غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٥

وان كان الشراء في الذمة وأطلق لزمه البيع ، وان ذكر ان الشراء للموكل بطل ، وكل موضع بطل فيه البيع ترجع العين إلى البائع ، وكل موضع يصح البيع يكون العين للموكل ، وانما يلزم الوكيل البيع ظاهرا ، وطريق الاستحلال ما ذكرناه.

٣٤١
٣٤٢

في ما لا تصح فيه الوكالة

قال رحمه‌الله : والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش.

أقول : ذهب المصنف الى عدم جواز التوكيل في حيازة المباحات ، وهو بناء على انها تملك بالحيازة من دون النية ، فإذا ملكها بالاستيلاء لم ينتقل عنه الى الموكل ، ومن قال ان تملك المباحات يفتقر إلى النية أجاز التوكيل في ذلك وكان ما يجوزه للموكل ، لأنه حازه انه لموكله ، فلا يدخل في ملك الوكيل ، لأنه لم ينو التملك لنفسه ، وقد سبق (١) البحث في تحقيق افتقار تملك المباحات إلى النية في باب الشركة ، فلا وجه لإعادته.

قال رحمه‌الله : وفي الجهاد على وجه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : وأما الجهاد ، فلا يصح فيه النيابة بحال ، لأن كل من حضر الصف توجه عليه فرض القتال وكيلا كان أو موكلا ، وقد روي (٤) انه يدخله النيابة ، وقال ابن البراج : تدخله النيابة ، واختاره العلامة ، قال : ولهذا قال : صح الاستئجار عليه.

__________________

(١) تقدم ص ٢٣٩.

(٤) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ٨ جهاد العدو وما يناسبه حديث ١.

٣٤٣

وقوله : ( على وجه ) أي إذا لم يتعين عليه ، مثل ان يستنيب قبل ان يحضر الصف ولم يكن عينه الإمام للخروج ، فهذا يجوز ان يستنيب في الجهاد لعدم تعينه.

قال رحمه‌الله : ولو وكله على كل قليل أو كثير ، قيل : لا يصح لما يتطرق من [ احتمال ] الضرر ، وقيل : يجوز ، ويندفع الحال باعتبار المصلحة ، وهو بعيد عن موضع الفرض ، نعم لو وكّله على كل ما يملكه صح ، لأنه يناط بالمصلحة.

أقول : القول بعدم الصحة قول الشيخ في الخلاف ، لأن في ذلك ضررا عظيما ، لأنه ربما ألزمه بالعقود بما لا يمكنه الوفاء به ، أو يؤدي الى ذهاب جميع ماله ، مثل ان يزوجه بأربع حرائر ويطلقهن قبل الدخول ، فيلزمه نصف مهورهن ثمَّ يزوجه بأربع حرائر أخرى ويطلقهن قبل الدخول ، وهكذا ، أو يشتري له من الأرضين والعقارات وغيرها ما لا حاجة له فيه ، وفي ذلك ضرر عظيم ، وما يؤدي الى الضرر فهو باطل ، واختاره فخر الدين.

وقال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن البراج وابن إدريس بالجواز ، واختاره العلامة في الإرشاد والمختلف ، لأن كل واحد من الأفعال التي تدخله النيابة يصح التوكيل فيه على حدته ، فاذا عم الوكالة دخل الجميع تحتها ، والضرر الذي ذكره الشيخ مدفوع ، لأن فعل الوكيل منوط بالمصلحة ، سواء كانت عامة أو خاصة ، فكل فعل يفعله ان كان فيه مصلحة للموكل كان صحيحا وإلا كان باطلا ، وهذا هو المعتمد.

وقول المصنف : ( وهو بعيد عن موضع الفرض ) مراده إذا خصصنا فعل الوكيل بما فيه مصلحة كان بعيدا عن موضع الفرض ، إذ الفرض انه وكيل في كل قليل وكثير مما للموكل ان يفعله ، وذلك ليس مقيدا بالمصلحة ، فالتقييد بالمصلحة إخراج للمسألة عن موضعها.

٣٤٤

والجواب يعلم مما سبق (٥) من ان فعل الوكيل منوط بالمصلحة بخلاف الموكل ، فلو وكل في بيع عين مشخصة لم يجز للوكيل ان يبيعها بأقل من ثمن المثل والموكل له ذلك فقد ظهر انه ليس للوكيل ان يفعل كل ما يفعله الموكل إذ له ان يتصدق ويهب ويحابي ، وليس للوكيل ذلك سواء كانت الوكالة عامة أو خاصة.

وقوله : ( نعم لو وكله على ما يملك صح ، لأنه يناط بالمصلحة ) الضمير في ذلك عائد إلى الوكيل ، اي لو قال : وكلتك على قليل وكثير مما يملك فعله ، صح ، لأن الوكيل لا يملك فعل ما ليس بمصلحة فيكون وكالة صحيحة لتقييدها بالمصلحة ، ولا يجوز عود الضمير الى ما يملكه الموكل من التصرفات ، لأنه يملك كل قليل وكثير مما فيه مصلحة ومما ليس فيه مصلحة ، فلا فرق حينئذ بين المسألتين.

قال رحمه‌الله : ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه ، كالوصية والصدقة والطلاق على رواية.

أقول : جواز الوكالة في هذه الأشياء مبني على جواز مباشرتها من الموكل ، وقد سبق البحث في ذلك في باب البيع ، والمعتمد عدم الجواز مباشرة وتوكيلا.

قال رحمه‌الله : وتصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ، وللحاضر على الأظهر.

أقول : منع الشيخ في النهاية من توكيل الحاضر في الطلاق ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج ، لرواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام « قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق » (٦). فحملوها على الحاضر ، وحملوا الروايات (٧) الدالة على

__________________

(٥) ص ٣٤٤.

(٦) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٩ أبواب مقدماته وشرائطه ، حديث ٥ وفيه عن ابن سماعة.

(٧) الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب ٣٩ من أبواب مقدماته وشرائطه.

٣٤٥

الجواز على الغائب جمعا بين الأدلة.

وقال ابن إدريس بالجواز ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لأصالة الصحة ، ولأنه من الأفعال القابلة للنيابة لوقوع الإجماع على جواز توكيل الغائب في الطلاق ، وإذا ثبت قبوله للنيابة جاز نيابة الحاضر فيه ، إذ لا مانع من ذلك غير الرواية المذكورة ، وهي مع ضعف سندها غير دالة على مطلوب الشيخ ، لأنها دالة على المنع مطلقا وهو لا يقول به.

والمراد بالحضور هو الحضور في البلد وان كان غائبا عن مجلس الطلاق ، فعلى القول بالمنع من وكالة الحاضر لا يصح وكالته مع غيبته عن مجلس الطلاق وحضوره في البلد.

٣٤٦

في الوكيل

قال رحمه‌الله : ويجوز للمرأة ان تتوكل في طلاق غيرها ، وهل يجوز في طلاق نفسها؟ قيل : لا ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : واما المرأة فإنها تتوكل لزوجها في طلاق نفسها عند الفقهاء ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، والأظهر انه لا يصح ، وتبعه ابن إدريس على عدم الصحة. قال العلامة : والوجه الجواز ، لأنه فعل يقبل النيابة صدر من اهله فكان واقعا عملا بالأصل ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولا يتوكل الذمي على المسلم للذمي ولا للمسلم على القول المشهور ، وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم؟ فيه تردد ، والوجه الجواز على كراهية.

أقول : لا يخلو حال الوكيل والموكل والموكل عليه عن ثمانية أقسام :

الأول : ان يتوكل المسلم للمسلم على المسلم ، وهذا لا نزاع فيه.

الثاني : ان يتوكل المسلم للمسلم على الذمي ، وهذا لا نزاع في صحته أيضا.

٣٤٧

الثالث : ان يتوكل المسلم على الذمي للذمي ، وهذا صحيح أيضا.

الرابع : ان يتوكل الذمي على ذمي ، وهذا صحيح أيضا.

الخامس : ان يتوكل الذمي للمسلم على الذمي وهذا لا شك في صحته.

السادس : ان يتوكل الذمي للذمي على مسلم ، ولا شك في بطلان هذا القسم.

السابع : ان يتوكل الذمي على مسلم لمسلم. ذهب المصنف الى عدم الجواز ، وهو المشهور بين أصحابنا لإثبات السبيل على المسلم (٨) ، وهو غير جائز.

الثامن : ان يتوكل المسلم للذمي على مسلم ، وقد تردد المصنف في صحة هذه الوكالة ثمَّ اختار الجواز ، ومنشأ التردد من أصالة الجواز ، ولأن للذمي مطالبة المسلم بالحقوق ، فيكون تولي المسلم لذلك أولى ، وهو مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة.

ومن ان في ذلك سلطنة وسبيلا ، فكما لا يجوز ان يتسلط الذمي على المسلم كذا لا يجوز أن يسلط المسلم على المسلم وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وبه قال المفيد وأبو الصلاح وسلار.

__________________

(٨) النساء : ١٤١.

٣٤٨

في ما به تثبت الوكالة

قال رحمه‌الله : ولا بشاهد ويمين على قول مشهور.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم ثبوت الوكالة بشاهد ويمين ، ولا أعلم في ذلك خلافا ، لأن جميع الولايات لا تثبت بغير الشاهدين العدلين الذكرين ، والمصنف لما لم يقف على دليل مقنع عنده على ذلك نسبه الى القول المشهور ، كما جرت عادته في ذلك من ان كل قول يجده مشهورا بين الأصحاب لا يختلفون فيه ولم يجد عليه دليلا أشار إليه بالمشهور ، وقد أشرنا الى ذلك في أول هذا الشرح (٩).

والظاهر ان الذي منع المصنف من الجزم في هذه المسألة نظره الى قاعدتين : إحداهما ان الولايات لا تثبت إلا بالشاهدين ، والأخرى كلما كان مالا أو المقصود منه المال يثبت بشاهد ويمين ، والوكالة قد يكون المقصود منها المال ، كما لو وكل وكيلا في قبض دينه من زيد ، فدفع زيد الى الوكيل فأنكر الموكل الوكالة ، فأقام الغريم شاهدا واحدا بالوكالة ، فإنه يحتمل ثبوتها بالشاهد واليمين ، لأن المقصود هنا إثبات دفع المال وما شابه ذلك ، فلما عمل الأصحاب بالقاعدة

__________________

(٩) الجزء الأول ص ٣٨ ـ ٣٩.

٣٤٩

الأولى وتركوا الثانية ـ مع احتمال جواز العمل بها ـ لم يجزم بما عملوا به لعدم ترجيح قاعدتهم التي بنوا عليها على القاعدة التي تركوها.

قال رحمه‌الله : ولو اختلفا في لفظ العقد بأن شهد أحدهما أن الموكل قال : وكلتك ، وشهد الآخر انه قال استنبتك ، لم تقبل ، لأنها شهادة على عقدين ، إذ صيغة كل واحد منهما مخالفة للأخرى ، وفيه تردد ، إذ مرجعه إلى أنهما شهدا في وقتين.

أقول : قال الشيخ بعدم القبول لما ذكره المصنف ، وقال ابن الجنيد بالقبول ، والمعتمد ان شهدا على الإنشاء لم يقبل وكان الحق ما قاله الشيخ ، وان شهدا على الإقرار قبل وكان الحق ما قاله ابن الجنيد ، ولو قال أحدهما : ( أشهد انه وكله ) ، وقال الآخر : ( أشهد أنه استنابه ) ولم يحكيا قول الموكل جاز بغير خلاف.

قال رحمه‌الله : لو ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم فلا يمين عليه. الى آخر المسألة.

أقول : لا يخلو المال الذي ادعى الوكالة في قبضه من ان يكون عينا أو دينا. وعلى التقديرين إما ان يعترف الغريم بالوكالة أو لا ، والأول ان يكون المال عينا وينكر الغريم الوكالة ولا بينة ، فليس لهذه الدعوى حكم في وجوب الدفع إجماعا ، سواء صدقه الغريم أو كذبه ، فلا يجب التسليم اليه مع التصديق ، لأن تصادق الغريم والوكيل على ثبوت الوكالة لا ينفذ (١٠) على الموكل ، وهل يجوز الدفع؟ قال الشيخ في المبسوط بالجواز ، والمشهور العدم.

الثاني : ان يكون المال دينا وينكر الغريم الوكالة ولا بينة ، وهنا لا يخلو إما ان يدعي عليه العلم أو لا ، فان ادعى عليه العلم لا يخلو إما ان يعترف بالوكالة أو ينكرها ، فان اعترف بها ، هل يجب التسليم إليه أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : لا

__________________

(١٠) في « ر ٢ » : ( يتعلق بحق له ) بدل : ( ينفذ ).

٣٥٠

يجب ، وهو اختيار المصنف والعلامة. وقال ابن إدريس : يجب الدفع إليه ، لأنه صار وكيلا عليه بتصديقه إياه ، لأن إقرار العقلاء على نفوسهم جائز (١١).

ووجه الأول انه لا يجبر على دفع غير مبرئ ، وهذا الدفع غير مبرئ ، لاحتمال إنكار الوكالة فيكون القول قوله في ذلك ، ومن هذين الوجهين نشأ التردد ، والمعتمد عدم وجوب الدفع.

وان أنكر العلم ، هل يجب اليمين؟ قال ابن إدريس : يجب اليمين وهو بناء على قاعدته من وجوب الدفع مع الاعتراف ، وهذه قاعدة مطردة في جميع الأحكام ان كل موضع يجب الحق مع الإقرار يجب اليمين مع الإنكار ، وما لا فلا.

فرعان :

الأول : إذا ادعى إحالة الغائب عليه فصدقه احتمل وجوب الدفع ، لأن الحوالة ناقلة للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وقد اعترف الغريم بالحوالة فيكون قد اعترف بمال في ذمته فيجب دفعه اليه ، وهو المعتمد.

ويحتمل عدم وجوب الدفع ، لاحتمال إنكار المحيل الحوالة فلا يجبر الغريم بالدفع ، وهو ضعيف ، لأن احتمال إنكار الحوالة ـ بل تحقق إنكارها ـ لا يوجب إسقاط حق المحتال عليه ، والفرق بين دعوى الحوالة ودعوى الوكالة ظاهر ، لأن دعوى الحوالة يتضمن إثبات حق لنفسه وقد اعترف له ، فيجب دفعه اليه ، ودعوى الوكالة تتضمن استحقاق إثبات يده على مال الغير.

الثاني : لو ادعى انه وارث الغريم ولا وارث سواه ، فان صدقه وجب الدفع وان كذبه وجبت اليمين ، فان دفع المال وظهر وارث سواه فلا غرم ، فان كان لتصديقه إياه غرم حصة الوارث.

__________________

(١١) الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب ٣ أبواب الإقرار ، حديث ٢.

٣٥١
٣٥٢

في اللواحق

قال رحمه‌الله : ولو ادعى بعد ذلك ان تلف المال قبل الامتناع ، أو ادعى الرد قبل المطالبة ، قيل : لا تقبل دعواه ولو أقام بينة ، والوجه انها تقبل.

أقول : إذا طالب الموكل الوكيل بالرد فقال : ( غدا أرده عليك ) مع تمكنه من رده في الحال كان ضامنا ، فان ادعى بعد ذلك التلف ، وذكر انه قبل المطالبة وادعى انه ردّه قبل (١٢) لم يقبل قوله ، لأنه صار ضامنا بتأخيره للرد مع الإمكان ، فإن أقام بينة قال الشيخ : فيه وجهان :

أحدهما : أنها تقبل ، وهو الصحيح ، واختاره المصنف ، لأنه أقامها على تلف أو رد ، ولو صدقه عليه لا يدفع عنه الضمان ، فمع التكذيب تقبل البينة ، وقيل : لا تقبل دعواه ولا بينة (١٣) ، لأنه مكذب لها بقوله : ( أرده عليك ) فلا تكون مقبولة ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

قال رحمه‌الله : كل من في يده مال لغيره أو في ذمته له أن يمتنع من التسليم

__________________

(١٢) في « ن » و« ر ٢ » : قبلها.

(١٣) كذا في النسخ.

٣٥٣

حتى يشهد صاحب الحق بالقبض ، ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده وما لا يقبل إلا بينة. الى آخر المسألة.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، إلا أنه قيد في التحرير ما لم يؤد الإشهاد إلى تأخير الحق ، قال : فإن ادى الى التأخير ، فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل قوله فيه مع اليمين ، فإن أخر ضمن ، وأطلق في القواعد كما أطلق المصنف.

وقيل بالتفصيل فان كان الحق مما يقبل القول في رده مع اليمين من غير بينة ليس له الامتناع من التسليم لأجل الإشهاد ، لعموم وجوب دفع الحق إلى مستحقه عند الطلب ، خرج منه ما لا يقبل القول بردّه إلا بالبينة حذرا من الإنكار المؤدي إلى غرم المال ، وان كان الحق مما يقبل القول بردّه جاز ذلك ، والمشهور الجواز مطلقا ، لأن مع الإنكار يفتقر الى اليمين وهي محظورة (١٤) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن ، ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن ، وفيه تردد.

أقول : الفرق بينهما ان الوداعة مبنية على الإخفاء والكتمان ، وقضاء الدين مبني على الظهور والإعلان ، قال الشيخ رحمه‌الله : ولو امره بقضاء الدين فلم يشهد ضمن بترك الاشهاد وان صدقه على القضاء ، لأنه فرط حيث دفع دفعا غير مبرئ ، ومنشأ التردد من الوجه الذي ذكره بترك الاشهاد الشيخ ، ومن انه امتثل ما امره به وهو القضاء ، والجحود من القابض لا يوجب الضمان على الدافع ، والبراءة في نفس الأمر قد وقعت ، والأول هو المشهور.

فرع : لو أنكر الودعي الوديعة فصدقه الموكل ، وادعى على الوكيل عدم

__________________

(١٤) في « ن » : محروزة ، وفي « ر ٢ » : محذورة.

٣٥٤

الإيداع ، كان القول قول الوكيل ، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما هو وكيل فيه وليس للوكيل ان يحلف الودعي ، لأنه لا يدعي عليه حقا لنفسه ولا لموكله ، لأن موكله لا يدعي عليه شيئا ، لأنه مصدقه على عدم دفع الوكيل اليه ، والوكيل لا يغرم شيئا بحيث يرجع عليه فيه ، ومع عدم تصديق الموكل للودعي تكون المخاصمة للموكل دون الوكيل.

قال رحمه‌الله : إذا اذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز ، وفيه تردد ، وكذا في النكاح.

أقول : قد مضى البحث في هذا في كتاب البيع (١٥) ، والمنع مذهب الشيخ وابن إدريس وابن الجنيد ، والجواز مذهب المصنف والعلامة ، ومنشأ التردد من ان البيع يفتقر إلى إيجاب وقبول ، ولا يتصور إلا من اثنين ، فالشخص الواحد لا يكون موجبا قابلا.

وأجيب بأن الشخص الواحد إذا كان موجبا باعتبار البيع قابلا باعتبار الشراء كان قائما مقام اثنين.

وصورة العقد هنا ان يقول : بعت هذه العين عن موكلي من نفسي بدينار مثلا ، قبلت البيع لنفسي ، وكذا النكاح ، فيقول : زوجت موكلتي من نفسي بكذا ، قبلت الزواج لنفسي.

__________________

(١٥) ص ١٧.

٣٥٥
٣٥٦

في التنازع

قال رحمه‌الله : إذا اختلفا في رد المال الى الموكل ، فان كان بجعل كلف البينة ، لأنه مدعي ، وان كان بغير جعل ، قيل : القول قوله كالوديعة ، وهو قول مشهور ، وقيل : القول قول المالك ، وهو الأشبه.

أقول : لا يخلو الوكيل من أحد أمرين اما ان يكون وكيلا بجعل أو بغير جعل : الأول ان يكون بجعل ، وقد افتى المصنف في كتابيه ان القول قول الموكل ، وهو المشهور ، وقال الشيخ في المبسوط : فيه وجهان : أحدهما أن القول قول الموكل ، لأن الوكيل قبض المال لمنفعة نفسه وهو الجعل فهو كالمرتهن والمستعير. والثاني : ان القول قول الوكيل ، لأنه قبض العين لمنفعة الموكل ، بخلاف المرتهن والمستعير ، لأن حقهما متعلق بالعين.

الثاني : ان يكون بغير جعل ، وهذا (١٦) ـ قال (١٧) الشيخ ـ : يكون قوله مقبولا في الرد ، لأنه قبض العين لمنفعة الموكل دون منفعة نفسه فهو كالمودع ، واختاره

__________________

(١٦) في « ر ٢ » : وبهذا.

(١٧) في « ن » : قول.

٣٥٧

المصنف في المختصر. وقال ابن إدريس : القول قول الموكل لعموم قوله عليه‌السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (١٨) ، خرج منه الودعي بالإجماع ، يبقى الباقي داخلا في العموم ، واختاره المصنف هنا ، وهو مذهب العلامة وقواه فخر الدين.

قال رحمه‌الله : إذا ادعى الوكيل التصرف وأنكر الموكل ، مثل ان يقول : بعت أو قبضت ، قيل : القول قول الوكيل ، لأنه أقر بماله أن يفعله ، ولو قيل : أن القول قول الموكل أمكن ، لكن الأول أشبه.

أقول : إذا ادعى الوكيل بيع العين التي وكّل في بيعها أو قبض الثمن الذي وكل في قبضه ، وادعى انه قد تلف بعد القبض فأنكر الموكل دعواه ، كان القول قول الوكيل على قول مشهور بين الأصحاب ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ويحتمل ان يكون القول قول الموكل ، لأنه إقرار في حق الغير فلا يلزم به ، لكن الأول هو المشهور.

قال رحمه‌الله : إذا زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه ، ويلزم الوكيل مهرها ، وروي نصف مهرها ، وقيل : يحكم ببطلان العقد في الظاهر ، ويجب على الموكل أن يطلقها إن كان يعلم صدق الوكيل وان يسوق لها نصف المهر ، وهو قوي.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب المهر كملا على الوكيل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وقواه ابن إدريس ، لأن المهر يثبت جميعه بالعقد وانما ينتصف بالطلاق ، وليس هنا طلاق ، لأن (١٩) الوكيل منع حقها بترك الاشهاد على الوكالة

__________________

(١٨) الوسائل ، كتاب القضاء ، باب ٢٥ كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث ٣.

(١٩) في « ر ١ » : ولأن.

٣٥٨

فيكون ضامنا.

الثاني : وجوب نصف المهر على الوكيل ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، لأنها فرقة قبل الدخول ، فيكون كالطلاق ، ولرواية عمر بن حنظلة (٢٠) ، عن الصادق عليه‌السلام.

الثالث : بطلان العقد في الظاهر ، ولا يجب على الوكيل شي‌ء كما لو اشترى عينا مدعيا وكالته فأنكر الوكالة ، فإن القول قوله ويبطل البيع ولا يغرم الوكيل شيئا ، ولأن التفريط ليس من الوكيل ، بل هو منسوب إليها كيف أجابت إلى التزويج بمن لم تثبت وكالته شرعا.

وإذا حكم ببطلان العقد في الظاهر يبقى الموكل فيما بينه وبين الله تعالى ، فان كان وكل وجب عليه ان يطلقها ويدفع اليه نصف مهرها ، فان لم يفعل كان مأثوما عند الله تعالى ، وهذا القول نقله المصنف هنا والعلامة ، ولم يسميا قائله ، وقواه المصنف هنا ، والعلامة في المختلف ، وهو قوي لمناسبته لأصول المذهب ، ولا يضمن الوكيل شيئا إلا ان يضمن لها بعد العقد ، فحينئذ يغرم الجميع ، وله مقاصة (٢١) الموكل ان كان صادقا في الوكالة واذن له في الضمان ، وإلا فلا.

فروع :

الأول : إذا لم تعلم المرأة صدق الوكيل جاز لها التزويج ظاهرا ، وان علمت صدقه لم يجز لها ان تتزوج إلا مع الطلاق ، فلو لم يطلق لم يجبر عليه وفسخ الحاكم العقد ، فان لم يكن هناك حاكم فسخت هي دفعا للضرورة.

الثاني : لو طلقها وسماها عند الطلاق ، بأن قال : ( زوجتي فلانة طالق ) ، كان إقرارا بالنكاح ، ويجب دفع نصف المهر الى الوكيل ان كان قد غرمه ، وإلا الى

__________________

(٢٠) الوسائل ، كتاب الوكالة ، باب ٤ في أحكام الدعوى ، حديث ١.

(٢١) في « ر ٢ » و« ن » : معاوضة.

٣٥٩

المرأة.

الثالث : لا يجوز للوكيل ان يتزوجها في موضع يحكم ببطلان العقد ظاهرا من غير طلاق ، ولا فسخ ان كان صادقا في دعواه لعلمه انها ذات بعل ما لم يمت الموكل ، فتحل له حينئذ بعد العدة بالنسبة إليه لا إليها.

الرابع : لو ادعى أن فلانا الغائب وكله في زواج امرأة فزوجها له ، ثمَّ مات الغائب

لم ترثه إلا ان يصدقه الورثة أو تقوم بذلك بينة ، ويجب عليها العدة للزوم العقد قبل موته وإنكاره ، وانما منعت من الإرث ، لأن الأصل عدمه ما لم يتحقق السبب الموجب له وهو غير متحقق ، وليس كذلك لو زوجها فضوليا ثمَّ مات الزوج قبل الإجازة أو الفسخ ، فان هنا لا يجب عليها العدة وان كان العقد لازما من جهتها ، لأنها هنا أوقعت عقدا غير لازم للزوج حالة وقوعه ، وانما هو موقوف على اجازته ، وهناك أوقعت عقدا لازما له في زعمها حالة وقوعه ، وانما تجدد له الفسخ ظاهرا بسبب الإنكار للوكالة ، والأصل عدمه ، فالفرق حاصل بين عقد يعتقد لزومه حالة وقوعه ، وبين عقد يعتقد عدم لزومه حالة وقوعه.

قال رحمه‌الله : لو وكل بقبض دينه من غريم له ، فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، فالقول قول الموكل ، وفيه تردد.

أما لو أمره ببيع سلعة وتسليمها وقبض ثمنها ، فتلف من غير تفريط فأقر الوكيل بالقبض وصدقه المشتري وأنكر الموكل ، فالقول قول الوكيل ، لأن الدعوى هنا على الوكيل من حيث انه سلم المبيع لم يتسلم الثمن ، فكأنه يدعي ما يوجب الضمان ، وهناك الدعوى على الغريم ، وفي الفرق نظر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا وكل وكيلا في استيفاء دين له على إنسان ، فقال : استوفيته وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، نظر فان قال : استوفيته وهو قائم بيدي فحده ، كان

٣٦٠