غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

في تعريف الصلح

قال رحمه‌الله : وهو عقد شرع لقطع التجاذب ، وليس فرعا على غيره ، ولو أفاد فائدته ويصح مع الإقرار والإنكار ، إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ، وكذا يصح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه ، ومع جهلهما به.

أقول : الصلح عقد وضع لقطع المنازعة ، وهل هو أصل بنفسه ، أو فرع على غيره؟ للشيخ في المبسوط قولان : أحدهما : انه فرع على غيره ، واختاره ابن البراج.

وعلى القول به فهو فرع على عقود خمسة : البيع والهبة والإجارة والعارية والإبراء ؛ لأنه لا يخلو اما ان يتضمن تمليكا أو إسقاطا ، فإن كان الأول ، فلا يخلو اما ان يكون تمليك عين أو منفعة ، وعلى التقديرين اما ان يكون التمليك بعوض أو بغير عوض ، فان تضمن تمليك عين بعوض فهو البيع ، وان كان بغير عوض فهو الهبة ، وان تضمن تمليك منفعة بعوض فهو الإجارة وبغير العوض فهو العارية ، وان تضمن الاسقاط فهو الإبراء.

وحجة القائل بالفرعية افادته فائدة هذه العقود الخمسة ، فيكون فرعا

٢٢١

عليها.

والقول الآخر للشيخ انه عقد مستقل بنفسه ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه عقد منفرد له صيغة مخصوصة ، فيكون أصلا بنفسه ، ولمخالفته لغيره في الحكم ، فان طلب البيع إقرار ، وطلب الصلح ليس بإقرار ، والصلح جائز على المجهول مع تعذر استعلامه والبيع غير جائز.

وقول المصنف ( إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ) ، كما لو اصطلحا على شرب الخمر أو الزنا ، فهذا يقتضي تحليل الحرام وهو غير جائز ، وكما لو اصطلح الزوجان على ترك الوطئ فهذا يقتضي تحريم الحلال ، وهو غير جائز.

وقوله : ( ومع جهلهما ) لا بد من جهل المصطلحين معا فيما وقع عليه عقد الصلح أو علمهما ، ولا يصح مع جهل أحدهما وعلم الآخر ، كما لو علم زيد أن في ذمته مائة لعمرو ولم يعلم عمرو بها ، فصالحه زيد على أقل من المئة لم يجز ؛ لأنه يلزم منه تحليل الحرام ؛ لأن منع الحق حرام ، وهذا الصلح يقتضيه فيكون باطلا.

قال رحمه‌الله : ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم صح ولم يكن فرعا للبيع ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الصرف ، على الأشبه.

أقول : هذا مبني على الأصالة والفرعية ، فمن قال : انه فرع البيع ، اشترط فيه التقابض في المجلس ، ومن قال : انه أصل ، لم يشترط التقابض ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم ، فصالحه على درهمين صح على الأشبه ؛ لأن الصلح وقع عن الثوب لا عن الدرهم.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى عدم جواز هذا الصلح ؛ لأنه إذا أتلف الثوب وجب عليه قيمته ؛ لأن الثوب من ذوات القيم ، ومن أتلف قيميا وجب عليه قيمته يوم تلفه ، وإذا كان الثابت (١) في ذمته القيمة ـ وهي درهم ـ لا

__________________

(١) في « ن » و« ر ٢ » : الفائت.

٢٢٢

يجوز ان يصالحه على أكثر من ذلك حذرا من الربا ، وجوزه ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأن الصلح وقع على الثوب لا على الدرهم.

وقول الشيخ لا يخلو من قوة على القول الصحيح ؛ لأن القيمي يضمن بالقيمة وان الربا شامل لجميع المعاوضات ، كما هو مذهب المصنف ، واختيار فخر الدين وابي العباس.

قال رحمه‌الله : ولو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثمَّ صالحه المنكر على سكنى سنة ، صح ، ولم يكن لأحدهما الرجوع ، وكذا لو أقرّ له بالدار ، ثمَّ صالح ، وقيل له الرجوع ؛ لأنه هنا فرع العارية ، والأول أشبه.

أقول : الخلاف في قوله : ( وكذا لو أقر بالدار ثمَّ صالح ) ؛ لأنه مع الإقرار يصير الدار للمدعي ، فإذا صالحه من هي في يده على ان يسكنها سنة صح الصلح بلا خلاف ، وانما الخلاف في لزومه.

قال الشيخ في المبسوط : له الرجوع فيه ؛ لأن الصلح إذا كان لغير عوض كان فرع العارية وهي تقتضي جواز الرجوع ، والمعتمد عدمه ، وقد تقدم البحث في ذلك (٢).

__________________

(٢) ص ٢٢١.

٢٢٣
٢٢٤

في أحكام النزاع في الأملاك

قال رحمه‌الله : يجوز إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة ، ولو عارض فيها مسلم على الأصح.

أقول : للشيخ قولان في هذه ، قال في المبسوط : إذا عارض مسلم وجب قلعه ، وتبعه ابن البراج ؛ لأن الطريق حق لجميع المسلمين فإذا أنكر أحدهم لم تغصب عليه.

وقال في الخلاف : لا يجب قلعه ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد لجريان العادة في ذلك ، ولان نفس الطريق ليس بمملوك ، وإنما يملك المسلمون منافعها ، فلا يلتفت الى معارضة واحد منهم.

قال رحمه‌الله : ولو كانت مضرة وجب إزالتها ، ولو أظلم بها الطريق ، قيل : لا يجب إزالتها.

أقول : قال الشيخ : ظلمة الطريق بالروشن النافذ ليس إضرارا ، وقال العلامة أنه إضرار ؛ لأن ضعيف البصر يتعذر عليه المشي فيه فيجب المنع منه ، وهو المعتمد.

٢٢٥

قال رحمه‌الله : واما الطرق المرفوعة ) فلا يجوز احداث باب فيها ولا جناح ولا غيره إلا بإذن أربابها ، سواء كان مضرا أو لم يكن ؛ لأنه مختص بهم ، وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه دفعا للشبهة.

أقول : ربما يشتبه على المبتدي معرفة الطريق المرفوعة ، أو معرفة الشبهة التي يمنع من فتح الباب لأجلها ، أما الطريق المرفوعة فهي منسدّة الأسفل وهي ضد النافذة وهي مختصة بأهلها ، والنافذة لا تختص بأحد من المسلمين ، لاشتراك الجميع في استحقاق السلوك فيها بخلاف غير النافذة ، فإنه يجوز لأهل تلك السكة المنسدة الأسفل منع الأجنبي من دخولها ، لكن يجوز دخولها ما لم يحصل المنع من أحد أربابها.

فإذا عرفت هذا ، فإن أراد بعض أهل الطريق المرفوعة فتح باب للاستطراق غير بابه المعتادة ، جاز لأهل الطريق منعه ان كانت ادخل من بابه ، سواء سد الأول أو لا ؛ لأنه لا حقّ له في الداخل عن بابه ، بل يختص به من هو ادخل منه ، وكذا يمنع لو كانت لغير الاستطراق ، بل للاستضاءة دفعا للشبهة ، أي لئلا تحصل الشبهة على ممر الأوقات انها فتحت بحق يوجب استحقاق الاستطراق فعلّة المنع دفع هذه الشبهة.

فرع : لو اذن أهل الأسفل في إدخال الباب في الطريق المرفوعة ، هل لأهل الأعلى المنع من ذلك؟ يحتمل العدم لعدم استحقاقهم الاستطراق فيه ، فلا يملكون المنع من الاذن فيه ، ويحتمل ان يكون لهم المنع من ذلك لاحتياجهم اليه عند ازدحام الناس والدواب ، وهو المعتمد ، ولهذا لو كان في أسفل الدرب فضلة فهم مشتركون فيها لارتقائهم بها.

قال رحمه‌الله : ولو صالحهم على احداث روشن ، قيل : لا يجوز ؛ لأنه لا

__________________

(٢) في « ن » : المعروفة.

٢٢٦

يصح افراد الهواء بالبيع ، وفيه تردد.

أقول : القول بالمنع قول الشيخ في المبسوط ، بناء على أصله من ان الصلح فرع البيع ، وقد مضى البحث فيه ، والمعتمد الجواز ، ومن انه أصل.

قال رحمه‌الله : ولو أذن جاز الرجوع قبل الوضع إجماعا ، وبعد الوضع لا يجوز ؛ لأن المراد التأبيد ، والجواز حسن مع الضمان ، أما لو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف ، وفيه قول آخر.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : في جواز الرجوع بعد الوضع ، وعدم الجواز مذهب الشيخ في المبسوط ، لما قاله المصنف من ان المراد به التأبيد ، ولأن في القلع إضرار فلا يجوز ، والمعتمد الجواز ؛ لأن ذلك عارية ، والضرر ينتفي بضمان الأرش ان حصل عيب في الجذوع بسبب القلع ؛ لأن سبب العيب حصول الاذن بالوضع ثمَّ الأمر بالقلع ، فيكون ضامنا لما يحدث في الجذوع من العيب للغرر.

الثانية : إذا انهدم الجدار ثمَّ أعاده المالك ، هل يعود الوضع؟ قال الشيخ في المبسوط : ان أعاده بتلك الآلة لم يكن له منعه من رد الخشب والسعف ، وهو بناء على أصله من أنه للتأبيد ، والمعتمد ان له منعه لما بيناه من انه عارية ولا أرش هنا لحصول التعيب بغير اختياره ، فلو كان هو الذي هدمه كان عليه الأرش.

قال رحمه‌الله : لو كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع ، قيل : لا يقضى بها ، وقيل : يقضى مع اليمين ، وهو الأشبه.

أقول : إذا تداعيا جدارا مطلقا ، اي غير متصل ببناء أحدهما ولا بينة ، فقد ذكر المصنف وجه الحكم فيه ، فلو كان عليه جذوع لأحدهما ، هل يقدم قول صاحب الجذوع؟ قال الشيخ في الخلاف : لا يقدم ، وقال ابن إدريس : يقدم ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد ؛ لأن له عليه يدا وتصرفا فيقدم قوله لحصول

٢٢٧

الرجحان.

قال رحمه‌الله : ولو اختلفا في خصّ قضي لمن اليه معاقد القمط للرواية.

أقول : الرواية رواية عمر بن سمرة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « انه قضى في رجلين اختصما في خص ، فقال : الخص لمن يليه القمط » (٣). وهي قصة في واقعة ، فلا تتعدى ، لاحتمال اطلاعه على ما يوجب الحكم.

قال رحمه‌الله : ولو هدمه من غير اذن شريكه وجب عليه إعادته.

أقول : إذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن شريكه ، قال المصنف : وجب عليه اعادته ، والمعتمد وجوب الأرش ؛ لأن الجدار غير مثلي ، وهو مذهب القواعد.

قال رحمه‌الله : ولو تنازعا في السقف ، قيل : إن حلفا قضي به لهما ، وقيل : لصاحب العلو ، وقيل : هو بينهما ، وهو حسن.

أقول : إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لآخر وتنازعا في سقف البيت الذي عليه الغرفة ولا بينة ، قال في المبسوط : يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ، فان حلفا كان بينهما نصفين ، والأحوط ان يقرع بينهما وحكم له ، وقال في الخلاف : يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف لصاحبه وحكم له ، وان قلنا انه يقسم بينهما نصفين كان جائزا ، واستحسنه المصنف ؛ لأنه أرض صاحب العلو وسماء صاحب السفل.

وقال ابن إدريس : يحكم به لصاحب الغرفة ، وهو المعتمد ؛ لأن الغرفة إنما

__________________

(٣) الوسائل ، كتاب الصلح ، باب ١٤ ، حديث ٢ ، والفقيه : أبواب القضايا والأحكام ، باب ٤٢ ، حديث ٢ ، باختلاف يسير ، إضافة إلى أن الراوي فيهما هو ( عمرو بن شمر ) بدل ( عمر بن سمرة ).

٢٢٨

تتحقق بالسقف ، إذ هو أرضها ، والغرفة لا تكون بغير ارض ، والبيت قد يكون بغير سقف ، وقد اتفقا على ان هنا غرفة لصاحبها ، وبدون السقف لا غرفة ؛ لأن تصرفه فيها دون صاحب السفل. هذا في السقف الذي لا يمكن إحداثه بغير بناء السفل ، أما ما لا يمكن إحداثه كالازح الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بغير (٤) امتداده في العلو فهو لصاحب السفل.

قال رحمه‌الله : ولو خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها إن أمكن ، وإلا قطعت من حد ملكه ، وإن امتنع صاحبها ، قطعها الجار ولا يتوقف على إذن الحاكم ، ولو صالحه على إبقائه في الهواء لم يصح ، على تردد.

أقول : القول بعدم الصحة مذهب الشيخ رحمه‌الله ؛ لأنه ان كان رطبا فهو يزيد في كل حال ولا يعرف قدر الزيادة ، وان كان يابسا ، فهو بيع الهواء من غير قرار ، وهو غير جائز ، والمعتمد الجواز لما قد ثبت أن الصلح عقد مستقل بنفسه.

قال رحمه‌الله : إذا تنازع راكب الدابة وقابض لجامها ، فهي للراكب مع يمينه ، وقيل : هما سواء في الدعوى ، والأول أقوى

أقول : تساويهما في الدعوى مذهب الشيخ في الخلاف ، قال : لعدم دليل على وجوب تقديم أحدهما على الآخر ، والقضاء للراكب مذهبه في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لرجحان يد الراكب بالتصرف ، وهو الركوب.

__________________

(٤) في « ر ١ » : بعد.

٢٢٩
٢٣٠

كتاب الشركة

٢٣١
٢٣٢

في أقسامها

قال رحمه‌الله : المشترك قد يكون عينا وقد يكون منفعة وقد يكون حقا ، وسبب الشركة قد يكون إرثا ، وقد يكون عقدا ، وقد يكون مزجا ، وقد يكون حيازة ، والأشبه في الحيازة اختصاص كل واحد بما حازه.

أقول : ذكر المصنف ان الشركة تحصل في ثلاثة أشياء :

الأول : في الأعيان ، وهي تحصل بالإرث ، كما لو ورثا ما عن أبيهما ، والعقد ، كما لو اشتريا عينا صفقة أو اوصي لهما بعين فقبلا ، وبالامتزاج ، كما لو امتزج مال مالكين بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر ، سواء كان المزج اختيارا أو غير اختيار.

وبالحيازة ، قال ابن إدريس : واما الشركة بالحيازة ، فهو ان يشتركوا في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء بعد خلطه وحيازته ، فأما قبل خلطه فلا شركة عندنا بينهم ، لأن الشركة بالأعمال والأبدان باطلة عندنا ، لأنها لا تصح إلا بالأموال المتجانسة المتفقة الصفات بعد خلطها خلطا لا يتميز. الى هنا كلامه رحمه‌الله ، جعل الحيازة سببا من الأسباب الموجبة للشركة ثمَّ اشترط

٢٣٣

الخلط بعد الحيازة ، فحينئذ لا تكون الحيازة سببا إلا إذا اقتلعا شجرة دفعة ، أو اغترفا ماء كذلك ، كما قاله المصنف رحمه‌الله.

الثاني : في المنافع ، كالاشتراك في منفعة الوقف ، ومنفعة العين المستأجرة ، ولا سبب هنا غير العقد.

الثالث : في الحقوق ، مثل حق القصاص ، وحق الشفعة ، وحق القذف ، وخيار الرد بالعيب ، وخيار الشرط ، وحق الرهن ، وحق المرافق في الطرقات ، ومرافق الدار ، والضيعة ، والشرب ، والبئر والعين وما أشبه ذلك.

قال رحمه‌الله : ولو اشترط أحدهما زيادة في الربح مع تساوي المالين أو التساوي في الربح والخسران مع تفاوت المالين ، قيل : تبطل الشركة ، وقيل : تصح الشركة ، والأول أظهر.

أقول : مقتضى عقد الشركة كون الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال ، فإذا حصل الشرط المنافي ـ كما فرضه المصنف ـ فلا يخلو إما ان يكونا عاملين ، أو يكون أحدهما دون الآخر ، أو يكون العامل غيرهما ، فهنا ثلاثة أقسام :

الأول : ان يكونا عاملين وفيه ثلاثة أقوال :

« أ » : بطلان الشركة والشرط ، وهذا هو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس والمصنف ، ومعنى البطلان : هو بطلان الشرط وما اقتضاه من الاذن في التصرف ، لا بطلان حقيقة الشركة الحاصلة بعد المزج ، لأنه لا يمكن وصفها بالصحة والبطلان.

« ب » : صحة الشرط وما اقتضاه ، وهو مذهب السيد المرتضى ، واختاره العلامة ، وهو مذهب أبيه سديد الدين ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، وهو

٢٣٤

المعتمد ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، والوفاء بها إجراءها على ما وقعت عليه ، وقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) ، والتراضي انما وقع على ما اشترطاه ، فلا يسوغ غيره ، وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٣).

وأجاب الأولون بأن الشركة ليست عقدا ، لحصولها بغير العقد ، وهو الامتزاج ، فلا يدخل تحت الآية ، ولم يتعرض احد ممن قال بالصحة للجواب عن هذا الجواب ، مع كونه جوابا حسنا ، وحجة ظاهرة.

وأقول : قد يجاب عن هذا الجواب بأن حقيقة الشركة الحاصلة بالامتزاج مسلم انها ليست عقدا ، لكن الشرط الذي جرى بينهما عقد لافتقاره إلى التراضي ، ولا نعني بالعقد الذي استدللنا على صحته بالآية غير ذلك ، ولهذا ان القائل بالبطلان مراده بطلان الشرط وما اقتضاه من الاذن بالتصرف ، فيكون المراد بالصحة ذلك أيضا ، وقد ثبت ان الشرط عقد ، فالإيراد غير وارد.

« ج » : كون الزيادة اباحة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، وهو قول أبي الصلاح الحلبي.

الثاني : ان يكون أحدهما عاملا ، والآخر غير عامل ، قال المصنف هنا : ( اما لو كان العامل أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صح ويكون بالقراض أشبه ).

وقال أبو الصلاح : العامل اجرة عمله من الربح وبحسب ماله. ومذهب

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٠ من أبواب المهور ، حديث ٤. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب ٥ من أبواب الخيار ، حديث ٧ وقد تقدم مرارا ، لاحظ ص ٤٤.

٢٣٥

العلامة صحة الشرط سواء عملا أو عمل أحدهما وسواء شرط الفضل للعامل أو لغيره.

الثالث : ان يكون العامل غيرهما ، ويلزم القائل بالصحة مع عملهما القول بها مع عمل غيرهما ، لأن الأدلة الواردة هناك واردة هنا ، وهو ظاهر العلامة ، لأنه جواز اشتراط الزيادة لغير العامل مع عمل الآخر ، فيكون جوازها مع عدم عملهما أولى.

تنبيه : قال العلامة في القواعد : وقيل : تبطل إلا ان يشترط الزيادة للعامل ، ولم يتعرض فخر الدين لذكر القائل ، وقال عميد الدين : وقوله : ( وقيل يبطل الا ان يشترط الزيادة للعامل ) إشارة إلى قول ابي الصلاح ، وقد حكيناه والذي حكاه والدي رحمه‌الله ضد هذا القول ، وهذه صورة ما حكاه : ( وقال أبو الصلاح : لا يلزم الشرط ولصاحب الزيادة الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، ولو شرط التفاضل في عقد الشركة صحت الشركة وبطل الشرط ، ولو عمل أحدهما وشرط له زيادة لم يلزم ، وكان له اجرة عمله من الربح وبحسب ماله ).

وهذا الذي حكاه عن ابي الصلاح نقله من المختلف ، وهو ضد ما نقله في القواعد ، لأن القول الذي حكاه في القواعد يتضمن الصحة إذا شرط له الزيادة للعامل بدليل قوله : ( وقيل تبطل إلا ان يشترط الزيادة للعامل ) استثنى من البطلان الصحة إذا اشترطت الزيادة للعامل ، وقول أبي الصلاح يدل على البطلان مع اشتراطهما للعامل بدليل قوله الذي حكاه عنه : ( ولو عمل أحدهما وشرط له زيادة ، لم يلزم وكان له اجرة عمله من الربح ) ، فقد حكم بفساد الشرط والرجوع الى الأجرة.

ومن العجب اشتباه هذا على السيد مع ذكائه وفهمه وعظم نباهته ، وكون ذلك ليس محلا للاشتباه والإبهام لوضوحه وظهوره لمن هو ادنى من السيد ، لكن

٢٣٦

السهو جائز على غير المعصوم ، وكأن الحكمة اقتضت وقوع مثل هذا الغلط الظاهر من هذا العالم المحقق ليظهر احتياج الإمام إلى العصمة ، وان غير المعصوم لا يجوز ان يكون إماما ، فنسأل الله العصمة من الزلل الموجب للخلل.

وأقول الظاهر ان القول الذي حكاه في القواعد قول المصنف هنا ، لأن مذهبه هنا البطلان إلا مع كون الزيادة للعامل ، قال : ( ويكون بالقراض أشبه ) ، وانما كان أشبه ، لأن مقتضاه كون حصته من الربح تقابل عمله ، فهذه الزيادة استحقها بسبب عمله كالعامل بمال القراض.

٢٣٧
٢٣٨

في اللواحق

قال رحمه‌الله : وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك ، قيل : لا ، وفيه تردد.

أقول : مذهب الشيخ في باب الشركة من المبسوط عدم اشتراط النية ، ومذهبه في باب احياء الموات منه اشتراط النية ، ومنشأ التردد من انه قبل الحيازة لم يكن مملوكا ، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتحقق الملك ، ولاتفاقهم ـ غير ابن إدريس ـ على ان ما يوجد في جوف السمكة للمشتري ، ولا يجب عليه تعريف الصائد ، ولو ان المباح يدخل في الملك من غير نية التملك لوجب ان يكون ما في جوف السمكة للصائد دون المشتري ، ومن انه بنفس الحيازة قد استولى عليه وجاز له التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات ، وهذا هو معنى الملك ، والأصل عدم الزيادة على ذلك ، وعلى القول باشتراط النية فهو باق على الإباحة ما لم تحصل النية.

قال رحمه‌الله : لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في القبض وادعى المشتري تسليم الثمن إلى البائع وصدّقه الشريك برء المشتري من حقه ،

٢٣٩

وقيل : تقبل شهادته على القابض في النصف الأخر وهو حصة البائع لارتفاع القيمة في ذلك القدر ، ولو ادعى تسليمه الى الشريك فصدقه البائع لم يبرأ المشتري بشي‌ء من الثمن ، لأن حصة البائع لم تسلم اليه ولا الى وكيله ، والشريك ينكره فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : تقبل شهادة البائع ، والمنع في المسألتين أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في قبول شهادة الشريك على البائع في هذه الصورة التي فرضها المصنف ، ولا خلاف في سقوط حق الشريك عن حق المشتري لاعترافه أو بالدفع الى وكيله ، وانما الخلاف في قبول شهادته على البائع بالنسبة إلى حصة البائع ، وبالقبول قال الشيخ في المبسوط ، وبه قال العلامة في القواعد والتحرير جزما ، وهو المعتمد لعدم التهمة في ذلك ، لأن الأصل قبول شهادة العدل ما لم يحصل المانع من قبولها فيحلف معه ويبرأ منها ، فأما حصة الشريك فلا تثبت في ذمة البائع إلا مع إقامة البينة بالقبض ، سواء أقامها المشتري أو الشريك.

واختار المصنف المنع من قبولها ، لأنها غير مقبولة بالنسبة إلى حصته فلا تكون مقبولة بالنسبة إلى حصة شريكه ، والا لزم تبعيض الشهادة ، وهو غير جائز.

والجواب المنع من حصول التبعيض ، لأنه ليس شاهدا بالنسبة إلى حصته ، لأن الإنسان لا يكون شاهدا لنفسه ، وانما هو شاهد بالنسبة إلى حصة شريكه فلا تبعيض حينئذ.

الثانية : في قبول شهادة البائع على الشريك إذا اعترف البائع بوصول الثمن اليه ولم يكن وكيلا للشريك في القبض ، وبالقبول قال الشيخ في المبسوط لارتفاع التهمة ، لأن البائع والمشتري معترفان بثبوت حق الشريك على المشتري ، لأن الدفع الى غير وكيله ولم يشارك البائع الشريك فيما قبضه ، فلا تهمة.

٢٤٠