الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

ولم يكن تحققت عند أكثر خواص الأئمة عليهم‌السلام كما يعلم بالتتبع مع انه لا مدخلية لتلك العلوم في تحقيقها غالبا بل بين الزمانين عموم وخصوص من وجه وهو ظاهر عند المتتبع المنصف وكيف يكون هذه العلوم واجبة ولا يأمر الأئمة عليهم‌السلام بتعليمها ولا يعلمونها الناس مدة ظهورهم بل ينهون عنها عموما وخصوصا.

قوله : من العمل بكل آية وكل خبر.

أقول : هذا التشنيع الشنيع مشترك بين الأصوليين والأخباريين ومن المعلوم ان بعض إفراد الفريقين يتسامحون وبعضهم يحتاطون فلا وجه لما قاله المعاصر وحيث ان الأخباريين لا يعملون بخبر الواحد الخالي عن القرينة ولا بالدلالات الظنية ولا بغير الكتاب والسنة من وجوه الاستنباطات كان التشنيع عليهم أبعد من الإنصاف ودعوى انهم يعلمون بكل آية وكل خبر مردودة بل لا يعملون الا بآية ثبت عند هم تفسيرها عن الأئمة عليه‌السلام أو استدلالهم بها أو حكمهم بما يوافقها ليأمنوا عن النسخ والتخصيص والتأويل ونحوها ولا يعملون بخبر لا يكون متواترا أو محفوفا بالقرائن الكثيرة موجودا في الكتب المعتمدة ظاهر الدلالة بحيث يفيد العلم خاليا من المعارض أو راجحا على معارضه بالمرجحات المنصوصة عنهم عليهم‌السلام ، فظهر ان طريقهم أقرب الى الاحتياط وأبعد من التشنيع.

قوله : لا يجوز العمل بالحديث إذا لم يشتهر بينهم فلا بد من تتبع كتبهم الفقهية.

أقول : هذا تمويه ومغالطة لأنه مخصوص في حديث عمر بن حنظلة وغيره بحديث له معارض فحمله على العموم قياس لا وجه ، وقد صرح الشيخ في أول الإستبصار بأن الحديث الذي لا معارض له من الاخبار المحفوفة بالقرائن فإنه مجمع على صحته ولا خلاف في ان شهرة رواية الحديث أو العمل به مرحج فاما ما لا معارض له فلا حاجة الى ترجيحه ولا وجه للفتوى بخلافه ولا لترجيح فتوى بعض الفقهاء على فتوى المعصوم الثابتة عنه فان الفتوى بخلافه إذا لم يوجد نص يدل عليها غير معتبر

٤٤١

فكيف يرد لأجلها النص الثابت عن الأئمة عليه‌السلام أو يتخيل معارضتها له مع عدم ظهور دليل لها من الأحاديث خصوصا مع كون صاحب تلك الفتوى يحكم تارة بالنص وتارة بالاجتهاد كما هو شأن بعض المتأخرين.

قوله : لان فيه طعنا على جميع علماء الإمامية.

أقول : الذين عرض صاحب الفوائد المدنية بالطعن عليهم وهم خمسة لا غير كما يأتي ، قد عرض المعاصر بالطعن عليهم في أواخر رسالته كما عرفت بل صرح بذلك ولم يصرح صاحب الفوائد المدنية بالطعن عليهم وانما رجح طريقية القدماء على طريقة المتأخرين بالنصوص المتواترة وذكر ان القواعد الأصولية التي تضمنتها كتب العامة غير موافقة لأحاديث الأئمة عليهم‌السلام وقد اثبت تلك الدعوى بما لا مزيد عليه ومن أنصف لم يقدر أن يطعن على أصل مطلبه ولا ان يأتي بدليل تام على خلاف ما ادعاه.

قوله : في حجية إجماع الشيعة قد تقدم الكلام فيه ومن أنصف تحقق ان الحديث يدل على حجية الحديث المجمع عليه لا الظن المجمع عليه الذي لا نص فيه لان موضوع ذلك الحديث الحديثان المختلفان كما عرفت فالاستدلال به على حجية الإجماع في غير تلك الصورة قياس باطل.

وأما ترجيح الإجماع على النص فإنما يجوز إذا ظهر نص موافق للإجماع وحينئذ لا نزاع ، والعجب ان المعاصر وبعض المتأخرين يقولون لا بد من معرفة أقوال الفقهاء المتقدمين لئلا يفتي بما يخالف إجماعهم مع انهم كلهم صرحوا بان قول الميت لا يعتبر في الإجماع وانما المعتبر فيه أهل عصر واحد ولذلك اتفقوا على عدم جواز العمل بقول المجتهد الميت ولو كان إجماع الفقهاء السابقين شرطا في إجماع أهل العصر وأقوالهم معتبرة فيه لكانت أقوال الفقهاء اللاحقين أيضا معتبرة فيه كما لا يخفى فمتى يتحقق الإجماع قبل يوم القيمة؟.

فإن كان الإجماع هو الاتفاق من جميع الأمة من أول وقت النبوة إلى يوم القيمة لزم ما قلنا ولزم اعتبار أقوال الجن أيضا لأنهم من الأمة ، والمعاصر وسائر

٤٤٢

الأصوليين لا يقولون به فهذا تناقض واضح في كلامه وكلام أمثاله فلا تغفل.

قوله : الاجتهاد له إطلاقات ثلاثة.

أقول : هذا الاصطلاح من خواص المعاصر لا يوافقه عليه أحد وقد اعترف هو بعدم جواز العمل بالقسمين الأولين ظاهرا وعند التأمل يعلم انه يعمل بهما ويظهر انهما واحد لا اثنان لتساوى التعريفين والطريقتين في الاستدلال واعتبار الظن ودليل الحجية وغير ذلك والاختلاف في حجية بعض المدارك والظنون لو كان موجبا لجعلهما قسمين لكان موجبا لجعلهما عشرين قسما ، بل أكثر لاختلاف الأصوليين من العامة في أكثر من عشرين نوعا هل هو حجة أم لا وكذا المتأخرون من الخاصة ودعوى المعاصر أن القسم الثالث اجتهاد لا وجه لها ، فإنه عمل بالنص وإطلاق الاجتهاد على مجرد ترجيح الاخبار بالمرجحات المنصوصة عنهم عليهم‌السلام في غاية الغرابة كما إذا أطلق على ذلك اسم البدعة أو الفسق أو الذنب أو نحو ذلك مما هو منهي عنه كما ان الاجتهاد منهي عنه بأبلغ نهى كما اعترف به المعاصر سابقا.

وتخصيص النهى باجتهاد العامة بمنزلة تخصيص النهى عن شرب الخمر بشرب العامة لها وتخصيص الغنا بمجالس الشرب كما فعله جماعة من الصوفية ولو ان أحدا ادعى ان وجوب الصلاة والزكاة وتحريم الزنا والسرقة مخصوص بالعامة لما كان أعجب من هذه الدعوى ونظيرها تخصيص الصوفية ما ورد من النص المتواتر في ذم التصوف والصوفية با العامة فإنا لله وانا إليه راجعون.

كيف بلغ الهرج والمرج في زمان الغيبة الى هذه الغاية من التخليط والتخبيط ودعوى المعاصر ان جميع ما في كتب الأصول حتى القياس والاستحسان لا بد من معرفتها قد تكرر منه ذكرها بغير دليل ولو وجد دليلا لاورده قطعا والنهى المتواتر عن الاجتهاد والظن والرأي والقياس ومخترعات العامة ونحوها شامل لما ذكر المعاصر انه لا بد من معرفته لأنه لا يخرج عن تلك الأنواع قطعا ولا كان موجودا بين الإمامية في زمان ظهور الأئمة عليهم‌السلام ولا في أوائل الغيبة.

٤٤٣

فإن أراد انه لا بد من معرفة هذه الأشياء لأجل اجتنابها لا العمل بها هان الخطب مع أنها معروفة لا تخفى ، ومن شك فيها أمكنه معرفتها من اللغة ومن كتب الاستدلال التي ألفها الشيعة

قوله : وهذا اللفظ ورد في مقام المدح إلخ

أقول : هذا عجيب جدا والجواب عن استدلاله بالخبر المذكور من وجوه.

أحدها : انه خبر واحد لا يعارض المتواتر

وثانيها : ان دلالته ظنية فالاستدلال بها على الاجتهاد الظني دوري

وثالثها : انه محتمل للاحتمالات الكثيرة وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال كما يعترفون به.

ورابعها : انه نظير قولهم عليهم‌السلام قليل من سنة خير من كثير في بدعة (١)

وقولهم (ع) الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة (٢) وغير ذلك وهو مما شاة مع الخصم

وخامسها : ان الاجتهاد هناك مخصوص بالاجتهاد في العبادة لا في تحصيل الظن المنهي عنه قطعا وهو مثل قولهم (ع) نوم العالم أفضل من عبادة العابد لان قبله نوم العالم أفضل من سهر الجاهل وبعد هذه العبارة وما يضمر النبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين (٣).

فالقرينة فيه ظاهرة واضحة في المراد الاجتهاد في العبادة كما روى عليكم بالورع والاجتهاد (٤) فان ذكر الورع قرينة ظاهرة واضحة ان المراد به الاجتهاد في العبادة لا في تحصيل أمر منهي عنه ولا أقل من الاحتمال ولو جاز الاستدلال بمثل هذه العبارة على الاجتهاد في تحصيل الظن لجاز الاستدلال على جواز التقليد

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٦١ وفيه فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٧

(٣) الكافي ج ١ ص ١٢

(٤) الكافي ج ٢ ص ٧٦

٤٤٤

بأحاديث الاشعار والتقليد الواردة في كتاب الحج فإن الاشعار هناك دال على معنى التقليد ، والورع هنا دال على معنى الاجتهاد وأمثال هذه التمويهات والمغالطات قبيحة ممن ينسب الى الفضل.

وسادسها : ان الخبر المذكور في مدح العقل وقد قوبل هنا بالجهل فعلم ان المراد به العلم بقرينة مقابلة الجهل دون الجنون فدل على ذم الظن وهو نقيض مطلب المعاصر وذم الظن قد تجاوز حد التواتر في الآيات والروايات فلا يعارض بمثل هذا الشبهات والتمويهات.

وسابعها : انه يتعين حمله على التقية لو كان صريحا لأنه موافق لجميع العامة

وثامنها : انه يحتمل ارادة الاجتهاد في تحصيل العلم لا الظن وهو غير محل النزاع بل هو حينئذ موافق للاخباريين ، فقد ظهر لك انه من المتشابهات لكثرة الاحتمالات ومعارضته للمتواترات.

قوله : فلا يكون البحث عن الرجال لغوا كما يدعيه الأخباريون.

أقول : هذا أيضا عجيب جدا فإن الأخباريين لا يدعون ذلك وكيف وهم يصرحون بان أحوال الرجال خصوصا المصنفين من جملة القرائن على ثبوت الاخبار وأحوال الرواة من جملة المرجحات المنصوصة وعلماء الرجال كلهم من الأخباريين بل جميع الإمامية المتقدمين على العلامة يصرحون ببطلان الاجتهاد والعمل بالظن والعلامة والشهيدان والشيخ على والشيخ بهاء الدين لا غير يصرحون بجواز الاجتهاد والعمل بالظن بل وجوبهما وقد اعترف المعاصر بعدم جواز سلوك طريقهم ونسب الى جميع الأخباريين التسامح والتساهل وهذا عجيب فان منهم خواص الأئمة (ع) بل جميع علماء الإمامية الا خمسة فكيف ينسب إليهم التساهل في الدين بل هذا المعاصر قد نسب التسامح الى المجتهدين أيضا كما مر نقله فلم يبق أحد بزعمه بريئا من ذلك وهذا أعجب وأغرب وأقبح وتناقض رسالة المعاصر في مواضع أخر أظهر من ذلك وأوضح وبين الطريقتين في التسامع عموم وخصوص من وجه

٤٤٥

كما تقدم ويأتي وليس كل من لم يعمل بالاصطلاح الجديد الموافق للعامة الذي قد تجدد بين الشيعة في زمن العلامة يلزمه ان يكون البحث عن أحوال الرجال عبثا

ومن العجب دعواه ان صاحب الفوائد المدنية رئيس الأخباريين وكيف يقدر على إثبات هذه الدعوى مع ان رئيس الأخباريين هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الأئمة (ع) لأنهم ما كانوا يعملون بالاجتهاد وانما كانوا يعملون في الأحكام بالأخبار قطعا ثم خواص أصحابهم ثم باقي شيعتهم في زمانهم مدة ثلاثمائة وخمسين سنة وفي زمان الغيبة إلى تمام سبعمائة سنة.

فالذي يظهر من النقل المتواتر عنهم وتصريحاتهم خصوصا الشيخ الطوسي رئيس الطائفة والسيد المرتضى علم الهدى انه لا يجوز عندهم العمل بالاجتهاد ولا الظن وانما كانوا يعملون في نفس الأمر بالأخبار وقد جمعت جملة من عباراتهم في محل آخر والاخبار المتواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (ع) دالة على ذلك ومما تواتر بين الفريقين قوله (ع) انى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

ولا ترى الاجتهاد والظن مذكورين في كلام أهل العصمة عليهم‌السلام الا بالذم والنهى والتهديد كما هو ظاهر بالتتبع وانما ورد الأمر بالاجتهاد في جهة القبلة لأنها ليست من نفس الأحكام الشرعية بل هي من الأمور الدنيوية كسائر موضوعات الأحكام وانما محمولاتها أحكام شرعية يجب أخذها من المعصوم عليه‌السلام كما وقع التصريح به في المقامين في عدة أخبار معتمدة ولتحقيق ذلك محل آخر.

قوله : والنزاع هنا بين الاخبارى والمجتهد لفظي.

أقول : ان أراد بقوله هنا تقسيم الحديث إلى أربعة أقسام فكون النزاع لفظيا ظاهر الفساد ، وان أراد ترجيح الاخبار فهو أيضا غير صحيح لأن الأصول يرجح بالمرجحات المذكورة في كتب الأصول وهي تزيد على خمسين مرجحا ليس على شي‌ء منها دليل يعتد به ومغايرتها للمرجحات المنصوصة وهي اثنا عشر ظاهره لا يخفى.

٤٤٦

واعلم ان كثيرا ما يقول من يتعصب لأهل الأصول ان النزاع بينهم وبين الأخباريين لفظي وذلك عند العجز عن استدلال وبعضهم يقول ذلك جهلا منه بمحل النزاع وينبغي ان يقال لهذا القائل إذا كان النزاع لفظيا فانكارك على الأخباريين لا وجه له بل هو إنكار على جميع الإمامية فلا يجوز التشنيع على الأخباريين والحق ان النزاع بينهم لفظي في مواضع يسيرة جدا لا في جميع المواضع ولا في أكثرها ونظير هذا قول من يزعم ان النزاع بين الشيعة والسنة لفظي لاتفاقهم على القول بالتوحيد والنبوة والمعاد والصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك وبطلان هذا واضح كبطلان الذي قبله.

وينبغي ان نذكر هنا جملة من الاختلاف المعنوي بين الفريقين ونقتصر على وجوه.

الالف ـ ان الأصوليين يقولون بجواز الاجتهاد في الأحكام بل وجوبه ، والأخباريون يقولون بعدم جواز العمل بغير نص.

ب ـ ان الأصوليين يقولون بجواز العمل بظن المجتهد بل بوجوبه لا بغيره والأخباريون يقولون بعدم جوازه.

ج ان الأصوليين يقولون بجواز العمل بخبر الواحد الخالي عن القرينة والأخباريون يقولون بعد جوازه.

د ـ ان الأصوليين يقولون بجواز العمل بالمرجحات غير المنصوصة مما ذكر في الأصول والأخباريون يقولون بعدم جوازه.

ه ـ ان الأصوليين يقولون بجواز العمل بالخبر الظني السند ، والأخباريون يقولون بعدم جوازه.

و ـ الخبر الظني الدلالة كذلك.

ز ـ الأصل كذلك.

ح ـ الاستصحاب كذلك.

٤٤٧

ط ـ مفهوم الشرط كذلك.

ى ـ مفهوم الصفة كذلك.

يا ـ مفهوم الغاية كذلك.

يب ـ سائر المفهومات التي قال بحجيتها جماعة من الأصوليين كذلك.

يج ـ قياس الأولوية كذلك.

يد ـ قياس منصوص العلة كذلك يه ـ الإجماع كذلك

يو ـ ظواهر القرآن التي لا يوافقها نص أصلا كذلك

يز ـ سائر المدارك الظنية كذلك

وقد عدها الشهيد الثاني في تمهيد القواعد مائتين مائة قاعدة أصولية ومائة قاعدة نحوية يستنبطون منها الظنون مع انه عليه‌السلام قال انى تارك فيكم أمرين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فكيف جعلوا الاثنين مائتين وأكثر تلك الوجوه لا يستفاد من الكتاب ولا من أهل البيت بل يستفاد منهم إنكارها وابطالها وناهيك بأنها عين طريقة العامة بعيدة من طريقة الأئمة عليه‌السلام وخواصهم

يح ـ ان من علم حكما ثابتا عنهم صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن بلغ رتبة الاجتهاد يجوز له العمل به عند الأخباريين ولا يجوز له ذلك عند الأصوليين بل يجب عليه العمل بظن المجتهد.

يط ـ ان من لم يبلغ رتبة الاجتهاد إذا بلغه ألف حديث صحيح صريح في مسئلة وسمع فتوى من مجتهد صادرة عن ظن منه بأصل أو نحوه من طرق حصول الظن يجب عليه العمل بذلك الظن عند الأصوليين ومخالفة تلك الأحاديث ويجب عليه العمل بالأحاديث ، ومخالفة ذلك الظن عند الأخباريين

ك ـ ان المجتهد إذا قال لم يبلغني في مسئلة كذا حديث أصلا لا عام ولا خاص لكني اجتهدت فيها فحصل لي ظن بكذا ، فعند الأخباريين لا يجوز العمل بذلك الظن

٤٤٨

بل يجب تحصيل حديث يعمل به ، والا عمل بالاحتياط لتواتر النص به وعند الأصوليين يجب العمل بذلك الظن وان خالف الاحتياط والقائلون بالاجتهاد كثيرا ما يعترفون في المسائل بعدم النص ثم يفتون فيها ومن تتبع وجد بعض تلك المسائل منصوصة بما يخالف تلك الفتوى أو يوافقها ومن تتبع كتب الاستدلال وكتب الحديث تحقق صدق هذه الدعوى.

كا ـ ان المجتهد إذا أفتى بظنه وكان الظن موافقا لألف حديث ثم مات فعند الأصوليين لا يجوز للمقلد أن يعمل بذلك الظن ولا بتلك الأحاديث بل يجب عليه العمل بظن مجتهد آخر حيّ وان كان مخالفا لتلك الأحاديث المتواترة وعند الأخباريين يجب العمل بتلك الأحاديث ان كانت دلالتها مفيدة للعلم ولو بانضمام القرائن والا فبالاحتياط

كب ـ ان من كان من العلماء عارفا بالأحاديث كلها مطلقا على جميع المقدمات المعتبرة في الاجتهاد إلا مقدمة واحدة أو نصف مقدمة أو مسئلة واحدة منها ، فعند الأصوليين لا يجوز له ان يعمل بعلمه ولا بشي‌ء من تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة وان كانت متواترة بل يجب عليه الرجوع الى المجتهد وان لم يكن في تلك البلاد مجتهد وجب عليه السفر اليه وان كان في بلاد بعيدة مسيرة سنة أو عشر سنين أو أكثر فإذا وصل اليه وجب عليه العمل بظنه وان خالف تلك الأحاديث كلها وكان خلاف الاحتياط أيضا ، وعند الأخباريين يجب عليه العمل بتلك الأحاديث التي استفاد منه العلم.

كج ـ ان الأصوليين في هذه الصورة يقولون يجب على هذا العالم ترك علمه ويقينه والعمل بظن غيره وان كان جاهلا بتلك الأحاديث إذا كان مجتهدا وعند الأخباريين لا يجوز ترك العلم واليقين والعمل بالظن ، وأمثال هذه الوجوه كثيرة جدا لا يخفى على من عرف الطريقتين

واعلم ان هذه الوجوه مبنية على اعتقاد أكثر الفريقين فان بين كل فريق

٤٤٩

منهم اختلافا في بعض الجزئيات مذكورا في محله.

قوله : ان هذا العلم هو الظن بل هو ظن ضعيف إلخ

أقول : دعوى المعاصر وبعض من وافقه ان العلم العادي ظن بل ظن ضعيف محض مكابرة وتمويه ومغالطة ، بل نوع من السفسطة ينتهي إلى الزندقة كما يأتي بيانه إن شاء الله ومعلوم ان علماء الأصول فضلا عن الأخباريين يعدون العلم العادي من اليقينيات ولا يرتاب في ذلك أحد من العقلاء ولو ان أحدا سمع الاخبار عن وجود مكة وبغداد والخضر وذي القرنين من عشرة آلاف رجل أو أقل أو أكثر ممن يستحيل اجتماعهم على الكذب عادة ثم قال لم يحصل لي من اخبار هؤلاء العلم بل حصل لي ظن ضعيف لحكم العقلاء بجنونه ، بل حكم أهل الشرع بكفره لأنه ينكر صحة نقل القرآن وجميع الأحكام الشرعية ومعجزات النبي والأئمة عليهم‌السلام والنصوص عليهم واخبار المعاد وأمثال ذلك وهو كفر والحاد فان العلم الحاصل من التواتر ومن الخبر المحفوف بالقرائن من جملة أنواع العلم العادي ويلزم هذا القائل أن يقول بأن العلم لا وجود له وان الأمر بطلب العلم تكليف ما لا يطاق وان النهى عن الظن في الآيات والروايات كذلك إذ لا يوجد غيره ولا يمكن العمل الا به والعلماء كلهم يصرحون حتى الأصوليون بأن العلم العادي ليس من الظن وبان العلم ممتاز من الظن وان الحاصل من التواتر ومن الخبر المحفوف بالقرائن هو العلم لا الظن ، وقد تعين علينا نقل جملة من عباراتهم لدفع تمويه المعاصر وأمثاله حيث يقولون تارة بأنه لا يمكن ان يحصل من الاخبار الا الظن وتارة بأن العلم لعادى الظن.

قال العلامة في التهذيب : الفقه العلم بالأحكام الشرعية.

ثم قال : وظنية الطريق لا تنافي علمية الحكم وليس المراد العلم بالجميع فعلا بل قوة قريبة منه ثم قال والظن اعتقاد راجح يجوز معه النقيض ثم قال ويستجمع العلم المطابقة والجزم والثبات ولا ينتقض بالعاديات لحصول الجزم وإمكان النقيض باعتبارين « انتهى ».

٤٥٠

ومراده ان الجزم باعتبار العادة واحتمال النقيض باعتبار قدرة الله كانقلاب الجبل ذهبا والبحر دما ومن المعلومات العادية وجود الكليني والصدوق والمفيد والشيخ والمرتضى والعلامة وأمثالهم وكونهم رجالا لا نساء ولا خناثى وكونهم من الشيعة الإمامية لا من المعتزلة والاشاعرة والحنفية والشافعية ، فعلى قول المعاصر كل ذلك ظن ضعيف لا علم فإن العمامة واللحية ونحوها لا تنافيان كون الشخص خنثى أو أنثى بالنسبة إلى قدرة الله وكثير من غير الشيعة يدعون التشيع ومثل هذه الاحتمالات المتوجهة على قول المعاصر وسواس وخبط وجنون لا يعتد به بل يوجد في المشاهدات احتمالات بالنسبة إلى قدرة الله بل بالنسبة إلى فعل ساحر أو مشعبد أو نحوهما أو تشكلات من الملائكة والجن والشياطين وغير ذلك من الاحتمالات يخرج المشاهدات على قول المعاصر من إفراد العلم ويجعلها ظنا ضعيفا وعلى قوله لا يبقى للعلم عين ولا أثر وهو باطل باتفاق العقلاء وشهادة الوجدان والعقل والنقل.

وقال العلامة أيضا في التهذيب في بحث الخطاب قيل الدلائل اللفظية ظنية لتوقفها على نقل اللغة والنحو والتصريف وعدم الاشتراك والمجاز وغير ذلك ولا شك ان هذه ظنية فالموقوف عليها ظني والحق خلافه لان بعض اللغة والنحو والتصريف متواتر وعدم الأشياء التي ذكرها قد يعلم من محكمات القرآن فثبت القطع ثم قال في بحث التخصيص يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وتوقف القاضي ومنع غيره لان العام قطعي.

والجواب ـ ان متنه قطعي ودلالته ظنية وخبر الواحد بالعكس فتساويا « انتهى ».

ومراده خبر الواحد الخالي عن القرينة ولا ريب ان العلم بالقرآن علم عادى كما عرفت وقد اعترف هنا بأن دلالة الخبر الخاص قطعية مفيدة للعلم ثم قال في بحث الاخبار : الخبر اما ان يعلم صدقه أو كذبه أو يخفى الأمر ان والأول أما ضروري

٤٥١

كالمتواتر أو ما علم أن وجود مخبره بالضرورة واما كسبى كالخبر المطابق الذي علم وجود مخبره اكتسابا وخبر الله وخبر رسوله وخبر الأئمة (ع) والخبر المتواتر معنى والخبر المحتف بالقرائن.

ثم قال إنكار السمنية (١) افادة التواتر العلم ضروري البطلان وتجويز الكذب على كل واحد لا يستلزمه على الجميع والحق ان العلم عقيبه ضروري والا لافتقر الى دليل فلم يحصل للعوام.

وقال أبو الحسين (٢) والكعبي والجويني والغزالي انه نظري لتوقفه على العلم بمقدمات نظرية كانتفاء المواطاة والدواعي إلى الكذب وكون المخبر عنه محسوسا لا لبس فيه واستحالة كون الخبر كذبا عند هذه فيجب كونه صدقا وهو ضعيف لأن المقتضي لحصول هذه الأشياء العلم.

والسيد المرتضى توقف في القولين ثم قال يشترط في العلم انتفاؤه اضطرارا عن السامع لاستحالة تحصيل الحاصل ومثله وتقوية الضروري وان لا يسبق شبهة الى السامع أو تقليد ينافي موجب الخبر وهذا شرط اختص به السيد المرتضى وهو جيد وان يستند المخبرون الى الإحساس واستواء الطرفين والواسطة في ذلك ولا يشترط العدد خلافا للقاضي من حيث اعتبره وتوقف في الخمسة والمتواتر معناه يفيد العلم بأمر مشترك تدل عليه الجزئيات آحادا بالتضمن « انتهى ».

ومثل هذه العبارات في التهذيب كثيرة سوى ما ذكرناه وفي غيره من مؤلفاته كالمبادي والنهاية وغيرهما وفي مؤلفات غيره كالشيخ والمرتضى والشهيدين وغيرهم أيضا كثيرة لا يخفى.

وقال الشيخ البهائي في الزبدة : المتواتر خبر جماعة يفيد بنفسه القطع وشبهة السمنية واهية وحصر أقلهم في عدد مجازفة وما لم يتواتر آحاد ولا يفيد بنفسه

__________________

(١) السمنية بالضم وفتح الميم : قوم بالهند دهريون يقولون بالتناسخ وينكرون وقوع العلم بالأخبار زاعمين ان لا طريق للعلم سوى الحس وهي نسبة الى سومنات بلد بالهند يقال : ذهب مذهب السمنية.

(٢) أبو الحسن ـ خ

٤٥٢

الا ظنا ومدعى القطع مكابر وقد يفيده ان حف بالقرائن والمنازع مباهت « انتهى » ولا خلاف بين علمائنا في ذلك وعباراتهم صريحة فيه فلا وجه لجعل المعاصر ذلك العلم ظنا.

قوله : ان خبر الثقة من الاخبار المحفوفة بالقرينة.

أقول : اعتراض المعاصر على هذا لا وجه له بعد ملاحظة معنى الثقة حيث ان معناه الذي يؤمن منه الكذب عادة وقد استعمل بهذا المعنى في الأحاديث كما ورد في سفراء المهدى عليه‌السلام وغير ذلك ويظهر أنه حقيقة عرفية في ذلك الوقت وفيه ورد التوثيق ولو لا ذلك لم يكن بين خبر الثقة وخبر الضعيف فرق في ترتب الأثر ولا في الاعتماد وهو واضح البطلان وهذه قرينة قوية جدا ربما ينتهي في بعض الإفراد الى حد لا يبقى لاحتمال النقيض مجال والوجدان شاهد صدق بذلك

والأحاديث المتواترة دالة على وجوب العمل بخبر الثقة وبأنه لا يجوز العمل بالظن فيكون مفيدا للعلم وقد صرح بذلك صاحب المدارك كما أشرنا إليه سابقا وقد صرح المحققون من علماء الأصول بأن القرائن لا يلزم كونها خارجة عن الخبر والمخبر بل أحوالهما من جملتها والوجدان دال على ما قالوه وكذا النص المشار اليه

ويظهر من المعاصر أنه قائل بأن أحوال الراوي لا تكون قرينة وهذا عجيب جدا لمنافاته للوجدان كما ذكرنا وكل أحد يجزم بالفرق الظاهر بين نقل الكليني ونقل البخاري وبين رواية سلمان ورواية أبي هريرة ويلزم من بعض كلام المعاصر ان لا يفيد خبر المعصوم العلم إلا بقرينة أخرى غير العصمة لأنها من أحوال المخبر وهو خبر واحد محفوف بقرينة من أحوال المخبر به وهي العصمة وكيف لا يكون ثقة الراوي إذا انتهت الى حد يؤمن معها الكذب عادة كما هو معلوم من أحوال بعض الناقلين وكما هو المفروض موجبة للعلم حتى يقترن إليها قرينة أخرى هذا بعيد عن الإنصاف على ان المعاصر قائل بوجوب العمل بخبر الثقة وان لم يفد الا الظن فالاعتراض قليل الجدوى.

٤٥٣

قوله : فانتقضت الكلية.

أقول : الانتقاض ممنوع لان الرجوع الى القرآن إذا ثبت بشروطه عن الأئمة عليهم‌السلام فهو داخل في السماع منهم للنص العام بذلك عنهم ووجه آخر وهو ان الأحاديث المتواترة دالة على وجوب الرجوع الى الأئمة عليهم‌السلام في تفسير القرآن وتأويله وبيان ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه ونحو ذلك مما يتوقف عليه العمل به فصحت الكلية واندفعت المناقشة.

واعلم ان صاحب الفوائد المدنية ادعى أمرين.

أحدهما : عدم جواز العمل بغير نص وعدم حجية الاستنباطات الظنية المقررة في الأصول المأخوذة من كتب العامة.

وثانيهما : كون أحاديث الكتب المعتمدة قسمين بعضها متواتر ، وبعضها محفوف بالقرائن وان كلا منهما يفيد العلم ويوجب العمل مع عدم المعارض ، وأن تقسيم الحديث إلى أربعة أقسام مستحدث لا دليل عليه ولا يجوز العمل به وقد أثبت الأمرين بما لا مزيد عليه وأورد جملة من الأدلة العقلية ونقل أحاديث متواترة فلا يمكن إبطال أصل مطلبه.

وقد أوردنا في كتاب وسائل الشيعة جملة مما يدل على تلك المطالب وقسمناها إلى أقسام أفردنا لكل قسم بابا وذكرناها في أول كتاب القضاء وذكرنا في خاتمة ذلك الكتاب جملة من القرائن والأدلة وجواب الاعتراضات فمن أراد فليرجع الى ذلك الكتاب ولو لا خوف الإطالة والملالة لذكرت هنا أحاديث متواترة واضحة الدلالة تدل على إثبات هذه المقالة لكني اذكر عنوان تلك الأبواب وعدد أحاديث كل باب ليطلع على مضمون الأحاديث المشار إليها من لم يتيسر له الرجوع الى ذلك الكتاب وقد بذلت الجهد في تطبيق العنوان على أحاديث ذلك الباب ولم اعتمد الا على الدلالات الظاهرة الواضحة المفيدة للعلم وهذا فهرست عنوان تلك الأبواب وعدد أحاديثها.

٤٥٤

باب انه ليس لأحد ان يحكم إلا الإمام أو من يروي حكمه فيحكم به وقد أوردت فيه عشرة أحاديث وفيه إشارة الى ما مر مما يدل عليه والى ما يأتي أيضا كذلك لوجود أحاديث كثيرة دالة على هذا المضمون في غير هذا الباب

باب عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم بورود الحكم عن المعصومين عليهم‌السلام وفيه ستة وثلاثون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي مما يدل على ذلك أيضا.

باب تحريم الحكم بغير الكتاب والسنة ووجوب نقض الحكم مع ظهور الخطاء وفيه خمسة عشر حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي.

باب عدم جواز الحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية فيه خمسون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي.

باب وجوب الرجوع في جميع الأحكام الى المعصومين عليهم‌السلام فيه اثنان وأربعون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي.

باب وجوب العمل بأحاديث النبي والأئمة عليهم‌السلام المنقولة في الكتب المعتمدة ورواياتها وصحتها وثبوتها فيه ثمانية وثمانون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي وفي هذه الأحاديث دلالة على وجوب العمل بالكتب المعتمدة على عدم جواز العمل بغيرها.

باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها فيه خمسون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي وفيه الأمر بالترجيح بزيادة العدالة والثقة والفقه والورع وإجماع الشيعة والشهرة بينهم ومخالفة العامة ومخالفة المشهور عندهم وموافقة الكتاب والسنة وتأخر زمان الحديث الى غير ذلك من المرجحات وفيه أحاديث متواترة دالة على وجوب اجتناب طريقة العامة وعدم جواز العمل بشي‌ء منها.

باب عدم جواز تقليد غير المعصوم فيما يقوله برأيه وفيما لا يعمل فيه بنص منهم عليهم‌السلام فيه اثنان وثلاثون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي.

باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى الى رواة الحديث من الشيعة فيما

٤٥٥

رووه عنهم عليهم‌السلام من أحكام الشريعة لا فيما يقولونه برأيهم فيه سبعة وأربعون حديثا واشارة الى ما مر وفي هذه الأحاديث وغيرها تصريحات بالأمر بالعمل برواية الثقة حتى مع التمكن من مشافهة المعصوم.

باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى والعمل في كل مسئلة نظرية لم يعلم حكمها بنص منهم عليهم‌السلام فيه سبعة وستون حديثا واشارة الى ما مر.

باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عليهم‌السلام فيه ثمانون حديثا واشارة الى ما تقدم ويأتي.

باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المروي من غير جهة الأئمة (ع) الا بعد معرفة تفسيره منهم فيه أربعة أحاديث.

فهذا فهرست عنوان الأبواب وعدد أحاديثها مع انه يوجد في كتب الحديث غير ما جمعته مما يوافق معناه لكني اقتصرت على ذالك لتجاوزه حد التواتر ومع ذلك فاحاديث كل باب منها تدل على مضمون بابين وثلاثة وأربعة وخمسة وأكثر لتقارب مضمون الأبواب.

ولا ريب ان كل من طالعها وتأمل ما فيها من التصريحات والمبالغات وكان خالي الذهن من الشبهة والتقليد لخلاف مضمونها لا يبقى عنده شك في صحة جميع ما قلناه ومن كان طالبا للحق قنع بها بل بما دونها وإفادتها العلم واليقين والله الهادي.

وفي الخاتمة التي أشرنا إليها من القرائن والأدلة وشهادات المتقدمين والمتأخرين من علمائنا ما يؤيد تلك الأحاديث المتواترة ما ان كانت تحتاج إلى التأييد فظهر ان هذه طريقة الأئمة (ع) وخواصهم ، وان ما خالفها طريقة العامة وقد تواتر الأمر بمخالفتهم.

ومن تأمل هذه الأحاديث علم انها لا تكاد تقصر عن أحاديث النص على بعض الأئمة (ع) كالرضا (ع) مثلا فإنها تزيد على تلك النصوص كثرة وقوة وسندا ودلالة ومبالغة كما يظهر لمن تتبع القسمين وكذا أحاديث وجوب الصلاة لا تزيد عليها

٤٥٦

وكذلك جميع أدلة أصول الفقه لا تقاوم تلك الأحاديث والأدلة ولا تقاربها وناهيك بذلك والله الموفق.

قوله : واما اجتهاد الإمامية الذي هو مجرد الجمع بين الاخبار إلخ.

أقول : قد عرفت ان هذا ليس باجتهاد ان كان الترجيح بالمرجحات المنصوصة الاثني عشر المروية عن الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام والا فهو اجتهاد وعمل بغير نص فيتوجه عليه ما يتوجه على غيره من أقسام الاجتهاد وكيف يكون هذا القسم اجتهادا ممدوحا إذا وقع من الشيعة ويكون بعينه اجتهادا مذموما إذا وقع من العامة هذا بعيد من الإنصاف بل هو قسمان كما عرفت

وربما يزعم بعض المعاصرين من المتعصبين ان الأصوليين من الخاصة لا يعملون بغير نص وانما يعملون بالظن الحاصل من الأحاديث لا غير وهو الذي يسميه الأخباريون علما وهذه الدعوى عجيبة ممن يدعى الفضل والعلم كيف وقد قال العلامة ومن تابعة بوجوب الاجتهاد في تحصيل الظن بالأحكام الشرعية وبوجوب العمل بظن المجتهد واعترفوا بأن دلالة بعض الأحاديث قطعية وبعضها ظنية وقالوا بحجية مفهوم الصفة ومفهوم الشرط ومفهوم الغاية وغيرها من المفهومات الا القليل وبحجية الأصل والاستصحاب وقياس الأولوية وقياس منصوص العلة والإجماع المنقول بخبر الواحد وأكثر وجوه الاستنباطات الظنية

وذكروا في الأصول انهم لا يعملون بقياس مستنبط العلة لكن من تأمل كتبهم الاستدلالية يعلم انهم يعملون به لا على كونه دليلا إلزاميا للخصم بل يستدلون به وحده أحيانا ، وكذا المصالح المرسلة كما هو ظاهر من المختلف والتذكرة وغيرهما حتى بلغت طرق تحصيل الظن عندهم الى مائتي طريق كما أشرنا اليه وأكثرها لا نص فيه وكثيرا ما يحكمون في مسئلة ويعترفون بعدم النص وكتبهم مملوة بذلك.

وقد اعترف بذلك المعاصر في رسالته وذكر انه لا ينبغي الطعن عليهم مع

٤٥٧

انه نفسه طعن عليهم وبالغ في الطعن فان كان قصده تحذير الناس من سلوك تلك الطريق الكثيرة الاخطار الموافقة لطريقة المخالفين للأئمة الأطهار التي لا يعذر من سلكها الا أن يكون غافلا كما وقع من بعض المتأخرين فهو مطلب صحيح ولو لا الخوف من ان يظن بنا ارادة التشنيع لا وردنا من تلك المواضع أكثر من ألف مسئلة ومن أراد تتبع الكتب لبيان هذا المطلب هان عليه ذلك واستغنى عن جمعنا تلك المسائل والله الموفق.

٤٥٨

فائدة (٩٣)

روى عن الصادق عليه‌السلام قال ان أيام زائري الحسين عليه‌السلام لا تعد من آجالهم (١).

وقد سأل عنه بعض الطلبة واستشكله بعضهم.

أقول : الذي يفهم من الحديث الشريف ان عمر زائر الحسين عليه‌السلام يزيده الله سبحانه بقدر أيام زيارته وقد رواه الشيخ في التهذيب هكذا ، ورواه ولده في الأمالي في جملة حديث هكذا : ولا تعد أيام زائريه يعني الحسين عليه‌السلام جائيا وراجعا من عمره.

وفي التهذيب أيضا بإسناد معتبر جدا عن ابى جعفر عليه‌السلام قال مروا شيعتنا بزيارة الحسين عليه‌السلام فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مصارع (٢) السوء الحديث.

وفي حديث آخر في فضل زيارته عليه‌السلام قال : من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين عليه‌السلام نقص الله من عمره حولا ولو قلت ان أحدكم يموت قبل اجله بثلاثين سنة لكنت صادقا وذلك أنكم تتركون زيارته فلا تدعوها يمد الله في أعماركم ويزيد في أرزاقكم وإذا تركتم زيارته نقص الله من أعماركم وأرزاقكم فتنافسوا في زيارته (٣)

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٤٣

(٢) مدافع خ م ـ التهذيب ج ٦ ص ٤٢

(٣) التهذيب ج ٦ ص ٤٣

٤٥٩

وفي مزار ابن قولويه بإسناده عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من لم يزر قبر الحسين عليه‌السلام فقد حرم خيرا كثيرا ونقص من عمره سنة (١).

وبإسناد معتمد عن ابى عبد الله (ع) قال لا تدع زيارة الحسين بن على ومر أصحابك بذلك يمد الله في عمرك ويزيد في رزقك الحديث (٢) وأمثال هذه الأحاديث الشريفة كثيرة متفرقة في كتب الحديث وهي واضحة الدلالة على ما ذكرنا من ان الله يزيد عمر زائر الحسين (ع) بقدر زيارته ذاهبا وعودا وان تركها يوجب نقص العمر.

ويحتمل على بعد أن يكون المراد ان زائره عليه‌السلام لا يكتب عليه الذنوب في تلك المدة ولا يحسب ما انتفع به فيها من رزقه المقدر له فكأنها ليست من عمره لعدم مؤاخذته بالذنوب فيصير الكلام مجازا لكن الحقيقة مقدمة يتعين الحمل عليها مع الإمكان ، وان كانت الأحاديث الدالة على انه لا يكتب عليه الذنوب تلك المدة مروية أيضا.

وعلى الأول : يكون المراد بآجالهم مجموع أعمارهم ويمكن أن يراد بها وقت الموت يعنى ان أيام زيارته لا تكون وقتا يموت زائره فيه أو في بعض اجزائه بل ان كان بقي من عمر الزائر يوم أو ساعة أو لم يبق منه شي‌ء وسافر للزيارة يزيد عمره بحيث يذهب إلى الزيارة ويزور بل يقيم هناك المدة التي يريد الإقامة فيها ويرجع الى منزله ثم يموت إذا استوفى بقية عمره ان كان بقي منه شي‌ء قبل سفره والا مات عند دخول منزله إذا رجع.

وقد قال صاحب الصحاح الأجل مدة الشي‌ء وهو موافق لما قلناه فيراد به اما مدة الحيوة وهي العمر أو مدة الموت أى الوقت الذي يموت فيه الإنسان أو الحيوان.

__________________

(١) كامل الزيارات ص ١٥١.

(٢) كامل الزيارات ص ١٥٢

٤٦٠