غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

في الأوصياء

قال رحمه‌الله : وهل تعتبر العدالة؟ قيل : نعم تعتبر ، لأن الفاسق لا أمانة له ، وقيل : لا ، لأن المسلم محل للأمانة كالوكالة والاستيداع.

أقول : اشتراط العدالة هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، والمفيد في المقنعة ، وابن البراج وابن حمزة وسلّار ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وفخر الدين والشهيد. وعدم اشتراط العدالة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة في المختلف ، وقد ذكر المصنف دليل الفريقين.

والفرق بين الوصية إلى الفاسق ووكالته وإيداعه ظاهر ، لأن الوكالة والإيداع ولاية على مال نفسه ، والوصية إليه ولايته على مال غيره ، فافترق الحكم.

والعمل على المشهور مع كونه أحوط.

اما إذا اوصى الى عدل ففسق ، أجمع الأصحاب على بطلان وصيته ، إلا ابن إدريس فإنه لم يبطلها ، قال : لأن الأصل عدم تبديل الوصية ، وبطلانها تبديل لها ،

٤٤١

وهو حرام.

قال رحمه‌الله : ولو مرض أحدهما أو عجز ضمّ إليه الحاكم من يقويه ، أما لو مات أو فسق لم يضم الحاكم الى الآخر ، وجاز له الانفراد ، لأنه لا ولاية للحاكم مع وجود وصي ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من إطلاق أكثر الأصحاب أنه يستند من غير ضم ، ولأنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم ، والوصي هنا موجود ، ومن احتمال وجوب الضم ، لأن الموصي لم يرض برأي أحدهما بانفراده ، والوصي انما هو هما معا ، لا أحدهما بانفراده ، فلا بد من ضم آخر اليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير وفخر الدين والشهيد.

وهو المعتمد.

فرعان :

الأول : على وجوب الضم ، هل يجوز للحاكم أن يجعل جميع الولاية للباقي منهما؟ فيه وجهان ، أحدهما : عدم الجواز ، لأن الموصي لم يرض برأيه منفردا ، فليس للحاكم ان يفوّض اليه الجميع ، والآخر الجواز ، لأن النظر قد صار للحاكم.

والأول هو المعتمد.

الثاني : لو تغيّر حالهما معا وصرفهما الحاكم ، جاز له نصيب واحد ، ولا يجب التعدد ، والفرق أنّ الباقي منهما في الصورة الأولى منصوب الموصي ، وهو لم يرض برأيه وحده ، وهنا قد انقطع نظر الموصي وصار النظر الى الحاكم ، فله نصب ما شاء ، وهو اختيار الشهيد.

قال رحمه‌الله : ولو كان للوصي دين على الميت ، جاز أن يستوفي مما في يده من غير إذن حاكم إذا لم يكن له حجّة ، وقيل : يجوز مطلقا ، وفي شرائه لنفسه من نفسه تردد ، والأشبه الجواز.

٤٤٢

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في جواز استيفاء دينه مما في يده ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز أن يأخذ مما في يده إلا ما تقوم به البيّنة ، وتبعه ابن البراج. وقال ابن إدريس : يجوز وان لم يكن له بينة ، لأن من له على غيره مال ولا له عليه بينة ولا يقدر على أخذه ظاهرا فله أخذه باطنا. وقيل : ليس له الأخذ بغير اذن الحاكم إلّا مع عدم البينة ، فأما إذا كانت له بينة فليس له ذلك ، لأنه قادر على استيفاء حقه ظاهرا فليس له أخذه باطنا ، وهو ظاهر المصنف هنا.

وذهب العلامة إلى جواز الأخذ بغير اذن الحاكم مطلقا : سواء كان له بينة أو لم يكن.

الثانية : في جواز بيعه من نفسه ، وقد سبق (٣٨) البحث في ذلك.

والمعتمد الجواز.

قال رحمه‌الله : وإذا أذن الموصي للوصي أن يوصي جاز إجماعا.

أقول : لا خلاف في عدم جواز الإيصاء إذا منعه منه ، كما لا خلاف في جوازه مع الأمر به ، وإنما الخلاف في الإطلاق ، فهل يجوز للموصي أن يوصي؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، ووجهه أنه ملك ولاية فيملك الإيصاء بها. ولرواية محمّد بن الحسن الصفار (٣٩) ، عن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وهي مشتملة على المكاتبة. وقال المفيد : لا يجوز ، وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس.

وهو المعتمد ، لبطلان ولايته بالموت ، والأصل عدم جواز تسليط الغير على حق الأطفال ما لم يحصل الإذن الشرعي ، وولاية الوصي تابعة لإذن الموصي ، وهو

__________________

(٣٨) ص ١٨.

(٣٩) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٧٠ في أحكام الوصايا ، حديث ١.

٤٤٣

مقصور على تصرفه دون تصرف غيره.

قال رحمه‌الله : ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولّاه من المؤمنين من يوثق به ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه من أن الولاية الشرعية إنما تثبت للأب أو الجدّ أو الحاكم ، فلا يجوز لغيرهم ، ومن أنه محلّ ضرورة ، فتجوز الولاية مع فقدهم لغيرهم من المؤمنين ، وهو المشهور بين الأصحاب. والمراد بالحاكم هنا السلطان العادل الأصلي أو نائبه ، فإن تعذّر فالفقيه الجامع شرائط الفتوى.

قوله : ( فان لم يكن حاكم ) ، المراد فقد هؤلاء الثلاثة.

قال رحمه‌الله : وإذا أوصى بالنظر في مال ولده الى أجنبي وله أب لم يصحّ وكانت الولاية إلى جد اليتيم دون الوصي ، وقيل : يصحّ ذلك في قدر الثلث مما ترك ، وفي أداء الحقوق.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : بطلانها مطلقا ، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، والعلامة وابنه ، وهو مذهب المصنف ، لأن ولاية الجد ثابتة بالأصل وهي مساوية لولاية الأب أو أقوى منها ، فكما لا يصح وصية الجدّ مع بقاء الأب كذلك العكس.

الثاني : عدم جواز العمل بالوصية مع وجود الجدّ ، فإذا مات أو حدث عليه أمر يمنع ولايته ، جاز للوصي العمل بوصية الأب اليه ، وهو منقول عن بعض الأصحاب.

الثالث : ذهب الشيخ في موضع من المبسوط إلى صحة الوصية بالثلث ، لأن له إخراجه عن ملك الوارث فإزالة الولاية أولى.

والمعتمد الأول.

٤٤٤

أما الوصية بإخراج الحقوق إلى الأجنبي مع وجود أب (٤٠) الموصي فهي صحيحة.

قال رحمه‌الله : الصفات المعتبرة في الوصي تعتبر حال الوصية ، وقيل : حين الوفاة ، فلو أوصى الى صبي فبلغ ثمَّ مات الوصي صحّت الوصية ، وكذا الكلام في الحرية والعقل ، والأول أشبه.

أقول : الصفات المعتبرة في الوصي وهي : البلوغ والعقل والحرية ، والإسلام ـ إذا كان الموصي مسلما ـ والعدالة ، على القول باشتراطهما (٤١) تعتبر حالة موت الموصي إجماعا ، وهل تعتبر حالة الوصية؟ في هذه المسألة ثلاث أقوال :

الأول : اعتبارها حالة الموت خاصة ، لا قبل ذلك ؛ لأن الوصية إنما تلزم بالموت ويثبت للوصي (٤٢) النظر والتصرف في تلك الحالة ، فالشرائط معتبرة حينئذ ؛ لأن قبل ذلك لا تصرّف ولا ولاية ، فلا فائدة في اعتبار الشرائط قبله.

الثاني : لا بدّ أن تكون ثابتة حالة الوصية والموت معا ، أما حالة الموت فلما تقدم ، وأما حالة الوصية ، لأنها حالة الإيجاب والقبول والركون اليه ، ولأنه لو مات بعد الوصية بلا فصل كان للموصي التصرف ، فلا بد من ان يكون جامعا للصفات حالة الوصية.

الثالث : حالة الوصية والموت ، وما بينهما وما بعدهما ، فلو أوصى الى عاقل فجنّ بعد الوصية ثمَّ زال العذر قبل موت الموصي ، صحّ على القولين الأولين دون الثالث. وقوى الشيخ وابن إدريس الوسط ، واختاره المصنف والعلامة.

وهو المعتمد.

__________________

(٤٠) من « ر ٢ » و« ن ».

(٤١) كذا في النسخ.

(٤٢) في « ن » : الموصى إليه.

٤٤٥

قال رحمه‌الله : يجوز لمن يتولى أموال اليتيم أن يأخذ أجرة المثل عن نظره في ماله ، وقيل : يأخذ قدر كفايته ، وقيل : أقل الأمرين ، والأول أظهر.

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : أجرة المثل ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، لأنه عمل عملا محترما لم يتبرّع به ، فكان له اجرة مثله.

الثاني : قدر الكفاية ، وهو قول ابن إدريس بشرط الحاجة ، لصحيحة عبد الله بن سنان (٤٣) ، عن الصادق عليه‌السلام.

الثالث : أقل الأمرين من قدر الكفاية واجرة المثل ، قاله الشيخ في المبسوط والتبيان.

وهذا البحث إذا كان الوصي محتاجا ، فإذا كان غنيا ، هل يجوز له ذلك ، أو يجب عليه الاستعفاف؟

أوجبه ابن إدريس عملا بظاهر الآية ، وهي قوله تعالى ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٤٤).

وحمل الشيخ وابن الجنيد والعلامة الاستعفاف على الندب ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، لرواية هشام بن الحكم ، « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فيمن تولى مال اليتيم ، ما له أن يأكل منه؟ فقال : ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجرة لهم ، فيأكل بقدر ذلك » (٤٥) ، وهي عامة.

__________________

(٤٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٧٢ ما يكتسب به ، حديث ١.

(٤٤) النساء : ٦.

(٤٥) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٧٢ ما يكتسب به ، حديث ٥.

٤٤٦

في اللواحق

قال رحمه‌الله : ولو كان له زوجة وبنت ، وقال : مثل نصيب بنتي ، فأجاز الورثة ، كان له سبعة أسهم وللبنت مثلها وللزوجة سهمان ، ولو قيل : لها سهم واحد من خمسة عشر كان أولى.

أقول : كونها من ستة عشر ، قول الشيخ ، وهو سهو القلم ، لأن الزوجة إذا أخذت سهمين من ستة عشر خرجت الوصية جميعها من نصيب البنت دون نصيب الزوجة ، لأن السهمين ثمن الستة عشر من غير نقص ، بل يجب ان يكون من خمسة عشر ، لأن أصل الفريضة ثمانية ، للزوجة سهم وللبنت سبعة ، فإذا زاد عليها سبعة أخرى صارت خمسة عشر ، فيصير سبعة الموصى له خارجة من الجميع. هذا مع الإجازة.

ومع الرد تكون المسألة من اثني عشر ، للموصى له أربعة وللبنت والزوجة ثمانية ، سهم للزوجة وسبعة للبنت ، فلو أجازت إحداهما وردت الأخرى ضربت وفق مسألة الإجازة في مسألة الرد أو بالعكس ، والوفق هنا بالثلث ، فاذا ضربت ثلث إحدى المسألتين بالأخرى بلغت ستين ، فمن أجاز منهما أخذ نصيبه

٤٤٧

من مسألة الإجازة مضروبا في وفق مسألة الرد ، ومن ردّ أخذ نصيبه من مسألة الرد مضروبا في وفق مسألة الإجازة ، فمع اجازة الزوجة ورد البنت تأخذ الزوجة نصيبها من مسألة الإجازة ، وهو سهم مضروبا في وفق مسألة الرد وهو أربعة ، فيكون لها أربعة ، وتأخذ البنت نصيبها من مسألة الرد وهو سبعة مضروبا في وفق مسألة الإجازة وهو خمسة ، يكون لها خمسة وثلاثون يبقى من ستين احد وعشرون للموصى له.

ومع اجازة البنت ورد الزوجة تأخذ البنت نصيبها من مسألة الإجازة وهو سبعة مضروبا في ثلث مسألة الرد وهو أربعة يكون لها ثمانية وعشرون ، وتأخذ الزوجة نصيبها من مسألة الرد وهو سهم مضروبا في ثلث مسألة الإجازة وهو خمسة ، فيكون لها خمسة يبقى من الستين سبعة وعشرون للموصى له.

وهذه قاعدة مطردة مع اختلاف الورثة بالرد والإجازة ، فإنه ينظر إلى مسألة الرد ومسألة الإجازة ثمَّ ينظر إلى الموافقة بينهما ، فتضرب جزء الوفق من أحدهما بالأخرى ، فما اجتمع فرض فيه كما فرضناه في هذه المسألة.

قال رحمه‌الله : ولو كان له اربع زوجات وبنت ، فأوصى بمثل نصيب إحداهن ، كانت الفريضة من اثنين وثلاثين ، يكون للزوجات الثمن أربعة بينهن بالسوية ، وله سهم كواحدة ، يبقى سبعة وعشرون للبنت ، ولو قيل : من ثلاثة وثلاثين كان أشبه.

أقول : كونها من اثنين وثلاثين قول الشيخ ، وهو مردود بما قلناه في المسألة السابقة ، لأن الوصية كلها تكون من نصيب البنت خاصة ، وهو غير جائز ، بل السهم الموصى به يكون على الجميع فيزاد على أصل الفريضة فتصير ثلاثة وثلاثين ، للبنت ثمانية وعشرون ، ولكل واحدة من الزوجات والموصى له سهم.

قال رحمه‌الله : ولو اوصى لأجنبي بنصيب ولده ، قيل : تبطل الوصية ،

٤٤٨

لأنها وصية بمستحقة ، وقيل : تصح فيكون كما لو اوصى بمثل نصيبه ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، ولم يختر في القواعد والإرشاد والتحرير شيئا ، بل قال : احتمل الصحة والبطلان. وفخر الدين اختار البطلان ، وهو قوي ، لأن قوله : ( أوصيت لزيد بنصيب ابني ) ، يجري مجرى قوله : ( أوصيت لزيد بدار ابني ) ، ولا شك في بطلان هذه الوصية ، لأنها وصية بما يستحقه الغير ، وكذلك الوصية بنصيبه ، لأنه مستحق له ، كما ان داره مستحقة له.

ونقل الشيخ عن بعض علمائنا صحة الوصية وتكون بمنزلة من قال : ( بمثل نصيب ولدي ) ، واختاره المصنف ، لأن اللفظ يحمل على مجازه عند تعذر حمله على حقيقته صونا لكلام العقلاء عن الهذر.

قال رحمه‌الله : ولو كان له ابن قاتل وأوصى له بمثل نصيبه ، قيل : صحت الوصية ، وقيل : لا تصح ، لأنه لا نصيب له ، وهو أشبه.

أقول : عدم الصحة قول الشيخ في المبسوط ، وقيل : يصح ويقدر كما لو لم يكن قاتلا صونا لكلام العاقل عن الهذرية ، وقال في المختلف : ان علم انه قاتل وان القاتل لا يستحق شيئا بطلت الوصية ، وان جهل أحدهما صحت الوصية ، واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا أوصى بضعف نصيب ولده كان له مثلاه ، ولو قال : ضعفاه كان أربعة ، وقيل : ثلاثة ، وهو أشبه.

أقول : إذا اوصى بضعفي نصيب ولده للشيخ فيه قولان :

أحدهما : يكون له أربعة أمثاله ، لأن ضعف الشي‌ء مثلاه ، فاذا ثناه وجب ان يكون أربعة أمثاله وللآخر ثلاثة أمثاله ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن ضعف الشي‌ء ضم مثله اليه فاذا ثناه فكأنه ضم مثليه إليه.

٤٤٩

قال رحمه‌الله : وهل يجب ان يعطي ثلاثة فصاعدا؟ قيل : نعم ، وهو الأشبه.

أقول : الخلاف هنا مبني على ان الفقراء اسم جمع أو اسم جنس؟ فعلى الأول يكون أقله ثلاثة ، وعلى الثاني يكفي الواحد ، لأن اسم الجنس يصدق على القليل كما يصدق على الكثير ، والأصل براءة الذمة من الزائد.

قال رحمه‌الله : إذا اوصى له بدار فانهدمت ، وصارت براحا ثمَّ مات الموصي بطلت الوصية ، لأنها خرجت عن اسم الدار ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الاعتبار بالوصية ما يقع عليه الاسم عند لزوم الوصية ، والبراح لا يصدق عليه اسم الدار ، فتبطل ، ومن ان الوصية بالدار تتضمن الوصية بالبراح ، فالوصية انما هي بالبراح والجدران والسقوف ، فلا تبطل الوصية بالمجموع بفوات بعض الأجزاء ، كما لو اوصى له بعبدين فمات أحدهما ، فإن الوصية ثابتة في الباقي منهما إجماعا.

قال رحمه‌الله : إذا قال : أعطوا زيدا والفقراء كذا ، كان لزيد النصف من الوصية ، وقيل : الربع ، والأول أشبه.

أقول : وجه الأول انه أضاف الوصية اليه وإليهم فوجب ان يساويهم وحده ، ووجه الثاني ان الفقراء اسم جمع ، واقله ثلاثة ، فكأنه اوصى له ولثلاثة ، فيكون له الرابع ، ويحتمل ان يكون كأحدهم للتسوية بينهم وبينه ، واختاره فخر الدين ، فعلى هذا يعطى كواحد منهم ويكون فائدة ذكره عدم جواز الإخلال به ، ووجوب الدفع اليه وان كان غنيا.

٤٥٠

في تصرّفات المريض

قال رحمه‌الله : منجزات المريض إذا كانت تبرعا كالمحاباة في المعاوضات والهبة والوقف والعتق ، فقد قيل : انها من أصل المال ، وقيل : من الثلث.

أقول : القول انها من الأصل قول الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج وابن إدريس ، لأنه مالك تصرف في ملكه فكان تصرفه ماضيا كالصحيح ، لأن الأصل عدم الحجر على البالغ العاقل ، لقوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (٤٦).

وقال الشيخ في المبسوط ومحمد بن بابويه وابن الجنيد : انها من الثلث ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، والمستند الروايات (٤٧).

قال رحمه‌الله : كل مرض لا يؤمن معه الموت غالبا فهو مخوف ، كحمى الدّق والسل وقذف الدم والأورام السوداوية والدموية والإسهال المنتن والذي يمازجه دهنية أو براز أسود يغلي على الأرض وما شاكله ، وأما الأمراض التي

__________________

(٤٦) بحار الأنوار ٢ : ٢٧٢.

(٤٧) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١٠ وباب ١١ وباب ١٧.

٤٥١

الغالب فيها السلامة فحكمها حكم الصحة ، كحمى يوم ، وكالصداع عن مادة أو غير مادة والدمل والرمد والسلاق ، وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى العفن والزحير والأورام البلغمية ، ولو قيل : يتعلق الحكم بالمرض الذي يتفق به الموت سواء كان مخوفا بالعادة أو لم يكن ، كان حسنا.

أقول : إذا ثبت ان المنجزات الواقعة تخرج من الثلث اقتصر على بيان المرض ، فان المرض فيه مخوف وغير مخوف ، وقد بينه المصنف في المتن ، والشيخ في المبسوط علق الخروج من الثلث على المرض المخوف دون ما ليس بمخوف ، لرواية علي بن يقطين : « قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث كثير » (٤٨).

فقوله : ( عند موته ) لا يكون الا عند امارة الموت ، والأمارات انما تكون بالمرض المخوف دون غيره.

وذهب المصنف والعلامة إلى تعليق الحكم بكل مرض اتفق فيه الموت سواء كان مخوفا أو غير مخوف لصدق اسم المرض عليه ، فيدخل تحت قوله عليه‌السلام : « المريض محجور عليه الا في ثلث ماله » (٤٩) ، والوصف هنا سبب ، فاذا اتصف بالمرض وحصل الموت ثبت الحكم ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا أعتقها في مرض الموت وتزوج ودخل بها ، صح العتق والعقد وورثت ان خرجت من الثلث ، وان لم تخرج فعلى ما مر من الخلاف.

أقول : المراد بالخلاف المشار اليه ان منجزات المريض ، هل هي من الأصل أو من الثلث؟ فعلى القول بأنها من الأصل ينفذ العتق والنكاح سواء خرجت من

__________________

(٤٨) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١٠ في أحكام الوصايا ، حديث ٨.

(٤٩) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١٠ في أحكام الوصايا ، حديث ٤ و٧ و٨ مع اختلاف في المتن.

٤٥٢

الثلث أو لم تخرج ، وعلى القول بأنها من الثلث فان خرجت منه فلا بحث ، وان لم تخرج منه افتقرنا الى البحث ، فان لم تكن سواها ولم يدخل عتق ثلثها ، واسترق ثلثاها ، وبطل النكاح ، وان كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها مثلا عتق منها ثلاثة أسباعها واسترق أربعة أسباعها.

وطريقه ان نقول : عتق منها شي‌ء ولها بصداقها نصف شي‌ء وللورثة شيئان ، فيجمع ذلك فتكون ثلاثة أشياء ونصف ، فاذا بسطناها انصافا كانت سبعة ، لها منها ثلاثة ولهم أربعة تسعى فيها للورثة.

قال رحمه‌الله : ولو أعتق أمته وقيمتها ثلث تركته ، ثمَّ أصدقها الثلث الآخر ودخل ثمَّ مات ، فالنكاح صحيح ، ويبطل المسمى ، لأنه زائد عن الثلث وترثه وفي ثبوت مهر المثل تردد ، وعلى القول الآخر يصح الجميع.

أقول : أما وجه بطلان المسمى ، لأن ثبوته يتوقف على صحة العقد المتوقف على العتق المتوقف على الخروج من الثلث المتوقف على بطلان المسمى.

وأما وجه التردد في ثبوت مهر المثل ، لأنه مع ثبوت المهر لم يبق هنا ثلث ينفذ عتقها فيه ، وإذا لم تعتق لم يصح النكاح ولا الصداق ، فلا بد من ابطال المهر حتى يصح العتق والنكاح.

ومن حيث ان مهر المثل كأرش الجناية فلا يجوز إسقاطه ، وهو المعتمد ، وحينئذ لا تعتق بجملتها ، وإلا لوجب لها مهر المثل كملا ، فينقص الثلث عن قيمتها ، فلا ينفذ العتق ، فلا يثبت جميع مهر المثل ، بل يعتق بعضها ويثبت لها من مهر المثل بإزاء ما عتق ، فحينئذ يدخلها الدور ، لأن نقصان مهر المثل يستلزم زيادة التركة فيزيد العتق فيزيد مهر المثل ، فيتوقف معرفة مهر المثل على معرفة قدر العتق ومعرفة قدر العتق ، على معرفة مهر المثل ، وهو دور.

وطريق التخلص ان نقول : عتق منها شي‌ء ولها من مهر المثل شي‌ء بإزاء ما

٤٥٣

عتق منها وللورثة شيئان يقابلان ما عتق منها دون ما حصل لها من مهر المثل ، لأنه كأرش الجناية فهو لا يجب (٥٠) على احد.

والتركة حينئذ في تقدير أربعة أشياء : شيئان للجارية ، وشيئان للورثة ، وقيمة الجارية ثلث التركة فينعتق ثلاثة أرباعها ، لأن ربع الجمع ثلاثة أرباع الثلث ، ويحصل لها ثلاثة أرباع الثلث الآخر ، مهر المثل تؤدي منه ثلثه تمام قيمتها ، ويبقى معها نصف الثلث ومع الورثة ثلث ونصف ثلث بقدر ما عتق منها مرتين ، لأن الذي عتق منها ثلاثة أرباعها وهو سدس التركة ونصف سدسها ، ومهر المثل غير محسوب عليها ، فلا يجب مقابله (٥١) شي‌ء للورثة.

تمَّ الجزء الأول (٥٢) من كتاب غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ، ويتلوه الجزء الثاني ان شاء الله تعالى والحمد لله حق حمده ، وصلّى الله على محمد عبده ورسوله وآله الطيبين الطاهرين ، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(٥٠) في « ر ٢ » : يحسب.

(٥١) في « ر ٢ » : في مقابله.

(٥٢) هذا بحسب تقسيم الشارح رضوان الله تعالى عليه.

٤٥٤

محتويات الجزء الثاني

كتاب التجارة

الموضوع

الصفحة

فيما يكتسب به

بيع الأبوال................................................................ ٥

مسألة في بيع المسوخ....................................................... ٥

مسألة في بيع السباع....................................................... ٦

أخذ الاجره علي القضاء ، فرع............................................. ٦

تنبيه في الضابط الذي جعله فخر المحققين لما يحرم أخذ الاجرة عليه.............. ٧

حكم بيع الكلب.......................................................... ٩

في عقد البيع

في اشتراط تقديم الايجاب علي القبول...................................... ١١

في نفوذ بيع الصبي وعدمه................................................. ١٢

في صحة ابتياع العبد نفسه في غيره........................................ ١٢

البيع الفضولي

فروع خمسة وفي الأول منها فائدة.......................................... ١٣

في عدم الرجوع بالثمن مع العلم بالغصب.................................. ١٦

٤٥٥

الموضوع

الصفحة

تنبيه وفيه بيان لعباره للشيخ في النهاية...................................... ١٦

جواز تولي طرفي العقد وعدمه............................................. ١٧

مسألتان : في تولي الوصي طرفي العقد ، وافتراضه مع الملأة................... ١٨

في لزوم كون المشتري مسلماً اذا ابتاع مسلماً............................... ١٩

حكم الارض المأخوذه عنوة ، وحكم بيوت مكة............................ ١٩

بيع الوقف.............................................................. ٢٠

بيع ام الولد............................................................. ٢١

تنبيه في مواضع بيع أم الولد............................................... ٢١

حكم بيع العبد الجاني..................................................... ٢٢

حكم عتق العبد الجاني.................................................... ٢٣

حكم بيع ما يتعذر تسليمه الا بعد مدة..................................... ٢٤

حكم ما لو باع بحكم احدهما............................................. ٢٤

حكم اختلاف البائع والمشتري في المبيع..................................... ٢٥

حكم شراء ما يمكن اختباره من غير اختبار.................................. ٢٥

حكم بيع سمك الآجام والجلود والأوبار علي الانعام.......................... ٢٦

طهارة المسك وحكم بيعه................................................. ٢٧

حكم الربح علي المؤمن معه الاضطرار وعدمه............................... ٢٨

مسألة : في الدخول في سوم المؤمن ، وفيها تنبيه............................. ٢٩

مسألة : في توكل الحاضر للبادي.......................................... ٢٩

مسألة في تلقي الركبان................................................... ٣٠

مسألة في حرمة النجش وحكم البيع معه.................................... ٣١

٤٥٦

الموضوع

الصفحة

مسائل أربعة في حكم الاحتكار ومحله وحده والاجبار علي البيع معه........... ٣٢

في الخيار

في ما يسقط به خيار المجلس............................................... ٣٣

حكم مالو قال : اختر ، فسكت.......................................... ٣٤

في حكم خيار المجلس إذا كان العاقد واحد.................................. ٣٤

خيار الحيوان............................................................ ٣٥

فرع : فيما اذا باعه حيواناً بحيوان......................................... ٣٥

كشف وايضاح في خيار الغبن ، حقيقته ، ثبوته وعدمه...................... ٣٦

في أن التصرف غير الناقل لا يبطل هذا الخيار............................... ٣٧

في صحة العقد إذا لم يقبض الثمن مع عدم اشتراط

تأخيره وعدم تسليم المبيع................................................. ٣٨

حكم مالو تلف المبيع قبل القبض.......................................... ٣٩

تنبيه.................................................................... ٣٩

فروع أربعة............................................................. ٤٠

حكم ما يفسد من يومه ، وفيه بحث طويل وتحقيق........................... ٤٠

في محل هذا الخيار ، وبيان مناقصة في عباره فخر المحقيقن..................... ٤١

في حكم البيع بعد انقضاء اليوم ، والجمع بين عبارات الاصحاب.............. ٤٢

في العقود التي يثبت فيها خيار المجلس....................................... ٤٣

فروع : في من انشأ العقد من بعد مفرط................................... ٤٣

الكلام في العقود التي يثبت فيها خيار الحيوان وخيار الشرط.................. ٤٤

٤٥٧

الموضوع

الصفحة

الكلام في العقود يثبت فيها خيار المغبون.................................... ٤٥

في أن المبيع يملك بالعقد أو به وبانقضاء الخيار؟.............................. ٤٦

في أن خيار الشرط يثبت من حين التفرق أو من حين العقد................... ٤٦

فروع ستة.............................................................. ٤٧

في أحكام العقود

حكم مالو باع بثمن حال وبأزيد منه الي أجل............................... ٤٩

فرعان.................................................................. ٤٩

حكم مالو ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة................................ ٥٠

في أن قبض الحق واجب علي صاحبه ، وحكم امتناعه منه.................... ٥٠

حكم من ابتاع شيئاً بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة........................... ٥١

فيما يدخل في المبيع...................................................... ٥٣

في التسليم

في معني القبض.......................................................... ٥٦

حكم تلف المبيع قبل التسليمة الي المشتري.................................. ٥٦

حكم اختلاط المبيع بغيره................................................. ٥٧

حكم مالو باع شيئاً فغصب من يد البائع................................... ٥٧

حكم مالوابتاع متاعاً ولم يقبضه ثم أراد بيعه................................ ٥٧

حكم مالو دفع من عليه طعام الي ديانه مالاً وقال : اشتر به طعاماً............. ٥٨

مسألتان : في الاسلاف والاقراض في بلد والمطالبة في آخر.................... ٥٩

٤٥٨

الموضوع

الصفحة

مسألة : في الغصب في بلد ومطالبة المغصوب منه في آخر..................... ٦٠

في الشرط

في جواز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه وعدمه ، وفيه مقامان ، الاول.......... ٦١

فروع سبعة............................................................. ٦٢

لو باعه بشرط التدبير.................................................... ٦٣

حكم مالو باع العبد بشرط ان يكاتبه...................................... ٦٤

المقام الثاني : حكم مالو اشتري جارية بشرط منافٍ لعقد البيع................ ٦٤

تنبيه : في جواز بيع الشيء اليسير بأضعاف قيمته............................ ٦٥

فروع خمسة ، وبيان اشكال في عبارة التذكرة............................... ٦٦

حكم مالو باعه اُرضاً أنها جربان معينة وكانت أقل.......................... ٦٨

فرع.................................................................... ٦٩

في أحكام العيوب

معني التصرية وأن فيها الخيار ، وحكم اللبن المحتلب منها..................... ٧١

في ثبوت هذا الخيار في الناقة والبقرة وعدمه................................. ٧٢

تنبيه في مدة هذا الخيار................................................... ٧٣

في أن الخيار يثبت بتحمير الشعر وتدليس الوجه............................. ٧٣

فرع ، حكم حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض.......................... ٧٤

في المراجعة والمواضعة

إذا باع الثمن أنقض مما وقع عليه العقد..................................... ٧٥

٤٥٩

الموضوع

الصفحة

إذا ادعي الغلط وأن رأس ماله أكثر مما ذكره............................... ٧٦

حكم مالو حط البائع بعض الثمن.......................................... ٧٦

في الربا

حكم بيع المتماثلين في الجنس والمختلفين مع كونهما ربويين................... ٧٧

في كون الحنطه والشعير جنساً واحداً وعدمه................................ ٧٨

مسألتان : في كون كل من الحمام والسموك جنساً واحداً وعدمه.............. ٧٩

في ثبوت الربا في الطين الموزون كالارمني وعدمه............................ ٧٩

في حكم المكيل والموزون مع العلم بالحال في عصر النبي أو الجهل به............ ٨٠

في بيان حكم بيع الرطب باليابس من جنسه متساوياً نقداً ،

وفيه عدة مسائل......................................................... ٨١

حكم مالو كان المبيعان في حكم الجنس الواحد واحدهما

مكيل والأخر موزون..................................................... ٨٢

في ثبوت الربا بين المسلم والذمي........................................... ٨٣

تنبيه.................................................................... ٨٣

في جواز بيع لحم الحيوان من جنسه وعدمه من غيره.......................... ٨٤

بيع الصرف

في أن التقابض شرط من بيع الصرف...................................... ٨٤

فرع.................................................................... ٨٤

حكم مالو كان له عليه دراهم فاشتر بها دنانير.............................. ٨٥

حكم ما اذا اشتر دراهم في الذمة بمثلها..................................... ٨٦

٤٦٠