مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

فأوّلا ، لم يروها غير الصدوق ، والصدوق مع روايتها لم يعمل بظاهرها لما عرفت سابقا ، مضافا إلى أنّ الصدوق بعد ما رواها روى بعدها بلا فصل رواية أبي بصير السابقة الدالّة على كفاية «سبحان الله» ثلاث مرّات (١).

فإن كان الأمر كما ذكرناه من أنّ فتواه الاثنتا عشر فالأمر واضح ، بل ذكر رواية أبي بصير بعدها بلا فصل يؤكّد ويوضّح كون ما ذكره أوّلا هو فتواه ، على حسب ما عرفت.

وإن بني على أنّ كلّ ما رواه في «الفقيه» هو فتواه ويعمل به على حسب ما ذكره في أوّل كتابه (٢) ، فيتعيّن كون فتواه التخيير بين الاثنتي عشر والتسع وثلاث تسبيحات ، وبملاحظة تغيير هيئاتها وأنّه لا معنى للتخيير بين الزائد والناقص يتعيّن كون رأيه مطلق الذكر ، كما اخترناه ، أو حمل الزائد على الثلاث على الاستحباب.

فعلى أيّ تقدير حصل القطع بأنّ فتواه ليس خصوص التسع ، كما نسب إليه في «المدارك» و «الذخيرة» موافقا لـ «المنتهى» (٣) ، وحصل القطع بأنّ مستنده ليس ظاهر رواية التسع ، بل إمّا أنّها ليست مستنده أصلا كما هو الأظهر ، أو على سبيل التأويل والتوجيه للجمع بين الأخبار ، كما اخترناه.

وبملاحظة أنّه رحمه‌الله من عادته العمل بفتاوى أبيه في رسالته إليه وغيرها يظهر أنّ داعي عدوله عن فتوى والده واختياره خلافه شديد ، إذ علمت عدوله جزما.

فظهر أنّ عدوله عن ظاهر هذه الصحيحة لداع شديد عنده ، فلعلّه الداعي إلى ترك الشيخ ذكر هذه الصحيحة في مجموع كتبه ، والكليني في كتابه ، مع أنّ عادة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧٩ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٠ ، لا حظ! منتهى المطلب : ٥ / ٧٦.

٢٦١

الشيخ العمل بروايات «الفقيه» ، وذكرها في كتبه لو لم يمنعه مانع ، فإنّ نسخة «الفقيه» كانت عنده في تأليفاته ، وكثيرا ما أخذ منها ، وكذا الكليني كانت الاصول ميسّرة عنده ينتخب ، ومع ذلك لم يشر إلى هذه الصحيحة ولا مضمونها ، ولو بعنوان «روي».

وبالتأمّل فيما ذكرناه يحصل وهن عظيم في هذه الصحيحة ، سيّما بملاحظة أنّ الظاهر منها حرمة القراءة في الركعتين الأخيرتين مطلقا ، وهذا مخالف لإجماع الشيعة ، كما عرفت ، بل ظهورها شديد ، لتأكّد قوله عليه‌السلام : «لا تقرأنّ» بنون التأكيد ، والتوجيه بأنّ المراد حرمة القراءة باعتقاد كون الموظّف شرعا هو القراءة مع بعدها لا يلائمه ما قال في جواب السائل : «فقل : سبحان الله» .. إلى آخره حين سأل : فما أقول؟. إلى آخره ، بل لم يناسبه سؤاله هكذا أيضا ، بل كان المناسب أن يسأل : فما أصنع؟ وأن يجاب بالتخيير بين القراءة والتسبيح ، أو كون القراءة مقام التسبيح ، كما ورد في أخبار أخر (١).

وحمل النهي المذكور على الكراهة أيضا مشكل ، لعدم قائل بها ، سيّما وأن يكون شديدا ، كما اقتضاه التأكيد ، مع أنّه سيجي‌ء ما به يزيد بعد هذا الحمل غاية البعد فانتظروا.

وأيضا ظاهرها أنّ المأموم ليس عليه قراءة ولا تسبيح أصلا ، وفيه ما ستعرف. هذا مع معارضتها لأخبار كثيرة صحاح ومعتبرة مفتى بها عند الفقهاء.

وممّا يوهنها أيضا أنّ والد الصدوق القائل بالتسع لم يستند إلى هذه الصحيحة ، مع أنّها عين فتواه في كون التسبيح تسعا ، بل استند إلى حديث آخر ، كما صرّح به في «المختلف» (٢).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٦٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٦٩.

(٢) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٦ و١٤٧.

٢٦٢

وهي رواية محمّد بن عمران ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «وصار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله ـ عزوجل ـ فدهش فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله [والله أكبر] ، ولذلك صار التسبيح أفضل من القراءة» (١).

هذا تمام ما استدلّ به ، وغير خفيّ أنّ الطفل الجاهل لا يستدلّ هكذا على مطلبه فكيف مثل هذا الفقيه الجليل ، المحدّث النبيل ، المعاصر للمعصوم عليه‌السلام ، بل السفير له يستدلّ هكذا؟ وهو كون التسبيح تسعا ، بسقوط «الله أكبر» من التسبيحات الأربع المعروفة ، وكونها ثلاث مرّات.

وليس هذا الاستدلال منه إلّا لما ذكرنا من ظهور قاعدة البدليّة عندهم على حسب ما عرفت ، وكون التسبيح بدلا عن الحمد أو العكس على ما عرفت ، وورود التخيير بينه وبين الحمد في غير واحد من الأخبار المفتى بها عند جميع الشيعة ، إلى غير ذلك ممّا ذكرنا في كون التسبيح لا بدّ أن يكون مقدارا يقارب الحمد (٢).

بل يظهر من استدلاله أنّ المقاربة للحمد ، بل كون التسبيحات بأجمعها ثلاث مرّات ، على ما نصّ عليه ابن أبي عقيل ، وغيره ممّن عرفت بعضهم (٣) ، كان مسلّما في ذلك الزمان بينهم ، مفروغا عنه عندهم ، بحيث لم يكونوا يتأمّلون فيه ، ولا يستشكل فيه أحد منهم.

وإنّما الإشكال عندهم في لزوم الاثنتي عشر ، أو كفاية العشرة ، أو كفاية

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٢ الحديث ٩٢٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٣ الحديث ٧٥١١.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٥٦ من هذا الكتاب.

(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٥ و١٤٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٧٦.

٢٦٣

التسعة ، وكأنّ التكرار ثلاث مرّات كان إجماعيّا عندهم ، كما أنّنا الآن نستدلّ بالآيات أو الأخبار أو غيرهما ، مع عدم التماميّة إلّا بضميمة إجماع مركّب أو بسيط ، أو غير ذلك من الامور المسلّمة المفروغ عنها ، من دون إشارة إلى شي‌ء من ذلك أصلا ، بل بناء الاستدلال في الفقه من أوّله إلى آخره على هذا ، إلّا ما ندر لو كان ، كما لا يخفى على المطّلع الخبير.

نعم ، الغافلون من جهة رسوخ هذه الأمور في أذهانهم ربّما يتوهّمون كونها مدلول الآية أو الخبر ، ويقولون هكذا نفهم ، مع عدم دلالة ألفاظ الآية والحديث عليه بوجه من وجوه الدلالة ، بل ربّما لا تكون مناسبة أصلا ، بل ربّما تكون مضادّة ، مثلا الأمر الذي هو حقيقة في الوجوب ربّما يفهمون منه الإباحة ، أو الكراهة ، أو التهديد والحرمة من دون قرينة أصلا في نفس الآية أو الحديث ، إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ممّا لا يحصى.

ومنها الاستدلال الكليني بالأخبار الدالّة على الجبر أو التشبيه أو غيرهما من المفاسد ، على مقصوده من دون إشارة إلى توجيه أصلا (١) ، وكذا غيره من الفقهاء (٢).

وبالجملة ، هذا أيضا ممّا يؤيّد ما ذكرنا من اعتبار المقاربة للحمد ، وعدم الاكتفاء بثلاث تسبيحات أو أربع ، ومنه يحصل وهن آخر في ظواهر الأخبار الظاهرة في الاكتفاء به ، مضافا إلى ما ذكرناه سابقا فلاحظ.

وممّا يوهن الصحيحة أيضا ، أنّ ابن إدريس نقلها في آخر «السرائر» عن كتاب حريز (٣) ولفظة «أو» غير موجود فيها ، وكذا قوله : «تكمله تسع

__________________

(١) لا حظ! الكافي : ١ / ١٥٣ الحديث ٢.

(٢) لا حظ! المحاسن : ١ / ٣١٨ الحديث ٦٣٢.

(٣) مستطرفات السرائر : ٧١ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

٢٦٤

تسبيحات». وعلى هذا الوجه نقلها في «المعتبر» و «المنتهى» من كتاب حريز (١).

وفي «السرائر» و «المنتهى» تتمّة لها ، وهي هذه : «وإن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوّلتين وأنصت لقراءته ، ولا تقولنّ شيئا في الأخيرتين ، فإنّ الله عزوجل يقول (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) يعني في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) (٢) والاخريان تبع الأوّلتين» (٣).

وفي «الفقيه» هذه التتمّة مرويّة أيضا في صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام (٤). وفيه بدل قوله : «لا تقولنّ» «لا تقرأنّ» ، فذكر فيها ثلاث مرّات النهي عن القراءة ، كلّ واحدة مؤكّدة بنون التأكيد ، مرّتان للأخيرتين ومرّة للأولتين ، وعلى نسخة «ولا تقولنّ» تصير المفسدة أشدّ.

ومع ذلك يحتمل أن يكون المراد التسبيحات الأربع ثلاث مرّات جمعا بين الأخبار ، بأن يكون المراد ممّا ذكر هو التسبيحات الأربع ، ترك «الله أكبر» مسامحة ، كما سيجي‌ء نظيره في ذكر الركوع والسجود ، أو يكون ترك سهوا من الكاتب ، أو حال الكتابة ، وأنّ قوله : «تكمله تسع تسبيحات» من بعض الرواة على حسب فهمه.

مع أنّ قوله عليه‌السلام : «فإنّ الله». إلى آخره شاهد على إرادة الجهريّة خاصّة ، مع أنّ النهي عن القراءة مطلق فيها ، وهذا أيضا حزازة اخرى ، فتأمّل!

وبالجملة ، هذه الصحيحة مع جميع ما عرفت ممّا هو فيها كيف تكون حجّة ، حتّى تجعل معارضة لأدلّة كثيرة وصحاح غير عديدة؟ سيّما وأن تغلب عليها ، كما

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ١٨٨ ، منتهى المطلب : ٥ / ٧٧.

(٢) الأعراف (٧) : ٢٠٤.

(٣) مستطرفات السرائر : ٧١ الحديث ٢ ، منتهى المطلب : ٥ / ٧٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٦٠.

٢٦٥

اختاره بعض المتأخّرين وجعلها أصحّ ما ورد سندا ومتنا ودلالة ، فجعل الاثنتي عشر خلاف الاحتياط (١) ، وفيه ما عرفت.

وأمّا رواية محمّد بن عمران التي تمسّك بها والد الصدوق ، ففي «الفقيه» رواها كما رواها ، بزيادة لفظ «الله أكبر» في آخر التسبيحات الأربع بعينها من دون نقص (٢).

مع أنّه رحمه‌الله في كتابه «العلل» أيضا نقل هذه الرواية ، وفيها أيضا لفظ «الله أكبر» موجود ، إذ فيها : «فدهش وقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ولذلك [العلّة] صار التسبيح أفضل [من القراءة]» (٣).

مع أنّ مقام الدهشة الذي جعل علّة للتسبيح في الأخيرتين لا خصوصيّة له بالتسبيحات الثلاث دون «الله أكبر» حتّى يسقط في ذلك ، بل «الله أكبر» أنسب من البواقي ، سيّما من «الحمد لله» لأنّ الدهشة من ملاحظة العظمة ، والتكبير أنسب إليها البتّة.

ثمّ إنّه بضميمة ما ذكرنا لوالده تتميما لدليله (٤) تصير هذه الرواية دليلا آخر على الاثنتي عشر ، كما اختاره في «الفقيه» ، ولذا ما توجّه إلى توجيهه لها أصلا ، حين استدلّ بها على أفضليّة التسبيح.

وهذا أيضا ينادي بأنّ التسع لم يكن مذهبه ، وأنّ النسخة النادرة كانت اجتهادا فاسدا ، كما أنّ ما ذكرناه سابقا ينادي أيضا بذلك ، وأنّ مذهبه الاثنتا عشر على الأظهر ، أو مطلق الذكر ، فتدبّر.

وربّما يظهر منها انصراف لفظ التسبيح مطلقا إلى التسبيحات الأربع فتأمّل!

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨٢ / ٨٩ ، الحدائق الناضرة : ٨ / ٤١٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٢ الحديث ٩٢٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٣ الحديث ٧٥١١.

(٣) علل الشرائع : ٣٢٢ الحديث ١.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٥٢ من هذا الكتاب.

٢٦٦

بل بملاحظة ما ذكرناه احتمل أنّ والد الصدوق كان قائلا بالاثنتي عشر. واستدلّ بهذه الرواية على مذهبه ، كما فعله ابنه ، واحتمل أنّ بسقوط لفظ «الله أكبر» من كلامه نسب إليه القول بالتسع ، وعرفت ما فيه ، وأنّ في مستنده لفظ «الله أكبر» موجود البتّة ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة ، بملاحظة جميع ما ذكرنا لا يبقى تأمّل في كون الأولى والأحوط اختيار الاثنتي عشر ، بجعل التسبيحات الأربع ثلاث مرّات ، كما نقلناه عن القدماء ، بل المتأخّرين أيضا ، على حسب ما عرفت (١) ، وكما اختاره الرضا عليه‌السلام في صلاته في سفر خراسان ، على ما رواه رجاء بن أبي الضحّاك (٢).

والرواية طويلة ، كلّها على وفق الحقّ والصواب ، واستند إليها الأصحاب ، كما ستعرف ، مضافا إلى ما ذكرناه فيما سبق في المجلّد الأوّل من هذا الشرح وغيره (٣).

مع أنّ بالأربع كيف يمكن للمسبوق أن يقرأ تشهّد نفسه ثمّ يلحق الإمام ، ويدرك التسبيح أو الحمد ثمّ يلحق الإمام في ركوعه؟

هذا ، مضافا إلى ما في «الفقه الرضوي» وغيره (٤) ، ممّا مرّ سابقا وذكر في المقام ، مضافا إلى كونها أقرب إلى مقدار الحمد من العشرة والتسع.

قيل : والأحوط ضمّ الاستغفار أيضا (٥) ، لما مرّ في صحيحة عبيد بن زرارة (٦) ، مضافا إلى ما قال في «المنتهى» : والأقرب عدم وجوب الاستغفار (٧).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٥٣ و٢٥٤ من هذا الكتاب.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٩٦ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١١٠ الحديث ٧٤٧٤.

(٣) راجع! الصفحة : ١٣٣ و٥٠١ و٥٣٣ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ٢٠٢ الحديث ٤٤٩٢.

(٥) الحبل المتين : ٢٣١ ، بحار الأنوار : ٨٢ / ٩٠.

(٦) راجع! الصفحة : ٢٥٥ و٢٥٦ من هذا الكتاب.

(٧) منتهى المطلب : ٥ / ٧٨.

٢٦٧

وقيل : وهو مشعر بوجود القول بوجوبه (١).

واعلم! أنّه لم نجد للقائل بالعشر مستندا ، مع كون المذكور منه أكثر عددا من القائل بقول آخر ، إلّا أنّ الشيخ مفلح بعد ما ذكر الأقوال قال : مستند الكلّ الروايات (٢) ، وربّما قيل : مستندهم الجمع بين ما دلّ على التسع ، وما دلّ على التسبيحات الأربع مرّة (٣) ، وفيه ما فيه.

قوله : (والقول). إلى آخره.

المشهور عدم الفرق بين ناسي القراءة في الأوليين وغيره في التخيير المذكور ، وعن «المبسوط» : أولويّة القراءة حينئذ (٤).

وعن «الخلاف» : إن نسي القراءة في الاوليين قرأ في الأخيرتين (٥) ، وربّما يظهر منه الوجوب ، إلّا أنّك عرفت قول الشيخ بأنّ الوجوب عندنا على ضربين ، ضرب على تاركه العتاب (٦).

ودليل المشهور العمومات (٧) ، وخصوص صحيحة معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يسهو عن القراءة في الاوليين فيذكر في الأخيرتين ، قال : «أتمّ الركوع والسجود؟» قلت : نعم ، قال : «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» (٨).

__________________

(١) الحبل المتين : ٢٣١.

(٢) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١٥٢.

(٣) بحار الأنوار : ٨٢ / ٩٠.

(٤) المبسوط : ١ / ١٠٦.

(٥) الخلاف : ١ / ٣٤١ المسألة ٩٣.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ذيل الحديث ١٣٢.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٩٢ الباب ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٨) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٦ الحديث ٥٧١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩٢ الحديث ٧٤٢٨ مع اختلاف.

٢٦٨

واجيب عن الأوّل بأنّ عموم ما دلّ على اشتراط القراءة يعارضها. وعن الثاني باحتمال إرادة قراءة الحمد وسورة معا (١).

وفيهما نظر ، لأنّ القراءة اشتراطها في حال العمد خاصّة ، كما سبق ، فمن تركها متعمّدا فلا صلاة له ، وفي المقام تركت سهوا ، والأخيرتين ليس فيهما قراءة ، والقراءة فيهما بدل التسبيح ، كما عرفت مشروحا ، وأيّ فرق بينهما وبين الركوع والقنوت وغيرهما؟

سلّمنا أن يكون فيهما قراءة ، بحيث يكون تاركها فيهما أيضا داخلا في عموم قولهم عليهم‌السلام : «من تركها متعمّدا فعليه إعادة الصلاة» (٢). مع غاية ظهور عدم الدخول ، لما ذكر ، وللتنافي بين التخيير الثابت من الإجماع والأخبار وبين كون ترك القراءة متعمّدا موجبا للبطلان ، لكن بعد تسليم خلاف هذا الظاهر نقول : التعارض من باب العموم من وجه كلّ منهما يصلح أن يكون مخصّصا للآخر والأصل وفتاوى الأصحاب ، ووهن عموم الاشتراط بخروج حال العمد منهما (٣) في الأكثر ـ لو لم نقل كلّها ـ يرجّح المشهور ، بل عرفت عدم ظهور قائل بالوجوب.

فإن قلت : استدلاله بقوله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٤) دليل على قوله بالوجوب.

قلت : ليس كذلك ، لأنّه في «المبسوط» قال : إن نسي القراءة في الاوليين لم يبطل تخييره ، وإنّما الأولى له القراءة لئلّا تخلو الصلاة من القراءة (٥).

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٧٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الباب ٢٧ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) في (د ١ ، ٢) و (ك) : فيهما.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٦ الحديث ٢ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٣٦٥.

(٥) المبسوط : ١ / ١٠٦.

٢٦٩

وأمّا جوابه عن الثاني ففساده ظاهر ، لأنّ سؤاله عليه‌السلام عن إتمام الركوع والسجود (١) إنّما يكون لأجل الحكم بصحّة صلاته موافقا لما ظهر من أخبار أخر من أنّ الركن والفريضة الإلهيّة إنّما هو الركوع والسجود ، وأمّا القراءة فسنّة نبويّة تركها عمدا مضرّ لا سهوا وهذا الرجل تركها سهوا ، فلا يضرّ بعد إتمام الركوع والسجود ، فتصح صلاته.

ولا تجب القراءة في الأخيرتين اللتين هما سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي ليس فيها قراءة.

وإنّي أكره أن أجعل السنّة النبويّة التي لا قراءة فيها أصلا ، هو الفرض الإلهي بإيجاب القراءة فيها.

مع أنّه لو كان وقت القراءة باقيا وتداركها ميسّرا لكان السؤال عن إتمام الركوع والسجود لغوا مستدركا.

والسائل لم يكن يدري ما ذا يصنع ، ولذا سأل ، فلو كان الواجب عليه خصوص الحمد لا السورة ، كان اللازم في مقام الجواب أن يجاب كذلك ، لا أن يسأل : هل أتمّ الركوع والسجود أم لا؟ ثمّ يرتّب على إتمامها عدم وجوب القراءة ، سيّما بقوله عليه‌السلام : «أكره». إلى آخره.

ومن المقطوع أنّه لم يرتّب عليهما وجوب القراءة في الحمد وعدم الوجوب في السورة.

مع أنّ آخر الصلاة ، كما لم يجب فيه السورة كذلك لم يجب الحمد ، كما عرفت من أخبار كثيرة أنّ فرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس فيه قراءة أصلا (٢) ، للفرق بينه وبين

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٩٢ الحديث ٧٤٢٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٧٢ الحديث ٢ و٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٢٨ الحديث ٦٠٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٤.

٢٧٠

الفرض الإلهيّ ، لا أنّه يجب فيه الحمد مثل الفرض الإلهيّ إلّا أنّه لا يجب فيه خصوص السورة ، بل المنفي في الأخبار مطلق القراءة ، كما أنّ المنفي في الفتاوى والإجماع وجوب مطلق القراءة على التعيين.

ومعلوم أنّ محلّ النزاع نفي الوجوب العينيّ لا التخييريّ لو كان نزاع ، مع أنّ المذكور في هذه الصحيحة لفظ «القراءة» كسائر الأخبار ، لا خصوص الحمد.

وبالجملة ، الوجوب العيني إنّما هو في أوّل الصلاة لا آخرها ، فإذا جعل في آخرها جعل آخر الصلاة أوّلها ، سيّما مع كون المذكور لفظ «القراءة» من حيث هي هي.

واحتجّ أيضا لوجوب القراءة برواية الحسين بن حمّاد ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : أسهو عن القراءة في الركعة الاولى ، قال : «اقرأ في الثانية» ، قلت : أسهو في الثانية ، قال : «اقرأ في الثالثة» قلت : أسهو في صلاتي كلّها ، قال : «إذا حفظت الركوع والسجود تمّت صلاتك» (١).

وهذه الرواية ضعيفة غير منجبرة ، لعدم ظهور قائل بها فضلا عن الشهرة ، مضافا إلى أنّ الظاهر منها تدارك القراءة المنسيّة ولم يقل به أحد منّا ، ولم ينسب إليه أيضا.

ولو كان المراد في الثالثة والرابعة بعض القراءة ، وهو خصوص الحمد لكان اللازم تنبيه الراوي به والتصريح ، فلا يكون حجّة ، فضلا أن يقاوم الحجج ، بل ويغلب عليها ، سيّما وظاهرها موافق رأي العامّة.

نعم ، في مقام الاستحباب لا بأس بالتأويل والعمل ، لأنّ فيه نوع احتياط وخروج عن شبهة ، وإن كانت ضعيفة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٨ الحديث ٥٧٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩٣ الحديث ٧٤٣٥.

٢٧١

أقول : وممّا يدلّ أيضا على المشهور موثّقة أبي بصير كالصحيحة ـ بل هي صحيحة عندي ، لأنّ سماعة من الثقات الأجلّة عندي (١) ، مع أنّ الشهرة تجبر السند لو كان ضعيفا ـ قال : «إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود ، وإن كانت الغداة فنسي أن يقرأ فيها فليمض في صلاته» (٢).

وقويّة سماعة قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : «فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّه هو السميع العليم ، ثمّ ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات ، فإذا ركع أجزأه إن شاء الله» (٣).

ورواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل نسي أمّ القرآن [قال] : «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» (٤).

قوله : (وفي أفضليّة). إلى آخره.

اختلف الأصحاب فيما ذكره ، فظاهر الصدوق أفضليّة التسبيح مطلقا (٥) كما عرفت ، وهو منسوب إلى ابن أبي عقيل وابن إدريس (٦) ، وعن ظاهر الشيخ في أكثر كتبه المساواة (٧) ، وعن ظاهر الاستبصار أفضليّة القراءة للإمام والتخيير للمنفرد (٨).

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ١٧٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٦ الحديث ٥٧٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩١ الحديث ٧٤٢٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٧ الحديث ٥٧٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٨٩ الحديث ٧٤٢٠ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٤٧ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٨٨ الحديث ٧٤١٩.

(٥) الهداية : ١٣٥.

(٦) نقل عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٨ ، السرائر : ١ / ٢٣٠.

(٧) المبسوط : ١ / ١٠٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٧٦ ، الرسائل العشر : ١٨١.

(٨) الاستبصار : ١ / ٣٢٢ ذيل الحديث ١٢٠١.

٢٧٢

وعن ابن الجنيد أنّه يستحبّ للإمام التسبيح إذا تيقّن عدم مسبوق ، وإن تيقّن وجود المسبوق أو جوّزه قرأ ، ليكون ابتداء الصلاة للداخل بقراءة يقرأ فيها ، والمنفرد يجزيه مهما فعل (١).

وفي «المنتهى» : الأفضل للإمام القراءة وللمأموم التسبيح (٢) ، وعن «التذكرة» : أنّه قويّ (٣).

حجّة القول بأفضليّة التسبيح مطلقا الأخبار الدالّة على أنّ الأخيرتين ليس فيهما قراءة (٤) ، بل إنّما هو تسبيح وتحميد ودعاء.

وما دلّ على أنّه لا يقرأ فيهما بصيغة النفي ، وأنّه إنّما يقرأ في الركعتين الاوليين ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنّما هو تسبيح وتحميد وتهليل ودعاء.

وما تضمّن الأمر بالتسبيح (٥) ، وما دلّ على أنّ الأصل فيهما هو التسبيح ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبّح حين دهش ، فلذلك صار التسبيح أفضل (٦) ، وقد مرّ ذكرها في بحث قدر التسبيح وهيئته في صدر المبحث ، في كون التسبيح مطلوبا تخييريّا ، مع أنّها صحاح ومعتبرة ، ومرّ أيضا ما دلّ على النهي عن القراءة (٧) ، ولا أقلّ من الحمل على طلب ترك القراءة ، إلى غير ذلك ممّا هو في غاية الكثرة.

منها ما ورد من أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقرأ في الاوليين من الظهر سرّا

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٨ و١٤٩.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٧٥.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٤٥ المسألة ٢٢٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩ ، ١٢٣ الحديث ٧٥١٠.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٢ الحديث ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٢٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٣ الحديث ٧٥١١.

(٧) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٢ و٧٥١٣.

٢٧٣

ويسبّح في الأخيرتين منها على نحو من صلاته العشاء (١).

بل ظهر من الأخبار أفضليّة التسبيح بالنسبة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إماما (٢).

وما ورد من أنّ القراءة في الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين الفرض من الله ومن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

ومرّ أيضا صحيحة عبيد بن زرارة ، حيث أمر فيها بالتسبيح والتحميد والاستغفار ، وقال عليه‌السلام : «وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء» (٤). فلا حظ أمثال هذه الروايات.

وحجّة القول بأفضليّة القراءة للإمام صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» (٥).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : «الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبّح ، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح» (٦).

وصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : «يجزيك التسبيح في الأخيرتين».

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٧ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٥ الحديث ٧٥١٧ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٣ الحديث ٧٥١١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٢ الحديث ٩٢٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٦٧.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٩ الحديث ٣٧١ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٢٠٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٦ الحديث ٧٥١٩.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٤ الحديث ١١٨٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٦٨.

٢٧٤

قلت : أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : «أقرأ فاتحة الكتاب» (١).

ورواية جميل عن الصادق عليه‌السلام : عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة ، فقال : «بفاتحة الكتاب ، ولا يقرأ الذي خلفه ، ويقرأ الرجل إذا صلّى وحده فيهما بفاتحة الكتاب» (٢).

وهذه الروايات كما دلّت على كون الإمام مأمورا بالقراءة دلّت على منع المأموم عنها ، وبعد الإجماع على عدم الوجوب والحرمة والرجوع إلى الأفضلية يرجع إلى مختار «المنتهى» و «التذكرة» (٣).

وحجّة القول بالمساواة موثّقة ابن بكير ، عن علي بن حنظلة ، عن الصادق عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ قال : «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء» ، قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ قال : «هما والله سواء وإن شئت سبّحت ، وإن شئت قرأت» (٤).

وليس في سندها من يتوقّف فيه سوى الحسن بن علي بن فضّال ، وهو موثّق كالصحيح لو لم نقل بكونه ثقة ، مع كونه ممّن أجمعت العصابة على قول (٥) ، وابن بكير في غاية الوثاقة والجلالة ، وممّن أجمعت العصابة (٦) ، وإن كان المشهور كونه موثّقا كالصحيح.

فلا يضرّ مجهوليّة ابن حنظلة ، مع أنّه ورد أفضليّة القراءة مطلقا في رواية

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٥ الحديث ١٢٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٦ الحديث ٧٥٢٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٥ الحديث ١١٨٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٧٠.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٧٥ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٤٥ المسألة ٢٢٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٦٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٨ الحديث ٧٤٦٩.

(٥) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٦) رجال الكشي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

٢٧٥

محمّد بن الحكيم ، عن الكاظم عليه‌السلام (١) ، كما ورد أفضليّة التسبيح مطلقا وقد مرّ (٢) ، لكن ما دلّ على أفضليّة التسبيح أكثر وأكثر بمراتب ، وأشهر وأوفق بطريقة الخاصّة وأبعد عن العامّة ، لأنّ الشافعي وأحمد يوجبان القراءة (٣) ، وكذا مالك في ثلاث ركعات من الرباعيّة ، وأبا حنيفة خيّر بين الحمد والتسبيح وجوّز السكوت (٤).

والظاهر عدم الإشكال في المنفرد وإنّما الإشكال في الإمام والمأموم ، وقد عرفت الصحاح الدالّة على أنّ الإمام يقرأ والمأموم لا يقرأ بل يسبّح (٥) ، ومرّ في السابق الأخبار الصريحة الدالّة على أنّ الإمام يسبّح ، بل المأموم أيضا (٦).

ومنها فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام موافقا لفعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) ، وما أوردنا على صحيحة زرارة الصريحة في ذلك (٨) بأنّ ظاهرها الوجوب وحرمة القراءة مشترك الورود ، مع أنّها أبعد من مذهب العامّة يقينا مع تأكيد الدلالة ، مثل قوله عليه‌السلام : «إنّما جعل القراءة في الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرض الله وما فرض رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٩).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٨ الحديث ٣٧٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٢٠١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٥ الحديث ٧٥١٨.

(٢) أنظر! وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) الام : ١ / ١٠٧ ، المغني لابن قدامة : ١ / ٢٨٣.

(٤) لاحظ! بدائع الصنائع : ١ / ١١١.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٧٤ و٢٧٥ من هذا الكتاب.

(٦) راجع! الصفحة : ٢٧٣ و٢٧٤ من هذا الكتاب.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٧ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٥ الحديث ٧٥١٧.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

(٩) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٢ الحديث ٩٢٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٤ الحديث ٧٥١٢ مع اختلاف يسير.

٢٧٦

وما ورد في صحاح كثيرة ـ غاية الكثرة ـ أنّه «لا يقرأ فيهما» (١) ، بل في بعضها : «لا تقرأ إماما كنت أو غير إمام» (٢) وأنّه «تسبيح» (٣) وأمثال ذلك ، ذكرنا بعضها.

ويدلّ أيضا على كون التسبيح أفضل للإمام ، رواية أبي خديجة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا «الحمد» وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» (٤).

ثمّ اعلم! أنّ الأخبار المذكورة وأمثالها ظاهرة الدلالة في كون التسبيح بمقدار الحمد أو ما يقاربه ، كما لا يخفى على المتأمّل الفطن (٥).

ونقل عن بعض المتأخّرين أفضليّة القراءة مطلقا (٦) ، ولا يخفى فساده.

وفي «الاحتجاج» في جملة التوقيعات من الناحية المقدّسة إلى الحميري حينما سأل أنّ الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي : أنّ قراءة الحمد [وحدها] أفضل ، وبعض يروي : أنّ التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟ فالجواب : «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب [في هاتين الركعتين] التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه‌السلام : على كلّ صلاة لا قراءة فيها فهي

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الباب ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٦ الحديث ١١٥٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٢ الحديث ٧٥٠٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٩ الحديث ٧٤٧٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٧٥ الحديث ٨٠٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٦ الحديث ٧٥٢١ مع اختلاف يسير

(٥) في (د ١) و (ك) : المتفطن.

(٦) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢١٠.

٢٧٧

خداج» (١) الحديث.

وهذه على تقدير الصحّة محمولة على التقيّة قطعا ، لأنّ العالم هنا هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعا ، لأنّ القول المذكور مشهور معروف أنّه منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّه لا يصير ناسخا قطعا لعدم المنافاة.

بل ربّما كان فيه تعريض على عدم مناسبة أمثال هذه الأسئلة في المكتوب ، إذ ربّما يقع بيد العدوّ فيقتل أو يضرّ ، وإلّا فالأخبار من الأئمّة عليهم‌السلام متواترة في التخيير (٢) ، بل ترجيح التسبيح وكونه الأصل مع كونه إجماعيّا بل ضروريّ مذهب الشيعة ، والنسخ في زمان القائم عليه‌السلام محال ، مع وقوع الإجماع والضرورة في بقاء الحكم المذكور إلى الآن ، بل إلى يوم القيامة.

وممّا ذكر ظهر فساد قول المصنّف : (ولكلّ من.) إلى آخره ، إذ ما دلّ على أفضليّة التسبيح مطلقا بعنوان الصراحة أو ظهور الدلالة مع نهاية تأكيدها لا يحصى كثرة ، أشرنا إلى بعض منها ، والبواقي مذكورة في كتب الأخبار ، في أبواب متعدّدة فتتبّع مظانّها.

نعم ، في «المدارك» لم يذكرها ، ولا حظ «الذخيرة» فإنّه ذكر كثيرا منها ، وأشار إلى كثير منها (٣).

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٤٩١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٢٧ الحديث ٧٥٢٢ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الباب ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٧٠.

٢٧٨

١٥٢ ـ مفتاح

[استحباب قراءة السورة]

يستحبّ قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الثنائيّة واوليي الثلاثيّة والرباعيّة من الفرائض ، مع السعة والاختيار وإمكان التعليم ، استحبابا مؤكّدا ، وفاقا للإسكافي (١) والديلمي (٢) والمحقّق (٣) والشيخ في أحد قوليه (٤) ، للمعتبرة المستفيضة (٥).

والآخرون على وجوبها (٦) ، لأخبار (٧) لا دلالة فيها على ذلك صريحا ، مع معارضتها الأصل والصحاح المستفيضة الدالّة على جواز التبعيض (٨) ، فإنّ

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٢.

(٢) المراسم : ٦٩ و٧٠.

(٣) المعتبر : ٢ / ١٧٣.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩ الحديث ٧٢٨٦ ، ٤٠ الحديث ٧٢٨٨ ، ٤٤ الحديث ٧٢٩٧ ، ٤٥ الحديث ٧٢٩٩ و٧٣٠٠ ، ٤٦ الحديث ٧٣٠١.

(٦) الخلاف : ١ / ٣٣٥ المسألة ٨٦ ، السرائر : ١ / ٢١٩ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٢ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٨ / ١١٥.

(٧) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠ الحديث ٧٢٨٧ و٧٢٩٠ ، ٤٣ الحديث ٧٢٩٥ ، ٥٨ الحديث ٧٣٤١ ، ١١٠ الحديث ٧٤٧٥.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٤ الحديث ٧٢٩٧ ـ ٧٣٠٠ ، ٤٦ الحديث ٧٣٠١.

٢٧٩

إجزاء بعض السورة يستلزم عدم وجوبها ، لعدم قائل بالفصل ، كما صرّح به في «المختلف» (١) ، وفي الصحيح «أنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها وتجزئ في الفريضة» (٢) وهو نصّ في المطلوب.

أمّا النافلة وحال الضرورة وعدم إمكان التعلّم فلا يجب قولا واحدا ، كما في الروايات (٣).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ١٤٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩ الحديث ٧٢٨٦ ، ٤٠ الحديث ٧٢٨٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩ الباب ٢ / ٤٢ الباب ٣ ، ١٣٠ الباب ٥٥ من أبواب القراءة في الصلاة.

٢٨٠