غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

١

٢

٣

كتاب النكاح

٤

في آداب العقد

قال رحمه‌الله : النكاح مستحب لمن تاقت نفسه من الرجال والنساء ، وإن لم تتق فيه خلاف ، والمشهور استحبابه.

أقول : المشهور استحباب النكاح للقادر عليه ، سواء اتاقت (١) النفس أو لم تتق ، لعموم الأدلة الواردة (٢) في الترغيب فيه ، وقد ذكر المصنف طرفا منها ، فيه كفاية ، وقال الشيخ في المبسوط : تركه أولى لمن لم تتق نفسه إليه ، لأن الله تعالى وصف يحيى عليه‌السلام بكونه حصورا (٣) ، وهو الذي لم يقارب النساء ، ولو لا أفضلية هذا الوصف لامتنع مدحه تعالى على ذلك ، ولا يجوز حمله على إطلاقه إجماعا ، فيحمل على من لم تتق نفسه الى النكاح ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وأكل ما ينثر في الأعراس جائز ، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر نعم.

__________________

(١) في «ن» : تاقت.

(٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١ من أبواب مقدماته وآدابه ، لاحظ جملة الباب.

(٣) آل عمران : ٣٩.

٥

أقول : لا خلاف في جواز أكل ما ينثر في الأعراس ، لا أخذه ، والظاهر ان المراد بالأخذ الممنوع منه هو نقله من المجلس لا التقاطه بعد النثر ، لأن الأكل جائز ولا يمكن الا بالالتقاط ، وظاهر عبارة المصنف تدل على ذلك ، وعبارة القواعد مصرحة به ، لأنه قال : ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه ، فدل على ان المراد بالأخذ هو نقله من المجلس ، وعلى تقدير جواز الأخذ للإذن فيه أو لشاهد (٤) الحال ، هل يملك بالأخذ؟ مذهب الشيخ في المبسوط أنه يملك بالأخذ ، واختاره المصنف والعلّامة في القواعد ، وجزم به في الإرشاد ، لأنه بالإذن فيه والاعراض عنه صار مباحا فيملك بالاستيلاء.

وفيه نظر لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم (٥) يعلم السبب الناقل ، فيكون مباحا مع بقائه على ملك مالكه ويجوز له الرجوع فيه ما دامت العين باقية.

__________________

(٤) في «ن» و «م» : بشاهد.

(٥) في «ن» زيادة : يكن.

٦

في اللواحق

قال رحمه‌الله : يجوز أن ينظر الى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها ، وله تكرار النظر إليها ، وان ينظرها قائمة وماشية ، وروي جواز أن ينظر الى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ، وكذا يجوز أن ينظر الى أمة يريد شراءها والى شعرها ومحاسنها ، ويجوز النظر الى أهل الذمة وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء ، لكن لا يجوز ذلك لتلذذ ولا لريبة ، ويجوز ان ينظر الرجل الى مثله ما خلا عورته ، شيخا كان أو شابا ، حسنا أو قبيحا ، ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في مقامات :

الأول : في الأجنبية والنظر إليها لا يخلو إما ان يكون لضرورة أو لحاجة أو لغير حاجة ، فالضرورة مثل ان ينظر الطبيب إليها ، فإنه يجوز له النظر الى موضع العلة وان كانت العورة ، لأنه لا يمكن العلاج الا بعد الوقوف عليه. والحاجة مثل ان يتحمل شهادة على امرأة ، فله أن ينظر الى وجهها من غير ريبة ليعرفها ويحققها ، وكذا لو كان بينه وبينها معاملة أو مبايعة فيعرف وجهها ليعلم من التي

٧

يعطيها الثمن ان كانت بائعة والمثمن ان كانت مشترية ، فان قيل : إذا كان البيع نقدا بنقد فما الحاجة (٦) الى معرفة الوجه فإنه يدفع الثمن الى من دفع (٧) اليه المثمن أو بالعكس ، فلا حاجة الى المعرفة فلا يباح النظر.

قلنا : الحاجة حاصلة كما لو ظهر ما صار اليه مستحقا فإنه يفتقر الى معرفتها ليدعي عليها بما صار إليها ، وروي : «ان امرأة أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لتبايعه فأخرجت يديها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيد امرأة أو يد رجل؟ فقالت : يد امرأة ، فقال : أين الحناء» (٨). فدل هذا الخبر على جواز النظر عند الحاجة ، لأنه إنما عرف انه لا حنا على يديها (٩) بالنظر إليها مكشوفة ، ومن الحاجة ان يريد نكاحها ، فيجوز له ان ينظر (١٠) الى وجهها وكفيها والى جميع جسدها من وراء الثياب مقبلة ومدبرة ، وهذا إجماع بشرط إمكان النكاح عرفا وشرعا ، فلو انتفى أحد الإمكانين لم يجز.

وقال المصنف : (وروي جواز ان ينظر الى شعرها ومحاسنها) ، أمّا رواية الشعر فهي إشارة إلى رواية عبد الله بن سنان ، «قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يتزوج المرأة فيجوز أن ينظر الى شعرها؟ فقال (١١) : نعم انّما يريد ان يشتريها بأغلى الثمن» (١٢).

وأمّا رواية المحاسن فرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن

__________________

(٦) في «ن» : فلا حاجة.

(٧) في «ن» : يدفع.

(٨) مسند أحمد ٦ : ٢٦٢.

(٩) في «م» و «ن» : يدها.

(١٠) في «ن» : النظر.

(١١) في «م» و «ن» : قال.

(١٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٦ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ٧.

٨

علي عليه‌السلام : «في رجل نظر الى محاسن امرأة يريد ان يتزوجها ، قال : لا بأس ، انما هو مستام» (١٣).

تنبيه : أكثر عبارات الأصحاب تعطي الفرق بين المحاسن وبين الوجه والكفين ، لجزمهم بجواز النظر الى الوجه ، وترددهم بجواز النظر الى الشعر والمحاسن ، وعبارة أبي العباس في المهذب مصرحة بالمغايرة ، لأنه بعد ان ذكر جواز النظر الى الوجه والكفين ، قال : وهو إجماع من علماء الإسلام. بقي البحث في الشعر والمحاسن ، هل يجوز النظر الى ذلك أم لا؟ وهذا تصريح بالمغايرة وابن إدريس عرف المحاسن بالوجه واليدين (١٤) ، لأنه قال : ولا بأس ان ينظر الرجل الى أمة يريد شراءها وينظر الى شعرها ومحاسنها ووجهها ويديها فحسب ، فقوله : (ووجهها ويديها فحسب) يريد به المحاسن ، لأن قوله ومحاسنها معطوف على شعرها في جواز النظر ، وقوله : (ووجهها ويديها) عطف بيان ، يريد به تفسير المحاسن ، فعلى هذا يكون التردد في الشعر خاصة.

وان كان النظر إلى الأجنبية لغير (١٥) حاجة فقد جوز أكثر الأصحاب النظر الى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكم أوّل نظرة ، فلا تتبعوها بالثانية» (١٦).

هذا مع عدم التلذذ وخوف الفتنة ، فإن حصل أحدهما انتفى الجواز.

وذهب فخر الدين الى المنع من ذلك ، ونقله عن والده في التذكرة ، لعموم

__________________

(١٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٦ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ٨.

(١٤) ليست في «م».

(١٥) في «ن» : بغير.

(١٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث (١١ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٧) مع اختلاف يسير.

٩

الآية (١٧) ، وهو أحوط.

الثاني : في النظر إلى الأمة ، وهو لا يخلو إمّا ان يريد شراءها أو لم يرد ، فان اراده جاز له النظر الى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها ، قال العلّامة في التذكرة : وله ان يمسّها بيده ويقلبها إلّا العورة لرواية أبي بصير (١٨) ، عن الصادق عليه‌السلام.

وان لم يرد شراءها ، قال العلامة في التذكرة : لم يجز النظر إلّا الى الوجه والكفين ، لقول الصادق عليه‌السلام : «لا أحب الرجل (١٩) ان يقلب جارية إلّا جارية يريد شراءها» (٢٠) ، وسأله حبيب بن معلى الخثعمي ، «قال : اني اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت ، قال : اما لمن تريد شراءها فليس به بأس وأمّا لمن لا تريد ان يشتري فإني أكرهه» (٢١) دلّ هذا الخبر على كراهة (٢٢) النظر من غير تحريم ، وظاهر ابن إدريس تحريم (٢٣) المنع لغير المشتري لعموم (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) (٢٤).

ومما يقوي الأول قول الشيخين بجواز النظر الى نساء أهل الذمة وشعورهن إلّا لريبة أو تلذذ (٢٥) ، لأنهن بمنزلة الإماء ، ومما يقويه أيضا قولهم النظر واللمس

__________________

(١٧) النور : ٣٠.

(١٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٠ من أبواب بيع الحيوان ، حديث ١.

(١٩) في «م» و «ن» : للرجل.

(٢٠) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٢٠ من أبواب بيع الحيوان ، حديث ٣.

(٢١) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٢٠ من أبواب بيع الحيوان ، حديث ٢.

(٢٢) في «ن» : كراهية.

(٢٣) ليست في «م» و «ن».

(٢٤) النور : ٣٠.

(٢٥) في «ن» : لتلذذ.

١٠

لما (٢٦) يسوغ لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكفين لا ينشر الحرمة.

فرع : الوكيل في التزويج وفي شراء الأمة ان كان وكيلا مطلقا بحيث يزوجه بمن شاء ويشتري له من يشاء (٢٧) كان له النظر ، كما لو كان الزواج أو الشراء لنفسه ، بل أبلغ ، لأنه يجب عليه تحري المصلحة لموكله ، وذلك لا يتم إلّا بالنظر ، وان كان وكيلا على زواج معينة أو شراء معينة ، فلا يخلو اما ان يتراضيا على النكاح والشراء ولم يبق غير العقد أو لم يتراضيا ، فان كان الأول لم يجز للوكيل النظر ، لأنه وكيل على إيقاع العقد فقط.

وان كان الثاني جاز له النظر ، لأن الظاهر انه أقامه مقام نفسه على شي‌ء معين فلا بد ان ينظر اليه مع إمكان النظر ليعلم هل هو صالح لموكله (٢٨) أو غير صالح.

الثالث : في النظر الى نساء أهل الذمة والى شعورهن ، والمشهور جوازه ، لأنهن بمنزلة الإماء لا حرمة لهن ، كما لا حرمة للأمة (٢٩) ، ولما رواه محمد بن يعقوب يرفعه إلى السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حرمة لنساء أهل الذمة ، له أن ينظر الى شعورهن وأيديهن» (٣٠).

وهذا بشروط ثلاثة : ان لا يكون النظر لريبة ، ولا تلذذ ، ولا يخاف الافتتان ، فان حصل شي‌ء من ذلك حرم ، وذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف الى عدم الجواز ، لعموم قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ

__________________

(٢٦) في «ن» : الذي.

(٢٧) في «ن» : شاء.

(٢٨) ليست في «م».

(٢٩) «ن» : (لنساء أهل الذمة) بدل : (للأمة).

(٣٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١١٢ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ١.

١١

أَبْصارِهِمْ) (٣١) والأول هو المعتمد ، وهو مذهب الشيخين (٣٢) وابن البراج والعلامة في القواعد والتحرير والإرشاد.

الرابع : في النظر الى المحارم ، والمراد بالمحارم هنا كلّ امرأة يحرم نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو ملك يمين ، دون من حرم نكاحها بسبب غير ذلك كالمطلقة تسعا للعدة والمزني بها ، وهي تحت بعل أو معتدة أو كالملاعنة ، فإن هؤلاء لا يجوز النظر إليهن إجماعا وإن حرم نكاحهن مؤبدا.

وأما القسم الأول فيجوز النظر الى الوجه والكفين إجماعا ، ومثله (٣٣) الثدي حالة الرضاع لحصول المشقة بالتحرز منه ، أمّا النظر اليه غير حالة الرضاع والنظر الى البدن ففيه خلاف ، والمشهور الجواز الى الجميع عدا العورة ، لقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ) (٣٤) الآية ، ووجه المنع عموم (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)

الخامس : الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء ، وهو الذي لا يبلغ مبلغا يحكي ما يرى ، فهذا يجوز لهن (٣٥) التبرج قباله والنظر إليه ، لأن وجوده وعدمه سواء وامّا إذا بلغ مبلغا يحكي ما يرى فلا يجوز التبرج قباله.

وهل يجوز النظر اليه قبل بلوغه؟ نقول ان كان في النظر اليه تحريك شهوة أو شوق (٣٦) الى الرجال فلا يجوز قطعا ، وان لم يكن فيه شي‌ء من ذلك ، احتمل الجواز وعدمه وهو أحوط.

__________________

(٣١) النور : ٣٠.

(٣٢) ليست في «م».

(٣٣) «ن» : ومثلهما.

(٣٤) النور : ٣١.

(٣٥) ليست في «ن».

(٣٦) «ن» : تشوق.

١٢

السادس : الشيخ والشيخة إذا صارا في غير محل الشهوة وقعدا عن النكاح جاز النظر إليهما لانتفاء دواعي الشهوة ، وكذا حكم الصبية الصغيرة التي ليست في محل الشهوة ، ولا يجوز النظر إلى العورة في حال لغير الزوجين وغير الطبيب حالة العلاج.

قال رحمه‌الله : هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأظهر ، لعموم المنع ، وملك اليمين المستثنى بالآية المراد به الإماء.

أقول : قيل : يجوز للخصي النظر إلى المرأة سواء كانت مالكته (٣٧) أو أجنبية ، أمّا الأجنبية فقوله تعالى (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (٣٨) ، وأمّا المالكة فقوله (٣٩) تعالى (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) (٤٠) ، وذهب العلامة في المختلف الى جواز نظره الى مالكته دون الأجنبية ، والمشهور المنع منهما لتفسير : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) بالشيخ الفاني الذي ذهبت شهوته للنساء (٤١) ، وتفسير ملك اليمين بالإماء دون العبيد ، لعموم قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) (٤٢).

قال رحمه‌الله : الوطي في الدبر فيه روايتان ، إحداهما : الجواز ، وهي المشهورة بين الأصحاب ، لكن على كراهية شديدة.

أقول : رواية الجواز رواية عبد الله بن أبي يعفور (٤٣) ، عن الصادق عليه

__________________

(٣٧) «ن» : مالكة.

(٣٨) النور : ٣١.

(٣٩) «م» و «ن» : فلقوله.

(٤٠) النور : ٣١.

(٤١) تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ١٠٢.

(٤٢) النور : ٣٠.

(٤٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٣ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ٢.

١٣

السلام ، وهو المشهور بين الأصحاب ، للأصل ، وللرواية ، ولقوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) (٤٤) ورواية العدم رواية سدير (٤٥) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهو مذهب ابن حمزة من أصحابنا ، وبه قال جميع العامة غير مالك ، لأنه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك ان وطي المرأة في دبرها حلال ، ثمَّ قرأ (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ).

قال رحمه‌الله : العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن ، قيل : هو محرم ، وتجب معه دية النطفة عشرة دنانير ، وقيل : هو مكروه وإن وجبت الدية ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحريم العزل أو كراهته ، فالتحريم مذهب المفيد وابن حمزة ، لأن حكم النكاح الاستيلاد ولا يحصل غالبا مع العزل ، فيكون منافيا لغرض الشارع.

والكراهة مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، وما رواه محمد بن مسلم ، «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل؟ فقال : ذلك الى الرجل يصرفه حيث شاء» (٤٦) وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم‌السلام «انه سئل عن العزل؟ فقال : أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكرهه» (٤٧).

الثانية : في دية النطفة ، وأوجبها الشيخ وابن إدريس ، واختاره (٤٨)

__________________

(٤٤) البقرة : ٢٢٣.

(٤٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٢ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ٢.

(٤٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٥ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ١.

(٤٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٦ من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث ١.

(٤٨) ليست في «م» و «ن».

١٤

المصنف هنا ، والعلامة في الإرشاد ، والاستحباب مذهب المصنف في باب الديات ، واختار العلامة وأبو العباس في المقتصر في خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٥
١٦

في خصائص النبي (ص)

قال رحمه‌الله : منها : ما هو في النكاح ، وهو تجاوز الأربع بالعقد ، وربما كان الوجه الوثوق بعدله بينهن دون غيره.

أقول : الوثوق بالعدل ليس علة تامة لإباحة تجاوز الأربع بالعقد (٤٩) ، والا لسرت الى غيره ممن يحصل الوثوق بعدله من المعصومين ، والا لكان كل واحد من أئمتنا عليهم‌السلام يباح له ذلك الموثوق (٥٠) بعدله فلما لم (يباح ذلك) (٥١) لهم بإجماع المسلمين مع الوثوق بعدلهم عندنا ثبت ان الوثوق بالعدل ليس علة تامة للإباحة ، وانما الوجه في ذلك الإكرام والتفضيل من الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليحصل له التمييز عن غيره من رعيته.

قال رحمه‌الله : وتحريم الصدقة الواجبة ، وفي المندوبة في حقه خلاف.

أقول : إنما عدّ تحريم الصدقة الواجبة من خواصه مع تحريمها على جميع

__________________

(٤٩) ليست في «ن».

(٥٠) «م» و «ن» : للوثوق.

(٥١) من «م» ، وفي الأصل كلمة غير مقروءة.

١٧

مستحقي الخمس ، لأن التحريم على غيره بسببه ، لأن التحريم عليهم بسبب استحقاقهم الخمس ، وانما استحقوه به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرفعهم الله تعالى عن الصدقة الواجبة لكونها أوساخا ، وعوّضهم عنها بالخمس تعظيما لرسوله وتشريفا له ولأهل بيته عليهم‌السلام ، فلما كان هو السبب في ذلك عدّها من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأما الصدقة المندوبة فقد توقف الشيخ في المبسوط فيها ، والأكثر على عدم تحريمها كباقي بني هاشم.

قال رحمه‌الله : تحرم زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله على غيره.

أقول : أما التي مات عنها بعد الدخول بها فإنها تحرم على غيره إجماعا ، وهل تحرم التي لم يدخل بها؟ قال العلامة في التحرير : زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله كلهن دخل بهن. فعلى ما قال العلامة لو قدرنا أنه مات عن غير مدخول بها ، هل تحرم على غيره؟ الظاهر ذلك ، لدخولها في اسم الزوجات فتدخل في الآية (٥٢).

ويحتمل العدم لأصالة الإباحة فيقتصر بالتحريم على المدخول بها دون غيرها.

واما من فارقها في حياته اما بفسخ كالمرأة التي وجد بكشحها بياضا ففسخ نكاحها ، أو بطلاق كالمرأة التي قالت : أعوذ بالله منك ، فطلقها ، هل للغير نكاحها؟ يحتمل ذلك ، لأصالة الإباحة ، وقوله تعالى (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (٥٣) دال على التحريم بعد الموت فيبقى ما قبله على أصالة الإباحة.

ويحتمل المنع وهو المعتمد ، لأن تحريمهن بعد الموت إكرام له عليه‌السلام ،

__________________

(٥٢) الأحزاب : ٥٣.

(٥٣) المصدر المتقدّم.

١٨

والإكرام في حال الحياة أولى منه بعد الموت ، فيكون التحريم في حال الحياة أبلغ وأولى منه بعد الموت.

قال رحمه‌الله : من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله القسمة بين أزواجه ، لقوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) ، وهو ضعيف ، لأن في الآية احتمالا يرفع دلالتها ، إذ يحتمل أن تكون المشية في الإرجاء متعلقة بالواهبات.

أقول : ليس للمانعين من وجوب القسم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة غير هذه الآية (٥٤) ، وقد نقل الشيخ رحمه‌الله في تفسيرها وجوها بعضها يدل على عدم وجوب القسم عليه ، وبعضها لا يدل على ذلك ، فالذي يدل على عدم الوجوب ما نقله عن مجاهد ، قال (٥٥) : معناه تعتزل من شئت من نسائك فلا تأتيها ، وتأتي من شئت من نسائك فلا تقسم لها.

قال الشيخ : فعلى هذا يكون القسم ساقطا عنه ، قال : وكان ممن أرجى ميمونة وأم حبيبة وجودية (٥٦) وصفية وسودة ، وكان يقسم لهن من نفسه وماله ما شاء ، وكان ممن يأوي عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ، وكان يقسم بينهن نفسه وماله بالسوية.

ومثله ما نقله عن قتادة ، قال : كان نبي الله يقسم بين أزواجه فأوحى (٥٧) الله له ترك ذلك.

ونقل عن ابن عباس ان معناه : أن تترك نكاح من شئت وتنكح من تشاء من نساء أمتك ، ونقل عن زيد بن أسلم أن الآية نزلت في اللاتي وهبن أنفسهن ،

__________________

(٥٤) الأحزاب : ٥١.

(٥٥) ليست في «م».

(٥٦) «م» و «ن» : جوزية.

(٥٧) «م» و «ن» : فأحل.

١٩

فقال الله له : تزوج من شئت منهن واترك من شئت ، قال : وهو اختيار الطبرسي.

إذا عرفت هذا ، فالمصنف اختار هذا الوجه من وجوه تفسير هذه الآية ، وهو ظاهر الشيخ في التبيان ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكلف بالأحكام الشرعية كغيره من المكلفين الا ما أخرجه النص مما اختص به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يثبت تخصيصه بهذا الحكم لحصول الاحتمال الرافع للتخصيص الذي (٥٨) ثبت في العقد (٥٩).

__________________

(٥٨) في «ن» بزيادة : الأصل عدمه ، والعلامة جزم في القواعد بعدم وجوب القسم عليه ، واستقرب في التحرير الوجوب.

(٥٩) (ثبت في) ليست في «م» و (ثبت في العقد) ليست في «ن».

٢٠