تفسير المراغي - ج ١٨

أحمد مصطفى المراغي

الإيضاح

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) أي إن جميع من سبقك من الرسل كانوا يأكلون الطعام للتغذى به ، ويمشون فى الأسواق للتكسب والتجارة ، ولم يقل أحد إن ذلك نقص لهم يغضّ من كرامتهم ويزرى بهم ، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم فى هذا ، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة ، وخصائصهم السامية ، وآدابهم العالية ، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات ، وباهر المعجزات ، مما يستدلّ به كل ذى لب سليم وبصيرة نافذة على صدق ما جاءوا به من عند ربهم ـ فمحمد صلّى الله عليه وسلّم ليس بدعا من الرسل ، إذ يأكل ويمشى فى الأسواق ، وليس هذا بذم له ولا مطعن فى صدق رسالته كما تزعمون.

ونحو الآية قوله تعالى : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» وقوله : «وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ».

ثم سلى رسوله على قولهم : «أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» بقوله.

(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ؟) أي وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض ، فجعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة ، وهذا ملكا وخصصناه بالدنيا ، وهذا فقيرا وحرمناه من لذات الحياة ونعيمها ، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنى ، والملك بصبره على ما أوتيه الرسول من الكرامة ، وكيف يكون رضى كل منهم بما أعطى وقسم له ، وطاعته ربه على حرمانه مما أعطى سواه ـ ومن جرّاء هذا لم أعط محمدا الدنيا وجعلته بمشى فى الأسواق يطلب المعاش ، لأبتليكم وأختبر طاعتكم وإجابتكم إياه إلى ما دعاكم إليه وهو لم يرج منكم عرضا من أعراض الدنيا ، ولو أعطيتها إياه لسارع كثير منكم إلى اتباعه ، طمعا فى أن ينال شيئا من دنياه.

١٦١

والخلاصة ـ لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلى حتى لا يخالفوا لفعلت ، لكنى أردت أن أبتلى العباد بهم ، وأبتليهم بالعباد ، فينالهم منهم الأذى ، ويناصبوهم العداء ، فاصبروا على البلاء ، فقد علمتم ما وعد الله به الصابرين.

(وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي وربك أيها الرسول بصير بمن يجزع ، وبمن يصبر على ما امتحن به من المحن ، ويجازى كلا بما يستحق من عقاب أو ثواب.

روى مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : «انظروا إلى أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هم فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم».

اللهم اجعلنا من الصابرين على أذى السفهاء ، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وارزقنا من لدنك قناعة وغنى نربأ بهما عما فى أيدى الناس ، وثبت أقدامنا فى فهم كتابك ، وبلغنا ما نرجوه من إرشاد عبادك بما نقدّم لهم من نور يهتدون به إلى صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، وصل ربنا على محمد وآله.

ثم تفسير هذا الجزء بحلوانأ من أرباض القاهرة قاعدة الديار المصرية ، لثلاث خلون من صفر سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية ، ولله الحمد أولا وآخرا.

١٦٢

فهرست

أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

المؤمن المفلح هو الجامع لخصال سبع من خصال الخير................................. ٥

أطوار خلق الإنسان.............................................................. ٧

قال عمر : وافقت ربى فى أربع إلخ................................................. ٩

ما يحتاج إليه الإنسان فى معيشته................................................. ١٢

ما فى السماء من منافع للإنسان.................................................. ١٤

النعم التي سخرها الله لنا من خلق الحيوان......................................... ١٥

قصص نوح عليه السلام مع قومه وما فيه من عبرة................................. ١٦

قصص هود عليه السلام مع قومه................................................ ٢١

قصص صالح ولوط وشعيب وغيرهم عليهم السلام................................ ٢٤

قصص موسى وهرون عليهما السلام............................................. ٢٥

قصص عيسى عليه السلام إجمالا................................................ ٢٧

الرسل جميعا أمروا أن يأكلوا من الحلال الطيب.................................... ٢٨

فى الحديث : إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا................................... ٢٩

دين الأنبياء دين واحد وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده ، واختلاف الشرائع لا يسمى اختلافا فى الدين      ٣٠

كثرة المال والبنين ليست كرامة من الله لعباده..................................... ٣١

صفات المسارعين فى الخيرات.................................................... ٣٢

١٦٣

لا يكلف العبد إلا بما فى وسعه وهو فى كتاب محفوظ عليه.......................... ٣٥

المشركون فى عمى بين فى القرآن................................................ ٣٨

لا ينفع المشركين يوم القيامة الصريح والعويل..................................... ٣٩

الأسباب التي ركن إليها المشركون فى إنكارهم لهذا الدين........................... ٤٠

لو جاء التشريع بحسب الهوى لاختل نظام العالم................................... ٤١

ما أنت أيها الرسول بطالب أجرا على هدايتهم.................................... ٤٢

ما امتنّ به سبحانه على عباده.................................................... ٤٥

المشركون أنكروا البعث تقليدا لمن سبقهم......................................... ٤٦

إثبات البعث ببرهانات ثلاثة..................................................... ٤٨

كذب المشركون فى ادعائهم اتخاذ الله للولد واتخاذ الشريك......................... ٥٠

ما وصف به سبحانه نفسه من صفات الكمال..................................... ٥١

أمر الله رسوله أن يدعوه ألا يجعله قرينا للمشركين فى العذاب....................... ٥٢

أمر الرسول بالدفع بالحسنى..................................................... ٥٣

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم صحبه كلمات يقولونها عند النوم............. ٥٤

طلب المشركين الرجوع إلى الدنيا عند معاينة العذاب.............................. ٥٥

أهوال يوم القيامة............................................................... ٥٧

أحوال الأشقياء يومئذ........................................................... ٥٨

يسأل المجرمون توبيخا لهم عن مده لبثهم فى الأرض................................. ٦٢

تنزيه الله نفسه عما يصفه به المشركون........................................... ٦٣

عقوبة الزنا الدنيوية لنير المحصن.................................................. ٦٨

١٦٤

طريق إثبات الزنا............................................................... ٦٨

العقوبة الأخروية............................................................... ٦٩

الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة............................................... ٧٠

حكم قذف غير الزوجة من النساء............................................... ٧١

حكم قذف الرجل زوجه....................................................... ٧٣

ما ورد فى ذلك من الآثار....................................................... ٧٤

حديث الإفك على أم المؤمنين عائشه رضى الله عنها............................... ٧٧

من هلك بسببه من المؤمنين...................................................... ٧٩

وعيد من أشاع هذا الحديث..................................................... ٨٣

عتاب الله للمؤمنين على ما وقر فى نفوسهم من إرجاف المرجفين.................... ٨٤

ارتكاب المرجفين ثلاثة آثام...................................................... ٨٥

تحذير المؤمنين أن يعودوا لمثل هذا................................................ ٨٦

جزاء من يحب إشاعة الفاحشة فى المؤمنين......................................... ٨٧

من اتهم محصنة غافلة بالخنا والفجور فهو مطرود من رحمة الله....................... ٩٠

شهادة الأيدى والأرجل والألسنة................................................ ٩٠

الأدلة على براءة عائشة......................................................... ٩٢

الإنسان لا تلاؤم بين أجزائه إلا بصفات متناسبة................................... ٩٣

دخول المرء بيت غيره لا بد فيه من الإذن......................................... ٩٤

من قيل للداخل ارجع وجب أن يرجع............................................ ٩٥

حكم دخول البيوت غير المسكونة سكنى خاصة................................... ٩٦

١٦٥

الأمر بغض البصر وحفظ التزوج سدّ الباب الشر ومنعا............................. ٩٦

الأمر بضرب الخمر على الجيوب لارتكاب الآثام.................................. ٩٩

النهى عن إبداء الزينة إلا للبعولة أو آباء البعولة إلخ............................... ١٠٠

الأمر بإنكاح الأيامى من الرجال والنساء حفظا للأنساب.......................... ١٠١

ثلاثة حق على الله عونهم وبقاء للنوع........................................... ١٠٤

مثل نور الله فى السموات والأرض.............................................. ١٠٦

فوائد ضرب الأمثال فى القرآن................................................. ١٠٨

المساجد بيوت الله ، وحق على الله أن يكرم من زاره فيها......................... ١١٠

أعددت لعبادى الصالحين ـ الحديث........................................... ١١١

مثل أعمال الكافرين فى الآخرة................................................. ١١٢

ذكر دلائل التوحيد........................................................... ١١٥

المنافقون يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم..................................... ١١٩

المنافقون يعرضون عن التحاكم إلى الرسول...................................... ١٢٢

طاعة الله ورسوله توجب الفوز والنجاة......................................... ١٢٣

نهى المنافقين عن الحلف....................................................... ١٢٤

وعد المؤمنين بالاستخلاف فى الأرض........................................... ١٢٦

الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة............................................... ١٢٧

الأمر بالاستئذان فى العورات الثلاث............................................ ١٢٩

سبب نزول آية الاستئذان..................................................... ١٣٠

لا حرج على النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فى ترك الزينة........................ ١٣٣

الأمر بالسلام عند دخول البيوت............................................... ١٣٤

١٦٦

لا حرج على الأعمى ولا على المريض ولا على الأعرج فى ترك الجهاد............. ١٣٥

الأمر بالاستئذان حين الانصراف عن مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم......... ١٣٨

النهى عن الانصراف خفية من مجلسه........................................... ١٤١

علم الله محيط بكل شىء....................................................... ١٤٢

ما وصف به سبحانه نفسه من صفات الكبرياء................................... ١٤٧

ما فى الأصنام من صفات النقص................................................ ١٤٨

الرد على الطاعنين فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم............................. ١٥٠

قال المشركون إن محمدا اكتتب أساطير الأولين.................................. ١٥١

الصفات التي تمنع نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فى زعمهم........................ ١٥٣

ادعى المشركون أن محمدا رجل مسحور........................................ ١٥٥

تكذيب المشركين بيوم القيامة.................................................. ١٥٦

الرسل جميعا كانوا يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق............................ ١٦٠

لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلى لفعلت....................................... ١٦٢

١٦٧