مصابيح الظلام - ج ٧

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٧

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-8
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥١٦

كما عرفت ، بل موافق للإجماعات المنقولة ، وطريقة الشيعة عملا ، بل كاد أن يكون فتوى أيضا ، حتّى أنّه صار شعار الشيعة يعرفون به كما نشاهد ، ومخالف للعامّة ، لأنّ عدم الوجوب هو المشهور بينهم والمعروف منهم ، بل المجمع عليه عندهم ، حتّى صار شعارهم كما نشاهد.

وورد في الأخبار المتواترة الأمر بترك العمل بما وافق العامّة ، وما هو أوفق لهم (١) ، وورد الأخذ بما اشتهر بين الأصحاب (٢).

ومع هذا عرفت سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، وورد الأمر بأخذ ما وافق السنّة ، وما هو طريقتهم عليهم‌السلام (٣) ، بل المعارض أوفق بكتاب الله أيضا بالنسبة إلى الصحيح المذكور ، حيث قال تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (٤) على أنّه ظهر من بعض ما تقدّم من الأخبار موافقة المقام لحكم الجهر والإخفات.

وسيجي‌ء في مبحثه ما يظهر لك ظهورا تامّا كون وجوب الجهر والإخفات موافقا للمشتهر بين الأصحاب وعدم وجوبهما موافقا لرأي العامّة ، فما يرجّح وجوبهما يرجّح وجوب السورة أيضا والأخبار الدالّة عليه.

وسيجي‌ء في مبحث القرآن بين السورتين أيضا ما يرجّح الأخبار الدالّة على وجوب السورة ، وعرفت كصحيحة منصور المتضمّنة للمنع من قراءة أقلّ السورة وأكثرها (٥).

وبالجملة ، مرجّحات ما دلّ على الوجوب في غاية الكثرة ونهاية الشدّة ، واحد منها يكفي للمجتهد فما ظنّك بالمجموع؟

__________________

(١) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) لا حظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٢٧ / ٦٢ الباب ٧ من أبواب صفات القاضي.

(٤) المزمّل (٧٣) : ٢٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٣ الحديث ٧٢٩٥.

٣٠١

والقائل باستحباب السورة يكتفي بواحد منها في غير المقام ، وبناء فتواه واجتهاده على الاكتفاء ، وهذه طريقته من أوّل الفقه إلى آخره ، وظاهر أنّ كلّ مرجّح ومقوّ لدليل الوجوب موهن ومضعف لدليل الاستحباب ، فالصحيح المذكور مع جميع المضعّفات المذكورة التي لا تكاد تحصى ، فيه مضعف آخر ، وهو أنّ الحلبي المذكور روى هو بعينه أنّه «لا بأس بقراءة فاتحة الكتاب في الأوّلتين من الفريضة إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا» (١).

وهو صريح في أنّ إجزاء فاتحة الكتاب في الفريضة مشروط بشرط ، لا أنّه مطلق.

ومن المعلوم المحقّق المسلّم أنّ المطلق يحمل على المقيّد ، والمدار في الفقه على ذلك ، حتّى عند القائل بالاستحباب أيضا ، سيّما وأن يكون الراوي فيهما واحدا وكذا المروي عنه ، وأن يكون حديثه المقيّد ورد متعدّدا كثيرا عن جماعة ، كما عرفت سابقا.

وخصوصا أن يكون هناك أدلّة لا تكاد تحصى ، كلّ واحد منها يقتضي هذا القيد في الصحيح ، فضلا عن المجموع من الإجماعات والأخبار ، وطريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام : وغير ذلك ممّا عرفت ، وكذلك المرجّحات ، مضافا إلى قاعدة لزوم حمل المطلق على المقيّد.

فلعلّ في الصحيح كان المقام مقام ذكر الإجزاء في الجملة من دون اقتضاء ذكر الشرط والقيد ، كما هو الحال في مطلق المطلقات المقيّدة ، مع أنّه كما وقع السقط في السند ربّما كان وقع السقط في المتن في مقام تقطيع الأحاديث وأخذها من أصل

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧١ الحديث ٢٦١ ، الاستبصار : ١ / ٣١٥ الحديث ١١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٠ الحديث ٧٢٨٧ مع اختلاف يسير.

٣٠٢

ابن محبوب.

هذا ، مع أنّ الجمع بين الأدلّة يقتضي ذلك ، لأنّ هذا الحمل أقرب من حمل ما دلّ على الوجوب على الاستحباب بالنسبة إلى كثير ممّا دلّ على الوجوب ، فلا حظ وتأمّل.

على أنّ الحمل المذكور لو كان أبعد من حمل ما دلّ على الوجوب على الاستحباب تعيّن الحمل على التقيّة ، بل عرفت أنّهم أمرونا بترك ما يوافق العامّة ، وما خالف المشتهر بين الأصحاب ، وما خالف السنّة ، وما لم يوافق القرآن ، وما خالف العقل (١) ، حيث قالوا عليهم‌السلام : «عليكم بالدرايات دون الروايات» (٢) ، إلى غير ذلك ، والله يعلم.

مع أنّه على فرض تقاوم المتعارضين وتساويهما يتعيّن أيضا وجوب قراءة السورة ، تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، لعدم الاكتفاء بالبراءة الاحتماليّة قطعا ، لقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله» (٣) ، وللإجماع ، ولوجوب تحصيل الامتثال العرفي وغير ذلك ، مضافا إلى ما ورد من المنع عن سلوك مسلك الأعداء والتشبّه بهم (٤) ، فتأمّل!

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الاستدلال بأحاديث التبعيض ، لكونه من شعار العامّة قطعا ، وخلافه شعار الشيعة (٥) ، ومرّ الإجماعات المنقولة على عدم جوازه أيضا ، مع أنّهما لا تدلّ على استحباب مجموع السورة.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣١ الباب ٥ من أبواب صفات القاضي.

(٢) بحار الأنوار : ٢ / ١٦٠ الحديث ١٢ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ مع اختلاف يسير.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ١٦٥ الحديث ١٧٠.

(٥) في (د ١) : الخاصة.

٣٠٣

وعرفت أنّ ابن الجنيد ظاهره وجوب قراءة البعض منها (١) ، وكذا الشيخ في «النهاية» لو كان قائلا بعدم وجوب السورة ، وكذلك العلّامة في «المنتهى» (٢).

وممّا يرجّح الحمل على التقيّة ـ مضافا إلى فهم المعظم من الخبيرين الماهرين قريبي العهد من الشاهدين ، والإجماعات وغيرهما ممّا ذكر ـ أنّ اختلاف الأخبار منهم عليهم‌السلام ، وهم قالوا : «منّا» (٣) و «أنّه أبقى لنا ولكم» (٤) ، وغير ذلك من العبارات الصريحة في كونه من جهة الخوف.

ولذا ورد عنهم عليهم‌السلام بحدّ التواتر الأمر بترك ما وافق العامّة ، أو [ما] هم إليه أميل ، أو قضاتهم ، أو حكّامهم ، وأخذ ما اشتهر بين الشيعة وأمثاله (٥) ، والشيعة أيضا متى وجدوا رائحة الموافقة للعامّة ، قالوا : أعطى من جراب النورة (٦) ، ويذهبون إلى خلافه أو يتوقّفون. والاعتبار شاهد أيضا على كونه معظم الاختلاف بل أصل كلّ اختلاف ، إلّا ما ندر من ذلك ، وأيضا متى سألوا الأئمّة عليهم‌السلام علاجا في الاختلاف ، أمروا بمراعاة المرجّحات ، حتّى سألوا مثل المقام في اختلاف الخبر بقولهم : أحدهما يأمرنا بالأخذ والآخر ينهى عنه ، فكيف العلاج؟ فأمروا بأخذ قول الأعدل وأمثاله ، فقالوا : فإذا كانا في العدالة ونحوهما سواء ، أمروا بمراعاة مرجّح آخر ، فقالوا : فإذا كانا فيه أيضا سواء ، أمروا بمراعاة مرجّح آخر ،

__________________

(١) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٠٠.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٨٢ ـ ٢٨٤ من هذا الكتاب.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٨ الحديث ٣٣٣٣٦.

(٤) علل الشرائع : ٣٩٥ الحديث ١٦ ، بحار الأنوار : ٢ / ٢٣٦ الحديث ٢٤.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

(٦) تهذيب الأحكام : ٩ / ٣٣٢ الحديث ١١٩٥ ، الاستبصار : ٤ / ١٧٤ الحديث ٦٥٧ ، وسائل الشيعة : ٢٦ / ٢٣٨ الحديث ٣٢٩١٥.

٣٠٤

وهكذا إلى أن قالوا : فإذا كانا في الجميع سواء ، قالوا : إذا أرجه أو احتط (١) ، ونحوهما.

ولم يأمروا عليهم‌السلام أصلا بحمل النهي على الكراهة ، والأمر على رفع الحظر ، كما اختاره القائل بالاستحباب ، والمرجّحات التي أمروا بمراعاتها هي الشهرة بين الأصحاب ، والمخالفة للعامّة ، أو ما هم إليه أميل ، والموافقة للكتاب أو السنّة ، أو غير ذلك ممّا مرّ.

والجميع مجتمعة في القول بالوجوب ، مع أنّ واحدها يكفي ، وأيضا كيف يجوز الحمل على الاستحباب؟ مع أنّ العبّاسي ما زاد على عدم اللزوم في خصوص البسملة ، وصدر من المعصوم عليه‌السلام بالنسبة إليه ما صدر من التغليظ والتشديد والتقريع ، كما عرفت ، بل قال بالإعادة ، مرّتين على رغم أنفه (٢).

انظر أيّها العاقل! من قال حقّا وصوابا كيف ينكر عليه؟ سيّما بهذا التشديد وبرغم أنفه ، مع أنّ إرغام أنف غير المقصّر حرام قطعا ، سيّما إذا قال صوابا وحقّا.

ويحيى بن عمران الراوي ، ذكره في «الخلاصة» من القسم الأوّل ، وأنّه يونسي (٣). والصدوق ذكر أنّه من تلامذة يونس بن عبد الرحمن الجليل (٤) ، وفي المقام صحّح حديثه (٥) ، وهو أحد من اعتبر قوله في تصحيح الحديث ، وذكرنا في الرجال أمرا آخر فيه يشير إلى مدح (٦).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٦٧ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٣١٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٨ الحديث ٧٣٤١.

(٣) خلاصة الرجال للحلّي : ١٨١ الرقم ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه (المشيخة) : ٤ / ٤٤.

(٥) لاحظ! منتهى المطلب : ٥ / ٥٥.

(٦) تعليقات على منهج المقال : ٣٧١.

٣٠٥

مع أنّ الانجبار بالشهرة خاصّة يكفي ، بل هو أولى من التوثيق عند الفقهاء يعملون بالضعيف المنجبر بها ويتركون الصحيح المعارض ، كما مرّ في مبحث التيمّم وحدّ طلب الماء ، وغير ذلك ممّا مرّ (١) وسيجي‌ء ، وذكرنا في «الفوائد» أنّه حقّ وبيّنا وجهه (٢) ، مع ظهوره على المتأمّل.

وأيضا كيف قالوا عليهم‌السلام ، لجمع من الأعاظم في الصحيح والمعتبر : إنّ إجزاء الحمد وحدها مشروط بالخوف ، أو أن يعجله أمر؟ كما عرفت.

وأيضا كيف قالوا عليهم‌السلام لجمع : «إذا كان ترك القراءة عمدا فقد نقص صلاته وعليه الإعادة؟» وكيف قالوا : «لا صحّة للقراءة حتّى يبدأ فيها بالحمد؟» وكيف قالوا : «تركب وتصلّي بقراءة السورة أحبّ إليّ من أن تصلّي قائما مستقرّا بالحمد وحده»؟ إلى غير ذلك ممّا عرفت ، بل الأمر بالقراءة حقيقة في الوجوب ، والنهي عن الترك حقيقة في الحرمة.

ولم لم يرخّصوا هؤلاء الرواة؟ على أنّه فهم المحدّثين والفقهاء القريبين للعهد ومن هو أقرب فالأقرب أعظم شي‌ء في فهم الأخبار ، وقد عرفت الإجماعات والفتاوى حتّى صار شعارا لنا وتركها شعارا للعامّة في الأعصار والأمصار ، مشاهدان بالأبصار.

وأيضا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، كانوا باذلين الجهد في ترويج الدين السهلة السمحة ، ويحبّون السعة واليسر والرخصة ، ويقولون : «أحبّ دينكم إلى الله السهلة السمحة» (٣) وأنّ اليسر مراد الله ، ويسعون في التخفيف على الامّة ،

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٤٢ ـ ٢٤٥ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٢) الفوائد الحائريّة : ٢١٣ الفائدة ٢٠.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٢٩ الباب ٢٩ ، الجامع الصغير : ١ / ١٩ الحديث ٢٠٨ مع اختلاف يسير.

٣٠٦

ويحذرون توهّم الوجوب والحرمة ، حتّى كانوا يتركون العبادة ، كيلا يلتزم الامّة تلك العبادة ، كما ورد في صوم عرفة وغيره (١).

والامّة أيضا في هيئة العبادة كانوا يقتصرون على ما يرون من أفعال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، لعدم محيصهم عن ذلك البتّة ، لكونها توقيفيّة.

ويشير إليه ما ورد في الحجّ مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره ، مع أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (٢) وغيره ، والله أمر باتّباعه ، واتّباع الأئمّة عليهم‌السلام على سبيل الوجوب ، كما يظهر من الآية (٣) ، والأخبار المتواترة (٤) ، إلى غير ذلك ممّا ذكرنا ، مع مبالغتهم عليه‌السلام في تخفيف الإمام ، وكون صلاته صلاة أضعف من خلفه (٥).

ومع جميع ذلك ما تركوا السورة بالمرّة ، ولو تركوا لشاع بمقتضى العادة ، كما مرّ.

ومرّ أيضا أنّ عادتهم عليهم‌السلام المستمرّة كانت قراءة سورة ، كذا في الظهر وكذا في العصر ، وهكذا إلى الصبح ، وكذا يوم الجمعة ، وغيره على ما نطقت به الأخبار (٦) ، حتّى ظهر على الفقيه من الشيعة كون السورة مساوية للحمد ، إلى أن سأل : أيّهما أحبّ إليك ترك الحمد أو السورة؟ (٧) إذا لم يمكن جمعهما.

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ١٠ / ٤٦٤ الباب ٢٣ من أبواب الصوم المندوب.

(٢) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٨ الحديث ٨.

(٣) النساء (٤) : ٥٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ٧٧ الباب ٨ من أبواب صفات القاضي.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٩ الباب ٦٩ من أبواب صلاة الجماعة.

(٦) انظر! وسائل الشيعة : ٦ / ١١٢ الباب ٤٥ ، ١١٤ الباب ٤٧ ، ١١٦ الباب ٤٨ ، ١٢١ الباب ٥٠ ، ١٥٤ الباب ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٧) الاستبصار : ١ / ٣١٠ الحديث ١١٥٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧ الحديث ٧٢٨٠.

٣٠٧

نعم ، صدر من الصادق عليه‌السلام مرّة أنّه أمّ قوما فقرأ آخر المائدة ، فلمّا فرغ اعتذر عن هذا الفعل (١).

فلولا أنّه خلاف طريقتهم لما بادروا بذكر العلّة ، لأنّ ما صدر منهم ما كانوا يذكرون له علّة ، سيّما في العبادة التوقيفيّة ، بل علّلوا للحمد أو الركوع أو غيرهما من أجزاء الصلاة ، أو كيفيّة الأجزاء المسلّمة.

وخصوصا أن يبادر بذكر العلّة ، خوفا من أن يتوهّموا كونه غير معلّل ، كسائر الأجزاء والهيئات لها ، وسيّما أن يعلّل بأنّي أردت أن أعلّمكم ويسكت من دون ذكر ما أراد أن يعلّمهم ، إذ فيه إيماء إلى أنّه لا يناسب ذكره.

وكون الظاهر منه إعلام جوازه لا ينفع ، لكونه مسلّما عند الموجب أيضا إنّما الإشكال في جوازه مطلقا أو في الجملة ، مثل حال التقيّة أو غيره ، والفعل لا عموم فيه قطعا فيكون مؤدّاه في الجملة جزما ، فيكون مختصّا بحال التقيّة ، لأنّه من جملة الأحوال وجوازه قطعيّ ، وغيره غير ظاهر لعدم ما يدلّ عليه لو لم نقل بدليل العدم.

وعدم إعلامه كون جوازه مطلقا ، أو في الجملة يشير إلى الثاني ، لكون المقام مقام تقيّة ، وعدم مناسبة التعيين ، بل وإظهار العلّة والمبادرة به تنبيه لمن خلفه أن لا يتوهّموا الصحّة وأنّه من دون عذر وعلّة ، وتصريح بأنّه معلّل بعلّة لا أنّه من غير علّة ، وأنّ الصلاة هكذا في نفسها ، كما هو كذلك عند العامّة.

والشيعة لمّا رأوا أمثال ذلك كانوا يقولون : أعطاك من جراب النورة (٢) ، ولذا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٤ الحديث ١١٨٣ ، الاستبصار : ١ / ٣١٦ الحديث ١١٧٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٦ الحديث ٧٣٠١.

(٢) تهذيب الأحكام : ٩ / ٣٣٢ الحديث ١١٩٥ ، وسائل الشيعة : ٢٦ / ٢٣٨ الحديث ٣٢٩١٥.

٣٠٨

فهموا كذلك ، وأجمعوا على الوجوب ، كما عرفت. وحملوا هذه الحكاية على التقيّة ، كما ذكرنا ، وغير خفيّ على الفطن صحّة فهمهم.

قوله : (وأمّا النافلة). إلى آخره.

المراد النافلة المطلقة لا الواردة بسورة خاصّة أو بمطلق السورة ، إذ لا يجوز حينئذ بغير السورة ، كما أنّ ما بسورة خاصّة لا يجوز بغيرها ، ولا يجوز زيادة غيرها أيضا ولو آية ، لأنّ العبادة الواردة بكيفيّة خاصّة لا يجوز تبديل تلك الكيفيّة ، إذ يصير حينئذ تشريعا محرّما (١).

نعم ، إذا ورد بعنوان الإطلاق تارة وبصورة خاصّة اخرى ـ كما في النوافل اليوميّة ـ جاز إيقاعها بالحمد وحدها ، لأنّ السورة أو الآية حينئذ مستحبّان.

وممّا يدلّ على جواز خلوّ النافلة عن السورة ما سيجي‌ء في الشكّ بين الركعات من الأخبار الدالّة على أنّه يبني على كذا ، ويسلّم ويحتاط هكذا (٢) ، إذ ورد أنّه يقرأ في صلاة الاحتياط بفاتحة الكتاب وحدها (٣) وعلّلوا بأنّ صلاته إن كانت ناقصة يكون الاحتياط تتمّتها وإلّا تكون نافلة ، وأمّا حال الضرورة وحال عدم إمكان التعلّم فقد مرّ دليلهما والتحقيق فيهما.

__________________

(١) في (د ١) و (ك) : حراما.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٢ الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٩ الباب ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٠٩
٣١٠

١٥٣ ـ مفتاح

[كراهة القران بين السورتين]

يكره القران بين السورتين في الفريضة مع الفاتحة ـ إلّا في «الضحى» و «ألم نشرح» كما في الصحيح فعلا (١) ، والخبر الآخر قولا (٢) ، و «الفيل» و «لإيلاف» كما في ذلك الخبر قولا (٣) ـ للصحيح : «لكلّ سورة ركعة» (٤) وفي الخبر : «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر» (٥).

وقيل : يحرم (٦) ، وقيل : يفسد به الصلاة (٧) ، ويدفعها الأصل والعمومات ، والصحيح : في القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال : «لا بأس» (٨).

وفي الموثّق : «إنّما يكره أن تجمع بين السورتين في الفريضة فأمّا النافلة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٤ الحديث ٧٣٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٠ الحديث ٧٣١٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٣ الحديث ٧٢٩٥.

(٦) الانتصار : ٤٤ ، الخلاف : ١ / ٣٣٦ المسألة ٨٧ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١٥١.

(٧) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٥ و٧٦.

(٨) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٢ الحديث ٧٣٢٠.

٣١١

فلا بأس» (١).

ولا دلالة في شي‌ء من روايتي الأربع المستثناة على وحدة السورتين ، ولا على عدم جواز الاقتصار على إحداهما كما ظنّ (٢) ، بل الثانية ظاهرة في التعدّد.

نعم روى العيّاشي أنّ الفيل ولإيلاف سورة واحدة (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٠ الحديث ٧٣١٣.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٤٩ المسألة ٢٣٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣١.

٣١٢

قوله : (يكره). إلى آخره.

أقول : الصدوق قال في أماليه : من دين الإماميّة عدم جواز القران بين سورتين في الفريضة ، وأمّا النافلة فلا بأس بأن يقرن الرجل فيها ما شاء (١) ، انتهى.

قد عرفت أنّ المراد النافلة المطلقة ، وادّعى السيّد أيضا في «الانتصار» إجماع الإماميّة عليه (٢) ، وفي «الفقيه» أفتى بعدم الجواز موافقا لأماليه (٣).

وكذلك الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الخلاف» و «التهذيب» (٤) ، بل في «النهاية» و «الخلاف» : أنّه مفسد للصلاة أيضا ، وفي «المبسوط» : لا يفسد إلّا أنّه حرام ، والمتأخّرون اختاروا الكراهة على ما في «المدارك» (٥) ، وأنّهم وافقوا «الاستبصار» وابن إدريس (٦).

لكن في «القواعد» صرّح ببطلان الصلاة به (٧) ، وفي «المنتهى» اختار عدم الجواز ، وتردّد في البطلان (٨) ، وكذلك صرّح في «التحرير» (٩) ، وظاهر «النافع» أيضا ذلك (١٠) ، وفي «الإرشاد» : أنّه لا يجزي مع زيادة على السورة (١١) ، وفي

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٢.

(٢) الانتصار : ٤٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٠ ذيل الحديث ٩٢٢.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٧٥ ، المبسوط : ١ / ١٠٧ ، الخلاف : ١ / ٣٣٦ المسألة ٨٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٦.

(٥) لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٣٥٤.

(٦) الاستبصار : ١ / ٣١٧ ذيل الحديث ١١٨١ ، السرائر : ١ / ٢٢٠.

(٧) قواعد الأحكام : ١ / ٣٢.

(٨) منتهى المطلب : ٥ / ٨٠ ـ ٨٢.

(٩) تحرير الأحكام : ١ / ٣٨ و٣٩.

(١٠) المختصر النافع : ٣٠.

(١١) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٥٣.

٣١٣

«المختلف» أيضا اختار عدم الجواز ، وصرّح به وبالغ في إثباته (١).

وفي «الشرائع» قال : لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من العزائم ، ولا ما يفوت الوقت بقراءته ، ولا أن يقرن بين سورتين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه (٢). انتهى ، فتأمّل!

والشهيد أيضا استقرب الكراهة في غير «اللمعة» (٣) ، وظاهره فيه الحرمة.

وبالجملة ، ما ذكره في «المدارك» قد عرفت حاله ، وليس عندي كتب غير من ذكرته ، والذي وجدته إمّا صريح في الحرمة أو ظاهر فيها ، لتصريحهم بأنّه يجب أن يقرأ بعد الحمد سورة كاملة ، وظاهره وجوب الاقتصار عليه ، مع تعرّضهم لجميع الأمور التي يتعرّض لها الفقهاء ، فتأمّل جدّا!

حجّة المحرّمين : ـ بعد ما عرفت في بحث وجوب السورة من كون العبادة توقيفيّة ، ولا بدّ فيها من تحصيل اليقين بالبراءة ، ومواظبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (٤). وما ورد في وجوب متابعتهم (٥) ، وكون المدار في الأعصار والأمصار على الوحدة ـ أنّ المتبادر من الإطلاقات كون السورة واحدة ، وأنّ الواجب كذلك ، فلاحظ ما ذكرنا سابقا من الأخبار وتأمّل.

ويدلّ أيضا عليه الإجماعان المنقولان ، وكصحيحة منصور السابقة أيضا ، من قوله عليه‌السلام : «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر» (٦).

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢ / ١٥١.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ٨٢.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٧٣.

(٤) عوالي اللآلي : ١ / ١٩٧ الحديث ٨.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٧٧ الباب ٨ من أبواب صفات القاضي.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٣ الحديث ٧٢٩٥.

٣١٤

وليس في سندها من يتوقّف فيه سوى محمّد بن عبد الحميد ، وما استثناه القميّون من «نوادر الحكمة» (١) ، مع نهاية كثرة رواية صاحبه عنه.

وهذا دليل كمال الوثوق والاعتماد عليه ، والعلّامة يعدّ الحديث المشتمل عليه من الصّحاح ، وعدّ طريق الصدوق إلى منصور بن حازم من الصحاح (٢) ، ومنصور بن حازم هو راوي هذه الرواية.

وخالي العلّامة رحمه‌الله حكم بتوثيقه وتوثيق أبيه (٣) ، والنجاشي وثّق توثيقا احتمل كونه للابن أو لأبيه (٤).

والكشّي ذكره محمّد بن سالم بن عبد الحميد ، وحكم بكونه فطحيّا ، ومن أجلّة العلماء والفقهاء والعدول (٥) ، ولاحظ ما ذكرناه فيه (٦).

مع أنّ هذه الرواية بعينها عن صاحب «نوادر الحكمة» وغير مستثنى ، مع أنّ «الكافي» نقلها ، فهي من القطعيّات عنده.

هذا ، مع انجبارها بجوابر اخر من الإجماع وغيره.

وأمّا الدلالة ، فالنهي حقيقة في الحرمة ، والحمل على الكراهة خلاف الأصل والظاهر ، مع أنّه لا يمكن لأنّ جزء العبادة راجح جزما ، وإلّا فلا معنى لجزئيّتها والراجح لا يمكن أن يكون مرجوحا جزما ، ومن جوّز الاجتماع فإنّما يجوّزه إذا كان الراجحيّة والمرجوحيّة من جهتين مختلفتين والمقام ليس كذلك ، لأنّ

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٤٨ الرقم ٩٣٩ ، الفهرست للشيخ الطوسي : ١٤٥ الرقم ٦١٢.

(٢) خلاصة الرجال للحلّي : ٢٧٧.

(٣) لاحظ! ملاذ الأخيار : ٣ / ٥١١ ، ١٥ / ١٧٨.

(٤) رجال النجاشي : ٣٣٣٩ الرقم ٩٠٦.

(٥) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٥ الرقم ١٠٦٢.

(٦) تعليقات على منهج المقال : ٢٩٦.

٣١٥

الراجحيّة من جهة كونه جزء الصلاة والمرجوحيّة أيضا من هذه الجهة ، إذ لو لا جزئيّته للصلاة لم يكن مرجوحا.

وممّا ذكر ظهر فساد القول بكراهة الزائد عن السورة بقصد كونه من الصلاة ، كما اختاره القائل بالكراهة من المتأخّرين.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل يقرأ السورتين في ركعة؟ فقال : «لا ، لكلّ سورة ركعة» (١).

وصحيحة صفوان ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يقرن بين سورتين في ركعة ، فقال : «إنّ لكلّ سورة حقّا فأعط حقّها من الركوع والسجود» ، قلت : فيقطع السورة؟ فقال : «لا بأس» (٢).

لعلّ السائل لمّا سمع عدم جواز القران فرّع على ذلك قطع السورة بقوله : «فيقطع» بناء على أنّ الإنسان ربّما يقرأ سورة اخرى ، فإذا حرّم القران يجوز له قطعها ، مع أنّه تبعيض للسورة المنهيّ عنه عندنا ، فأجاب عليه‌السلام بأنّه «لا بأس» أي في المقام ، كي لا يتحقّق القران.

ورواية عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه‌السلام قال له : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال : «نعم» قلت : أليس يقال : أعط كلّ سورة حقّها من الركوع والسجود؟ فقال : «ذلك في الفريضة ، وأمّا النافلة فليس به بأس» (٣).

وفي هذه الرواية دلالة على اشتهار حديث أعط. إلى آخره ، وصحّته.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٠ الحديث ٢٥٤ ، الاستبصار : ١ / ٣١٤ الحديث ١١٦٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٤ الحديث ٧٢٩٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٦٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٠ الحديث ٧٣١٤ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٠ الحديث ٢٥٧ ، الاستبصار : ١ / ٣١٦ الحديث ١١٧٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥١ الحديث ٧٣١٦.

٣١٦

وفي مثل هذه الرواية شهادة على وجوب السورة أيضا ، لأنّ إضافة حقّ إلى الضمير المذكور تفيد اختصاصا ، وأنّ الركوع والسجود حق خاصّ بالسورة دون الحمد والقنوت والتكبيرة ، فتأمّل جدّا!

ويدلّ عليه أيضا «الفقه الرضوي» (١) ، وعبارته عبارة «الفقيه» (٢).

وفي «مجمع البيان» : عن العيّاشي ، بسنده إلى المفضّل بن صالح ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا «الضحى» و «ألم نشرح» و «ألم تر كيف» و «لإيلاف»» (٣).

وفي «شرح الإرشاد» من مولانا أحمد الأردبيلي رحمه‌الله : ونقل عن كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر سمعت الصادق عليه‌السلام قال : «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و «ألم نشرح» و «الفيل» و «لإيلاف»» (٤) (٥) ، انتهى.

وفي المعتبر : عن ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام : «لا بأس بأن تجمع في النافلة من السور ما شئت» (٦).

حجّة المجوّزين : صحيحة علي بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام : عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة ، قال : «لا بأس» ، وعن تبعيض السورة ، قال : «أكره ولا بأس به في النافلة» (٧).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٠٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠٠ الحديث ٩٢٢.

(٣) مجمع البيان : ٦ / ٢٤١ (الجزء ٣٠) ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٥ الحديث ٧٣٣٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢٤٣.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥١ الحديث ٧٣١٨ ، تنبيه : لم نعثر عليه في مظانّه في المعتبر.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٩٦ الحديث ١١٩٢ ، الاستبصار : ١ / ٣١٧ الحديث ١١٨١ ، وسائل الشيعة :

٣١٧

وفي الصحيح ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة ، وأمّا النافلة فلا بأس» (١).

والجواب عنهما عدم مقاومتهما لما دلّ على المنع بحسب العدد ، والفتاوى والإجماعين ، وطريقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام وغير ذلك ، مع أنّ الكراهة ليست نصّا في المصطلح عليه ، مع عدم نقل فيه عن اللغوي إلى الآن.

نعم ، في اصطلاح الفقهاء وقع النقل ، وهذا لا ينفع ، وكثيرا ما يراد منها الحرمة وإن كان معناها الأعمّ منها.

وبالجملة ، لا يقاوم بحسب الدلالة أيضا لمكان الوهن.

وأمّا صحيحة ابن يقطين ، فمن المعلوم أنّه كان وزير الخليفة ومن خواصّه ، وبيته كان مملوّا من أهل السنّة وأو ادم الخليفة.

ويؤيّده التعبير عن المنع في التبعيض بلفظ «أكره» إن أراد الحرمة ، وإن أراد الكراهة فيتعيّن حملها على التقيّة من هذه الجهة البتّة ، لما عرفت في بحث التبعيض.

ومع ذلك التقيّة كانت في زمان الكاظم عليه‌السلام في غاية الشدّة ، ومع ذلك فيها أنّ الفريضة مثل النافلة في عدم البأس ، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم. فيظهر منها عدم الكراهة في الفريضة ، سيّما بملاحظة قوله عليه‌السلام : «لا بأس في النافلة» وخصوصا بملاحظة قوله عليه‌السلام : «أكره» بناء على كون الكراهة ظاهرة في المصطلح عليه بين الفقهاء ، كما بنى عليه المستدلّ استدلاله في النصّ الآخر ، فعدم الكراهة أصلا يعارض ذلك النصّ أيضا.

__________________

٦ / ٤٤ الحديث ٧٢٩٧ ، ٥٢ الحديث ٧٣٢٠.

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٢ الحديث ٢٦٧ ، الاستبصار : ١ / ٣١٧ الحديث ١١٨٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٠ الحديث ٧٣١٣.

٣١٨

بل الظاهر أنّ المجوّزين لا يقولون بالخلوص عن الكراهة ، بل عرفت من «المدارك» و «الشرائع» وغيرهما التصريح بالكراهة عندهم ، ولذا لم يذكر في «المختلف» هذه الصحيحة دليلا لهم ، وكون الصحيحة شاذّة لا قائل بظاهرها ، فتعيّن الطرح ووجب ترك العمل بها ، وتعيّن حملها على التقيّة.

قال الشهيد الثاني : ويتحقّق القران بقراءة أزيد من السورة وإن لم يكمل الثانية ، بل بتكرار السورة الواحدة أو بعضها ، وكذا تكرار الحمد (١) ، انتهى.

والأمر كما ذكره ، لو كان ما قرأه زائدا قرأه على أنّه جزء قراءة الصلاة ، لما عرفت من الأدلّة.

نعم ، سيجي‌ء جواز العدول من سورة إلى اخرى ما لم يتجاوز النصف أو ما لم يبلغه ، وذلك أمر آخر ، وصحيح بالنصّ والوفاق على ما ستعرف.

وكذلك لا يضرّ القنوت ببعض الآيات ، لدخوله في عموم ما ورد في القنوت (٢) ، كما ستعرف.

وروى الكليني والشيخ في الموثّق عن عبيد بن زرارة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن ذكر السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة ، مثل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، فقال : «إذا كنت تدعو بها فلا بأس» (٣).

وظاهره المنع إذا كان من غير هذه الجهة ، فيكون دليلا آخر للمانعين ، لأنّ البأس في جواب السؤال المذكور ظاهر في المنع ، لأنّ الظاهر أنّ سؤالهم أنّه فيه منع أم لا؟

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ / ٢٠٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٦ / ٥٣ الباب ٩ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٠٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٤ الحديث ١٢٧٨ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٣ الحديث ٧٣٢٥.

٣١٩

ولا يضرّ أيضا كونه إجابة للمسلّم ، والإذن للمستأذن ، مثل (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) (١) و (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) (٢) ونحو ذلك ، لعدم مانع ، للإجماع على عدم ضرر التكلّم بالقرآن في الصلاة ، كما ستعرف.

ومن ذلك ما صدر عن علي عليه‌السلام مع ابن الكوّاء ـ لعنه الله ـ وما صدر منه مع علي عليه‌السلام ، مع عدم أمره بإعادة (٣) صلاته (٤).

وأمّا عدم ضرر ذلك في النافلة المطلقة فللأخبار المتعدّدة المعمول بها عند الأصحاب ، مثل معتبرة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت» (٥).

ورواية عمر بن يزيد السابقة (٦) ، لكن في بعض الأخبار رجحان ترك القران في النافلة النهاريّة (٧).

وأمّا إذا وردت بهيئة خاصّة من القراءة فالظاهر عدم جواز تغيّر تلك الهيئة لا بزيادة ولا بنقيصة من تلك القراءة أو غيرها ، على أنّها جزء القراءة لا للقصود الاخر التي ذكرناها.

قوله : (إلّا الضحى). إلى آخره.

المعروف بين الأصحاب كون «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة ،

__________________

(١) الحجر (١٥) : ٤٦.

(٢) مريم (١٩) : ١٢.

(٣) في (د ١) : بإعادته.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب : ٢ / ١٣٠ ، بحار الأنوار : ٤١ / ٤٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥١ الحديث ٧٣١٨.

(٦) وسائل الشيعة : ٦ / ٥١ الحديث ٧٣١٦.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٧٣ الحديث ٢٦٩ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٥٠ الحديث ٧٣١٥.

٣٢٠