مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

١٥٠ ـ مفتاح

[أحكام القراءة]

تجب قراءتها أجمع عربيّة على الوجه المنقول بالتواتر ، مخرجا للحروف من مخارجها ، مراعيا للموالاة العرفيّة ، آتيا بالبسملة ، لأنّها آية منها بإجماعنا وأكثر أهل العلم (١) ، وللصحاح المستفيضة (٢) ، وما ينافيه (٣) فمحمول على التقيّة (٤) كما يشعر به الخبر (٥).

ومن لا يحسنها تعلّم ، فإن تعذّر أو ضاق الوقت ائتمّ إن أمكنه ، أو قرأ في المصحف إن أحسنه ، وإلّا قرأ ما تيسّر منها ، إجماعا ، فإن تعذّر قرأ ما تيسّر من غيرها ، وإن تعذّر هلّل الله وكبّره وسبّحه ، للصحيح (٦).

والأخرس يأتي بالممكن ، ولا يجب عليه الائتمام (٧).

__________________

(١) بداية المجتهد : ١ / ١٢٦ ، المغني لابن قدامة : ١ / ٢٨٦ ، المجموع للنووي : ٣ / ٣٣٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٧ الباب ١١ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٦٢ الحديث ٧٣٥٢.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٤٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٦٠ الحديث ٧٣٤٨.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢ الحديث ٧٢٩٢.

(٧) إنّما لا يجب الائتمام على الأخرس دون من أمكنه التعلّم وضاق الوقت ، لأنّ القراءة الصحيحة ساقطة عن

٢٢١

وفي وجوب قراءتها عن ظهر القلب في الفريضة على القادر على الحفظ وجهان ، والخبر (١) مؤيّد للعدم.

وفي كراهة قول «آمّين» في آخرها لغير تقيّة ، أم تحريمها بدون الإبطال أو معه أقوال (٢) ، أصحّها الأوّل ، وفاقا للإسكافي (٣) والمحقّق (٤) ، للنهي عنه في الحسن (٥) ، مع أصالة الجواز وكونه دعاء.

__________________

الأخرس ، فلا يجب بدله بخلاف الآخر ، فإنّ الإصلاح له ممكن وذلك بدله فافهم «منه رحمه‌الله».

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الحديث ٧٤٦٥.

(٢) لا حظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٣٧١ و٣٧٢.

(٣) نقل عنه في الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٤.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٨٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٦٧ الحديث ٧٣٦٢.

٢٢٢

قوله : (تجب قراءتها أجمع عربية). إلى آخره.

أجمع الأصحاب وأكثر العامّة على عدم جواز الترجمة مع القدرة على العربيّة ، سوى أبي حنيفة منهم (١).

دليلنا التبادر من لفظ «فاتحة الكتاب» وأمّ القرآن ونحوهما ، بل يصحّ سلب الفاتحة ونحوه عن الترجمة ، وأنّه يقال : ترجمة الحمد وترجمة الفاتحة ونحوها بلا تأمّل!

هذا ، مضافا إلى الإجماع اليقيني ، فإنّه ممّا يعمّ به البلوى وتشتدّ إليه الحاجة ، وتكثر غاية الكثرة.

وغير العرب من أمّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفرس والحبشة والنوبة والإفرنج والترك وغيرهم ممّا لا يحصى صنفهم فضلا عن شخصهم ، وهم ما كانوا يعرفون العربيّة ، فضلا عن خصوص القرآن ، فضلا عن الحمد والسورة ، وربّما كان يصعب عليهم التعلّم ، فلو كان الأمر كما يقول أبو حنيفة لاشتهر اشتهار الشمس بلا شبهة ، تعرفه المخدّرات فضلا عن غيرهم ، مع أنّ الأمر صار بالعكس عملا وفتوى ، حتّى أنّ أهل السنّة جعلوا ذلك من شنائع أبي حنيفة ومفسدات رأيه ، ولذا رجع سلطان محمود عن مذهبه إلى الشافعيّة بعد اطلاعه عليه وعلى أمثاله منه (٢).

وفي «المنتهى» : أنّ عدم إجزاء الترجمة والمرادف مذهب أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

مع أنّ التأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام يقتضي ذلك ، وكذلك تحصيل البراءة اليقينيّة.

__________________

(١) المغني لابن قدامة : ١ / ٢٨٨ الفصل ٦٧٣.

(٢) وفيات الأعيان : ٥ / ١٨٠ و١٨١ ، سير أعلام النبلاء : ١٧ / ٤٨٦ و٤٨٧.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٦٥.

٢٢٣

ومن هذا يظهر وجوب الاقتصار على المنقول المتواتر ، يعني ما كان متداولا بين المسلمين في زمان الأئمّة عليهم‌السلام ، وكانوا يقرّون عليه ولا يحكمون ببطلانه بل يصحّحون ، وإلّا فالقرآن عندنا نزل بحرف واحد من عند الواحد جلّ جلاله ، والاختلاف جاء من قبل الرواة ، بل ربّما كانوا عليهم‌السلام في بعض المواضع لا يرضون بقراءة ما هو الحق ، وما هو في الواقع ، ويقولون : إنّ قراءته مخصوصة بزمان ظهور القائم عليه‌السلام.

وأيضا ليس كلّ إعراب يوافق قانون العربيّة صحيحا بل لا بدّ من كونه من القراءات المتواترة التي أجمع علماؤنا على صحّة القراءة بها.

وحكي عن جماعة من الأصحاب دعوى تواتر القراءات السبع (١). وأمّا الثلاثة الباقية وهي تمام العشر ، فحكى في «الذكرى» عن بعض الأصحاب المنع منه ، ثمّ رجّح الجواز ، لثبوت تواترها كتواتر السبع (٢).

وعن المدقّق الشيخ علي : إنّ هذا لا يقصر من ثبوت الإجماع بخبر الواحد (٣).

ولا يخفى أنّ العبرة بإجماع فقهائنا على صحّة قراءته أو ثبوت تداولها في زمان الأئمّة عليهم‌السلام ، كما قلنا.

وما وجّه بعض الأصحاب بأنّ المتواتر لا يخرج عن قراءة السبعة أو العشرة ، لا أنّ كلّ واحد منها متواتر (٤) لا ينفع ولا يرفع الإشكال ، إن لم يزده.

__________________

(١) حكى عنهم في ذخيرة المعاد : ٢٧٣ ، لا حظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٠٥ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٤٥ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٨ ، تفسير الصافي : ١ / ٦٢.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٠٥.

(٣) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٨ ، لا حظ! جامع المقاصد : ٢ / ٢٤٦.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٧٣.

٢٢٤

قال الطبرسي في تفسيره الكبير : الظاهر من مذهب الإماميّة أنّهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء بينهم من القراءات ، إلّا أنّهم اختاروا القراءة بما جاز بين القرّاء ، وكرهوا بمجرّد قراءة منفردة (١) ، انتهى.

والأحوط بل الأولى ترك القراءات الثلاثة التي تمام العشرة ، واختيار السبعة ، بل اختيار ما هو المتداول بينهم ، لا ما تفرّد بعض منهم ، إلّا أن يكون إجماع أو نصّ عليه أو على صحّته ، وقد نقلوا الإجماع على صحّة السبعة ، ومع ذلك الأولى اختيار المتداول مهما تيسّر.

قال في «المنتهى» : وأحبّ القراءات إليّ قراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عيّاش ، وطريق أبي عمرو بن العلاء ، فإنّها أولى من قراءة حمزة والكسائي ، لما فيهما من الإدغام والإمالة وزيادة المدّ وذلك كلّه تكلّف ، ولو قرأ به صحّت صلاته بلا خلاف (٢).

قوله : (مخرجا للحروف من مخارجها).

وجوب هذا واضح ، لتوقّف العربيّة المعهودة المتعارفة عليه ، لأنّ الإطلاق ينصرف إليه ، واليقين بالبراءة يتوقّف عليه.

وكذا الحال في الموالاة العرفيّة ، بأن لا يقرأ من غيرها في خلالها ، ولا يسكت بحيث يخرج عن الفرد المتبادر.

بل قال في «المنتهى» : يجوز قطع القراءة لسكوت ودعاء وثناء لا يخرج به عن اسم القارئ ، ولا نعرف فيه خلافا بين علمائنا (٣) ، انتهى.

__________________

(١) مجمع البيان : ١ / ٢٥ (الجزء ١) مع اختلاف يسير.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٦٤.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٩٧.

٢٢٥

وعن الشيخ ومن تبعه أنّه لا يقدح في الموالاة الدعاء بالمباح ، وسؤال الرحمة ، والاستعاذة من النقمة عند اسمهما ، وردّ السّلام والحمد عند العطسة ، ونحو ذلك (١).

ولو قرأ في خلالها ، قيل ببطلان الصلاة في صورة العمد وبطلان القراءة في النسيان (٢) ، وقيل باستئناف القراءة في العمد والبناء على ما مضى في النسيان (٣) ، وقيل : يعيد فيهما (٤) ، والأوّل أوفق بالقاعدة.

وقال في «الذكرى» : السكوت الزائد عن العادة إن كان لأنّه ارتجّ عليه فطلب التذكّر لم يضرّ ، إلّا أنّ يخرج عن كونه مصلّيا ، وإن سكت عمدا لا لحاجة حتّى خرج عن كونه قارئا استأنف القراءة (٥).

ويفهم منه أنّه لو لم يكن عن عمد لا يجب عليه الاستئناف ، وفيه تأمّل ، كما أنّ في الاكتفاء في الاستئناف في صورة العمد أيضا تأمّل ، لعدم اليقين بالخروج عن العهدة.

وأمّا سائر قواعد القراءة (٦) ، فمراعاة التشديد والإعراب بحيث تصير العربيّة المعهودة ولا يخالفها فحكمهما حكم الإخراج عن مخارجها ، وأشدّ منهما أو مثلهما حكم الجزم.

وأمّا غير ما ذكر من قواعدهم ، فإن كان مثل ما ذكر ، فكما ذكر ، وإلّا

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٠٩ ، الخلاف : ١ / ٤٢٢ المسألة ١٧ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٤ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٦٦.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣١٢.

(٣) المبسوط : ١ / ١٠٥ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٣.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧١.

(٥) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣١١.

(٦) في (د ١) و (ك) : القرّاء.

٢٢٦

فالحكم بوجوب مراعاته يتوقّف على دليل وإن قال القرّاء لا بدّ من مراعاته ، إلّا أن يقال : علم القراءة كان متداولا في زمان الأئمّة عليهم‌السلام ، حتّى أنّ بعض أعاظم أصحابهم عليهم‌السلام وثقاتهم المقرّبين عندهم كانوا عارفين ماهرين بهذا العلم ، مثل حمران بن أعين ، فإنّه كان في غاية الجلالة عندهم ، ونهاية الإخلاص والإطاعة لهم ، وكان ماهرا في علم القراءة ، قرأ عليه حمزة القارئ ، والصادق عليه‌السلام أمره بمناظرة الشامي في علم القراءة ، والشامي كان مريدا للمناظرة مع الصادق عليه‌السلام في هذا العلم ، حتّى أنّ الشامي قال له عليه‌السلام ـ حين أمر حمران بمناظرته ـ : إنّما اريدك أنت لا حمران ، فقال عليه‌السلام : «إنّ غلبت حمران فقد غلبتني» فناظره فغلب عليه (١).

ومثل حمران في الجلالة عندهم والإطاعة لهم أبان بن تغلب ، ذكروا في ترجمته : أنّ له قراءة مفردة مشهورة عند القرّاء (٢).

ومثلهما ثعلبة بن ميمون ومدحوه (٣) ، ومدحه النجاشي والعلّامة في «الخلاصة» بأنّه كان وجها في أصحابنا ، قارئا فقيها نحويّا لغويّا راوية ، حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، فاضلا متقدّما معدودا في العلماء والفقهاء الأجلّة ، سمعه هارون الرشيد يدعو في الوتر فأعجبه (٤).

إلى غير ذلك من الأجلّة الذين كانوا ماهرين في هذا العلم ، وفي غاية الإطاعة للأئمّة عليهم‌السلام ، ونهاية المتابعة لهم ، والأئمّة عليهم‌السلام قرّروهم عليه ، ولم يتأمّلوا في علمهم ولا عملهم.

ومعلوم أنّ مراعاة هذا العلم لأجل العمل في مقام القراءة ، فلو لم يكن

__________________

(١) رجال الكشّي : ٢ / ٥٥٤ الرقم ٤٩٤.

(٢) رجال النجاشي : ١١ الرقم ٧ ، الفهرست للطوسي : ١٧ الرقم ٥١ ، جامع الرواة : ١ / ٩.

(٣) الرجال لابن داود : ٦٠ الرقم ٢٨٦ ، منهج المقال : ٧٦ ، جامع الرواة : ١ / ١٤٠.

(٤) رجال النجاشي : ١١٧ الرقم ٣٠٢ ، خلاصة الرجال للحلّي : ٣٠.

٢٢٧

مشروعا لكانوا عليهم‌السلام يأمرونهم بصرف العمر فيما يجب وما يحبّه الله ، وعدم تضييع عمرهم ، مع أنّ الأهمّ فالأهمّ أمر لا يرفع اليد عنه العقلاء فضلا عن أمثال هؤلاء ، وخصوصا مع تمكّنهم من تحصيل ما هو منصب الأنبياء والأوصياء.

وبذلك (١) يصيرون حجج الله على العباد ، والأئمّة عليهم‌السلام حجج الله عليهم ، كما ذكرنا سابقا (٢) ، مع أنّهم كانوا يمنعون الجهّال عن تحصيل العلم الذي لا يضرّ ولا ينفع ، فضلا عن هؤلاء الأجلّة.

فعلى هذا يمكن أن يقال : محسّنات القراءة لعلّها تكون محسّنات عند الأئمّة عليهم‌السلام أيضا ، فضلا [عن] أن يكون ممّا يلزم ارتكابه عند القراءة ، مثل مدّ (وَلَا الضّالِّينَ) ، وأمثاله ممّا أمروا به.

لكن الأحوط بل الأولى عدم الفتوى بالوجوب شرعا ومراعاته في القراءة ، وكذا ما منع القرّاء عنه لم يكن ممنوعا من جهة لغة العرب ، ولا من الشرع ، ولا من العقل ، وكذا الحال في محسّنات القراءة عندهم لا يفتى به من لسان الشارع ، لكن يرتكب واجبهم ومحسّنهم ويزجر عن ممنوعهم في مقام العمل ، وما أدري ما السبب في حكم المصنّف بوجوب مراعاة المخارج خاصّة؟

قوله : (آتيا بالبسملة). إلى آخره.

لا خلاف عندنا في كون البسملة جزء الحمد ، بل جزء كلّ سورة سوى سورة البراءة ، فالأمر بالفاتحة أمر بالبسملة في أوّلها أيضا ، لأنّ جزئيّتها لها بهذا النحو ، وكثير من العامّة وافقونا في الحمد خاصّة.

وأمّا الصحاح ، فهي صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : عن السبع المثاني

__________________

(١) في (د ١) : وحينئذ.

(٢) راجع! الصفحة : ٤٠ و٤١ (المجلّد الأوّل) ، ٣٢ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

٢٢٨

والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال : «نعم» قلت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من السبع؟ قال : «نعم ، هي أفضلهن» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار أنّه قال للصادق عليه‌السلام : إذا قمت إلى الصلاة أقرأ بسم الله؟ قال : «نعم» ، قلت : فإذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع السورة؟ قال : «نعم» (٢). إلى غير ذلك.

ولا ينافيها صحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يكون إماما يستفتح بالحمد ولا يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال : «لا يضرّه ولا بأس به» (٣) لكونها محمولة على التقيّة ، على ما تقتضيه قواعدهم التي أمروا بها ، مضافا إلى حكم العقل به وإلى رواية زكريّا بن إدريس القمّي عن الكاظم عليه‌السلام : عن الرجل يصلّي بقوم يكرهون أن يجهر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال : «لا يجهر» (٤) ، فتأمّل!

وعن ابن الجنيد : إنّها آية من الحمد خاصّة ، وأمّا سائر السور فهي افتتاح لها (٥).

في «المدارك» : وربّما كان مستنده صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : «إنّ الرجل إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح ، ثمّ يكفيه ما بعد ذلك» (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٩ الحديث ١١٥٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٧ الحديث ٧٣٣٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٣١٢ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٩ الحديث ٢٥١ ، الاستبصار : ١ / ٣١١ الحديث ١١٥٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٨ الحديث ٧٣٤٠ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٨ الحديث ٢٤٧ ، الاستبصار : ١ / ٣١٢ الحديث ١١٥٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦٢ الحديث ٧٣٥٢ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٨ الحديث ٢٤٨ ، الاستبصار : ١ / ٣١٢ الحديث ١١٦٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦٠ الحديث ٧٣٤٨.

(٥) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٩٩ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٤٠.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٩ الحديث ٢٥٠ ، الاستبصار : ١ / ٣١٣ الحديث ١١٦٢ ، وسائل الشيعة :

٢٢٩

وصحيحة محمّد وعبيد الله الحلبيين عن الصادق عليه‌السلام : عمّن يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، فقال : «نعم ، إن شاء سرّا وإن شاء جهرا» فقالا : أفيقرأها مع السورة الاخرى؟ فقال : «لا» (١) (٢).

وفي كونها مستنده تأمّل ، لأنّه لم يقل بعدم قراءتها مع السورة ولا بعدم تجويزه ، بل قال : افتتاح ، فإذا كانت السورة واجبة لزم منه وجوب البسملة أيضا ، لأنّ افتتاحها بها.

مع أنّ الأوّل منهما يقتضي عدم جزئيّتها للحمد أيضا ، وهذان محمولان على التقيّة ، كما ستعرف.

وكيف كان لا بدّ من البسملة مع السورة ، كما سيجي‌ء.

وممّا ذكر ظهر عدم إجزاء القراءة مع إخلال حرف منها أو تغيير أو تبديل ، وكذلك الإخلال في الإعراب المضرّ وغير الإعراب ممّا عرفت ، والمشهور عدم جواز الإخلال في الإعراب وإن كان في تغييره لا يتغيّر المعنى ، وعن السيّد جواز تغيير مثل هذا الإعراب (٣).

حجّة المشهور : أنّ وجوب قراءة الفاتحة لا شكّ فيه ، لأنّها جزء وشرط لتحقّق الصلاة ، والفاتحة اسم للمجموع من الحروف والترتيب والإعراب ، فبالإخلال لا يتحقّق المجموع ، والواجب هو المجموع ، لكون اللفظ اسما للمجموع ، ولأنّ المطلق ينصرف إليه ، والبراءة اليقينيّة موقوف عليه ، وللتأسّي ، كما سيجي‌ء

__________________

٦ / ٦١ الحديث ٧٣٥٠ نقل بالمعنى.

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٨ الحديث ٢٤٩ ، الاستبصار : ١ / ٣١٢ الحديث ١١٦١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٦١ الحديث ٧٣٤٩.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٤٠.

(٣) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٨ ، رسائل الشريف المرتضى : ٢ / ٣٨٧.

٢٣٠

في بحث وجوب السورة.

ولأنّه لو كانت العبرة بالمعنى لجاز تبديل الكلمات ، بل الآيات أيضا بما هو ترجمتها أو بما يرادف أو ما يؤدّي مؤدّاها ، ولو كان مجازا ، أو ولو كان حقيقة.

واعتذر في «الذخيرة» بأنّه بهذا القدر من التغيير لا يخرج عن كونه حمدا عرفا ، لبنائهم على المسامحة في أمثاله (١).

وفيه ، أنّ الحمد ونحوه من مقولة العبادات التوقيفيّة ، كلام خاصّ من الله بهيئة خاصّة منه تعالى ، فأهل العرف مع معرفتهم بوقوع التغيير عن الهيئة الصادرة منه تعالى كيف يمكنهم القول بأنّه هو حقيقة؟

وأمّا الصدق المجازي فأيّ فائدة فيه؟ مع أنّه لو كان مفيدا لكان مفيدا في تبديل الحرف الواحد بل والحروف ، بل والكلمات ، بل والآيات ، كما قلنا ، بل وفي تغيير الإعراب المغيّر للمعنى أيضا ، سيّما إذا كان التغيير قليلا.

قوله : (ومن لا يحسنها تعلّم).

لا خلاف في وجوب التعلّم تحصيلا للواجب المطلق ، وإن أمكنه القراءة من المصحف وجب لما ذكر ، بل لا يبعد جواز القراءة من المصحف مع التمكّن منها عن ظهر القلب للإطلاقات. ورواية الحسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : ما تقول في الرجل يصلّي وهو ينظر في المصحف يقرأ ويضع السراج قريبا منه؟ قال : «لا بأس» (٢).

إلّا أنّ الأحوط والأولى الاجتناب عنه في الفريضة ، لعدم تبادر ما نحن فيه من الإطلاقات ، بملاحظة المنع عن النظر إلى المصحف المفتوح ، الذي في

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٧٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٤ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الحديث ٧٤٦٥.

٢٣١

قبلته (١) ، كما مرّ.

وما رواه الحميري بإسناده عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلّي ، قال : «لا يعتدّ بتلك الصلاة» (٢).

مع أنّ رواية الصيقل غير صحيحة ، ومع ذلك ربّما كان الظاهر منها غير الفاتحة ، لأنّ المكلّفين في زمان الصادق عليه‌السلام كانوا عارفين بالفاتحة ، يقرءون من الحفظ من دون حاجة إلى عناية وضع السراج والقراءة من المصحف ، فتأمّل جدّا!

وفي «الدروس» : ويجب عن ظهر القلب على الأصح ، ويجزئ من المصحف عند ضيق الوقت (٣) ، انتهى.

ولو توقّف تحصيل المصحف حينئذ على شراء أو استئجار أو نحوهما وجب ، وكذا لو احتاج إلى مصباح ، تحصيلا للواجب بقدر الإمكان ، فلو أمكنه تتبّع القارئ وجب ، تخييرا بينه وبين الأوّل إن أمكنهما ، وإلّا تعيّن الممكن ، وكذا الحال لو أمكنه الائتمام.

قوله : (فإن تعذّر). إلى آخره.

لا يخفى أنّه لو أمكنه الائتمام تخيّر بينه وبين التعلّم أو تتبّع القارئ أو قراءة المصحف إن أمكن الكلّ ، وإلّا تعيّن الممكن إن كان متعيّنا ، وإلّا تخيّر بين ما أمكنه من الامور المذكورة ، لأنّ الواجب يتأتّى بواحد منها.

نعم ، يتعيّن وجوب التعلّم على أيّ حال ، إذ عادة لا يحصل للمكلّف أحد

__________________

(١) لا حظ! وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٣ الباب ٢٧ من أبواب مكان المصلّي.

(٢) قرب الإسناد : ١٩٥ الحديث ٧٤٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ١٠٧ الحديث ٧٤٦٦.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٢.

٢٣٢

الامور المذكورة في بعض الأوقات ، بل وفي كثير من الأوقات ، إذ ربّما لا يحصل القارئ ، أو يحصل لكن لا يتمكّن من تتبعه ومتابعته.

ومع ذلك لا يجد إماما يأتمّ به ولا يعرف القراءة من المصحف ، مع أنّه لو يعرفها فحينئذ تعلّم ، لكن مراد المصنّف من التعلّم الحفظ عن ظهر القلب ، فربّما لا يتمكّن من المصحف الذي يتمكّن من القراءة منه ، كما ذكرنا.

والفقهاء لم يذكروا تتبّع القارئ ولا الائتمام ، بل ولا القراءة من المصحف ، مع أنّه لا خفاء في الوجوب مع التمكّن والتعيين تعيينا ، ومع عدم التعيين تخييرا ، ولعلّه من جهة أنّ العاجز عن قراءة الفاتحة لا يتيسّر له الائتمام غالبا ، لتوقّفه على معرفة مسائل الائتمام لأنّها أخفى من معرفة الحمد عادة.

وكذا الحال في تتبّع القارئ ، إذ يصعب عليه تتبّعه في حال الصلاة بحيث يقرأ صحيحا ، مع عدم تيسّر القارئ الذي يقبل قوله ويرضى تتبّعه عند ما أراد ، ولذا لم يذكر المصنّف أيضا.

وأمّا القارئ من المصحف فهو داخل فيمن يعلم.

وبالجملة ، لا خفاء في المسألة في أنّه متى تيسّر القراءة بنحو صحيح تجب البتّة ، لكون وجوبها مطلقا مع التمكّن والقدرة على تحصيل التمكّن ، فإن لم يمكن بوجه من الوجوه قرأ ما تيسّر من الفاتحة إجماعا ، ولقوله عليه‌السلام : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (١) ، وقول علي عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) ، وقوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣).

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٦.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧.

٢٣٣

وفي «الدروس» : أنّه يقرأ ما يحسن منها إذا سمّي قرآنا (١) ، انتهى.

وفي «الذخيرة» : وإن كان ما يحسن بعض الفاتحة ، فإن كان آية قرأها بلا خلاف ، وإن كان بعض الآية ففي قراءتها أقوال :

الأوّل : الوجوب ، لما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإن كان معك قرآن فاقرأ به» (٢).

الثاني : عدمه ، لأنّه أمر الأعرابي أن يحمد الله تعالى ويكبّره ويهلّله (٣) ، وقوله : الحمد لله ، بعض آية ، ولم يأمره أن يكرّرها ، ولا اقتصر عليها ، واستحسنه في «المعتبر» (٤).

الثالث : وجوب قراءته إن كان قرآنا ، وهو المشهور (٥) ، انتهى.

لم نجد الشهرة ، بل مقتضى إطلاق كلامهم هو الأوّل ، وهو أيضا مقتضى الأخبار التي ذكرنا.

وأمّا ما نقل من أنّه عليه‌السلام أمر الأعرابي بكذا وكذا (٦) فلم نجده في رواياتنا ، مع احتمال أن يقال : «الحمد لله» فقط غير ظاهر في كونه جزء الحمد البتّة ، فتأمّل جدّا!

وهل يجب أن يتمّها ويعوّض عن الفائت منها بقراءة غيرها من السور ، لا أن يساويها قدرا إن علم من غيرها هذا القدر؟ أو يكتفي بالقدر الذي يعلم من

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٢.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٨٠.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٨٠ نقل بالمعنى.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٧٠.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢٧٢.

(٦) السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٨١.

٢٣٤

غيرها ، منضمّا إلى القدر الذي يعلم منها ، ويجبر ويتدارك الناقص بالذكر؟

وفي «المدارك» : وفي وجوب التعويض عن الفائت قولان ، أصحّهما العدم ، للأصل السالم عن المعارض (١) ، انتهى.

وفي «الذخيرة» : وهل يقتصر على التي يعلم من الفاتحة؟ أو يعوّض عن الفائت بتكرار قراءتها أو بغيرها من القرآن أو الذكر عند تعذّره؟ وجهان (٢) ، انتهى.

نسب الشهيد الثاني وجوب التعويض عن الفائت إلى أكثر المتأخّرين (٣) ، وظاهر المحقّق عدم الوجوب (٤) ، والعلّامة اختار كلّا منهما في كتاب منه (٥).

وفي «الدروس» قال ـ بعد ما نقلنا عنه ـ : فإن أحسن معه غيره من القرآن عوّض عمّا بقي منها مراعيا للترتيب بين العوض والأصل ، فلو حفظ النصف الأوّل أخّر العوض ، وبالعكس يقدّم العوض ، ولو لم يحسن شيئا منها وضاق الوقت قرأ ما يحسن من غيرها بقدرها فزائدا متتاليا ، فإن تعذّر التتالي جاز متفرّقا ، وإن أحسن ما ينقص عن قدرها اجتزأ به إذا سمّي قرآنا.

وفي وجوب تكرار ما يحسن منها أو من غيرها حتّى يصير بقدرها وجهان ، أقربه العدم ، ولو لم يحسن شيئا عوّض بالتسبيح (٦) ، انتهى.

اعلم! أنّ مقتضى الأخبار والفتاوى أنّ من واجبات الصلاة القراءة من

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٤٣.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٧٢ مع اختلاف يسير.

(٣) روض الجنان : ٢٦٢.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٧٠.

(٥) منتهى المطلب : ٥ / ٦٩.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٢ مع اختلاف يسير.

٢٣٥

حيث هي هي ، مع قطع النظر عن الخصوصيّة ، وأنّه يجب كونها في ضمن الفاتحة والسورة أيضا عند القائل بوجوبها أيضا (١).

ولذا يقولون أوّلا : من واجبات الصلاة القراءة ، ويدّعون إجماع العلماء كافّة على ذلك مطلقا ، أو يستثنون شاذّا من العامّة ، ثمّ يأتون بالأخبار الدالّة على وجوب القراءة ويثبتون هذا ، وبعد ذلك يذكرون وجوب الحمد ويأتون بالأخبار الدالّة عليه ، وبعد ذلك يذكرون وجوب السورة ويأتون بالأخبار الدالّة عليه ، أو استحبابها ويأتون بما دلّ عليه.

أنظر كتب الفاضلين (٢) حتّى يظهر لك ، بل وكتب غير الفاضلين (٣) أيضا يظهر منها ما ذكرنا بعد التأمّل التامّ ، كما سنشير إليه.

وأمّا الأخبار ففي غاية الكثرة ، بل لا يكاد يحصى ، منها صحيحتا زرارة وابن مسلم السابقتان (٤).

ومنها صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود» ثمّ قال : «القراءة سنّة ، والتشهّد سنّة ، فلا تنقض السنّة الفريضة» (٥).

ومنها صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي» (٦) دلّت بالمفهوم على أنّ من يحسن يقرأ القرآن لا

__________________

(١) لم ترد في (د ١) و (ك) : أيضا.

(٢) نهاية الإحكام : ١ / ٤٦٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ٣٢ ، المعتبر : ٢ / ١٦٤ ، شرائع الإسلام : ١ / ٨١.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٢ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٤٢ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٥ ، ذخيرة المعاد : ٢٦٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٨٧ الحديث ٧٤١٤ و٧٤١٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٩١ الحديث ٧٤٢٧.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٧ الحديث ٥٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٣١٠ الحديث ١١٥٣ ، وسائل الشيعة :

٢٣٦

يجزيه التكبير والتسبيح ، إلى غير ذلك ممّا هو أظهر دلالة.

منها : ما ذكره الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجورا مضيّعا ، وليكون محفوظا مدروسا فلا يضمحلّ ولا يهجر ولا يجهل» ثمّ قال عليه‌السلام : «وإنّما بدأ بالحمد دون سائر السور ، لأنّه ليس بشي‌ء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في الحمد ، وذلك لأنّ قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلّهِ) إنّما هو» (١). إلى آخر ما ذكره من الخير والحكمة بالنسبة إلى كلّ آية آية منها بل وكلّ (٢) كلمة كلمة ، إلى قوله تعالى (وَلَا الضّالِّينَ) فلاحظ «الفقيه» وغيره (٣).

وهذا نص فيما ذكرنا عن الفقهاء ، وسيجي‌ء زيادة في تحقيق ذلك في بحث وجوب قراءة السورة ، فلاحظ.

فظهر أنّ نفس القراءة مطلوبة وجوبا وكونها في ضمن الحمد مطلوب آخر كذلك ، ككونها في ضمن السورة على المشهور ، كما ستعرف.

فمتى تعذّر مطلوب لا يسقط الآخر ، كما أنّه إذا تعذّر جزء من أجزاء مطلوب لا يسقط باقي الأجزاء إن كانت ، ولا يسقط الجزء الآخر إن انحصر فيهما ، لما عرفت من الأخبار الكثيرة التي هي حجّة عند الفقهاء ، يتمسّكون بها في المقامات التي يتعذّر أو يتعسّر جزء بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور وغير ذلك.

فعلى هذا إذا تعذّر أو تعسّر قراءة الحمد دون قراءة غيرها من القرآن يجب

__________________

٦ / ٤٢ الحديث ٧٢٩٢.

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٣ الحديث ٩٢٧ ، علل الشرائع : ٢٦٠ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١١٣ و١١٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٨ الحديث ٧٢٨٢ مع اختلاف يسير.

(٢) لم ترد في (د ١) و (ك) : كلّ.

(٣) مرّ آنفا.

٢٣٧

قراءة غيرها ، كما اختاره المحقّق وغيره (١) ، واختاره المصنّف رحمه‌الله أيضا (٢).

وإذا تعذّر أو تعسّر بعض الحمد سقط ، ولم يسقط غير المتعسّر جزما ، لما عرفت.

وأمّا تعويض الفائت فيمكن أن يقال ـ بملاحظة مطلوبيّة إيقاع القراءة بالحمد ـ : يظهر كون القراءة مطلوبة هذا المقدار وكونها حمدا.

فإذا تعسّر بعض الأخير لم يسقط الأوّل ، كما أنّه إذا تعسّر الحمد مطلقا لم يسقط وجوب القراءة ، وكما أنّه لم يسقط وجوب القراءة لم يسقط المقدار الذي يوازي الحمد ، لظهور أنّ هذا المقدار منها مطلوب قطعا في ضمن الحمد مع التمكّن منها ، فمع عدم التمكّن من خصوصيّة الحمد والتمكّن من القراءة من غيرها بمقدارها يكون ذلك المقدار مطلوبا ، كما يكون نفس القراءة مطلوبة البتّة.

وبالجملة ، يظهر ويتبادر إلى الذهن مطلوبيّة المقدار ، كما يظهر ويتبادر مطلوبيّة القراءة.

وعلى فرض عدم الظهور فالاحتمال لا أقلّ منه ، فلا بدّ من ارتكابه تحصيلا للبراءة اليقينيّة في العبادة التوقيفيّة.

وأمّا حصول رجحان تام للمجتهد في عدم المطلوبيّة أصلا حتّى يكتفي بمسمّى القراءة ، ففيه ما فيه.

مع أنّك عرفت عدم اشتراط كون ما يتمكّن من الحمد من الأجزاء قراءة ، لعموم الأدلّة ، مع عدم وجدان قول بأنّ الممكن لو كان قراءة لا يجب تعويض الفائت ولو لم يكن قراءة يجب التعويض إلى قدر يحصل القراءة لا أزيد ، وكذا الحال

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ١٦٩ ، منتهى المطلب : ٥ / ٦٨ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٧٣ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٥١.

(٢) لا حظ! مفاتيح الشرائع : ١ / ١٢٩.

٢٣٨

إذا لم يتمكّن من القراءة أصلا وتمكّن من الذكر ، أو تمكّن من بعض القراءة خاصّة وتمكّن من الذكر تعويضا للباقي.

وصحيحة ابن سنان المذكورة (١) ربّما يظهر منها كون الذكر بقدر القراءة المتعذّرة لما ذكرنا ، ولأنّ المتبادر من البدل والعوض مساواته للمبدل والمعوّض مهما تيسّر ، كما تمسّك به الفقهاء في التيمّم (٢) وغيره من مباحث الفقه.

ومن جهته صدر من عمّار بن ياسر ما صدر في التيمّم (٣) بدلا عن الغسل ، وعلى القول بعدم التبادر فالاحتمال لا محيص عنه ، وفساد البراءة الاحتماليّة ظاهر.

مع أنّ الاحتياط في أمثال ما ذكر ممّا لا يترك ، وجريان أصل البراءة في ماهيّة العبادة فيه ما فيه ، وفي شرائطها أيضا على القول بكون لفظ العبادة اسما لخصوص الصحيحة ، والله يعلم.

واعلم! أنّه خيّر في «الشرائع» بين ما تيسّر من القراءة من غير الحمد وبين التهليل والتكبير والتسبيح بقدر القراءة ، إن لم يعلم الحمد ولا شيئا من الحمد (٤) ، ولم يظهر لي منشأ حكمه هذا غير مساواة دليلهما في نظره ، وقد ظهر لك أنّ الأمر ليس كما ظنّ ، فتأمّل جدّا.

وعلى القول بتعويض الفائت ، هل يجب تكرار ما يعلم من الحمد إلى أن يحصل مقدار الحمد ، لكونه أقرب إليها؟ أو يجب كون العوض من غير الحمد ممّا يعرفه من القرآن لعدم كون التكرار ممّا يظهر من الأخبار الدالّة على وجوب

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢ الحديث ٧٢٩٢.

(٢) راجع! مختلف الشيعة : ١ / ٤٤٨ ، جامع المقاصد : ١ / ٤٩٦ ، كشف اللثام : ٢ / ٤٧٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٥٨ الحديث ٣٨٦٢ ، ٣٥٩ الحديث ٣٨٦٤.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ٨١.

٢٣٩

القراءة ، سيّما ما ذكرنا عن «العلل» عن الرضا عليه‌السلام (١) ، كما لا يخفى على المتأمّل فيه ، إذ عدم الهجر والحفظ والمعرفة وعدم الجهل (٢) ، يرجح كون الفائت (٣) من سور القرآن ، لا تكرار آية ، أو أنّه يجوز الأمران ويتخيّر بينهما؟ ولعلّ الأوسط أولى وخير.

ولو لم يعرف شيئا من الحمد ويعرف شيئا من باقي القرآن لا يفي مقدار الحمد. فهل يجب التكرار حينئذ إلى أن يحصل مقدار الحمد؟ أو يعوّضه بالذكر إلى أن يحصل المقدار؟ بناء على ما ذكر من عدم الفائدة في التكرار ، أو لا يلزم حصول المقدار بل يكفي مسمّى القراءة؟ لعدم التمكّن من مقداره ، وعدم ظهور التكرار من خبر ، وعدم الفائدة المذكورة في «العلل» فيه إشكال ، وإن كان الأوّل ربّما لا يخلو عن قوّة ، لأنّ عدم التكرار مبنيّ على ما هو المتعارف من حصول القراءة بغيره إن كانت حاصلة. ووجوب التحصيل إن لم تكن ، فالميسور لا يسقط بالمعسور ، مع أنّ الاحتمال كاف في لزوم مراعاته ، كما عرفت.

وأيضا لو أمكنه تفسير الحمد أو مرادفه فهل هو مقدّم على القراءة من غيرها أم القراءة مقدّمة؟ الأظهر الثاني ، لأنّ التفسير ليس بقرآن.

وهل هو مقدّم على التسبيح أم لا؟ اختار في «المنتهى» تقديم التسبيح (٤) ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وإن كان معك قرآن فاقرأ وإلّا فاحمد الله وكبّره وهلّله» (٥). وفيه أنّ هذه الرواية من العامّة ، على الظاهر.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٦٠.

(٢) إشارة إلى ما ورد في الرواية المذكورة : «لئلّا يكون القرآن مهجورا ..».

(٣) كذا ، والصحيح : عوض الفائت.

(٤) منتهى المطلب : ٥ / ٦٩.

(٥) سنن الترمذي : ٢ / ١٠٢ الحديث ٣٠٢ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٢ / ٣٨٠.

٢٤٠