غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

ومنشأ التردد في جواز أخذ أرش العيب من ان الجملة مضمونة عليه ، وضمان الجملة يستلزم ضمان الأبعاض ، ومن أصالة عدم وجوب الأرش فيتخير المشتري بين الرد والإمساك مجانا ، وبالجملة الإشكال كالإشكال في تعينه قبل القبض ، وقد سبق (١٥٩).

قال رحمه‌الله : وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن البيع تعلق بالأم فلا يتناول الحمل ، لعدم دلالة اللفظ عليه ، والأصل بقاء الملك على المالك.

وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج في المذهب : وإذا باع دابة أو أمة حاملا واستثنى الحمل لنفسه لم يجز ، وهو بناء على ان الحمل جزء من الحامل ، فهو كعضو من أعضائها ، فكما لا يصح استثناء العضو لا يصح استثناء الحمل.

وقال ابن حمزة : يكون للمشتري الا ان يستثنيه البائع.

ويتفرع على مذهب الشيخ في المبسوط انه لو باع الجارية الحامل بحر لم يصح البيع ، لأن الحر لا يدخل في البيع فيكون مستثنى ، وهو لا يصح استثناؤه ، فيبطل البيع.

قال رحمه‌الله : ولو باع واستثنى الرأس والجلد صح ، ويكون شريكا بقدر قيمة ثنياه من دار الحرب على رواية السكوني. وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة ، وشرط أحدهم لنفسه الرأس أو الجلد ، كان شريكا بنسبة ماله.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : الصحة ، ويكون شريكا بقيمة ثنياه ، فيقال : كم قيمة هذا الحيوان لو بيع جميعه؟ فاذا قيل : عشرة مثلا ، قيل : وكم قيمته منزوع الرأس والجلد؟

__________________

(١٥٩) ص ٣٨.

١٠١

فاذا قيل تسعة مثلا صار البائع شريكا بالعشر ، لأنه أخذ قيمة تسعة أعشاره وبقي له عشرة ويلغو التعيين ، وهو قول الشيخ في النهاية وفي المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن البراج.

الثاني : صحة البيع والشرط معا ، وهو مذهب السيد والمفيد وسلار وابن الجنيد وابن إدريس ، لأنه استثنى معلوما من معلوم فلا مانع من صحته.

الثالث : بطلان البيع الا ان يكون الحيوان مذبوحا أو المقصود منه الذبح ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد.

وأما وجه البطلان مع عدم الشرطين فلا فضائه الى الضرر والتنازع ، لأن المشتري قد يختار تبقية هذا الحيوان ، وهو يؤدي الى عدم انتفاع البائع بحقه ، وان اختار البائع ذبحه ليتوصل الى حقه كان فيه منع المشتري من التصرف بماله بما يختار من التصرفات ، وربما كان التبقية أنفع له من الذبح ، فيؤدي إلى التنازع.

وأما وجه الصحة مع الشرطين ، لأنه استثناء المعلوم ولا غرر فيه ولا ضرر ، فكان جائزا.

فرع : لو استثنى رطلا معلوما من اللحم ، ظاهر سلار جوازه ، وقال ابن الجنيد لا يجوز ، لأن مواضع اللحم تتفاضل بالجودة وعدمها ، فان عين المكان بما لا يختلط بغيره جاز ، واستحسنه العلامة.

قال رحمه‌الله : ولو قال : ( الربح لنا ولا خسران عليك ) ، فيه تردد ، والمروي الجواز.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر الدروس ، لأنه شرط سائغ فيجب الوفاء به ، لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١٦٠) ولعموم ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١٦١) ، ولما

__________________

(١٦٠) تقدم ص ٤٤.

(١٦١) البقرة : ٢٧٥.

١٠٢

رواه رفاعة (١٦٢) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومنع ابن إدريس من صحة هذا الشرط ، ونسب قول الشيخ الى عدم الوضوح وعدم الاستقامة ، لأن الخسران على رؤوس الأموال بلا خلاف ، فاذا شرط على احد الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة ، وقواه العلامة في التحرير ، ( واختاره العلامة في القواعد ) ، وأبطله في المختلف.

قال رحمه‌الله : ويكره وطي من ولدت من الزنا بالملك والعقد ، على الأظهر.

أقول : منع ابن إدريس من ذلك بناء على كفرها ، لأنه يقول بكفر ولد الزنا ، والمشهور الإباحة على كراهية.

أما الإباحة ، فلعموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (١٦٣) وأما الكراهة فلما رواه أبو خديجة ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يطيب ولد الزنا ابدا » (١٦٤).

قال رحمه‌الله : العبد لا يملك ، وقيل : يملك فاضل الضريبة ، وهو المروي ، وأرش الجناية على قول ، ولو قيل : يملك مطلقا ، لكنه محجوز عليه بالرق حتى يأذن المولى ، كان حسنا.

أقول : نفي الملك عن العبد مطلقا مذهب ابن إدريس والمصنف في المختصر ، واختاره العلامة وابنه ( فخر الدين ) (١٦٥) وأبو العباس ، وهو المعتمد ،

__________________

(١٦٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ١٤ بيع الحيوان ، حديث ١.

(١٦٣) النساء : ٤.

(١٦٤) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٩٦ من أبواب ما يكتسب به ، حديث ٨.

(١٦٥) كذا في هامش بعض النسخ.

١٠٣

لأنه مملوك ، والمملوك لا يكون مالكا ولقوله تعالى ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١٦٦).

وقال الشيخ : يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملكه المولى ، لما رواه زرارة في الصحيح (١٦٧) ، عن الباقر عليه‌السلام ، وقال الصدوق وابن الجنيد : يملك لا مستقرا ، بل للسيد منعه من التصرف.

قال رحمه‌الله : من اشترى عبدا ، كان ماله لمولاه ، إلا أن يشترطه المشتري ، وقيل : إن لم يعلم به البائع فهو له ، وان علم فهو للمشتري ، والأول أشهر.

أقول : التفصيل مذهب ابن البراج في المذهب ، وقال ابن الجنيد : ان علم البائع وسلمه مع العبد فهو للمشتري ، والا فهو للبائع ، والأول هو المشهور ، لأن البيع انما يتناول رقبة العبد فلا يدخل ماله إلا مع الشرط ، فاذا اشترطه المشتري دخل.

وهل يشترط ان يكون الثمن أزيد من ماله ليسلم من الربا؟ قال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار : إذا اشترط المبتاع كان له ، سواء كان أكثر من ثمنه أو أقل ، وأطلقوا من غير تفصيل بين الربوي وغيره ، وفصل ابن الجنيد ، قال : ان كان الثمن وماله ربويين لا بد من زيادة عن ماله تقابل العبد ، وان كان أحدهما غير ربوي لم يشترط الزيادة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، لأنه قال فيه : لو كان مع العبد مائة درهم وباعه بمائة درهم لم يصح ، ولو باعه بمائة ودرهم صح ، واختاره العلامة تفصيا من الربا ، وأطلق الجميع القول في ذلك.

وفصل الشهيد ، قال : ولو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ولا

__________________

(١٦٦) النحل : ١٦.

(١٦٧) الوسائل ، كتاب العتق ، باب ٢٤ ، حديث ١.

١٠٤

التفصي من الربا ان قلنا : انه يملك ، وان أحلنا ذلك اشترط (١٦٨) ، وهذا التفصيل صحيح على مذهب المبسوط والقواعد ؛ لأن مذهبهما على القول بأن العبد يملك يكون اشترط المشتري للمال إبقاء له على ملك العبد ولا يملكه المشتري ، فعلى هذا لا يكون جزءا من المبيع ، فلا يجري فيه الربا ، ولا يشترط فيه العلم.

قال في المبسوط : وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمس مائة صح البيع على قول من يقول انه يملك ، ولو باع ألفا بخمس مائة لم يصح ، والفرق بينهما انه إذا باع العبد انما يتبع رقبته مع بقاء ملكه عليه فيصح ذلك ، وفي القواعد : ولا يتناول ماله الذي يملكه مولاه الا ان يستثنيه المشتري ان قلنا ان العبد يملك وينتقل إلى المشتري مع العبد ، وكان جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا ، فقد عرفت ان مذهب المبسوط والقواعد ، عدم انتقال مال العبد ، الى ملك المشتري وان اشترطه ، بل فائدة الشرط بقاؤه على ملك العبد.

قال رحمه‌الله : ولو قال اشترني ولك عليّ كذا ، لم يلزمه وان اشتراه ، وقيل : إن كان له مال حين قال ، ألزم وإلا فلا ، وهو المروي.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن العبد لا يملك شيئا ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية ، لرواية وردت عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١٦٩).

قال رحمه‌الله : التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم ، محرّمة ، وقيل : مكروه ، وهو الأظهر. والاستغناء يحصل ببلوغ سبع سنين. وقيل : يكفي استغناؤه عن الرضاع ، والأول أظهر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في تحريم التفرقة أو كراهتها ، وبالتحريم قال الشيخ في باب بيع

__________________

(١٦٨) في « ر ٢ » : اشترطنا.

(١٦٩) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٩ من بيع الحيوان ، حديث ١ و٣.

١٠٥

الحيوان من النهاية ، وبه قال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن الجنيد ، وطرد الحكم إلى الأخوة ، ودليلهم الروايات (١٧٠).

وحكم المفيد والشيخ في المبسوط والخلاف بفساد البيع ، وهو ظاهر الروايات (١٧١) ، والكراهية مذهب الشيخ في باب العتق من النهاية ، وتبعه ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وأبو العباس في المقتصر ، لأن الناس مسلطون على أموالهم يتصرفون فيها حيث شاؤوا ، وحملت الروايات الواردة بالمنع على الكراهة.

الثاني : في الغاية التي يزول معها التحريم أو الكراهة ، والخلاف هنا مبني على الخلاف في مدة الحضانة ، والشيخ في النهاية يجعله مدة الحولين في الذكر وسبعا في الأنثى ، وتبعه ابن إدريس وابن حمزة. وابن الجنيد جعلها سبع سنين في الذكر والأنثى واختاره المصنف.

وقال المفيد : إنها مدة الحولين في الذكر وتسعا في الأنثى. وقال ابن البراج في المهذب : هي سبع في الذكر وتسع في الأنثى ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، لأن المقصود قيام الأم بالشفقة عليه وايناسه ، ولا يحصل الاستغناء عن ذلك بأقل من هذه المدة.

قال رحمه‌الله : من أولد ، ثمَّ ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك ، وعلى الواطئ عشر قيمتها ان كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيبا ، وقيل : يجب مهر أمثالها ، والأول مروي.

أقول : وجوب مهر المثل مذهب الشيخ وابن إدريس ، والتفصيل مذهب العلامة.

__________________

(١٧٠) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ١٣ من بيع الحيوان.

(١٧١) نفس المصدر السابق.

١٠٦

قال رحمه‌الله : ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد ، وهل يرجع بما اغترمه من مهر واجرة ، قيل : نعم ، لأن البائع أباحه بغير عوض وقيل : لا لحصول عوض في مقابلته.

أقول : عدم الرجوع مذهب ابن إدريس وهو بناء على ان المغرور إنما (١٧٢) يرجع على الغار بما لم يحصل له في مقابلته نفع كالعمارة والنفقة وقيمة الولد ، أما ما حصل له في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى وعوض البضع فلا ، والمعتمد الرجوع في الجميع ، لأنه دخل على اباحة هذه الأشياء بغير عوض ، فاذا غرم عوضها رجع به المغرور ، ولو كان المشتري عالما بالاستحقاق والتحريم ، فهو زان وولده رق ، ولا يرجع بشي‌ء إلا بالثمن مع بقاء عينه.

قال رحمه‌الله : ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام ، يجوز تملكه في حال الغيبة ووطي الأمة ، ويستوي في ذلك ما يسبيه المسلم وغيره ، وان كان فيها حق للإمام ، أو كانت للإمام.

أقول : كل سرية غزت بغير اذن الامام كانت غنيمتها له ، فعلى هذا يكون جميع ما يسبى في الغيبة له ، لعدم اذنه في ذلك ، ولا فرق بين سبي المسلمين أو الكفار ، وقد أباحوا لشيعتهم المناكح والمساكن في حال الغيبة ، لتطيب ولادتهم ، واما الذي فيه الخمس خاصة فهو ما أخذ من دار الحرب غيلة أو نهبا من غير قتال فهو لآخذه ، وعليه فيه الخمس لأربابه ، فيكون للإمام فيه حق ، فلا يجب إخراج حصة الإمام عليه‌السلام ولا حصة أرباب الخمس ، لعموم الاذن بإباحة الرقيق حال الغيبة ، ونازع ابن إدريس في ذلك ، ومنع من وطي ما يختص بالإمام.

تنبيه : إذا ثبت ان المسبي حالة الغيبة للإمام ، وانما أباح تملكه لشيعته

__________________

(١٧٢) من « ر ٢ ».

١٠٧

خاصة ، للعلة المذكورة ، ثبت ان المخالفين لا يملكون ما اختص بالإمام عليه‌السلام ، ولا يباح لهم ما كان شريكا فيه ، لعدم اباحته لهم ، لأنه مال الغير فيتوقف على تملكه واباحة التصرف فيه على اذن مالكه ، وهو لم يأذن لغير شيعته ، فلا يباح لغيرهم اقتصارا على اذن المالك.

وهل يملكون ما اشتروه من الشيعة؟ يحتمل ذلك ، لأن الشيعة ملكوه بالسبي أو بالشراء ، فاذا اشتراه المخالف منهم فقد ملكه ، لأنه اشتراه من مالك بعقد صحيح ناقل فيملكه.

ويحتمل العدم ، لأن سبب التحريم قبل الشراء من الشيعي كونه مخالفا لدين الشيعة ، وهذا السبب موجود بعد الشراء ، فيوجد المنع لوجود السبب ، لأن كل سبب مانع من شي‌ء لا يباح ذلك الشي‌ء مع ذلك السبب المانع من الإباحة ، والا لم يكن مانعا فيكون البيع باطلا ، لأن بيع الشي‌ء على من ليس يملكه بالشراء غير جائز ، هذا فيما كان جميعه للإمام.

اما ما كان له بعضه كالمغتال والمنتهب ، فان المخالف يملكه أربعة أخماسه وللإمام وأرباب الخمس الباقي ، فلا يجوز للمخالف الوطي قبل دفع الخمس إلى أربابه ودفع حصة الإمام الى من يقوم مقامه من فقهاء الشيعة ، لأنها قبل ذلك مشتركة ، والمشتركة لا يجوز وطؤها لأحد الشريكين وان اذن الآخر على الأقوى.

فعلى هذا التحرير يجوز للشيعي قهر المخالف على الرقيق المعلوم ان جميعه للإمام ، لكونه مباحا له محرم على المخالف ، ما لم يثر فتنة ، فلا يجوز حينئذ لتحريم إثارة الفتنة.

فرع : يحرم على الشيعي بيع الأمة على المخالف ، لما فيه من التسلط على الفروج المعصومة ، فيكون كالجامع بين اثنين للزنا ، بل أبلغ من ذلك لسقوط

١٠٨

اختيار الأمة بسبب فعل البائع ، فهو كالمكره لها على الزنا.

قال رحمه‌الله : إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري نسمة ، ويعتقها ، ويحج بباقي المال. فاشترى أباه ، ودفع إليه بقية المال يحج به. واختلف مولاه وورثة الآمر ومولى الأب فكل يقول اشترى بمالي. قيل : يرد الى مولاه رقا ، ثمَّ يحكم به لمن أقام البينة ، على رواية ابن أشيم وهو ضعيف ، وقيل : يرد على مولى المأذون ما لم يكن هناك بينة ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : رده الى مواليه رقا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، فمن أقام البينة بعد ذلك من ورثة الآمر ومولى المأذون أخذه ، وتبعه ابن البراج على ذلك لرواية موسى بن أشيم الدالة على هذا الحكم.

الثاني : كون المعتق رقا لمولى المأذون وبطلان عتقه ، لأن جميع ما في يد العبد فهو لسيده ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف هنا ، وبه قال العلامة.

الثالث : إمضاء ما فعله المأذون ، وهو الحكم بصحة البيع والعتق ، وهو مذهب المصنف في المختصر وقواه الشهيد ، ثمَّ اعترض بما فيه من طرح الرواية المشهورة.

وانما كان قول المختصر قويا ، لأن حكم المأذون حكم الوكيل فيقبل إقراره بما في يده ويمضي تصرفه فيه ، وظاهر الشهيد العمل على الرواية.

فرع : لو أقام كل واحد من الثلاثة بينة فان رجحنا بينة ذي اليد ، فالحكم لبينة مولى المأذون ، لأن ما في يد العبد في يد المولى ، وان قدمنا بينة الخارج أسقطنا بينة مولى المأذون ، وهل يقدم بينة دافع المال إلى المأذون أو بينة مولى الأب؟ يحتمل الأول ، لأن العمل ببينة الدافع يقتضي صحة البيع ، فيكون

١٠٩

الترجيح لها ، لأن العمل بما يقتضي الصحة أولى من العمل بما يقتضي الفساد ، ويحتمل الثاني ، لادعائه ما ينافي الأصل ـ وهو فساد البيع ـ فتكون بينته ناقلة وبينة الأول مقررة ، والناقلة أولى من المقررة.

قال رحمه‌الله : إذا اشترى عبدا في الذمة ، ووضع البائع عبدين ، وقال : ( اختر أحدهما ) فأبق واحد. قيل : يرتجع نصف الثمن ، فان وجده اختاره ، وإلا كان الموجود لهما ، وهو بناء على انحصار حقه فيهما ، ولو قيل : التالف مضمون بقيمته وله المطالبة بالعبد الثابت بالذمة كان حسنا ، أما لو اشترى عبدا من عبدين ، لم يصح العقد ، وفيه قول موهوم.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا اشترى عبدا في الذمة. المسألة ، والقول بارتجاع نصف الثمن وكون الموجود لهما والتخيير مع وجود الآبق هو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لرواية محمد بن مسلم (١٧٣) ، وعن الباقر عليه‌السلام.

قال المصنف : وهو بناء على انحصار حقه فيهما ، لأنه مع انحصار حقه فيهما يكون شريكا للبائع ، وإذا ذهب من الشريك بعض مال الشركة من غير تفريط كان على جميع الشركاء ، ولو قيل : ان كان التالف مضمونا بقيمة وله المطالبة بالعبد الثابت في الذمة كان حسنا.

انما كان حسنا ، لأن المقبوض بالسوم مضمون ، والثابت في الذمة غير متعين ، فيضمن التالف ، لكونه مقبوضا بالسوم ، ويطالب بالثابت في الذمة ، فإن كانا متصفين بالصفات المذكورة في العقد اختار أحدهما ، فإن اختار التالف تهاترا ، وان اختار الموجود أخذه ودفع الى البائع قيمة التالف ، وان كانا غير متصفين بالصفات المذكورة في العقد ضمن الآبق ودفع اليه الموجود وطالب

__________________

(١٧٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ١٦ من بيع الحيوان ، حديث ١.

١١٠

بالموصوف بالصفات المذكورة في العقد ، وهذا هو المعتمد.

الثانية : إذا اشترى حر (١٧٤) عبدا من عبدين معينين على ان يختار أحدهما ، فالمشهور في هذه المسألة البطلان ، لعدم تعين المبيع عند المتبايعين حالة العقد ، وقال الشيخ في موضع من الخلاف بالجواز ، واستدل بإجماع الفرقة ، وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١٧٥) ، وانما نسبه المصنف الى الوهم ، لأنه بيع مجهول ، والبيع المجهول لا يصح ، وحمل العلامة قول الشيخ على تساوي العبدين من كل وجه.

والمعتمد البطلان وان تساويا لعدم التعيين ، وهو شرط في صحة البيع المشاهد.

قال رحمه‌الله : إذا وطئ احد الشريكين مملوكة بينهما ، سقط الحد مع الشبهة ، ويثبت مع انتفائها ، لكن يسقط منه بقدر نصيب الواطئ ، ولا يقوّم عليه بنفس الوطي ، على الأصح ، فلو حملت ، قوّمت عليه حصص الشركاء ، وانعقد الولد حرا ، وعلى أبيه قيمة حصصهم يوم ولد.

أقول : لا خلاف في سقوط الحد مع الشبهة كما لو توهم حل المشتركة وثبوت مقدار نصيب الشركاء مع انتفاء الشبهة ، وانما الخلاف في حكمين :

الأول : هل تقوم بنفس الوطي أو لا تقوم الا مع الحمل؟ بالأول قال الشيخ في النهاية ، والمشهور عدم التقويم الا مع الحمل.

الثاني : هل تقوم بقيمتها العادلة يوم التقويم أو بأكثر الأمرين من القيمة يوم التقويم والثمن الذي اشتريت به؟ المشهور الأول ، وقال الشيخ بالثاني ،

__________________

(١٧٤) من « ر ٢ ».

(١٧٥) تقدم ص ٤٤.

١١١

لرواية عبد الله بن سنان (١٧٦) ، عن الصادق عليه‌السلام : « إذا حملت تعلق بها حكم أمهات الأولاد فتقوم عليه ، لأن الاستيلاد بمنزلة الإتلاف ، لتحريم بيعها ووجوب عتقها بموت سيدها ، ولا يدخل في ملكه بمجرد الحمل ، بل بالتقويم ودفع القيمة أو الضمان مع رضاء الشريك.

فروع :

الأول : قبل التقويم هي مشتركة لهم استخدامها وعليهم نفقتها ولهم كسبها.

الثاني : لو مات قبل التقويم أخذ القيمة من تركته ولا تحسب الجارية من التركة ، لأن الاستيلاد إتلاف ، فلو ضاقت التركة اختص الشركاء بالجارية ، لأنها تباع بثمن رقبتها ، فان فضل منها شي‌ء عن حصص الشركاء كان الباقي للغرماء.

الثالث : انما يجب عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا إذا لم تقوم عليه وهي حامل ، فاذا قومت عليه قبل الولادة صارت ملكه ، فلا يجب عليه قيمة الولد ، وإذا لم تقوم حاملا كانت عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا ، ويسقط عنه قدر نصيبه منه ، وتقوم الأم حينئذ بأعلى القيم من حين الإحبال إلى حين التقويم ، ويسقط قدر نصيبه.

الرابع : لو كانت بكرا وجب عليه أرش البكارة ، وان كانت ثيبا وجب عليه المهر إذا كانت جاهلة أو مكرهة ، لا مع العلم أو المطاوعة.

الخامس : لو سقط الولد ميتالم يلزمه شي‌ء.

السادس : لو سقط بجناية جان لزم الجاني دية جنين حر (١٧٧) للأب ، وعلى الأب لشركائه دية جنين الأمة عشر قيمة أمه إلا قدر نصيبه ، ويحتمل ان لا يجب

__________________

(١٧٦) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ١٧ من بيع الحيوان ، حديث ١.

(١٧٧) في « ر ٢ » : حتى.

١١٢

على الأب شي‌ء للشركاء ، لأنهم قالوا : ( وعليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا ) ، والمعتمد الأول ، لأن وجوب الدية على القاتل يقوم مقام سقوطه حيا.

قال رحمه‌الله : المملوكان المأذون لهما ، إذا ابتاع كل منهما صاحبه من مولاه حكم بعقد السابق ، فإن اتفقا في وقت واحد ، بطل العقدان. وفي رواية يقرع بينهما ، وفي أخرى : تذرع الطريق ويحكم للأقرب ، والأول أظهر.

أقول : لا يخلو الحال من ثلاثة وجوه : اما ان يعلم السبق أو الاقتران أو يجهل الحال :

الأول : ان يعلم سبق أحدهما فيصح عقد السابق ويبطل عقد المتأخر ، لبطلان تصرفه بخروجه عن ملك مولاه.

الثاني : ان يعلم الاقتران ، وفيه ثلاثة أقوال.

« أ » : بطلان العقدين معا ، لتدافعهما ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف.

« ب » : يقرع بينهما ، وهو اختيار الشيخ وابن البراج ، لأنه أمر مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة (١٧٨).

« ج » : قول العلامة في المختلف والقواعد ، وهو ان كانا وكيلين صح العقدان ، وان كانا مأذونين كان العقدان موقوفين على الإجازة ، لأن كل واحد بطل اذنه ببيع مولاه فاذا اشترى الآخر صار كالفضولي ، فيكون عقده موقوفا ، يصح مع الإجازة ويبطل مع الرد.

الثالث : ان يشتبه الحال بمعنى عدم العلم بالسبق والاقتران ، وفيه قولان :

أحدهما : تمسح الطريق من موضع افتراقهما الى موضع سيدهما مع تساويهما بالقوة ويحكم للأقرب منهما ، ومع تساوي الطريقين يقرع ، وهو قول

__________________

(١٧٨) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ١٨ بيع الحيوان ، حديث ١.

١١٣

الشيخ في الاستبصار ، لما رواه الشيخ (١٧٩) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

والآخر البطلان ، ولجواز سبق ذي الطريق البعيدة لسرعة سعيه ، وهو مذهب العلامة.

قال رحمه‌الله : من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح ، كان له ردها على البائع ، ولو مات أحد من ورثته ، ولو لم يخلف وارثا استسعت في ثمنها ، وقيل : تكون بمنزلة اللقطة ، ولو قيل : تسلم الى الحاكم ولا تستسعى كان أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : ردها على البائع وأخذ الثمن منه ، فان مات فعلى ورثته ومع عدم الورثة يستسعى ، وهو قول الشيخ والقاضي عبد العزيز بن البراج ، والمستند رواية مسكين السمان (١٨٠).

الثاني : يكون بمنزلة اللقطة ، وهو قول ابن إدريس ، لعدم جواز دفعها الى البائع وهو يعلم انه غير مالكها ، ولا يجوز استسعاؤها وهي مملوكة الغير ، فما بقي إلا ردها الى مالكها ان عرفه ، والا عرفها كاللقطة ، أو دفعها الى حاكم المسلمين ، ويجتهد على ردها ممن سرقت منه ، لأنه الناظر في مثل ذلك.

الثالث : قول المصنف وهو ان يدفعها الى حاكم المسلمين ابتداء ولا يجوز التصرف بغير ذلك ، لأنها مال الغائب ، فيكون وليه الحاكم ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، وأما حكم الثمن ، فان كان المشتري عالما بالحال فلا رجوع مع ذهاب عينه ، وان كان جاهلا رجع به ، فان تعذر سقط ولا يجوز استسعاؤها ، لأنها مملوكة الغير ، ونفقة الجارية من كسبها ان كانت ذات كسب ، والا فمن بيت مال المسلمين.

__________________

(١٧٩) التهذيب ، ٧ : ٧٢ ، حديث ٣١٠.

(١٨٠) الوسائل ، كتاب التجارة باب ٢٣ من بيع الحيوان ، حديث ١.

١١٤

في السلف

قال رحمه‌الله : وهل ينعقد البيع بلفظ السلم ، كأن يقول : أسلمت إليك هذا الكتاب بهذا الدينار؟ الأشبه نعم ، اعتبارا بقصد المتعاقدين.

أقول : يحتمل الانعقاد ؛ لأن السلم نوع من البيع فيجوز استعماله في الجنس مجازا تبعا للقصد ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، ويحتمل العدم لعدم انتقال الملك الا بما جعله الشارع ناقلا ، ولم يثبت ان الشارع جعل هذا اللفظ ناقلا لغير هذا النوع المخصوص به ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى عدم جواز استعمال السلم إلا مع ذكر الأجل.

قال رحمه‌الله : ولو شرط الأجود ، لم يصح لتعذره ، وكذا لو اشترط الأردأ ، فلو قيل في هذا بالجواز ، كان حسنا لإمكان التخلص.

أقول : أما عدم جواز اشتراط الأجود ؛ لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود منه فيحصل الجهالة لعدم الضبط ، وهذا لا خلاف في عدم جوازه ، وأما لو شرط الأردى فقد قال الشيخ : لا يصح للجهالة أيضا ؛ لأن الأردى لا يضبط بالوصف كالأجود. واستحسن المصنف الجواز لا مكان التخلص ؛ لأنه إذا دفع أجود من

١١٥

المشترط وجب القبول فبأي صفة دفع كان أجود من المشترط ، والمعتمد البطلان.

قال رحمه‌الله : وفي الجلود تردد ، وقيل : يجوز مع المشاهدة وهو خروج عن السلم.

أقول : القول بالجواز مع المشاهدة قول الشيخ في النهاية وقول ابن البراج في الكامل ، وعدم الجواز مذهب ابن إدريس واختاره العلامة ؛ لأن الجلود لا يمكن ضبطها بالوصف لاختلاف خلقها.

واحتج المجوزون بأصالة الصحة ، وعموم الآية (١٨١) ، ولهم عليه روايات (١٨٢) ، والعمل به ينافي حقيقة السلف ، لأنه بيع مضمون إلى أجل معلوم ، والمشاهد ليس كذلك.

قال رحمه‌الله : ويجوز في شاة معها ولدها : وقيل : لا يجوز ، لأن ذلك مما لا يوجد إلا نادرا ، وكذا التردد في جارية حامل لجهالة الحمل.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : في جواز الإسلاف في شاة معها ولدها ، والمراد ان يكون منفصلا عنها ، قال الشيخ : لا يجوز ، لعدم إمكان ضبط الولد بالوصف ، لإمكان ان لا تلد كذلك وهو مما يعز وجوده.

والجواز مذهب المصنف والعلامة وفخر الدين ، لأصالة الصحة ، وإمكان وجوده على الصفات المذكورة في العقد.

الثانية : في جواز الإسلاف في شاة حامل أو جارية كذلك ، قال الشيخ وابن الجنيد : انه مجهول لا يمكن ضبطه بالوصف ، والمعتمد الجواز ؛ لأن الحمل تابع لا يضر جهالته ، والا لما جاز بيع الحبلى نقدا ، فلو كانت جهالة الحمل مانعة منعت

__________________

(١٨١) البقرة : ٢٧٥.

(١٨٢) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٤ من السلف ، حديث ٧.

١١٦

في الموضعين.

قال رحمه‌الله : وفي الإسلاف في جوز القز تردد.

أقول : منشؤه من ان القز فيه دود ان كان حيا أفسده ؛ لأنه يقرضه ويخرج ، وان كان ميتا فالميتة لا يجوز بيعها ، ومن ان الدود غير مقصود في البيع ، فلا فرق بين ان يكون حيا أو ميتا ؛ لأصالة الصحة ، ولا بد أن يشترط كونه طريا أو يابسا ، والأول مذهب الشيخ ، والثاني مذهب العلامة.

قال رحمه‌الله : ولو شرط ان يكون من الثمن من دين عليه ، قيل : يبطل ، لأنه بيع دين بمثله ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف والشهيد في دروسه ، لما قاله المصنف : ( من انه بيع دين بمثله ) ، وقيل بالكراهة ، واختاره المصنف ، لأن ما في الذمة مقبوض وبيع الدين بالدين المنهي عنه عند المصنف هو ما كان في ذمتين غير ذمتي المتبايعين ، أما ما كان في ذمتي المتبايعين لا يكون بيع دين بدين ، واختاره العلامة في التحرير.

ولو لم يعينه من الدين بل جعله موصوفا في الذمة ثمَّ حاسبه بعد العقد في المجلس صح على ما اختاره في القواعد ، ويلزمه ان العقد وقع على دين بدين ، فيشكل صحته.

قال رحمه‌الله : وهل يجوز الإسلاف في المعدود عدّا؟ الوجه لا.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ ، والجواز مذهب ابن الجنيد ، وفصل العلامة ، قال : ان كان مما يتفاوت يسيرا كالجوز واللوز جاز وزنا وعددا ، وان كان يتفاوت كثيرا كالبطيخ والبيض والباذنجان لا يجوز إلا وزنا ، واختاره الشهيد ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو اشتراه حالا ، قيل : يبطل ، وقيل : يصح ، وهو المروي.

١١٧

أقول : قد تقدم (١٨٣) البحث في هذه ، ويكون بيعا بلفظ السلم.

قال رحمه‌الله : ولو قال الى شهرين فان كان في أول الشهر ، عد شهرين اهلة ، وان أوقع العقد في أثناء الشهر ، أتم من الثالث بمقدار الفائت من شهر العقد ، وقيل : يتم ثلاثين يوما ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : إتمام الناقص بقدر الفائت من شهر العقد ، فان كان وافيا أتمه ثلاثين ، وان كان ناقصا أتمه تسعة وعشرين ، وقواه الشيخ بحصول إتمام الشهر باستثناء ما فات منه.

الثاني : عد المنكسر ثلاثين سواء كان ناقصا أو تماما ، لأن الشهر اما عدة بين الهلالين أو ثلاثين يوما ، والأول قد تعذر ، فيتعين الثاني.

الثالث : عد الجميع ثلاثين ثلاثين ، لأن الأول قد انكسر ولا يعقل دخول الثاني حتى يكمل الأول ، فيجب ان يكون إكماله مما يليه فينكسر الثاني ، وهكذا فينكسر الجميع ، فيجب إتمام الجميع ثلاثين ثلاثين.

والعمل على الأوسط من الأقوال ، ويلفق اليوم إذا وقع العقد في أثنائه ، بأن يأخذ من يوم آخر بقدر ما فات من يوم العقد ، ولا عبرة بقصر اليوم وطوله للتسامح بمثل ذلك.

قال رحمه‌الله : ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه ، ولو كان في حمله مئونة.

أقول : اشترط الشيخ في المبسوط والخلاف ذكر موضع التسليم إذا كان في حمله مئونة ، ولم يشترط في النهاية غير ذكر الجنس والوصف والأجل ، وهو يدل على عدم اشتراط ذكر موضع التسليم ، ولم يشترطه ابن إدريس ، واختاره

__________________

(١٨٣) ص ١١٥.

١١٨

المصنف ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الاشتراط ، ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١٨٤) وعموم ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١٨٥) ، ولاقتضاء العقد التسليم في بلد العقد ، فلا يفتقر الى ذكر الموضع.

واحتج المشترطون بأن مع ذكر موضع التسليم يقطع بصحة العقد ، ومع عدمه لا دليل على صحته ، وقال العلامة : ان كان في برية أو بلد ليس قصدهما الاجتماع فيه ، وجب ذكر موضع التسليم ، لأنه لا يمكن التسليم في موضع العقد وليس أحد الأمكنة أولى من الآخر ، فاذا لم يذكر موضع التسليم أفضى إلى الجهالة والتنازع ، وان كان العقد في موضع هما مجتمعان فيه لم يجب ذكر موضع التسليم ، لاقتضاء العقد وجوبه في بلد العقد فلا يجب ذكره ، هذا مذهب العلامة في القواعد والمختلف ، وفي التحرير لم يشترطه وان كانا في برية ، فعلى هذا يجب التسليم في بلد البائع ، لأصالة البراءة ذمته من وجوب حمله الى غير بلده ، ولو اشترطه في موضع غير بلد العقد وجب اتباع الشرط ، ومذهب القواعد هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا اشترى كرا من طعام بمائة ثمَّ اشترط تأجيل خمسين ، بطل في الجميع على قول.

أقول : لا يجوز كون الثمن مؤجلا في السلف ، لعدم جواز بيع الدين بالدين ، فاذا اشترط تأجيل البعض احتمل البطلان في الجميع ، لجهالة ما يقابل المقبوض ، ويحتمل الصحة ثمَّ يوزع فيما بعد ، كما لو اشترى سلعتين بعقد واحد ثمَّ استحق أحدهما.

وعلى القول بالصحة والتقسيط يثبت الخيار لتبعيض الصفقة عليهما.

__________________

(١٨٤) المائدة : ١.

(١٨٥) البقرة : ٢٧٥.

١١٩

قال رحمه‌الله : ولو دفع خمسين ، وشرط الباقي في دين على المسلم إليه ، صح فيما دفع ، ويبطل فيما قابل الدين ، وفيه تردد.

أقول : سبق (١٨٦) البحث في هذه.

قال رحمه‌الله : يجوز بيع الدين بعد حلوله ، على الذي عليه وعلى غيره ، فإن باعه بما هو حاضر ، صح وإن باعه بمضمون حال ، صح أيضا ، وان اشترط تأجيله ، قيل : يبطل ، لأنه بيع دين بدين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : البطلان مذهب ابن إدريس ، لأنه بيع الدين بالدين كما قاله المصنف ، واختاره العلامة في المختلف والشهيد في الدروس ، وقال الشيخ في النهاية : انه مكروه ، واختاره المصنف ، لأصالة الصحة ، ولأن بيع الدين بالدين المنهي عنه هو ان يبيعه دينا في ذمة زيد بدين في ذمة عمرو ، وهذا ليس كذلك ، والأول أحوط.

واما الدين المؤجل فقد جوز ابن إدريس بيعه على من هو عليه ومنع من بيعه على الغير ، وجوزه العلامة في المختلف مطلقا على من هو عليه وعلى غيره ، لأصالة الجواز ، وفي التحرير منع من بيعه مطلقا ، واختاره صاحب الدروس ، الا انه عكس مذهب ابن إدريس سهوا ، لأنه قال : قال ابن إدريس : لا خلاف في تحريم بيعه على من هو عليه ، ويلزم بطريق التنبيه تحريمه على غيره ، وجوز الفاضل بيعه على من هو عليه فيباع بالحال ، هذا كلامه رحمه‌الله.

وهو سهو ، لأن مذهبه العكس ، وهذه عبارته : الدين لا يخلو إما ان يكون حالا أو مؤجلا ، فإن كان مؤجلا فلا يجوز بيعه بغير خلاف على غير من هو في ذمته ، وان كان حالا فلا يجوز بيعه بالدين بدين آخر لا ممن هو عليه ولا من غيره بغير خلاف أيضا ، هذا كلامه رحمه‌الله.

__________________

(١٨٦) ص ١١٩.

١٢٠