غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

في هذا اليوم ، قيل : يبطل ، لأن استيفاء العمل في المدة قد لا يتفق ، وفيه تردد.

أقول : من شرط صحة الإجارة كون المنفعة معلومة لينتفي الغرر والعلم يحصل بأن تكون المدة معلومة والعمل مجهولا ، مثل ان يقول : ( آجرتك نفسي شهرا مثلا لابني أو لأخيط ) ، أو يكون العمل معلوما والمدة مجهولة مثل : ( آجرتك نفسي لأخيط لك هذا الثوب أو لأنسخ لك هذا الكتاب ) ، فلو قال : ( آجرتك نفسي لأخيط لك هذا الثوب في هذا اليوم ) ، هل يصح ذلك؟ قال الشيخ وابن إدريس : لا يصح ، لأنه ربما خلص منه قبل الغروب ، فيبقى بعض المدة مستحقة بلا عمل ، أو لا يخلص منه في ذلك اليوم ، فيحتاج إلى مدة أخرى فيحصل جهالة المدة والعمل معا وذلك غير جائز.

وتردد المصنف من هذه الحيثية ، ومن احتمال الصحة ، لأن العقد قد وقع على العمل ، والمدة ذكرت للتعجيل ، فان فرغ من العمل قبل انتهاء المدة لم يكن له ان يلزمه في باقيها بعمل غيره ، وان لم يفرغ منه فيها كان المستأجر مخيرا بين الفسخ وإلزامه بالعمل في غيرها ، فان فسخ قبل ان يعمل شيئا فلا اجرة ، وان فسخ بعد بعض العمل كان له من الأجرة بنسبته ، وإن اختار الصبر لم يكن للأجير الفسخ ، والأول هو المعتمد.

وان كان العين مما له عمل كالحيوان جاز تقدير المنفعة بأي الوجهين شاء ، وان كان مما ليس له عمل كالدار والأرض لم يجبر الا بالمدة خاصة.

قال رحمه‌الله : هل يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد؟ قيل : نعم ، ولو أطلق بطلت ، وقيل : الإطلاق يقتضي الاتصال ، وهو أشبه. ولو عين شهرا متأخرا عن العقد ، قيل : بطل ، والوجه الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في وجوب الاتصال بالعقد ، وبالاشتراط قال الشيخ رحمه‌الله ،

٣٢١

قال في الخلاف والمبسوط : إذا استأجر الدار شهرا ولم يقل من هذا الوقت وأطلق ، بطلت الإجارة.

وقال ابن البراج وابن إدريس : لا يبطل ، وينصرف الإطلاق إلى الاتصال بالعقد ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وقال في المختلف : والتحقيق ان كان العرف في الإطلاق يقتضي الاتصال فالحق ما قاله ابن البراج ، وان كان لا يقتضيه فالحق ما قاله الشيخ ، لحصول الجهالة على التقدير الثاني دون الأول ، ومذهب المصنف هو المعتمد.

الثانية : لو عين شهرا متأخرا عن العقد ، هل يصح أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يصح وهو فرع على اشتراط الاتصال ، ولأن عقد الإجارة حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، ولا دليل على ثبوت الإجارة على هذا الوجه.

وقال ابن البراج وابن إدريس بالصحة ، واختاره المصنف والعلامة ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٩) وهذا عقد ، فيجب الوفاء به ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١٠) ، وهذا شرط سائغ فيكون لازما ، ولأنها معاوضة على مدة معلومة بأجرة معلومة فتكون صحيحة.

قال رحمه‌الله : وإذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة وجبت الأجرة ، وفيه تفصيل.

أقول : أطلق أكثر الأصحاب لزوم الأجرة ، وكذلك المصنف في المختصر ، وفصل هنا ، ومراده بالتفصيل ان كانت الأجرة مقدرة بالزمان ومضى ذلك الزمان لزمته الأجرة المعينة ولم يجز له استيفاء المنفعة بعدها ، وان لم تكن مقدرة

__________________

(٩) المائدة : ١.

(١٠) تقدمت الإشارة إلى مصدره ص ٤٤.

٣٢٢

بالزمان ، بل بالعمل ثمَّ سلم العين ومضت مدة يمكن فيها استيفاء العمل ولم يعمل شيئا وجب عليه في تلك المدة الماضية أجرة المثل لها ، وله استيفاء المنفعة المقدرة بالأجرة المسماة.

وهو تفصيل حسن ؛ لأن العقد وقع على استيفاء منفعة معينة فلا يجوز للمالك الفسخ قبل استيفائها ، بل كل ما مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها ولم يستوف وجب عليه اجرة مثل تلك المدة ، فإذا استوفى المنفعة المعقود عليها وجب عليه المسمى.

قال رحمه‌الله : اما لو انقضى بعض المدة ثمَّ تلف أو تجدد فسخ الأجرة صح فيما مضى وبطل في الباقي ، ويرجع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة.

أقول : حكم المصنف بالرجوع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة ولم يذكر كيفية التقسيط على المدتين ، وربما يتوهم الناظر ان الأجرة توزع (١١) على المدتين ، فما قابل المستوفي منهما فهو للمالك ، وما قابل الباقي فهو للمستأجر ، وليس كذلك.

قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس : وإذا استأجر عبدا سنة ثمَّ مات بعد مضي نصفها ، فان العقد يصح فيما مضى ويبطل فيما بقي ، وله المطالبة بأجرة المثل ، فان تساويا أخذه ، وان كان اجرة الباقي أكثر استحق الزيادة ، مثل ان يكون أجرة الماضي مائة والباقي مائتين ، فإنه يستحق عليه مائتين ، وبالعكس لو انعكس ، هذا كلامهم رحمهم‌الله.

وفيه نظر ، لأنه ربما (١٢) اجرة مثل الباقي تحيط بمجموع الأجرة ، فلا يبقى للمالك مقابل المدة الماضية شي‌ء ، كما لو كانت الأجرة مائتين وكان اجرة مثل المدة

__________________

(١١) في « ر ٢ » زيادة : سهما.

(١٢) ( ربما ) لم ترد في « ر ٢ ».

٣٢٣

الباقية مائتين فحينئذ يخرج المالك بغير شي‌ء ، بل الأجود ان يقال : ينسب المسمى الى مثل اجرة المدتين ، ثمَّ يسقط ما قابل المتخلف من المدة ، وهو ظاهر العلامة رحمه‌الله.

قال رحمه‌الله : ويلزم مؤجر الدابة كلما يحتاج إليه في إمكان الركوب من الرحل والقطب وآلته والحزام والزمام ، وفي رفع المحمل وشده تردد ، أظهره اللزوم.

أقول : التردد في رفع المحمل وشده ، هل هو على المكري أو المكتري؟ ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة من وجوب ذلك عليه ، ولأن المحمل غير واجب عليه ولا يجب عليه شده وحله ، ومن انه من الحمولة ، وجميع الأحمال يجب على المكاري رفعها وحطها وشدها وحلها فيكون ذلك واجبا عليه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : كلما يمكن فعله على الراحلة كصلاة النوافل والأكل والشرب لا يجب على المكاري إن يوقفها لأجله ، وما لا يمكن فعله عليها كالصلاة اليومية الفرض ، وقضاء الحاجة يجب عليه ان يوقفها لذلك ، وليس للمصلي أن يطول صلاته ، بل يقتصر على إتمام (١٣) الأفعال ويختصر الأذكار ، لأن حق الغير قد تعلق به.

الثاني : على الجمال (١٤) ان يبرك البعير لركوب المرأة ونزولها ، لأنها ضعيفة الخلقة ، ولأنها عورة ربما انكشفت ، والرجل ان كان مريضا أو سمينا لا يقدر على الركوب ، كان حكمه حكم المرأة ، وإلا فلا ، عملا بالعرف والعادة.

__________________

(١٣) في « ر ٢ » : تمام.

(١٤) « ر ٢ » : الحمال.

٣٢٤

الثالث : لو كانت العادة تقتضي النزول والمشي عند قرب بعض المنازل لم يجب على الراكب النزول فيه وان كان جلدا على المشي.

الرابع : إذا استأجر بهيمة ثمَّ ذكر أنها متعبة ، نظر في حاله فان كان ذلك من قبله ، مثل ان يكون لإعادة له بالركوب ولا صبر له عليه ، لم يكن له خيار ، وان كان ذلك من قبل البهيمة كالعثار والصعوبة فإن كان قد اكتراها بعينها مخيرا بين الفسخ والإمضاء ، ولا يجب على المالك إبدالها ، وان كان في الذمة ردها وأخذ بدلها ، لأن ذلك عيب.

الخامس : لو اختلفا في أوقات السير وأماكن النزول ، بأن اختار أحدهما السير بالليل والآخر بالنهار ، كان المرجع إلى العادة.

قال رحمه‌الله : لو حفر بعض ما قوطع عليه ثمَّ تعذر حفر الباقي إما لصعوبة الأرض أو مرض الأجير أو غير ذلك قوم حفرها وما حفر منها ورجع عليه بنسبته في الأجرة ، وفي المسألة قول آخر مستند إلى رواية مهجورة.

أقول : روى الشيخ في النهاية عن ابي شعيب المحاملي ، عن الرفاعي ، « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قبل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ثمَّ عجز ، قال يقسم على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى والاثنين للثانية والثلاثة للثالثة ، وعلى هذا الحساب على عشرة » (١٥) ، ولم يتعرض الشيخ للإفتاء وعدمه.

وقال في المبسوط : يقسط المسمى على اجرة المثل ، لأن الحفر يختلف فحفر ما قرب من الأرض أسهل ، لأنه يخرج التراب من قرب ، وحفر ما هو أبعد أصعب ، فإن كان اجرة مثل ما بقي عشرة واجرة مثل ما حفر خمسة كان له ثلث

__________________

(١٥) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٣٥ ، حديث ٢ ، وفي التهذيب ٦ : ٢٨٧ ، كتاب القضايا والاحكام ، باب ٩٢ في الزيادات في القضايا والأحكام ، حديث ١ (٧٩٤).

٣٢٥

المسمى. واختاره ابن إدريس والعلامة والمصنف ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ويجوز استئجار المرأة للرضاع لمدة معينة بإذن الزوج ، فان لم يأذن فيه تردد ، والجواز أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقه.

أقول : ذهب الشيخ الى اشتراط اذن الزوج ، لأن منافع المرأة مملوكة له بعقد النكاح ، فلا يجوز لها العقد على شي‌ء منها بغير اذنه ، واختاره ابن إدريس ، وذهب المصنف الى الجواز ما لم يمنع الرضاع حقه وهو الاستمتاع ، واختاره العلامة لأصالة الجواز ، وعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١٦) ، ولأن المملوك للزوج منفعة الاستمتاع خاصة ، فإذا لم تمنع الإجارة من الاستمتاع كانت صحيحة لا مانع منها ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وهل يشترط ذكر الموضع الذي يرضع فيه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة وأصالة عدم اشتراط الموضع ، ومن اختلاف الأغراض في ذلك ، لأن الرضاع في بيت المرضعة أسهل عليها ليحصل الجمع بين الرضاع وبين إصلاح منزلها ، والرضاع في بيت الطفل أصلح للطفل لاشراف أبيه عليه وهو أشق على المرضعة ، فيحصل الغرر بعدم اشتراط الموضع ، وبالاشتراط قال الشيخ ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : لو استأجرها للرضاع لم يكن عليها حضانته ولا غسل خرقه ، ولا غسل الصبي وتنظيفه ما لم يشترط ذلك عليها ، لعدم تناول العقد لغير الرضاع.

الثاني : لو استأجرها بالأكل والكسوة مدة معلومة جاز بشرط تعيين الكسوة وتعيين نفقة كل يوم.

__________________

(١٦) المائدة : ١.

٣٢٦

الثالث : لو استأجر زوجته لإرضاع ولده جاز ، وقال الشيخ : لا يجوز ما دامت في حباله.

الرابع : على المرضعة ان تأكل وتشرب ما يكثر به اللبن ويدر ويصلح ، وللمستأجر ان يطالبها به ، لتوقف استيفاء المنفعة عليه.

قال رحمه‌الله : ولو مات أبوه هل يبطل؟ يبنى على القولين.

أقول : المراد بالقولين ان الإجارة هل تبطل بموت المستأجر أو لا؟ وقد تقدم البحث (١٧) في ذلك.

قال رحمه‌الله : وهل يجوز إجارة الحائط المزوّق للتنزه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : القول بالجواز قول ابن إدريس إذا كان فيه غرض وهو التعلم من البناء المحكم ، كما يجوز اجارة كتاب فيه خط جيد للتعلم منه ، لأن فيه غرضا صحيحا ، ولأنه لا مانع يمنع منه ، وقال الشيخ : لا يجوز للمالك المنع من النظر اليه والتفرج عليه ، وكل منفعة ليس للمالك منع المنتفع بها لا يجوز إجارتها كالاستظلال بالحائط ، واختاره العلامة في المختلف ، واختار في القواعد والتحرير مذهب ابن إدريس.

قال رحمه‌الله : ولو آجر عبدا آبقا لم تصح وان ضم إليه شي‌ء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من اشتراط القدرة على تسليم المنفعة ، والآبق لا يقدر على تسليمه ، ومن جواز بيعه مع الضميمة فيجوز إجارته معها ، لأن الإجارة ليست أبلغ من البيع ، وظاهر القواعد الجواز مع الضميمة.

قال رحمه‌الله : ولو منعه المؤجر منه سقطت الأجرة ، وهل له أن يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت؟ فيه تردد ، والأظهر نعم.

__________________

(١٧) ص ٣١٢.

٣٢٧

أقول : منشؤه من أن المستأجر قد ملك المنافع بنفس العقد فان منعه المالك منها كان غاصبا ، له ان يرجع عليه بالتفاوت بين (١٨) المسمى واجرة المثل ان كانت أكثر ، ومن أن استمرار القبض شرط في صحة الإجارة ، ولهذا تبطل مع تلف العين وان كان بعد قبضها ، وإذا لم يحصل القبض كانت الإجارة باطلة ، وإذا بطلت لم يصح الالتزام بالباطل ، والأول هو المعتمد كما لو كان المانع أجنبيا ، ويختص البطلان بالتلف دون المنع من التسليم.

قال رحمه‌الله : ولو انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الإجارة ، إلا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه ، وفيه تردد.

أقول : إذا فات شي‌ء من المنافع جاز الفسخ قطعا ، والتردد ( انما هو ) (١٩) إذا أعاده قبل فوات شي‌ء من المنافع.

ومنشؤه من وجود سبب الفسخ ، والأصل بقاؤه ، ومن زوال السبب المبيح للفسخ قبل فوات شي‌ء من المنافع فيزول أثره ، والمعتمد بقاء الخيار.

__________________

(١٨) في « ن » و« ر ٢ » : من.

(١٩) لم يرد « ن » و« ر ٢ ».

٣٢٨

في أحكامها

قال رحمه‌الله : إذا تعدى في العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان ، ولو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك إن كانت دابة ، وقيل : قول المستأجر على كل حال ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية : القول قول المالك ان كانت دابة ، وان كانت غير الدابة ، فالقول قول الغارم ، ومستنده رواية أبي ولاد (٢٠) ، عن الصادق عليه‌السلام.

وقال ابن إدريس : القول قول الغارم مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لعموم قوله عليه‌السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (٢١) ، والغارم منكر لما يدعيه المالك من الزيادة على ما اعترف به فيكون القول قوله.

__________________

(٢٠) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ١٧ في أحكام الإجارة ، حديث ١.

(٢١) الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٣ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى مع اختلاف في المتن ، الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٢٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث ٣.

٣٢٩

قال رحمه‌الله : من تقبل عملا لم يجز أن يقبله غيره بنقيصة على الأشهر ، إلا أن يحدث فيه ما يستبيح به الفضل ، ولا يجوز تسليمه الى غيره إلّا أن يأذن له المالك ، ولو سلم من غير اذن ضمن.

أقول : إذا تقبل عملا كخياطة ثوب بدينار (٢٢) مثلا ، هل يجوز ان يقبله غيره بأنقص من الدينار ، ويأخذ هو الفاضل قبل ان يحدث فيه حدثا كتفصيله أو خياطة شي‌ء منه؟ منع المصنف من ذلك ، وهو مذهب الشيخ رحمه‌الله ، ومنع العلامة في التحرير إذا قبله بالجنس ، وجوزه إذا كان بغير الجنس ، وأطلق الجواز في القواعد.

ودليل الشيخ والمصنف الروايات (٢٣) ، ودليل العلامة ان المالك استحق عليه العمل المطلق ، فيكون له الاستنابة والاستئجار عليه والفاضل له بمقتضى العقدين ، وهو المعتمد ، إلا انه ان يكون ضامنا مع عدم الإذن ، لأن المالك لم يرض بغير أمانته ، ويحتمل عدم الضمان ، لأنه عمل ما هو مأذون فيه شرعا ، واذن الشارع لا يتعقبه ضمان.

قال رحمه‌الله : أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه من غير تعد ولا تفريط لم يضمن على الأصح ، وكذا المكاري والملاح لا يضمنان إلا ما يتلف عن تفريط على الأشهر.

أقول : اختلف أصحابنا في تضمين الصناع كالخياطين والقصارين والحجامين والفصادين وأشباههم ، وفي تضمين الملاحين والمكارين ، قال المفيد والسيد المرتضى : انهم ضامنون لجميع الأمتعة وعليهم البينة إلا ان يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفاعه ، مثل الحريق العام والنهب العام.

__________________

(٢٢) في « ن » بزيادة : أو خياطة شي‌ء منه.

(٢٣) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٢٣ في أحكام الإجارة.

٣٣٠

وقال الشيخ وأبو الصلاح وابن إدريس : لا ضمان عليهم إلا فيما جنت أيديهم أو فرطوا في حفاظه. واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنهم أمناء ، والأصل براءة الذمة ، ورواية معاوية بن عمار في الصحيح (٢٤) ، عن الصادق عليه‌السلام دالة على عدم الضمان.

احتج الأولون بعموم قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢٥) ، فعلى قول الأولين لا يقبل قول الصناع والمكارين بالتلف إلا مع البينة العادلة ، أو الاشتهار بما لا يمكن رده ، وعلى قول الآخرين يقبل قولهم مع اليمين بالتلف من غير تفريط إلا مع قيام البينة بالتفريط وبعدم التلف ، ولو تلف بسبب فعلهم ضمنوا ، سواء كان بتفريط أو غير تفريط.

فرع : إذا استأجر عينا لينتفع بها مدة معلومة ثمَّ انقضت المدة ، هل يجب عليه ردها ومئونة ردها الى مالكها أو لا يجب ، بل الواجب عليه ان يرفع يده عنها إذا طلبها مالكها؟

قال الشيخ في المبسوط : يجب ، ويكون ضامنا مع التأخير ، قال : لأن الإمساك بعد مضي المدة غير مأذون فيه ، ومن أمسك شيئا بغير اذن صاحبه وتمكن من رده ولم يرده فهو ضامن ، قال : وفي الناس من قال : لا يصير ضامنا ولا يجب عليه الرد ولا مئونة الرد ، وأكثر ما يلزمه ان يرفع يده عنه إذا أراد صاحبه استرجاعه ، لأنه امانة في يده ، فلا يجب عليه رده كالوديعة ، والى هذا ذهب ابن إدريس والعلامة في القواعد ، واستشكله في التحرير والمختلف ، والمعتمد مذهب ابن إدريس.

قال رحمه‌الله : ولو آجر الوصي صبيا مدة يعلم بلوغه فيها بطلت في المتيقن

__________________

(٢٤) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٢٩ في أحكام الإجارة حديث ١٤.

(٢٥) تقدم ص ٢٩٢.

٣٣١

وصحت في المحتمل ، ولو اتفق البلوغ فيه ، فهل للصبي الفسخ بعد بلوغه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف وابن إدريس : ليس له الفسخ ، لأن العقد على الصبي أو ماله وقع صحيحا بلا خلاف ، فمن ادعى ان له الفسخ بعد بلوغه فعليه الدلالة.

وقال الشيخ في المبسوط : كان له فسخها ، وقيل : ليس له ذلك ، وهو الأقوى ، قال العلامة في المختلف : والحق ان له الفسخ ، لأن الولاية تابعة للصغر وقد زال فتزول الولاية ، والعقد تابع لها فيزول بزوالها ، ولأنه لو عقد عليه مدة يعلم بلوغه في بعضها بطل في الزائد ، وكذا المجهول مع وقوعه ، لأن العلم والجهل لا مدخل لهما في ثبوت الولاية. انتهى كلامه رحمه‌الله ، وهو المعتمد.

٣٣٢

في التنازع

قال رحمه‌الله : إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع وأنكر المالك كلفوا البينة ، ومع فقدها يلزمهم الضمان ، وقيل : القول قولهم مع اليمين ، لأنهم أمناء ، وهو أشهر الروايتين.

أقول : وقد سبق (٢٦) البحث في هذه أيضا.

قال رحمه‌الله : لو قطع الخياط ثوبا قباء ، فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : قول الخياط ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في كتاب الإجارة من الخلاف وابن إدريس : القول قول المالك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم الإذن الذي يدعيه الخياط ، ولأنه لو اختلفا في الإذن كان القول قول المالك ، فكذا إذا اختلفا في صفته.

وقال الشيخ في كتاب الوكالة من الخلاف : القول قول الخياط ، لأن الأصل عدم تفريطه ، فعلى الأول يجب عليه الأرش والأجرة له ، وعلى الثاني الأرش

__________________

(٢٦) ص ٣٣٠.

٣٣٣

عليه ، وله اجرة المثل دون المسمى ان زاد ، لأنه يثبت (٢٧) بقوله.

__________________

(٢٧) في بعض النسخ : لا يثبت.

٣٣٤

كتاب الوكالة

٣٣٥
٣٣٦

في العقد

قال رحمه‌الله : ومن شرطها أن تقع منجزة ، فلو علقت بشرط متوقع أو وقت متجدد لم تصح ، نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز.

أقول : لا خلاف في بطلان الوكالة إذا علقت على شرط ، مثل ان يقول : ( إذا قدم زيد من السفر فأنت وكيلي ) ، وكذا إذا علقت على صفة ، مثل ان يقول : ( إذا هل الشهر فأنت وكيلي ) ، أو ( إذا كان يوم الجمعة فأنت وكيلي ).

ومع بطلان الوكالة لتعليقها على شرط أو صفة ، هل يصح تصرف الوكيل ويكون لازما للموكل؟ يحتمل العدم ؛ لأن الفاسد لا يترتب عليه أثره ، وهذا عقد فاسد فلا يجوز للوكيل التصرف كما لا يجوز للمشتري بشراء فاسد أن يبيع ما اشتراه ، ولا يجوز للبائع التصرف في ثمنه ، وكل واحد من المتبايعين قبض ما صار إليه بإذن مالكه ، فكما لا يجوز للمتابعين التصرف بما صار إليهما مع فساد العقد كذا لا يجوز للوكيل التصرف لفساد عقد الوكالة.

ويحتمل الجواز ؛ لأن الموكل قد اذن له في التصرف ، والاذن باق لم يزل بفساد العقد ، وإذا لم يزل الإذن جاز التصرف ، وهو اختيار العلامة في التذكرة ، وكذلك في المختلف ؛ لأنه حكم فيه بصحة تصرف الوكيل بعد عزله نفسه عن

٣٣٧

الوكالة اعتمادا على الإذن السابق ، ولا خلاف في بطلان الوكالة إذا عزل الوكيل نفسه عنها.

والفرق بين الوكالة الفاسدة والبيع الفاسد ظاهر ، فان البيع الفاسد وان تضمن الاذن في قبض الثمن والمثمن فهو باعتبار تملك الثمن للبائع والمثمن للمشتري ، وكل منهما يتصرف فيما قبضه لنفسه فاذا تبين انه غير مملوك كان تصرفه باطلا ، بخلاف الوكيل فإنه يتصرف للاذن لا لنفسه ، فكان تصرفه مأذونا فيه.

فان قيل : إذا جاز التصرف في الوكالة الفاسدة كما يجوز في الوكالة الصحيحة ، فما الفارق بينهما وما فائدة الصحة؟

قلنا : فائدة الصحة استحقاق الوكيل للجعل المسمى على تقدير الصحة ان كانت بجعل وبطلان المسمى والرجوع الى أجرة المثل على تقدير الفساد كالعامل في المضاربة ، وهذا هو المعتمد.

ولو قال : ( وكلتك في بيع هذا العبد مثلا ولا تبعه حتى يدخل الشهر الفلاني ) ، جاز قطعا ، وكذا لو قال : ( وكلتك في البيع شهرا ) صح ، ولا يجوز التصرف بعده.

قال رحمه‌الله : ولو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ولو وكله مطلقا لم يصح على قول ، والوجه الجواز.

أقول : المراد بالإطلاق بأن وكله في شراء عبد ولم يصفه ، بل أطلق ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح للغرر ، لأنه ربما اشترى له ما ليس بمطلوبه ، وذهب المصنف الى الجواز واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الموكل قد أقام الوكيل مقام نفسه وفوض اليه الاختيار فتنصرف الوكالة إلى شراء العبد الصحيح بنقد البلد ، والخيار في النوع والصفات الى الوكيل لأصالة صحة الوكالة.

٣٣٨

قال رحمه‌الله : وللموكل ان يعزله بشرط أن يعلمه العزل ، ولو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل ، وقيل : إن تعذر إعلامه فاشهد انعزل بالعزل والإشهاد ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : عدم الانعزال الا مع العلم وتصرفه قبل العلم ماض ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، لأنه من التكاليف الشرعية وهي لا تلزم إلا بعد الإعلام بها ، وإلا لزم تكليف الغافل ، ولأن في ذلك ضررا ، إذ قد يتصرف تصرفا يؤدي بطلانه الى الضرر ، كما لو باع جارية فوطئها المشتري ، أو طعاما فأكله ، أو تلف المبيع في يد المشتري ، فان استرجاع ذلك يؤدي الى ضرر المشتري ، ولرواية هشام بن سالم (١) ، عن الصادق عليه‌السلام الدالة على المطلوب.

الثاني : أن ينعزل مع الاشهاد على العزل وان لم يعلم إذا تعذر علمه ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وابي الصلاح وابن إدريس ، ووجهه الجمع بين الأحاديث (٢).

الثالث : انعزاله بنفس العزل من غير شرط الاشهاد والإعلام ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأن الوكالة من العقود الجائزة ، فلكل منهما فسخها وان لم يعلم صاحبه ، وإلا كانت لازمة ، ولأن العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه ، فلا يفتقر الى علمه.

قال رحمه‌الله : إذا باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر كان القول قوله مع يمينه ، ثمَّ تستعاد العين إن كانت باقية ومثلها أو قيمتها ان كانت

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الوكالة ، باب ٢ في أحكام الوكالة حديث ١.

(٢) الوسائل ، كتاب الوكالة باب ١ ، ٢.

٣٣٩

تالفة ، وقيل : يلزم الدلال إتمام ما حلف الموكل عليه ، وهو بعيد.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية ، ووجه بعده ظهور بطلان البيع لمخالفة الوكيل اذن الموكل ، وإذا بطل البيع ردت العين أو مثلها أو قيمتها ـ على التفصيل ـ الى المالك ، فلا وجه لغرامة الوكيل ، ويحمل قول النهاية على ما إذا تعذر استعادة العين وقيمتها من المشتري ، فيغرم الوكيل القيمة ويكون موافقة لما ادعاه المشتري ، وما اختاره المصنف (٣) وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو المعتمد.

ولو اشترى جارية بعشرين ، فقال : ما أذنت إلا بعشرة ، قدم قول الموكل ، فان كان الشراء بالعين فذكر ان الشراء للموكل ردت الجارية على البائع ، واسترجع الثمن ، وان لم يذكر ان الشراء للموكل ، فان صدقه البائع للمشتري في دعواه ان الشراء لغيره ، وانه لم يرض بالشراء بهذا الثمن ردت الجارية أيضا الى البائع وان كذبه ، فإن ادعى عليه العلم حلفه على نفيه ، ويلزم البيع للوكيل ويغرم للموكل ، فان كان الوكيل كاذبا فالجارية للبائع ، وعليه دفع الثمن في الباطن لوقوع العقد باطلا ، لمخالفة أمر الموكل ، وان كان صادقا والموكل كاذبا كانت الجارية للموكل.

فعلى التقديرين لا يحل للوكيل وطي الجارية لعلمه بعدم استحقاقها ، إلا أن يشتريها ممن له باطنا ، فان كان الموكل ، قال : ( ان كنت أذنت لك بعتك بعشرين ) ويقبل الوكيل ، وان كان البائع ، قال : ( ان كنت صادقا ان الشراء للغير ، وهو باطل فقد بعتك بعشرين ) فحينئذ يحل له الوطئ ، ولا يقدح هذا الشرط في صحة البيع ، لأنه ليس شرطا حقيقيا وان كان بصيغة الشرط ، لأن الشرط الحقيقي هو المتوقع الذي يمكن وقوعه ويمكن عدم وقوعه ، وهذا واقع في الماضي فلا يكون شرطا ، فان امتنع من هي له من البيع ، جاز للحاكم ان يتولى بيعها.

__________________

(٣) كذا.

٣٤٠