والمعتمد عدم وجوب الإزالة من غير أرش ، وإلا لزم تكليف الغافل وهو محال ، وان كان الرجوع بعد الفعل ، فلا يخلو إما ان يقيد الإذن بمدة معلومة أو لا ، وعلى التقديرين إما ان يشترط القلع بعد انتهاء المدة في صورة تقديرها ، أو متى شاء في صورة عدم التقدير ، أو لا يشترط القلع ، فالأقسام أربعة :
الأول : ان لا يعين مدة ولا يشترط القلع ، وهذا لا خلاف في جواز القلع ، وانما الخلاف في استحقاق الأرش ، قال قوم : لا يجب الأرش ، لأن له المطالبة بتفريغ ملكه متى شاء ، لأنه غير مستحق للبقاء ، والعارية لا يتعقبها ضمان ، وقيل : ليس له الإزالة إلا مع ضمان الأرش ، لأنه غرس مأذون فيه ، وفي الإزالة ضرر على مالكه ، فيجب الأرش على المزيل ، لأنه لتفريغ ملكه ، وهو المعتمد.
فرع : لو اختار المستعير القلع وكره المالك ذلك ، كان له القلع إجماعا ، وهل عليه طم الحفر؟ يحتمل ذلك ، لأنه نقص ادخله على مال الغير من غير اذنه لتخليص ماله ، فكان عليه أرشه ، وهو طم الحفر ليعيد الأرض كما كانت.
ويحتمل العدم ، لأن المالك لما إعارة الأرض للغرس مع علمه ان له أخذ غروسه متى شاء ، وذلك تشويش الأرض وحفرها كان ذلك إذنا في القلع ، فلا يجب عليه الطم.
الثاني : ان لا يعين مدة ويشترط القلع متى شاء ، وهنا لا يجب على المالك أرش الغرس ولا على المستعير طم الحفر ، لأن المستعير دخل على انه متى امره المعير بالإزالة أزاله ، وهو يعلم ان ازالته تقتضي نقص الغرس ، والمعير أذن في ذلك مع علمه ان الإزالة تقتضي تشويش الأرض ، فهو كما لو أعاره ثوبا فلبسه حتى خلق ثمَّ رده عليه ، فكما لا يضمن ما نقص من الثوب بالاستعمال لعلم المعير بالنقص ، كذلك لا يضمن نقص الأرض بالحفر لعلم المعير به.
الثالث : ان يتقيد الإذن (١) بمدة معلومة ولا يشترط القلع بعدها ، وهنا هل يجوز القلع قبل انتهاء المدة؟ قال الشيخ وابن الجنيد لا يجوز ، وقال العلامة بالجواز ، وهو ظاهر المصنف ، لأنه أطلق ذلك لكن بشرط الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته مقلوعا وقيمته قائما إلى انتهاء المدة ، وأما بعد انقضاء المدة فلا خلاف في جواز القلع ، وانما الخلاف في الأرش.
واختار العلامة في القواعد والتحرير وجوب القلع مجانا ، ولو اختار المالك الإزالة قبل انتهاء المدة أو بعدها ، كان له ذلك ، وهل يجب عليه طم الحفر؟ سبق احتمال ذلك في الفرع السابق ، والمعتمد وجوبه ، لأنه نقص دخل على مال الغير لتخليص ماله.
الرابع : ان يقيد بمدة معلومة ثمَّ يشترط القلع بعدها ، وهنا لا يجب أرش نقص الغرس ، ولا يجب طم الحفر سواء اتفقا على القلع بعد انقضاء المدة أو اختلفا ، لاتفاقهما عند الاذن على ذلك ، فلا يؤثر اختلافهما بعده.
قال رحمهالله : ولو أعاره حائطا ليطرح خشبة ، وطالبه بالإزالة كان له ذلك ، إلا أن تكون أطرافها الأخر مثبتة في بناء المستعير فيؤدي إلى خرابه ، وإجباره على ازالة جذوعه عن ملكه ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن ان العارية عقد جائز ، لكل منهما الرجوع ، والنقص الذي يدخل على ملك الغير يجبر بالأرش. وعدم جواز الإزالة مذهب الشيخ وابن إدريس ، وجوازها مع ضمان الأرش مذهب العلامة ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو اذن له في غرس شجرة ، فانقلعت جاز أن يغرس غيرها استصحابا للإذن الأول ، وقيل : يفتقر إلى إذن مستأنف ، وهو أشبه.
__________________
(١) في « ن » و« ر ٢ » : الأول.
أقول : المعتمد عدم جواز الغرس إلا بإذن جديد : لأن الإذن لم يتناول غير تلك الشجرة المعينة ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، أما لو انقلعت الشجرة المأذون في غرسها في غير الوقت المعتاد قلعها فيه ، فله ان يغرسها ثانيا من غير اذن ان كانت صالحة للغرس.
في الأحكام المتعلقة بها
قال رحمهالله : ويجوز للمستعير ان يبيع غروسه وأبنيته في الأرض المستعارة للمعير ولغيره ، على الأشبه.
أقول : قوى الشيخ رحمهالله عدم جواز بيعها على غير مالك الأرض لعدم إمكان التسليم ، وهو مبني على عدم دخول صاحب الغرس اليه بعد رجوع المعير في العارية ، فيمتنع التسليم حينئذ ، والمصنف والعلامة جواز البيع بناء على جواز الدخول إذا كان لمصلحة الغرس كالسقي والتلقيح ، فان اتفقا على بيع الأرض والغراس معا بيعا بثمن واحد ثمَّ يقسط على القيمتين ، فيقال : كم قيمة هذه الأرض لو بيعت منفردة عن الغراس مع كون الغراس فيها الى ان يموت؟ فاذا قيل : مائة مثلا ، قيل : كم قيمة هذا الغراس لو بيع منفردا عن الأرض مع استحقاقه للبقاء في الأرض إلى حين يموت ويستقلع؟ فاذا قيل : خمسون مثلا ، قسط الثمن على القيمتين ، وكان لكل منهما قيمة حقه.
ولو بيع الغرس منفردا عن الأرض قوّم مستحقا للبقاء في ملك الغير حتى يستقلع ، وإذا امتنعا من البيع وامتنع المعير من بذل الأرش في موضع يجب عليه بذله عند ارادة القلع ، كان للمعير الدخول إلى أرضه والاستظلال بالشجر دون
الانتفاع به من ربط دابة وغيرها ، وله الانتفاع بالأرض كيف شاء ، وهل للمستعير الدخول إلى شجره؟ يقول ان كان الدخول للتفرج والتنزه منع منه قطعا ، لأن الأرض ملك لغيره ، وقد رجع في إعارتها ، فلا يجوز الدخول إليها لغير حاجة.
وان كان ارادة الدخول لسقي الغرس وتلقيح النخل وجذاذ الثمرة ، ولقط الرطب وما شاكل ذلك ، هل يجوز له ذلك أم لا؟ قوى الشيخ رحمهالله عدم الجواز ، لأن المعير قد رجع في العارية فيبطل حكمها ، إلا في مغارس الشجر خاصة لتعلق حق المستعير بها حتى يقلع.
ونص العلامة على جواز الدخول ، لأن مالك الأرض لما أعارها للغراس مع علمه ان الغراس يقر في أرضه وهو يفتقر إلى السقي والتلقيح والجذاذ وغير ذلك تضمن اذن المستعير الدخول لذلك ، والا تضرر المستعير ، وقد قال عليهالسلام : « لا ضرر ولا إضرار » (٢) ، وهذا هو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو قال الراكب : أعرتنيها ، وقال المالك : اجرتكها ، فالقول قول الراكب ، لأن المالك مدعي الأجرة ، وقيل : القول قول المالك في عدم العارية ، فإذا حلف سقطت دعوى الراكب ، ويثبت عليه أجرة المثل لا المسمى ، وهو أشبه.
أقول : القول بأن القول قول الراكب ، هو قول الشيخ رحمهالله لاتفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمة من وجوب الأجرة ، والقول بان القول قول المالك فيحلف ويرجع الى أجرة المثل هو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير.
واختار في القواعد والمختلف انهما يتخالفان ويثبت له الأقل من اجرة
__________________
(٢) الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب ٥ ، حديث ١.
المثل ومما ادعاه ، هذا وإذا كان التنازع بعد استيفاء المنافع أو بعضها ، أما لو كان قبل استيفاء شيء من المنافع كان القول قول المستعير ، لأصالة عدم العقد.
قال رحمهالله : لو فرط في العارية كان عليه قيمتها يوم التلف ، إذا لم يكن لها مثل ، وقيل : أعلى القيم من حين التفريط الى وقت التلف ، والأول أشبه.
أقول : هنا مسألتان :
الأولى : في ان المضمون هل هو القيمة يوم التلف أو أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف؟ المشهور الأول ، لأن العين ما دامت باقية لا يجب غير ردها ولا ينتقل إلى القيمة إلا مع التلف ، فيكون الواجب قيمتها يوم ضمانها بالقيمة ، وهو يوم التلف.
وقيل : أعلى القيم من يوم التفريط الى يوم التلف ، لأنه من حين التفريط صار قبضه مضمونا عليه كالغاصب ، لأنها بعد التفريط مضمونة عليه في جميع الحالات ، ومن جملتها الحالة العليا.
الثانية : فيما إذا اختلفا في القيمة ، قال الشيخان وسلار وابن حمزة وابن البراج : القول قول المالك ، لأن المستعير صار خائنا بالتفريط فلا يكون قوله مقبولا. وقال ابن إدريس : القول قول المستعير ، لأنه منكر به ، واختاره المصنف والعلامة (٣) ، وهو المعتمد.
فروع :
الأول : لو كانت العين مضمونة لا للتفريط ، بل للشرط ثمَّ تلفت واختلفا في القيمة كان القول قول المستعير قطعا لعدم الخيانة ، لأن حجة القائل بأن القول قول المالك صيرورة المستعير خائنا بالتفريط ، فلا يكون قوله مسموعا ، وهذه الحجة منتفية هنا ، إذ التقدير انه لم يفرط ، وانما ضمن لاشتراط الضمان عليه.
__________________
(٣) لم ترد في « ر ٢ ».
الثاني : لو نقصت العين بالاستعمال ثمَّ تلفت ، وكانت مضمونة عليه لاشتراط الضمان أو للتفريط ضمن قيمتها يوم التلف دون ما نقص بالاستعمال ، لأنه مأذون فيه ، إلا على القول بأن المفرط يضمن أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف.
الثالث : لو تلفت العين بالاستعمال كثوب أبلاه اللبس ، احتمل عدم الضمان لاستناد التلف الى فعل مأذون فيه ، ويحتمل الضمان لانصراف الإذن غالبا ، إلى استعمال غير متلف ، فعلى هذا يضمن قيمة آخر حالات التقويم ، وهي القيمة التي لا يفرض له بعدها قيمة.
الرابع : إذا استعار شيئا ليرهنه جاز وكان مضمونا على المستعير وان لم يشترط المعير ضمانه ، ولا فرط المستعير ، لأنه معرض للتلف ، ولأنه ربما بيع بدينه فكان عوضا عن دينه ، فيكون مضمونا عليه ، نص الأصحاب على ذلك ، وذكره العلامة في كتاب الرهن من القواعد والتحرير ، وقال في كتاب العارية من التحرير : ولو تلف من غير تفريط لم يكن على أحدهما ضمانه ، يعني الراهن والمرتهن ، والعمل على الأول.
إذا عرفت هذا فان عيّن المعير قدر الدين أو جنسه أو عين المرتهن أو الحلول أو الأجل لم يجز المخالفة ، فإن خالف كان للمعير فسخ الرهن وانتزاع رهنه ، وان عين أجلا فرهنه إلى أقل منه يكون قد خالف أيضا ، لأنه ربما لم يجد ما يفتكه عند ذلك الأجل القريب ، فيتسلط المرتهن على العين ، بخلاف ما لو عين قدرا فرهنه على أقل منه ، لأنه من رضي بالأكثر يكون قد رضي بالأقل ، وان لم يعين شيئا كان ذلك تفويضا الى المستعير فيرهنه على ما شاء الى أي أمد شاء ، وليس له المطالبة قبل الأجل ، لأنه المالك اذن بعقد لازم ، فليس له المطالبة بغير اختيار المتعاقدين.
كتاب الإجارة
في عقد الإجارة
قال رحمهالله : والعبارة الصريحة عن الإيجاب : آجرتك ، ولا يكفي : ملكتك ، أما لو قال : ملكتك سكنى هذه الدار سنة مثلا ، صح ، وكذا أعرتك ، لتحقق القصد إلى المنفعة ، ولو قال : بعتك هذه الدار ونوى الإجارة لم يصح ، وكذا لو قال : بعتك سكناها سنة لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان ، وفيه تردد.
أقول : للإجارة عبارتان صريحتان : آجرتك وأكريتك ، بأيهما اتى انعقدت الإجارة إجماعا ، وكذا لو قال : ملكتك سكنى هذه الدار سنة بكذا.
ولو قال : أعرتك هذه الدار سنة بكذا ، هل يصح ذلك؟ جزم المصنف بالصحة ، قال : ( لتحقق القصد إلى المنفعة ) ، وجزم العلامة بعدم الصحة ، واستشكل في التحرير ، والمعتمد عدم الصحة لأصالة بقاء الملك على مالكه ، وانما ينتقل عنه مع تحقق الناقل وهو اللفظ المتفق عليه ، ولفظ العارية موضوع لنقل المنافع بغير عوض نقلا غير لازم ، ولفظ الإجارة موضوع لنقل المنافع بعوض نقلا لازما ، فلا يفيد كل منهما حكم الآخر.
ولو قال : بعتك سكناها ، تردد المصنف في الصحة وعدمها ، من ان
الإجارة تمليك المنافع بعوض ، والبيع موضوع لنقل الأعيان والمنافع ، فلا مانع من استعماله في نقل المنافع منفردة عن الأعيان ، ومن أنه لفظ موضوع لنقل الأعيان ، والمنافع تبعا لها ، فلا يجوز استعماله في نقل المنافع خاصة ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم السبب الناقل ، والعقود متلقاة من الشرع ، فيجب الاقتصار على مورد الاذن فيها ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : وهل تبطل بالموت؟ المشهور بين الأصحاب نعم ، وقيل : لا تبطل بموت المؤجر ، وتبطل بموت المستأجر ، وقال آخرون : لا تبطل تموت أحدهما ، وهو الأشبه.
أقول : الإجارة من العقود اللازمة التي لا تبطل إلا بالتقايل (١) ، أو بأحد الأسباب الموجبة للفسخ ، كتجدد العيب المانع من الانتفاع كغرق الأرض وانهدام الدار وما شابه ذلك ، ولا تبطل بالبيع ، بل يتخير المشتري مع عدم العلم ، ولا تبطل بالعذر ، كما لو اكترى جملا للحج ثمَّ بدا له أو مرض ولم يخرج ، لم يكن له فسخ الإجارة ، وكذا لو استأجر دكانا للتجارة ثمَّ تلف قماشه فليس له فسخ الإجارة ، وكذا لو أجر جمله للحج ثمَّ بدا للمؤجر ، أو أجر دكانه أو داره وأراد السفر ثمَّ بدا له عن السفر ، لم يكن له فسخ الإجارة في هذه المواضع وما شاكلها. وقال أبو حنيفة : يفسخ بمثل هذه الاعذار.
ولو حصل الخوف في الطريق كان لكل من المؤجر والمستأجر الفسخ حذرا من التغرير ، سواء كان الخوف على النفس أو المال لوجوب حفظهما ، وعدم جواز التغرير فيهما.
وهل الموت موجب للفسخ؟ اختلف الأصحاب في الموت على ثلاثة أقوال :
__________________
(١) في « ر ٢ » : إلا بالموت أو التقابل.
الأول : البطلان بالموت من أيهما اتفق ، وهو مذهب الشيخ وسلار وابن البراج وابن حمزة ، لتعذر استيفاء المنفعة ان كان الموت للمؤجر ، وتعذر استيفاء الأجرة ان كان الموت للمستأجر ، أما تعذر استيفاء المنفعة ، لأن المستأجر استحق استيفاءها على ملك المؤجر ، وبالموت ينتقل إلى الورثة ويحدث المنافع على ملكهم ، فلا يجوز استيفاء ما ليس بمملوك للمؤجر ، وأما تعذر استيفاء الأجرة ، لأنه استحق من مال المستأجر وبالموت تنتقل التركة إلى الورثة ، ولأنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين ، وقد تعذر ذلك بالموت ، فتبطل الإجارة.
الثاني : بطلانها بموت المستأجر دون موت المؤجر ، نقله الشيخ في المبسوط والخلاف عن الأصحاب ، وقال في المبسوط : وهو الأظهر عندهم ، أي عند الأصحاب ، ووجهه ما قلناه أولا : من انه ربما كان غرضه تخصيص المستأجر دون غيره لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين.
الثالث : عدم البطلان بالموت مطلقا ، وهو مذهب السيد المرتضى وابي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الإجارة عقد ناقل بالإجماع ، وقد اقتضى نقل المنافع إلى المستأجر مدة الإجارة ونقل الأجرة إلى المؤجر ، والأصل البقاء ، والموت لا يسقط حق الغير المتعلق بمال الميت ، ويكون المنتقل إلى الورثة العين مسلوبة المنافع مدة الإجارة ان كان الموت للمؤجر ، ومجموع التركة مع استحقاق الأجرة فيها ان كان الموت للمستأجر ، وتكون الأجرة دينا على المستأجر ، وينتقل حق الميت الى وارثه.
ولو آجر البطن الأول الوقف ثمَّ انقرضوا قبل انتهاء المدة ، استقرب العلامة بطلان الإجارة ، لأن البطن الثاني يتلقى الوقف عن الواقف لا عن البطن الأول ، فالبطن الأول قد انقضت مدتهم لانقراضهم ، وصار الملك الى غيرهم من
غيرهم ، بخلاف الوارث فإنه يتلقى الملك عن الميت.
قال رحمهالله : والعين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلا بتعدّ أو تفريط ، وفي اشتراط ضمانها من غير ذلك تردد. أظهره المنع.
أقول : إذا شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين المستأجرة ، هل يصح هذا الشرط؟ تردد المصنف من عموم قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ، ولأنه شرط سائغ فيجب الوفاء به ، لأنه غير مخالف للكتاب ولا للسنة ، ومن كونه شرطا مخالفا لمقتضى العقد ، لأن عقد الإجارة يقتضي كون العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلا بتعدّ أو تفريط ، وهذا يقتضي ضمانها مطلقا فكان مخالفا لمقتضى العقد ، فيكون باطلا ، وإذا بطل الشرط بطل العقد ، لعدم حصول الرضى بدونه ، وهو المعتمد.
__________________
(٢) لاحظ ص ٤٤.
في شرائط الإجارة
قال رحمهالله : وكذا المميز إلا بإذن الولي وفيه تردد.
أقول : إذا أوقع الصبي المميز العقد بإذن الولي ، هل تصح الإجارة؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشؤه من عموم النص (٣) على عدم اعتبار عبارة الصبي ، ومن انه مميز قد اذن له الولي فانجبر نقصه ، والمعتمد عدم الصحة.
فرع : لو أجر الولي الصبي أو ماله مدة يعلم بلوغه فيها بطلت الإجارة فيما زاد على خمس عشرة سنة من عمره ، وصحت في الباقي ، فلو أجر ابن عشر عشرا ، صحت الإجارة في خمس سنين وبطلت في خمس ، ولو اجره خمسا من عشرة ، فبلغ في أثنائها ، قال الشيخ وابن إدريس : لم يكن للصبي الفسخ ، لأن العقد وقع صحيحا على الصبي أو ماله ، فمن ادعى أن له الفسخ بعد البلوغ كان عليه الدلالة.
وقال العلامة : له الفسخ ، لأن الولاية تابعة للصغر ، وقد زال فتزول
__________________
(٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث ٣ ، وكتاب الحجر ، الباب ١ و٢ ، وكتاب الوصايا ، الباب ٤٥ ، ٤٦ من أبواب أحكام الوصايا.
الولاية ، والعقد تابع لها ، فاذا زالت زال العقد ، ولأنه إذا أوقع العقد إلى مدة يعلم بلوغه في بعضها بطل العقد في الزائد قطعا ، فكذا إذا حصل البلوغ في أثناء المدة التي يمكن بلوغه فيها.
قال رحمهالله : الثاني أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل فيما يكال أو يوزن ليتحقق انتفاء الغرر ، وقيل : تكفي المشاهدة ، وهو حسن ، وتملك الأجرة بنفس العقد.
أقول : هنا مسائل.
الأولى : هل يكفي المشاهدة في مال الإجارة؟ اكتفى بها الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف لأصالة الجواز وانتفاء الغرر لحصول العلم بالمشاهدة. ومنع ابن إدريس من ذلك ، وأوجب العلم بالكيل أو الوزن ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الجهالة مبطلة بالإجماع ، وهي متحققة هنا ، لأن المعهود من عرف الشرع ان المكيل والموزون انما يصح المعاوضة عليه بالكيل أو الوزن ، ولم يكتف الشارع بالمشاهدة في البيع ولا مانع غير الجهالة ، وهي ثابتة هنا فتكون مانعة من الإجارة.
الثانية : أطلق الأصحاب وجوب تعجيل الأجرة ما لم يشترط التأجيل. والمعتمد التفصيل ، وهو ان وقعت الإجارة على عين ذات منافع كالدار والعبد والدابة وما شاكل ذلك ملك المؤجر الأجرة بنفس العقد ، واستحق تسليمها اليه ، ولا يشترط استيفاء المدة ولا مضي مدة يمكن فيها ذلك ، وان وقعت على عمل كخياطة ثوب أو نساجة غزل أو بناء دار ملك الأجير الأجرة بنفس العقد أيضا ، لكن لا يجب تسليمها إلا بتسليم العمل ، فان كان العمل بمنزل المستأجر استحق الأجرة بنفس الفراغ ، وان كان في منزل الأجير لم يستحق إلا بعد تسليم العين.
الثالثة : إذا استأجر شيئا ، هل يجوز ان يؤجره بأكثر مما استأجره مع اتحاد الجنس قبل ان يحدث فيه حدثا؟ منع المصنف من ذلك ، وهو مذهب الشيخين والسيد المرتضى وابي الصلاح وابن البراج في المهذب لثبوت الربا ، ولهم عليه
روايات (٤).
وأجازه ابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأنه قد ملك المنافع بالعقد وصارت ملكه ، فله المعاوضة عليها بما شاء ، ولهم عليه روايات (٥) ، وهو المعتمد.
الرابعة : إذا سكن بعض الدار وآجر الباقي بمقدار الأجرة أو أكثر ، هل يجوز ذلك أم لا؟ منع الشيخ منه ، واختاره المصنف هنا لثبوت الربا ، واجازه ابن البراج وابن إدريس والعلامة ، وهو المعتمد لما تقدم.
الخامسة : إذا استأجره ليحمل له متاعا الى موضع معين بأجرة معينة في وقت معين فان قصر عنه نقص من أجرته شيئا ، هل يجوز ذلك؟ جزم المصنف بالجواز ، وهو المشهور في كتب الأصحاب ، والمستند رواية محمد الحلبي في الموثق ، « قال : كنت قاعدا عند قاض وعنده أبو جعفر عليهالسلام جالس ، فأتاه رجلان ، فقال أحدهما : إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا الى بعض المعادن ، واشترطت عليه ان يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ، لأنه سوق أتخوف أن تفوتني ، فإن أحتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبسته كذا وكذا ، وانه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما؟ فقال القاضي : هذا شرط فاسد ، أوفه كراه ، فلما قام الرجل اقبل الى ابي جعفر عليهالسلام ، فقال : شرطه بهذا جائز ما لم يحط بجميع كرائه » (٦).
ونقل أبو العباس في هذه المسألة أربعة أقوال : الأول : صحة هذا الشرط والعمل بموجبة ما لم يحط بالأجرة فيجب اجرة المثل ، نقله عن الشيخ في النهاية ،
__________________
(٤) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٢٠ وباب ٢١ وباب ٢٢.
(٥) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ٢٠ وباب ٢١ وباب ٢٢.
(٦) الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب ١٣ ، حديث ٢.
قال : وافتى به العلامة ، وهو المعتمد.
الثاني : صحة هذا الشرط والعمل بموجبة ما لم يحط بالأجرة ، فيجب القضاء بالصلح ، نقله عن ابن الجنيد.
الثالث : بطلان الشرط وصحة العقد ، فيجب الأجرة بكمالها ، نقله عن ابن إدريس.
الرابع : بطلانهما معا ، فيجب اجرة المثل ، سواء أوصله في الوقت المعين أو في غيره ، وسواء إحاطة بالأجرة أو لا ، نقله عن العلامة وفخر الدين.
السادسة : إذا قال : ( آجرتك كل شهر بكذا ) ، قال المصنف : صح في شهر بكذا وله في الزائدة أجرة المثل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة. وقال ابن إدريس : تبطل في الجميع ، ويلزم اجرة المثل في الجميع ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن العلم بقدر المنفعة شرط ، وهي مقدرة هنا بالمدة ، والمدة مجهولة فتبطل الإجارة.
احتج الشيخ بأن الشهر الأول معلوم وما عداه مجهول ، فيصح في المعلوم وتبطل في المجهول. والجواب ان المعلوم إذا أضيف إلى المجهول صار مجهولا.
قال رحمهالله : لو قال ان خطته فارسيا فلك درهم ، وان خطته روميا فلك درهمان صح.
أقول : الصحة مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف لعموم « المؤمنون عند شروطهم » (٧) ، وهذا شرط سائغ ، ولأنه استأجره على كل واحد من الفعلين بأجرة معلومة ، فيكون صحيحا.
وقال ابن إدريس : لا يصح هذا العقد ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه عقد مجهول لم يعين فيه العوض ولا المعوض ، لأن العقد لم يوجب شيئا معينا
__________________
(٧) لاحظ ص ٤٤.
فكان باطلا.
والفارسي هو ما يكون بدرز واحد ، والرومي هو ما يكون بدرزين.
قال رحمهالله : لو قال ان عملت هذا العمل في هذا اليوم فلك درهمان وفي غد درهم ، فيه تردد ، أظهره الجواز.
أقول : الجواز مذهب الشيخ في الخلاف ، ودليله ما تقدم ، واختاره المصنف ، واختار ابن إدريس المنع ، وهو المعتمد ، ووجهه انه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلا يصح ، كما لو قال : بعتك هذا بدرهم نقدا وبدرهمين نسيئة شهرين.
قال رحمهالله : ويستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه أو في ملك المستأجر ، ومنهم من فرق.
أقول : قد سبق (٨) البحث في هذه المسألة ، والفرق هو المعتمد ، وهو مذهب العلامة في التحرير ، لأن العمل إذا كان في ملك المستأجر كان كالمقبوض في يده ، فلا يتوقف استحقاق الأجرة بعد الفراغ من العمل الى التسليم لكونها في ملكه ، وتحت يده ، وإذا كانت العين مقبوضة في ملك الأجير وفي تصرفه ، فلا يستحق تسليم الأجرة إلا بعد تسليم العمل ، ولا يحصل الا بتسليم العين الى مالكها.
والمصنف اختار الاستحقاق بنفس الفراغ ، لأنه قد ملك الأجرة بالعقد واستحقها بالعمل ، وإذا استحق الإنسان شيئا وجب تسليمه اليه عند طلبه له ، ولا يجوز تأخيره ، وهو مذهب قوي.
ويتفرع على المذهبين : ما لو تلفت العين بعد الفراغ من العمل وقبل التسليم من غير تفريط ، على القول بالاستحقاق بنفس الفراغ لم تسقط أجرته ، وعلى القول بعدم الاستحقاق قبل التسليم تسقط الأجرة ، كسقوط الثمن مع تلف المبيع
__________________
(٨) المسألة الثانية ص ٣١٦.
قبل قبضه.
قال رحمهالله : ويكره أن يستعمل الأجير قبل ان يقاطع على الأجرة وأن يضمن إلا مع التهمة.
أقول : الذي سمعناه من مشايخنا عليهم رضوان الله وحشرهم مع الأئمة الطاهرين ان مراد المصنف في كراهة التضمين مع عدم التهمة ، كما إذا ادعى المستأجر رد العين فأنكر المالك ، فهنا يكون القول قول المالك فإنه يكره ان يحلف المالك على عدم الرد ثمَّ يغرم المستأجر مع كونه ثقة غير متهم ، وكما إذا تلفت العين المستأجرة فادعى المالك انها تلفت بتفريط من المستأجر فأنكر المستأجر التفريط ، فهنا يكون القول قول المستأجر ، فلو نكلا عن اليمين كره للمالك تغريمه مع كونه ثقة ، ونقل العلامة عبارة المصنف في القواعد من غير زيادة ولا نقصان.
والذي قاله مشايخنا جيد ، ويدل عليه عبارة الشيخ في النهاية ، قال : ولا ينبغي لأحد ان يضمن صانعا شيئا إلا إذا اتهمه في قوله ، فاما إذا كان ثقة مأمونا وجب ان يصدقه ولا يغرمه شيئا. وهذه العبارة تدل على ما قاله مشايخنا ، وقول الشيخ : ( وجب ان يصدقه ) ، ليس مراده بالوجوب اللزوم ، بل الأولوية والاستحباب.
وليس مراد المصنف بالتضمين ان يشترط عليه الضمان في العقد ، لأن ذلك يؤدي الى بطلان العقد عند المصنف ، وقد ذكره آنفا.
قال رحمهالله : ولو أجر غير المالك تبرعا ، قيل : بطلت ، وقيل : وقفت على اجازة المالك ، وهو حسن.
أقول : قد سبق الخلاف في باب البيع في عقد الفضولي (١) ، هل هو باطل من أصله أو موقوف على الإجازة؟ والحكم فيهما واحد.
قال رحمهالله : ولو قدر المدة والعمل ، مثل أن يستأجره ليخيط هذا الثوب
__________________
(١) تقدم ص ١٢.