرير الأحكام : ١ / ٣٧.

١٤٣

«القواعد» أيضا كذلك ، إلّا أنّه استشكل في عدم إبطاله (١).

مع أنّ نيّة المنافي في قوّة نيّة الخروج بعد العلم بالمنافاة وعدم الغفلة فيها ، إلّا أن يخص كلامه بصورة الذهول عن المنافاة ، وإلّا فجميع ما ذكر علّة لمبطليّة نيّة الخروج شامل للمقام بلا شبهة ، لو لم تكن غفلة.

وعلّل في «المختلف» بأنّ المنافي هو فعله لا قصده ، ولم يفرق فيه بين نيّة أنّه سيخرج ونيّة فعل المنافي ، وفرق بينهما وبين نيّة أنّه خارج ، فحكم بالبطلان فيه معلّلا بأنّه قطع حكم النيّة (٢).

وغير خفي شموله للمقام أيضا لو لم يكن ذهول ، وكون المنافي منحصرا في فعل المنافي لا قصده أوّل الكلام ، وقصد المنافي مناف لقصد منافيه بالبديهة ، ومنافيات الصلاة لغاية ظهور منافاتها وحضورها في الأذهان كاد أن لا يغيب عنها ، فلا يحصل غفلة إلّا ما شذّ ، فإطلاق الحكم وكون المراد الفرد النادر (٣) محلّ حزازة ، ومع ذلك توقيفيّة العبادة وعدم معلوميّة كونها اسما للأعم يوجب عدم اليقين بالبراءة.

ثمّ اعلم! أنّ جميع ما ذكر إذا نوى أو تردّد ، وأمّا لو علّق الخروج بأمر متحقّق الثبوت عنده في ثاني الحال فالظاهر أنّه مثل ما إذا قصد الخروج فيه ، وكذلك حال التردّد ، وصرّح به العلّامة (٤).

وأمّا إذا علّق الخروج بأمر محال الوقوع عنده فلا ضرر فيه أصلا ، بل ذلك مؤكّد لنيّته واستمرارها ، وأمّا التردّد في نفس تعلّقه فلا ضرر فيه أيضا.

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٣٢.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ١٣٩.

(٣) في (د ٢) : الفروض النادرة.

(٤) نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٩.

١٤٤

وأمّا التردّد في التعليق على المحال أو الممكن فحكمه حكم التردّد في التعليق على الممكن ، كالتردّد في التعليق على المحال أو المتحقّق الثبوت ، يعني أنّ حكمه حكم التردّد في المتحقّق الثبوت.

وأمّا لو علّق خروجه على أمر ممكن عنده كدخول زيد ، فعن «التذكرة» أنّه احتمل البطلان في الحال ، كما لو قصد ترك الإسلام إن دخل ، فإنّه يكفر في الحال ، وعدمه لأنّه ربّما لا يدخل ، فيستمر على مقتضى النيّة ، فإن دخل احتمل البطلان قضيّة للتعليق وعدمه ، لأنّه إذا لم تبطل حالة التعليق لم يكن للتردّد أثر (١).

وقال في «النهاية» : وعلى تقدير البطلان حين وجود الدخول يحتمل البطلان من وقت التعليق ، لأنّ بوجود الصفة يعلم أنّ التعليق خالف مقتضى النيّة المعتبرة ، ويحتمل من وقت الصفة (٢).

وفي «القواعد» : ولو علّق الخروج بأمر ممكن كدخول شخص فالوجه عدم البطلان ، فإن دخل فالأقرب البطلان (٣) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ ممكن الوقوع على قسمين : أحدهما ما يكون وقوعه وعدم وقوعه على حدّ سواء فهذا مضرّ ، لأنّه ينافي العزم على ما عرفت.

والثاني : ما يكون وقوعه بعيدا في غاية البعد ، ولعلّ مثله لا يضرّ ، فإنّ كلّ أحد يجوز صدور أمر بسببه لا يتأتّى منه الصلاة صحيحة معه ، مثل وقوع صبي في موضع لو لم يبطل صلاته ويخرجه لفعل فعلا حراما قطعا. وأمّا بطلان الصلاة ، فمبني على كون الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٠٩.

(٢) نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٩.

(٣) قواعد الأحكام : ١ / ٣٢.

١٤٥

نعم ، بعد صدوره لو لم يلزم شرعا رفع اليد عن الصلاة أصلا كما لو علّق على دخول زيد ـ وعنده أنّه بعيد غاية البعد ـ فاتّفق أنّه دخل فحاله حال الأوّل ، مع احتمال أنّه بسبب اتّكاله على عدمه ووثوقه به علّق عليه فيصير من قبيل التعليق على المحال أو قريبا منه ، على تفاوت مرتبة وثوقه ، مع احتمال أن يكون الظن باستصحاب العدم يكفي في عدم الضرر ، فإنّ المكلّف يجوز موته حال الصلاة قطعا ، إلّا أنّ بقاءه عنده مستصحب ، فلا يضرّ هذا استدامته للنيّة ، لكونها دائرة مع بقائه.

لكن الظاهر الفرق بين هذا الاستصحاب والاستصحاب في عدم دخول زيد ، للقطع بدوران تكليف المكلّف مع بقائه ، بل مع تمكّنه من ذلك المكلّف به ، فلا يضرّ هذا الاستصحاب استمرار نيّته ، بل يؤكّده ويشيّده (١) ، بخلاف استصحاب عدم دخوله ، إذ عنده أنّ الظاهر أنّه لا يدخل ، وإن دخل فأترك الصلاة مع صحّتي وتمكّني منها من دون تفاوت ، فبناؤه على ترك الصلاة من دون داع على الترك أصلا.

غاية ما في الباب أنّه لا يتركها ظاهرا ، ولعلّ مثل هذا يضرّ الامتثال العرفي.

نعم ، لو كان علّة عزمه استبعاده دخول زيد ، وبعد تحقّقه (٢) يكون باقيا على عزمه ، فلا يضرّ النيّة. فتأمّل جدّا!

فلو ارتفع هذا الظن والظهور عنده أيضا فالظاهر عدم تأتّي الامتثال العرفي ، لعدم العزم على الإطاعة ، والله يعلم.

وممّا ذكر ظهر حكم ما لو كان الظاهر عنده دخول زيد ومراتب ظهوره ، وممّا

__________________

(١) في (ز ٣) : ويشدده.

(٢) في (د ١) : تحقّق ذلك.

١٤٦

ذكر ظهر حكم قصد المنافي أيضا ، يعني إذا علّقه على الصور المذكورة.

ثمّ اعلم! أيضا أنّه نقل عن جماعة منهم الشيخ والعلّامة أنّ من قصد من الصلاة غير الصلاة تبطل صلاته (١).

وكذا لو قصد ببعضها غير الصلاة ، من غير فرق بين أن يكون ذلك بطريق الاستقلال أو الانضمام ، ولا بين أن يكون على سبيل العمد أو السهو ، ولا بين أن يكون الفعل ممّا يقدح زيادته في صحّة الصلاة أم لا ، كذا في «الذخيرة» مستشكلا فيما إذا لم يكن ركنا ، لجواز الإتيان به ثانيا من دون قصد فاسد (٢).

وفيه ، أنّ غير الركن كيف يجوز ازدياده أو نقصه عمدا؟ إلّا أن يكون استشكاله في صورة السهو خاصّة ، لكن كلامه بعد ذلك يأبى عنه ، حيث قال : وإلى هذا نظر بعض المتأخّرين ، فاختار أنّ قصد الإفهام خاصّة بما يعدّ قرآنا بنظمه واسلوبه لا يبطل الصلاة ، وإن لم يعتدّ به فيها ، وكذا الكلام في الذكر.

ويدلّ على الجواز مضافا إلى الأصل روايات ، منها : صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلّي ، فقال : «يومئ بيده ويشير برأسه ويسبّح» (٣).

ثمّ نقل عن المدقّق الشيخ علي ، أنّه وجّه كلامهم بأنّ المراد قصد الفعل المنوي به الصلاة غير الصلاة ، والبطلان لعدم تشخّصه القربة ، وعدم جواز الإتيان بفعل آخر لاستلزامه الزيادة في أفعال الصلاة عمدا ، والفرض أنّ الأوّل مقصود به الصلاة أيضا (٤).

__________________

(١) نقل عنهما في ذخيرة المعاد : ٢٦٥ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١٠٢ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٤٦.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٦٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٢ الحديث ١٠٧٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٤ الحديث ٩٢٦٠ مع اختلاف يسير.

(٤) جامع المقاصد : ٢ / ٢٢٦.

١٤٧

وحكى عن فخر المحقّقين أنّه نقل الإجماع على ذلك (١) ، ثمّ أورد عليه بأنّه إنّما يتمّ إن ثبت كون التكرار مبطلا لها وهو غير واضح ، إلّا أن يثبت إجماع ، وهو أيضا غير واضح (٢) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ ناوي إرادة البعض غير الصلاة إن رفع اليد عن الصلاة فهو ناو للخروج ، وقد عرفت حاله ، سيّما مع الانضمام بما في المقام ، وإن لم يرفع اليد عنها بل عزمه ونيّته مستمرّة إلى آخر الصلاة ، وبناؤه على أنّ هذا الجزء غير صلاة أوقعه في الصلاة. فهذا لا يصير جزء صلاته إلّا إذا اكتفى به بعد ذلك بجعله جزء صلاته ، مثل أن قرأ سورة أو سبّح في ركوعه أو سجوده كلّ ذلك بقصد غير الصلاة ، ثمّ جعله محسوبا منها واكتفى به ، ولا شكّ في عدم صحّة هذه الصلاة.

وأمّا إذا كان الجزء مثل الركوع فقصد به غير الصلاة فظاهر بطلان صلاته ، سواء جعله محسوبا منها أم لا ، إلّا أن يكون انحناء لأخذ عصا رجل كبير من الأرض ليناوله ، كما ورد عن الكاظم عليه‌السلام أنّه فعل كذلك (٣) ، وهذا أيضا بعد ثبوته وكونه في الفريضة أيضا ، وإلّا فهذا أيضا مشكل.

وأمّا أنّه يجوز أن ينوي بفعل كونه جزء صلاته وعدم كونه جزء صلاته ، بل وكونه غير جزء صلاته ، ففيه أنّهما متنافيان أو متضادّان ، فكيف يجتمعان في نيّة واحدة وعزم واحد؟ إذ عرفت أنّ النيّة ليست إلّا الداعي على الفعل الموجد له ، فإمّا أن يكون أوّلا وجد بقصد غير الصلاة ثمّ جعل منها كما ذكرنا ، أو كان أوّلا وجد بقصد أنّه جزء الصلاة ثمّ قصد بعد ذلك أنّه لا يكون جزء صلاته.

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ١ / ١٠٤.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٦٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٣ الحديث ١٠٧٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٢ الحديث ١٣٦٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٣ الحديث ٧١٧٣.

١٤٨

ولا يخفى أنّ الثاني خلاف ظاهر عبارتهم جزما ، ومع ذلك يشكل الحكم بصحّة هذه الصلاة بل لا يمكن جزما ، سواء أتى بالجزء لها ثانيا أم لا ، ركنا يكون الجزء أم لا ، إذا كان التكرار غير جائز كفاتحة الكتاب والسورة بعدها على رأي ، بل على القول بكراهة تكرارها أيضا لا يمكن الحكم ، إلّا على القول بعدم وجوب السورة فيخرج عن المقام ، وسيذكر المستحبّات.

وعلى فرض إمكان اجتماع المتنافيين أو المتناقضين في النيّة لا جرم يكون ذلك الفعل باطلا لخلوّه عن النيّة ، لأنّها هي كونه من الصلاة خاصّة ، ولاستحالة الترجيح من غير مرجّح ، وفرض إيجاده تارة اخرى بالقصد الصحيح للصلاة غير ظاهر دخوله في عباراتهم ، بل ظاهرها خلافه.

ومع ذلك لا يمكن الحكم بصحّة تلك الصلاة وإن كان الجزء (١) غير ركن ، لأنّ الواجب واحد لا متعدّد ، والواحد لو تعدّد بعنوان الوجوب وبقصده عمدا كيف يمكن الحكم بصحّة هذه الصلاة؟

وجعل أحدهما خاصّة هو الواجب والآخر مستحبّا أو مباحا أو مكروها؟ لا يمكن في مثل الحمد بل ولا في السورة ، وإن قلنا بعدم حرمة الزائد ، لأن تحقّق فريضة يصير فيها سورتها مكرّرة بقصد الوجوب ، بأن يجعل أوّلا لإحداهما ، ثمّ ينزع ويعطى للأخرى ، فيه ما فيه. أو يقرأ سورتها بالقصدين المتنافيين مع جواز اجتماعهما ، ثمّ يقرأ بأحد القصدين ، فتأمّل جدّا!

واعلم أيضا! أنّ العلّامة وغيره حكموا بانسحاب حكم الإبطال في الذكر المستحبّ أيضا (٢). ولعلّ مرادهم أنّ نيّة غير الصلاة في جزء الصلاة وإن كان مستحباتها ، يوجب عزم غيرها ، فلا يكون له عزمها ، فيضر بالاستدامة الحكميّة.

__________________

(١) في (ك) زيادة : الأخير.

(٢) قواعد الأحكام : ١ / ٣٢ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٥١ ، حاشية شرائع الإسلام للشهيد الثاني : ٩٠.

١٤٩

مع أنّ الصلاة التي جزؤها يكون صلاة وغير صلاة معا وإن كان مستحبّاتها من الشرع ، ولم ينقل منه البتّة ، فلم يثبت التعبّد بها.

وأورد عليهم المدقّق الشيخ علي بأنّ من نوى بالذكر المندوب الصلاة وغير الصلاة معا كأن قصد إفهام الغير بتكبير الركوع أو زجره ، لا يبطل به الصلاة ، إذ لا يخرج بذلك عن كونه ذكر الله ويصير من كلام الآدميين ، وعدم الاعتداد به في الصلاة لو تحقّق لم يقدح في صحّة الصلاة ، لعدم توقّف صحّة الصلاة عليه ، أمّا لو قصد الإفهام مجرّدا عن كونه ذكرا ، فإنّه يبطل حينئذ (١) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ ما ذكره المدقّق هنا ، وما ذكر عن بعض المتأخّرين (٢) لا دخل له بالمقام ، لأنّه عبارة عن جواز الضميمة في النيّة وصحّتها ، ومرّ التحقيق في ذلك في مبحث الوضوء (٣).

وأمّا ما ورد في صحيحة الحلبي (٤) فلا ربط [له] بالمقام أصلا بحسب الظاهر ، لأنّ التسبيح الوارد فيها غير ظاهر كون المراد منه جزء الصلاة لا واجبه ولا مستحبّه ، بل ظهر منه عدم منافاة التسبيح للإعلام لهيئة الصلاة ، ولا شكّ في أنّ ذكر الله غير مضرّ في الصلاة وإن لم يكن جزء منها.

واعلم أيضا! أنّ الرياء في العبادة يوجب بطلانها وكذا في جزئيّاتها لمنافاتها الإخلاص لو كان المقصود هو الله تعالى وغيره جميعا بأن يكون المجموع داعيا موجدا ، وإذا كان المقصود غيره تعالى فلا يتأتّى امتثال ولا عبادة لله تعالى أصلا ، وكذا لو كان المقصود الأصلي غير الله تعالى.

__________________

(١) جامع المقاصد : ٢ / ٢٢٧.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٦٦.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٩٣ ـ ٣٩٥ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٤ الحديث ٩٢٦٠.

١٥٠

وأمّا لو كان المقصود الأصلي هو الله تعالى خاصّة وغيره مقصود بالتبع فالظاهر من الأخبار وغيرها حرمته أيضا بلا شبهة (١) ، وأنّه غير خالص لله تعالى.

بل ورد : أنّ «من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه» (٢) ، وأنّه إذا عمل سرّا يكتب كذلك ، فإذا ذكره فيمحى ذلك ويكتب علانية ، فإذا ذكره مرّة اخرى فيمحى ويكتب رياء (٣) ، إلى غير ذلك.

نعم ، ورد أنّ الرجل يعمل لله تعالى لكن إذا اطلع عليه غيره يسرّه ذلك فقال عليه‌السلام : «لا بأس ، ما من أحد إلّا ويحبّ أن يظهر الله له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» (٤).

ونقل عن السيّد أنّه يقول بالحرمة وصحّة العبادة (٥) ، ولعلّ كلامه مؤوّل كما مرّ في الوضوء (٦) ، والله يعلم.

وغير خفيّ أنّ حال الرياء في الأجزاء المستحبّة للصلاة حال قصد غير الصلاة وقد عرفته ، بل هنا أشدّ ، بل المدقّق حكم بالبطلان هنا مع حكمه بعدم البطلان هناك (٧) ، فإذا كان الحال في الأجزاء المستحبّة كذلك ففي الواجبة أشدّ وأشدّ ، حفظنا الله عن خلاف رضاه ، وهدانا للرشاد ، وأخذ بنواصينا إليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٦٤ الباب ١١ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢٨٩ الحديث ٨٦٦ ، أمالي الصدوق : ٣٩٧ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٦٨ الحديث ١٥٢.

(٣) الكافي : ٢ / ٢٩٦ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٧٥ ـ الحديث ١٦٧ مع اختلاف.

(٤) الكافي : ٢ / ٢٩٧ الحديث ١٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٧٥ الحديث ١٦٨ نقل بالمعنى.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٦ ، لاحظ! الانتصار : ١٧.

(٦) راجع! الصفحة : ٣٩٤ و٣٩٥ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٧) جامع المقاصد : ٢ / ٢٢٧.

١٥١
١٥٢

١٤٤ ـ مفتاح

[موارد جواز نقل النيّة]

يجوز نقل النيّة فيما إذا اشتغل بلاحقة ثمّ ذكر السابقة ، سواء كانتا مؤدّاتين أو مقضيّتين (١) ، أو المعدول عنها حاضرة والمعدول إليها فائتة ، أو بالعكس بشرط ضيق الوقت عن الحاضرة ، ومن القصر إلى الإتمام وبالعكس (٢) ، ومن الائتمام إلى الانفراد بشرط العذر (٣) ، وفاقا للمبسوط (٤) ، والأكثر على إطلاق الجواز (٥) ، أمّا العكس فلا ، خلافا للخلاف (٦) ، ومن الائتمام إلى الإمامة ، ومن الائتمام بإمام إلى آخر (٧) ، ومن الفرض إلى النفل ، لخائف فوت الركعة مع الإمام (٨) ، ولناسي قراءة سورة الجمعة في الجمعة (٩) وناسي الأذان والإقامة (١٠) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٠ الباب ٦٣ من ابواب المواقيت.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٥١١ الباب ٢٠ من أبواب صلاة المسافر.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٣ الباب ٦٤ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) المبسوط : ١ / ١٥٧.

(٥) المعتبر : ٢ / ٤٤٨ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٦٩ و٢٧٠ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٢٦.

(٦) الخلاف : ١ / ٥٥٢ المسألة ٢٩٣.

(٧) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٧٧ الباب ٤٠ من أبواب صلاة الجماعة.

(٨) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٤ الباب ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة.

(٩) وسائل الشيعة : ٦ / ١٥٩ الباب ٧٢ من أبواب القراءة في الصلاة.

(١٠) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٣ الباب ٢٩ من أبواب الأذان والإقامة.

١٥٣

لجواز القطع له فالعدول أولى ، أمّا من النفل إلى الفرض فلا ، كما قيل (١). وأكثر ذلك مستفاد من الروايات.

والأظهر جوازه لمطلق طلب الفضيلة ، لاشتراك العلّة الواردة في المنصوص عليه. وقد ورد في الصحيح جواز العدول بعد الفراغ أيضا فيما إذا صلّى العصر قبل الظهر قال : «فإنّما هي أربع مكان أربع» (٢). وهو حسن.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١١٠ المسألة ٢٠٧ ، كشف اللثام : ٣ / ٤١٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٠ الحديث ٥١٨٧.

١٥٤

قوله : (يجوز نقل). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الجواز هنا بمعناه الأعم ، لأنّ كثيرا من الصور نقلها واجب إجماعا ، كالعدول من الفريضة اللاحقة إلى السابقة المؤدّاتين ، مثل من دخل في العصر فذكر أنّه لم يصلّ الظهر بعد والوقت باق ، وكذلك من دخل في العشاء فذكر أنّه لم يصلّ المغرب ، أو المقضيّتين كمن دخل في فريضة من الخمس فذكر أنّه لم يصلّ الفريضة السابقة عليها ، فإنّه يجب العدول تحصيلا لما هو واجب من الترتيب ، على حسب ما سيجي‌ء.

وأمّا كون المعدول عنها حاضرة ، و [المعدول] إليها فائتة ، فسيجي‌ء كون وجوب العدول محلّ خلاف.

وأمّا العكس ، فنقل عن «البيان» تجويزه [مع ضيق الوقت] (١) ، بمعنى وجوبه ، إذ لو جاز وجب قطعا ، لكنّه موقوف على دليل عليه من إجماع أو خبر ولم نجد واحدا منهما ، وتوقّفه على الدليل واضح ، بعد ما عرفت سابقا من اشتراط نيّة التعيين ، مضافا إلى أنّ العبادة توقيفيّة ، وجب الاقتصار فيها على موضع النقل.

ويدلّ على ما ذكرنا من العدول كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى ، فقال : «إذا نسي [الصلاة] أو نام عنها صلّى حين يذكرها ، وإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب [ثمّ صلى العتمة بعدها] ، وإن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك» (٢).

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٣١٧ ، لاحظ! البيان : ١٥٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٩٣ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٩ الحديث ١٠٧١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩١ الحديث ٥١٨٨.

١٥٥

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا نسيت صلاة ـ إلى أن قال : ـ فإن نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع فإن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى فصلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر وإن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر ـ إلى أن قال : ـ وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها بركعتين ثمّ سلّم ثمّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صلّيت العشاء ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب. وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ صلّ العشاء. وإن كنت نسيت العشاء ـ إلى أن قال : ـ ذكرتها وأنت في الركعة الاولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة» (١) الحديث.

وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل أمّ قوما في العصر فذكر وهو يصلّي بهم أنّه لم يصلّ الاولى ، قال : «فليجعلها الاولى التي فاتته ، ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم» (٢).

وقويّة منصور الصيقل (٣) عنه عليه‌السلام : عن رجل نسي الاولى حتّى صلّى من العصر ركعتين ، قال : «فليجعلها الاولى وليستأنف العصر» (٤) الحديث.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٩١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٨ الحديث ٣٤٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٠ الحديث ٥١٨٧ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٩٤ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٩ الحديث ١٠٧٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٢ الحديث ٥١٨٩ مع اختلاف يسير.

(٣) في المصدر : الحسن بن زياد الصيقل.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٠ الحديث ١٠٧٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٣ الحديث ٥١٩١.

١٥٦

وتتمّة هذا الحديث لم يعمل بها ومحمولة على التقيّة ومرّت في بحث الوقت (١) ، وأمّا العدول من القصر إلى الإتمام وبالعكس فقد مرّ في مبحث القصر والإتمام (٢).

وأمّا العدول من الائتمام إلى الانفراد وبالعكس فسيجي‌ء في مبحث الجماعة ، وكذلك العدول من الائتمام إلى الإمامة وعن الائتمام بإمام إلى آخر ، ومن الفرض إلى النفل لخائف فوت الركعة مع الإمام.

وأمّا ناسي قراءة يوم الجمعة ، فسيجي‌ء في مبحث القراءة ، وأمّا ناسي الأذان والإقامة فقد مرّ جواز القطع (٣).

وأمّا كون العدول أولى فهو فرع ثبوت جواز العدول كليّة ، أو في أمثاله كليّة ولم نجد.

وأمّا عدم جواز العدول من النفل إلى الفرض فالظاهر عدم خلاف فيه ، مضافا إلى ما عرفت من كون العدول خلاف الأصل والقاعدة الثابتة شرعا ، مضافا إلى أنّ القوي لا يبنى على الضعيف ، والظاهر أنّه أيضا وفاقي ، وغير مأنوس من العدول الثابت.

وما نسب إلى الشيخ من القول بجوازه في الصبي الذي يبلغ في أثناء الصلاة (٤) فهو توهّم ، لأنّه لا يجدّد نيّة الفرض بالباقي على قول الشيخ ، وهو خلاف معنى النقل ، إذ معناه جعل جميع ما مضى منه وما بقي على ذلك الوجه.

نعم ، لو قال الشيخ بذلك في سعة الوقت أيضا واكتفى بهذه الصلاة عن فرضه

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٥١٢ و٥١٣ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٤٥ ـ ٢٥٠ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ١١ ـ ١٧ من هذا الكتاب.

(٤) نسب إليه في مختلف الشيعة : ٢ / ٥٦ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٧٣.

١٥٧

فالظاهر أنّه قول بالعدول من النفل إلى الفرض ، لكن ليس عندي كتابه.

وعلى فرض أن يكون قائلا به لا تأمّل في ظهور فساده ، وأنّ اللازم عليه إعادة الصلاة والإتيان بها على سبيل الفرض وإن قلنا بأنّ عبادات الصبي شرعيّة ، لعدم ثبوت شرعيّة النقل المذكور وعدم ثبوت كفاية ما ذكر في مقام الخروج عن عهدة شغل الذّمة بالفرض اليقيني ، بل ظهر ممّا ذكر هنا وسابقا عدم الكفاية البتّة.

قوله : (والأظهر). إلى آخره.

قد عرفت أنّ جواز العدول يتوقّف ثبوته على نص وما ذكره من العلّة المشتركة لم أطّلع عليها ، وإن أراد منها ما ورد في الصحيح من قوله عليه‌السلام : «فإنّما هي أربع مكان أربع» (١). ففيه ، أنّه لم نجد أحدا أفتى بالعدول بعد تماميّة الصلاة والفراغ ، والمفتى به عندهم العدول في الأثناء خاصّة.

وأمّا إذا تمّت الصلاة ، فإن وقعت في أوّل وقت الظهر المختصّ بالظهر فهي باطلة عندهم ، وإن قيل بصحّتها على القول باشتراك الوقت من أوّله إلى آخره ، ونسب هذا القول إلى الصدوق (٢) واختاره في «الذخيرة» (٣).

لكن عرفت في مبحث الوقت عدم ظهور قائل به أصلا ، وعدم ظهوره من كلام الصدوق أيضا ، وفساده في نفسه أيضا ، مضافا إلى عدم ظهور كون ما ذكر ثمرة النزاع والفرق.

وإن وقعت في الوقت المشترك فهي صحيحة عصرا ويجب فعل الظهر بعدها.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٩١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٨ الحديث ٣٤٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٠ الحديث ٥١٨٧.

(٢) نسب إليه في مدارك الأحكام : ٣ / ١١٦ ، لاحظ! المقنع : ٩١.

(٣) ذخيرة المعاد : ١٩٠.

١٥٨

والترتيب ساقط مغفور معفوّ عنه في صورة النسيان المذكور ، ولذا حملها الشيخ رحمه‌الله على ما قارب الفراغ (١).

مع أنّ مقتضى العلّة المذكورة عدم الحاجة إلى نيّة العدول ، بل وعدم الحاجة إلى نيّة التعيين أيضا في هذه الصورة ، وهو خلاف الوفاق ، وخلاف ما دلّ على وجوب نيّة التعيين ، وخلاف المسلّم عند المصنّف أيضا ، ومعارض لما دلّ على جعلها العصر ووجوب الإتيان بالظهر بعدها من الأخبار (٢) ، وهي المفتى بها المعمول عليها ، بل المتّفق عليها بين الأصحاب ، إذ لم يوجد مخالف في الحكم بمضامينها ، بل تعارض كلّ ما تضمّن الأمر بالعدول ، بل لا وجه للعدول إذا كان أربعا مكان أربع ، فلا يلائم باقي أجزاء تلك الصحيحة فضلا عن غيرها ، ومنها الأخبار المتضمّنة للأمر بفعل الظهر قبل العصر (٣).

إلّا أن يقال : إنّ قصد التعيين لا شكّ في وجوبه وشرطيّته للامتثال ، وكون العدول خلاف مقتضاه ، وخلاف مقتضى القاعدة في العبادة التوقيفيّة ، لكن الشارع جوّز (٤) العدول من العصر إلى الظهر من أوّلها إلى آخرها ، والعلّة المذكورة إنّما هي العلّة في كون الجميع مخلّا للعدول ، لاتّحاد الظهر والعصر هيئة بخلاف العشاء والمغرب ، والظهر والصبح مثلا ، بل ما ذكر هو الظاهر من الصحيحة (٥) ، فحينئذ لا تكون العلّة المذكورة نافعة للمصنّف أصلا.

وممّا ذكر ظهر أيضا ما في قوله : وهو حسن.

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٣١١ المسألة ٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٧ الحديث ٤٦٩٨ ، ١٢٩ الحديث ٤٧٠٨ و٤٧٠٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٠ ـ ٢٩٣ الباب ٦٣ من ابواب المواقيت.

(٤) في (د ٢) : المشهور جواز.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٠ الحديث ٥١٨٧.

١٥٩
١٦٠