غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

المسلم أو وكيله أو الحاكم ، فلا سبيل للكافر عليه.

الثاني : انه يستوفي دينه من ثمنه ، وهو غير مانع أيضا ، إذ لا خلاف في جواز إيفاء الكافر دينه من ثمن العبد المسلم أو المصحف.

الثالث : منع المسلم من التصرف وهو غير مانع أيضا ، لأن الكافر ممنوع أيضا من التصرف ، فلا سبيل له عليه ، وان لم يحصل سبيل يوجب السبيل للكافر ، فلا مانع من الجواز.

وظاهر ابن الجنيد المنع من ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، لما فيه من المنافاة لتعظيم ما يجب تعظيمه.

قال رحمه‌الله : ويصح الرهن في زمان الخيار ، سواء كان للبائع ، أو للمشتري أو لهما ، لانتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة في باب البيع ، إذ الجواز وعدمه مبني على ان انتقال المبيع هل هو بنفس العقد أو بانقضاء الخيار؟ وقد سبق ذلك (٤).

قال رحمه‌الله : ويصح رهن العبد المرتد وان كان عند فطرة والجاني خطأ ، وفي العمد تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز رهن المرتد ، وقد أطلق الشيخ جواز رهنه ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأصالة الصحة ، ولعدم خروجه عن الملك بالارتداد من دون القتل ، والتقدير انه فات السلطان.

ومنع ابن الجنيد من جواز رهنه مطلقا ، سواء كان عن فطرة أو ملة ، لاشتراط كون ملك المرهون ثابتا ، والمرتد مستحق للقتل فلا يصح رهنه.

وفصل العلامة في المختلف بين المرتد عن فطرة والمرتد عن ملة ، وأبطل

__________________

(٤) ص ٤٦.

١٤١

رهن الأول وأجاز الثاني ، اما البطلان في الأول ، فلعدم جواز إبقائه فلا يجوز رهنه ، وأما الجواز في الثاني ، لأن وجوب قتله ليس مطلقا ، بل لعدم شرط الرجوع ، فقتله غير متحقق وهو لم يخرج بالارتداد عن الملك فيجوز رهنه ، وكذلك الجارية ، لعدم وجوب قتلها بالارتداد.

والمعتمد الأول ، فلو جهل المرتهن حاله كان له فسخ البيع المشروط فيه ارتهانه إلا ان يكون عن ملة ثمَّ يتوب قبل علمه ، فلا خيار حينئذ ، لزوال العيب ، ولو علم فلا خيار ، سواء قتل أو لم يقتل ، ولو لم يعلم حتى قتل احتمل ان يكون كما لو خرج مستحقا ، فيتخير في فسخ البيع المشروط فيه وإمضائه ، وهو المعتمد ، ويحتمل عدم الفسخ كما لو خرج معيبا.

الثانية : في جواز رهن القاتل ، وأبطله الشيخ في الخلاف مطلقا ، سواء كان القتل عمدا أو خطأ ، لأنه ان كان عمدا استحق القتل ، وان كان خطأ تعلقت برقبته فلا يصح (٥). وذهب المصنف والعلامة والشهيد الى الجواز مطلقا ، وهو المعتمد ، لعدم المنافاة ، إذ حق المجني عليه مقدم على الرهن ، فان قتل في العمد واسترق جميعه في الخطأ بطل الرهن ، وان فاداه مولاه أو عفى المجني عليه بقي رهنا ، وان استرق بعضه كان الباقي رهنا ، ويثبت الخيار في إمضاء البيع المشروط فيه وفسخه مع عدم العلم الا مع عفو المجني عليه قبل العلم ، ولو قتل في العمد قبل العلم ، فكما لو قتل المرتد.

فرعان :

الأول : إذا ظهر في الرهن عيب سابق على الرهانة كان له رده بالعيب ، فان كان البيع مشروطا به تخير في فسخه وإمضائه بغير رهن ، هذا إذا كان بالصفة التي قبضها ، أما لو حدث عنده عيب أخر أو مات العبد لم يكن له رده بالعيب السابق ،

__________________

(٥) في « ر ٢ » : يصلح.

١٤٢

ولا أخذ الأرش ، بخلاف البيع ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

ولو قيل : ان الموت وحدوث العيب عند المرتهن لا يمنع من الرد بالعيب السابق كان وجها ، لأنه لم يرض بالبيع الا مع الوثيقة على الثمن ، ولم يرض بالوثيقة الا مع كونها على الصفات المشترطة بها أو المزية ، فإذا لم يظهر كذلك كان له ردها وفسخ البيع المشترط بها ، لأن حدوث العيب عنده وموت العبد من غير تفريط غير مضمون عليه ، لأنه أمانة عنده فلا يمنع من الرد ، بخلاف البيع إذ الثمن أو المثمن مضمون على القابض ، فاذا حدث فيه عيب فهو من ضمانه ، فلا يجوز رده معيبا أو ميتا ، بل يأخذ أرش العيب السابق ، والرهن لا يجب فيه للعيب أرش ، ولا يجبر المرتهن على قبضه معيبا فلم يبق غير الرد أو الرضا بغير رهن.

الثاني : لو أقر العبد المرهون بالجناية ، فإن صدقاه كان الحكم فيه كما لو علما بالجناية قبل الرهانة ، فإن قلنا بجواز رهن الجاني لم يبطل الرهن والا بطل ، وان صدقه الراهن خاصة لم يمض في حق المرتهن ولا يمين على المرتهن ، ما لم يدعي عليه العلم ويقدم حق المرتهن على حق المجني عليه ، فان افتك تعلقت به الجناية ، وان بيع بالدين غرم الراهن للمجني عليه ، لاعترافه بجناية المملوك ، وقد أحال بينه وبين حقه بالرهانة وان صدقه المرتهن خاصة لم يمض على الراهن.

وهل ينفسخ الرهن على القول بعدم جواز رهن الجاني؟ يحتمل ذلك إذا لم يعف المجني عليه ، أو يفتك أحدهما ، لأنه اعترف بسبق حق الغير على حقه ، والتقدير انه مانع من صحة الرهن فيبطل ، ويحتمل العدم ، لأن إقراره غير مقبول في حق الراهن وهو معترف بصحة الرهن فلا يبطل ، والمعتمد الأول ، لأنه لو لم يفتكه الراهن لم يجز للمرتهن بيعه والاستيفاء من ثمنه ، لعلمه باستحقاق غيره له ، فلا يباح له بتكذيب الراهن.

قال رحمه‌الله : ولو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه ،

١٤٣

جاز. وإلا بطل ، قيل : يصح ويجبر على بيعه.

أقول : إذا رهن ما يسرع اليه الفساد كالأطعمة ، وكان الأجل متأخرا عن مدة بقائها ، فإن شرط بيعه وإبقاء الثمن رهنا صح قطعا ، وان لم يشترط ذلك احتمل البطلان ، لاشتراط كون الرهن مما يصح الاستيفاء منه عند الأجل وهذا ليس كذلك ، ولعدم بقائه إلى الأجل ، ويحتمل الصحة ، لأن الأصل في العقود الصحة ويكون الرهن قرينة دالة على البيع ، وجعل الثمن رهنا فهو كالإذن في ذلك صونا لفعل العاقل عن اللغو والفساد والعبث ، إذ لو كان مقصوده الرهن على غير هذه الصفة كان عابثا لا غيا لعلمه بفساد رهنه ، فحمله على الصحة مع الإمكان أولى من الحمل على الفساد ، وهذا هو المعتمد.

فرع : لو رهن ما يصح عليه البقاء ثمَّ طرا عليه ما عرضه للفساد كتعفين الحنطة وتسويس التمر ، وجب بيعه وجعل ثمنه رهنا ويجبر المالك على البيع في موجبه ، فإن تعذر باع عليه الحاكم ، فان تعذر باع المرتهن.

١٤٤

في الحق

قال رحمه‌الله : وكذا مال الكتابة ، ولو قيل بالجواز كان أشبه.

أقول : الكتابة المطلقة لا كلام في جواز أخذ الرهن على مالها ، أما المشروطة فقد اختلف فيها ، قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس : لا يجوز ، لأن للمكاتب فسخ الكتابة بتعجيزه نفسه ، فلا يكون المال ثابتا في الذمة ، ولأنه لو امتنع من دفع مال الكتابة كان لسيده رده في الرق فلا فائدة في الرهن.

والمشهور عند المتأخرين جواز أخذ الرهن على ذلك ، وهو المعتمد ، لأنه مال ثابت في الذمة فيجوز أخذ الرهن عليه ، وليس له تعجيز نفسه مع القدرة ، بل يجبره الحاكم أو المالك على السعي ، لأن الكتابة عقد لازم فليس له فسخها اختيارا ، ولو سلمنا جواز الفسخ لم نسلم بطلان الرهن لجوازه في مدة الخيار مع جواز الفسخ.

قال رحمه‌الله : ولا يصح على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن ، كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته. ويصح على ما هو ثابت بالذمة ، كالعمل المطلق.

أقول : ربما يشتبه تصوير هذه المسألة على المبتدي ، ومراده : ان الإجارة

١٤٥

إذا تناولت منفعة شي‌ء معين لم يجز أخذ الرهن على تلك المنفعة ، كما لو اجره عبدا معينا للخدمة سنة ، أو دارا معينة للسكنى سنة ، أو دابة معينة لحمل شي‌ء معين ، فإذا أراد أن يرهن عنده شيئا على هذه المنافع لم يجز ، لعدم جواز استيفاء المنفعة من غير المعين الذي وقع عليه العقد.

أما لو وقع العقد على منفعة في الذمة كخياطة ثوب ، أو بناء دار ، أو حمل شي‌ء معين جاز أخذ الرهن على المنفعة ، ويباع عند تعذر العمل أو يستأجر من يفعل ذلك ، لعدم تعلقها بمعين ، بخلاف الصورة الأولى.

قال رحمه‌الله : ولو رهن على مال رهنا ، ثمَّ استدان آخر ، وجعل ذلك الرهن عليهما ، جاز.

أقول : هذا إذا كان الدين الثاني من الديان الأول ، أما لو كان من غيره فإنه لا يصح الا مع اجازة المرتهن الأول ، وإذا حصلت الإجازة من الأول احتمل بطلان حقه مطلقا ، ويصير جميعه رهنا للثاني ، لأنه أجاز تعلق حق الغير به ، فينتفي تعلق حقه ، لحصول المنافاة ، لأن مقتضى الرهن اختصاص المرتهن وتقدمه على غيره من الغرماء بثمن الرهن ، فلا يجوز اجتماع حقين متصفين بهذه الصفة بعين واحدة لحصول المضادة.

ويحتمل البطلان فيما قابل دين الثاني خاصة ، كما لو كان دين الثاني عشرة مثلا وكان قيمة الرهن عشرين مثلا ، يكون قد سقط حق الأول من نصف الرهن ، لأن المقصود من الرهن عند الثاني والإجازة من الأول وفاء حقه من الرهن ، وهو يحصل بما قابله فيبقى الباقي على رهانة الأول ، لعدم المنافاة بينهما.

ويحتمل عدم بطلان حق الأول مطلقا ، لأنه لم يصرح بإسقاط حقه ، والأصل بقاؤه ، وصدور الإجازة منه غير دالة على إسقاط حقه ، ولا منافية لثبوته ، إذ لا مانع من تعلق دينين بعين واحدة مع تقدم أحدهما على الآخر ، فان

١٤٦

فضل عن الأول شي‌ء كان للثاني.

فروع :

الأول : لو أسقط الثاني حقه من الرهانة ، فإن قلنا بسقوط حق الأول مع إجازته بقي الرهن مطلقا لا حقّ متعلقا فيه ، وان قلنا بسقوطه فيما قابل حق الثاني سقط ذلك القدر خاصة ، وان قلنا بعدم السقوط ، بل فائدة الإجازة تعلق حق الثاني فيما فضل عن الأول لم يسقط شي‌ء بإسقاط الثاني حقه وان زادت قيمة الرهن عن دين الأول ، لعدم تحقق الفضلة قبل الاستيفاء لاحتمال تلف الزائد قبله.

الثاني : لو لم يعلم الأول بالرهانة الثانية حتى مات الراهن ، هل يختص الثاني بالفاضل عن الأول؟ يحتمل ذلك لأنه لازم من جهة الراهن ما لم يبطله الأول ، وهو لم يبطله ، فيكون لازما من جهته ، والمانع من اختصاص الثاني تعلق حق الأول وقد زال ، فلا مانع حينئذ.

ويحتمل عدم الاختصاص ، لأن صحة رهانة الثاني مشروطة بالإجازة ، وهي لم تحصل فتنتفي الصحة لانتفاء شرطها ، والأصل عدم اختصاصه من دون الغرماء بشي‌ء ما لم يتحقق السبب المخصص ، وهو لم يتحقق فلا تخصيص لشي‌ء ، وهو المعتمد.

الثالث : لو أجاز المرتهن الأول الرهانة الثانية بعد موت الراهن ، لم تؤثر الإجازة شيئا لخروج الرهن عن ملك الراهن بالموت ودخوله في ملك الغير ، فلا يؤثر في ملك من انتقل اليه ، لعدم رضاه بالرهانة ، وكذا (٦) لو مات الفضولي البائع لمال الغير ، ثمَّ أجاز المالك العقد بعد موت العاقد ، فان هنا يصح على القول بوقوف بيع الفضولي على الإجازة ، لأن المجيز هنا هو المالك والعاقد غيره ، فلا فرق بين موته وحياته ، لعدم تغير الحال في ذلك ، إذ لا حقّ للعاقد في المعقود

__________________

(٦) في « ر ٢ » : ولا كذا.

١٤٧

عليه ، فلا يتغير الحكم بموته ، بخلاف الراهن ، إذا العاقد هو المالك والمجيز غيره ، وبموت المالك ينتقل الملك الى الغير فلا يؤثر إجازة غير المالك في ملك غير العاقد فافترقا.

قال رحمه‌الله : وليس للمالك فسخ الوكالة ، على تردد ، وتبطل مع موته ، دون الرهانة.

أقول : الرهن قابل للشروط السائغة ، فإذا شرط ان يكون وكيلا في بيع الرهن عند حلول الأجل صح هذا الشرط ، وهل للراهن فسخه؟ تردد المصنف في ذلك من ان الوكالة عقد جائز من الطرفين ، وقضية الجائز جواز الفسخ فيكون جائزا هنا ، فاذا فسخ تخير البائع حينئذ في فسخ البيع المشترط فيه الرهن والوكالة ، وفي إمضائه وبقاء الرهن بغير وكالة ، ومن انها اشترطت في عقد لازم فيلزم ، لأن كل جائز يشترط في عقد لازم صار لازما ، لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٧) فلا يجوز فسخها ، وهو المعتمد ، فلو مات الراهن انفسخت الوكالة دون الرهانة ، لأن الوكالة تبطل بالموت.

فان قيل : ان الوكالة صارت عندكم لازمة ، والعقود اللازمة لا تبطل بالموت فببطلانها بالموت ينفي كونها لازمة.

لأنا نقول : تغير حكم الوكالة لا يوجب تغير حقيقتها ، لأن حقيقة التوكيل هي استنابة الوكيل بإيقاع الفعل عن الموكل ، وهذه الحقيقة تنتفي بالموت ، لعدم جواز إيقاع الفعل هنا عن الميت لانتقال متعلق الوكالة إلى الغير ، ومع انتفاء الحقيقة ينتفي الحكم ، لأن الجواز واللزوم من أحكام الوكالة ، ولا بقاء للحكم مع انتفاء الحقيقة ، وموت المرتهن موجب لبطلان الوكالة أيضا دون الرهانة ، إلا ان يشترط في العقد انتقالها الى ورثته بعد موته ، فتنتقل حينئذ.

__________________

(٧) تقدم ص ٤٤.

١٤٨

فرع : لو أقر المرتهن بالدين الذي ارتهن عليه ، واشترط الوكالة فيه انتقل الدين والرهن الى المقر له دون الوكالة ، بل يبقى لمن اشترطت له ولا تبطل بإقراره بالدين للغير ، وكذا لو اشترط غير الوكالة ، فإنه يكون لمن اشترطت ولا تبطل ) (٨) ولا ينتقل الى المقر له بالدين.

قال رحمه‌الله : والمرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره من الغرماء ، سواء كان الراهن حيا أو ميتا ، على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن فائدة الرهن اختصاص المرتهن بالاستيفاء ، وتقديمه على غيره من الغرماء ، وقد وردت رواية بعدم الاختصاص إذا مات الراهن ، وهي رواية عبد الله بن الحكم ، « قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ما له بما عليه من الديون؟ قال : تقسيم جميع ما خلف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص » (٩).

وربما عضد الرواية كون الموت موجبا لتعلق الدين بالتركة فيتساوى الجميع بأعيانها ، بخلاف حالة الحياة إذ الدين متعلق بالذمة فافترقا ، وقد يمكن استيفاء غير ذي الرهن حالة الحياة من الكسب المتجدد بعد قسمة أمواله ، ولا يمكن ذلك في حالة الموت فيتضرر غير المرتهن بسقوط جميع حقه ، والمشهور هو المعتمد ، وإلا لانتفت فائدة الرهن.

قال رحمه‌الله : وإن كان للرهن مئونة كالدابة ، أنفق عليها وتقاصّا ، وقيل : إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق.

أقول : الإنفاق على ما يحتاج اليه الرهن واجب على المرتهن ؛ لأن حفظ

__________________

(٨) لم يرد في « ر ٢ ».

(٩) الوسائل ، كتاب الرهن ، باب ١٩ في أحكام الرهن ، حديث ١.

١٤٩

الرهن واجب عليه ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق فيكون واجبا ، فإذا أنفق ، قال في النهاية : له الانتفاع بالظهر والدار مقابل نفقته ، وهو قول ابي الصلاح الحلبي ، لرواية أبي ولاد حفص بن سالم (١٠) ، عن الصادق عليه‌السلام.

وقال ابن إدريس : لا يجوز التصرف في ذلك ، لوقوع الإجماع على منع الراهن والمرتهن من التصرف ، ثمَّ قال : فإن أنفق تبرعا فلا رجوع له ، وان نوى الرجوع واشهد على ذلك رجع بما أنفق اشترط في الرجوع الاشهاد ، والشهيد اشترط في الرجوع بالنفقة اذن المالك أو الحاكم ، فان تعذر فالإشهاد ، والمصنف والعلامة أطلقا التقاص ولم يقيدا بشي‌ء ، وصرح أبو العباس بعدم الاشتراط ، بل يرجع مع نيته ، ولا يفتقر إلى اذن ولا إشهاد ، لأنه أمين والإنفاق واجب عليه فيقبل قوله من غير بينة ، والأحوط مذهب الشهيد ، والاعتماد على عدم وجوب غير بينة الرجوع.

أما التصرف بالرهن بالركوب والحلب فإنه لا يجوز إلا مع اذن المالك أو الحاكم أو افتقار الدابة الى ذلك وتضررها بتركه ، ويقضى حينئذ بالتقاص ويرجع صاحب الفضل بفضله.

قال رحمه‌الله : ولو وطئ المرتهن الأمة مكرها ، كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر ، وقيل : عليه مهر أمثالها.

أقول : هذا مبني على ما يجب على الواطئ للأمة بشبهة أو اكراه ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في باب نكاح الإماء.

قال رحمه‌الله : ولو باع أو وهب ، وقف على إجازة المرتهن. وفي صحة العتق مع الإجازة تردد ، والوجه الجواز. وكذا المرتهن. وفي عتقه مع إجازة الراهن تردد ، والوجه المنع ، لعدم الملك ما لم يسبق الإذن.

__________________

(١٠) الوسائل ، كتاب الرهن ، باب ١٢ في أحكام الرهن ، حديث ١.

١٥٠

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تصرف الراهن في الرهن ، ولا شك في المنع منه بغير اذن المرتهن إذا كان التصرف ناقلا للملك كالبيع والهبة ، أو ينقص به المال كالوطء المفضي إلى الاحبال الموجب لنقص المالية ، وأما ما ليس كذلك كتأبير النخل ، وختان العبد ومداواته ، ورم المستهدم من الدار ، وزرع الأرض ، وحلب الدابة وما شاكل ذلك فلا يمنع منه.

إذا عرفت هذا فان عقوده الناقلة كالبيع والهبة تصح مع اجازة المرتهن ، وهل عتقه يصح مع الإجازة؟ تردد المصنف في ذلك من ان العتق لا يقع موقوفا ولا يقبل التعليق فيقع باطلا ، لاشتراط التنجيز فيه ، ومن ان العتق مبني على التغليب ، ولهذا يسري في ملك غيره ، فيقع صحيحا ويكون مراعى ، والإجازة كاشفة ، فإن أجاز المرتهن تبينا وقوع العتق من حينه ، وان رد تبينا بطلانه من رأس ، وهذا هو المعتمد ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمصنف والعلامة ، والمنع قول الشيخ في المبسوط.

فرع : لو انتفت الإجارة والرد ثمَّ افتك الرهن لزمت العقود ، لعدم وقوعها باطلة ، وهي لازمة من جهة الراهن ، وقد زال المانع فتلزم.

الثانية : في تصرف المرتهن ، وهو ممنوع من جميع التصرفات مطلقا بغير إذن إلا مع افتقار الرهن الى التصرف فيه ، وحصول الضرر عليه مع عدم التصرف ، فهذا النوع من التصرف جائز بغير اذن المالك ، وهل يقف عتقه على اجازة المالك؟ تردد المصنف في ذلك ، من حصول الإجازة من المالك وهي تقتضي صحة العتق (١١) ، ومن ان العتق لا يكون إلا في ملك (١٢) ، والمرتهن غير

__________________

(١١) في « ر ٢ » : العقد.

(١٢) الوسائل ، كتاب العتق ، باب ٥ من أبواب العتق.

١٥١

مالك ، فيقع العتق باطلا ، والإجازة لا تؤثر فيما يقع باطلا ، بخلاف الراهن ، لوقوعه من المالك ، والمعتمد البطلان ما لم يسبق الاذن ، لكونه وكيلا حينئذ.

قال رحمه‌الله : ولو وطئ الراهن فأحبلها ، صارت أم ولد ، ولا يبطل الرهن ، وهل تباع؟ قيل : لا ، ما دام الولد حيّا ، وقيل : نعم ، لأن حق المرتهن أسبق ، والأول أشبه.

أقول : قال في المبسوط : لا يبطل الرهن ، لأنها مملوكة ، وتبعه ابن إدريس واختاره العلامة ، وهو مذهب المصنف ، لسبق حق المرتهن ، فلا تبطل بتعدي الراهن في الوطئ ، وهو المعتمد.

وقال في الخلاف : ان كان موسرا لزم قيمتها ويكون رهنا ويبطل الرهن فيها ، لحرية ولدها ، وان كان معسرا بقي الرهن بحاله وجاز بيعها بالدين.

والمصنف جمع بين عدم بطلان الرهن وعدم جواز بيعها بالدين وبه قال العلامة في التحرير ، فعلى هذا تكون الفائدة منع الراهن من التصرف بشي‌ء من التصرفات ويجبر على فكها ، بخلاف غيرها من الرهون فان الراهن لا يجبر على الفك ، بل له ان يوفي الدين من الرهن ، والمعتمد إجباره على فكها مع القدرة عند حلول الدين لا قبله ، فان تعذر الفك جاز بيعها ، ولا يجب على المرتهن الصبر الى يسار المالك ، ولا فرق في عدم بطلان الرهن بين ان يكون الوطئ بإذن المرتهن أو بغير اذنه ، جزم به في القواعد.

قال رحمه‌الله : ولو غصبه ثمَّ رهنه صح ، ولم يزل الضمان ، وكذا لو كان في يده بيع فاسد. ولو أسقط عنه الضمان صح.

أقول : في هذا الكلام ثلاث مسائل ، جزم المصنف بها ولم يتردد في شي‌ء منها ، وكل مسألة لا تخلو من إشكال :

الأولى : إذا كان الرهن مغصوبا ، ثمَّ رهنه المغصوب منه عند الغاصب صح

١٥٢

الرهن بلا خلاف وان اشترطنا القبض ، لأنه مقبوض في يد الغاصب.

وهل يزول الضمان بمجرد العقد؟ جزم المصنف بعدم زواله ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختاره الشهيد ، وهو المعتمد ، لأنه قبل الرهن كان مضمونا على الغاصب فكذا بعده ، لأصالة بقاء الضمان ، ولقوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١٣).

وذهب العلامة في القواعد الى زوال الضمان ، لأنه صار مأذونا له في الإمساك فلا تكون يده غاصبة ، وقوى في المختلف مذهب الشيخ.

الثانية : إذا كان مقبوضا بالبيع الفاسد ثمَّ رهنه المالك عند من هو في يده صح الرهن بلا خلاف ، وهل يزول الضمان؟ جزم المصنف بعدم زواله ، ولم يفرق بينه وبين ما كان مغصوبا للعلة المذكورة في الغصب ، وهو كونه مضمونا قبل الرهن ، فكذا بعده.

وذهب العلامة في القواعد الى زوال الضمان ، واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد ، لأن ضمانه أخف من ضمان الغاصب ، ولأن قبضه السابق مأذون فيه من جهة المالك ، وانما كان مضمونا عليه ، لأنه قبضه لنفسه قبضا فاسدا ، لكون العقد غير ناقل ، وبعد الارتهان صار مقبوضا لمالكه فيصير امانة ، فهذا فرق بينهما.

الثالثة : إذا أبرأه الغاصب من ضمان الغصب وهو في يد الغاصب ، هل يبرأ أم لا؟ جزم المصنف هنا بصحة الإبراء وسقوط الضمان وهو مذهب الشيخ رحمه‌الله ، ( لوجوب رد ) (١٤) السبب الموجب لضمان القيمة عند التلف ، وهو الغصب.

وذهب في القواعد الى عدم سقوط الضمان ، وهو المعتمد ، لأنه ليس له في ذمة الغاصب شي‌ء ما دامت العين باقية ، بل حقه متعلق بالعين ، وانما ينتقل إلى

__________________

(١٣) مستدرك الوسائل ، كتاب الغصب ، الباب ١ ، حديث ٤.

(١٤) في « ر ٢ » لوجوده.

١٥٣

الذمة بعد تلف العين ، فإذا أبرأه والعين قائمة كان إبراء مما لم يجب ، وهو باطل.

فروع :

الأول : إذا أودع المغصوب منه العين المغصوبة عند الغاصب قبل ان يقبضها المالك ، أو آجره إياها قبل قبضها صحت الوديعة والإجارة ، وهل يزول الضمان؟ يحتمل العدم ، لما قلناه في الرهن ، ويحتمل الزوال ، لأن الاستئمان في الإيداع أقوى منه في الرهن ، لأنه استئمان محض ، واستنابة في الحفظ والاستئجار مع كونه امانة فقد صرفه فيه ، وسلطه على منافعه ، وملكه إياها فيزول الضمان ، وهو المعتمد.

الثاني : إذا أعاد العين المغصوبة للغاصب ، هل يزول الضمان؟ يحتمل ذلك ، لأنه قد سلطه على منافعه كالإجارة ، ويحتمل العدم ، لأصالة بقاء الضمان ، ولحصول الفرق بين إمساك المستأجر والمستعير ، فإن إمساك المستأجر بحق لازم عقد مقابل العوض الذي دفعه الى المالك فصار قبضه كقبض المالك ، وإمساك المستعير غير لازم ، وإمساكه لنفسه بغير عوض ولا عقد لازم ، فإمساكه أضعف من إمساك المستأجر ، فلا يزول عنه الضمان ما لم يسلمه الى المالك ، وهو المعتمد.

الثالث : إذا أوكل الغاصب في بيع المغصوب أو عتقه ، هل يزول الضمان بمجرد الوكالة قبل البيع والتسليم الى البائع أو العتق؟ يحتمل ذلك ، لأن الوكيل كالمستودع ، فيزول الضمان بمجرد الوكالة ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، ويحتمل العدم ، لأصالة بقاء الضمان ، وللفرق بينه وبين المستودع لثبوت الأجرة له ما لم ينتزع ، والمعتمد عدم زوال الضمان.

قال رحمه‌الله : ولو حملت الشجرة أو المملوكة ، كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر.

أقول : النماء المتجدد بعد الارتهان ، ان كان متصلا اتصال ممازجة كالسمن

١٥٤

والطول دخل في الرهن إجماعا ، وان كان منفصلا أو يقبل الانفصال كالثمرة والولد والصوف والشعر ، قال الشيخ في النهاية بدخوله ، وهو مذهب المفيد وابن البراج وابي الصلاح وابن حمزة ، واختاره ابن إدريس وادعى عليه الإجماع ، واختاره المصنف.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط بعدم الدخول ، واختاره العلامة وابنه ما لم يشترط دخوله ، لأصالة عدم الدخول وكونه غير جزء من الرهن ، ومذهب العلامة هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة ، وإن لم تؤبر. وكذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع ولا النخل والشجر ولو قال بجميع حقوقها دخل فيه ، وفيه تردد ، ما لم يصرح.

أقول : منشؤه من انه قال بحقوقها فيدخل جميع ما هو متصل فيها ، ومن ان الزرع والثمرة ليسا جزءا من الأرض والنخل ، والأصل عدم دخوله ما لم يصرح مالكه بالدخول ، وهذا هو المعتمد.

فرع : إذا رهن الجدار ، هل يدخل الأس تحته ، أو يدخل المغرس تحت الشجرة إذا رهنها من دون الأرض؟ يحتمل ذلك ، لأن منفعتهما لا تتم الا بهما ، ولا يمكن وجود الرهن من دون المصاحبة لهما ، ويحتمل العدم ، لعدم دخولهما في البيع من دون الشرط ، ولأنهما ليسا من اجزاء الرهن ولا من مسماه ، والأصل عدم دخولهما من دون الشرط وهو المعتمد ، نعم يجب إبقائهما فيهما أبدا ما لم ينهدم الجدار وتنقلع الشجرة ، وليس له الإعادة حينئذ.

قال رحمه‌الله : وهل يجبر الراهن على الإزالة ، قيل : لا ، وقيل : نعم ، وهو الأشبه.

أقول : إذا نبت في الأرض شي‌ء من الشجر المحترم بعد الرهن ، هل يجبر

١٥٥

الراهن على ازالته؟ يحتمل ذلك ، سواء أنبته الراهن أو أجنبي أو الله تعالى ما لم يكن من فروخ الشجر المرهون ، لأن بقاءه يضر (١٥) في الأرض ، كما لو وضع متاعا في الدار ، فإنه يجبر على ازالته فكذا هنا ، وهو مذهب المصنف والعلامة وفخر الدين ، الا انه قيد وجوب الإزالة عند الانتهاء عادة لئلا يخرج عن الانتفاء فيحصل الضرر ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في الخلاف : لا يجبر على الإزالة ، واختاره العلامة في التحرير ، لأنه تصرف في المنافع ، وهي غير داخلة في الرهن فلا يمنع منها ، ولا يجبر على ازالة ما له من ماله ، ولو كان الغرس من فروخ الشجر المرهون لم يمنع منه ، ولا يجبر على إزالته إذا كانت الفروخ موجودة حالة الارتهان ، لكونها داخلة في الرهن ، فلا ضرورة على المرتهن في ذلك ، بخلاف ما ليس داخلا في رهنه.

قال رحمه‌الله : ولو رهن لقطة مما يلتقط كالخيار ، فان كان الحق يحل قبل تجدد الثانية ، صح ، وان كان متأخرا تأخرا يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لم يتميز ، قيل : يبطل ، والوجه أنه لا يبطل.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ في المبسوط ، لعدم الاستيفاء من الرهن ، لأن كل ما يصح رهنه وجب ان يصح بيعه عند الأجل ، وعنده ان هذا لا يصح بيعه ، لعدم تمييزه من غيره ، وما لا يصح بيعه عند الأجل لا يصح رهنه ، لعدم الفائدة في ذلك واختار المصنف الصحة ، وكذا اختيار العلامة وابنه ، وهو المعتمد ، ويحكم فيه كما يحكم في الأموال الممتزجة وهو القضاء بالصلح ، لأن مقدار كل لقطة غير معلوم ، وكذا حكم كل مالين امتزجا ولم يعلم المقدار فيهما ولا في أحدهما.

__________________

(١٥) في « ر ٢ » : تصرف.

١٥٦

قال رحمه‌الله : ولو رهن من مسلم خمرا ، لم يصح. فلو انقلب في يده خلا ، فهو له على تردد ، وكذا لو جمع خمرا مراقا ، وليس كذلك لو غصب عصيرا.

أقول : منشأ التردد من ان الخمر لا يجوز إثبات اليد عليه لغير التخليل ، والأول قد أسقط حقه منه بدفعه الى المرتهن ، فاذا صار خلا في يده ملكه ، لأن قبل صيرورتها خلا لا ملك لأحد عليها ، فهي لمن تخللت في يده. ومن احتمال عود الملك إلى الأول ، لأن يده أسبق عليها وكان له إثبات اليد عليها للتخليل ، وقد دفعها بغير نية الإعراض عنها ، لعدم سقوط حق الراهن من الرهن ، والأول هو المعتمد.

وكذا الخلاف لو كان معه خلا واراقه فجمعه جامع فتخلل في يده كان ملكه لمن تخلل في يده ، بل ملك الثاني هنا أقوى ، لأن الأول اراقه بنية الإعراض عنه.

والمعتمد في المسألتين ان قبضه الثاني بنية التخليل كان أحق به ، لأنه قبضه قبضا مباحا ، وان كان ليس كذلك فالأول أحق به ، لأن الثاني قبضه قبضا منهيا عنه ، والأول يده أسبق ، ويقبل قوله في قصد نية التخليل وعدمه.

قوله : ( وليس كذلك لو غصب عصيرا ) ، أي إذا غصب عصيرا فتخلل في يده لم يملكه الثاني ، لأن العصير مملوك للأول ، ولا يخرج عن الملك الا بصيرورته خمرا ، بل يكون للأول بغير خلاف ، ويضمن التفاوت لو نقصت قيمة الخل عن العصير.

قال رحمه‌الله : إذا فرط في الرهن ، لزمه قيمة يوم قبضه ، وقيل : يوم هلاكه ، وقيل : أعلى القيم ، فلو اختلفا في القيمة ، كان القول قول الراهن ، وقيل : القول قول المرتهن ، وهو الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في القيمة التي يغرمها المرتهن إذا ثبت تفريطه بإقراره أو بالبينة ، في

١٥٧

ذلك خمسة أقوال :

الأول : قول المصنف ، وهو قيمته يوم قبضه ، وهو قول نادر لم يذكره غيره ، ونقله العلامة في القواعد. قال عميد الدين : وأما القول بأن عليه القيمة يوم قبضه فشي‌ء نقله المصنف وابن سعيد ، ولم نقف على ذلك الا من نقلهما.

الثاني : قيمته يوم هلاكه ، وهو قول المفيد والشيخ في النهاية ، لأنه يوم استقرار الضمان وانتقاله إلى ذمة المرتهن.

الثالث : أعلى القيم من يوم القبض الى يوم التلف ، قال أبو العباس في مهذبه ومقتصره : نقله المصنف ـ يعني مصنف المختصر ـ وهو يشعر بأنه لم يقف عليه الا من قوله ، والظاهر انه اشتبه عليه بالقول الأول الذي اختاره المصنف هنا ، وهو ضمان القيمة يوم القبض ، لأنه لم يذكره غيره وغير العلامة ، وأما هذا القول فهو قول الشيخ في المبسوط ، وهو قول مشهور نقله عنه فخر الدين واختاره ، ونقله عنه المقداد أيضا ، وهو مشهور في المصنفات.

الرابع : أعلى القيم من يوم التلف الى يوم حكم الحاكم عليه بالقيمة ، وهو قول ابن الجنيد.

الخامس : أعلى القيم من يوم التفريط الى يوم التلف ، وهو قول العلامة في المختلف ، وهو المعتمد ، لأنه زمان الضمان ، إذ قبل التفريط لم يكن مضمونا ، وبعد التلف لا يلتفت الى زيادة القيمة ولا نقصانها ، لذهاب العين وانتقال الضمان إلى الذمة.

الثانية : إذا اختلفا في القيمة ، قال الشيخ : القول قول الراهن ، وبه قال ابن البراج وابن الجنيد وسلار وابن حمزة وأبو الصلاح الحلبي ، لسقوط عدالة المرتهن بتفريطه فلا يلتفت الى قوله ، وقال ابن إدريس : القول قول المرتهن ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه منكر ، وقال عليه‌السلام : « البينة على

١٥٨

المدعي واليمين على من أنكر » (١٦) ، وسقوط عدالته لا يوجب سقوط هذا الحكم.

قال رحمه‌الله : ولو اختلفا فيما على الرهن ، كان القول قول الراهن ، وقيل : قول المرتهن ، ما لم تستغرق دعواه ثمن الرهن ، والأول أشهر.

أقول : الأول مذهب جمهور الأصحاب وهو المعتمد ، لأن الراهن منكر للزيادة فيكون القول قوله فيها ، لأصالة براءة الذمة من الزائد عما اعترف به.

والثاني : مذهب ابن الجنيد معولا على رواية السكوني (١٧) ، عن الصادق عليه‌السلام الدالة على مطلوبة ، وهي مع مخالفتها للأصل ضعيفة السند ، لأن السكوني عامي المذهب.

قال رحمه‌الله : لو اختلفا في متاع ، فقال أحدهما : هو وديعة ، فقال الممسك : هو رهن ، فالقول قول المالك ، وقيل : القول قول المرتهن والأول أشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الممسك مدع والمالك منكر.

والثاني : مذهب السيد المرتضى والشيخ في الاستبصار ، لرواية عبادة بن صهيب في الموثق (١٨) ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، وشنع ابن إدريس هنا على الشيخ تشنيعا عظيما ، ولم يذكر السيد بشي‌ء مع انه أسبق من الشيخ.

__________________

(١٦) الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٢ ، كيفية الحكم واحكام الدعوى ، حديث ٢.

(١٧) الوسائل ، كتاب الرهن ، باب ١٧ في أحكام الرهن ، حديث ٤.

(١٨) الوسائل ، كتاب الرهن ، باب ١٦ في أحكام الرهن ، حديث ٣.

١٥٩
١٦٠