غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

كتاب المفلس

١٦١
١٦٢

في منع التصرف

قال رحمه‌الله : أما إذا أقر بدين سابق صح ، وشارك المقر له الغرماء ، وكذا لو أقر بعين دفعت الى المقر له ، وفيه تردد ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فالشيخ في المبسوط اختار قبول الإقرار بالدين والعين معا ، وبه قال العلامة في التحرير ، الا انه استشكل إحلاف المقر مع تكذيب الغرماء انه لم يقر مواطاة ، ثمَّ فرع على وجوب اليمين ونكوله عنها إشكالا في إحلاف الغرماء على ان إقراره مواطاة أو إحلاف المقر له على عدم المواطاة.

والشيخ في الخلاف حكم بالمشاركة بالدين وتردد في العين ، والعلامة في الإرشاد حكم بصحة الإقرار بالدين ومنع من مشاركة الغرماء بل يتبع به بعد فك الحجر عنه ، وأبطل الإقرار بالعين.

ووجه قول المبسوط والتحرير عموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ، ولمساواة الإقرار للبينة ، إذ لو اقام المدعي بينة بدعواه

__________________

(١) المستدرك ، كتاب الإقرار ، الباب ٢ ، حديث ١.

١٦٣

شارك الغرماء أو يتبرع العين ، فكذا مع الإقرار ، ووجه المنع تعلق حق الغرماء بأعيان ماله ، وفي إقراره بالعين ضرر عليهم فلا يكون مقبولا.

ووجه الفرق بين العين والدين ان حق الغرماء تعلق في أمواله ، فلو قبل إقراره بالدين لشارك المقر له الغرماء فيما ثبت انه ماله ، والعين لم يثبت انها ماله ، فإذا أقر بها ، قبل ، لعدم ثبوت ملكه لها ، وهو فرق ضعيف.

والمعتمد عدم الفرق بين الإقرار بالدين والعين ، فان لم يكن متهما قبل إقراره فيهما ، وان كان متهما بطل بالنسبة إلى الغرماء فيهما ، وصح في حق نفسه يتبع بالدين بعد فك الحجر ، وتؤخر العين ، فان فضلت عن الغرماء دفعت الى المقر له ، وان استغرقها حق الغرماء وجب عليه دفع قيمتها بعد فك الحجر الى المقر له.

قال رحمه‌الله : ولو قال هذا المال مضاربة لغائب ، قيل : يقبل قوله مع يمينه وأقر في يده. وإن قال لحاضر وصدّقه ، دفع إليه ، وإن كذّبه قسّم بين الغرماء.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط نقله المصنف هنا والعلامة في القواعد ، ولم يتعرضا له بقوة ولا ضعف ، والمعتمد عدم الفرق بين هذا الإقرار والإقرار المذكور في المسألة السابقة ، لاتحاد العلة فيهما فيتحد الحكم في يمين ( المقر هنا ) (٢) إثبات لحق الغير (٣) ، وهو غير جائز ، فإن قبل إقراره قبل بغير يمين ، وان لم يقبل لم يثبت باليمين.

__________________

(٢) لم يرد في « ر ٢ ».

(٣) كذا

١٦٤

في اختصاص الغريم بعين ماله

قال رحمه‌الله : ومن وجد منهم عين ماله ، كان له أخذها ، ولو لم تكن سواها ، وله أن يضرب مع الغرماء بدينه ، سواء كان وفاء أو لم يكن ، على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لما رواه عمر بن يزيد في الصحيح ، عن الكاظم عليه‌السلام ، « قال : سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصه الغرماء » (٤) ، ولأنه لم يسلم له العوض ، فكان له الرجوع الى المعوض.

وقال الشيخ في النهاية والاستبصار بعدم الاختصاص مع قصور مال المفلس عن أداء الدين ، لأن دينه دين غيره متعلق بذمته وهم مشتركون في ذلك ، فلا وجه للتخصيص ، ولأن المال قد انتقل الى المفلس بعقد البيع ، فلا يعود

__________________

(٤) الوسائل ، كتاب الحجر ، باب ٥ في أحكام الحجر ، حديث ٢.

١٦٥

الى مالكه الا بوجه شرعي ، لرواية أبي ولاد (٥) ، عن الصادق عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : وهل الخيار في ذلك على الفور؟ قيل : نعم ، ولو قيل بالتراخي ، جاز.

أقول : إذا وجد الغريم عين ماله كان مخيرا بين أخذها والضرب مع الغرماء ، وهل الخيار على الفور؟ قال الشيخ في المبسوط : فيه قولان ، وجعل الفورية أحوط ، والعلامة في القواعد اختار الفورية ، وهو المعتمد ، لأن التأخير يفضي الى تضرر الغرماء بتأخير حقهم فأشبه الأخذ بالشفعة ، ولما في ذلك من الأخذ بالاحتياط.

وظاهر المصنف هنا والعلامة في التحرير ان الخيار على التراخي ، لأن الخيار قد ثبت له بالزمان الأول ، والأصل بقاؤه.

قال رحمه‌الله : ولو وجد بعض المبيع سليما ، أخذ الموجود بحصته من الثمن ، وضرب بالباقي مع الغرماء ، وكذا لو وجده معيبا بعيب ، قد استحق أرشه ، ضرب بأرش النقصان.

أقول : لم يتردد المصنف في هذه المسألة ، وأطلق الضرب بأرش النقصان ، وهي مسألة غامضة تحتاج الى كشف وإيضاح.

وتحقيق البحث ان نقول : إذا وجد المبيع ناقصا ، فان كان النقص يمكن افراده بالبيع كالعبد من العبدين أخذ السليم بحصة من الثمن وضرب مع الغرماء بما يخص التالف.

وان كان النقص لا يمكن افراده بالبيع كقطع اليد وقلع العين أو ذهاب شي‌ء من جوارحه ، فهذا النقص لا يمكن افراده بالبيع ، لأنه لا يمكن تقسيط الثمن على أطراف العبد ، فلا يصح افرادها بالبيع ، فلا يخلو اما ان توجب الجناية أرشا كما

__________________

(٥) الوسائل ، كتاب الحجر ، باب ٥ في أحكام الحجر ، حديث ٣.

١٦٦

إذا كانت من أجنبي ، أو لا يوجب كما إذا كانت من المشتري أو من قبله تعالى ، فان كان الثاني فليس له إلا أخذه معيبا أو الضرب بالثمن مع الغرماء ، وان كان الأول كان مخيرا بين الضرب بالثمن وترك العين ، وبين أخذ العين والضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة ان كان الثمن أقل من القيمة ، وان كان أكثر منها ( أو مثلها ) (٦) ضرب بنقصان القيمة دون الزائد عليها.

وقول المصنف : ( ضرب بأرش النقصان ) ، مراده نقصان القيمة لا أرش الجناية مطلقا ، لأنه قد يكون كل الثمن كما لو اشترى عبدا بمائة يساوي مائتين ثمَّ قطعت يده ، فإن أرشها يكون مائة ، فلو أوجبنا الأرش لأخذ العبد الثمن وهو باطل.

والتحقيق ان نقول : لا يخلو اما ان يكون الثمن أقل من قيمة العبد ، أو أكثر منها ، أو مثلها.

الأول : ان يكون أقل من القيمة كما لو كانت قيمته عشرين ثمَّ باعه بعشرة ثمَّ قطعت يده ، فإنه ينظر الى قدر ما نقص من قيمته بسبب الجناية ، فيضرب بنسبته من الثمن فان كان نصفا ضرب بنصف الثمن وان كان ثلثا ضرب بثلث الثمن ، وهكذا ، وان لم ينقص شيئا بسبب الجناية لم يكن له الا الضرب بالثمن أو أخذه مجانا ، وهذا معنى قولنا : ( ضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة ) ولا يجوز هنا الضرب بما نقص من القيمة ، لأنه يؤدي الى أخذ الثمن والمثمن أو أزيد من ذلك ، كما لو فرضنا انه نقص بالجناية ثلاثة أرباع القيمة ، فلو أوجبنا الضرب بنقصان القيمة لأخذ ثمنا ونصفا والمثمن ، وهو باطل.

فان قيل : انه يلزم في هذا الفرض ان يأخذ أكثر من الثمن على ما ذهبتم إليه ، فإنه يأخذ العبد وقيمته خمسة ، ويأخذ ثلاثة أرباع الثمن ، وهو سبعة

__________________

(٦) من « ر ٢ ».

١٦٧

ونصف ، فتجمع له اثنا عشر ونصفا ، وهو أكثر من الثمن بدرهمين ونصف ، فان الثمن عشرة دراهم.

فانا نقول : هذا غير مانع ، لأنه حكم اقتضاه التقسيط (٧) ، لأن كل جزئين من العبد يقابل جزءا من الثمن ، فالراجع اليه من العبد خمسه ، وهو مقابل درهمين ونصف درهم من الثمن ، فإذا أخذ سبعة ونصفا لم يأخذ أكثر من الثمن لما بيناه ان الخمسة تقابل درهمين ونصف درهم ، ألا ترى لو كان العبد سليما من العيب كان له أخذه وهو يساوي عشرين والثمن عشرة ، ولا يجب عليه ان يرد على الغرماء شيئا ، فلو كان قدر المحاباة محسوبا عليه ، لما جاز أخذ العبد الا بعد رد عشرة دراهم.

وهذا لم يقل به احد غير العلامة في التذكرة ، فإنه منع من أخذ العبد إذا زادت قيمتها لزيادة السعر أو اشتريت بدون ثمن المثل ، وهو قول نادر ولم أجد له موافقا ، والخلاف انما هو إذا زادت القيمة للنماء المتصل كالسمن والطول لا مع الزيادة لغير ذلك ، وقد جزم في القواعد بالرجوع وان زادت لزيادة النماء المتصل.

وقال في التحرير : وإذا اختار الرجوع الى العين كانت له سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر ، وهذا هو المعتمد.

الثاني : ان يكون الثمن أكثر من القيمة كما لو كانت القيمة عشرة فاشتراه بعشرين فاذا جني عليه فصار يساوي خمسة ضرب بنصف القيمة وهي خمسة ، ولا يضرب بنصف الثمن ، لأن العشرة الزائدة محاباة من المفلس لم يأخذ مقابلها عوضا ، فلا يجب على الغرماء أداء تبرعاته ، بل أداء ما أخذ مقابله عوضا.

ولو لم ينقص من القيمة التي هي عشرة شي‌ء لم يضرب بشي‌ء كما قلناه أولا ، وهو معنى قولنا : ( ضرب بنقصان القيمة دون الزيادة عليها ) ، اي دون

__________________

(٧) في « ر ٢ » : بالتقسيط.

١٦٨

نقصان الزائد من الثمن على القيمة.

الثالث : ان يكون الثمن بقدر القيمة ، فهنا يضرب بمقدار ما نقص من الثمن بسبب الجناية ، لعدم التفاوت بينه وبين القيمة ، وقال العلامة في التحرير : فينظر كم نقص من القيمة فيرجع بذلك الجزء من الثمن لا من القيمة ، وأطلق القول في ذلك ولم يفصل بين ان يكون الثمن أقل من القيمة أو أكثر ، والمصنف أطلق الرجوع بأرش النقصان ، وقد بينا ان مراده نقصان القيمة لا أرش الجناية ، لأن ذلك لم يقل به أحد ، الا انه لم يفصل بين ان يكون الضرب بنقصان الثمن أو نقصان القيمة ، ولا فرق بين ان يكون الثمن أقل من القيمة أو أكثر ، والشيخ في المبسوط أطلق الرجوع بقسط ما نقص بالجناية من الثمن ولم يفصل أيضا.

إذا عرفت هذا ، فعبارة المصنف والتحرير والنهاية (٨) والمبسوط متفقة معنى وان اختلف اللفظ ، والمعتمد التفصيل الذي ذكرناه وحققناه ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، الا ان عبارته فيها غامضة لا يدركها غير المحصل لهذا الفن المحقق له.

قال رحمه‌الله : ولو كان النماء متصلا ، كالسمن أو الطول ، فزادت لذلك قيمته ، قيل : له أخذه ، لأن هذا النماء يتبع الأصل ، وفيه تردد.

أقول : اما النماء المنفصل فلا خلاف في كونه للمفلس لا يجوز الرجوع فيه ، واما المتصل الذي يزيد بسببه القيمة فقد اختلف فيه ، قال الشيخ في المبسوط : انه تابع للأصل ، فإذا فسخ البيع فيه تبعته الزيادة ، واختاره ابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال ابن الجنيد : يأخذ العين بقيمتها ويرد الزيادة على الغرماء ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن الزيادة مملوكة للمفلس ، فلا تخرج عن ملكه مجانا ، واختار في الإرشاد سقوط حقه من العين ، وهو يدل على المنع

__________________

(٨) من « ر ٢ ».

١٦٩

وان بذل قيمة الزيادة ، وبالغ في التذكرة بأن أسقط حقه من العين مع زيادة قيمتها لزيادة السعر أو كان الشراء بدون ثمن المثل ، وهو نادر.

فقد ظهر ان للعلامة أربعة أقوال في هذه المسألة ، أشهرها قول القواعد ، وأقواها قول المختلف.

قال رحمه‌الله : إذا اشترى أرضا ، يغرس المشتري فيها ثمَّ أفلس ، كان صاحب الأرض أحق بها ، وليس له إزالة الغروس ولا الأبنية. وهل له ذلك مع بذل الأرش؟ قيل : نعم ، والوجه المنع. نعم يباعان ويكون له ما قابل الأرض.

أقول : اختار المصنف هو المعتمد ، وقال في المبسوط : له الإزالة مع بذل الأرش.

قال رحمه‌الله : ولو اشترى زيتا ، فخلطه بمثله ، لم يبطل حق البائع من العين ، وكذا لو خلطه بدونه ، لأنه رضي بدون حقه. وان خلطه بما هو أجود ، قيل : يبطل حقه من العين ، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.

أقول : بطلان حقه من العين مع الخلط بالأجود مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد ، لأنها ليست موجودة من طريق المشاهدة ولا الحكم ، لأنه ليس له المطالبة بقيمتها إجماعا ، بل بالثمن الذي وقع العقد عليه ، وإذا لم تكن موجودة من الوجهين كانت بمنزلة التالف ، فيتعين الضرب مع الغرماء بالثمن.

وقيل : يباع الزيتان معا ، فيؤخذ الثمن على قدر قيمة الزيتين ، فاذا كان قيمة العين درهما والممتزج فيهما درهمين ، بيعا وأخذ ثلث الثمن ، ووجود عين ماله وإمكان التوصل إليها بما قلناه.

وقال ابن الجنيد : لو كان المبيع مما يكال أو يوزن فاختلط بما لا يتميز بمحضر من شهود ثمَّ أفلس المشتري ، كان للبائع ثمن متاعه به على الغرماء ، ولم

١٧٠

يفصل بين الاختلاط بالأجود أو الأردإ أو المماثل ، واختاره العلامة في المختلف.

ولا فرق بين الزيت وغيره من المكيلات والموزونات.

قال رحمه‌الله : ولو أسلم في متاع ، ثمَّ أفلس المسلم اليه ، قيل : إن وجد رأس ماله أخذه ، وإلا ضرب مع الغرماء بالقيمة ، وقيل : له الخيار بين الضرب بالثمن وبقيمة المتاع ، وهو أقوى.

أقول : إذا أسلم في حنطة مثلا ثمَّ أفلس المسلم إليه ، فإن وجد عين الثمن الذي دفعه كان له أخذه وكان أحق به من سائر الغرماء ، وان لم يجد عين ماله ضرب بقيمة الطعام الذي أسلم فيه مع الغرماء ، وهل له مع فقد عين ماله فسخ العقد والضرب بالثمن الذي هو رأس ماله؟ قال الشيخ في المبسوط : قيل له ذلك ، وقواه المصنف هنا ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه قد تعذر استيفاء المسلم فيه ، فكان للمشتري الفسخ كسائر أصناف السلم.

ويحتمل المنع ، لأصالة لزوم العقد وعدم وجود عين ماله ، فليس له الا الضرب بقيمة ما في ذمة المفلس ـ وهو المتاع المسلم فيه ـ فيقوم قيمة عادلة ثمَّ يضرب بتلك القيمة ، سواء زادت عن الثمن الذي دفعه أو نقصت.

تنبيه : لو وجد مثل المتاع الذي أسلم فيه في مال المفلس لم يكن له الاختصاص به ، ولا يتعين أخذ حقه منه ، لاشتراك الغرماء بأعيان أمواله ، والدين انما يتعين بالقبض وهو لم يقبضه ، وكونه من جنس ما له لا يكفي في التعيين.

قال رحمه‌الله : وإذا شهد للمفلس شاهد بمال ، فان حلف استحق. وان امتنع ، هل يحلف الغرماء؟ قيل : لا ، وهو الوجه ، وربما قيل بالجواز ، لأن في اليمين إثبات حق الغرماء.

أقول : القول بمنع يمين الغرماء قول الشيخ رحمه‌الله ، وهو المعتمد ، لأنه لا

١٧١

يصح للإنسان ان يحلف ليثبت مالا لغيره ، والغرماء يحلفون ليثبتون مالا للمفلس وهو غير جائز. وقال ابن الجنيد : يجوز لهم الحلف ، لأنهم إذا حلفوا كان لهم المطالبة فكان النفع لهم ، والجواب انهم يأخذون عن المفلس لا بالأصالة.

قال رحمه‌الله : وإذا مات المفلس حلّ ما عليه ، ولا يحل ماله ، وفيه رواية أخرى مهجورة.

أقول : قال الشيخ في النهاية : يحل ما له ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج لما رواه أبو بصير ، « قال : قال أبو عبد الله : إذا مات الميت حل ما له وما عليه من الدين » (٩).

والمشهور حلول ما عليه دون ما له ، والفرق حصول الإجماع على حلول ما عليه ، قال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : إلى الآن لا أعرف لأصحابنا فيه نصا معينا فأحكيه ، وفقهاء الأمصار كلهم يذهبون الى ان الدين المؤجل يصير حالا بموت من هو عليه. ويقوى في نفسي ما ذهب اليه الفقهاء ويمكن ان يستدل عليه بقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (١٠) علق القسمة بقضاء الدين فلو أخرت تضررت الورثة ، هذا كلامه رحمه‌الله.

نقل عن علماء الأمصار كلهم انهم يذهبون الى حلول الدين المؤجل بموت من هو عليه ، وهذا هو الإجماع بعينه ، ولأنه مع منع الورثة من التصرف في التركة قبل حلول الأجل يحصل الضرر عليهم ، ومع أمرهم بالتصرف يحصل الضرر على صاحب الدين ، فوجب ان يحل ما عليه دفعا لهذه الضرورة اللاحقة بأحد الفريقين ، بخلاف ما له إذ لا مفسدة في تأخيره إلى حين الأجل ، إذ الأصل عدم الحلول ، خرج ما وقع عليه الاتفاق ، يبقى الباقي على الأصل ، ولا فرق بين ان

__________________

(٩) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ١٢ أبواب القرض والدين ، حديث ١.

(١٠) النساء : ١١.

١٧٢

يكون الدين سلما أو دية خطأ تعلقت بمال الجاني أو غير ذلك للعموم.

قال رحمه‌الله : وينظر المعسر ، ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته ، وفيه رواية أخرى مطرحة.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، واختاره الشهيد ، لأنه لم يوجب التكسب للدين ، وقال ابن حمزة : ان كان المديون معسرا صبر عليه من له الدين حتى يجد ، وان كان مكتسبا أمره بالإنفاق على نفسه وعياله وصرف الفاضل في دينه ، وان كان غير مكتسب خلي سبيله حتى يجد ، لما رواه السكوني في الموثق ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « ان عليا عليه‌السلام كان يحبسه في الدين ثمَّ ينظر فان كان له مال دفعه الى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم وأجروه ، وان شئتم استعملوه » (١١).

واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر القواعد ، لأنه أوجب عليه السعي في الدين ، ويلزم منه جواز مؤاجرته مع الامتناع ، لأن القادر على التكسب غير معسر ولهذا يمنع من الزكاة ، وغير المعسر يجب عليه أداء الدين.

احتج المانعون بقوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١٢) ، وبأصالة براءة الذمة من وجوب السعي والمؤاجرة ، وهو المعتمد.

__________________

(١١) الوسائل ، كتاب الحجر ، باب ٧ في أحكام الحجر ، حديث ٣.

(١٢) البقرة : ٢٨٠.

١٧٣
١٧٤

في قسمة ماله

قال رحمه‌الله : ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة ، قيل : يجعل في ذمة ملي احتياطا ، وإلا جعل وديعة ، لأنه موضع ضرورة.

أقول : إذا باع الحاكم مال المفلس فان كان الغريم واحدا دفع اليه المال ، وان تعدد وأمكنت القسمة عاجلا من غير ضرورة لم يجز التأخير ، وان تعذرت أو اقتضت المصلحة التأخير كظن ظهور غريم أو الخوف من ظالم ، أو غير ذلك مما يراه الحاكم من المصلحة.

قال المصنف : ( قيل : يجعل في ذمة ملي احتياطا والا جعل وديعة ) ، ولم يجزم بذلك ، وجزم به العلامة في القواعد ، وجزم به في التحرير أيضا ، الا انه قيد بتعذر القسمة ، وانما لم يجزم المصنف بذلك ، لاحتمال عدم جواز تأخير دفع الحق إلى مستحقه مع الإمكان.

قال رحمه‌الله : وهل يزول الحجر بمجرد الأداء ، أو يفتقر الى حكم الحاكم ، الأولى أنه يزول بالأداء ، لزوال سببه.

أقول (١٣) : ومن ان حجره يثبت بحكم الحاكم فلا يرتفع الا بحكمه ، وهو مذهب المصنف.

__________________

(١٣) كذا.

١٧٥
١٧٦

كتاب الحجر

١٧٧
١٧٨

في موجباته

قال رحمه‌الله : وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر ، وفي أخرى إذا بلغ عشرا وكان بصيرا ، أو بلوغ خمسة أشبار جازت وصيته ، وأقيمت عليه الحدود.

أقول : يفهم من كلام المصنف ان الرواية الواردة بلوغ العشر سنين أو بلوغ الخمسة أشبار ( واحدة ، و) (١) انها تضمنت جواز وصيته واقامة الحدود عليه مع بلوغ العشر أو الخمسة أشبار ، وليس الأمر كذلك بل الوارد بالوصفين اللذين ذكرهما وهما بلوغ العشر أو الخمسة أشبار روايتان تضمنتا حكمين ، فرواية بلوغ العشر تضمنت جواز الوصية ، ورواية بلوغ الخمسة الأشبار تضمنت جواز إيقاع الحدود عليه ، فالرواية الأولى هي رواية الصدوق محمد بن بابويه ، عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام ، « انه قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته » (٢).

وروى زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام مثل ذلك الا انه زاد في روايته :

__________________

(١) في « ن » : أو حدّه.

(٢) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٤٤ في أحكام الوصايا ، حديث ٣.

١٧٩

« فإنه يجوز له في ماله إذا أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف » (٣).

واما الرواية الثانية التي تضمنت جواز اقامة الحدود عليه فهي رواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، « في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار لم يقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية » (٤).

قال رحمه‌الله : الوصف الثاني الرشد : وهو ان يكون مصلحا لماله ، وهل يعتبر العدالة؟ فيه تردد.

أقول : اعتبار العدالة مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، لأن غير العدل سفيه ، والسفيه ليس برشيد ، وقال ابن الجنيد : الرشد هو العقل وإصلاح المال ، واختاره أكثر المتأخرين ، لأصالة عدم الزيادة على ذلك ، وهو المعتمد ، لأن المفهوم من الرشد هو إصلاح المال مع الأمن من الانخداع في المعاملات ، فاذا ثبت هذا ثبت الرشد ، لأصالة عدم اشتراط الزائد على ذلك.

قال رحمه‌الله : ولو باع فأجاز الولي ، فالوجه الجواز ، للأمن من الانخداع.

أقول : الجواز مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما قاله المصنف. وقال الشيخ وابن البراج لا يصح ، لأنه محجور عليه وممنوع من التصرف ، فلا يكون تصرفه صحيحا ، وحكم الاذن له في البيع حكم الإجازة بعده ، ولا فرق بينهما إلا في اشتراط تعيين من يبيع عليه أو يشتري منه إذا كان الاذن سابقا.

تنبيه : إذا بلغ الصبي وصرف أمواله في وجوه الخير كالصدقات ، وعتق المماليك ، وبناء القناطير والمساجد ، وما شابه ذلك ، هل يكون ذلك تبذيرا؟

__________________

(٣) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب ٤٤ في أحكام الوصايا ، حديث ٤.

(٤) الوسائل ، كتاب القصاص ، باب ٢٦ أبواب القصاص في النفس ، حديث ١.

١٨٠