غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

واختار المصنف عدم القبول ، وجزم به العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه وان لم يشارك في المقبوض ، فإنه يستفيد في هذه الشهادة اختصاصه بالباقي في ذمة المشتري ، فقد جرّ فيها نفعا ، وكل شهادة جرت نفعا فهي مردودة.

قال رحمه‌الله : ولو باع اثنان عبدين كل واحد منهما بانفراده صفقة ، بثمن واحد من تفاوت قيمتهما ، قيل : يصح ، وقيل : تبطل ، لأن الصفقة تجري مجرى عقدين ، فيكون ثمن كل واحد منهما مجهولا.

أقول : القائل بالبطلان الشيخ رحمه‌الله ، لأن ثمنهما يسقط على قدر قيمتهما ، وذلك مجهول حالة العقد. وقيل بالصحة ، واختاره العلامة وهو المعتمد ، لأن كونهما في حكم العقدين لا يقتضي كونهما عقدين ، بل العقد واحد ، ولهذا لو فسخ البيع في أحدهما لم يجز أخذ الآخر ، وهو يدل على ان العقد واحد ولو كانا عقدين كان له رد أحدهما وإمساك الآخر ، وليس كذلك.

٢٤١
٢٤٢

كتاب المضاربة

٢٤٣
٢٤٤

في العقد

قال رحمه‌الله : ولو شرط ان يشتري أصلا يشتركان في نمائه ، كالشجر أو الغنم ، قيل : يفسد ؛ لأن مقتضاه التصرف في رأس المال ، وفيه تردد.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط ، وتابعه ابن إدريس وتردد المصنف ، من ان المضاربة هي الاسترباح بالمال بالبيع والشراء ، وهذا الشرط مناف لها ، وكل شرط نافى العقد فهو باطل فتبطل المضاربة ، وهو المعتمد.

ومن أصالة الجواز ، ولحصول النماء المتجدد بسبب سعي العامل ، إذ لو لا شراءه لما حصل ذلك النماء ، ولكونه شرطا سائغا ، فيكون صحيحا.

قال رحمه‌الله : وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد ؛ لأن سفره لأجل مال المضاربة ، فكانت نفقته من أصله ، ولما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام « قال : في المضاربة ما أنفق في

٢٤٥

سفره فهو من جميع المال ، فاذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه » (١).

وقال في المبسوط : ان نفقته من خاصته دون مال القراض ؛ لأنه دخل على ان يكون له من الربح سهم معلوم ، فليس له أكثر من ذلك ؛ لأنه ربما لم يربح سوى ذلك القدر.

قال رحمه‌الله : ولو كان لنفسه مال غير مال القراض ، فالوجه التقسيط.

أقول : هذا تفريع على وجوب النفقة من مال القراض ، ووجه كون سفره لأجل المالين ، فتكون النفقة عليهما بالحصص ، ويحتمل كون النفقة عليه خاصة ، كما ذكره عميد الدين رحمه‌الله.

قال العلامة في القواعد : ونفقة الحضر على نفسه ، وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، ولو كان معه غيره قسط ، ويحتمل مساواة الحضر واحتساب الزائد على القراض.

وقد اختلف الشارحان في تأويل الاحتمال ، فعميد الدين رحمه‌الله جعله مختصا في المسألة الثانية ، وهي قوله : ( ولو كان معه غيره قسط ) ، قال بعد ان ذكر وجه التقسيط : ويحتمل مساواته للحضر ، لأنه لم يسافر للقراض وانما سافر في تجارته ، وأراد ان يزداد في الربح فأخذ مال القراض من غيره مستصحبا ، إذ السفر لأجله فكانت نفقة في خاصته ، كما لو كان حاضرا ، ويحتمل ان ينفق من مال القراض ما زاد عن نفقة الحضر ، لأنه مشغول بمصلحته كما لو كان حاضرا ، وانما لزمه بسبب السفر القدر الزائد عن نفقة الحضر ، فكان إنفاق ذلك القدر لا غير من مال القراض. إلى هنا كلامه رحمه‌الله ، حمل الاحتمال على المسألة الثانية دون الاولى.

وفخر الدين حمل الاحتمال على المسألة الأولى ، لأنه قال : البحث هنا في

__________________

(١) الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب ٦ ، حديث ١ ، باختلاف يسير.

٢٤٦

مقامين : الأول : هل نفقة العامل في السفر للتجارة على مال القراض أو على نفسه؟ ثمَّ ذكر قولي الشيخ رحمه‌الله ، ثمَّ قال : المقام الثاني : على القول بوجوب النفقة على مال القراض ، هل يستحق كمال النفقة ، أو ما زاد بسبب السفر؟

اختار والدي المصنف الأول ، جعل الاحتمال عائدا إلى الأول ، وهو انسب ، وعليه دلت عبارة التحرير ، لأنه قال فيه : وعلى ما اخترناه هل يأخذ كمال النفقة من مال القراض أو الزائد على نفقة الحضر؟ الأقرب الأول ، وقوى الشيخ الثاني على تقدير القول بالنفقة. هذا كلامه في التحرير ، وهو موافق لاختيار فخر الدين وهو أنسب الى الأصل ، وكلام عميد الدين أنسب إلى متن القواعد.

تنبيه : المراد بالنفقة نفقة أمثاله من المأكول أو المشروب والملبوس والمركوب ، من غير إسراف ولا تقتير ، فلو أسرف حسب عليه ، ولو قتر لم يحسب له.

والمراد بالسفر هو السفر العرفي سواء أوجب القصر أو لم يوجب كما لو وصل ملكا استوطنه ستة أشهر ، أو نوى الإقامة عشرا وهو مشغول بالبيع والشراء ، أما لو انقضى بيعه وشراؤه لم يتأخر الرجوع الى بلده لعارض فان نفقته تكون على نفسه والا لزم تضرر المالك لاحتمال طول المدة بسبب العارض بحيث يستغرق جميع المال بالنفقة.

فرع : إذا رجع الى بلده سقطت النفقة عن مال القراض ، فلو بقي عليه ثياب من مال القراض لها قيمة ردت الى مال القراض ، وله ان يأخذ نفقة كل يوم من مال القراض ثمَّ ينفق من غيره ويستقر ملكه على ذلك ، كما لو دفع الى زوجته نفقة فقبضتها وأنفقت من غيرها ، لأنه يستحق النفقة في هذا المال ، فله أخذها ولا يتعين عليه الإنفاق ، بل له ان ينفق من غيرها ، ويملك ما أخذه كالزوجة.

٢٤٧

ولو لم يميز النفقة من مال القراض ثمَّ أنفق على نفسه من خاصته (٢) على أن يرجع بما أنفقه على مال القراض ، فله ذلك ، كالزوجة إذا أنفقت على نفسها بنية الرجوع ، لأن النفقة حق للعامل تعلقت في مال القراض فله أخذه متى شاء ما لم يسقطه ، جزم بذلك في القواعد.

__________________

(٢) في « ن » و« ر ٢ » : خاصة.

٢٤٨

في مال القراض

قال رحمه‌الله : وفي القراض بالنقرة تردد.

أقول : قال صاحب الصحاح : النقرة هي السبيكة ، قال الشهيد : وربما كانت في عرف الفقهاء هي الدراهم المضروبة من غير سكة ، فيكون التردد عائدا إلى عرف الفقهاء ، فيكون منشؤه من أصالة الجواز ، ولأنها مما يتعامل بها كالمنقوشة بسكة المعاملة ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٣) ، ومن الاقتصار على مورد الشرع ، وهو لم يثبت إلا في المنقوشة.

وعلى القول بأن المراد بالنقرة السبيكة يكون منشؤه من انها تضمن بالقيمة فهي كالثوب ، ومن كونها أصلا للدراهم فتصح بها كما تصح بالدراهم ، والى هذا المعنى ذهب صاحب الترددات ، والأول أحسن ، والمعتمد عدم الجواز على التعريفين.

قال رحمه‌الله : ولا يكفي المشاهدة ، وقيل : يصح مع الجهالة ، ويكون

__________________

(٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٠ من أبواب المهور ، حديث ٤. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب ٥ من أبواب الخيار ، حديث ٧.

٢٤٩

القول قول العامل مع التنازع في قدره.

أقول : للشيخ في ذلك قولان أحدهما البطلان مع جهالة رأس المال ، وهو قوله في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه لحصول الغرر ، وإفضائه إلى التنازع ، وهو المعتمد.

ونقل في المبسوط عن قوم الصحة ويكون القول قول العامل ثمَّ قواه ، واختاره العلامة في المختلف ، لأصالة الجواز ، ولقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٤).

__________________

(٤) المصدر المتقدّم.

٢٥٠

في الربح

قال رحمه‌الله : ويلزم الحصة بالشرط دون الأجرة على الأصح.

أقول : المشهور بين الأصحاب ان للعامل ما شرطه من الربح نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل أو أكثر إذا بقي للمالك شي‌ء ، ذهب اليه الشيخ في الخلاف والاستبصار وابن حمزة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) وهذا عقد ، وقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولهم عليه روايات (٦).

وقال الشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج : يكون له الأجرة ، لأن النماء تابع للأصل فيكون الربح للمالك ، كما ان الأصل له وعليه الأجرة ، ولأنها معاملة فاسدة ، لجهالة العوض ، فتبطل ، ويكون الربح بأجمعه لصاحب المال ، وعليه الأجرة للعامل.

قال رحمه‌الله : ولا بد أن يكون الربح مشاعا ، فلو قال : خذه قراضا والربح في فسد ، ويمكن أن يجعل بضاعة نظرا الى المعنى ، وفيه تردد ، وكذا التردد لو قال :

__________________

(٥) المائدة : ١.

(٦) الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب ٣.

٢٥١

والربح لك.

أقول : منشؤه التردد في الصورتين من ان عقد القراض يقتضي المشاركة في الربح ، فاذا اختص بأحدهما دون الآخر احتمل البطلان ، لأنه شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، فيكون للعامل الأجرة والربح للمالك ، ويحتمل جعله (٧) بضاعة مع اختصاص المالك بجميع الربح نظرا الى المعنى ، وجعله قراضا مع اختصاص العامل بالجميع نظرا الى المعنى أيضا ، والمعتمد انه إن دخل على ان الربح كله للمالك لم يكن له اجرة ، لأنه دخل على ذلك ، فكان متبرعا بالعمل فلا اجرة له ، وإن دخل على أنه له كله ، كان له الأجرة خاصة لفساد العقد.

قال رحمه‌الله : ولو شرط لغلامه حصة معهما صح ، عمل الغلام أو لم يعمل ، ولو شرط الأجنبي وكان عاملا صح ، وإن لم يكن عاملا فسد ، وفيه وجه آخر.

أقول : المراد بالغلام هنا المملوك ، والمراد بالأجنبي ما عداه وان كان رحما كالولد والوالد ، وواجب النفقة كالزوجة ، ووجه الصحة في الغلام ان جميع ما للمملوك فهو لمالكه ، فالاشتراط له كالاشتراط لنفسه.

واما الأجنبي إذا لم يكن عاملا فلا يجوز الاشتراط له ، لأنه لا مال له ولا عمل ، وعقد المضاربة يقتضي اختصاص الربح فيهما ، فاذا اشترط لغيرهما كان مخالفا لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وهذا هو المعتمد.

ويحتمل الجواز لكونه شرطا سائغا ، فيدخل تحت قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٨).

__________________

(٧) في « ر ٢ » : ان يكون.

(٨) تقدم ص ٢٤٩.

٢٥٢

في اللواحق

قال رحمه‌الله : وقوله مقبول في التلف ، وهل يقبل في الرد؟ فيه تردد ، أظهره أنه لا يقبل.

أقول : عدم القبول الا مع البينة هو المشهور وهو المعتمد ، لأنه مدع ، وقال في المبسوط بالقبول ، وكأن وجهه كونه أمينا كالمستودع ، والفرق ظاهر ، فان المستودع قبض المال لمصلحة المودع خاصة ، والعامل قبضه لمصلحتهما.

قال رحمه‌الله : إذا اشترى من يعتق على رب المال فان كان بإذنه صح وانعتق ، فإن فضل من المال عن ثمنه شي‌ء كان الفاضل قراضا ، ولو كان في العبد المذكور فضل ، ضمن رب المال حصة العامل من الزيادة ، والوجه الأجرة ، وإن كان بغير إذنه ، وكان الشراء بعين المال ، بطل ، وإن كان في الذمة وقع الشراء للعامل ، إلا أن يذكر رب المال. ولو كان المال لامرأة ، فاشترى زوجها ، فإن كان بإذنها ، بطل النكاح ، وإن كان بغير إذنها ، قيل : يصح الشراء ، وقيل : يبطل ، لأن عليها في ذلك ضررا ، وهو أشبه إذا اشترى العامل أباه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

٢٥٣

الأولى : ان يشتري العامل أبا رب المال ، ولا يخلو إما ان يكون الشراء بإذنه أو بغير إذنه ، فان كان بإذنه صح الشراء وعتق وبطلت المضاربة بمقدار الثمن.

وقال الشيخ : ان كان فيه ربح ضمن المالك حصة العامل من الربح ، وان لم يكن فيه ربح فلا شي‌ء له ، ووجهه ان المضاربة تبطل بالانعتاق لتلف المال بإذن المالك وأن العامل يملك حصته من الربح بالظهور ، فيكون شريكا للمالك بتلك الحصة ، وحصة المالك قد عتقت باختياره ، فيشتري عليه حصة العامل ويضمن له قيمتها ، فأما مع عدم ظهور الربح فقد أتلف المالك مال المضاربة ولا ربح فيه ، فلا شي‌ء للعامل ، لأنه لا نصيب له في غير الربح.

واختار المصنف وجوب الأجرة للعامل ، واختاره العلامة أيضا ، وهو المعتمد ، لبطلان المضاربة بالشراء المأذون فيه ، فيكون له الأجرة ، لأنه لم يتبرع بالعمل.

وان كان الشراء بغير اذنه فلا يخلو اما ان يكون بالعين أو بالذمة ، فإن كان الشراء بالعين بطل ، لأنه دفع اليه المال ليشتري له ما يربح فيه وينتفع به ، وهذا الشراء يستضر به لتلف ماله به ، فلا يكون لازما ، لكونه غير مأذون فيه ، ويكون موقوفا على الإجازة على الصحيح من المذهب.

وان كان بالذمة فلا يخلو اما ان يذكر رب المال أو لا يذكره ، فان ذكره كان موقوفا على إجازته ، فان اجازه والا بطل ، فلو ادعى البائع الاذن في الشراء كان القول قول المالك ، وان لم يذكر رب المال كان الشراء للعامل ظاهرا ولا يقبل دعواه القصد انه للمالك.

فرع : إذا اشترى أبا المالك بغير اذنه ، وهو جاهل في النسب بينهما أو جاهل في الحكم ـ أي لا يعلم انه ينعتق على المالك ـ احتمل الصحة وكان حكمه كما لو اذن له في الشراء ، لأن عقد المضاربة اقتضى شراء ما يرجو في الربح ، وهو

٢٥٤

هنا كذلك ، فيقع صحيحا وينعتق على المالك ويكون كما لو امره ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، لأنه غير مكلف بالعلم بكيفية نسب كل رقيق يشتريه وربما تعذر ذلك.

ويحتمل البطلان لظهور التضرر بهذا العقد الموجب لتلف جميع ما يضمنه من المال ، إذ لو اشترى بأكثر من ثمن المثل كان باطلا ، لتلف بعض المال في غير مصلحة ، فيكون بطلانه بتلف الجميع أولى.

الثانية : إذا كان رب المال امرأة ولها زوج مملوك فاشتراه العامل ، فان كان بإذنها صح الشراء ، وملكته وانفسخ النكاح وكان من مال القراض ، وإن كان بغير إذنها ، فإن اشتراه بعين المال ، ففيه قولان :

أحدهما : البطلان ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لأن عقد المضاربة اقتضى أن يشتري العامل ما ليس فيه ضرر على رب المال ، وهذا فيه ضرر ، لانفساخ نكاحها بملكها لزوجها وسقوط مهرها ونفقتها فلا يكون صحيحا.

وقيل بالصحة ، لأن القصد من القراض ان يشتري ما يحصل فيه الربح ، وربما كان الربح حاصلا في هذا العبد فيكون الشراء صحيحا والمعتمد وقوفه على الإجازة ، وان كان الشراء بالذمة كان موقوفا على إجازتها ان كان ذكر ان الشراء لها ، والا كان كما قلناه في شراء القريب.

وعلى القول بالصحة من غير افتقار إلى إجازتها يكون العامل ضامنا لمهرها مع علمه بالزوجية والحكم.

الثالثة : ان يشتري العامل أبا نفسه ، فان لم يكن فيه ربح صح الشراء قطعا لعدم المانع حينئذ ، فإنه في الحقيقة كالوكيل عن المالك ، ولا خلاف في جواز شراء القريب للغير ، لعدم دخوله في ملك المشتري.

ثمَّ ان ظهر فيه ربح بعد الشراء ، فان قلنا ان العامل لا يملك حصته بعد

٢٥٥

الربح الا بعد الإنضاض والقسمة كانت المضاربة بحالها ، وان قلنا انه يملك بالظهور ملكا متزلزلا عتق عليه حصته ، واختاره العلامة ، لأن الشراء به انما يكون مع الملك الاختياري وهذا لم يملك باختياره ، لأن الملك تجدد بعد العقد بسبب زيادة السعر ولا اختيار له في الزيادة ، ويحتمل التقويم مع اليسار ، لأنه اختار السبب ـ وهو الشراء ـ واختيار السبب يجري مجرى اختيار المسبب وهو الملك.

وان كان فيه ربح حالة الشراء ، فان قلنا : انه لا يملك بالظهور صح الشراء قطعا أيضا ، وان قلنا انه يملك ، فالأقرب الصحة أيضا ، لأنه لا ضرر على المالك ، لأنه ان كان العامل موسرا سرى العتق وأخذ حصته منه ، وان كان معسرا ، فحصة المالك باقية على الرق فلا مانع من صحة الشراء.

ويحتمل عدم الصحة ، لأنه يؤدي الى زوال الملك عن المالك قهرا : وهو مخالف للتجارة ، والمصنف أطلق صحة الشراء ووجوب السعي على العبد مع ظهور الربح ، لاختصاص النص (٩) الوارد في السراية بالعتق ، ولأصالة براءة الذمة من اشتغالها بحق للغير ما لم يتحقق السبب الشاغل ، وهو هنا غير متحقق.

قال رحمه‌الله : إذا فسخ المالك صح ، وكان للعامل أجرة المثل الى ذلك الوقت ، ولو كان بالمال عروض ، قيل : كان له أن يبيع ، والوجه المنع ، ولو ألزمه المالك ، قيل : يجب أن ينضّ المال ، والوجه أنه لا يجب وإن كان سلفا كان عليه جبايته ، وكذا لو مات رب المال وهو عروض كان للعامل البيع إلا أن يمنعه الوارث ، وفيه قول آخر.

أقول : هنا أربع مسائل :

الأولى : في استحقاق العامل للأجرة مع فسخ المالك قبل ظهور الربح ، والمصنف جزم بالاستحقاق ، واستشكله العلامة في القواعد والتحرير ، من أنه

__________________

(٩) الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب ٨ ، حديث ١.

٢٥٦

رضي بالعمل في مقابل الربح ولم يحصل ، فليس له شي‌ء ، والفسخ حصل بإذن الشارع ، لجواز العقد ، فلا ضمان على المالك.

ومن انه عمل عملا محترما غير متبرع ، ولم يسلم له عوضه ـ وهو حصول الربح بسبب الفسخ الصادر من المالك ـ فكان له اجرة مثل ذلك العمل ، واختاره فخر الدين.

الثانية : إذا فسخ وبالمال عروض ، وطلب العامل بيع العروض ، هل يجب على المالك اجابته؟ قال الشيخ : للعامل ان يبيع ، سواء ظهر ربح أو لا ، لجواز ان يرغب فيه من يشتريه بربح. وقال المصنف : الوجه المنع ، وأطلق.

وذهب العلامة في القواعد إلى إجبار المالك على الإجابة مع ظهور الربح ووجود من يشتريه بربح ، ثمَّ استشكل ذلك من انه إذا انفسخ العقد لم يجبر المالك على تمكين الغير من بيع ماله ، ومن انه يملك حصته من الربح بالظهور ، ولا يتحقق إلا بالبيع فالمنع منه إضرار بالعامل ، وهو غير جائز ، وهذا هو المعتمد ، الا ان يقوّم المالك العروض على نفسه ثمَّ يدفع حصة العامل من الربح اليه ، فيمنع من البيع حينئذ لوصول حقه إليه.

الثالثة : إذا ألزمه المالك بالبيع بعد الفسخ ، هل يجب عليه ذلك أم لا؟ فنقول : فان كان فيه ربح ولم يسقط حقه منه وجب عليه البيع قطعا ، اما إذا لم يكن فيه ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه ، فإنه يحتمل عدم وجوب البيع عليه ، لأنه انما يجب عليه البيع مع بقاء عقد المضاربة ، أو فسخه مع ظهور الربح ليتوصل الى حقه ، فمع انتفائها لا يجب عليه ، وهو اختيار المصنف ، ويحتمل الوجوب ، لأنه أخذ المال ناضّا ، فيجب عليه ان يرده كما أخذه ، ولأن في رده الى تلك الحالة مئونة على المالك لا يجب عليه دفعها ، وهو مذهب الشيخ رحمه‌الله ، واختاره العلامة في القواعد.

٢٥٧

الرابعة : إذا مات رب المال وهو عروض انفسخ القراض وكان للوارث مطالبة العامل بالانضاض ، وهل له البيع وان كره الوارث؟ قال المصنف : ( وله البيع الا ان يمنعه الوارث ، وفيه قول ).

قال صاحب الترددات : ان القول يمكن ان يقال : انه يمنع من البيع لانفساخ المقارضة بالموت الا مع اذن الوارث. وهو غلط ، لأن هذا هو مذهب المصنف الذي ذكره ، لأنه قال : ( وله البيع إلا أن يمنعه الوارث ) ، والقول الذي أشار إليه المصنف هو ان له البيع وان منعه الوارث ، فهو ضد ما اختاره ، إذ لو كان القول هو الذي اختاره كان قال : ( على قول ) ، لأن المصنف إذا قال : ( على قول ) كان مذهبه ذلك القول ، وإذا قال : ( وفيه قول ) كان مذهبه ضد ذلك ، وهذا مما ليس يشتبه على من له ادنى تحصيل.

والمصنف بنى هذه المسألة على مذهبه ، من انه إذا انفسخ القراض وفيه عروض لا يجب على المالك اجابة العامل الى البيع ، والقول المشار اليه ، قول الشيخ رحمه‌الله بناء على مذهبه أيضا من وجوب اخبار المالك على الإجابة ، كما حكيناه عنه في المسألة الثانية وذكرنا الوجه في ذلك.

والوجه في هذه المسألة ان الفسخ بالموت ليس أبلغ من فسخ المالك فكما يجبر المالك على اجابة العامل الى البيع ، فكذا يجبر الوارث ، وهو المعتمد ، مع ظهور الربح أو وجود من يشتريه بربح.

قال رحمه‌الله : وإن كان بغير اذنه لم يصح القراض الثاني ، فإن ربح كان نصف الربح للمالك والنصف الآخر للعامل الأول وعليه أجرة الثاني ، وقيل : للمالك أيضا ، لأن الأول لم يعمل ، وقيل : بين العاملين ويرجع الثاني على الأول بنصف الأجرة ، والأول أحسن (١٠).

__________________

(١٠) في الشرائع : حسن.

٢٥٨

أقول : إذا قارض العامل غيره بغير اذن المالك بطل القراض الثاني ؛ لأن المالك لم يرض بنظر غير العامل ، فان عمل الثاني ولم يربح شيئا أخذ المالك المال ولا بحث.

وان ربح شيئا ، فقد ذكر المصنف فيه ثلاثة أقوال ، والثلاثة ذكرها الشيخ رحمه‌الله :

الأول : ان نصف الربح للمالك والنصف الآخر للعامل الأول ، وعليه أجرة الثاني ، ووجهه ان المالك دخل على ان يكون له نصف الربح فلا يستحق أكثر من ذلك ، والعامل الثاني اشترى للأول ، فكان الربح له وعليه للثاني أجرة عمله ؛ لأنه بذل منفعة على عوض ولم يسلم له العوض فكان له الأجرة.

الثاني : ان النصف الآخر للمالك أيضا ؛ لأن العامل الأول لا مال له ولا عمل ، فلا يستحق شيئا والثاني تصرف تصرفا غير مأذون فيه ، فلا يستحق شيئا أيضا ، فيكون الجميع للمالك.

الثالث : النصف بين العاملين ، ويرجع الثاني على الأول بنصف أجرته ، ووجهه ان الثاني دخل على ما رزق الله من ربح فهو بينهما ، والذي رزق الله هو هذا النصف ، ووجه رجوع الثاني على الأول بنصف أجرته ؛ لأنه بذل منفعة تقابل نصف الجميع ولم يحصل له غير النصف فيرجع بأجرة النصف.

والمعتمد ان نقول : لا يخلو اما ان يشتري بعين المال أو في الذمة ، فإن كان الأول ، فلا يخلو اما ان يكون الثاني عالما بالفساد أو لم يكن ، فان كان عالما كان العقد عقد فضول للمالك اجازته وفسخه ، ولا أجرة لعدم الغرر ، وان كان جاهلا كان له الأجرة على العامل الأول ؛ لأنه غرّه ، وان كان الشراء في الذمة كان الربح كله للعامل الثاني ؛ لأنه اشترى في ذمته فيكون الملك له ، الا ان يذكر القراض في العقد فيكون له النصف ، وللمالك النصف فان تلف المال رجع المالك على من شاء

٢٥٩

منهما ، فان رجع على الأول رجع الأول على الثاني مع علمه ؛ لأن التلف حصل في يده ، وان رجع على الثاني رجع على الأول مع جهله ؛ لأنه غرّه.

قال رحمه‌الله : إذا تلف مال القراض أو بعضه ، بعد دورانه في التجارة ، أحتسب التالف من الربح ، وكذا لو تلف قبل ذلك ، وفي هذا تردد.

أقول : إذا تلف بعد دورانه في التجارة كان التالف محسوبا من الربح إجماعا ؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فان قيل اما مع تلف البعض فإنه يقتدر أنه يبقى ربح يجبر به رأس المال ، فمع تلف الجميع كيف يتقدر ذلك؟!

فانا نقول : يتقدر ذلك كما لو ظهر في مال القراض ربح ثمَّ تلف مقدار رأس المال وبقي مقدار الربح ، فان ذلك الربح يصير رأس المال ، والتالف هو الربح.

أما إذا تلف رأس المال أو بعضه قبل دورانه في التجارة ، أي قبل ان يشتري به ما لا للقراض ، فقد تردد المصنف في انه هل يحسب ذلك من الربح أم لا؟ ومنشأ التردد من ان عقد القراض اقتضى ان لا يكون للعامل شي‌ء من الربح إلا بعد رأس المال ، فيجب أن يكون التالف محسوبا من الربح ؛ لأن العامل دخل على ذلك.

ومن ان المال إذا تلف قبل دورانه في التجارة يكون قد تلف عين رأس المال ، وإذا تلف عين رأس المال انفسخ القراض فيه ، فلا يكون محسوبا من الربح ويتقدر ذلك كما لو اذن له بالشراء في الذمة فاشترى كذلك ثمَّ تلف المال قبل دفعه الى البائع ، فهنا يجب على رب المال ان يدفع اليه الثمن ثانيا ؛ لأن الشراء وقع له بإذنه كالوكيل ، فيجب عليه نقد ثمنه.

فعلى الأول يكون الجميع رأس المال ، وعلى الثاني يكون رأس المال هو الأول.

واعلم ان الأصحاب اختلفوا هنا ، قال الشيخ في المبسوط : إذا دفع إليه ألفا

٢٦٠