مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

القول في السجود

قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) (١)

١٦١ ـ مفتاح

[أحكام السجود]

يجب في كلّ ركعة سجدتان ، بالضرورة من الدين. وهما معا ركن تبطل بتركهما الصلاة ولو سهوا ، بالإجماع والصحيح (٢) ، أمّا ترك إحداهما فلا ، وفاقا للأكثر (٣) ، للصحاح المستفيضة (٤).

فإن ذكرها قبل الركوع سجد ثمّ قام ، كما لو نسيهما معا ، وإلّا قضاها بعد الفراغ ، كما يستفاد منها. والمشهور وجوب سجدتي السهو مع القضاء كما في

__________________

(١) الحج (٢٢) : ٧٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٨٩ الحديث ٨٢٥٧.

(٣) المبسوط : ١ / ١١٢ ، شرائع الإسلام : ١ / ٨٦ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٨٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الحديث ٨١٩٣ ، ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦ ، ٨ / ٢٤٤ الحديث ١٠٥٤٥.

٤٨١

الخبر (١) ، ونقل عليه الإجماع (٢) ، لكن يدفعه ظواهر الصحاح (٣) بل صريح بعضها (٤).

وقيل : بل تبطل الصلاة بترك إحدى السجدتين إن كان من الركعتين الأوليين (٥) ، وفيه إجمال ، مع معارضته المبيّنة المستفيضة (٦).

وقيل : تبطل مطلقا (٧) ، للخبر (٨) ، وفيه مع ذلك ضعف من وجوه.

وقيل : من ترك السجدتين من ركعة واحدة أعاد على كلّ حال ، يعني : وإن ذكر قبل الركوع (٩) ولم نقف على مستنده.

أمّا لو نسيهما معا ولم يذكر إلّا بعد الركوع ، فالمشهور البطلان ، لاستلزام التدارك زيادة الركن وعدم نقصانه ، وقد مضى منّا النظر في ذلك (١٠).

وقيل : إن كان في الأخيرتين بنى على الركوع في السابقة وسجد سجدتين (١١) ، وقد مرّ حكم الشكّ (١٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٦ الحديث ٨١٩٧.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٨٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الحديث ٨١٩٣ ، ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦ ، ٨ / ٢٤٤ الحديث ١٠٥٤٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٤ ذيل الحديث ٦٠٤.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ الباب ١٤ من أبواب السجود.

(٧) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٣٧١.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٦ الحديث ٨١٩٧.

(٩) المقنعة : ١٣٨ ، السرائر : ١ / ٢٤١.

(١٠) راجع! مفاتيح الشرائع : ١ / ١٢٥ المفتاح ١٤٥.

(١١) الرسائل العشر : ١٨٨.

(١٢) راجع! مفاتيح الشرائع : ١ / ١٢٥ المفتاح ١٤٥.

٤٨٢

قوله : (هما معا ركن).

قد عرفت من القاعدة أنّ كلّ جزء من أجزاء الصلاة إن وقع فيه خلل بزيادته أو نقيصته (١) ، يصير منشأ لبطلان الصلاة عمدا وقع الخلل أو سهوا ، إلّا أن يثبت من دليل عدم ضرره.

ومقتضى ذلك كون كلّ واحد من السجدتين ركنا ، بل وكلّ واجب من واجباتها أيضا ، لكن سيجي‌ء عدم ضرر الإخلال بإحداهما ، ولا بواجب منهما ، فتبقى السجدتان معا على حالهما في الركنيّة ، لعدم الإتيان بالمأمور به من الصلاة ، لو خلت عن السجدتين في ركعة.

وادّعى الفاضلان الإجماع عليه في «التذكرة» و «المعتبر» (٢) ، وكذا لو وقع فيها أربع سجدات.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود» (٣) ، وما نقل عن الشيخ من كونهما ركنا في الاوليتين خاصّة (٤) ، قد مرّ الكلام فيه في مبحث الركوع (٥).

وأمّا عدم ركنيّة إحدى السجدتين ، فهو المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعى في «التذكرة» عليه الإجماع (٦).

__________________

(١) في (د ١) : أو نقصه.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٨٥ المسألة ٢٥٦ ، المعتبر : ٢ / ٢٠٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٢ الحديث ٥٩٧ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٣ الحديث ٨٠٦٠.

(٤) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٢٨٤ ، لا حظ! تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٤ ذيل الحديث ٦٠٤ و٦٠٦ و٦٠٧.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٣٧ ـ ٤٣٩ من هذا الكتاب.

(٦) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٨٥ المسألة ٢٥٦.

٤٨٣

ويدلّ عليه صحيحة إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل نسي السجدة الثانية حتّى قام فذكر ـ وهو قائم ـ أنّه لم يسجد ، قال : «فليسجد ، ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها فإنّها قضاء» (١).

وصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل نسي أن يسجد واحدة وذكرها وهو قائم ، قال : «يسجدها إذا ذكرها ولم يركع فإذا ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو» (٢) ، إلى غير ذلك ممّا يدل على أنّ تركها سهوا لا يفسد الصلاة.

وصحيحة منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة ، قال : «لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة» (٣).

وكصحيحة عبيد بن زرارة عنه عليه‌السلام : عمّن شكّ أنّه سجد واحدة أم ثنتين فسجد اخرى فاستيقن أنّه زاد سجدة ، فقال : «لا والله ، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة» ، وقال : «لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة» (٤).

وعن ظاهر ابن أبي عقيل أنّ نسيان الواحدة مبطل (٥).

واستدلّ له بمرسلة معلّى بن خنيس عن الكاظم عليه‌السلام : عن الرجل ينسى

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٩ الحديث ١٣٦١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الحديث ٨١٩٣ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠٠٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٢ الحديث ٥٩٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠٠٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٦ الحديث ٦١٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٩ الحديث ٨٠٧٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٦ الحديث ٦١١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٩ الحديث ٨٠٧٧ مع اختلاف يسير.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٧١.

٤٨٤

السجدة من صلاته ، قال : «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، فإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأوّلتين والأخيرتين سواء» (١). وهي ضعيفة وشاذّة.

ويمكن الاستدلال له بإطلاق صحيحة زرارة ، لكن المطلق لا يعارض المقيّد ، فضلا عن المقيّدات المطابقة لفتوى المشهور ، بل الإجماع.

واستدلّ له أيضا ، بأنّ الإخلال بالسجدة إخلال بالركن ، لأنّ الإخلال بالجزء إخلال بالكلّ.

وفيه منع كونهما معا ركنا بالمعنى المذكور ، بل بالنحو الذي ذكرناه.

قوله : (فإن ذكر). إلى آخره.

من نسي سجدة أو السجدتين معا ، ثمّ ذكر قبل الركوع ، وجب عليه أن يرجع ويسجد ، ثمّ يقوم ويأتي بما يلزمه من القراءة أو التسبيح ، ثمّ يركع ويتمّ الصلاة ولا شي‌ء عليه ، ولا يعتمد بما صنعه قبل الرجوع إلى السجدة حال نسيانها ، بل يعيد ، كما قلنا.

بل لو كان هذا النسيان في الأخيرتين ، وكان [في] قراءة الحمد ، فتذكّر بترك السجدة يرجع سريعا إلى السجدة ويسجد ، ثمّ يقوم وهو مخيّر بين الحمد والتسبيح ، كما إذا لم يصدر منه الحمد ، وكذلك الحال لو سبّح.

ولو كان التذكّر في خلالهما ، تركهما جزما ورجع إلى السجود ، وكذا الحال لو لم يكن شرع فيهما ، يتركهما ويرجع إلى السجدة ، ولو لم يتركهما حينئذ ، بأن يقرأ أو يسبّح ، أو يتمّ قراءته أو تسبيحه ، فالظاهر بطلان صلاته ، إن كان القراءة أو

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٤ الحديث ٦٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٩ الحديث ١٣٦٣ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٦ الحديث ٨١٩٧.

٤٨٥

التسبيح بقصد الواجب المقرّر في الركعة.

بل الأحوط الترك مطلقا ، والمبادرة إلى السجود.

وما ذكرنا من الرجوع إلى السجدة ، ثمّ القيام والإتيان بما يلزمه من القراءة أو التسبيح ثمّ الركوع موضع وفاق بين العلماء في نسيان السجدة الواحدة.

ويدلّ عليه صحيحة إسماعيل بن جابر ، وصحيحة أبي بصير ، ورواية المعلّى السابقات (١).

هذا إذا كان نسيان السجدة في غير الركعة الأخيرة ، وأمّا إذا كان فيها ، وذكر قبل التشهّد ، فهو في موضعها من غير تجاوز ، فلا إشكال أصلا في وجوب الإتيان بها حينئذ ، وإن كان بعد الدخول في التشهّد وقبل السلام المخرج ، فيجب رفع اليد عن التشهّد ، والمبادرة إلى السجدة ، ثمّ إعادة ما صدر منه من التشهّد إلى الموضع الذي ترك وبادر إلى السجود.

وكذا الحال في الصلاة على محمّد وآله في إعادتها ، إن أتى بها قبل السجدة المنسيّة ، وإن ذكر بعد السّلام فحكمه سيذكر.

ويدلّ على ما ذكرنا الإجماع ، وأنّه إذا كان التذكّر في حال القيام وبعد تماميّة القراءة وغيرها موجبا لإرسال النفس والإتيان بالسجدة وبما فعله ، فبالدخول في التشهّد بطريق أولى ، فتأمّل جدّا!

وصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الحديث ٨١٩٣ ، ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦ ، ٣٦٦ الحديث ٨١٩٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٦ الحديث ٦٠٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٠ الحديث ١٣٦٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٠ الحديث ٨٢٠٨.

٤٨٦

وأمّا إذا كان المنسيّ مجموع السجدتين ، فالمشهور أنّه أيضا كذلك ، لأنّ القيام وما بعده من الذكر والقراءة ، إن كان انتقالا عن المحلّ ، لم يعد إلى السجدة الواحدة ، وإلّا عاد إلى السجدتين أيضا ، بل بطريق أولى.

وأيضا عموم صحيحة زرارة المتضمّنة لعدم إعادة الصلاة من غير الركوع والسجود ، يشمل ما ذكرنا ، إذ بعد الإتيان بالسجدتين ، لا وجه لإعادة الصلاة لهما.

وأمّا ما زاد عن القيام والذكر ، فهو داخل فيما لا يعيد له الصلاة ، وغير داخل في قوله عليه‌السلام : إن تركها عمدا فعليه الإعادة (١).

وكذا ما ذكر داخل في عموم صحيحته الاخرى : وإنّ ما سوى الركوع والسجود سنّة (٢) ، ولا ينقص بها الفريضة.

وكذا في قوله عليه‌السلام : «إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود» (٣) إلى غير ذلك ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (٤).

وعن المفيد إعادة الصلاة مطلقا ، إن ترك السجدتين من ركعة ، وإن نسي واحدة منهما وذكرها قبل الركوع ، أرسل نفسه وسجدها ثمّ قام (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٨٦ الحديث ٧٤١٢ نقل بالمضمون.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣١١ الحديث ٨٠٥٣ نقل بالمعنى.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٧ الحديث ٥٧٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١١ الحديث ٨٠٥١.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٨ الحديث ١٠٠٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٠ الحديث ١٤٥٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٦ الحديث ٨٠٦٦.

(٥) المقنعة : ١٣٨.

٤٨٧

ونسب ذلك إلى ابن إدريس أيضا (١) ، ولعلّ مستندهما ما ذكرنا من القاعدة في أجزاء الصلاة.

قوله : (وإلّا قضاها). إلى آخره.

أمّا وجوب القضاء فللصحيحتين السابقتين (٢) ، وموثقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع ، قال : «يمضي في صلاته ولا يسجد حتّى يسلّم ، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» (٣).

وأمّا وجوب سجدتي السهو بعد قضاء السجدة ، فللإجماع الذي ادّعاه في «التذكرة» (٤).

وصحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن سفيان بن السمط ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٥).

وهذه وإن كان سندها معتبرا ، لكون ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة (٦) ، وممّن لا يروي إلّا عن الثقة ومقبول المراسيل (٧) ، إلّا أنّها معارضة لأخبار كثيرة ، في

__________________

(١) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ٣٥٨ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٢٤٠.

(٢) راجع! الصفحة : ٤٨٤ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٥٩ الحديث ١٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الحديث ٨١٩٤.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣٣٣ المسألة ٣٥٢.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٥ الحديث ٦٠٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٦١ الحديث ١٣٦٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥١ الحديث ١٠٥٦٣.

(٦) رجال الكشي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٧) عدة الاصول : ١ / ١٥٤.

٤٨٨

مقامات غير عديدة ، تدلّ على عدم وجوب سجدتي السهو لها ، ومعارضة لصحيحة أبي بصير السابقة في خصوص المقام (١) ، بل معارضة لصحيحة إسماعيل ابن جابر (٢) أيضا ، والأحوط عدم الترك ، لو لم نقل هو الأقوى والأظهر ، بملاحظة الإجماع المنقول وغيره.

قوله : (وقيل). إلى آخره.

القائل هو الشيخ في «التهذيب» ، واستدلّ عليه بما رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن البزنطي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن رجل صلّى ركعتين فذكر في الثانية وهو راكع أنّه ترك سجدة في الاولى ، قال : «كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول : إذا تركت السجدة في الركعة الاولى فلم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت حتّى يصح لك الثنتان ، وإن كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» (٣).

وقوله عليه‌السلام : «فلم تدر واحدة أو ثنتين» ظاهر في كون المراد هو الشك ، لكن على هذا يصير في الخبر حزازات :

الاولى : إنّ الشك بعد التجاوز لا عبرة به ، وإن كان في الأوّلتين ، كما ظهر لك من تصريح غير واحد من الصحاح.

الثانية : إنّ السائل سأل عن حكم السهو ، فكيف أجاب بما أجاب؟

والثالثة : إنّ في الثالثة والرابعة ذكر حكم السهو وجعله مقابلا للأولتين ، مع أنّه عليه‌السلام كيف روى عن والده ذلك؟ ولم يحكم هو بنفسه ، فظهر كون المقام مقام

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ الحديث ٨١٩٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ الحديث ٨١٩٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٤ الحديث ٦٠٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ الحديث ٨١٩٥ مع اختلاف يسير.

٤٨٩

اضطراب.

ويمكن أن يقال : إنّ السائل وإن سأل عن حكم السهو في الأولى بعد التجاوز عن المحلّ ، إلّا أنّ المعصوم عليه‌السلام أجاب سؤاله بما هو أعمّ ، وهو متعارف ، كثير الورود في الأخبار.

بيان ذلك أنّه عليه‌السلام أجاب بأنّه إن شكّ في الترك في الأوّلتين ، يجب عليه الإعادة حتّى يصح له الثنتان ، فمع اليقين بالترك في الاولى الذي سألت عنه بطريق أولى ، وهو واضح ، سيّما بملاحظة قوله عليه‌السلام : «حتّى يصح». إلى آخره.

مع أنّه عليه‌السلام قال في الجواب : إذا ترك السجدة ، فلم يدر يظهر من التفريع أنّ مراده عليه‌السلام من الترك ما يشمل المشكوك ، يعني إذا تحقّق الترك ، أعمّ من أن يكون ذلك الترك اليقيني أو الشكّي ، فتأمّل!

ويحتمل أن يكون المراد من التفريع وضمّه ، إظهار إرادة الظن ، وهو الحكم بالترك مع تردّد ، وعدم دراية في أنّه كذلك أم لا ، فالمراد أنّه إذا ظنّ الترك ، فعليه الإعادة حتّى يحصل اليقين بالثنتين ، فيكون الحكم في صورة اليقين بالترك أيضا ، معلوما من صريح كلامه ، مضافا إلى القياس بطريق أولى ، الواضح غاية الوضوح.

ثمّ قال عليه‌السلام : وأمّا حكم الثالثة والرابعة فليس كذلك ، بل إن حصل اليقين بالترك على التوجيه الأوّل ، أو أنّ ذكر الترك المذكور ، أي ما هو بعنوان الظن ، يجب عليه قضاء تلك السجدة المتروكة ، إن كان الذكر بعد تجاوز محلّ التدارك في الصلاة أو إعادته فيها ، إن لم يكن كذلك فقوله عليه‌السلام : «وإذا كان في الثالثة». إلى آخره ، ينادي بما ذكرنا من أنّ المعصوم عليه‌السلام في الجواب لم يقتصر على بيان حكم المسؤول عنه خاصّة ، بل مراده بيان حكم شقوق المسألة فيما سأله عنه ، حتّى يصير الفقيه الجليل يعني البزنطي عارفا بالجميع ، وإلّا يحتمل الخبر احتمالا آخر ، وهو أنّ

٤٩٠

المعصوم عليه‌السلام ظهر عليه أنّ مراد السائل من قوله : «ثم ذكر في الثانية أنّه ترك» أنّه ظنّ الترك بالتقريب الذي ذكرنا.

فلذا أجاب بأنّه إن ذكر أنّه ترك السجدة ، فلم يدر أنّه كذلك في الواقع أم لا ، يعيد الصلاة حتّى تصح. إلى آخره ، وكثير ما في الأخبار يظهر مراد السائل من جواب المعصوم عليه‌السلام.

لكن يبقى الإشكال في أنّهم عليهم‌السلام صرّحوا بأنّ الشك في أجزاء الاولى والثانية ، مثل الشكّ في أجزاء الثالثة والرابعة ، وأنّ عدم العبرة بها لو شكّ ، ووجوب الإعادة حتّى يحرز الثنتان ، إنّما هو بالنسبة إلى نفس الركعة ، وينادي بذلك عدم ضرر السهو في القراءة ، وأذكار الركوع والسجود والتشهّد إجماعا ، واتّفاقا من الشيخ ومن وافقه (١) ، والمشهور كما ظهر عليك.

ويمكن الجواب بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأخبار ، أو أنّ هذه الصحيحة واردة مورد تقيّة وخوف أو مصلحة ، ولذا أسند الحكم إلى أبيه عليه‌السلام ، إذ لا شبهة في كون ذلك من داع واضطراب ، فلا يعارض مثل هذا جميع ما مرّ في سهو القراءة من الحمد ، أو السورة ، أو ذكر الركوع ، أو غير ذلك ، ممّا هو مثل ذلك كما مرّ وسيأتي ، وخصوص الصحاح الواردة في المقام ، من أنّ نسيان السجدة الواحدة وغيره ، موجب لإعادة الصلاة مطلقا ، فإنّها في غاية الوضوح في شمول الأوّلتين.

وأمّا الحمل على خصوص الأخيرتين مع شذوذ القائل ، بل غير ظاهر أنّ ذلك مذهب الشيخ ، ولذا لم يفت به في كتب فتاويه ، بل صرّح المحقّقون أنّ مذهب الشيخ قلّما يظهر من كتابيه الحديث ، مع أنّه على تقدير كونه مذهبه فيه ، فلا ريبة في رجوعه عنه ، لظهور الخطأ على نفسه ، فلا يبقى عبرة به لغيره.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٠٦ و١١١ و١١٣ و١١٥ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٥ و٣٦ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٢٣١ ـ ٢٣٥.

٤٩١

قوله : (وقيل). إلى آخره.

قد عرفت أنّ القائل ابن أبي عقيل ، وعرفت أنّ ذلك منه غير معلوم ، بل قيل : ظاهر ابن أبي عقيل كذلك (١) ، وعرفت المستند والجواب (٢).

قوله : (وقيل من ترك). إلى آخره.

القائل هو المفيد وابن إدريس على ما نسب إليهما (٣) ، وعرفت الحال.

قوله : (وقد مضى).

قد ظهر لك سابقا وفي المقام أيضا فساد نظره في ذلك (٤) ، وغاية وضوح فساده ، بحيث لا يخفى على من له أدنى فطانة.

قوله : (وقيل). إلى آخره.

قد عرفت الحال فيه مستوفى.

قوله : (وقد مرّ حكم الشكّ).

وهو أنّ من شكّ في شي‌ء ، وقد خرج منه ودخل في غيره فشكّه ليس بشي‌ء ، فإذا شكّ في سجدة واحدة ، أو السجدتين معا ، وقد دخل في التشهّد ، أو في القيام ، فشكّه ليس بشي‌ء وصلاته صحيحة.

وإن شكّ فيهما ، وهو في حال النهوض ، فقد عرفت حاله ممّا ذكرنا في الشكّ في الركوع في حال الهويّ ، وأنّه يرجع إلى السجود.

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٧١.

(٢) راجع! الصفحة : ٤٨٤ و٤٨٥ من هذا الكتاب.

(٣) نسب اليهما في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٦٦ ، لا حظ! المقنعة : ١٣٨ ، السرائر : ١ / ٢٤٠.

(٤) راجع! الصفحة : ٤٨٣ من هذا الكتاب.

٤٩٢

ويدلّ على جميع ما ذكر صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنّه قال للصادق عليه‌السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال : «يسجد» ، قال : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال : «يسجد» (١).

ومعتبرة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٢).

وليس في سند هذه الرواية من يتوقّف فيه سوى محمّد بن سنان ، وهو عندي ثقة ، وفاقا للمفيد والعلّامة في «المختلف» (٣) ، وحقّقته في موضعه (٤) مع انجبارها بالفتاوى ، وهي ظاهرة في عدم الخروج عن المحلّ بالهويّ والنهوض ، وكونها من الأفعال التكوينيّة لا التكليفيّة ، كما عليه الفقهاء ، كما مرّ الإشارة إليه في مبحث الركوع.

وأمّا الشك في واجبات السجود من الذكر ، ووضع الأعضاء السبعة وغيرهما ، فبعد رفع الرأس من السجود ، وخرج منه ودخل في غيره ، وقبل رفع الرأس يأتي بما شكّ فيه البتّة.

وأمّا الشكّ في رفع الرأس بينهما ، فربّما يعود إلى الشكّ في كون ما سجد هل

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٥٣ الحديث ٦٠٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٦١ الحديث ١٣٧١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٩ الحديث ٨٢٠٧.

(٢) الوافي : ٨ / ٩٤٩ الحديث ٧٤٦٦ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٩ / ١٧٠ ، تنبيه : لم نعثر على هذه الرواية بهذا السند في الكتب الأربعة ووسائل الشيعة.

(٣) مصنفات الشيخ المفيد : ١١ / ٢٤٨ ، مختلف الشيعة : ٧ / ٨.

(٤) تعليقات على منهج المقال : ٢٩٧ ـ ٣٠٠.

٤٩٣

واحد أم اثنان؟ فإنّ التعدّد فرع رفع الرأس ، فالشكّ فيه مع الجزم والبناء على أنّه السجدة الثانية ممّا لا يجتمعان ، وعلى فرض الاجتماع لا عبرة بالشكّ المذكور ، لوقوعه بعد التجاوز عن محلّه.

وأمّا الشكّ في الطمأنينة بينهما حالة الرفع ، فإن كان قبل أن يسجد الثانية يأتي بها ، وإن كان بعد الدخول فيها فلا عبرة به ، لوقوعه بعد التجاوز عن محلّها.

وأمّا حكم الظن في أفعال الصلاة ، فحكمه حكم العلم كما ستعرف ، فعلى هذا ، فإذا ظنّ الفعل فهو متّبع ، وأمّا إذا ظنّ الترك فحكمه حكم السهو ، وقد عرفته.

٤٩٤

١٦٢ ـ مفتاح

[كيفيّة السجود]

السجود هو الانحناء حتّى يساوي موضع جبهته موقفه ، إلّا أن يكون علوّا يسيرا ، وقدّر في المشهور باللبنة للخبر (١) ، والأولى أن لا يرفع أصلا للصحيح : «ليكن مستويا» (٢). وربّما يلحق بالارتفاع الانخفاض (٣) ، وقدّر في الموثّق بالآجرة (٤) ، ومنهم من ألحق بالجبهة بقيّة المساجد (٥) وهو أحوط.

والعاجز يرفع موضع السجود بقدر ما يحصل معه الإمكان ، ويسجد على ما يصحّ السجود عليه إن أمكن ، وإلّا فيومئ بالرأس إن أمكن وإلّا فبالعينين ، كما قالوه (٦).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٨ الحديث ٨١٧٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٧ الحديث ٨١٧٥.

(٣) البيان : ١٦٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٨ الحديث ٨١٨٠.

(٥) ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٩٤.

(٦) اللمعة الدمشقية : ٢٨ ، الروضة البهية : ١ / ٢٥١ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٣٣٢.

٤٩٥

وورد في صلاة المريض فيه مثل ما ورد في الركوع (١) ، وفي وجوب رفع الموضع واستحبابه وجواز الإيماء قولان ، أظهرهما الثاني للمعتبرة (٢) منها : «هو أفضل من الإيماء» (٣).

وأحوطهما الأوّل ، للأخبار (٤) منها : «إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد وإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء» (٥) وإن ضعف.

ومن بجبهته دمّل أو جراحة غير مستوعبة حفر حفيرة ليقع السليم على الأرض وجوبا ، من باب المقدّمة وللخبر (٦) ، ومع الاستيعاب وضع أحد جبينيه على المشهور ، فإن تعذّر فالذقن ، وإلّا أومأ ، وفي الخبر «يضع ذقنه على الأرض إنّ الله تعالى يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (٧) (٨) من غير تفصيل.

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الباب ١ من أبواب القيام ، ٦ / ٣٧٥ الباب ٢٠ من أبواب السجود.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨١ الحديث ٧١١٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٤ الحديث ٦٨٠٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٢ الحديث ٧١١٧ ، ٤٨٣ الحديث ٧١١٩ ، ٤٨٧ الحديث ٧١٣٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٤ الحديث ٧١٢٣.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٩ الحديث ٨١٨٢.

(٧) الإسراء (١٧) : ١٠٧.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٠ الحديث ٨١٨٣.

٤٩٦

قوله : (إلّا أن يكون علوّا يسيرا).

من واجبات السجود أن لا يكون موضع الجبهة أعلى من الموقف بأزيد من اللبنة.

والمراد منها ما هو المعتاد في زمان صدور الرواية عن الإمام الشارع ، لانصراف إطلاقه إليه ، وقدّره الفقهاء بأربع أصابع مضمومة من زمان الشيخ ، والحكم بعدم جواز الارتفاع أزيد ممّا ذكر ، هو المعروف بين الأصحاب ، قال في «المنتهى» : هو مذهب علمائنا (١) ، وكذلك الشهيد في «الذكرى» (٢).

وفي «المختلف» لم يجعله ممّا اختلف فيه ، فلم يذكره.

وفي «المعتبر» و «التذكرة» على ما قيل : أنّه لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من الموقف بما يعتدّ به مع الاختيار ، وعليه علماؤنا (٣).

وعلّل بأنّه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع ، والمراد صورة الاختيار لا الاضطرار لما ستعرف.

ونسب في «المعتبر» التحديد باللبنة إلى الشيخ (٤).

واحتجّوا على ذلك برواية عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : عن السجود على الأرض المرتفعة ، فقال : «إذا كان [موضع] جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس» (٥).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ١٥١.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٥٠.

(٣) نقل عنهما في ذخيرة المعاد : ٢٨٥ ، لا حظ! المعتبر : ٢ / ٢٠٧ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٨٩ المسألة ٢٥٨.

(٤) المعتبر : ٢ / ٢٠٨ ، لا حظ! النهاية للشيخ الطوسي : ٨٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٣ الحديث ١٢٧١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٨ الحديث ٨١٧٩.

٤٩٧

والرواية منجبرة سندا ودلالة بالشهرة التي كادت تكون إجماعا ، لو لم نقل بالإجماع ، بل عرفت الإجماع المنقول ، حتّى الذي نقل في «المعتبر» وغيره (١) ، لأنّ أزيد من اللبنة يكون ممّا يعتدّ به عند الفقهاء ، وأقلّ منه لا يكون.

قال في «التحرير» : ويجوز أن يكون موضع السجود أعلى بما لا يعتدّ به كاللبنة لا أزيد (٢) ، لأنّ العبادة توقيفيّة ، لا طريق لغير الشارع إليها بالضرورة ، فما يعتدّ به وما لا يعتدّ به ، إنّما يكونان بحسب الشرع ، ولم يرد من الشرع سوى ما ذكر ، لا من نص ولا إجماع ، والذي ثبت منه تحديد الشارع منحصر في الحديث وفتاوى الأصحاب ، ولم يتحقّق منهما سوى ما ذكر.

فقوله : إنّ التحديد من الشيخ (٣) يعني أنّ الكاشف من حيث الفتوى ابتداء هو الشيخ ، ثمّ من تبعه.

ومستندهم الرواية المذكورة ، فعلى هذا صحيحة ابن سنان الراوي المذكور عن الصادق عليه‌السلام حين سأله عن موضع الجبهة للساجد يكون أرفع من مقامه؟ قال : «لا ، ولكن ليكن مستويا» (٤) لا بدّ من حملها على ما يوافق حسنته ـ إذ الرواية المذكورة حسنة من جهة النهدي ، وهو الهيثم بن أبي مسروق ـ لأنّ ظاهرها لم يفت به مفت ، والشاذ لا يكون حجّة ، بل يجب ترك العمل به نصّا وإجماعا.

والحسنة لو كانت ضعيفة ، لكانت حجّة البتّة بالانجبار بما ذكر ، فكيف وهي حسنة؟ مع أنّ حسنته ليس إلّا من جهة الهيثم ، وإلّا فالباقون ثقات أعاظم ،

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٠٧ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٩٤ المسألة ٢٦٥.

(٢) تحرير الأحكام : ١ / ٤٠.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٠٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٥ الحديث ٣١٥ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٧ الحديث ٨١٧٥.

٤٩٨

والعلّامة صحّح طرقا من الصدوق إلى من روى عنه ، وهو في تلك الطرق ، مثل طريقه إلى أبي ولّاد الحنّاط ، وطريقه إلى محمّد بن بجيل ، وطريقه إلى ثور بن أبي فاختة (١).

مع أنّ الثقات الأعاظم يروون عنه ، مثل سعد بن عبد الله ، ومحمّد بن علي بن محبوب ، والصفّار.

وفي «الكافي» بعد ما روى الصحيحة قال : وفي حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة ، قال : «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» (٢) فهو من الأحاديث اليقينيّة عنده.

مع أنّه في الموثّق في «الكافي» و «التهذيب» عن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن المريض أيحلّ له أن يقوم على فراشه ويسجد على الأرض ، فقال : «إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض وإن كان أكثر من ذلك فلا» (٣).

وأيضا ما سيجي‌ء في جواز الانخفاض في الجملة ، من إجماع الأصحاب عليه ، تعارض ظاهر الصحيحة ، مع أنّ المسلمين في الأعصار والأمصار ما كانوا يلتزمون المساواة ولا يلزمون.

والصلاة ممّا يعم به البلوى ، وأعمّ شي‌ء بحسب البلوى وشدّة الحاجة ، ووفور الدواعي إليها.

فلو كانت المساواة واجبة فيها ، لاقتضت العادة اشتهارها اشتهار الشمس ،

__________________

(١) خلاصة الرجال للحلّي : ٢٧٩ و٢٨١.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٣٣ ضمن الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٩ الحديث ٨١٨١.

(٣) الكافي : ٣ / ٤١١ الحديث ١٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٩٤٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٨ الحديث ٨١٨٠.

٤٩٩

فكيف كان الأمر على خلاف ذلك ، فظهر لك اليقين بعدم اعتبار ظاهر الصحيحة ، فإمّا أن يكون محمولا على الاستحباب ، كما يدلّ عليه صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد ، فقال : «إنّي أحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه» (١) أو يكون المراد الاستواء الشرعي ، وعدم التفاوت بما يعتدّ به شرعا ، كما عرفت ، فيكون المراد من الحديثين أمرا واحدا.

بل يكون الحديث حديثا واحدا ، وقع التفاوت من فوت القرائن ، بقرينة اتّحاد الراوي والمروي عنه والحكاية.

وكذا الراوي عن الراوي ، وهو ابن أبي عمير في طريق «الكافي» ، مع أنّ ابن أبي عمير كيف لم يرو للنهدي مجموع الروايتين ، وكذلك لإبراهيم بن هاشم؟ وكيف روى للنهدي خصوص أحد المتعارضين ، ولإبراهيم خصوص الآخر ، من دون إظهار المعارض لكلّ منهما؟

وكذلك الحال في ابن سنان ، في غير طريق «الكافي» ، مع أنّه كان المناسب أن يروي المضمونين بحديث واحد ، بأن يقول : سمعت هكذا وهكذا جميعا ، أو يقول : وإن كان الواجب كذا ، إلّا أنّ المستحب كذا ، مع أنّ ابن سنان كيف لم يسأل الصادق عليه‌السلام بأنّك كيف ذكرت لي حكمين متناقضين؟ وما السرّ وما الحكمة وما العلاج؟ فتأمّل!

وممّا ذكرنا ظهر فساد ما في «المدارك» من الطعن في الحسنة ، بأنّ النهدي مشترك بين جماعة ، منهم من لم يثبت توثيقه ، مع أنّه روى في الصحيح ما يقتضي المنع مطلقا ، وتقييدها بالرواية الاولى مشكل (٢) ، انتهى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٨٥ الحديث ٣١٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٥٧ الحديث ٨١٧٦.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٠٧.

٥٠٠