الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

وقوله فيها ( ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) (١).

وقوله فيها ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ‌ءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلّا تَخْرُصُونَ ) (٢).

وقوله فيها ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ ) (٣).

وقوله : في الأعراف ( أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٤).

وقوله فيها ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٥).

وقوله فيها ( كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (٦).

وقوله فيها ( أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) (٧).

وقوله في سورة يونس ( وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ ) (٨).

وقوله فيها : ( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ

__________________

(١) الأنعام ١٤٤

(٢) الانعام ١٤٨

(٣) الانعام ١٥١

(٤) الأعراف ٢٨

(٥) الأعراف ٣٣

(٦) الأعراف ٣٢

(٧) الأعراف ٧١

(٨) يونس ٣٦

٣٢١

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ ) (١).

وقوله فيها ( وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلّا يَخْرُصُونَ ) (٢).

وقوله فيها ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٣).

وقوله في النحل ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٤).

وقوله في الأسرى ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٥).

وقوله تعالى في الكهف ( ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلّا كَذِباً ) (٦).

وقوله فيها ( ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) (٧).

وقوله فيها ( فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (٨).

وقوله في الأنبياء ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٩).

وقوله في الحج ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) (١٠)

وقوله فيها ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ

__________________

(١) يونس ٣٩

(٢) يونس ٦٦

(٣) يونس ٥٩

(٤) النحل ٤٣

(٥) الاسراء ٣٦

(٦) الكهف ٥

(٧) الكهف ٢٦

(٨) الكهف ٢٢

(٩) الأنبياء ٧

(١٠) الحج ٣

٣٢٢

عَذابَ الْحَرِيقِ ) (١).

وقوله في النور ( وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٢).

وقوله في الروم ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) (٣).

وقوله فيها ( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) (٤).

وقوله في لقمان ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٥).

وقوله في الزمر ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٦).

وقوله في السجدة ( وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٧).

وقوله في الشورى ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ) (٨).

وقوله في الجاثية ( ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلّا يَظُنُّونَ ) (٩).

وقوله فيها ( ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) (١٠).

__________________

(١) الحج ٩

(٢) النور ١٤ ـ ١٥ ـ ١٦ ـ ١٧

(٣) الروم ٢٩

(٤) الروم ٦٠

(٥) لقمان ٦

(٦) الزمر ٩

(٧) السجدة ٢٢ ـ ٢٣

(٨) الشورى ١٠

(٩) الجاثية ٢٤

(١٠) الجاثية ١٨

٣٢٣

وقوله في النجم ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى ) (١).

وقوله فيها ( وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٢).

وقوله في المجادلة ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (٣).

وقوله في الحاقة ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٤). وغير ذلك من الآيات.

أقول : يستفاد من هذه الآيات الشريفة جملة من المطالب التي تواترت بها الأحاديث.

أحدها : ان كل واقعة لها حكم وكل حكم عليه دليل كما هو ظاهر من آيات الانعام وغيرها ولم نستقص الآيات في هذا المعنى.

وثانيها : وجوب الرجوع في جميع الأحكام الى المعصوم وهذا واضح ظاهر من عدة آيات.

وثالثها : عدم جواز العمل بالظن وهو مصرح به في آيات كثيرة كما رأيت.

منها : ما هو عام في الأصول والفروع ولا يوجد له شي‌ء يخصصه بحيث يمكن الاعتماد عليه بل بعض الآيات الشريفة ظاهرة بل صريحة في عدم جوازه في الفروع كتحليل الانعام وتحريمها وغير ذلك.

ومنها : ما هو صريح في شمول القسمين كالآية المتضمنة للشرك والتحريم ورابعها : عدم جواز التقليد مطلقا وليس له أيضا مخصص صريح يعتد به وانما وردت الأحاديث المتواترة بالرجوع إلى الأئمة عليهم‌السلام والى أحاديثهم التي

__________________

(١) النجم ٢٥

(٢) النجم ٢٨

(٣) المجادلة ١١

(٤) الحاقة ٤٥ ـ ٤٦

٣٢٤

يرويها الثقات أو توجد في الكتب المعتمدة والى رواة الحديث فيما رووه من الأحكام عنهم عليهم‌السلام خاصة وهذا ليس بتقليد.

وخامسها : عدم جواز العمل بالرأي والهوى وهو ظاهر من كثير منها ولم نورد الجميع.

وسادسها : عدم جواز العمل بغير علم والآيات فيه كثيرة أيضا غير ما ذكرنا وتخصيصه بالأصول لا وجه له ولا دليل عليه ، ودعوى من ادعى عدم حصول العلم في الفروع ان أريد به العلم بحكم الله في الواقع فهو ليس بلازم بالنص على انه يجزى العلم بتواتر أو قرينة دالة على حكم ثبت عن المعصوم وهذا القسم كثير جدا للماهر في الحديث وتفصيل المقام في محل آخر.

وسابعها : عدم جواز تفسير القرآن بغير نص وتأويله بالرأي والاستنباط منه بغير رجوع الى الراسخين في العلم وهم الأئمة (ع) بالنص المتواتر.

وثامنها : عدم جواز الحكم بغير الكتاب والسنة.

وتاسعها : التوقف والاحتياط فيما لا يعلم حكمه وهذه المطالب كلها متواترة في الأحاديث عنهم (ع) وقد جمعنا منها ما يزيد على الف حديث في محل آخر وحققناه بما لا مزيد عليه والله الموفق.

٣٢٥

فائدة (٧٦)

اختلف في جواز التقليد في الأصول والفروع فمنهم من منع منه فيهما ، ومنهم من أجاز فيهما ، ومنهم من اجازه في الفروع خاصة والخلاف مشهور وأدلة الجواز ضعيفة والآيات الشريفة صريحة في ذمه والمنع منه مطلقا بل بعض الآيات ظاهرة في تناول المنع للفروع وقد جمعنا الأحاديث والأدلة وما يرد عليها في محل آخر.

ومن اجازه في الفروع من أصحابنا المتأخرين لا يجيزون تقليد الميت والمتقدمون لا يجيزون تقليد الميت ولا الحي وقد أوردت نقل عباراتهم لاقتضاء المقام ودفع التسامح والتساهل الذي اشتهر في هذا الزمان فان الذين يقلدونهم لم يرخصوا لأحد في تقليدهم بعد موتهم وادعوا وجوب تقليدهم في حياتهم وكيف يجوز قبول دعواهم بغير دليل ، ولا يجوز قبول إقرارهم وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

ومن نظر عباراتهم علم انهم لم يدعوا جواز تقليدهم بعد موتهم فضلا عن وجوبه بل نقلوا الإجماع على عدم الجواز.

وعبارات الذين توجد مؤلفاتهم الان متوافقة في ذلك فمن قلّدهم لزمه قبول قولهم هنا لاتفاقهم عليه وعدم اختلافهم فيه فيلزم من جواز تقليدهم عدم جوازه

ثم انهم لا يجوزون التقليد عند الاختلاف بغير ترجيح ولا خلاف بينهم في

٣٢٦

ذلك أيضا وترجيح الأموات في الغالب غير ممكن.

ثم ان الميت إذا كان له قولان فصاعدا تعين عند من يقول بجواز التقليد العمل بالأخير وهذا لا يمكن الاطلاع عليه غالبا وكثير من أفاضل علمائنا المحققين لم يصنفوا شيئا وكثير من المصنفين اندرست مصنفاتهم فلا توجد الان وأنا انقل جملة من عباراتهم الدالة على ما نسبناه إليهم ليظهر لك انهم لا يرضون بان يقلدهم أحد بعد موتهم.

قال الشيخ حسن بن شهيد الثاني في أواخر أصول المعالم لا تعرف خلافا في عدم اشتراط مشافهة المفتي بل يجوز بالرواية عنه ما دام حيا وهل يجوز العمل بالرواية عن الميت ظاهر الأصحاب الإطباق على عدمه ومن أهل الخلاف من اجازه الى ان قال على ان القول قليل الجدوى على أصولنا لأن المسئلة اجتهادية ففرض العامي فيها الرجوع الى فتوى المجتهد وحينئذ القائل بالجواز ان كان ميتا فالرجوع اليه فيها دور ظاهر وان كان حيا فاتباعه فيها والعمل بفتاوى الموتى في غيرها بعيد من الاعتبار غالبا مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا على المنع من الرجوع الى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي بل قد حكى الإجماع فيه صريحا بعض الأصحاب « انتهى ».

وقال في رسالة له الامتزاجية في استنباط الأحكام الى فتاوى الموتى كما يصنعه بعض الأغبياء والأشقياء هذيان يدرك فساده بأدنى نظر وهوس يرى فساده كل من أبصر وأطال في الاستدلال وأبلغ في المقال الى ان قال فيحتاج في اتباع الظن الحاصل من تقليد الميت الى حجة ودليل قاطع وكيف يتصور ذلك ولا يعرف من علمائنا الماضين قائل بذلك ولا عامل به الى ان قال وكيف يتصور عاقل ان يجعل حجته وطريقه في عمله بقول المجتهد الميت بمجرد قوله ان وجد « انتهى ».

وقال الشهيد الثاني ( الشيخ زين الدين ) في شرح الشرائع في كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد صرح الأصحاب في هذا الباب من كتبهم

٣٢٧

المختصرة والمطولة وفي غيره باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله وان الميت لا يجوز للعمل بقوله ولم يتحقق إلى الان في ذلك خلاف ممن يعتد بقوله من أصحابنا وان كان للعامة في ذلك خلاف مشهور وتحقيق المسئلة في موضع آخر « انتهى » (١).

وقال في كتاب آداب المفيد والمستفيد في بحث المفتي والمستفتي الرابعة في جواز تقليد المجتهد الميت مع وجود الحي أولا معه للجمهور أقوال أصحها عندهم جوازه مطلقا لان المذاهب لا تموت بموت أصحابها ولذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف الى ان قال : الثاني لا يجوز مطلقا لفوات أهليته بالموت.

ولهذا ينعقد الإجماع بعد موته ولا ينعقد في حياته على خلافه وهذا هو المشهور بين أصحابنا خصوصا المتأخرين منهم بل لا نعلم قابلاً بخلافه صريحا ممن يعتد بقوله الى ان قال.

والثالث : المنع منه مع وجود الحي لا مع عدمه وتحقيق المقام في غير هذه الرسالة « انتهى » (٢).

وقد صرح أيضا في شرح الألفية بعدم جواز الأخذ عن المجتهد الميت مدعيا للإجماع فقال في قوله ويكفيه الأخذ عن المجتهد. فيه اشارة لطيفة الى اشتراط حياة المجتهد المأخوذ عنه فان ذلك هو المعروف من مذهب الإمامية لا نعلم فيه مخالفا منهم وان كان الجمهور ، قد اختلفوا في ذلك وتحقيق المسئلة في الأصول « انتهى » (٣).

وقد صنف رسالة في عدم جواز تقليد المجتهد الميت مطلقا ونقل عليه إجماع

__________________

(١) راجع مسالك الافهام ج ١ ص ١٢٦

(٢) منية المريد في المسئلة الرابعة في أحكام المستفتي وآدابه ط قم ص ١٥١

(٣) المسمى بمقاصد العلية ص ٣٩ المخطوط في مكتبة صديقنا اللاجوردي

٣٢٨

علمائنا وأطال الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه فمن أرادها فليرجع إليها فقد دللناه عليها.

ومما قال فيها لا تبطل الرواية بموت الراوي إجماعا وتبطل الفتوى به كما يأتي وقال فيها لا كلام في انه مع وجود المجتهد الحي يتعين الرجوع اليه ويبطل قول من سبقه.

وقال فيها : قد شاع في كتب العلامة الأصولية والفقهية ان الميت لا قول له ولا يحل تقليده وان كان مجتهدا فكيف يعمل بأقواله بعد موته وقد حكم بأنها باطلة لا يجوز تقليدها.

وقال فيها : في عدة مواضع ان بطلان العمل بقول الميت مجمع عليه لا خلاف فيه « انتهى ».

وقال الشيخ على بن عبد العالي في الجعفرية : طريق معرفة أحكامها يعنى الصلاة لمن كان بعيدا عن الإمام الأخذ بالأدلة التفصيلية على أعيان المسائل ان كان مجتهدا والرجوع الى المجتهد ولو بواسطة وان تعذرت ان كان مقلدا واشترط الأكثر كونه حيا « انتهى ».

ويظهر من العبارتين السابقتين ان القائل بالجواز من العامة لا من الخاصة وبعض شراح الجعفرية بعد ما استدل على عدم الجواز بان الميت لا قول له وان الإجماع ينعقد على خلافه وغير ذلك من الوجوه نقل عن بعض المتأخرين تفصيلا وهو ان الناقل عن الميت ان لم يجد الحي جاز له العمل بقوله وان وجد الحي لم يجز له.

ثم قال الشارح لا يخفى انه بعد اقامة الدليل على ان الميت لا قول له ( ولم يبق لهذا التفصيل مجال لأنه ان سلم ان الميت لا قول له ) لم يجز له العمل به مطلقا والاجاز له مطلقا لوجوب ترجيح الا علم فلا مجال للتفصيل على الاحتمالين « انتهى ».

وقال الشهيد في أوائل الذكرى (١) هل يجوز العمل بالرواية عن الميت ظاهر

__________________

(١) الذكرى ص ٣ ط الحجري

٣٢٩

العلماء المنع منه محتجين بأنه لا قول له وبانعقاد الإجماع على خلافه ميتا وعدم انعقاد الإجماع على خلافه حيا « انتهى ».

ثم نقل قولا بالجواز وكان النقل عن بعض العامة ثم أجاب عنه بالمنع ويضعف دليله واختار عدم الجواز مطلقا وقال في شرح التهذيب في الأصول المسمى بجامع البين في الجمع بين الشرحين ما هو أبلغ من ذلك في المنع وأوضح وقد رأيته بخط الشهيد الثاني ولكن لا يحضرني الآن.

وقال المقداد في شرح المبادي : المفتي الذي ليس له أهلية بالاجتهاد هل يجوز له الإفتاء بالحكاية أم لا قيل ان حكى عن الميت لم يجز الأخذ بقوله لأنه لا قول للميت ويدل عليه ان الإجماع ينعقد مع خلافه ميتا ولا ينعقد مع خلافه حيا وان حكى عن المجتهد الحي فإن سمعه مشافهة جاز له ان يعمل به وجاز للغير أيضا ان يعمل بقوله والأشبه أن المستفتي ان وجد المجتهد الحي لم يجز له الأخذ عن الحاكي سواء عن حي أو ميت وان لم يجد فان حكى عن المجتهد الحي تعين الأخذ بقوله وان لم يجد تعين الأخذ من كتب المجتهدين الماضين « انتهى ».

وقال العيدي في شرح تهذيب الأصول اختلف في جواز إفتاء من هو حاك عن المجتهد الميت فذهب الأكثرون إلى انه لا يجوز وعليه العلامة الطوسي واختار فخر الرازي وصاحب المنهاج جواره ، والحق الأول لأن الميت لا قول له بل قوله غير معتبر لانعقاد الإجماع على خلاف قوله فلو كان قوله معتبرا لم يكن الإجماع المنعقد على خلاف قوله معتبرا ولم يكن العمل بمقتضاه « انتهى ».

وقال السيد رضي الذين في شرح التهذيب : هل لغير المجتهد الفتوى بما يحكيه عن غيره من المجتهدين منع منه أبو الحسين البصري وجوزه قوم سواء قلد حيا أو ميتا وفصل آخرون فقالوا ان حكى عن ميت لم يجز العمل به إذ لا يبقى للميت قول لانعقاد الإجماع مع مخالفته وان حكى عن مجتهد حي سمعه مشافهة جاز له ولغيره العمل به « انتهى ».

٣٣٠

والجواز في هذه العبارة وما قبلها انما هو منقول عن العامة.

وقال العلامة في الإرشاد في بحث الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يحل الحكم والإفتاء لغير الجامع للشرائط ولا يكفيه فتوى العلماء ولا تقليد المتقدمين فان الميت لا يحل تقليده « انتهى » (١).

وقال في القواعد في هذا البحث لا يحل لفاقد الشرائط أو بعضها الحكم ولا الإفتاء ولا ينفذ حكمه ولا يكفيه فتوى العلماء ولا تقليد المتقدمين فان الميت لا قول له وان كان مجتهدا (٢).

وقال الشيخ في شرح القواعد قوله وان كان مجتهدا مما يدل على ذلك ان الإجماع لا ينعقد مع خلافه حيا وينعقد بعد موته ولا يعتد ـ حينئذ ـ بخلافه « انتهى » وقال العلامة في مبادي الأصول في أواخره إذا أفتى غير المجتهد بما يحكيه عن المجتهد فان كان يحكى عن ميت لم يجز الأخذ بقوله إذ لا قول للميت فإن الإجماع لا ينعقد مع خلافه حيا وينعقد بعد موته وان حكى عن حي مجتهد فان سمعه مشافهة والأقرب جواز العمل به « انتهى ».

وقال في تهذيب الأصول في أواخره هل لغير المجتهد الفتوى بما يحكيه عن المجتهد الأقرب انه ان حكى عن ميت لم يجز العمل به إذ لا قول للميت ولهذا لا ينعقد الإجماع لو خالف حيا وينعقد بعد موته فان حكى عن حي فإن كان سمعه منه مشافهة جاز العمل له ولغيره « انتهى ».

وقوله الأقرب راجع الى جواز الأخذ عن الحي لا الى عدم جواز الأخذ عن الميت.

وقال الشيخ زين الدين في شرح اللمعة قد فهم من تجويز الفتوى والحكم للفقهاء المستدلين عدم جوازه لغيرهم من المقلدين وبهذا المفهوم صرح المصنف

__________________

(١) الإرشاد ص ١٢٠ النسخة المخطوطة في مكتبة صديقنا اللاجوردي

(٢) القواعد ص ٢٣٣ في صفات القاضي

٣٣١

وغيره قاطعين به من غير نقل خلاف في ذلك سواء قلد حيا أم ميتا نعم يجوز لمقلد الفقيه الحي نقل الحكم الى غيره « انتهى ».

وقال الشيخ بهاء الدين في الاثني عشرية في بحث واجبات الصلاة : الثاني تحصيل العلم الشرعي بوجوب ما يجب في الصلاة من الأقوال والأفعال والشروط بالاجتهاد ان كان من اهله وبتقليد المجتهد الحي العدل ولو تجزيا ان لم يكن (١)

فهذه عبارات جميع علمائنا القائلين بجواز الاجتهاد والتقليد متفقة في عدم جواز تقليد الميت وانما نقلوا جوازه عن بعض العامة ولم يصرح أحد منهم بالجواز الا الشاذ النادر ومن تقدمهم لا يجوزون العمل بقول المجتهد الحي ولا الميت ولا يقولون بجواز الاجتهاد والتقليد ولا يجيزون العمل بغير الكتاب والسنة من وجوه الاستنباطات الظنية الا على وجه إلزام الخصم بما يعتقده كما صرح به المحققون منهم وانما كانوا يعملون بالروايات الصريحة المنقولة في الكتب المعتمدة وإذا اختلف رجحوا بالمرجحات المنصوصة عنهم عليهم‌السلام وكان غير الرواة يرجعون الى الرواة فاذا رووا لهم حكما عنهم عليهم‌السلام عملوا به وكان الفريقان مأمورين بذلك والاحتياط عند عدم وجود النص.

وأنا انقل عبارات جماعة منهم دالة على ما ننسبه إليهم (٢) صريحة في وجود التخالف العظيم بين طريقتي المتقدمين والمتأخرين ومن المعلوم ان طريقة المتقدمين هي الموافقة للأئمة عليهم‌السلام ولأحاديثهم المتواترة فإن شذ منهم شاذ أحيانا أنكر عليه الباقي وأنكر عليه الأئمة عليهم‌السلام ان كان في زمان ظهورهم.

وقد روى عنهم عليهم‌السلام عليكم بالتلاد (٣).

__________________

(١) الاثنا عشرية ص ٣ من النسخة المخطوطة في مكتبة صديقنا العلامة اللاجوردي

(٢) ما نسبناه إليهم ـ خ ل

(٣) الوافي ج ١ ص ١٠٤ الجزء الثالث

٣٣٢

وروى عنهم عليهم‌السلام شر الأمور محدثاتها (١) الى غير ذلك من الأحاديث وهذه الطريقة مباينة لطريقة العامة مباينة كلية وطريقة المتأخرين موافقة لهم لا تخالفهم الا نادرا.

وناهيك بذلك دليلا على تحقيق الحق من الطريقتين مضافا الى وجود النص المتواتر الدال على صحة طريقة القدماء وقيام الأدلة القطعية المحررة في محلها ولا تحضرني تلك العبارات المشار إليها فأنا أنقل ما يحضرني منها.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رئيس الطائفة في كتاب العدة : واما الظن فعندنا انه ليس بأصل في الشريعة تنسب الأحكام اليه وان كانت تقف أحكام كثيرة عليه نحو تنفيذ الحكم عند شهادة الشاهدين ونحو جهات القبلة وما يجرى مجراه « انتهى » (٢).

وما جوز العمل فيه بالظن ليس بأصل من نفس الأحكام الشرعية كما لا يخفى وان كان من متعلقاتها وأسبابها.

وذكر السيد المرتضى وغيره ان هذا ليس من باب العمل بالظن بل الشارع جعل هذا الظن سببا لحكم شرعي كدلوك الشمس فيكون العمل في الحقيقة بالعلم

وقال الشيخ في موضع آخر من العدة واما القياس والاجتهاد فعندنا انهما ليسا بدليلين بل محظور في الشريعة استعمالها ونحن نبين ذلك فيما بعد « انتهى » (٣)

وقال في موضع آخر ولسنا نقول بالاجتهاد والقياس (٤)

__________________

(١) أورده المجلسي ره في البحار ج ٢ ص ٢٦٣

(٢) العدة الجزء الأول ص ٣ ط ١٣١٨

(٣) العدة ص ٣ الجزء الأول

(٤) ص ١١٦ الجزء الثاني في فصل ان النبي (ص) هل كان مجتهدا قال ان هذه المسئلة تسقط على أصولنا لأنا قد بينا ان الاجتهاد والقياس لا يجوز استعمالهما في الشرع.

٣٣٣

وقال في مواضع من التهذيب وأنا لا أتعدى الاخبار.

وقال المرتضى في الانتصار في أول كتاب القضاء انما عول ابن الجنيد في هذه المسئلة على ضرب من الرأي والاجتهاد وخطاؤه ظاهر « انتهى » (١) ومثله كلامه في عدة مواضع من كتبه.

منها : قوله في المسئلة التي تليها من خالفنا انما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف وذلك لا يجوز (٢).

وقوله : في الطهارة في مسئلة مسح الرجلين انا لا نرى الاجتهاد ولا نقول به ، وقوله فيها وفي غيرها ان ما يفيد الظن دون العلم لا يجوز العمل به عندنا.

وقال في الذريعة في فصل في ان الإجماع بعد الخلاف هل يزيل حكم الخلاف أم لا : الى ان قال : عندنا ان الاجتهاد باطل وان الحق مدلول عليه وان من جهله غير معذور « انتهى » (٣).

وقال ابن إدريس في السرائر في مسئلة تعارض البينتين الترجيح عندنا ما ورد إلا بكثرة الشهود فان تساووا في العدد فالأعدل وبقديم الملك ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل فلم يبق إلا القرعة « انتهى » (٤).

وقال الشيخ المفيد في جواب المسائل السروية حيث قال السائل في المسئلة الثامنة قوله : فيمن عرف طرفا من العلم ووضحت اليه الكتب المصنفة في الفقه وفيها

__________________

(١) الانتصار ص ٢٣٨ ط النجف

(٢) وفي المصدر المطبوع : ومثل ذلك الرجوع فيه الى التوقف اولى واخرى فراجع ص ٢٤٣ :

(٣) الذريعة ص ٢٠٠ المخطوطة بخط صاحب المواهب السنية قدس‌سره في مكتبة صديقنا اللاجوردي.

(٤) راجع السرائر ط الإسلامية ص ١٩٥

٣٣٤

اختلاف ظاهر كما وقع الاختلاف بين ما أثبته ابن بابويه وما أثبته ابن الجنيد في كتبه من المسائل الفقهية المجردة عن الأسانيد.

الجواب لا يجوز لأحد ان يحكم على الحق فيما وقع فيه الاختلاف الا بعد إحاطة العلم بذلك والتمكن والنظر المؤدي إلى المعرفة فمتى كان مقصرا عن علم ذلك فليرجع الى من يعلمه ولا يقول برأيه وظنه فان عول على ذلك فأصاب بالاتفاق لم يكن مأجورا وان أخطأ الحق فيه كان مأزورا.

فاما كتب ابن الجنيد فقد حشاها بأحكام عمل فيها على الظن واستعمل مذهب المخالفين من القياس فخلط بين المنقولة عن الأئمة (ع) وما قاله برأيه ولم يفرد أحد الصنفين من الأخر ولو أفرد المنقول من الرأي لم يكن حجة « انتهى ».

وقد صرح الشيخ في التهذيب في بحث ميراث المجوس بان العمل بغير الكتاب والسنة باطل بالإجماع وانه لا يجوز العمل بالاعتبار ونحوه (١).

وقال المحقق في المعتبر اعلم انك مخبر في حال فتواك عن ربك وناطق بلسان شرعه فما أسعدك إن أخذت بالجزم وما اخيبا ان بنيت على الوهم فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٢).

وقال أيضا في المعتبر في أوائله ثم ان أئمتنا (ع) مع هذه الأخلاق الطاهرة والعدالة الظاهرة يصوبون رأي الإمامية في الأخذ عنهم ويعيبون على غيرهم ممن أفتى باجتهاده وقال برأيه ويمنعون من يأخذ عنه ويستخفون رأيه وينسبونه الى الضلال يعلم ذلك منهم علما ضروريا صادرا عن النقل المتواتر فلو كان ذلك يسوغ لغيرهم لما عابوه « انتهى » (٣).

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ٣٦٤

(٢) المعتبر ص ٦ ط الحجري

(٣) المعتبر ص ٥ ط الحجري

٣٣٥

وقال الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله الراوندي في أول كتاب فقه القرآن ما هذا لفظه ان القياس بالدليل الواضح غير صحيح في الشريعة وهو حمل الشي‌ء على غيره لأجل ما بينهما من الشبه فيسمى المقيس فرعا والمقيس عليه أصلا وكذلك الاجتهاد غير جائز في الشرع وهو استفراغ الجهد في استخراج أحكام الشرع وقيل هو بذل الوسع في تعرف الأحكام الشرعية فاما إذا صح بإجماع الفرقة المحقة حكم من الأحكام الشرعية بنص من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مقطوع على صحته على سبيل التفصيل رواه المعصومون من أهل بيته (ع) ثم طلب الفقيه بعد ذلك دلالة عليه من الكتاب جملة أو تفصيلا ليضيفها إلى السنة حسما للشنعة فلا يكون ذلك قياسا ولا اجتهادا لان القائس والمجتهد لو كان معهما نص على وجه من الوجوه لم يكن ذلك منهما قياسا ولا اجتهادا « انتهى » (١).

وقال في آخر الكتاب اعلم ان الله سبحانه أغنانا بفضله في الشرعيات عن ان نستخرج أحكامها بالمقاييس والاجتهادات التي تصيب مرة وتخطئ أخرى بل بين جميع ما يحتاج اليه المكلفون في تكليفهم عقلا وشرعا ووفقهم عليه في كتابه وعلى لسان نبيه وحججه (ع) فلا حاجة مع ذلك الى تعسف وتكلف « انتهى » (٢).

وقال الصدوق في العلل : بعد ذكر حديث موسى والخضران موسى مع كمال عقله وفضله ومحله من الله لم يدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر حتى اشتبه عليه وجه الأمر فيه الى ان قال فاذا لم يجز لانبياء الله ورسله القياس والاستنباط والاستخراج كان من دونهم من الأمم أولى بان لا يجوز لهم ذلك الى ان قال فاذا لم يصلح موسى للاختيار مع فضله ومحله فكيف تصلح الأمة اختيار الامام وكيف يصلحون الاستنباط الأحكام الشرعية واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة

__________________

(١) فقه القرآن ج ١ ص ٦

(٢) فقه القرآن ج ٢ ص ٤٢٨

٣٣٦

وهممهم المتباينة وإرادتهم المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا « انتهى » (١).

وقال الكليني في أول الكافي : والشرط من الله فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة الى ان قال ومن أراد الله خذلانه وان يكون ايمانه معارا مستودعا سبب له أسباب الاستحسان والتقليد التأويل بغير علم وبصيرة « انتهى ».

وروى الكشي عن حريز وهو من أجلاء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ان أبا حنيفة قال له أنت لا تقول شيئا إلا برواية قال أجل (٢).

وروى الكشي وغيره عن أكثر علمائنا المتقدمين وخواص الأئمة عليهم‌السلام مثل ذلك بل ما هو أبلغ منه.

وقال الطبرسي في مجمع البيان : لا يجوز العمل بالظن عند الإمامية إلا في شهادة العدلين وقيم المتلفات وأرش الجنايات « انتهى » والصور الثلاثة ليست من نفس الأحكام الشرعية وهو ظاهر.

وقال في تفسير سورة الأنبياء عند قوله تعالى : ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ) بعد ما أبطل قول العامة بجواز اجتهاد الأنبياء ما هذا لفظه ان النبي إذا كان يوحى اليه وله طريق الى العلم بالحكم فلا يجوز ان يحكم بالظن على ان الحكم بالظن والاجتهاد والقياس قد بين أصحابنا في كتبهم انه لم يتعبد به في الشرع إلا في مواضع مخصوصة ورد النص بجواز ذلك فيها نحو قيم المتلفات وأروش الجنايات وجزاء الصيد والقبلة وما جرى هذا المجرى « انتهى » (٣).

__________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٦٢ ـ ٦٣

(٢) ص ٣٢٨ ط كربلاء وفي النسخة المخطوطة المصححة « لا تعلم » مكان لا تقول

(٣) مجمع البيان : الجزء السابع ص ٥٧

٣٣٧

وقد عرفت ان المواضع المذكورة ليست بداخلة في محل النزاع وهذه العبارة كما ترى ظاهرة في نقل الإجماع الإمامية على بطلان العمل بالاجتهاد والظن في نفس الأحكام الشرعية.

وقال العلامة في النهاية : اما الإمامية فالاخباريون منهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه الا على اخبار الآحاد المروية عن أئمتهم عليهم‌السلام « انتهى ».

ولم يصرح بأن الأخبار التي عملوا بها خالية عن القرينة بل صرح المحققون بأنها محفوفة بالقرائن المفيدة للعلم أو متواترة.

وقال السيد المرتضى كما نقله عنه صاحب المعالم العلم الضروري حاصل لكل مخالف للإمامية أو موافق لهم انهم لا يعملون في الشريعة بخبر لا يوجب العلم وان ذلك قد صار شعارا لهم يعرفون به كما ان نفى القياس في الشريعة من شعارهم الذي يعلمه منهم كل مخالط لهم « انتهى » (١).

وصرح السيد المرتضى في الذريعة بان الإمامية لا يجوز عندهم العمل بالظن ولا الرأي ولا القياس ولا الاجتهاد وذكر نحو ذلك في كتاب الشافي بل أبلغ منه حيث قال في الرد على القاضي عبد الجبار.

وأما قولك وهذا يبطل بما دللنا عليه من صحة الاجتهاد فقد دلت الأدلة الواضحة عندنا على بطلان ما تسميه اجتهادا ، واحد ما يدل على ذلك ان الاجتهاد في الشريعة عندكم هو طلب غلبة الظن فيما لا دليل عليه والظن محال ان يكون له مجال في الشريعة ثم أطال الكلام في إبطال الظن والاجتهاد الى ان قال فان قال ما ذكرتموه يؤدى الى الحيرة والى ان الناس قد كلفوا إصابة الحق من غير دليل يصلون اليه من جهته.

قيل له : ما كلف الله تعالى الا ما مكن الوصول اليه من شريعة وغيرها فما نقل من الشريعة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نقلا يقطع العذر كلفنا فيه الرجوع الى النقل وما لم يكن فيه نقل ولا ما يقوم مقامه من الحجج السمعية اما لان الناس عدلوا عن نقله

__________________

(١) في مبحث حجية خبر الواحد نقلا من جواب المسائل التباينات.

٣٣٨

أو لانهم لم يخاطبوا به وعول بهم على قول الإمام القائم مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كلفنا فيه الرجوع الى أقوال الأئمة المستخلفين بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولهذا انجد الحكم في جميع ما يحتاج إليه في الحوادث موجودا فيما ينقله الشيعة عن أئمتهم عليهم‌السلام وكل ما تكلف خصوصا فيه القياس والاجتهاد وطرق الظن عند الشيعة فيه نص اما مجمل واما مفصل الى ان قال فاما الفتاوى فلا تبطل كما ادعيت بل يتولاها من استودع حكم الحوادث وهم الشيعة بما نقلوه عن أئمتهم عليهم‌السلام.

ثم نقل عن القاضي عبد الجبار انه ادعى ان الأئمة (ع) لم يمنعوا من الاختلاف والاجتهاد وان أمير المؤمنين عليه‌السلام أجازه ثم أجاب السيد المرتضى فقال : اما قولك ان أمير المؤمنين وغيره من الأئمة (ع) كانوا لا يمنعون من الاجتهاد فالمعلوم من حالهم خلاف ما ادعيته ثم أطال الكلام في إبطال قول من نسب إليهم انهم لم يمنعوا من الاجتهاد ولم انقل جميع عبارته لطولها وانما نقلت مواضع الحاجة منها بلفظه وقال بعد كلام آخر وأما الاجتهاد والقياس فقد دللنا على بطلانهما في الشريعة وانهما لا ينتجان علما ولا فائدة فضلا عن أن يحفظا الشريعة.

ونقل عن القاضي عبد الجبار انه قال يجوز للإمام الاجتهاد ثم قال المرتضى واما قوله ان للإمام أن يجتهد برأيه في الأمور فمأول فيه انه ليس للإمام ولا غيره ان يجتهد في الأحكام ولا يجوز ان يعمل فيها الا على النصوص (١).

وقد رد المرتضى والشيخ جميع المدارك الظنية والمفهومات الا النادر واختارا انها ليست بحجة وأجابا عن دليل حجيتهما وذكرا انه لم يصنف أحد قبلهما من الإمامية في الأصول ولم يعملا بالقواعد التي عمل بها العلامة ومن تأخر عنه الا في مواضع يسيرة تتعلق بالقرينة ، وذكر المرتضى في رسالة الاستدلال على فروع الإمامية انهم لا يقولون بشي‌ء من تلك الأدلة التي تقول بها العامة وانهم كثيرا ما يستدلون بالقياس واخبار الآحاد ونحوها لأجل إلزام الخصوم وان كانوا يعتقدون

__________________

(١) راجع الشافي ص ٣١ ـ ٤٦ ط الحجري

٣٣٩

انها ليست بدليل بل لهم هناك دليل آخر هذا ملخص كلامه.

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ان هؤلاء المنافقين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت ولم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال : ليس كما يقولون إذا كان ذلك فلتصل لأربع وجوه (١).

فهذا الحديث يدل على ان الاجتهاد كان مخصوصا بالعامة وان الشيعة لم يكونوا يعملون به وفيه كلام مذكور في محله.

وقال الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم النعماني تلميذ الكليني في كتاب الغيبة والقرآن مع العترة والعترة مع القرآن ومن التمس علم القرآن والتأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والخاص والعام من عند غير من فرض الله طاعتهم وجعلهم ولاة الأمر من بعد نبيه وقرنهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله بالقرآن وقرن القرآن بهم دون غيرهم واستودعهم الله علمه وشرائعه وفراضه وسننه فقدتاه وضل وهلك وأهلك وأطال المقال في الاستدلال بالآيات والروايات الى ان قال وأعجب من هذا ادعاء هؤلاء الصم العمى انه ليس في القرآن علم كل شي‌ء من صغير الفرائض وكبيرها ودقيق الأحكام والسنن وجليلها.

وانهم لما لم يجدوا فيه احتاجوا الى القياس والاجتهاد في الرأي والعمل في الحكومة بهما وافتروا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكذب والزور بأنه أباحهم الاجتهاد وأطلقه لهم ما ادعوا عليه الى ان قال ولو امتثلوا أمر الله في قوله ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ).

وفي قوله ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) لا وصلهم الله الى نور الهدى وعلمهم لما لم يكونوا يعلمون وأغناهم عن القياس والاجتهاد بالرأي نعوذ بالله من الخذلان ومن ان يكلنا الى أنفسنا وعقولنا واجتهادنا وآرائنا في ديننا ونسأله

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٤٥

٣٤٠