قراضا ، فاشترى به عبدا للقراض ، فهلك الألف قبل ان يدفعه ، قال قوم : المبيع للعامل والثمن عليه ، ولا شيء على رب المال. وقال قوم : المبيع لرب المال ، وعليه ان يدفع إليه ألفا أخرى ليقضى بها دينه ، ويكون الألف الأول والثاني قراضا ، وهما معا رأس المال.
واختاره ابن البراج ، وحكى في الخلاف القولين ، ثمَّ اختار فيه ان يكون المبيع للعامل ، وعليه الثمن ، وقال ابن إدريس : فإن اشترى في الذمة فإن الشراء له وان اشترى بالعين وتلف المال بطل العقد.
وقال العلامة في المختلف : إذا كان اذن له بالشراء في الذمة ، فاشترى في الذمة فالحق ما قاله في المبسوط ، وان اشترى في الذمة بغير اذنه فالحق ما قاله في الخلاف ، وان اشترى بالعين فتلف قبل القبض ، فالحق ما قاله ابن إدريس من بطلان البيع ، وهذا هو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا قارض اثنان واحدا وشرط له النصف منهما وتفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال كان فاسدا ، لفساد الشرط ، وفيه تردد.
أقول : هذه المسألة مبنية على جواز اشتراط التفاوت في الربح والخسران مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوتهما ، وقد سبق البحث في ذلك (١١) ، فلا وجه لإعادته.
قال رحمهالله : إذا اشترى عبدا للقراض فتلف الثمن قبل قبضه ، قيل : يلزم صاحب المال ثمنه دائما ويكون الجميع رأس ماله ، وقيل : إن كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك ، وإلا كان باطلا ولا يلزم الثمن أحدهما.
أقول : قد ذكرنا ذلك ، والقول الأول قول الشيخ في المبسوط ، والقول الثاني قول ابن إدريس ، وقد سبق (١٢).
__________________
(١١) ص ٢٣٤.
(١٢) ص ٢٦٠.
قال رحمهالله : إذا دفع مالا قراضا ، وشرط أن يأخذ له بضاعة ، قيل : لا يصح ؛ لأن العامل في القراض لا يعمل ما لا يستحق عليه أجرا ، وقيل : يصح القراض ويبطل الشرط ، ولو قيل بصحتهما كان حسنا.
أقول : البضاعة هو ان يدفع الإنسان إلى غيره مالا أمانة على ان يتجر له فيه ولا حصة له في الربح ، فاذا شرط رب المال على العامل ان يأخذ له بضاعة ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ثمَّ قال في المبسوط أيضا : ولو قلنا : ان القراض صحيح والشرط جائز لكنه لا يجب الوفاء به ؛ لأن البضاعة لا يلزم القيام بها ، كان قويا
والمعتمد ما استحسنه المصنف ؛ لأنه لا مانع من ان يعمل العامل في مال بعوض وفي آخر بغير عوض لوجود المقتضي ، وهو الشرط السائغ فدخل تحت عموم قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١٢) ، وهو مذهب العلامة.
قال رحمهالله : ولا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطؤها وإن أذن له المالك ، وقيل : يجوز مع الإذن ، أما لو أحلّها بعد شرائها ، صح.
أقول : القول بالجواز هو قول الشيخ في النهاية ، معولا على ما رواه مرفوعا الى الكاهل ، عن أبي الحسن عليهالسلام ، « قال : قلت : رجل سألني أن اسألكم ، ان رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري ما يرى من شيء ، وقال : اشتر جارية تكون معك ، والجارية انما هي لصاحب المال ان كان فيها وضيعة فعليه ، وان كان فيها ربح فله ، فللمضارب ان يطأها؟ قال : نعم » (١٣). وفي طريقها سماعة ، وهو
__________________
(١٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٠ من أبواب المهور ، حديث ٤. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب ٥ من أبواب الخيار ، حديث ٧.
(١٣) التهذيب ، كتاب التجارات ، باب الشركة والمضارة ، حديث ٣١ (٨٤٥). وفي الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب ١١ ، حديث ١.
واقفي.
والمعتمد عدم الجواز ؛ لأنه لا يخلو إما ان يظهر فيها ربح أو لا ، فان ظهر فيها ربح وقلنا : انه يملك حصته بالظهور فهي مشتركة ، والمشتركة لا يجوز وطؤها لأحد الشريكين على ما يأتي في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى. وان قلنا : انه لا يملك بالظهور أو لم يكن فيها ربح ، فهي ملك لرب المال حصل بعد الإذن ، والإذن السابق لا يقبل الإباحة ؛ لأنه لم يصادف ملكا ، أما لو لم يكن فيها ربح وحصل التحليل بعد الشراء ، فإنه يجوز الوطي قطعا.
كتاب المزارعة والمساقاة
في المزارعة
قال رحمهالله : أما لو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا الى الحصة ، قيل : يصح ، وقيل : يبطل ، والأول أشبه.
أقول : القائل بالصحة على كراهية هو الشيخ رحمهالله ، وتابعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة ، ونقل المصنف والعلامة قولا بالمنع ولم يسميا قائله. والمعتمد الأول ، لعموم قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ، فإن هلك الزرع بشيء من الآفات سقط الشرط.
قال رحمهالله : ويكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير مما يخرج منها ، والمنع أشبه ، وان يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث بها حدثا أو يؤجرها بجنس غيره.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : ان يؤجر الأرض بحنطة أو شعير مما يخرج منها ، والمشهور في هذه عدم الجواز ، لاحتمال لا يخرج منها شيء فتسقط الأجرة ، وهو غير جائز ،
__________________
(١) مستدرك الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ٥ ، من أبواب الخيار ، حديث ٧.
وقيل بالجواز على كراهية ، لأصالة الجواز ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، والأول هو المعتمد ؛ لأن هذا الشرط مشتمل على غرر فيكون باطلا.
الثانية : في جواز ان يؤجر الأرض الذي استأجرها بأكثر مما استأجرها به إذا كان من جنس ما استأجرها ولم يحدث فيها حدثا ، وبعدم الجواز قال الشيخ والسيد المرتضى وابن الجنيد : حذرا من الربا ، ولهم عليه روايات (٢).
وقال المفيد وابن إدريس : انه مكروه. واختاره العلامة ، لأصالة الجواز ، ولهم عليه روايات كثيرة (٣) ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو مضت المدة والزرع باق كان للمالك إزالته على الأشبه.
أقول : المعتمد وجوب تعيين المدة في العقد ، فاذا عينا مدة يمكن ادراك الزرع فيها ثمَّ انقضت ولم يدرك ، هل للمالك ازالته؟ يحتمل ذلك لأن العقد لم يتناول غير المدة المعينة ، فلا يجب على المالك إبقاء الزرع بعدها ، لكن يجب عليه أرش النقص بسبب القلع ، والأرش هو نقص قيمته مقلوعا عن قيمته قائما ، لأنه نقص دخل على ملك الغير بسبب تخليص ملكه ، فيكون مضمونا.
ويحتمل عدم جواز الإزالة ، لأنه تصرف تصرفا مأذونا فيه ، والقلع فيه ضرر على الزارع ، وقد قال عليهالسلام : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (٤) ، ولأنه ليس لعرق ظالم ، ويحتمل وجوب التبقية بالأجرة ، جمعا بين الحقين.
فرع : إذا عينا مدة فأدرك الزرع في بعضها ، فان كان قد عينا المزروع لم يجز للعامل ان يزرع الأرض مرة ثانية وان كان يدرك عند انتهاء تلك المدة ، وان لم يعينا المزروع جاز ان يزرع الأرض مرة ثانية ، لأنه يملك التصرف بما شاء من
__________________
(٢) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٢٢ ، حديث ٢ ، وباب ٢٠.
(٣) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٢٢ ، وكتاب المزارعة والمساقاة ، باب ١٥.
(٤) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٥ ، حديث ١ وغيره.
الزرع تلك المدة المعينة.
قال رحمهالله : ولو استأجر للزراعة ( ما لا ينحصر عنه الماء لم يجز لعدم الانتفاع ، ولو رضي بذلك المستأجر ) (٥) جاز ، ولو قيل : بالمنع لجهالة الأرض كان حسنا.
أقول : قد ذكر المصنف وجهي المنع والجواز ، والمعتمد الجواز ان كانت الأرض معلومة أو كان الماء صافيا يمكن مشاهدتها أو كان قليلا يمكن معه بعض الزرع ، وإلا فلا.
قال رحمهالله : إذا استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا ، قيل : يجب على المالك إبقاؤه أو ازالته بعد الأرش ، وقيل : له أزالته كما لو غرس بعد المدة ، والأول أشبه.
أقول : لا خلاف في جواز الغرس ، وانما الخلاف في ان الغارس هل يجبر بعد انقضاء المدة على قلع غرسه مجانا أو لا يجبر إلا مع بذل أرش النقصان ، وهو التفاوت بين قيمته مقلوعا وقيمته قائما؟ فنقول : لا يخلوا اما ان يشترط القلع بعد انقضاء المدة أو يطلق العقد ، فان اشترط القلع وجب ، ولا أرش حينئذ ، لأنه دخل على ذلك.
وان أطلق العقد ، قال الشيخ : لم يجبر على قلعه مجانا ، ويجبر المالك بين أخذ الغرس بالقيمة ويجبر المستأجر على القبول ، وبين الإجبار على القلع مع دفع أرش نقص الغرس ، وبين التبقية بأجرة المثل.
ووجهه انه من استأجر شيئا ليشغله بحق له انما يجبر على ازالة حقه منه على ما جرت العادة بنقله منه ، والعادة لم تجر بنقل الغرس إلا بعد جفافه ، فلا يجبر على نقله قبل ذلك ، ولا يجبر مالك الأرض على شغلها بمال الغير بغير عوض ، لما في
__________________
(٥) ما بين القوسين لم يرد في الشرائع.
ذلك من الضرر المنفي ، فوجه الجمع بين الحقين ما قاله الشيخ.
قال العلامة في التحرير بعد ان حكى قول الشيخ : وعندي في إجباره على قبول القيمة نظر. وجه النظر ان المعاوضة عقد يفتقر إلى التراضي والإجبار ينافيه ، وقيل : يجبر على الإزالة ، كما لو غرس بعد انقضاء المدة ، لأن العقد لم يتناول غير المدة المعينة ولا أرش على مالك الأرض ، لأن تفريغ الأرض واجب عليه ، وكما قبضها فارغة يجب تسليمها فارغة ، فلا يستحق على فعل الواجب عليه أرشا ، واختاره العلامة في القواعد ، واختار المصنف مذهب الشيخ.
قال رحمهالله : إذا تنازعا في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه ، وكذا لو اختلفا في قدر الحصة فالقول قول صاحب البذر ، فإن أقام كل واحد منهما بينة ، قدمت بينة العامل ، وقيل : يرجعان إلى القرعة ، والأول أشبه.
أقول : انما كان القول قول صاحب البذر مع عدم البينة ، لأن النماء تابع للأصل ، فيقتضي ان الجميع لصاحب البذر إلا ما أخرجه الشرط ، فاذا ادعى زيادة عما اعترف به صاحب البذر كان القول قول المالك وهو صاحب البذر مع عدم البينة وانما كان البينة بينة العامل ، لأنه الخارج ولأن القول قول صاحب البذر مع عدم البينة ، فيكون البينة بينة الآخر.
وقال الشيخ رحمهالله : يقرع بينهما ، لأن الربح تابع للعمل ورأس المال ولا ترجيح ، فيقرع بينهما ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو اختلفا ، فقال الزارع : أعرتنيها ، فأنكر المالك وادعى الحصة أو الأجرة ولا بينة ، فالقول قول صاحب الأرض ويثبت له أجرة المثل مع يمين الزارع ، وقيل : يستعمل القرعة ، والأول أشبه.
أقول : انما كان القول قول صاحب الأرض ، لأن المنافع مملوكة له كالعين فكما ان القول قوله لو ادعى عليه تمليك العين ، فكذا القول قوله إذا ادعى عليه
تمليك المنافع ، وقيل بالقرعة ، لأنهما اتفقا على حدوث المنافع في ملك الزارع ، وصاحب الأرض يقول بأجرة ، والأصل عدم التبرع ، والزارع يقول مجانا والأصل براءة الذمة ، ولا ترجيح لأحد الأصلين على الآخر ، فيقرع بينهما ، والمعتمد الأول.
في المساقاة
قال رحمهالله : ويصح قبل ظهور الثمرة ، وهل تصح بعد ظهورهما؟ فيه تردد ، والأظهر الجواز إن بقي للعامل عمل ، وإن قل مما يستزاد به الثمرة.
أقول : المساقاة جائزة قبل ظهور الثمرة إجماعا ، أما بعد ظهورها إذا بقي للعامل عمل يستزاد به الثمرة ، فقد تردد فيه المصنف ثمَّ اختار الجواز ، ومنشأ التردد من أصالة الصحة ، ولأن المقصود من المساقاة زيادة النماء بسبب فعل العامل ، والتقدير انه حاصل ، وبه قال الشيخ في الخلاف محتجا بعموم الأخبار (٦) الدالة على جواز المساقاة من غير تفصيل ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.
ومن ان المساقاة معاملة على مجهول فيقتصر فيها على محل الوفاق ، وهو الصحة قبل الظهور دون ما بعده ، ولأن الثمرة إذا ظهرت كانت ملكا للمالك ، فاذا ساقاه عليها وشرط له منها جزءا كان قد شرط جزءا من ماله له ، فلا يصح كالمضاربة.
__________________
(٦) الوسائل ، كتاب المزارعة والمساقاة ، باب ٩ ، حديث ٢.
فرع : على الجواز بعد الظهور لو حصلت بعد بدو الصلاح كان زكاة الجميع على المالك خاصة لبدو الصلاح على ملكه من غير مشارك.
قال رحمهالله : ولا تبطل بموت المساقي ولا بموت العامل على الأشبه.
أقول : المساقاة عقد لازم كالإجارة ، والخلاف في بطلانها بالموت كالخلاف في بطلان الإجارة به ، فالقائل بالبطلان هناك قائل به هنا ، ومن لا فلا.
وعلى القول بعدم البطلان ـ وهو المعتمد ـ يقوم الوارث مقام العامل ان كان هو الميت ، فان امتنع الوارث من العمل لم يجبر عليه ، لأن العمل غير واجب عليه ، لأن الأعمال الواجبة على الإنسان إذا تعلقت ببدنه لا يجب على وارثه القيام بها عدا الصلاة على ما تقدم ، فمع امتناع الوارث من العمل يستأجر الحاكم من تركته ان كان له تركة ، ومع عدم التركة أو تعذر الاستئجار يفسخ المالك ان شاء وعليه اجرة العامل الى حين الموت إذا لم تظهر الثمرة ، وان كانت قد ظهرت بيعت حصة العامل منها ودفعت الى ورثته ، ولا أجرة حينئذ.
قال رحمهالله : وفيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به كالحناء والتوت تردد.
أقول : منشؤه من ان المساقاة المشروعة انما هي على الأصول التي لها ثمرة ينتفع بها مع بقاء أصلها ، والورق لا يسمى ثمرة لا باللغة ولا بالعرف. ومن ان الورق هنا يجري مجرى الثمرة المتجددة كل عام مع بقاء أصله وهو ينتفع به كالانتفاع (٧) بالثمرة ، فيصح المساقاة عليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير (٨) ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : والكش للتلقيح ، وقيل : يلزم ذلك العامل ، وهو حسن.
__________________
(٧) في « ن » : كانتفاعه.
(٨) ( التحرير ) لم ترد في « ر ٢ ».
أقول : كون الكش على المالك مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة ، لأنه عين ماله ، والعامل لا يجب عليه غير العمل ، وكونه على العامل مذهب ابن إدريس ، لأن العمل لا يتم إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، واستحسنه المصنف والعلامة ، والأول هو المعتمد.
والخلاف في الثور الذي يدير الدولاب ، كالخلاف في الكش.
قال رحمهالله : ولو شرط ان يعمل غلام المالك معه جاز ، لأنه ضم مال الى مال ، ولو شرط ليعمل الغلام لخاصّ العامل لم يجز ، وفيه تردد.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : ان يشترط ان يعمل غلام المالك لخاص العامل ، ومنشأ التردد فيه من انه شرط سائغ فيدخل في عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، وهذا الشرط يقتضي كون الحصة مقابل بعض العمل ، وهو جائز ، وهو ظاهر المصنف واختيار العلامة ، وهو المعتمد.
ومن انه اشترط ان العوض له والعمل على غيره ، وهو غير جائز.
الثانية : إذا شرط على رب المال أجرة الأجراء ، أو شرط خروج أجرتهم من وسط الثمرة والباقي بينهما ، وهو لا يخلو اما ان يشترط أجرة الأجراء الذين جرت العادة باستئجارهم والاستعانة بهم وباقي العمل على العامل ، أو يشترط أن يستأجر على جميع العمل ولم يبق للعامل غير الاستعمال خاصة ، فإن كان الأول فقد قال الشيخ في المبسوط بالبطلان ، لأن المساقاة موضوعة على أن من رب المال المال ومن العامل العمل ، فان اشترط أن أجرة الأجراء على رب المال أو من الوسط اقتضى ان يكون على رب المال المال والعمل ، وهو غير جائز ، وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن أنه شرط سائغ فيجب الوفاء به.
والمعتمد الجواز بشرطين : ان تكون الأجرة معلومة مقدرة حالة العقد ،
وان يبقى للعامل شيء من العمل وان قل ، وان كان الثاني وهو أن يشترط الاستئجار على جميع العمل ولم يبق غير الاستعمال ، وهذا استشكله العلامة في القواعد : من ان العامل لا يملك الحصة ويستحقها الا بعمل الجميع أو البعض ، وهذا لا يعمل شيئا ، والاستعمال لا يسمى عملا.
ومن ان الاستعمال يجري مجرى العمل ، لحصوله بواسطة الاستعمال ، والمعتمد البطلان ، لأن المساقاة معاملة على مجهول فيقتصر فيها على موضع الوفاق ، فيكون له اجرة الاستعمال ، لأنه يجري مجرى الوكيل بجعل.
ونفقة الغلمان الذين يشترط عملهم على سيدهم ، فان اشترطها على العامل جاز مع التقدير لا مع عدمه ، ونفقة الأجراء على أنفسهم إلا مع الشرط ، فيجب تقديرها.
قال رحمهالله : ولو شرط مع الحصة من النماء حصة من الأصل الثابت لم يصح ، لأن مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه من انه شرط يقتضي مخالفة العقد ، وكل شرط يقتضي مخالفة العقد فهو باطل ، لأن مقتضى عقد المساقاة كون الحصة من النماء دون الأصل ، فإذا اشترط من الأصل شيئا ، فهو كما لو اشترط العامل في مال القراض شيئا من رأس المال مضافا إلى حصته من الربح ، وهو باطل ، فكذا هنا ، وبه قال الشيخ وابن إدريس وفخر الدين ، وهو المعتمد.
ومن انه شرط سائغ فيدخل في عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولأنه كما لو اشترط شيئا غير الحصة من غير الأصل ـ كما لو اشترط ذهبا أو فضة أو غير ذلك ـ فهو جائز ، فكذا هنا.
والجواب حصول الفرق بين ان يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به ، وبين ان يكون منه ، لأن جعل العوض الحاصل للعامل ـ وهو الحصة من النماء ـ
مقابل العمل بجميع المال المعقود عليه ، فاذا صار له جزء من الأصل لم يحصل العمل بجميع المال للمالك ، وإذا لم يعمل بجميع المال المملوك للمالك لم يستحق مجموع الحصة المشترطة لا خلاله بالشرط ، وهو العمل بالجميع فيبطل العقد ويكون للعامل اجرة مثل عمله ، وللمالك مجموع الفائدة.
قال رحمهالله : ولو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت المساقاة ، لأن الحصة لم تتعين ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه من أصالة الصحة وعدم حصول الجهالة لتعيين العملين والحصتين ، فأي عمل عمله كانت الحصة عليه معلومة. ومن ان الترديد بين العملين والحصتين يقتضي عدم تعيين المعقود عليه من العمل والحصة ، ومع عدم التعيين يحصل الجهالة المفضية إلى البطلان ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها ، فان كان بعد بدو الصلاح جاز ، وان كان بعد ظهورها ، وقيل : بدو صلاحها بشرط القطع صح إن استأجره بالثمرة أجمع ، ولو استأجره ببعضها ، قيل : لا يصح لتعذر التسليم ، والوجه الجواز.
أقول : صحة الإجارة وعدمها قبل بدو صلاحها مبني على صحة البيع قبله ، فمن قال بصحته بشرط القطع قال بالصحة هنا بشرط القطع أيضا ، ومن قال بالصحة مطلقا قال بها هنا أيضا ، والمعتمد بجواز الاستئجار لها بعد الظهور ، سواء كان بالكل أو البعض ، وسواء شرط القطع أو لم يشترطه ، لجواز البيع كذلك على الصحيح من المذهب.
قال رحمهالله : إذا قال : ساقيتك على هذا البستان بكذا على أن أساقيك على الآخر بكذا ، قيل : يبطل ، والجواز أشبه.
أقول : القائل بالبطلان الشيخ رحمهالله ، قال في المبسوط : إذا قال ساقيتك
على هذا الحائط بالنصف على ان أساقيك على هذا الحائط الآخر بالثلث ، بطل ، لأنه بيعان في بيعة واحدة ، لأنه ما رضي ان يعطيه هذا النصف إلا ان يأخذ منه الآخر بالثلث ، وهكذا في البيع إذا قال : بعتك عبدي هذا بألف على ان تبيعني عبدك بخمس مائة ، فالكل باطل ، لأن قوله : ( على ان تبيعني عبدك بخمس مائة ) ، وعد من صاحب العبد فهو بالخيار بين الوفاء وبين الترك ، والمعتمد الجواز في الموضعين البيع والمساقاة معا ، لأنه شرط سائغ ، فلا مانع منه ، فان حصل الوفاء به ، وإلا كان البائع والمساقي بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، وبه قال المصنف والعلامة.
قال رحمهالله : إذا هرب العامل لم تبطل المساقاة فإن بذل العمل عنه باذل ، أو دفع إليه الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه ، فلا خيار وإن تعذر ذلك ، كان له الفسخ ، لتعذر العمل ولو لم يفسخ وتعذر الوصول الى الحاكم ، كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ، ويرجع عليه على تردد ، ولو لم يشهد ، لم يرجع.
أقول : المساقاة عقد لازم لا تبطل بهرب العامل ، ولكن صاحب النخل يحتاج الى ان يرفع امره الى الحاكم ليثبت عنده العقد ، فيطلبه الحاكم ، فان وجده ألزمه العمل ، وان لم يجده وكان له مال استأجر منه من يقوم مقامه ، وان لم يكن له مال وكان في بيت المال شيء استأجر من بيت المال قرضا على العامل ، فان لم يكن في بيت المال شيء ووجد من يتطوع بإقراضه استقرض عليه ، فان لم يجد المتطوع بالإقراض ولم يتطوع المالك بالإقراض ولا بالعمل ، قال له الحاكم : قد تعذر العمل من جهة العامل ، فلك ان تفسخ ، فاذا فسخ لا يخلو إما ان يكون الثمرة قد ظهرت أو لم تظهر ، فان لم تظهر بعد ، كان على المالك اجرة عمله الى حين الفسخ ، لأنه عمل عملا غير متبرع به ولم يسلم له الحصة المشترطة ، فيكون له الأجرة ، وان كانت قد ظهرت صار شريكا فيها بنسبة حصته ، فيقال للمالك
أتختار ان يبيع نصيبك من الثمرة؟ فإن قال : نعم ، بيعت في موضع يصح بيعها ، وقسمه بالقيمة على قدر الحصص ، وإلا بيعت حصة العامل على مالك النخل أو على غيره.
هذا كله مع وجود الحاكم ، وإمكان الوصول اليه ، ومع غيبته أو عدم التمكن من الوصول اليه ، قال المصنف : ( كان له ان يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع عليه على تردد ). ومنشؤه من أنه أنفق على مال غيره بغير اذنه ولا اذن الحاكم ، فلا رجوع له لأصالة براءة الذمة.
ومن ان الرجوع هنا لمكان الضرورة ، لأنه لو لم يجز الرجوع عليه بما أنفقه مع وجوب دفع حصته اليه ، لزم الضرر المنفي ، أما لو كان الإنفاق بغير اذن الحاكم مع القدرة على استئذانه ، فإنه لا يرجع إجماعا ، وإن اشهد.
فرع : إذا لم يشهد على ان هذه النفقة دين على العامل ، ونوى ذلك في نفسه ، هل له ان يرجع عليه؟ استشكل ذلك العلامة في القواعد ، ومنشؤه : من ان الإشهاد ، هل هو شرط في جواز الرجوع ، أو الشرط هو نية الرجوع ، والإشهاد لأجل الثبوت؟
الظاهر الأول ، لأن الشارع علق جواز الرجوع على استئذان الحاكم مع إمكانه ، أو الإشهاد مع عدمه ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، ولأصالة براءة الذمة من اشتغالها بحق للغير ما لم يعلم السبب ، وهو غير معلوم ، مع عدم هذين الشرطين.
ويحتمل الرجوع بمجرد النية ، لأن الإشهاد لا يفيد إثبات حق في ذمة الغير ، وانما فائدته إثبات عدم التبرع ، وعدم التبرع يحصل بنية الرجوع ، فالمفيد للرجوع هو نية عدم التبرع ، فاذا ثبت ذلك بإقرار الخصم جاز له الرجوع ، والأول ظاهر المصنف ، لأنه أطلق عدم الرجوع مع عدم الإشهاد ، وهو اختيار
العلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ومع ثبوت الخيانة هل يرفع يده أو يستأجر من يكون معه من أصل الثمرة؟ والوجه أن يده لا ترفع عن حصته من الربح ، وللمالك رفع يده عما عداه ، ولو ضم المالك إليه أمينا كان أجرته على المالك خاصة.
أقول : إذا ثبت خيانة العامل إما بإقراره أو بالبينة أو بنكوله عن اليمين مع يمين صاحب النخل ، قال المصنف : ( الوجه انه لا يرفع يده عن حصته ) ، ووجه هذا الوجه ان الخيانة توجب رفع اليد عن مال الغير لا عن مال نفسه.
ويحتمل رفع يده عن الجميع ، لأنه لا يتم رفع اليد عن مال الغير إلا مع رفع يده عن الجميع ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.
والأول اختيار المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.
تنبيه : صورة رفع يده عن حصة المالك مع بقائها على حصته هو ان يضم اليه من يشاركه في العمل بمقدار حصة المالك ويكون مستوليا على حصة المالك وعاملا بها ، والعامل يختص من العمل بمقدار حصته مع اشتراك الثمرة بينهما ، ويكون استيلاء العامل الثاني على العمل بمقدار حصة المالك ، وتصرفه بها رفعا ليد العامل الأول عنها وان كانت لا تتميز عن حصة العامل ، ولا يتوهم احد ان رفع يده عن حصة المالك مع بقاء حصته هو ان يقتسما الثمرة ثمَّ يتصرف كل واحد منها بحصته ، لأن قسمة الثمن قبل الفراغ من جميع ما يحتاج اليه من العمل غير جائز ، لأن العامل لا يستقر ملكه على حصته منها إلا بتمام العمل جميعه على وجه الشياع ، لأن من شرط صحة المساقاة كون الحصة مشاعة إلى حين الفراغ من العمل ليكون التالف منهما والباقي لهما ، فالقسمة قبل ذلك تنافي هذا الحكم ، لاحتمال تلف احد النصيبين أو بعضه دون الآخر فيختص الآخر بمجموع الباقي أو بأكثر مما شرط له ، وهو غير جائز.