غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

الورثة الوصية لم تثمر الإجازة ملكا إجماعا ، فدل على ان الوصية الثانية ليست رجوعا عن الاولى ، والا لم تفد الإجازة سببا. هذا إذا لم تحصل قرينة دالة على الرجوع مثل ان يقول : ( أعطوا عمروا الثلث الذي أوصيت به لزيد ) ، أو يوصي لزيد بثلث ولعمرو بثلث ، ثمَّ يقول : ( هما ثلث واحد ) ، أو يقال له عقيب الوصيتين : ( أضررت بالورثة ) ، فيقول : ( انما أوصيت بالثلث ) فان حصلت قرينة دالة على الرجوع كان رجوعا ، والا ففيه الاشكال.

وعلى القول بعدم الرجوع إذا لم يجز الورثة كان الثلث للأول ، لعموم قولهم : « إذا زادت الوصايا عن الثلث ولم يجز الورثة بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث ويدخل النقص على الأخير » (٩).

ولو ردّ أحدهما الوصية ولم يقبلها كان الثلث للآخر مع الإجازة وعدمها.

وعلى القول بكون الثانية رجوعا ولم يجز الورثة ، فإن ردّ الأول فلا حكم لرده ، لبطلان وصيته بالوصية الثانية ، وان رد الثاني رجع المال إلى الورثة وبطلت الوصيتان معا ، تبطل الأولى بالثانية ، والثانية بالرد.

ومذهب المختلف قوي.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك من يملكه منفردا ومن يملك بعضه أعتق نصيبه حسب ، وقيل : يقوّم عليه حصة شريكه إن احتمل ثلثه ذلك ، وإلا أعتق منهم من يحتمله الثلث ، وبه رواية ضعيفة.

أقول : عدم التقويم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والإرشاد ، لأن ملكه قد زال بالموت فلا يسري عليه حينئذ.

وقال الشيخ في النهاية وابن البراج : يقوّم عليه ، لأنه أوجد سبب السراية

__________________

(٩) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ١١ في أن من اوصى بأكثر من الثلث صحت الوصية في الثلث.

٤٢١

لاستناد العتق في الحقيقة اليه ، ولرواية أحمد بن زياد (١٠) ، عن أبي الحسن عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه واحلفوا على الزائد ، وفيه تردد ، أما لو أوصى بعبد أو دار فأجازوا الوصية. الى آخره.

أقول : فرّق الأصحاب هنا بين الوصية بالجزء المشاع كالنصف مثلا ، وبين الوصية بالمعيّن كالعبد والدار مثلا ، وفتواهم على قبول دعوى الورثة ظن القلة إذا كانت بجزء مشاع ، وعدم قبول دعواهم ظن الكثرة إذا كانت بمعين ، إلا انهم اختلفوا في الجزم وعدمه ، فالمصنف هنا جزم بعدم الالتفات الى دعواهم إذا كانت الوصية بمعيّن ، وتردّد في قبول دعواهم إذا كانت بمشاع.

والعلامة في القواعد والتحرير جزم بقبول دعواهم إذا كانت بمشاع ، ولم يجزم بعدم القبول إذا كانت بمعيّن ، بل يحتمل عنده القبول أيضا ، كما لو كانت بمشاع ، عكس مذهب المصنف.

ووجه الفتوى : ان الوصية إذا كانت بجزء مشاع من التركة كنصفها مثلا ، كان العلم بمقداره موقوفا على العلم بالجميع ، والأصل عدم كونه معلوما ، فيقبل دعوى الجهالة فيه مع اليمين ، بخلاف ما إذا كانت بمعيّن ، لحصول العلم بمقدار ما تضمنته الوصية.

ووجه تردّد المصنف في عدم قبول الدعوى إذا كانت الوصية بمشاع ـ كما لا تقبل إذا كانت بمعلوم ، لأن الوصية قد لزمت بالإجازة فيلزمهم العمل بها ، ولا تقبل دعواهم ما يبطلها ـ لأصالة عدم البطلان بعدم اللزوم.

ووجه احتمال قبول قولهم في المعين كقبوله في المشارع ـ كما ذهب إليه العلامة ـ

__________________

(١٠) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٧٤ في أحكام الوصايا ، حديث ٢.

٤٢٢

دفع ضرر الوارث ، لأنه إنما يسمح بذلك المعيّن ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه ، فإذا بان خلاف ذلك حقه الضرر بالإجازة ، وقد قال عليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (١١).

قال رحمه‌الله : ولو لم يكن له عود إلا عود اللهو ، قيل : يبطل ، وقيل : يصح ، وتزال عنه الصفة المحرّمة أما لو لم يكن فيه منفعة إلا المحرمة بطلت الوصية.

أقول : نقل العلامة في التحرير هذا القول ، كما نقله المصنف هنا. وظاهر القواعد والإرشاد صحة الوصية مع إمكان إزالة الصفة المحرمة ، لأنه شرط في البطلان عدم إمكان إزالة الصفة المحرمة.

واشترط الشهيد في الصحة قصد الرضاض في الوصية ، فلو لم يقصده كانت باطلة.

قال رحمه‌الله : لو أوصى بجزء من ماله ، فيه روايتان ، أشهرهما العشر ، وفي رواية سبع الثلث.

أقول : ورد في هذه المسألة ثلاث روايات :

الاولى : تضمنت العشر ، وهي صحيحة عبد الله بن سنان : « قال : إن امرأة أوصت إليّ ، وقالت : ثلثي تقضي به ديني ، وجزء منه لفلان ، فسألت عنه ابن ابي ليلى ، فقال : ما أرى لها شيئا ما أدري ما الجزء! فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة وما قال ابن ابي ليلى ، فقال : كذب ابن ابي ليلى ، لها عشر الثلث ، إن الله أمر إبراهيم عليه‌السلام وقال : ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ

__________________

(١١) الوسائل ، كتاب إحياء الموات ، باب ١٢ حديث ٣ ، ٥ ، وكتاب الشفعة ، باب ٥ من أبواب الشفعة ، حديث ١.

٤٢٣

جُزْءاً ) (١٢) والجبال كانت عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي‌ء » (١٣).

وبمضمونها افتى ابن بابويه ، والشيخ في التهذيب والاستبصار ، وهو اختيار المصنف ، والعلامة في المختلف.

الثانية : تضمنت السبع ، وهي صحيحة أحمد بن محمد البزنطي ، « قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله ، فقال واحد من سبعة ، ان الله تعالى يقول ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) (١٤) » (١٥).

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية والخلاف ، والمفيد والسيد وسلّار وابن الجنيد وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، والعلامة في القواعد.

الثالثة : سبع الثلث ، وهي رواية الحسن بن خالد ، عن ابي الحسن عليه‌السلام (١٦) ، ذكرها ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها ، جعله في وجوه البر ، وقيل : يرجع ميراثا.

أقول : جعله في وجوه البر مذهب الشيخين ، ومحمد بن بابويه وابن البراج واختاره المصنف والعلامة ، لأنه خرج عن ملك الورثة بالوصية وخفي مالكه ومستحقه فيصرف في وجوه البر ، لأن الغالب قصد القربة ، ولأن الوصية قد لزمت فلا يجوز تغييرها.

__________________

(١٢) البقرة : ٢٦٠.

(١٣) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٥٤ الوصايا ، حديث ٢.

(١٤) الحجر : ٤٤.

(١٥) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٥٤ من أحكام الوصايا ، حديث ١٢.

(١٦) من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٥٥ ، حديث ٥٤٧٧ ، والوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٥٤ أحكام الوصايا ، حديث ١٤.

٤٢٤

والقول برجوعه ميراثا مذهب ابن إدريس ، نقله عن الشيخ في الحائريات ؛ لتعذر القيام بالوصية ، فيبطل ويصير ميراثا.

والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بسيف معين وهو في جفن ، دخل الجفن والحلية في الوصية ، وكذا لو أوصى بصندوق وفيه ثياب ، أو بسفينة وفيها متاع ، أو جراب وفيه قماش ، فإن الوعاء وما فيه داخل في الوصية ، وفيه قول آخر بعيد.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخين ومحمد بن بابويه وأحمد بن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في الإرشاد ، وجزم به في التحرير.

ومستند الحكم في السيف والصندوق رواية أبي جميلة ، عن الرضا عليه‌السلام ، « قال : سألته عن رجل أوصى بسيف كان في جفن وعليه حلية ، فقال له الورثة : إنما لك النصل وليس لك المال ، فقال : بل السيف بما فيه له ، قال : قلت : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال له الورثة إنما لك الصندوق ، وليس لك المال ، قال : فقال أبو الحسن عليه‌السلام : الصندوق بما فيه له » (١٧).

وأبو جميلة كذّاب ملعون ، إلا أن أكثر الأصحاب على العمل بهذه الرواية ، وعمل الأصحاب وان لم يستند إلى نصّ فهو حجة.

ومستندهم في السفينة رواية عقبة بن خالد ، عن الصادق عليه‌السلام ، « قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسمّ ما فيها وفيها طعام ، أيعطاها الرجل وما فيها؟ فقال : هي للذي أوصى له بها ، إلا ان يكون صاحبها

__________________

(١٧) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٥٧ في أحكام الوصايا ، حديث ١ مع اختلاف يسير في المتن.

٤٢٥

استثنى ما فيها » (١٨).

وقول المصنف : ( وفيها قول آخر بعيد ) ، اي بعدم دخول الجميع ، ونقله أبو العباس في المقتصر عن ابن إدريس ، ونقل عنه في المهذب دخول الجميع ، كما هو المشهور وهو الصحيح ، وهذا مذهبه في السرائر ، ولم اعلم له كتابا غيره. وظاهر العلامة في المختلف عدم دخول الجميع إلا مع القرينة الدالة على الدخول ـ واختاره فخر الدين في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ـ ، لأن الجفن والطعام والمتاع ليس داخلا في مسمى الوصية ، ولا هو جزء من أجزائها فلا يدخل في الوصية.

والشهيد حكم بدخول الجفن والحلية في السيف والمتاع في الصندوق ، ولم يحكم بدخول الطعام في السفينة ، قال : والعمل بالقرينة هنا متوجّه.

تنبيه : اشترط الشيخ وابن البراج في الموصي في هذه الأشياء العدالة ، قال : فان لم يكن عدلا وكان متّهما لم تمض الوصية بأكثر من الثلث. وباقي الأصحاب على عدم الاشتراط ، وأن الوصية لا تمضي بأكثر من الثلث ، سواء كان الموصي عدلا أو فاسقا. وأطلق الشيخ ذكر الصندوق والجراب. وقيد المفيد وأبو الصلاح الصندوق بالقفل والجراب المشدود.

وقال فخر الدين : والبحث إنما هو في المشار اليه.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم تمض ، وهل يلغو اللفظ؟ فيه تردد بين البطلان وإجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله لمن عدا الولد ، فتمضى في الثلث ويكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة ، والوجه الأول ، وفيه رواية بالجواز مهجورة.

__________________

(١٨) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٥٩ في أحكام الوصايا ، حديث ١ مع اختلاف في المتن ، وفي من لا يحضره الفقيه بنفس المتن ٤ : ١٦٣.

٤٢٦

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في صحة هذه الوصية ، وأكثر الأصحاب على عدم الصحة ، لأن النسب إذا ثبت شرعا ثبت الإرث شرعا أيضا ، فلا يملك الإنسان إزالته ولا تغييره.

وقد وردت رواية بلزوم هذه الوصية ، رواها محمد بن بابويه ، عن وصي علي بن السري ، « قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إن علي بن السري توفي واوصى إليّ ، فقال : رحمه‌الله ، قلت : وإن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له ، فأمرني ان أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه فإن كانت صادقا فسيصيبه خبل ، قال : فرجعت فقدّمني إلى أبي يوسف القاضي ، فقال له : أصلحك الله أنا جعفر بن علي بن السري ، وهذا وصيّ أبي ، فمره فليدفع إليّ ميراثي ( من أبي ) (١٩) ، فقال لي : ما تقول؟ فقلت : نعم هذا جعفر بن علي بن السري وانا وصي علي بن السري ، قال : فادفع اليه ماله ، فقلت : أريد أن أعلمك (٢٠) ، قال : فادن ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي ، فقلت له : هذا وقع على أم ولد أبيه (٢١) فأمرني أبوه ، وأوصى اليّ أن أخرجه من الميراث ولا أورّثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليه‌السلام بالمدينة فأخبرته وسألته ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورّثه شيئا ، فقال : الله ، قسما أن أبا الحسن عليه‌السلام أمرك؟ قلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ، ثمَّ قال : أنفذ ما أمرك به فالقول قوله ، قال الوصي : فأصابه الخبل بعد ذلك » (٢٢).

قال محمد بن بابويه عقيب إيراد هذه الرواية : من أوصى بإخراج ابنه من

__________________

(١٩) من المصدر.

(٢٠) في المصدر : أكلمك.

(٢١) في المصدر : لأبيه.

(٢٢) الفقيه ٤ : ١٦٥ ، حديث ٥١٥٥ ، ورواه في الوسائل كتاب الوصايا ، باب ٩٠ ، أحكام الوصايا حديث ٢.

٤٢٧

الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيته في ذلك. وهو يدل على أنه إن فعل ذلك جاز إخراجه من الميراث.

وقال الشيخ في الاستبصار : هذا الحكم مقصور على هذه الوصية فلا يتعدى الى غيرها. وهو المعتمد.

الثاني : هل تلغو هذه الوصية ويكون وجودها كعدمها ، أو يختص الورثة دونه بالثلث ويشاركهم بالثلثين؟ اختار المصنف الأول ، وهو اختيار فخر الدين. وهو المعتمد ، لأنه لفظ لا يعتبره الشارع فلا يكون له أثر.

واختار العلامة في المختلف الثاني ، لأن إخراجه من تركته يستلزم تخصيص باقي الورثة فيها ، فيمضي من الثلث.

قال رحمه‌الله : ولو قال : أعطوه كثيرا ، قيل : يعطى ثمانين درهما كما في النذر ، وقيل : يختص هذا التفسير بالنذر اقتصارا على موضع النقل.

أقول : الأول قول الشيخ ومحمد بن بابويه وابن البراج ، لأن الكثير ثمانون فما زاد ، لقوله تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (٢٣) وكانت ثمانين. موطنا.

والثاني قول ابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأن الرواية وردت في من نذر أن يتصدّق بمال كثير ، ولم يرد في الوصية ، فيقتصر بالرواية على مورد النص ، ويرجع في الوصية إلى تفسير الوارث كما لو قال : ( أعطوه حظا أو قسطا ) فإن للورثة ان يعطوا ما شاؤوا.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بخدمة عبد مدة معينة فنفقته على الورثة ، لأنها تابعة للملك ، أو ثمرة بستان أو سكنى دار ، أو غير ذلك من المنافع على التأبيد أو مدة معينة ، قوّمت المنفعة فإن خرجت من الثلث ، وإلا كان للموصى له ما يحتمله

__________________

(٢٣) التوبة : ٢٥.

٤٢٨

الثلث ، وإذا اوصى بخدمة عبده.

أقول : لا خلاف في جواز الوصية بالمنافع على التأبيد والتأقيت ، وقد اختلف في كيفية التقويم في الحالين.

أما المؤقتة ، فقد قيل : إنها تقوّم بنفسها من دون الرقبة ، لأن قيمة المنفعة المؤقتة معلومة بدون تقويم الرقبة ، لأن قيمتها اجرة المثل تلك المدة ، فيحسب من الثلث. وقيل : تقوّم الرقبة بمنافعها ، ثمَّ تقوّم مسلوبة المنافع تلك المدة ، فالناقص يخرج من الثلث ، وهذا هو المشهور.

وهو المعتمد ، لأن هذه الوصية تنقص قيمة العين قطعا ، فيكون النقص محسوبا على الموصى له.

وأما المؤبدة فيمتنع تقويمها بمنفعتها دون العين ، لأن المراد بالتأبيد هنا ما دامت العين باقية ، ومدة بقائها غير معلومة ، فلا يمكن تقويمها بنفسها ، فلا بد من تقويمها مع العين.

إذا عرفت هذا فقد نقل الشيخ في المبسوط في كيفية التقويم ثلاثة أقوال :

أحدها : ان تقوّم الرقبة والمنفعة ، ويعتبر خروج الرقبة ومنافعها من الثلث ، فإن خرج من الثلث صحّت الوصية بمنافعها ، وإن لم تخرج من الثلث صحّت فيما يخرج منها من الثلث ، وبطلت في الباقي.

ووجه هذا القول : أن استحقاق منفعة العين على التأبيد بمنزلة إتلاف الرقبة ، لأن المقصود من الأعيان المنافع ، فتقوّم العين ومنافعها على الموصى له.

والثاني : تقوّم المنفعة من الثلث والرقبة من الثلاثين على الورثة. ووجهه : ان الرقبة تنتقل إلى الورثة كما تنتقل المنفعة الى الموصى له ، فتكون الرقبة مقوّمة على من انتقلت اليه. وطريق التقويم أن يقوّم العين بمنافعها ، فإذا قيل : مائة ، قوّمت العين مسلوبة المنافع ، فإذا قيل : عشرة علم أن قيمة المنفعة تسعون ، فالمحسوب على

٤٢٩

الورثة قيمة الرقبة ، والمحسوب من الثلث قيمة المنفعة.

وهذا هو المعتمد إن فرض للرقبة قيمة ، وإلا كان الأول هو المعتمد.

الثالث : الرقبة لا تقوّم لا على الوارث ولا على الموصى له ، واختاره الشيخ ، لأن الرقبة إذا كانت مسلوبة المنافع فلا قيمة لها كالحشرات. والمصنف هنا لم يتعرض لكيفية التقويم ، بل قال : ( قوّمت المنفعة ) ولم يذكر الرقبة ، ويفهم من تقييده وجوب النفقة على الوارث في الموقتة ، وعدم وجوبها عليهم في المؤبدة. وقد جزم العلامة في التحرير بوجوبها في الحالين على الورثة.

فروع :

الأول : لو كان الموصى بخدمته على التأبيد أمة ، لم يملك الوارث وطء الجارية ، لأنه إنما يملك الرقبة مسلوبة المنافع ، والوطء من المنافع فلا يملكه ، ولا يملكه الموصى له أيضا وإن كان من جملة المنافع ، لأن النكاح إنما يستباح بملك الرقبة أو التحليل أو عقد النكاح ، والكل مفقود هنا ، وليس لها أن تتزوج إلا بإذنهما.

الثاني : لو وطئت بشبهة ، هل يكون المهر للوارث أو للموصى له بالخدمة على التأبيد؟ قال الشيخ : إنه للموصى له ، لأنه من جملة المنافع. وحكم العلامة في التحرير بأنه للوارث ، لأنه عوض منفعة البضع ، وهي لم تدخل بالوصية. وكذلك حكم الصداق لو زوّجاها.

الثالث : لو أتت بولد من الزنا كان مملوكا ، وهل يكون للوارث أو للموصى له؟ جزم في التحرير بأنه للوارث. واستشكله في القواعد ، من ان الولد كالجزء من أمّه ، والأم ملك الوارث ، ومن أنه كالنماء.

الرابع : لو قتل العبد الموصى بخدمته على التأبيد ، فإن كان القتل موجبا للقصاص كان المطالبة للوارث ، وان كان موجبا للدية احتمل صرفها الى الوارث ،

٤٣٠

لانتهاء الوصية بانتهاء العمر.

واحتمل ان يشتري بها من يكون حكمه حكم المقتول ، واحتمل تقسيطها على قيمة الرقبة والمنفعة ، لأن الدية قيمة الجميع ، فيكون للوارث ما قابل الرقبة ، وللموصى له ما قابل المنافع.

قال رحمه‌الله : ولا تثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين ، ولا تقبل شهادة النساء في ذلك ، وهل تقبل شهادة شاهد مع اليمين؟ فيه تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من ان ثبوت الولاية حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والمشهور عدم ثبوتها بغير الشاهدين الذكرين ، ومن أن كل ما كان مالا أو المقصود منه المال فإنه يثبت بالشاهد واليمين ، والولاية هنا قد يستفيد منها مالا ، لأنه يستحق اجرة مثله أو قدر نفقته مع الحاجة ، على الخلاف بين الأصحاب. والشيخ في المبسوط قوّى ثبوتها بشاهد وامرأتين ، ويلزم منه ثبوتها بشاهد ويمين.

والمعتمد عدم ثبوتها بغير الشاهدين الذكرين العدلين.

قال رحمه‌الله : ولو أشهد إنسان عبدين له على حمل أمته أنّه منه ، ثمَّ مات فأعتقا ، فشهدا بذلك ، قبلت شهادتهما ولا يسترقهما المولود ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : إطلاق المصنف القول بأنه : ( لا يسترقهما المولود ) لا وجه له ، لأنه يفهم منه انه يجب على المولود إمضاء العتق الذي صدر من الوارث بعد موت مولاهما الذي شهدا على إقراره ، وليس كذلك ، بل الخلاف فيما إذا ادعيا أن مولاهما الذي أشهدهما أعتقهما.

قال الشيخ في النهاية : إذا أشهد رجل عبدين له على نفسه بالإقرار لوارث فردّت شهادتهما وحاز الميراث غير المقر له فأعتقهما بعد ذلك فشهدا للمقر له ، قبلت شهادتهما له ، ورجع بالميراث على من كان أخذه ، ورجعا عبدين ، فان ذكرا

٤٣١

أن مولاهما كان أعتقهما في حال ما كان أشهدهما ، لم يجز للمقر له أن يردهما في الرق ويقبل شهادتهما في ذلك ، لأنهما أحييا حقه ، هذا قول الشيخ في النهاية ، وهو مراد المصنف في قوله : ( ولا يسترقهما المولود ) ، إلا انه غير مفهوم من لفظه.

وقال ابن إدريس : قول الشيخ هذا غير واضح ولا مستقيم ، لأن هذه الشهادة الأخيرة شهادة على سيدهما ، وقد ثبت أنه لا يجوز شهادة العبيد على ساداتهم.

والمعتمد كراهية استرقاقهما ان ادعيا أن مولاهما أعتقهما.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده ، استخرج ذلك العدد بالقرعة ، وقيل : يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك العدد ، والقرعة على الاستحباب. وهو حسن.

أقول : وجه القرعة : ان الوصية بالعتق مع عدم التشخيص حق للجميع ، وتخصيص البعض دون البعض من غير قرعة ترجيح من غير مرجح. ووجه القول بالتخيير : أن الواجب على الورثة إعتاق العدد المعين من غير تخصيص فيكون التخصيص إليهم. واستحسنه المصنف هنا ، واستجوده العلامة في التحرير.

قال رحمه‌الله : ولو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا وليس له سواه ، قيل : عتق كله ، وقيل : يعتق ثلثه ويسعى للورثة في باقي قيمته. وهو أشهر.

أقول : الخلاف هنا مبني على ان منجزات المريض ، هل هي من الأصل أو الثلث؟ وسيأتي (٢٤) تحقيق البحث في ذلك ، إن شاء الله تعالى.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ، فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب.

أقول : البحث هنا في موضعين :

__________________

(٢٤) ص ٤٥١.

٤٣٢

الأول : في جواز عتق المخالف غير الناصب عند تعذّر المؤمن ، وبالجواز قال الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف ، لرواية علي بن حمزة (٢٥) ، عن ابي الحسن عليه‌السلام. ومنع ابن إدريس من ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو مذهب فخر الدين ، لقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٢٦) ، والوصية تضمنت عتق المؤمن فإذا أعتق المخالف كان تبديلا للوصية ، بل يتوقع الرقبة المؤمنة.

وهو المعتمد.

الثاني : في تفسير الناصب وقد حكى المقداد رحمه‌الله في شرح المختصر في تفسيره وجوها :

الأول : انه الخارجي الذي يقول في علي عليه‌السلام.

الثاني : انه الذي ينسب الى احد المعصومين ما يسقط العدالة.

الثالث : من إذا سمع فضيلة لعلي عليه‌السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها.

الرابع : من اعتقد أفضلية غير علي عليه‌السلام.

الخامس : من سمع النص على علي عليه‌السلام من النبي ، أو سمعه متواترا بطريق يعتقد صحته ، فأنكر.

قال : والحق صدق النصب على الجميع ، أما من يعتقد إمامة غيره للإجماع أو لمصلحة (٢٧) ، ولم يكن من أحد الأقسام الخمسة ، فليس بناصب ، ثمَّ نقل عن المرتضى وابن إدريس أنهما أطلقا النصب على غير القائل بإمامة الاثني عشر عليهم‌السلام.

__________________

(٢٥) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٧٤ أحكام الوصايا ، حديث ١ و٢.

(٢٦) البقرة : ١٨١.

(٢٧) في « ن » : مصلحته.

٤٣٣
٤٣٤

في الموصى له

قال رحمه‌الله : وتصح الوصية للذمي ولو كان أجنبيا ، وقيل : لا يجوز مطلقا. ومنهم من خص الجواز بذوي الأرحام ، والأول أشبه ، وفي الوصية للحربي تردد ، أظهره المنع.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في الوصية للذمي ، وقد حكى المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : صحة الوصية له مطلقا سواء كان رحما أو أجنبيا ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأنها نوع عطية ، وهي جائزة له ، ولرواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٢٨).

الثاني : عدم الجواز مطلقا ؛ لتحريم مودة الكافر (٢٩) ، وهو قول ابن البراج.

الثالث : جوازها للرحم دون الأجنبي ، حكاه الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا ؛ للحث على صلة الأرحام.

__________________

(٢٨) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٣٢ في أحكام الوصايا ، حديث ١.

(٢٩) المجادلة : ٢٢.

٤٣٥

الثانية : في الوصية للحربي ، والمشهور بين الأصحاب عدم جوازها ، وتردد المصنف. ومنشأ التردد من ان الوصية نوع صلة ومودة ، وهي غير جائزة للكافر ، ومن كونها نوع عطية ، وهي جائزة.

والمعتمد عدم الجواز للحربي سواء كان رحما أو أجنبيا.

قال رحمه‌الله : ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث فإن كان بقدر قيمته أعتق وكان الموصى به للورثة ، وإن كان قيمته أقل اعطي الفاضل ، وإن كانت أكثر سعى للورثة فيما بقي ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى به له ، فإن بلغت ذلك بطلت الوصية ، وقيل : يصح ويسعى في الباقي كيف كان ، وهو حسن.

أقول : إذا أوصى لمملوك نفسه بجزء مشاع كثلث التركة أو نصفها أو ربعها مثلا صحت الوصية إجماعا ، وكان الحكم ما قاله المصنف من أن الوصية إن كانت بقدر قيمته أعتق ، وان كانت أقل من القيمة سعى بالباقي ، وان كانت أكثر أخذ الفاضل سواء كانت الوصية أكثر من القيمة أو أقل.

وهذا هو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة : ان كانت قيمته ضعف الوصية ، أي بقدرها مرتين بطلت الوصية.

ومستندهما رواية الحسن بن صالح (٣٠) ، عن الصادق عليه‌السلام المتضمنة مطلوبهما ، وهو زيدي اليه تنسب الصالحية.

وإذا أوصى لعبده بشي‌ء معيّن من التركة ، هل يصح أم لا؟ استشكله العلامة في القواعد ، واختار في المختلف عدم الصحة ، لأنه إذا أوصى له بمعيّن لم يجز صرف ذلك المعيّن إلى قيمة رقبته ، لما فيه من تبديل الوصية ، وهو غير جائز ، ولأنه يكون قد قصد تمليكه لتلك العين والعبد لا يملك شيئا ، وانما صحّت الوصية ، بالجزء

__________________

(٣٠) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٧٩ في أحكام الوصايا ، حديث ٢.

٤٣٦

المشاع ، لتناولها رقبة العبد ، فهو كما لو اوصى بعتقه.

والأصحاب أطلقوا جواز الوصية ولم يفصّلوا بين المعين وغيره ، وحكموا بصرف ما اوصى له سيده إلى قيمة نفسه من غير تفصيل. وانما فصل ابن الجنيد والعلامة في المختلف. وفخر الدين اختار إطلاق الأصحاب ، وكذا الشهيد.

وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وإذا أوصى بعتق مملوكه وعليه دين ، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق وسعى في خمسة أسداس قيمته ، وإن كانت قيمته أقل بطلت الوصية بعتقه. والوجه ان الدين يقدم على الوصية فيبدأ به ويعتق منه الثلث مما فضل عن الدين ، أما لو نجز عتقه عند موته كان الأمر كما ذكرنا أولا ، عملا برواية عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا أوصى بعتق عبده المستوعب وعليه دين. وما حكاه المصنف من اشتراط كون قيمته ضعف الدين مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لحسنة الحلبي (٣١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وما اختاره من تقديم الدين على الوصية مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة.

وهو المعتمد ، لأن الدين من الأصل ، والوصية من الثلث.

الثانية : إذا أنجز عتق المستوعب وعليه دين ، فإن قلنا : إن المنجزات من الأصل ، مضى العتق في جميعه وسقط الدين ، وإن قلنا المنجزات من الثلث ، فيه قولان :

أحدهما : اختيار المصنف ، وهو إن كانت قيمته بقدر الدين مرتين ، نفذ العتق في سدسه وسعى بنصف قيمته للدين وبثلث قيمته للورثة ، وإن كان الدين أكثر من

__________________

(٣١) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٣٩ أحكام الوصايا ، حديث ٣.

٤٣٧

نصف قيمته ، بطل العتق واسترق أهل الدين بقدر دينهم وللورثة الباقي ، وهو مذهب المفيد ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج (٣٢) ، عن الصادق عليه‌السلام.

والثاني : الحكم بصحة العتق من ثلث الفاضل عن الدين وإن قلّ ، ويستسعى للديّان والورثة على النسبة ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى الإنسان لأم ولده ، صحت الوصية ، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب ولدها؟ قيل : تعتق من نصيب ولدها ويكون لها الوصية ، وقيل : تعتق من الوصية ، لأنه لا ميراث إلا بعد الوصية.

أقول : القول بأنها تعتق من نصيب ولدها وتأخذ الوصية قول الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن التركة تنتقل إلى الورثة بنفس الموت ، فيثبت ملك الولد على جزء من امه فتنعتق عليه وتستحق الوصية.

والقول بأنها تنعتق من الوصية ، وإن فضل منها شي‌ء أعتق من نصيب الولد ، قول ابن إدريس ، واختاره العلامة في التحرير وأبو العباس في المقتصر ، لأن الإرث متأخّر عن الوصايا. لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٣٣).

قال رحمه‌الله : وكذا لو أوصى لأعمامه وأخواله ، كانوا سواء على الأصح ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : إذا اوصى لأعمامه وأخواله وأطلق الوصية ، قال الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج بتفصيل الأعمام على الأخوال كالميراث. ومستندهم رواية زرارة (٣٤) ، عن الباقر عليه‌السلام ، وهي التي أشار إليها المصنف بالهجر.

__________________

(٣٢) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٣٩ أحكام الوصايا ، حديث ٥.

(٣٣) النساء : ١٢.

(٣٤) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٦٢ أحكام الوصايا ، حديث ١.

٤٣٨

وذهب ابن إدريس إلى التسوية ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن الإطلاق يقتضي التسوية ، فما اقتضى التسوية بين الذكور والإناث من الأولاد اقتضى التسوية بين الأعمام والأخوال. وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبة مصيرا إلى العرف ، وقيل : كان لمن يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الإسلام ، وهو غير مستند إلى شاهد.

أقول : التفسير الأول مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، حملا للّفظ على المعنى العرفي عند تعذر النص الشرعي. والتفسير الثاني مذهب المفيد ، ومعناه الارتقاء إلى أبعد جدّ في الإسلام والى فروعه ، ولا يرتقي إلى أب المشرك.

قال الشيخ في الخلاف : ولم أجد به نصا ، ولا عليه دليلا مستخرجا ، وهو معنى قول المصنف : ( وهو غير مستند الى شاهد ) اي لا يشهد به نص ولا دليل.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى لقومه قيل : هو لأهل لغته.

أقول : قال الشيخان : قومه جماعة أهل لغته من الذكور والإناث. وبه قال ابن حمزة وابن البراج. وقال أبو الصلاح : يعمل بالمعلوم من قصده ، فان لم يعلم قصده عمل يعرف قومه في ذلك الإطلاق. وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته الأدلة الظاهرة انه يكون مصروفا الى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف أنهم اهله وعشيرته دون غيرهم ممن سواهم ، هذا الذي تشهد به اللغة ، وعرف العادة وفحوى الخطاب ، قال الشاعر :

قومي هم قتلوا أميم أخي

فإذا رميت يصيبني سهمي

واختاره العلامة مذهب الشيخين ، قال : لأنهما أعرف باللغة ومقاصد العرب ، والمرجع في ذلك إليهم أي إلى العرب.

٤٣٩

قال رحمه‌الله : ولو قال : لجيرانه ، قيل : كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب ، وفيه قول آخر مستبعد.

أقول : القول المستبعد أربعون دارا ، وهو مروي عن عائشة (٣٥) ، وقد سبق البحث في ذلك في باب الوقف فيطلب من هناك.

قال رحمه‌الله : ولو أوصى لإنسان فمات قبل الموصي ، قيل : بطلت الوصية ، وقيل : إن رجع الموصي بطلت الوصية ، سواء رجع قبل موت الموصى له أو بعده ، وان لم يرجع كانت الوصية لورثة الموصى له ، وهو أشهر الروايتين.

أقول : كون الوصية لوارثه مع عدم رجوع الموصي هو المشهور بين الأصحاب لرواية محمد بن قيس (٣٦) ، عن الباقر عليه‌السلام.

وقال ابن الجنيد : تبطل الوصية ، واختاره العلامة في المختلف ، لما رواه أبو بصير ومحمد بن مسلم معا ، عن الصادق عليه‌السلام (٣٧).

قال رحمه‌الله : ولو أوصى في سبيل الله صرف إلى ما فيه أجر ، وقيل : يختص بالغزاة ، والأول أشبه.

أقول : القائل باختصاص الغزاة الشيخ في الخلاف ، لأن عرف الشرع يقتضي حمل السبيل على الغزاة ، وحكم كلام الآدميين إذا أطلق حمل على عرف الشرع.

والمعتمد اختيار المصنف ، لأن سبيل الله كل طريق يؤدي الى الأجر.

__________________

(٣٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨٦ أحكام العشرة ، حديث ١ وباب ٩٠ ، حديث ١ و٢ و٣ و٤ ، والمستدرك ، كتاب الحج باب ٧٦ من أحكام العشرة ، حديث ١ و٢ و٣ ، وليس في المصدرين عن عائشة.

(٣٦) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٣٠ أحكام الوصايا ، حديث ١.

(٣٧) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٣٠ أحكام الوصايا ، حديث ٤ و٥.

٤٤٠