الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

فائدة (٣٩)

قولهم نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية. اعترض عليه بعض المعاصرين بأنه لو كان كذلك فقولنا عشرون رجلا في الدار مثلا قضية مهملة في قوة الجزئية وفي حكمها بمنزلة قولنا بعض الرجال في الدار ، فلو كان نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية يلزم أن يكون نقيضه لا شي‌ء من الرجال في الدار ولو كان كذلك يلزم جواز أن يكون النقيض مع الأصل كلاهما كاذبا وهو محال.

بيان الملازمة ان قولكم عشرون رجلا في الدار كاذبا إذا كان أقل منه في الدار ويلزم أن يكون قولكم لا شي‌ء من الرجال في الدار كاذبا لان على هذا التقدير يكون بعض الرجال في الدار لكن أقل منه وأجاب المعترض بان لا شي‌ء من الرجال من حيث كونه نقيض هذه القضية يلزم كذبه على تقدير صدقها وبالعكس ومن حيث انه نقيض أقلها كان كاذبا انتهى.

وأقول : قولنا عشرون رجلا في الدار غير مشتملة على سؤر الكلية ولا الجزئية وهو واضح ولا هي كالمهملة التي في قوة الجزئية إذ ليس معناها معنى قولنا بعض الرجال في الدار كما ان قولنا الإنسان في خسر لا يزيد عن معنى قولنا بعض الإنسان في خسر بل المراد هنا الحكم على بعض خاص وهو العشرون لا ما زاد أو نقص أو كان مجهول العدد وهذا على انهم صرحوا بأن القضية ان لم يبين فيها كمية الإفراد المحكوم [ المحكومة ـ خ ] عليها وصلحت مع ذلك لان تكون كلية وجزئية سميت مهملة لأن الحكم فيها على أفراد موضوعها وقد أهمل بيان كميتها كقولنا

١٢١

الإنسان في خسر ، الإنسان ليس في خسر وهذا الكلام ينفى كون القضية مهملة لعدم صلاحيتها للكلية والجزئية والا لكان مثل زيد في خسر ورجل في خسر مهملة وهو باطل.

ولا شك ان قولنا بعض الرجال في الدار لا يناقضه قولنا بعض الرجال ليس في الدار بل يجتمعان في الصدق بخلاف قولنا في الدار عشرون رجلا وليس في الدار عشرون رجلا فإنهما نقيضان لا يجتمعان في الصدق فلا يبعد أن يقال قولنا عشرون رجلا في الدار له اعتبارات بسبب ما فيه من القيد بخصوص العدد فباعتبار شموله لافراد كثيرة متعددة يكون كالكلية في استغراقها لأفرادها وتكون العشرون كالسور لها فيناقضها قولنا بعض العشرين ليس في الدار كقولنا كل إنسان حيوان يناقضه بعض الإنسان ليس بحيوان وباعتبار اشتمالها على بعض الأفراد اعنى إفراد جنس مميز العشرين وان كان بعضا خاصا يكون كالجزئية أو كالمهملة التي هي في قوة الجزئية مع القيد فيناقضها قولنا (١) لا شي‌ء من الرجال في الدار وهذا ضعيف كما مر الا ان يقطع النظر عن قيد العشرين أو يقال بجواز تعدد النقيض لقضية واحدة باعتبار ملاحظة القيد وعدمها ومن حيث دلالتها على هذا العدد من حيث هو وقطع النظر عن تعدد الإفراد تكون كالشخصية فيناقضها مثلها كما مر فتدبر والله اعلم.

__________________

(١) فيناقضها قولنا بعض العشرين في الدار ـ خ ل

١٢٢

فائدة (٤٠)

قولهم كل ما هو لازم العام لازم الخاص لان العام لازم الخاص وكل ما هو لازم اللازم لازم.

يرد عليه ان من جملة لوازم العام انه أعم من الخاص ومن جملتها انه ينقسم الى الخاص والى غيره وذلك مما يمتنع لزومه للخاص لأنه ليس أعم من نفسه ولا ينقسم الى نفسه وغيره وهو واضح فظهر ان هذه المقدمة ليست كلية فلا تصلح كبرى للشكل الأول وقد استعملوها كذلك ورتبوا عليها كثيرا من أحكام القضايا واللازم من ذلك بطلان تلك الأحكام وجوابه ممكن من وجهين. أحدهما : أن يراد كل ما هو لازم العام لازم الخاص الا ما هو من خواص العموم فينافي الخصوص لذلك وقرينته قولهم ان العام لازم الخاص فإنه لا يلزمه مع بقائه على عمومه بل مع سلب منافيات الخصوص وفيه بحث.

وثانيهما : ان المراد باللازم هناك اللازم الاتصالى لا اللازم الحملى وهذا هو الصحيح فتبقى كلية وتتم تلك الأحكام ويدل على ذلك لزوم العام الخاص فإنه لزوم اتصالي لا حملى والله أعلم.

١٢٣

فائدة (٤١)

روى الشيخ في الاستبصار عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى عن عمرو بن سعيد قال كتب اليه جعفر بن أحمد (١) يسئله عن السفر وفي كم التقصير فكتب بخطه وأنا أعرفه قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا سافر وخرج في سفر قصر في فرسخ ثم أعاد عليه من قابل (٢) المسئلة فكتب إليه في عشرة أيام (٣).

أقول : هذا لا يخلو من إجمال واشكال ولا يبعد ان يقال ان السؤال في السنة الأولى كان عن محل الترخص الذي يجب فيه الشروع في الصلاة قصرا والإفطار في الصيام بعد قصد المسافة فقوله وفي كم التقصير أي في كم ابتداء التقصير فأجابه بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقصر في فرسخ ووجهه ان الفرسخ يقارب خفاء الجدران والأذان غالبا وليس بصريح في التحديد بفرسخ من غير زيادة ولا نقصان بحيث لا يجوز قبله كما هو واضح ولعله كان يؤخر التقصير قليلا احتياطا واستظهارا.

__________________

(١) محمد ـ خ م

(٢) من قابل ـ خ م

(٣) الاستبصار ج ١ ص ٢٢٦.

١٢٤

ومما يؤيد ما قلناه قوله إذا سافر وخرج في سفر قصر في فرسخ فإنه يفهم منه قصد مسافة في الجملة إذ لا يطلق السفر شرعا على قصد فرسخ وقطعه بل لا يكاد يطلق عليه عرفا أيضا وخصوصا مع تأكيد معنى الجملة الشرطية بالمعطوفة عليها ومع ملاحظة التنوين الذي لا يناسب هنا جعله للتحقير بل المناسب جعله للتعظيم.

وبالجملة فما قلناه قرينة على قصد مسافة مضافا الى الأحاديث الكثيرة في تحديد المسافة وعدم جواز القصر فيما نقص عنها فيتعين ذلك جمعا ويكون السؤال في السنة الثانية عن التقصير في كم هو أى بعد قصد المسافة والشروع في قطعها في كم يوم يجب التقصير وهل يشترط قطعها في يوم أو يومين أو ثلاثة فأجاب بأنه لو قطعها في عشرة أيام لوجب عليه التقصير لأنه لا يشترط قطعها في يوم واحد بالإجماع ولا له حد معين بالأيام في غير هذا الحديث.

ولا يرد انه لا فرق بين العشرة وما فوقها وما دونها لان ما زاد عليها ربما يصل الى حد يخرج به عن صدق السفر عليه عرفا على ان دلالة المفهوم تكون هنا غير معتبرة ولا قصور فيه أو يحمل ذلك على المبالغة فإن الغالب في العادات عدم الانتهاء في الإبطاء الى هذا الحد في السفر فضلا عن الزيادة عليه مع كون المسافة ثمانية فراسخ أو أربعة ذهابا ومثلها عودا ولا قصور في اتحاد السؤال واختلاف الجواب فإنهم عليهم‌السلام اعرف بمراد السائل.

ومن المستبعد أن يسأل في سنة ثم يعود الى ذلك السؤال بعينه في سنة أخرى من غير تغيير في المراد مع أنه كثر من السائلين لهم (ع) ارادة خلاف الظاهر من السؤال على وجه الامتحان وطلب المعجز والبرهان.

وهذا هو السر في حصول الإجمال في كثير من الأحاديث وان كان له أسباب أخر وهنا وجه آخر وهو أن يكون السؤال في أول الحديث عمن قصد مسافة وشرع في السفر ثم حصل له التردد في السفر والرجوع ففي كم فرسخ

١٢٥

يجب عليه التقصير فأجابه بأنه إذا وصل الى حد الترخص ثم حصل له التردد وجب عليه التقصير الى أن يرجع عن السفر ويكون السؤال في آخره عمن وصل الى ذلك الحد أو الى رأس المسافة ففي كم يوم يجب عليه التقصير فقال في عشرة أيام يعني إذا نوى اقامة عشرة أيام وكان يوم السفر محسوبا منها اعنى يوم الذي قطع فيه الفرسخ أو الذي وصل فيه كان ذلك أقل من عشرة أيام وهو واضح فاذا نوى اقامة عشرة أيام غير ذلك اليوم أو ملفقة وجب عليه التمام فيصدق عليه في هذه الصورة انه يجب عليه التقصير في عشرة أيام لعدم انقطاع السفر بنيتها (١) لنقص اليوم الأول ويصدق عليها العشرة عرفا لعدم الاعتداد بالاجزاء القليلة في المحاورات وثبوت الاعتداد بها شرعا فتأمل ولا ينبغي ان يستعبد مثل هذه التأويلات فقد صرح الأئمة عليهم‌السلام بأمثالها.

فمن ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان رجلا سأله عن النافلة فقال هي فريضة ففزع الرجل فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنما أعني صلاة الليل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحديث (٢).

وكل من نظر في كتاب معاني الأخبار لابن بابويه تحقق ما قلناه وبالجملة يتعين حمل الحديث على مجمل يوافق ما هو معلوم من الأحاديث الصحيحة الصريحة ومن المعلوم ان كل حديث ورد على قدر فهم السائل وبحسب ما علمه الأئمة عليهم‌السلام من حاله.

ولذلك ورد عنهم عليهم‌السلام حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان (٣) وان كان هذا له وجه آخر.

__________________

(١) بينها خ ل.

(٢) التهذيب ج ٢ ص ٢٤٢ ح ٢٨.

(٣) بصائر ج ١ ص ٢١.

١٢٦

واعلم ان الشيخ قال بعد ذكر هذا الحديث الوجه في قوله قصر في فرسخ وما جرى مجراه هو ان المسافة إذا كانت على الحد الذي يوجب التقصير فصاعدا فسأله المسافر يوما أو أكثر منه أو فرسخا أو أقل منه أو أكثر يجب عليه التقصير لأن المسافة حصلت على الحد الذي يجب فيه التقصير وليس الاعتبار بما يسير الإنسان بل الاعتبار بالمسافة المقصودة وان لم يسرها في دفعة واحدة « انتهى » (١) ولا يخلو من إجمال ولعل ما ذكرناه أبلغ في دفع الاشكال والله أعلم بحقيقة الحال.

__________________

(١) راجع الاستبصار ج ١ ص ٢٢٦.

١٢٧

فائدة (٤٢)

قال العلامة ره في الخلاصة محمد بن القسم وقيل ابن ابى القاسم الأسترآبادي روى عنه أبو جعفر بن بابوبه ضعيف كذاب ، روى عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين أحدهما : يعرف بيوسف بن محمد بن محمد بن زياد والأخر على ابن محمد بن يسار عن أبويهما عن ابى الحسن الثالث عليه‌السلام والتفسير موضوع عن سهل الديباجي بأحاديث من هذه المناكير « انتهى ».

وقال بعض المتأخرين كيف يكون محمد بن القسم ضعيفا كذابا والحال ان رئيس المحدثين كثيرا ما يروى عنه في الفقيه وكتاب التوحيد وعيون اخبار الرضا عليه‌السلام وفي كل موضع يذكره يقول بعد ذكر اسمه رضي‌الله‌عنه أو رحمه‌الله والمتتبع يعلم أنه أجل شأنا من أن يروى الحديث عمن لا اعتماد عليه ولا يوثق به ويذكره على جهة التعظيم ولو كان المروي عنه ضعيفا في نفسه فروايته عنه تكون بعد علمه بصحة الرواية بالقرائن والأمارات.

ومما يدل على كمال احتياطه وعدم نقله حديثا لم يثبت صحته عنده بوجه من الوجوه ما ذكره في عيون الاخبار بعد نقل حديث رواه بسنده عن الرضا عليه‌السلام في الحديثين المختلفين فقال كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد سي‌ء الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث وانما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله وقد قرأته عليه ولم ينكره

١٢٨

ورواه لي « انتهى » (١).

قال ولكن فيما ذكره العلامة رضي‌الله‌عنه إشكالات.

أحدها : ان الامام المروي عنه ليس أبا الحسن الثالث عليه‌السلام بل هو أبو محمد الحسن بن على العسكري عليهما‌السلام وهذا التفسير بهذا الاسم مشهور بين الشيعة.

وثانيها : ان أبويهما غير داخلين في سلسلة الرواية بل هما رويا عن المعصوم بلا واسطة.

وثالثها : ان سهلا وأباه غير داخلين في سند هذا التفسير فان سنده على ما رأيناه من النسخ المعتبرة هكذا قال محمد بن على بن جعفر بن محمد الدقاق حدثنا الشيخان الفقيهان أبو الحسن محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن شاذان وأبو محمد جعفر بن محمد بن على القمي رضي‌الله‌عنه قالا حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن القسم المفسر الخطيب ره قال حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن على بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الإمامية قالا كانا أبو انا اماميين وكانت الزيدية هم الغالبين على أسترآباد وكنا في إمارة الحسين بن زيد العلوي امام الزيدية وكان كثير الاسفار إليهم يقتل الناس بسعاياتهم فخشينا على أنفسنا فخرجنا بأهلينا الى حضرة الامام ابى محمد الحسن بن على (ع) ابى القائم عليه‌السلام وأنزلنا عيالاتنا في بعض الخانات ثم استأذنا على الامام الحسن بن على (ع) الى أن قال أمر عليه‌السلام أبوينا بالرجوع وقال لهما خلفا ولديكما لأفيدهما العلم « انتهى ».

قال : وإذا كان الأمر على ذلك فلا ينطبق كلام العلامة على التفسير الذي هو مشهور بين الشيعة وينسبونه الى مولانا الحسن العسكري عليه‌السلام فلعله رأى تفسيرا

__________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٢١

١٢٩

آخر روياه عن أبويهما عن ابى الحسن الثالث على بن محمد (ع) وكان سهل بن أحمد الديباجي وأبوه داخلين في سلسلة ذلك التفسير والله اعلم « انتهى ».

أقول : وهو تحقيق جيد لكن في دعواه المنافاة بين ضعف محمد بن القسم ورواية الصدوق عنه مترحما ومترضيا نظر ، فإنه قد روى جميع مؤلفات الشيعة المعتمدة وغير المعتمدة بالإجازة وغيرها ولا يلزم صحتها كلها ولا توثيق جميع رواتها والدعاء بالرحمة والرضا للشيعة جائز والنصوص دالة على ذلك من غير تقييد بكون المدعو له ثقة.

نعم يفيد حسن حاله في الجملة فهو بمنزلة المدح له بل يفيد جلالته أيضا بشرط الخلو من التضعيف.

ويحتمل ان ابن بابويه كان يعتقد ثقته الا انه لم ينقل إلينا تصريحه بتوثيقه وما ذكره أعم منه والجارح مقدم على المعدل لو كان مصرحا فكيف هنا وباقي كلام الفاضل المنقول حسن جيد ، وقد صرح جماعة من المحققين بصحة التفسير المشهور الان واعتمدوا اليه والله أعلم.

١٣٠

فائدة (٤٣)

في الكافي في باب دعائم الإسلام عن زرارة عن ابى جعفر عليهما‌السلام قال بني ـ الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت وأيّ شي‌ء من ذلك أفضل؟ قال : الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن قلت ثم الذي يلي ذلك في الفضل فقال : الصلاة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الصلاة عماد دينكم.

قال قلت ثم الذي يليها في الفضل قال : الزكاة لأنه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة تذهب بالذنوب قلت فالذي يلي ذلك في الفضل؟قال الحج قال الله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) الى أن قال :

قلت ثم ماذا يتبعه قال : الصوم قلت وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصوم جنة من النار قال ثم قال : ان أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم يكن منه توبة دون ان ترجع اليه فتؤديه بعينه ان الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شي‌ء مكانها دون أدائها وان الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك وليس من تلك الأربعة شي‌ء يجزيك مكانه غيره. الحديث (١).

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٨ ح ٥

١٣١

أقول : فيه إشكالان.

أحدهما : قوله : وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع إلخ فإن التعليل والاستشهاد بالحديث لا يفهم منه وجه كون الصوم متأخرا عن الأربعة في الفضيلة فلا يكون الجواب مطابقا للسؤال.

وثانيهما : وجه الفرق بين الأربعة والصوم بحيث يلزم تفضيلها عليه فإنه غير ظاهر مما ذكره بل ربما ظهر منه التساوي لتصريحه بوجوب القضاء في الصوم وأيضا لا يخلو ظاهره من تناقض لتضمنه إثبات القضاء ونفيه.

والجواب من الأول ان سؤال زرارة يحتمل معنيين.

أحدهما : أن يكون مراده ما وجه كون الصوم متأخرا في الفضل عن الأربعة فكانت هي بل كل واحد منها أفضل منه فأجاب بالاستدلال بالحديث وأشار بأن هذا النعت للصوم والمدح له قليل بالنسبة إلى مدح الأربعة مما تقدم ذكره وغيره خصوصا مع ملاحظة كون الجنة منكرة ومذكورة بلفظ الإفراد واللام في الصوم للجنس أو الاستغراق والتنوين يحتمل كونه للتحقير.

وأين هذا من كون الولاية مفتاحهن والدليل عليهن وكون الصلاة عماد الدين فيلزم خرابه وفساده بتركها ومن اقتران الزكاة بها وورد ما ورد في ثوابها وكون الآية دالة على كفر تارك الحج فكل واحد من هذه الأشياء أعظم تأكيدا من الحديث المذكور.

وثانيها : أن يكون سؤاله عن وجه كون الصوم ملحقا بهذه الأربعة معدودا معها مع انه أمر سهل وتكليف خفيف بالنسبة إلى الأربعة وغيرها فإنه مجرد ترك اكلة واحدة بالنهار واستيفائها بالليل والزيادة عنها فكيف صار من جملة ما بنى عليه الإسلام مع انه بحسب الظاهر لا نسبة له إلى الأربعة.

فإن الصلاة تكليف شاق واشتغال للظاهر والباطن مع تكررها كل يوم مرارا متعددة واشتمالها على أحكام كثيرة تزيد على أربعة آلاف وكون الزكاة مشتملة

١٣٢

على بذل المال الذي يسمح كثير من العقلاء ببذل الأرواح دونه وما يشتمل عليه الحج من المشقة الشديدة جدا غالبا بنص القرآن والتعرض للخطب العظيم على النفس والمال وكثرة الأفعال والأحكام التي لا تقصر عن أحكام الصلاة كما يدل عليه الحديث المشهور انه لا تفنى مسائله في أربعين عاما (١).

وكون الولاية مشتملة على فرض الطاعة والإقرار بها لصاحبها وهي لا تقصر عن العبودية وناهيك بها بل لا نسبة للصوم بحسب الظاهر إلى بقية التكاليف الشاقة التي لم تذكر كالجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك.

فأجاب عليه‌السلام بأنه أيضا عظيم الشأن والمنزلة شرعا فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فيه ما قال ومعلوم ان اتقاء النار واجب ولا يحصل إلا بعبادة عظيمة واجتهاد زائد وعلى هذا فالتنوين يترجح حمله على التعظيم وحاصله انه يحسن لذلك الحاقة بالأربعة في الحكم وان قصر عنها في الفضيلة ويكون بقية التكاليف داخلة في معنى الإسلام المبنى على الخمسة أو شرطا له ويبقى وجه ترتيب الأربعة ، ونصهم عليهم‌السلام كاف ، وما ذكر من التأويل والتوجيه في الحديث من المؤيدات والمؤكدات وكذا ما قدمناه.

ولعل الجواب على التقديرين اقناعى بحسب فهم زرارة والممتحنين له من العامة كما هو معلوم من حاله معهم وحال الأئمة عليهم‌السلام معه من تلقينه ما يقرب الحكم الى فهمه ويصلح للاحتجاج به عليهم.

وهنا وجه آخر قريب وهو أن يكون التوجيه مجموع الأمرين من الحديث والفرق المذكور في القضاء يعنى ان الحديث دل على ان الصوم من الفرائض الجليلة التي بنى عليها الإسلام واقتضى إلحاقها بالأربعة وهذا الفرق بينه وبينها يوجب تأخره عنها فيتم التوجيه والتعليل ، ولفظ ثم في أمثال هذه المواضع منسلخ عن معنى التراخي كما يفهم بالتتبع.

__________________

(١) الوسائل ج ٢ ص ١٣٦

١٣٣

والجواب عن الإشكال الثاني ان حاصل معناه إذا كانت الأشياء على قسمين قسم إذا تركه المكلف به لم تقبل تويته من تركه الا أن يأتي به ويقضيه بعينه ، وقسم لا يلزم قضاء ، ومتعين كون الأول أفضل والأربعة من القسم الأول ، والصوم من الثاني فثبت المطلوب وما ذكره عليه‌السلام في تطبيق التقسيم على الخمسة يحتمل وجوها.

أحدها : أن يكون المراد ان الأربعة أفعال مخصوصة إما لسانية أو أركانية أو جنانية وان كان فيها تروك أيضا ولها شروط منها النية والوقت وغيرهما فاذا فاتت خرج وقتها وجب الإتيان بها بعينها خارج الوقت وهو معنى القضاء.

واما الصوم فهو ترك الأفضل بناء على مذهب من قال به وهو الظاهر فإذا أخل به ثم ادى مثله في وقت آخر لم يكن قضاء حقيقيا حيث ان الركن الأعظم فيه الوقت الا ترى انه لم يزل مقيدا به ولا يتصور انفكاكه عنه بخلاف الأربعة فإن الصلاة كانت واجبة أولا غير موقته ، وهي موسعة أيضا وكذا الزكاة يمكن تقديمها أو تأخيرها على الوجه الشرعي ونحوهما فظهر ان الركن الأعظم في الصوم الوقت فيكون إطلاق القضاء فيه مجازا وفيه ما لا يخفى.

وثانيها : أن يكون المراد ان الصوم في الحقيقة هو احترام أيام هذا الشهر بترك المفطرات فاذا فات واحترم أياما غيرها لم يكن قضاء حقيقة بل هو عوض عما أخل به أو كفارة وعقوبة ولم يلزم وقوع ذلك في شهر رمضان آخر ليحصل تلافى احترامه بخلاف الأربعة فإن معنى القضاء منها حاصل وهذا قريب من الأول ويفهم كل واحد منهما من قوله أياما غيرها.

وثالثها : ان يكون المراد بالقضاء الأداء كقوله تعالى ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ) ـ ( فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ) ويكون المراد بالأداء معناه الحقيقي أعني الفعل في الوقت وبالفوات التأخر عن أول الوقت لا عن جميعه وعليه فالمعنى ان الأربعة إذا تأخرت عن أول أوقاتها الشرعية وجب المبادرة بفعلها والإتيان بها فلا تسقط عن أحد تمكن من فعلها بخلاف الصوم فإنه يسقط في مواضع متعددة مع إمكان فعله كالمريض

١٣٤

والمسافر غالبا والحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن وغير ذلك.

ورابعها : ان يكون المراد ان كل واحد من الأربعة لا بد من قضائه والإتيان به بعينه ولا يجزى عنه ان يتصدق بدله بصدقة بخلاف الصوم فإنه في عدة صور تجزى الصدقة عنه كما تقرر في محله وهذا أحسن الوجوه وعلى هذا قالوا وفي قوله وجزيت ذلك الذنب بصدقة بمعنى أو ، فقد وردت بمعناها فظهر الفرق إذ الأربعة لا بد من قضائها وهو شرط في التوبة منها.

وأما الصوم فتارة يجب قضاؤه وتارة لا يجب بل تجزى الصدقة عنه كما تقرر شرعا فأشار الى القسم الأول بقوله : أديت مكانها أياما غيرها والى الثاني بقوله ولا قضاء عليك فيرتفع التناقض والحمل على المجاز ولك ان تجمع وجهين فصاعدا فتجعلها وجه الفرق بحسب الإمكان والله أعلم.

١٣٥

فائدة (٤٤)

في الكافي أيضا في باب ما جاء في الاثني عشر عن ابى جعفر عليه‌السلام قال :الاثني عشر الامام من آل محمد كلهم محدث من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن ولد على بن ابى طالب عليهما‌السلام فرسول الله وعلى هما الوالدان (١) وعنه عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انى واثنى عشر من ولدي وأنت يا على زرّ الأرض يعني أوتادها وجبالها بنا أوتد الله الأرض أن تميد [ تسيخ ـ خ ] بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا (٢).

وعنه عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولدي اثنا عشر نقيبا نجباء محدثون مفهّمون آخرهم القائم بالحق الحديث (٣).

أقول ظاهر هذه الاخبار بل الخبر الأول خاصة يستلزم كون الأئمة ثلاثة عشر ويرده النصوص المتواترة.

وتوجيهه بوجوه :

منها : ان يحمل الولادة على الأعم من الحقيقة كما في الأحد عشر والمجازية كعليّ عليه‌السلام فإنه باعتبار دخوله في أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يجوز ان يطلق عليه انه ولده

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٥٣١

(٢) الكافي ج ١ ص ٥٣٤ ح ١٧.

(٣) الكافي ج ١ ص ٥٣٤ ح ١٨.

١٣٦

فقد ورد في الحديث انه قال يا على أنا وأنت أبوا هذه الأمة فمن عق والديه فعليه لعنة الله (١).

وأوضح من ذلك قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ )

وقد نقل ان في مصحف ابن مسعود وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم (٢).

وروى في بعض الاخبار ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أب لأمته وحمل عليه قول لوط عليه‌السلام ( هؤُلاءِ بَناتِي ) فيستقيم الحكم بأن الجميع من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويجمع بين الاية والخبر السابق بما لا يخفى بل لا منافاة بين كونهما أبوي الأمة وأحدهما أبا الأخر إذ هو من أمته ، ويقرء قوله وولد على بالرفع اى كذلك فهو مبتداء خبره محذوف.

ومنها : أن يكون الظرفان بل كل واحد منهما خبر مبتداء محذوف اى بعضهم من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعضهم من ولد على عليه‌السلام أو يكون الظرف الأول خبر مبتداء محذوف ، والثاني عطفا عليه وتقديره بعضهم أو أكثرهم فيكونان خبرا واحدا أو خبرين لمبتداء واحد من باب تعدد الخبر بالعطف.

ومنها : أن يكون حكما على الأكثر من غير تقدير فيبقى بمنزلة التغليب في الحكم وله نظائر في كلام البلغاء كما يطلقون وصف أهل بلد والحكم عليهم بالخير والصلاح أو بالشر والفسق أو بقتل أحد أو نهب بلد أو خروج على امام ونحو ذلك.

ومنها : ان يكون عاما مخصوصا فإنه ما من عام الا وقد خص كما اشتهر عن ابن عباس وغيره والمختص معلوم قطعي صريح متواتر وعلى هذا والذي قبله يكون الظرفان خبرين للمبتدإ المذكور من باب تعدد الخبر أيضا.

__________________

(١) أنوار البهية للمحدث القمي ص ٦٣.

(٢) الناقل هو الطبرسي ره في مجمع البيان عن ابى وابن مسعود وابن عباس قال :

وروى ذلك عن ابى جعفر وابى عبد الله (ع) راجع ج ٨ ص ٣٣٨.

١٣٧

ومنها : أن يكون الإمامة أعم من الحقيقة كما في الأحد عشر (ع) والمجازية كما في فاطمة عليها‌السلام فإنها لكونها معصومة وقولها حجة وطاعتها مفروضة جاز إطلاق الإمام عليها مجازا واستعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز جائز كما تقرر في الأصول والعربية وامامة على عليه‌السلام معلومة من أدلة أخر كثيرة ونصوص متواترة بل متجاوزة حد التواتر اللفظي والمعنوي كنص الغدير وغيره وهذا الوجه اعنى دخول فاطمة عليها‌السلام يتعين في الثاني والثالث من غير احتياج الى المجاز فإنه لا محذور في دخولها فيهما وشمول الأحكام المذكورة فيهما لها والله أعلم.

١٣٨

فائدة (٤٥)

في الفقيه قال سأل محمد بن عمران أبا عبد الله (ع) فقال لأي علة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيهما؟

ولأيّ علة صارت التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة قال لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما اسرى به الى السماء كان أول صلاة فرضها الله تعالى عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف الله إليه الملائكة تصلي خلفه وأمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله ثم فرض الله العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة وأمره أن يخفى القراءة لأنه لم يكن وراه أحد ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة فأمره بالإجهار وكذلك العشاء الآخرة فلما كان قرب الفجر نزل ففرض الله عزوجل عليه الفجر فأمره بالإجهار ليبين للناس فضله كما بين للملائكة فلهذه العلة يجهر فيها الحديث (١)

أقول : فيه كما ترى اشكال من حيث ان الاسراء كان ليلا كما هو صريح القرآن ونزل قبل الفجر كما هو متفق عليه في الحديث والنقل.

وحل الاشكال من وجوه :

أولها : ما رواه الكليني في باب تاريخ مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان أبا بصير سأل أبا عبد الله عليه‌السلام كم عرج برسو الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال مرتين الحديث (٢).

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٠٩ ط الغفاري

(٢) الكافي ج ١ ص ٤٤٣ ح ١٣.

١٣٩

ورواه الصدوق أيضا في كتاب المجالس.

وروى في بعض الاخبار انه عرج به مائة وعشرين مرة كما في الخصال (١) وبصائر الدرجات وغيرهما فيجوز كون الإسراء في إحدى المرات أو المرتين ليلا وفي الأخرى نهارا أو مستمرا الى النهار وهذا قريب.

وما روى من ان الصلوات صارت واجبة وقت الأسرى يمكن حمله على النهارى ويمكن توجيهه بوجوبها إجمالا في أحدهما وتفصيلا في الأخر.

وثانيهما : أن يحمل على كون الوجوب حصل وتقرر في الأسراء الليلي ووقوع الصلاة وكون الصلوات كانت واجبة أولا غير مقيدة بوقت فقد روى ذلك في بعض الاخبار وإذا وجب خمس صلوات مطلقة غير مقيدة لوقت ، فلا قصور في إيقاعها ليلا في السماء أو أكثرها وتكون متميزة بالأولى والثانية إلخ ولا ينافي ذلك الإضافة إلى الظهر وغيره أو تسميتها بها لوجوه.

أحدها : كون التسمية غير ملاحظ فيها معنى الوقت بل هي ألفاظ مشتركة وثانيها : أن يكون معنى الوقت فيها ملاحظا لآية سيصير وقتها لها.

وثالثها : ان نقول التسمية في كلام الصادق عليه‌السلام وذلك بعد التوقيت فلا محذور وثالثها : أن نقول لعلها كانت مطلقة وكان التوقيت ثالثا على وجه الندب فحسن أن تضاف الى الوقت وجاز أن تقع في غيره وترك المندوب ذلك الوقت لحصول مرجح آخر أفضل منه.

ورابعها : ان نقول لعله كان التوقيت كما ذكر في الحديث ثم نسخ بالنص في الكتاب والسنة والإضافة ح باعتبار الحكم الناسخ لا المنسوخ كما مر في بعض الوجوه.

وخامسها : انه قد تقرر ان الليل هو مدة كون الظل الأرض فوقها بالنسبة إلى

__________________

(١) الخصال ص ٥٦٦ وأورده العلامة المجلسي ره أيضا في البحار عن العيون والخصال ج ١٨ ص ٣٨٧.

١٤٠