مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

١٤٥ ـ مفتاح

[تكبيرة الإحرام]

تكبيرة الإحرام ركن في الصلاة ، تبطل بتركها عمدا وسهوا ، بالإجماع والصحاح المستفيضة (١) ، وما في شواذّها (٢) ممّا ينافي بظاهره ذلك فمؤوّل ، ومع الشك يمضي إن جاوز المحلّ بالشروع في القراءة وإلّا أتى بها ، وكذا في كلّ فعل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢ الباب ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام.

(٢) وذلك مثل : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة؟ فقال : أليس كان من نيّته أن يكبّر؟ قلت : نعم. قال : فليمض في صلاته» [وسائل الشيعة : ٦ / ١٥ الحديث ٧٢٢٦].

ولعلّ المراد به أنّ من قام إلى الصلاة قاصدا افتتاحها بالتكبير ثمّ لما تلبّس بها خطر له أنّه نسي التكبير ، فإنّه لا يلتفت لأنّ الظاهر جريانه على ما كان قاصدا له وعدم افتتاحه الصلاة بغير التكبير ، وهذا من المواضع التي يرجّح فيها الظاهر على الأصل.

ويؤيّد هذا التأويل استبعاده عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم بقوله : «ولكن كيف يستيقن» [وسائل الشيعة : ٦ / ١٣ الحديث ٧٢١٩]. وما رواه الصدوق في «الفقيه» عن الصادق عليه‌السلام أنّ : «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح» [من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٥ الحديث ٧٢٢٨]. ومثل صحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت له : رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع ، قال : «أجزأه» [وسائل الشيعة : ٦ / ١٦ الحديث ٧٢٣١]. ولعلّ المراد أنّ المأموم إذا نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى أخذ الإمام في الركوع فيكبّر ناويا بها تكبيرة الافتتاح والركوع معا فإنّ صلاته صحيحة. وهذا ممّا لا خلاف فيه ، ويمكن حملها على من لم يتيقّن الترك بل يشكّ فيه «منه رحمه‌الله».

١٦١

من أفعال الصلاة ، وفاقا للأكثر (١) للصحاح المستفيضة (٢).

وقيل : إن شكّ في شي‌ء من الركعتين الأوّلتين أعاد مطلقا (٣) ، للمعتبرتين (٤) ، ولا دلالة فيهما إلّا على الشكّ في العدد وهو مسلّم ، واستقرب في التذكرة تنزيل الشكّ في الركن منزلة الشكّ في العدد (٥) ، وفيه منع.

وزيادة تكبيرة الإحرام مبطلة على المشهور كنقصانها ، عمدا كانت أو سهوا ، وفي مستنده (٦) نظر. وكذا القول في كلّ ركن.

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ١١٦ ، المعتبر : ٢ / ٣٨٨ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣١٧ المسألة ٣٤٣ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٤٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ ـ ٢٣٩ الباب ٢٣ من أبواب الخلل في الصلاة.

(٣) المقنعة : ١٤٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٠ الحديث ١٠٣٨٧ و١٠٣٨٨.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣١٦ المسألة ٣٤١.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣١ الحديث ١٠٥٠٩ ، لا حظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٢.

١٦٢

قوله : (تكبيرة الإحرام). إلى آخره.

لا خلاف في وجوبها في الصلاة وركنيّتها أيضا ، بل هما إجماعيّان عند الأصحاب وأكثر علماء الإسلام ، كما صرّح به في «المدارك» (١).

وفي «الذخيرة» : إنّ ناقل هذا الإجماع جماعة من الأصحاب (٢) ، بل لا خفاء في كونها جزءا من الصلاة بالضرورة من الدين ، وكلّ جزء من أجزاء عبادة يكون الأصل ركنيته لها بالبديهة حتّى يثبت من الشرع عدم الركنيّة ، لأنّ الهيئة المنقولة من الشرع لا يجوز مخالفتها قطعا.

ولو وقعت المخالفة ، بأن نقص جزء من أجزائها أو زاد على ما قرّر ووصل إلينا ، أو قدّم المؤخّر ، أو أخّر المقدّم لم تكن الهيئة هي الهيئة المنقولة قطعا ، فلم يكن الآتي بها آتيا بما طلب منه قطعا.

وإن كانت المخالفة المذكورة جهلا أو سهوا أو نسيانا فتكون تلك العبادة باطلة ، لعدم تحقّق الامتثال بها وإن لم يكن المكلّف مقصّرا. فإنّ عدم التقصير لا يستلزم الامتثال جزما ، غاية ما في الباب أن لا يكون مؤاخذا في نسيانه ، لا أن يكون ما خرّب نسيانا بأن نقص أو زاد أو غيّر وبدّل عين ما طلب منه ، بل لا شكّ في كونه غيره ، إلّا أن يثبت من الشرع الرضا بتلك الزيادة أو النقيصة أو التغيير [أو] التبديل ، فيسمّي ما رضي غير ركن ، ولا مشاحّة في الاصطلاح بعد معرفة المراد وثبوت الحكم شرعا ، وبيّنا في «الفوائد» أنّ الأصل في كلّ جزء أن يكون ركنا [ويكون] نقصه أو زيادته عمّا قرّره الشرع ووصل إلينا مبطلا (٣).

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٣١٨.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٦٦.

(٣) الفوائد الحائريّة : ٣٥١ الفائدة ١.

١٦٣

فمن غفل عن هذا يشنع على الفقهاء بأنّهم لم حكموا بأنّ الأركان خمسة؟ وأنّ زيادة الركن أيضا مبطلة ، مع أنّه لم يرد حديث في ذلك؟

والمسكين لا يتفطّن بأنّ عدم ركنيّة جزء موقوف على ثبوته من حديث أو غيره من الأدلّة الشرعيّة ، بأنّه مع كونه جزءا ، لو لم يتحقّق سهوا أو زاد عمّا قرّره الشرع وإن كان سهوا كيف خرج عن الجزئيّة عمّا قرّره الشارع؟ وأيّ دليل على ذلك؟

ومن جملة الغافلين المصنّف ، حيث يقول في آخر هذا المفتاح ـ بعد ما نسب إلى المشهور ـ : أنّ زيادة تكبيرة الإحرام مبطلة كنقيصته عمدا أو سهوا ، وفي مستنده نظر ، وكذا القول في كلّ ركن ، إذ أيّ مستند يكون أقوى وأجلى ممّا ذكرنا؟ بل هو ليس من الظنّيات بل من اليقينيّات بالبديهة ، وليس أمرا خفيّا يخفى على غير غافل بلا شكّ ولا ريبة ، نبّهنا الله عن الغفلة بمحمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويدلّ على كون تركها نسيانا مبطلا للصلاة صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : «يعيد» (١).

وفي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال : «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟!» (٢).

وفي صحيحة الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال : «لا ، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنّه لم يكبّر» (٣). إلى غير ذلك من الصّحاح والمعتبرة.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٤٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٣ الحديث ٥٥٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢ الحديث ٧٢١٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٣ الحديث ٥٥٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٥١ الحديث ١٣٢٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٣ الحديث ٧٢١٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٤٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٣ الحديث ٥٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٦ الحديث ٧٢٣٠.

١٦٤

واعلم! أنّ التكبيرة للافتتاح كما تكون ركنا كذا هيئتها من القيام أو القعود ، لما قلنا في كلّ جزء ، وللإجماع.

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : «يعيد الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح».

وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتّى قام وافتتح الصلاة وهو قائم ثمّ ذكر ، قال : «يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ، وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه أن يقطع صلاته فيقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد» (١).

وروى في «التهذيب» عنه عن الصادق عليه‌السلام بتفاوت ما في السند ، مع الاقتصار على ذكر الشق الثاني (٢).

قوله : (وما في شواذّها). إلى آخره.

هي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل ينسى أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة ، فقال : «أليس من نيّته أن يكبّر؟» فقال : نعم. قال : «فليمض في صلاته» (٣).

وصحيحة ابن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام عن رجل نسي تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع ، قال : «أجزأه» (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٤ الحديث ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٥٠٣ الحديث ٧١٧٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣١ الحديث ٥٩٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٤ الحديث ٥٦٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٥ الحديث ٧٢٢٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٤ الحديث ٥٦٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٦ الحديث ٧٢٣١ مع اختلاف يسير.

١٦٥

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل ينسى أوّل تكبيرة الافتتاح ، فقال : «إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في مقامه في موضع التكبير» (١).

وعن الصادق عليه‌السلام إنّ «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح» (٢).

ولا شكّ في أنّه بعيد غاية البعد أن يكون الإنسان ينسى أوّل دخوله في الصلاة ، فالظن حاصل بأنّه كبّر ، كما قال عليه‌السلام ، والظنّ يكفي ـ كما ستعرف ـ في جميع أجزاء الصلاة.

مضافا إلى أنّه لم يكبّر بعد ما دخل في القراءة أو غيرها فلا عبرة بالشك فيها ، فما ظنّك بالظن؟ ولذا قال في صحيحة ابن مسلم : «إذا استيقن [أنّه لم يكبّر] فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟» (٣). وفي صحيحة الفضل : «إذا حفظ أنّه لم يكبّر» (٤).

فظهر منهما أنّ مع ظنّه بعدم التكبيرة صلاته صحيحة ، ولا حاجة إلى الإعادة.

ومنشؤه ما ذكر من كون نسيانه بعيدا غاية البعد ، فلعلّ المراد من النسيان في هذه الأخبار ظن تركها لا اليقين ، أو أنّ من ادّعى اليقين ربّما لم يكن يقينه يقينا ، كما نعرف من جماعة من الوسواسين ، أو يكون المراد من النسيان للتكبيرة أنّه ذهب عن باله أنّه كبّر أم لا.

ويحتمل الحمل على التقيّة ، لكونها موافقة لمذهب بعض العامّة (٥).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ١٠٠١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٤ الحديث ٧٢٢٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٦ الحديث ٩٩٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٥ الحديث ٧٢٢٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١٣ الحديث ٧٢١٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ١٦ الحديث ٧٢٣٠.

(٥) المغني لابن قدامة : ١ / ٢٧٦.

١٦٦

والأحوط في صورة حصول الظنّ بترك التكبيرة إعادة الصلاة ، وإن كان بعد الدخول في مثل القراءة إذا لا حظ استبعاد ترك التكبيرة للافتتاح ، وأنّه موجب للظنّ بفعلها البتّة ، إذ مع هذه الملاحظة لو ظنّ الترك يكون الأحوط ما ذكر.

وأمّا إذا لا حظ ذلك ، وبملاحظته يحصل الشكّ يكون حكمه حكم الشاكّ ، بل هو شاكّ حقيقة ، فلا يعيد إن كان ذلك بعد الدخول في مثل القراءة ، كما هو القاعدة في الشكّ في أجزاء ركعة الفريضة ، وأجزاء الصلاة لما ورد في الأخبار :

منها : الصحيح عن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : «يمضي» ، قلت : شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : «يمضي» ، قلت : شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : «يمضي» ، قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : «يمضي» ، قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال : «يمضي على صلاته» ، ثمّ قال : «يا زرارة ، إذا خرجت من شي‌ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١).

وكصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» (٢).

وكصحيحة إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه‌السلام : «إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٣).

وقويّة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام مثلها (٤). إلى غير ذلك.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٢ الحديث ١٤٥٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ الحديث ١٠٥٢٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٤ الحديث ١٤٢٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٣٧ الحديث ١٠٥٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٣٥٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٩ الحديث ٨٢٠٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠٠٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٢ الحديث ٥٩٨ ، الاستبصار :

١٦٧

قوله : (ومع الشكّ). إلى آخره.

قد عرفت الآن حكم الشكّ في التكبيرة وغيرها من أجزاء الصلاة ، وذكرنا الصحيحتين وغيرهما الدالّتين على ذلك ، وسيجي‌ء في مبحث باقي أجزاء الصلاة أحاديث اخر صحاح ومعتبرة دالّة على الحكم المذكور ، من غير فرق بين الركعتين الأوّلتين أو الأخيرتين ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه معظمهم.

ونقل عن الشيخين القول بوجوب الإعادة في الشكّ في شي‌ء من الركعتين الأولتين ، سواء كان في نفس الركعة أو في أجزائها وكيفيّتها (١) ، لصحيحة الفضل بن عبد الملك قال : قال لي : «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك» (٢).

وصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : عن رجل شكّ في الركعة الاولى ، قال : «يستأنف» (٣).

وحسنة الوشّاء ، عن الرضا عليه‌السلام قال : «الإعادة في الركعتين الأوّلتين والسهو في الركعتين الأخيرتين» (٤).

وصحيحة ابن مسكان ، عن عنبسة بن مصعب ، عن الصادق عليه‌السلام قال له : «إذا شككت في الركعتين الأوّلتين فأعد» (٥).

__________________

١ / ٣٥٨ الحديث ١٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦.

(١) نقل عنهما في تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣١٦ ، لاحظ! المقنعة : ١٤٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٨ ذيل الحديث ٧١٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٧ الحديث ٧٠٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٤ الحديث ١٣٨٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٠ الحديث ١٠٣٨٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٦ الحديث ٧٠٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٠ الحديث ١٠٣٨٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥٠ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٧ الحديث ٧٠٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٤ الحديث ١٣٨٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٠ الحديث ١٠٣٨٤.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٥٠ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٦ الحديث ٧٠١ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٣ الحديث ١٣٧٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٠ الحديث ١٠٣٨٨.

١٦٨

ومثلها قويّة الفضيل (١) ، وما رواه في «الفقيه» عن عامر بن جذاعة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا سلمت الركعتان الأوّلتان سلمت الصلاة» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على وجوب حرز الثنتين.

والجواب عنها أنّه يحتمل إرادة حفظ الركعة عن الشكّ فيها لا في أجزائها ، بخلاف معارضها ، فإنّها صريحة في صحّة الصلاة التي وقع الشكّ في أجزاء ركعتها الاولى والثانية ، مثل صحيحة زرارة السابقة في المقام ، والصّحاح التي مرّت في كون تكبيرة الافتتاح ركنا ، فإنّها صريحة في أنّ الشك في تكبيرة الافتتاح بعد التجاوز عن موضع التكبيرة غير مضرّ ، وباقي المعتبرة المذكورة في غاية الظهور في ذلك.

وفي رواية المعلّى بن خنيس عن الكاظم عليه‌السلام التصريح بأن نسيان السجدة في الركعتين الأوّلتين والأخيرتين سواء في الحكم الشرعي (٣) ، وهو الرجوع للتدارك إن ذكر قبل الركوع ، وإن ذكر بعد الركوع أعاد تلك الصلاة ، وحملت على كون المراد من السجدة ، السجدتين ، أو الأعمّ من الواحدة والثنتين (٤) ، كما هو مقتضى العبارة ، وتكون الإعادة بالنسبة إلى السجدة الواحدة مستحبّة ، كما سيجي‌ء.

وفي رواية محمّد بن منصور قال : سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية [أو شك فيها] فقال : «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرّة [واحدة] وليس

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٧٦ الحديث ٧٠٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٢ الحديث ١٠٣٩٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠١٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٨٨ الحديث ١٠٣٧٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٤ الحديث ٦٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٩ الحديث ١٣٦٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٦ الحديث ٨١٩٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٤ ذيل الحديث ٦٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٩ ذيل الحديث ١٣٦٣.

١٦٩

عليك سهو» (١).

والسند فيهما منجبر بالشهرة ، وسيجي‌ء بقيّة الكلام في موضعها (٢) ، وسيجي‌ء أيضا عدم ضرر سهو الحمد والسورة وذكر الركوع والسجود مطلقا ، مع أنّ «الحمد» والسورة إنّما يكونان في الركعتين الاوليين ومن عمدة أجزائهما ، مع كون ذلك من المسلّمات عند الشيخين في الجملة أو مطلقا (٣) ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك.

ومن التأمّل فيما ذكرنا اتّضح بطلان ما استقربه في «التذكرة» من بطلان الصلاة بتعلّق الشكّ بركن من الأوّلتين ، وقال : لأنّ ترك الركن سهوا مبطل كعمده ، فالشكّ فيه في الحقيقة شكّ في الركعة ، إذ لا فرق بين الشكّ في فعلها وعدمه ، وبين الشكّ في فعلها على وجه الصحّة والبطلان (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٥ الحديث ٦٠٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٠ الحديث ١٣٦٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٦ الحديث ٨١٩٨.

(٢) في (د ١) و (ك) : في مواضعها.

(٣) المقنعة : ١٤٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٨٧ و٨٨.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣١٦.

١٧٠

١٤٦ ـ مفتاح

[أحكام تكبيرة الإحرام]

يجب التلفّظ بها على الوجه المنقول ، قاطعا همزتي الجلالة وأكبر ، بلا خلاف ، فإن لم يتمكّن من اللفظ تعلّم ، فإن تعذّر أو ضاق الوقت أحرم بترجمتها ، والأخرس يأتي بها على قدر الإمكان.

ويستحبّ ترك المدّ زيادة على العادة بين اللام والهاء ، كذا قالوه (١) ، وترك الإعراب في آخرها ، لحديث : «التكبير جزم» (٢) ورفع اليدين بها حذاء وجهه ، للصحاح المستفيضة (٣) ، وأوجبه السيّد والإسكافي (٤) ، لحديث النحر (٥) وغيره من الصحاح (٦) ، ولا يخلو من قوّة ، وكذا في كلّ تكبيرة ، وهو زينة الصلاة والعبوديّة كما في الصحاح (٧) ، ولا يتعلّق بالتكبير بل هو مستحبّ آخر ،

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٨٠ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٣٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٢٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٨ الحديث ٦٩٤٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦ الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح.

(٤) الانتصار : ٤٤ ، نقل عن الإسكافي في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٧٤ و٣٧٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٩ الحديث ٧٢٦٢ ، ٣٠ الحديث ٧٢٦٤ ـ ٧٢٦٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦ الحديث ٧٢٥٠ و٧٢٥١ ، ٢٨ الحديث ٧٢٥٧.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٢٩٧ الحديث ٨٠١١ و٨٠١٢ ، ٢٩٨ الحديث ٨٠١٦.

١٧١

كما يظهر من بعضها (١) ، ويتأكّد للإمام ، كما في الصحيح (٢) ، بل لا يبعد اختصاصه به ، أو به وبالمنفرد.

وأن لا يتجاوز بهما رأسه واذنيه ، للمعتبرة (٣) ، واستقبال القبلة ببطن الكفّين ، للصحيحين (٤) ، والابتداء بالرفع مع ابتدائها والانتهاء بانتهائها ، على المشهور ، والجهر بها على قول (٥) ، والأشهر تخصيصه بالإمام (٦) ، كما يأتي ، واستشعار عظمة الله سبحانه وكبريائه ، واستصغار ما سواه في تلك الحالة ، كما في الخبر (٧) ، وإرادة كونه أكبر من كلّ شي‌ء أو من أن يوصف أو أن يتوهّم ، والثلاثة مرويّة في معناها (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٩ الحديث ٧٢٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٧ الحديث ٧٢٥٦.

(٣) لا حظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣١ الباب ١٠ من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٧ الحديث ٧٢٥٥ ، لم نعثر على صحيحة اخرى في مظانّه.

(٥) لا حظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٦١.

(٦) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١١٥ المسألة ٢١٠ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٦٧ ، كشف اللثام : ٣ / ٤٢٥.

(٧) مصباح الشريعة : ٩٢.

(٨) الكافي : ١ / ١١٧ و١١٨ الحديث ٨ و٩ ، معاني الأخبار : ١١ الحديث ١ ، بحار الأنوار : ٣ / ٣٠٠ الحديث ٣٢ ، ٨١ / ١٣٩ الحديث ٣١ مع اختلاف يسير.

١٧٢

قوله : (يجب التلفّظ بها على الوجه المنقول). إلى آخره.

في «المنتهى» ادّعى الإجماع على ذلك (١) ، موافقا للمرتضى في «الانتصار» (٢).

قال في «المدارك» : لمّا كانت العبادات إنّما تستفاد بتوقيف الشارع وجب اتّباع النقل الوارد ببيانها ، حتّى لو خالف المكلّف ذلك ، كان تشريعا محرّما ولم يخرج عن عهدة الواجب.

ولا شبهة في أنّ المنقول عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو أنّه كبّر باللفظ المخصوص (٣) ، وكذا عن الأئمّة عليهم‌السلام (٤) ، فيجب الاقتصار عليه ، والحكم بعدم انعقاد الصلاة بغيره.

وتتحقّق المخالفة بالزيادة عن اللفظ المخصوص ، وبالإخلال بحرف منه ولو بوصل إحدى الهمزتين ، أمّا همزة «أكبر» فظاهر لأنّها همزة قطع ، وأمّا همزة «الله» وإن كانت همزة وصل عند المحقّقين إلّا أنّ المنقول من صاحب الشرع قطعها ، حيث إنّها في ابتداء الكلام ، لما تقدّم من كون النيّة إرادة قلبيّة لا دخل للّسان فيها.

ومن هنا ينقدح تحريم التلفّظ بها مع الدرج ، لاستلزامه إمّا مخالفة أهل اللغة أو مخالفة أهل الشرع.

وما قيل : من أنّ الآتي بالكلام السابق آت بما لم يعتدّ به فلا يخرجها عن القطع (٥) ، فغير معتدّ به ، إذ المقتضي للسقوط كونها في الدرج ، سواء كان ذلك الكلام

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٢٨.

(٢) الانتصار : ٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ١١ و١٢ الحديث ٧٢١٥ و٧٢١٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٦ الحديث ٩١٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الحديث ٧٠٧٧ ، بحار الأنوار : ٧٩ / ٢٢١ الحديث ٤٢ ، ٨١ / ٣٦١ الحديث ١٢ ، ٣٨٠ الحديث ٣٥.

(٥) جامع المقاصد : ٢ / ٢٣٦.

١٧٣

معتبرا عند الشرع أم لا ، كما هو واضح (١) ، انتهى.

أقول : ما ذكره من لزوم الاقتصار على المنقول من فعل الشارع ، حتّى تتحقّق البراءة اليقينيّة في العبادات التوقيفيّة حق ، إلّا أنّه مخالف لما يقول مكررا من عدم وجوب الاقتصار عليه فيها ما لم يعلم وقوعه منه على وجه الوجوب ، لاحتمال صدوره بعنوان الاستحباب أو أحد أفراد المخيّر.

منها : ما مرّ في صلاة الجمعة وصدورها بالمنصوب من قبله (٢).

ومنها : ما مرّ في الوضوء في مقام استدلال المشهور بفعله على وجوب البدأة في غسل الوجه واليدين بالأعلى (٣) ، وغير ذلك.

لا يقال : لعلّ ما في الجمعة والوضوء وغيرهما ، لم يكن في مقام البيان.

لأنّا نقول : لعلّ المقام أيضا كذلك ، من أيّ دليل ظهر كونه في مقام البيان؟

فإن قلت : لا بدّ من بيان من الشرع ، وفي المقام لم نجد طريقا إلى بيانه ، غير ما نقل عنه.

قلنا : الأمر في الجمعة وغيرها أيضا كذلك.

فإن قلت : إطلاق لفظ «الجمعة» ولفظ «الغسل» وغيرهما يكفي بيانا من الشرع ، فلا حاجة إلى متابعة فعله عليه‌السلام.

قلت : قد عرفت ما في الإطلاق في الجمعة والغسل والوضوء ، ومع ذلك إطلاق لفظ «التكبير» في أخبارهم عليهم‌السلام أزيد من أن يحصى ، فما يعدّ في عرف العرب تكبيرا يكفي ، سيّما مع كون عرفهم الوصل في همزة الوصل ، ومع ذلك «الله

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٣١٩ و٣٢٠ مع اختلاف يسير.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٣٥ و٢٣٦ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٩٥ و٢٩٦ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١٧٤

الأكبر» في عرفهم صحيح قطعا ، بل وأصحّ من «الله أكبر» ، كما أنّ الله أكبر من كلّ شي‌ء ، أو أكبر من أن يوصف وأمثالهما أصحّ ، لعدم الحاجة إلى تقدير أصلا مع الخروج عن إخلال الإجمال.

مع أنّ المنقول عن ابن الجنيد صحّة «الله الأكبر» معرّفا ، وانعقاد الصلاة بها (١) ، ووافقه الشافعي وجماعة من العامّة (٢) ، مع أنّ أبا حنيفة وجماعة منهم جوّزوا «الله الجليل» ، و «الله العظيم» ، و «خدا بزرگتر» بالفارسيّة وغيره من التراجم (٣) ، بل وأن يقال : «لا إله إلّا الله» ، و «سبحان الله» وغير ذلك.

نعم ، نقل عن ابن زهرة ادّعاء الوفاق على ما هو المشهور بين الأصحاب (٤) ، وما ذكره المصنّف هنا موافق للمرتضى والعلّامة (٥).

وأين هذا من الإجماعات المنقولة الكثيرة غاية الكثرة ، الموافقة للفتاوى الخارجة عن حدّ الإحصاء ، والمتعاضدة بالأخبار الكثيرة والأدلّة العقليّة والنقليّة ، على حسب ما عرفت في الجمعة؟

فإن قلت : لم يثبت في الجمعة والوضوء غير أنّ الشارع فعل كذا ، وكان يفعل كذا ، ولم يثبت انحصار فعله في ذلك.

قلت : وكذلك الكلام في المقام.

فإن قلت : لو صدر منه في المقام غير ما ذكر لوصل إلينا.

قلت : فكذلك الحال في الوضوء والجمعة وغيرهما.

__________________

(١) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٥٦.

(٢) الام : ١ / ١٠٠ ، عمدة القاري : ٥ / ٢٦٨ ، مغني المحتاج : ١ / ١٥١.

(٣) بداية المجتهد : ١ / ١٢٥.

(٤) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٢٦٦ ، لاحظ! غنية النزوع : ٧٧.

(٥) الانتصار : ٤٠ ، منتهى المطلب : ٥ / ٢٨.

١٧٥

وبالجملة ، كلّ ما نقول في المقام نقول في الجمعة وغيرها ، وكلّ ما نقول فيها نقول في المقام.

ثمّ اعلم! أنّ الظاهر أنّ التكبيرات السبعة كلّها بالهيئة المذكورة ، لا خصوص تكبيرة الإحرام ، بل تكبيرات الصلاة كلّها كذلك ، بل مرّ أنّ التكبير في الأذان جزم ، ومرّ ما ذكرنا هناك.

فما ذكر في «المدارك» بقوله : وأمّا همزة «الله» فإنّها (١) .. إلى آخره ، فيه ما فيه.

وبالجملة ، الأمر كما ذكر ، من كون التكبير على الوجه المنقول بالوجه الذي ذكرناه ، والظاهر كونه إجماعيّا ، وخروج ابن الجنيد غير مضرّ.

وروى الصدوق في أماليه عن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، فيما أجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النفر من اليهود : «إنّ الله أكبر أعلى الكلمات وأحبّها إلى الله عزوجل ، يعني أنّه ليس شي‌ء أكبر منّي ، لا يفتتح الصلاة إلّا بها لكرامتها على الله عزوجل ، وهو الاسم الأكرم» (٢) ، انتهى.

فممّا ذكر ظهر بطلان الصلاة بالإخلال بحرف منها ولو سهوا ، وكذا زيادة حرف ، وكذا بتغيير أو تبديل ، وكذا زيادة كلمة فيها وإن كانت مناسبة لها ، مثل أن يقول : الله تعالى أكبر ، والله الجليل أكبر ، إلى غير ذلك من أمثاله.

وكذا لو يقول : الله أكبر من كلّ شي‌ء ، أو من أن يوصف ، وإن كان ذلك هو المراد من الله أكبر ، وكذلك الازدياد في أوّلها ، وكذلك لو أخلّ بالموالاة والمتابعة العرفيّة ، بأنّ قال : الله ، ثمّ سكت ، بما ينافي المتابعة العرفيّة ، ثمّ قال : أكبر.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٣١٩.

(٢) أمالي الصدوق : ١٥٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢ الحديث ٧٢١٦ مع اختلاف يسير.

١٧٦

نعم ، لو لم يقدر على المتابعة المذكورة توالى وتتابع كيف ما قدر.

وكذا لا يجوز بالترجمة وما يرادف الألفاظ العربيّة من اللغات الاخر ، على ما أفتى به الأصحاب (١) ، تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، مضافا إلى أنّ «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) ، و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣) ، وغير ذلك ، وإبراز المعاني بالألفاظ المعروفة كان واجبا ، ولو لم يمكن تلك الألفاظ فبألفاظ اخر ، ولا رجحان للغة على لغة أخرى.

فما قيل : من تقديم السريانيّة ثمّ العبرانيّة ثمّ الفارسيّة (٤) لم نعرف مأخذه.

والذي سمعناه أنّ لغة اليهود أقرب إلى لغة العرب من غيرها ، والأقربيّة من المرجّحات.

والظاهر أنّ الاكتفاء بالترجمة ومثلها إنّما يجوز إذا ضاق الوقت ، وإلّا ففي السعة لا بدّ من السعي في تحصيل العربيّة الصحيحة مهما أمكن وتيسّر.

نعم ، لو حصل القطع بأنّه إلى الضيق لا يمكنه أزيد وأولى بالترجمة مثلا جاز في السعة أيضا ، كما اختاره العلّامة في «النهاية» (٥).

ولعلّ مراد باقي الفقهاء أيضا ذلك ، بأنّ حكمهم بكون الجواز في الضيق فقط بناء على تعارف حصول المعرفة بالسعي ، وإن لم تحصل معرفة فمعرفة البعض ، مثل أن يقول : «الله بزرگتر» أو «خدا أكبر» ، والظاهر وجوب تقديم ما ذكر على «خدا بزرگتر» لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وغيره من الأخبار (٦).

__________________

(١) راجع! الحدائق الناضرة : ٨ / ٣١ و٣٢.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧ مع اختلاف يسير.

(٤) نهاية الإحكام : ١ / ٤٥٦.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ٤٥٦.

(٦) لاحظ! عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ و٢٠٦ و٢٠٧.

١٧٧

ولو قدر على ما ذكر وعلى «الله أعظم» مثلا يحتمل ظاهرا وجوب تقديم الثانية على الاولى ، لأنّ «بزرگتر» تفسير للأكبر ، والأعظم مثله من دون تفاوت ، إذ ليس في الفارسيّة مرادف أكبر بخصوصه.

ولو مدّ همزة «الله أكبر» ، وخرجت من المعهود بطلت ، لما عرفت ، سيّما إذا ظهر الاستفهام وقصده ، وكذا لو أشبع أكبر بحيث صار أكبار.

والحاصل ، أنّه لا بدّ من الاقتصار على التكبيرة المعهودة مع القدرة ، ومع العجز لا بدّ ممّا يصدق عليه أنّه تكبيرة ، أو مرادفها مع العجز عمّا يصدق ، على حسب ما عرفت.

ولا بدّ من قصد تكبيرة الافتتاح لا تكبيرة الركوع أو غيرها ، إذ قصد غير تكبيرة الافتتاح منفردا أو منضمّا مبطل للصلاة ، إلّا أن يكون القصد الأصلي والداعي الواقعي هو تكبيرة الافتتاح ، لكن ضمّ به قصد تكبيرة الركوع بالتبع في صورة كون المكلّف جاء مبادرا والإمام راكع ، فإنّه يصحّ ، كما اختاره الشيخ وابن الجنيد (١) ، محتجّا في «الخلاف» بالإجماع ، وروى عن معاوية بن شريح عن الصادق عليه‌السلام : «إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع» (٢) (٣).

مع أنّ الضميمة المذكورة لا تضرّ بتكبيرة الافتتاح على ما عرفت في مبحث الضميمة في النيّة ، في مبحث الوضوء ، وأمّا تحقّق ثواب تكبيرة الركوع فالخبر المذكور يكفي لثبوته لأنّها مستحبّة ـ كما ستعرف ـ مضافا إلى الإجماع المنقول.

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٣١٤ المسألة ٦٣ ، نقل عن ابن الجنيد في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٥٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦٥ الحديث ١٢١٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٤٥ الحديث ١٥٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٧ الحديث ٧٢٣٢.

(٣) الخلاف : ١ / ٣١٤ و٣١٥ المسألة ٦٣.

١٧٨

فما نقل عن العلّامة ومن تبعه من المنع عن التكبيرة المذكورة وعدم صحّة الصلاة بسببها استنادا إلى أنّ الفعل الواحد لا يتّصف بالوجوب والاستحباب لكونهما متضادّين (١) ، فيه ما فيه ، لما عرفت من كونها واجبة جزما لا يجوز تركها أصلا ، إلّا أنّه يحصل بها ثواب المستحبّ أيضا.

وممّا ذكر ظهر صحّة ضمّ الإمام إعلام المأمومين بالدخول في الصلاة ، إلّا أن يقال : قصد الإعلام بالإجهار بالتكبيرة ، أو برفع اليد عندها ، ولذا امر الإمام بإجهارها وإخفات الستّ منها ، لكن الظاهر صحّة ضمّ الإعلام بنفس التكبيرة ، بأن يكون مقصودا بالتبع لا بالذات ، على ما قلنا في بحث الضميمة ، فيصح ضمّ إعلام غير المأمومين أيضا ، لو احتيج إلى إعلامه ، أو تعليم الطفل أو الجاهل.

ومن هذا ورد «أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا كبّر كبّر الحسين عليه‌السلام أيضا لكن لم يحر التكبيرة ، فكبّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يحر الحسين عليه‌السلام حين تكبيره ، ولم يزل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبّر ويعالج الحسين عليه‌السلام التكبير فلم يحر حتّى أكمل سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليه‌السلام في السابعة فصارت سنّة» (٢).

والمراد من «لم يحر الحسين عليه‌السلام» أنّه لم يجاوب ، أي : لم يفصح في المجاوبة إلّا في السابعة ، فتأمّل جدّا!

قوله : (والأخرس). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في تكبيرة الأخرس ، جماعة منهم اكتفوا بالإشارة والإيماء ، منهم الشيخ في «المبسوط» (٣) ، ومنهم من ضمّ إلى الإشارة العقد (٤)

__________________

(١) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٢٦٧ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٥٤ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٧٥.

(٢) علل الشرائع : ٣٣١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٧ ، الحديث ٢٤٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٠ الحديث ٧٢٣٨ مع اختلاف يسير.

(٣) المبسوط : ١ / ١٠٣.

(٤) في (د ٢) : القصد.

١٧٩

بالقلب ، منهم الشيخ في «النهاية» (١).

ومنهم من زاد على الأمرين تحريك اللسان ، منهم العلّامة في «القواعد» (٢) ، وفي «التذكرة» اكتفى بتحريك اللسان والإشارة باليد (٣) ، وفي «النهاية» : حرّك لسانه وأشار بإصبعه أو شفته ولهاته مع العجز عن حركة اللسان (٤) ، إلى غير ذلك.

واحتجّوا على تحريك اللسان بقوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٥) وغيره (٦).

وردّ بأنّ المتبادر أنّ الميسور من المطلوب بالأصالة لا يسقط بالمعسور منه ، وتحريك اللسان وجوبه كان مقدّمة للواجب من النطق (٧).

ويمكن الجواب بأنّ هذا التحريك عرفا ميسور من النطق ، وبناء المستدلّين على هذا ، فتأمّل!

واحتجّوا على الإشارة وتحريك اللسان برواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه» (٨) (٩).

ولعلّ السند منجبر بالشهرة على ما سيجي‌ء في القراءة والتشهّد والتلبية.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٥.

(٢) قواعد الأحكام : ١ / ٣٢.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١١٧ المسألة ٢١١.

(٤) نهاية الإحكام : ١ / ٤٥٥.

(٥) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥.

(٦) جامع المقاصد : ٢ / ٢٣٨ ، روض الجنان : ٢٥٩ ، كشف اللثام : ٣ / ٤٢١.

(٧) ذخيرة المعاد : ٢٦٧.

(٨) الكافي : ٣ / ٣١٥ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٣٦ الحديث ٧٥٥١.

(٩) جامع المقاصد : ٢ / ٢٥٤ ، كشف اللثام : ٣ / ٤٢١ ، الحدائق الناضرة : ٨ / ٣٢.

١٨٠