الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

فائدة (٥٠)

روى الصدوق في معاني الاخبار قال حدثنا أبو القاسم على بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي‌الله‌عنه قال حدثنا محمد بن ابى عبد الله الكوفي قال حدثنا سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال حدثني سيدي على بن محمد بن على الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن على عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان أبا بكر منى لبمنزلة السمع (١) وان عمر منى لبمنزلة البصر وان عثمان منى لبمنزلة الفؤاد قال فلما كان من الغد دخلت اليه وعنده أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام وأبو بكر وعمر وعثمان فقلت له يا أبة سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا فما هو؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله نعم ثم أشار إليهم فقال : هم السمع والبصر والفؤاد وسينالون عن ولاية وصيي هذا ، وأشار الى على بن أبي طالب صلوات الله عليه ثم قال ان الله عزوجل يقول ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله وعزة ربي ان جميع أمتي لموقوفون يوم القيمة ومسئولون عن ولايته وذلك قول الله عزوجل ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢).

أقول : استشكل بعض الطلبة هذا الحديث فقال : كيف يجوز لعن سمعه وبصره وفؤاده عليه‌السلام وكيف يجوز تكذيب دعواهم وهل هو الّا سند قوى العامة في اعتقاد

__________________

(١) في المصدر المطبوع بمنزلة السمع إلخ.

(٢) معاني الأخبار ص ٣٦٨ باب نوادر المعاني.

٢٢١

حسن حالهم بل جعله دليلا على عصمتهم لعصمة سمعه وبصره وفؤاده عليه‌السلام ولا يجوز عليه التقية عندنا كما قيل ولا عندهم.

والجواب من وجوه اثنى عشر.

الأول : انه ضعيف السند على المشهور فلا يصلح حجيته لا سيما في الأصول وضعف سنده معلوم لمن تتبع كتب الرجال فلا حاجة الى بيانه.

الثاني : ضعف دلالته لما يأتي بيانه من الاحتمالات الظاهرة القوية وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال بل لا يمكن فهم ما ذكره السائل منه لما يأتي.

الثالث : انه خبر واحد فلا يجوز الاستدلال في الأصول اتفاقا.

الرابع : انه ظني السند والمتن فلا يجوز الاستدلال به في الأصول عند العامة ولا عند الخاصة لأنهم خصوا النهى عن العمل بالظن بالأصول فكيف يجوز لهم ان يعملوا فيهما بدليل ظني واللازم منه رد الآيات الكثيرة والروايات المتواترة وهو غير جائز.

الخامس : انه خبر واحد فلا يعارض المتواتر ومن تتبع علم ان معارضة متواتر عند العامة والخاصة كما يظهر لمن تتبع كتاب الطرائف والشافي ونهج الحق وكتاب الألفين ومثالب الصحابة وغير ذلك.

السادس : انه ظني السند والمتن ومعارضة قطعيهما فلا يجوز الالتفات إليه فإن الظن لا يعارض اليقين قطعا ومن تأمل علم انه لا تداخل في هذه الأوجه فإن منها ما اعتبر فيه وجود المعارض ومنها ما لم يعتبر فيه.

السابع : انه يحتمل الحمل على التقية في الرواية لأن العامة يروون صدره ولعل عجزه قد وقع فأراد الإمام الجمع بينهما ليحصل تأويل ما نسبوه اليه عليه‌السلام على تقدير تسليمه وله نظائر كثيرة جدا يعرفها المتتبع الماهر.

والشيخ كثيرا يحمل الحديث النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتاب الاخبار على التقية ومراده التقية في الرواية على ان استحالة التقية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقا محل تأمل وليس هذا محل تحقيقه.

٢٢٢

الثامن : انه يحتمل الحمل على النسخ فان كثيرا من معارضاته متأخر فتعين حمل المتقدم على النسخ كما هو مقرر.

التاسع : انه محتمل لوجوه (١) كثيرة لما مر ويأتي فظهر كونه متشابها ومعارضه محكم ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ) ولا يجوز العمل بالمتشابه وترك المحكم اتفاقا.

العاشر : انه كثير الاحتمالات كما عرفت فينبغي حمله على أحدها جمعا بين الدليلين ومعارضه غير محتمل لكثرته وتواتره وتعاضد أسانيده ودلالته فهو من حيث المجموع غير محتمل.

الحادي عشر : انه قد تقرر ان وجه الشبه ليس من ألفاظ العموم بل يكفى فيه صفة واحدة كما يقال زيد كالأسد أي في الشجاعة ولا يلزم المشاركة في غيرها وتقرر أيضا ان المشبه به يكون أقوى في وجه الشبه ولا ريب ان التشبيه يقتضي المغايرة وان تشبيه الشي‌ء بنفسه غير جائز ولا متصور من مثله عليه‌السلام والاشكال الذي وقع في خاطر السائل من خطوات الشيطان مبني على الاتحاد وهو بعيد من الحديث بل لا وجه له أصلا والحديث تضمن ان وجه الشبه هو كون كل من المشبه والمشبه به مسئولا عن الولاية يوم القيمة فلا يدل على حصول صفة أخرى لهم تدل على حسن الحال أو عدم إمكان اللعن.

الثاني عشر : انه يمكن كون وجه الشبه هو العزة ويكون مشروطا بالبقاء على تلك الحال وعدم ظهور ما يقتضي سوء الحال فلما ظهر منهم إنكار النص وعدم قبوله يوم الغدير وغير ذلك مما وقع منهم في حياته عليه‌السلام عدم الشرط والشروط ولا يخفى انه لم يقل بمنزلة سمعي وبصري وفؤادي بل قال بمنزلة السمع. ويحتمل ان يراد سمع الأمة ولو صرح بذلك لم يلزم مفسدة بأن يقول إنهم مني بمنزلة سمع أمتي في العزة بذلك الشرط أو في كونهم مسئولين عن الولاية كما يظهر من الاستدلال والاستشهاد بالاية والله أعلم.

__________________

(١) يحتمل وجوه كثيرة ـ خ ل

٢٢٣

فائدة (٥١)

اعلم ان بعض المتأخرين من علمائنا ذهب الى تحريم شرب التتن وألف في ذلك رسالة استدل فيها بوجوه.

الأول : انه من الخبائث التي دل على تحريمها الكتاب قال : والخبيث ما استخبثه الطبائع السليمة المستقيمة وتنفر عنه ابتداء قبل اعتياده وإدمانه بتوقع نفعه بتسويل الشيطان عدو الإنسان وكون الدخان كذلك في عهدة الوجدان والإنصاف

الثاني : انه من نزعات الشيطان بشهادة شدة رغبته طبائع البطلة والجهلة والفساق وملازمتهم في أكثر الأزمان والمجالس وبه حصل التزايد في الفسق والفساد واستعمال آنية الذهب والفضة وقسوة القلوب الى غير ذلك والدخان المذكور انما حدث ابتداء من الكفار ومشركي الفرنج ثم من المخالفين ثم من المستضعفين الذين ازلهم الشيطان عن قبحه وقد قال تعالى ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) وفي الحديث القدسي ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (١).

الثالث : قاعدة الضرر المنفي فإن كل من أدمنه يخبر بضرره وكذا الأطباء وقد صرح الصادق عليه‌السلام بان الضرر علة الحرمة بقوله ان الله خلق الخلق الى أن قال وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم ثم اباحه للمضطر بقدر البلغة لا غير ذلك (٢).

__________________

(١) أورده المؤلف ره في الجواهر السنية عن الفقيه راجع ص ٣٤٣

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٤٢

٢٢٤

وقال أيضا إنما الإسراف فيما أتلف المال وأضر بالبدن (١).

والإسراف حرام بل كثيرة لقوله تعالى ( وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ ) (٢)

الرابع : ضياع المال بسببه من دون ان يترتب عليه نفع يعتد به ، وإضاعة المال منهي عنه. قال أبو الحسن عليه‌السلام ان الله نهى عن القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال (٣).

الخامس : انه يشبه بالزمار وقد مر في الحديث القدسي : لا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي.

وقال الشهيد في قواعده : ذكر الأصحاب انه لو شرب المباح تشبها بشارب المسكر فعل حراما لا بمجرد النية بل بانضمام فعل الجوارح إليها (٤) وقد ورد النهى عن مجالسة أهل المعاصي ومصاحبة أهل الريب والبدع لئلا يسير الإنسان شبيها بهم وكواحد منهم ، وفي الأحاديث الصحيحة دلالة على تحريم التشبيه بفاعل المحرم السادس : انه تفأل بدخان مبين يغشى الناس وسعير الجحيم نعوذ بالله منه.

وقال الطبرسي في سورة الرحمن : قد عد من أشراط الساعة الدخان وأورد فيه حديثا (٥).

السابع : انه لغو فان المروة توجب إلقاؤه وإطراحه والاعراض عن اللغو واجب بنص القرآن.

ثم أورد كلام ملا أحمد في آيات الأحكام الى ان قال : وقد وصف سبحانه طعام أهل النار بأنه ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) وفيه تأييد للمرام.

__________________

(١) الوافي ج ١ ص ٩٤ باب التدلك بالدقيق بعد النورة

(٢) غافر ٤٣

(٣) الكافي ج ١ ص ٦٠ ح ٥

(٤) في الفائدة الحادية والعشرون ص ١٠٧ « القسم الأول » والمراد ببعض الأصحاب أبو الصلاح الحلبي صاحب الكافي وطبع أخيرا بقم المحمية عش آل محمد (ص).

(٥) مجمع البيان الجزء الخامس والعشرون ص ٦٢.

٢٢٥

الثامن : سلوك سبيل الاحتياط وسلوك سبيله فيما نحن فيه واجب لقوله عليه‌السلام حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم (١) ولا ريب ان شرب الدخان المذكور ليس من الحلال البين مع ظهور خبثه فتركه واجب وقال عليه‌السلام دع ما يريبك.

التاسع : وجوب اجتناب أكل الرماد فان الدخان المذكور لا ينفك عنه قطعا ، وإدمانه يدخل في الحلق غالبا ولما كان أكل التراب حراما بالنص والإجماع كان أكل الرماد لكونه خبيثا بالحرمة أولى وتحريم شرب الدخان المذكور على الصائم ليس من باب إلحاق الدخان بالغبار كما ظن ، بل من باب تعمد شرب الدخان المشتمل على الرماد الذي هو في معنى أكل التراب المحرم والرماد موجود في ماء الغليان وقصبته الى آخرها.

العاشر : انه من محدثات الأمور بعد عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال عليه‌السلام شر الأمور محدثاتها (٢) رواه الصدوق في الفقيه وغيره فيكون بدعة.

وقد قال عليه‌السلام كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار (٣).

الحادي عشر : كونه قبيحا مذموما عند كافة المسلمين من مدمنيه وغيرهم حتى نظمه حكيم الشعراء ثم ذكر إشعاره وقد نقل العلامة في نهاية الأصول عنه عليه‌السلام قال ما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح.

الثاني عشر : اعتبار أولي الأبصار امتثالا لأمر ( فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ ) ومعلوم ان صلاح الإنسان في التنزل والتسفل الى خروج القائم عليه‌السلام ولا يكون الا على رأس شرار الناس كما أخبر به الصادق عليه‌السلام وقد بعث الله الأنبياء والرسل في كل زمان يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم فلو كان في شرب

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٧ كتاب القضاء.

(٢) البحار ج ٢ ص ٢٩٨

(٣) الكافي ج ١ ص ٥٦

٢٢٦

الدخان صلاح وخير لهم لكان شائعا ومعمولا في الأزمنة الخالية أكثر من هذا الزمان ولما لم يكن كذلك ظهر انه من شرور الأمور المحدثة المتزايدة في آخر الزمان.

ثم شرع في ذكر شأن المتقين وطريقتهم والزهد والورع والاحتياط وذكر الآيات والروايات انتهى ملخصا مختصرا.

واعلم ان الرواية المنقولة عن النهاية من طريق العامة لا يلتفت إليها ولا يعتمد عليها ، وان أريد منها جميع المسلمين فلا يمكن الاطلاع عليه وان أريد البعض فلا دلالة لها عليه.

وبعض علمائنا المتأخرين ذهب الى تحريم القهوة المعمولة من اللبن وألف في ذلك رسالة استدل فيها بالوجوه السابقة بأدنى تغيير وزاد فيها ان استدل بأنها في الغالب تحترق حتى تصير أكثرها فحما والفحم من الخبائث واعترض على نفسه بان فيها منافع كثيرة يدعيها شرابها كلهم أو أكثرهم.

وأجاب بوجوه.

منها : ان وجود المنافع لا يستلزم كون الشي‌ء من الطيبات فان الخمر فيها منافع بنص القرآن ولا يلزم كونها من الطيبات.

ومنها : ان المنافع معارضة بالمضار وأكثر الأطباء على انها باردة يابسة وانها تنقص القوة ويحصل منها جملة من المضار والمفاسد.

ومنها : ان المنافع التي يدعونها انما هي من الماء الحار ولما رواه الكليني في الروضة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ما دخل جوف الإنسان شي‌ء أنفع له من ثلاثة أشياء الماء الفاتر والرمان الحلو والحجامة.

واستدل أيضا بما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق في آخره عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في وصية له : سيأتي أقوام يأكلون طيب الطعام وألوانها ويركبون الدواب ويتزينون زينة المرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء وزيهنّ مثل زي الملوك الجبابرة وهم منافقوا هذه الأمة في آخر الزمان شاربون بالقهوات لاعبون بالكعبات راكبون الشهوات تاركون الجماعات راقدون عن العتمات مفرطون في الغداوات

٢٢٧

يقول الله تعالى ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) (١).

وما رواه الكراجكي في كتاب معدن الجواهر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خمسة لا ينظر الله إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم وهم النائمون عن العتمات الغافلون عن الغداوات اللاعبون بالساعات الشاربون بالقهوات المتفكهون بسب الإباء والأمهات.

واعترض صاحب الرسالة على نفسه بوجهين أحدهما : ان القهوة من أسماء الخمر ولها أسماء كثيرة مبلغ الف اسم كما ذكره علماء اللغة. منها القهوة فلعل المراد بها الخمر فلا دلالة له على قهوة اللبن لبقاء الاحتمال.

وثانيهما : انه يدل على الذم لا على التحريم فلعلها مكروهة غير محرمة بل لعل الذم متوجه الى المجموع لا الى كل واحد.

وأجاب عن الأول بوجوه.

منها : ان قوله سيأتي وقوله في آخر الزمان يدلان على انه ليس المراد الخمر بوجودها في زمانه عليه‌السلام وقبله وكثرة شربهم لها.

ومنها : قوله بالقهوات والجمع يدل على العموم هنا فدخلت قهوة اللبن ان لم يكن مراده وحدها لدخولها في إفراد العام.

ومنها : ان تحريم الخمر كان معلوما عند ابن مسعود وأمثاله فتعين المعنى الأخر لأن التأسيس أولى من التأكيد صونا لكلام المعصوم على الخلو من الفائدة

وأجاب عن الثاني : بأنه يشتمل على الذم البليغ والتشديد والتهديد المفهوم من الآية بقوله ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) وذلك دليل التحريم لا الكراهة وأيضا فالأمور المذكورة أكثرها محرم والباقي أكثر أفراده محرم وينبغي كون الجميع على نسق واحد فلا وجه لذكر المكروه بينها ولا لتعلق الذم بالمجموع لا بكل فرد فإنه لا يجوز

__________________

(١) أخرجه العلامة النوري ره في المستدرك ج ٢ ص ٣٩٠

٢٢٨

من مثله عليه‌السلام الذم على ما لا يخالف الشرع.

والعجب ان ذم العقلاء دليل على القبح والتحريم العقلي وذم الشارع لا يكون دليلا على القبح والتحريم الشرعي هذا ما ذكره في رواية الطبرسي.

وأما رواية الكراجكي فإنها أبلغ ولا يتوجه عليها كل ما ذكر ولم يتكلم عليها ثم اعترض صاحب الرسالة بأن هذه الوجوه الخمسة عشر فيها احتمال وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

وأجاب بأن الاحتمال الضعيف لإتمامه (١) الدليل والا لم يبق دليل تام الا ترى إلى أدلة الأصول والفروع لا تخلو من احتمالات أقوى مما أشير اليه.

وأيضا فإن كثرتها وتعاضدها يرد الاحتمال ويحصل منه القوة.

وأيضا فإنه لا معارض لها يقاومها عند الإنصاف ويوجهه المستدل على الإباحة لم يجد الا دليلا عاما يعارضه الأدلة العامة والخاصة فالعام يقاومه والخاص يخصصه والاحتياط يخالفه ولو لا معارضة العادة والشهرة بين العوام لما توقف أحد في قبول أدلتنا فان المحرمات أدلة تحريمها منها : ما يدل على المرجوحية والذم.

ومنها : ما يدل على المنع من الفعل وحقيقة التحريم مركبة من القيدين.

وكذا أدلة الوجوب منها : ما دل على الرجحان ومنها : ما دل على المنع من الترك والأدلة على المنع في المقامين أقل من الأدلة على الرجحان والمرجوحية والله اعلم انتهى ما نقلنا من الرسالة ملخصا مختصرا وأطال الكلام في آخرها في الورع والتقوى والاحتياط وجعله مؤيدا لأدلته.

ولا يخفى انه مع تعارض الأدلة أو عدم الدليل بالكلية لا طريق أسلم ولا أقرب الى النجاة من التوقف ، والاحتياط يقتضي الترك مع عدم الجزم بالتحريم وبالكراهة لاحتمال تحريم الجزم بذلك بل قيام الدليل على عدم جواز القول بغير علم وكذا

__________________

(١) كذا في النسختين عندنا ولكن الظاهر لا يمانع :

٢٢٩

لا ينبغي الجزم بالإباحة ولا يجوز النهى عن مثل ذلك ولا الحكم بفسق فاعله لاحتمال كونه غافلا عن ذلك فلا يكون مكلفا به بدلالة العقل والنقل ولاحتمال كونه قد عرف الإباحة بدليل تام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مشروطان بالعلم بالمعروف والمنكر بدلالة العقل والنقل والمفروض عدم العلم اما لعدم الدليل أو لتعارض الأدلة

وقد سألني الملك الأعظم أشرف ملوك العالم أيده الله عن سبب عدم شربى القهوة والتتن فأجبته انهما لا يوافقان مزاجى ولا يلائمان طبيعتي كراهة للبحث والخوض في المسائل الشرعية التي ليست لها أدلة واضحة فقال : قد بلغني أنك تستشكلهما وتحتاط في تركهما فقلت نعم الأمر كذلك لكني لا أجزم بالتحريم ولا بالكراهة لعدم دليل واضح أيضا إذ لم يكونا في زمن النبي ولا في زمن الأئمة عليهم‌السلام ، فليس فيهما نص خاص والعمومات متعارضة وارى الاحتياط أولى.

فقال : هذا الاحتياط واجب أم مستحب.

فقلت : اختلف علماؤنا في ذلك على قولين واتفقوا على رجحان الاحتياط سواء كان واجبا أم مستحبا قد أتيته.

فقال : أو ليس الأصل إباحة.

فقلت : هذه مسئلة خلافية قد أجمعوا على رجحان التوقف والاحتياط وعدم الجزم بالإباحة والتحريم في مثله فاستحسن الجواب واستصوب الاحتياط.

٢٣٠

فائدة (٥٢)

اعلم ان الموجود من الرجال في كتاب الرجال لميرزا محمد بن على الأسترآبادي رحمه‌الله وهو أحسن كتب الرجال واجمعها سبعة آلاف الا خمسين لكن فيها تكرار في الأسماء قليل وفي الكنى والألقاب كثير حيث يذكر الرجل باسمه ثم كنيته ثم لقبه والموجود فيه من أسماء مصنفات الرواة المذكورين ستة آلاف وستمائة كتاب وزيادة يسيرة ، وقد أشاروا إلى وجود غيرها من مصنفات المذكورين لم يذكروه لكثرته أو لعدم وصوله إليهم ووقوفهم عليه.

والموجود فيه من أصحاب الصادق عليه‌السلام الفان وثمانمائة وزيادة يسيرة وهم من جملة السبعة آلاف وليس الرواة وخواص الأئمة عليهم‌السلام منحصرين في المذكورين لان غرض أصحاب الرجال ضبط أسماء المصنفين غالبا والباعث على هذا الضبط ان الشيخ المفيد قال في الإرشاد كان الصادق عليه‌السلام أعظم اخوته قدرا الى أن قال وان الأصحاب نقلوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات وكانوا أربعة آلاف رجل « انتهى » (١).

وقد ذكر مثل ذلك ابن شهرآشوب في المناقب ووثق الأربعة آلاف (٢) ونحو العبارتين عبارة الطبرسي في إعلام الورى الا انه مدح الأربعة آلاف مدحا جليلا (٣)

__________________

(١) الإرشاد ص ٢٧٠ باب أحوال الإمام الصادق (ع)

(٢) المناقب ج ٤ ص ٢٤٧

(٣) أعلام الورى ص ٢٨٤

٢٣١

واللازم من هذه العبارات توثيق جميع المذكورين في كتب رجالنا من أصحاب الصادق عليه‌السلام الا من نصه على ضعفه بل ربما يقال بالتعارض فيمن على ضعفه بين التوثيق والتضعيف ولم أجد من علمائنا من تفطن لذلك لكن يحصل الشك من حيث ان الأربعة آلاف غير منصوص على أعيانهم في عبارة المفيد ، وابن شهرآشوب ، والطبرسي فلعلهم غير المذكورين في كتب الرجال أو بعضهم من المذكورين وبعضهم من غيرهم ولا يخفى بعد احتمال المغايرة على من تتبع كتب الرجال :

وقد اختلفوا في جواز توثيق غير المعين الا ان ابن شهرآشوب في المناقب صرح بأن الجماعة الموثقين أعني الأربعة آلاف هم الذين ذكرهم ابن عقدة في كتاب الرجال فصاروا معينين ومنهم جماعة مذكورون في كتاب النجاشي وغيره من أصحاب الصادق عليه‌السلام وقع التصريح بان ابن عقدة ذكرهم في كتاب الرجال وحالهم على ما وصل إلينا غير معلوم لكنهم داخلون في التوثيق المذكور كما عرفت

وذكر العلامة في الخلاصة في ترجمة أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ما هذا لفظه : له كتب ذكرناها في كتابنا الكبير منها : كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه‌السلام أربعة آلاف رجل اخرج لكل الحديث الذي رواه « انتهى » وهو يوافق رواية ابن شهرآشوب في عددهم.

وهذه فائدة جليلة من لاحظها عرف توثيق الأربعة آلاف المشار إليهم ومدحهم وجلالتهم فلا تغفل والله الموفق.

وقد ورد عندنا روايات كثيرة وأحاديث متعددة عن الأئمة عليهم‌السلام في مدح أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام بطريق العموم والإطلاق وفي الثناء عليهم والعمل بكتبهم ورواياتهم والرجوع إليهم ولعل هذه الأحاديث المشار إليها هي مستند الشيخ المفيد وابن شهرآشوب في توثيق الأربعة آلاف ومستند الشيخ الطبرسي في مدحهم والثناء عليهم مع ما بلغهم من آثارهم واخبارهم.

وقريب من توثيق الأربعة آلاف ومدحهم ، بل أوضح وأنفع وأشمل توثيق الشهيد الثاني في شرح دراية الحديث في بحث عدالة الراوي لجميع علماؤنا

٢٣٢

ورواتنا الذين كانوا في زمان الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وجميع من تأخر عنه الى زمان الشهيد الثاني وذكر انه قد شاع وذاع وتواتر من أحوالهم ما هو أعلى مرتبة من التوثيق فلا يحتاج أحد منهم الى نص على عدالته ولا تصريح بتوثيقه وهو كلام جيد جدا.

وبالتتبع والنقل يعلم انه قد وقع التسامح في نقل الحديث في زمان الأئمة عليهم‌السلام من بعض الرواة بل وضعوا أحاديث ولم يقع شي‌ء من ذلك من أحد من علماء الإمامية في زمان الغيبة وقد ورد عندنا أحاديث كثيرة من الأئمة عليهم‌السلام في مدح علماء الشيعة ورواتهم الموجودين في زمان الغيبة والثناء عليهم والأمر بالرجوع الى رواياتهم والعمل باحاديثهم وتفضيلهم على أصحاب الأئمة عليهم‌السلام وانهم أعظم الناس ايمانا وأشدهم يقينا وانهم آمنوا بسواد على بياض.

وهذه الأحاديث يصلح ان تكون مستند الشهيد الثاني مضافا الى ما ذكر من الشياع والتواتر فلا تغفل عن هاتين الفائدتين الجليلتين الذين توافق فيهما العقل والنقل والله أعلم.

٢٣٣

فائدة (٥٣)

فضلا مصدر فعل محذوف وجوبا تقع متوسطة بين نفى وإثبات لفظا أو معنى

فالأول : نحو فلان لا ينظر الى الفقير فضلا من إعطائه.

والثاني : نحو تقاصرت الهمم عن أدنى العدد فضلا عن أن ترفاه : اى لم تبلغه فضلا عن الترقي والقصد فيه الى استبعاد الأدنى أعني ما دخله النفي بمعنى عده بعيدا عن الوقوع كالنظر الى الفقير وبلوغ الهمم واستحالة ما فوقه اعنى ما دخله عن بمعنى عده بمنزلة المحال كالإعطاء والترقي ، والحق انه لا محل لهذه الجملة وان جعلها بعضهم حالا وقد نقل ان ابن هشام صنف كتابا في إعراب فضلا وهلم جرا ولم يصل إلينا ذلك الكتاب.

٢٣٤

فائدة (٥٤)

اعلم ان العلامة في التهذيب لم ينقل خلافا عن أحد من علماء الإمامية في شي‌ء من مسائل الأصول سوى الشيخ والمرتضى ونقل الخلاف والأقوال عن علماء العامة وهم أبو حنيفة ، والأشعري والمعتزلة والأشاعرة والحنفية والقاضي عبد الجبار وابن فورك وأبو هاشم الجبائي وأبو إسحاق والظاهريون وابن عباس والجبائيان والكرخي والكعبي والغزالي والواقفية وأبو الحسين وأبو ثور وابن ابان وابن شريح والشافعي وأبو عبد الله البصري وأبو الهذيل وأبو على والفضلية والحشوية وأبو بكر الرازي وأبو مسلم بن بحر والخياط من الخوارج والطبري ومالك والسمنية وابن الحاجب وكذا غير العلامة في كتب الأصول لم ينقلوا عن علماء الإمامية قولا في الأصول إلا عن السيد المرتضى والشيخ المفيد.

وقد صرح الشيخ في العدة (١) والمرتضى في الذريعة وغيرها بأنه لم يصنف أحد من أصحابنا في الأصول شيئا إلا الشيخ المفيد فإنه ألف رسالة غير وافية بما يحتاج اليه لاختصارها وذكروا ان التصنيف في هذا الفن قبل زمان الشيخ انما كان من العامة والله اعلم.

وعند التحقيق يعلم ان الشيخ والسيد المرتضى انما صنفا في رد الأصول لا في إثباتهما لأنهما صرحا ببطلان الاجتهاد والعمل بالظن وإبطال الاستنباطات الظنية

__________________

(١) راجع العدة ص ١.

٢٣٥

الا النادر الذي غفلا عن مخالفته لأحاديث الأئمة عليهم‌السلام ومن العجائب قول الشهيد الثاني في شرح اللمعة لما ذكر المنطق والأصول من شرائط الاجتهاد وهذا لفظه بل يشتمل كثير من مختصرات أصول الفقه كالتهذيب والمختصر الأصول لابن الحاجب على ما يحتاج اليه من شرائط الدليل المدون في علم الميزان « انتهى » (١) مع انه ليس في تهذيب الأصول شي‌ء مما يتعلق بعلم الميزان فضلا عن اشتماله على جميع ما يحتاج اليه منه.

وقد ذكر بعض المحققين بأن الذي وضع أصول الفقه أبو حنيفة واستخرج مائة قاعدة لاستنباط الظن ولم يؤلف فيه من الإمامية إلا المفيد فإنه الف رسالة ذكرها الشيخ في العدة ولم نرها وبعده الشيخ فإنه الف العدة وهي في الحقيقة رد لقواعد الأصول

قال بعض علمائنا المتأخرين : الوجه في عدم تصنيف علماء الإمامية في علم الأصول من أول زمان النبوة الى أوائل زمان الغيبة الكبرى في مدة تزيد على ثلاثمائة وخمسين سنة وانما ألفوا فيه بعدها بمدة طويلة هو انهم ما كانوا يعتقدون حجية المدارك الظنية التي وضعها علماء العامة ولا يعتدون على المفهومات الا ان تدل عليها قرائن كثيرة أو يعضدها نصوص أخر وانما يعتمدون على الكتاب والسنة ويعتمدون منها على الدلالات الظاهرة الواضحة والله اعلم.

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٦٥

٢٣٦

فائدة (٥٥)

قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ ) (١) ، وأشباهها من الآيات الدالة على ان الباعث على الفعل علم الله أو حصول علمه مع انه تعالى يعلم ذلك في الأزل قبل الفعل يحتمل وجوها من التأويل.

أحدها : ان يريد به نفى متعلق العلم لان العلم لما كان متعلقا بمعلوم لزم نفى المعلوم منزلة نفى متعلقة لأنه ينتفي بانتفائه [ تقول : ] ما علم الله في فلان خيرا يعنى ما فيه خير حتى يعلم الله.

وثانيها : ان يريد ان الله يفعل فعل من يريد ان يعلم وان كان عالما فيكون من باب التمثيل كما في قوله تعالى ( لِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) أى يفعل بهم فعل من يريد ان يعلم من الثابت على الايمان من غير الثابت.

وثالثها : ان تكون المراد يعلم علما يتعلق به الجزاء ويترتب عليه الثواب والعقاب وهو أن يظهر وجود ما تعلق به العلم لئلا يكون لهم حجة ويقولون ما وقع منا شي‌ء يوجب العذاب مثلا.

ورابعها : أن يكون العلم مضمنا معنى فعل يناسب المقام ففي الآية تضمن معنى التمييز اى ولما يتميز الثابت على الايمان من غيره ويحتمل غير ذلك والله اعلم

__________________

(١) آل عمران ١٤٢

(٢) آل عمران ١٤٠

٢٣٧

فائدة (٥٦)

قوله تعالى ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) اعترض عليه بعض العامة انه يستلزم وجود الرجس فيهم ليمكن إذهابه وهو ينافي مذهب الإمامية من ان النبي والامام (ع) معصومان من أول العمر الى آخره

والجواب من وجوه أحدها : الجواب الإجمالي عن جميع أمثال هذه الشبهة بأن نقول الذي ذهبت إليه الإمامية هنا قد ثبت بالأدلة العقلية وبالنصوص المتواترة النقلية وقد حصل اليقين به لمن اطلع عليها وهذه شبهة معارضة لليقين وكل ما كان كذلك فهو باطل.

وثانيها : ان الفصحاء كثيرا ما يستعملون الإذهاب في مادة لا يكون ذلك الشي‌ء حاصلا فيها لكنه محتمل كما يقولون مصيبة فلان أذهبت عني البارحة النوم إذا كان لم ينم فيها أصلا ، ويقولون أذهب حبك عنى السلو عنك ، ومعلوم انه لا سلو قبل الحب ولا معنى له وقد حكم بنفيه بعده ومثل هذا كثير جدا في كلام البلغاء فظهر ان إذهاب الرجس لا يستلزم وجوده سابقا.

وثالثها : ان ارادة إذهاب الرجس لا يستلزم وجوده قطعا ألا ترى انه يمكن التصريح هنا بان يقال ان الله يريد إذهاب الرجس عنكم لو كان فيكم رجس لكنه غير موجود ولا يلزم من ذلك تناقض في الكلام ولعل هذا وجه إدخال الإرادة هنا لدفع الإبهام.

__________________

(١) الأحزاب ٣٣

٢٣٨

ورابعها : انه يحتمل الإضمار بأن يكون المراد ليذهب عنكم احتمال الرجس واحتمال المذكور على تقدير وجوده لا ينافي العصمة وانما ينافيها وجوده بالفعل لان وجود هذا الاحتمال ليس بمعصية ولا هو من فعل الإنسان واحتمال الرجس قبل العصمة لا بعدها لا منافاة له بالعصمة قطعا.

وخامسها : ان يكون المراد إذهاب أسباب الرجس التي تؤدى الى وجوده وإطلاق السبب على المسبب وبالعكس كثير جدا بل مدار كلام الفصحاء عليه وتلك الأسباب منها الشهوات الغالبة والشبهات العارضة والميل القلبي (١) ونحو ذلك ومعلوم انه لا ينافي شي‌ء من ذلك العصمة لكن كثيرا ما تنجر الى ما ينافيها.

وسادسها : ان يكون إذهاب وساوس الشيطان عنهم فان تلك الوساوس كثيرا ما تؤدى الى الرجس لكنها ليست رجسا حقيقيا بل هي من أسبابه فلا تنافي العصمة وقد وسوس الشيطان للأنبياء عليهم‌السلام كما تضمنه نص القرآن في مواطن كثيرة لكن لم يطيعوه في ترك واجب ولا فعل محرم والنصوص الدالة على تفضيلهم عليهم‌السلام في ذلك على الأنبياء السابقين عليهم‌السلام كثيرة وقد روى عن ابن عباس ان الرجس هنا وسواس الشيطان (٢).

وسابعها : انه قد روى في بعض الاخباران الرجس الشك ومعلوم ان الشك على تقدير وجوده لا ينافي العصمة لأن المعصوم يشك فيما لا يعلمه ولا يحكم بشي‌ء حتى يعلمه بالوحي أو بإلهام أو تعليم من قبله ولو لا جواز الشك عليه بل وقوعه لما احتاج الى علم من قبله من نبي أو إمام أو ملك وتبقى دلالتها على العصمة من حيث ان كل من قال بزوال كل شك عنهم قال بعصمتهم.

ويمكن ان يكون ما ورد بتفسير الرجس بالشك ورد الشك فيه على وجه المثال وذكر فرد من إفراد الرجس لا على وجه الانحصار فيه ، أو ورد بالنوع الموجود

__________________

(١) واعتبار القلبي خ ل

(٢) في المجمع عن ابن عباس : الرجس عمل الشيطان

٢٣٩

فيهم منه فيكون معنى إذهابه سرعة زواله عنهم وعدم استمراره واستقراره لما روى في عدة أحاديث ان الامام إذا أراد ان يعلم شيئا أعلمه الله إياه في الحال.

وثامنها : انه يكفى في جواز إذهاب الرجس عنهم على ما ذكره المعترض وجود بعض افراده ولا يلزم وجود الجميع قطعا وهو أعم من منافيات العصمة فلعل الأفراد التي كانت موجودة فيه على تقدير التسليم من غير منافيات العصمة ثم اذهب جنس الرجس كله.

وتاسعها : انه يكفى في وجود الرجس على تقدير وجوده في بعضهم فلعله كان موجودا في غير البالغ منهم ، ومعلوم ان وقوع شي‌ء من غير البالغ وان كان بصورة ذنب لا يكون ذنبا لعدم تحريمه عليه وعدم كونه مكلفا بتركه اللهم الا ان تفرض في بعض تلك الإفراد حصول التغير إذ لا دليل على استحالة غيره كترك الصلاة وهو ابن شهر أو ستة ولا يمكن القول باستحالة ترك الصلاة مثلا على الامام من أول وقت ولادته مع انها من أعظم المعاصي فإذا كان نوع من الرجس موجودا في بعضهم ثم ذهب عنه صدق إذهابه عن الجميع.

وعاشرها : ان يكون المراد بإذهاب الرجس استمرار ذهابه وكثيرا ما يطلق الفعل على استمراره كقول المصلى اهدنا الصراط المستقيم وليس اعترافا منه بعدم الهداية ولا إقرارا بالضلالة بل طلبا منه استمرار الهداية وارادة الاستمرار لا يلزم منها احتمال عدم الاستمرار بوجه وهو ظاهر ولعله السر في ذكر ارادة الإذهاب دون الإذهاب أو إشارة إلى احتياج الباقي الى المؤثر.

وربما جعل إشارة الى عدم احتياجه اليه والحق انه لا اشعار له بأحدهما وان مثل هذه الدلالات لا ينبغي الالتفات إليها ولا التعويل عليها وما يتخيل من ارادة الإذهاب لا يستلزم الإذهاب فيحتمل ان يكون أراد ولم يفعل لا وجه له فإن الذي صرح به جميع المحققين ودلت عليه الأدلة العقلية والنقلية هو ان صفاته تعالى الذاتية عين ذاته وصفاته الفعلية عين فعله فلا محل لتأخر الفعل عنها وهي عينه و ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) والله تعالى اعلم.

٢٤٠