الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

ولا يخفى ان ما ذكروه أقرب من مثل هذه الوجوه والمذكورون ممن يقبل قوله في اللغة والعربية. وعلى قولهم يمكن تخريج الحديث بأن يكون الثقلين عطفا على الخلائق من عطف الخاص على العام للاعتناء والاهتمام كقوله تعالى :( فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ ) للتنصيص على دخول الثقلين وظهور كثرتهم لأكثر الناس.

وثالثها : أن تكون إلا زائدة كما ذكره الأصمعي وابن جنى من معاني الا وحملوا عليه.

قول الشاعر :

جراجيح ما تنفك الا مناخة

على الخنفساء أو يرمي بها بلدا قفرا

وقول الأخر : أرى الدهر الا منحنونا بأهله. وأوله بعضهم على تقدير صحة الرواية فإن المحفوظ وما الدهر بأن ارى جواب قسم محذوف وان حرف النفي أيضا محذوف مثل قوله ( تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ ) وهو كما ترى ويمكن تأويل الأول ربما يحتاج الى تطويل ويظهر عند التأمل وعلى القول بجواز زيادتها يجوز حمل الحديث على البدلية بأن يكون لفظ الثقلين بدلا من الخلائق بدل بعض من كل.

ورابعها : ولعله الأقرب أن يكون جميع الخلائق فاعل وصل أو يصله أو الاستغفار كما مر والا للاستثناء اى يستغفر له جميع الخلائق إلا الثقلين ووجهه اما غفلة الثقلين فإنهم مشغولون عن هذا الاستغفار باللهو والشهوات غالبا واما كونهم لا يعلمون من دعا بهذا الدعاء ولا يعرفونه فيستغفرون له لقلة اطلاعهم بالنسبة إلى الملائكة ونحوهم واما لأنه يستحق هذا القدر من الاستغفار لا استغفار الجميع بغير استثناء.

واما الإرادة المبالغة بالنص على الفريق الأكثر فإن الملائكة أكثر المخلوقات

١٦١

كما تقرر وثبت بالنصوص مع انضمام باقي المخلوقات إليهم وملاحظة طول المدة واستمرارها مع وجود الثقلين وبعد موتهم جميعا وعصمة الملائكة وكون دعائهم مستجابا والاستغفار دعاء بالمغفرة وانضمام باقي المخلوقات إليهم وأكثرهم خال من الذنوب أو كلهم وكون الثقلين « من » مظنة كثرة الذنوب وعدم اجابة الدعاء وبهذه الوجوه وأمثالها تظهر المبالغة بالنسبة الى ما لو أطلق لفظ المخلوقات خاليا من الاستثناء فإنه غير صريح في الاستغراق بل ربما يفهم منه ارادة الثقلين والله أعلم.

١٦٢

فائدة (٤٨)

رأيت في بعض مصنفات المعاصرين استدلالا على جواز العمل في الأحكام النظرية بظواهر القرآن المحتملة لوجوه متعددة : من النسخ ، ولتقييد والتخصيص والتأويل وغير ذلك وان لم يرد نص في موافقة مضمونها عنهم عليهم‌السلام ولا في تفسيرها منهم ولما رأيت ذلك خلاف النصوص المتواترة أحببت نقلها والجواب عنها.

فنقول : عرف المعاصر أولا النص بأنه اللفظ الدال على معنى راجح لا يحتمل النقيض ، وعرف الظاهر بأنه اللفظ الدال على أحد محتملاته دلالة راجحة لا ينتفي معها الاحتمال ثم استدل على جواز العمل بالظاهر بوجوه.

الأول : قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (١) والرد الى الله هو الرد الى محكم كتابه كما جاءت به الرواية.

الثاني : قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ ) الاية (٢) ذمهم على اتباع المتشابه دون المحكم فلو كان المحكم مثله لم يكن كذلك.

الثالث : قوله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) (٣) ذم

__________________

(١) النساء ـ ٥٩

(٢) آل عمران ـ ٦

(٣) النساء ـ ٨٢

١٦٣

على ترك تدبره ولا ريب ان المراد بذلك الحث على العمل بمقتضاه إذ الشي‌ء انما يكون مطلوبا لغايته.

الرابع : قوله تعالى : ( بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) (١) فالغرض منه وضوح المعنى.

الخامس : قوله تعالى : ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) فاثبت العلماء استنباطا ومعلوم انه وراء المسموع منهم (ع).

السادس : أمر بالأخذ به في الحديث المشهور على الإطلاق خرج منه المتشابه بالإجماع وبقي ما عداه.

السابع : الأمر بعرض الحديث المشكوك في صحته عليه.

الثامن : التوبيخ على ترك العمل به كما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام في جواب من قاله له ان لي جيرانا يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا منى لهن فقال له الصادق عليه‌السلام بالله أنت أما سمعت الله عزوجل يقول ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٣).

التاسع : تعليم الاستدلال به كقول الباقر عليه‌السلام لزرارة في صحيحة المشهورة لمكان الباء وقول ابى عبد الله عليه‌السلام في رواية عبد الا على مولى آل سام حيث قال له عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء قال تعرف هذا وأشباهه من كتاب الله قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه (٤).

العاشر : وقوع الاحتجاج به في كلام الرواة وأقرهم عليه الأئمة على ذلك

__________________

(١) الشعراء ـ ١٩٥

(٢) النساء ـ ٨٣

(٣) الفقيه ج ١ ص ٨٠ والآية في سورة الإسراء

(٤) راجع الوافي ج ١ ص ٥٥ باب وضوء من بأعضائه آفة.

١٦٤

مثل قول زرارة ومحمد بن مسلم للباقر عليه‌السلام انما قال الله ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ولم يقل افعلوا فكيف أوجب ذلك.

الحادي عشر : قول على عليه‌السلام في وصف القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق (١) ومعنى الأنيق الحسن المعجب فالظاهر غير بعيد من الفهم فيجب التعلق به لعدم المانع

الثاني عشر : قوله عليه‌السلام الا أن يؤتى عبد فهما في القرآن ولو لم يكن إلا الترجمة المنقولة منهم فما فائدة ذلك الفهم؟!.

الثالث عشر : ما رواه الكليني في الكافي وغيره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للقرآن ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم ظاهره أنيق وباطنه عميق له تخوم وعلى تخومه تخوم (٢).

الرابع عشر : قوله عليه‌السلام جعله الله ريا لعطش العلماء وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاج لطرق الصلحاء ، وشاهدا لمن خاصم به ، وحاملا لمن حمله ومطية لمن أعمله وآية لمن توسم ، وجنة لمن استسلم وعلما لمن وعى ، وحديثا لمن روى وحكما لمن قضى (٣).

الخامس عشر : قول فاطمة (ع) في خطبتها لله عهد قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائره وآي منكشفة سرائره ، وبرهان متجلية ظواهره (٤).

السادس عشر : ان سد باب الظواهر يقطع الحجج على العامة فيما ابتدعوا من غسل الرجلين في الوضوء ونحوه.

هذا ما استدل به المعاصر على ذلك ثم اعترض على نفسه بان كثيرا ما يدل الاية على شي‌ء بحسب الظاهر ويفسرها الأئمة عليهم‌السلام بأمر غيره.

__________________

(١) نهج البلاغة ص ٦٦ ط فيض الإسلام.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٥٩٩ ح ٢

(٣) نهج البلاغة ط فيض الإسلام خطبة ١٨٩ ص ٦٣٢

(٤) البحار للعلامة المجلسي ره ج ٩٢ ص ١٣ ح ٥

١٦٥

وأجاب بأنه لا محذور في ذلك إذ إرادة المعنى الظاهري لا ينافي إرادة المعنى الباطني.

ثم اعترض أيضا على نفسه بان قال يتطرق القدح الى الاستدلال بالآيات المذكورة بأن يقال انها دالة على وجوب اتباع المحكم وذم اتباع المتشابه ونحن في شك من دخول الظاهر في المحكم لإمكان دعوى الخصم كونه من المتشابه بل ربما صرح بذلك ثم استدل على دخول الظاهر في المحكم بأمور.

الأول : ما دل على جواز العمل بالظاهر دل على كونه محكما إذ لو كان متشابها لما جاز العمل به.

الثاني : لو لم يكن الظاهر من المحكم لوجب أن يكون من المتشابه واللازم باطل لان المتشابه المتماثل الذي لا يمتاز عن صاحبه إلا في يسير من المخالفة كما قالوه في قوله ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) والظاهر راجح فلا يشابه المرجوح واعترض بان الاشتباه لعله من جملة الإرادة خصوصا في العام فإنه ما من عام الا وقد خص.

وأجاب بأنه يجب الفحص ومع عدم الظفر يترجح انتفاءه واعترض بان التمسك بالعام مشروط بالقطع لعدم المخصص وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

وأجاب بأن اللازم من ذلك تعطيل أكثر الأدلة.

الثالث : بما روى عن الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن القرآن والفرقان أهما شي‌ء واحد فقال : القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به (١) واعترض بأنه قيد للتخصيص فالذي يجب العمل به بعض المحكم لا الجميع وأجاب بأن اللازم من ذلك تقسيم المحكم الا ما يعمل به وهو باطل قطعا.

الرابع : قول الرضا عليه‌السلام من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدى الى

__________________

(١) البرهان ج ١ ص ٢١ ح ٥

١٦٦

صراط مستقيم (١) والمراد به رد العام الى الخاص كرد المجمل الى المبين لكن ذلك لا يخرجه من الدلالة على بقية العموم والا فلا فائدة في الرد.

الخامس : ان الأمر الوارد باتباع المحكم يقتضي كون الظاهر منه لندرة النص بالنسبة إليه.

السادس : لا وجه لجعل الظواهر من الكتاب من المتشابه ومن اخبار أهل البيت من المحكم لأنها لو كانت من المحكم كانت منه في كليهما وان كانت من المتشابه كانت منه في كليهما.

وقد ورد عن الرضا عليه‌السلام ان في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم القرآن فردوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا (٢) :

السابع : ان المشهور في تفسير المحكم وجوه.

الأول : انه ما اتضح معناه وظهر لكل عارف باللغة.

الثاني. انه ما كان محفوظا من النسخ.

الثالث : ما كان محفوظا من التخصيص.

الرابع : ما كان محفوظا منهما.

الخامس : ما كان متضمنا لترتيب الإفادة اما مع تأويل أو بدونه والظواهر من المحكم لإيضاح معناها ولأنه لا يعمل بها الا بعد التفحص عن الناسخ والمخصص وظن عدمهما ، ثم اعترض على نفسه بان المحكم هو المضبوط المتيقن ولا شي‌ء من الألفاظ كذلك سوى النص ، وعرفه بعضهم بأنه ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا.

وأجاب بأن الواجب في كلام الشارع حمله على المعاني الشرعية ثم نقل

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٢ باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة

(٢) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٩٠

١٦٧

عنهم عليهم‌السلام انهم قالوا : المنسوخات من المتشابهات والمحكمات من الناسخات وقال : هذا شامل للنص فإن أريد به غير المنسوخ فهو شامل للظاهر المحفوظ من النسخ المطابق للحق واعترض بان رد المحكم الى المتشابه انما يكون بالتأويل والتأويل فيه يختص علمه بالله أو يختص بالأئمة (ع) على القرائتين بالوقف على الا الله.

وأجاب بأن المروي العطف والحمل قولهم نحن الراسخون على كمال الرسوخ فيه وان كان مجازا يدل عليه أمرهم بردّ المحكم الى المتشابه ثم نقل عن المانعين انهم احتجوا بالأخبار الواردة بالنهي عن التفسير القرآن إلا بالأثر وأجاب عنها عين محل النزاع إذا التفسير مخصوص ببيان غير الظاهر كالمجمل والمشترك ولا ريب في افتقار مثله الى النص والأثر والاجتراء على القول فيه بغيرهما افتراء على الله وقول عليه بغير علم فيكون باطلا بالعقل والنقل انتهى كلام المعاصر وهو ظاهر الضعف.

والجواب عن الآيات المذكورة من وجوه.

أحدها : ان الاستدلال بها دوري لأنه استدل بالقرآن على العمل بالقرآن وكونه دور واضح وحجية الدليل هنا موقوفة على حجية المدلول وبالعكس.

وثانيها : انه دوري من وجه آخر وهو انه استدلال بالظاهر على العمل بالظاهر وفساده واضح.

وثالثها : انه دوري باعتبار آخر وهو ان هذه الظواهر تفيد الظن والظواهر المستدل عليها كذلك فهو استدلال على الظن بالظن وقد اعترف الأصوليون بأن القرآن ظني الدلالة قطعي المتن وان الحديث بالعكس.

ورابعها : ان هذه الظواهر تفيد الظن كما قلناه وكما اعترفوا به لتوقف دلالتها على عدم النسخ والتخصيص والتقييد والتأويل وغير ذلك والنصوص الدالة على النهى عن العمل بالظن من الكتاب والسنة كثيرة وقد خصها الأصوليون

١٦٨

بالأصولين فكيف يجوز لهم الاستدلال بدليل ظني في الأصول وهم لا يقولون بجوازه.

وخامسها : انه لا نزاع في وجوب العمل بالقرآن وانما الكلام في جواز العمل به من غير نص من الأئمة عليهم‌السلام في تفسيره موافقة ظاهره ونفى النسخ والتقييد والتخصيص والتأويل ونحوه ولا دلالة لهذه الآيات على جواز العمل بالظواهر من غير نص يوافقها من الحديث ومن غير ورود تفسيرها عنهم عليهم‌السلام بل هي قابلة للتقييد بذلك والنصوص الدالة على اشتراط ما قلناه كثيرة متواترة قد جمعنا منها في محل آخر ما يزيده على مائة وعشرين (١) حديثا يشتمل على تصريحات ومبالغات وعبارات لا تحتمل التأويل أصلا.

وسادسها : ان الآيات المذكورة محتملة للاحتمالات السابقة والآتية وغيرها وقد تقررانه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

وسابعها : انها معارضة بالاية التي يأتي ذكرها وما أجبتم به فهو جوابنا هنا ولعل تلك الآيات محكمة وهذه متشابهة أو تلك ناسخة وهذه منسوخة مع انه لا يرد هناك اعتراض بالدور ونحوه لأنه دليل إلزامي لكم بما تعتقدونه مع وجود الأحاديث المتواترة الصريحة في موافقة مضمونها وارادة ظاهرها وتلك الأحاديث غير محتملة للتقية بخلاف المذكورة في الاستدلال.

وثامنها : ان الاستدلال بهذه الآيات موقوف على ثبوت كونها محكمة غير متشابهة ولا منسوخة ولا مؤولة الى غير ذلك ولا سبيل اليه.

وتاسعها : انه لا دلالة في شي‌ء من الآيات المذكورة على المطلوب بل هي دالة على نقيضه.

أما الأولى : فإنما تضمنت الأمر بالرد الى الله والرسول معا عند التنازع كما تدل عليه الواو العاطفة ولا دلالة لها على الاكتفاء بالرد إلى أحدهما وذلك

__________________

(١) على مائتين وعشرين ـ خ

١٦٩

مطلوبنا لا مطلوبكم فان كل آية تحتمل وجوها كثيرة من النسخ وغيره ولا بد من التفحص عن ذلك ولا يتم الا بوجود نص صحيح صريح في معناها عن الرسول أو عن الامام فالآية مطلقة مطابقة لما ندعيه نهاية المطابقة.

وقد تواترت الاخبار عنهم عليهم‌السلام بوجوب العمل بالكتاب والسنة والعطف بالواو هنا أيضا يدل على ما قلناه.

ثم ان هذه الآية معارضة على تقديران يراد بها ما قلتم بآيات أوضح منها دلالة وأعظم مبالغة وهي قوله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) (١).

وليس فيها تقييد بوجود آية موافقة لقوله وكذا قوله تعالى : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) وقوله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٣) وقوله تعالى : ( لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (٤) وقوله تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٥) وقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ) (٦) الى غير ذلك من الآيات التي يؤيدها النصوص المتواترة والأدلة العقلية الدالة على وجوب الرجوع الى النبي والامام وحجية قولهما مطلقا فظهران الآية دالة على خلاف مطلوب المعاصر.

وأما الثانية : فهي كذلك أيضا تدل على مطلوبنا لا على مطلوب المستدل لأنها صريحة في ان في القرآن محكما ومتشابها وان له تأويلا لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم.

__________________

(١) النساء ـ ٦٥.

(٢) الحشر ـ ٥٩.

(٣) الأحزاب ـ ٣٣.

(٤) النحل ـ ٤٤.

(٥) النساء ـ ٨٣.

(٦) آل عمران : ـ ٣١.

١٧٠

وقد تواترت النصوص عنهم عليهم‌السلام بذلك وصرحت بأنه لا يعلم المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والتأويل ونحو ذلك غيرهم عليهم‌السلام وذلك غير محتاج الى النص أيضا لظهور ان كثيرا من الآيات يحصل الشك فيها عند العلماء أنها محكمة أو متشابهة وخصوصا مع ما ذكره المعاصر وغيره من العلماء من اعتبار قيد عدم النسخ والتخصيص والتقييد ونحوها في المحكم.

وقد ورد به النص الصحيح عنهم عليهم‌السلام فتبين انه ما من آية الا وهي تحتمل ان تكون متشابهة لاحتمال كونها منسوخة ودلالة الروايات على ان المنسوخات من المتشابهات فلا بد من انضمام قول الرسول أو الإمام عليهما‌السلام ليحصل الأمر من ذلك والآيات السابقة والأحاديث المشار إليها سابقا دالة على ذلك نصا صريحا لا يقدر على دفعه منصف.

ثم قوله : ذمهم على اتباع المتشابه دون المحكم ، فيه أولا : انه انما ذمهم على اتباع المتشابه مع إرادة الفتنة وارادة تأويله فيكون الذم مقيدا بثلاثة أشياء فكيف يجعله شاملا للأول بانفراده أو لاثنين مع فقد الثالث.

وثانيا : ان الآية لا تدل على نفى الواسطة بين المحكم والمتشابه ولا فيها شي‌ء من أدوات الحصر لأنه قال فيه آيات محكمات وأخر متشابهات ولعل هناك واسطة أو وسائط متعددة فلا بد من دليل الحصر.

ويحتمل كون الظواهر خارجة عن القسمين أو يكون بعضها من المحكم وبعضها من المتشابه فلا بد من التمييز وكل ذلك واضح والنصوص متواترة في ان المراد بالراسخين في العلم في هذه الآية الأئمة عليهم‌السلام.

واما الثالثة : فلا تدل على خلاف مطلبنا بل هي مؤيدة له وذلك ان ما قبلها وما بعدها خطاب للكفار بل جميع السورة من أولها إلى آخرها متعلقة بالأصول من التوحيد والنبوة والمعاد وبعض الضروريات من الفروع كالجهاد وذم الدنيا.

ومن المعلوم ان هذه المطالب وأمثالها : لها أدلة عقلية قطعية ولها نصوص

١٧١

نقلية متواترة فالآيات الواردة في مثل ذلك يجوز العمل بها لورود ما يوافقها وحصول الأمن من كونها منسوخة والعمل هنا بالآيات مع الأدلة العقلية والنقلية وهذا غير محل النزاع ولا اشعار لها بجواز استنباط الأحكام النظرية من الآيات التي لم يرد نص يوافقها أصلا وهذه الآية موجودة في سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عرفت الكلام فيها وهي موجودة أيضا في سورة النساء.

والأمر فيها أيضا كذلك لان ما قبلها وما بعدها يتعلق بالأصول على انها هناك صريحة في مطلبنا لأنها هكذا ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) الاية (١).

وقد ظهر منها توقف الاستنباط من القرآن على الرد الى الرسول والأئمة عليهم‌السلام بالنص وأيضا فظاهر الآية ان ضمير يتدبرون عائد إلى الكفار المذكورين سابقا المنكرين للنبوة والمعاد فلعلهم أمروا بالتدبر للقرآن ليفهموا ما فيه من الأدلة العقلية الدالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى صحة المعاد.

أو لعلهم أمروا بالتدبر ليعلموا ان القرآن معجز دال على صدق الذي جاء به فيؤمنوا ويطيعوا أو ليعلموا عدم الاختلاف فيه فيعلموا انه ليس من كلام البشر كما يفهم من سورة النساء على ان الأمر بالتدبر لا يستلزم وجوب الجزم بإرادة ظاهر القرآن [ ونفى النسخ ونحوه عنه بل لا يستلزم فهم القرآن ] كما هو معلوم من أكثر الآيات قد تدبرها العلماء وعجزوا عن فهمها والفهم لا يستلزم وجوب العمل لإمكان كونه موقوفا على شرط آخر وهو الذي ذكرناه سابقا ولا تستلزم جواز الاستنباط منه من غير نص ، ولا يخفى على منصف ان التدبر لا يدل على جواز الاستنباط ولا على العمل بالظاهر بشي‌ء من الدلالات على الظواهر المبحوث عنها لا يحتاج فهمها الى تدبر

__________________

(١) النساء ٨٣

١٧٢

وعند أكثر العارفين بلغة العرب فتعين توجه الأمر بالتدبر الى غيرها فلا دلالة للاية على المطلوب.

واما الرابعة : فالاستدلال بها غلط لان الظاهر منها ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ينذر الناس بلسان عربي مبين لأنه قال ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) (١) فيجوز كون الجار متعلقا بالمنذرين بل هذا أقرب فلا يكون فيه دلالة على مطلب المعاصر لأنه ليس صفة للقرآن بل للسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيدل [ على ] مطلبنا وعلى تقدير كونه وصفا للقرآن لا دلالة فيه لان لفظ مبين صفة للسان أو عربي ومن المعلوم ان اللسان العربي من شأنه أن يبين المعاني ويدل عليها دلالة أبلغ من دلالة غيره من الألسن لكي لا يلزم أن يكون كل كلام عربي ظاهر الدلالة واضح المعنى وليس في الكلام شي‌ء من ألفاظ العموم وعلى تقديره فلا بد من تخصيصه فيخرج منه أفراد أكثر من أن تحصى وبعد تسليم عدم التخصيص لا ينتفي احتمال النسخ لوجوده فيه كثيرا فلا بد من موافقة قول الامام لما تواترت به النصوص المشار إليها.

واما الخامسة : فالاستدلال بها عجيب فإنها نص صريح في خلافه لأنه قال ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) وهي واضحة الدلالة على توقف الاستنباط من القرآن على رده الى الرسول والى الأئمة عليهم‌السلام ، والنصوص في ان المراد بأولى الأمر الأئمة كثيرة ولا شبهة في ذلك فلا دلالة لها على جواز العمل بالظواهر من غير معرفة تفسيرها بالنص منهم وورود ما يوافقها عنهم ليعلم عدم النسخ والتأويل ونحوهما ، على ان ضمير ردوه لا يلزم عوده الى القرآن بل الأقرب عوده الى الأمر المذكور في الآية فلا دلالة له على الاستنباط من القرآن أصلا بل لا يدل على استنباط حكم ذلك الأمر من الأمن والخوف بعد رده الى الرسول والأئمة (ع) فيكون استنباط الحكم منهم (ع).

__________________

(١) الشعراء ـ ١٩٣

١٧٣

وأما قوله اثبت للعلماء استنباطا وراء المسموع منهم.

فجوابه من وجهين :

أحدهما : لعل المراد لعلمه الذين يريدون الاستنباط منه كما في قوله تعالى :( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) وغير ذلك لأنه لا يستقيم ربطه مع اشتراط الرد الى الرسول والأئمة إلا بذلك.

وثانيهما : ان يستنبطونه فعل مضارع للاستقبال ولا شك في وقوع الاستنباط من القرآن بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لكن الآية لا تدل على جواز ذلك الاستنباط كله بل هي دالة على ان من رده الى الأئمة (ع) استنبطه منه بعلم ومن لم يرده إليهم استنبط منه بغير علم وفيها دلالة على ذم هذا القسم والمنع منه كما هو ظاهر مع تصريحات النصوص المتواترة المشار إليها.

ومن المعلوم ان من رده إليهم (ع) وعلم من جهتهم معنى الآية عرف منها حكما كليا تستنبط منه أحكام جزئياته وأفراده التي لا تحصى وليس فيها اذن في استنباط شي‌ء سوى ذلك للتصريح بالشرط وذلك كله واضح عند المنصف فظهر ان الآيات لا دلالة في شي‌ء منها على المطلوب بل هي دالة على خلافه.

والجواب عن الوجه السادس : ان الحديث المشار إليه ينبغي ذكر لفظه لنتكلم عليه وقد ذكر انه يدل بطريق الإطلاق وهو قابل للتقييد بكل شرط يدل عليه دليل معتبر شرعا وقد عرفت ما يدل على الشرط الذي ندعيه من النص المتواتر ويأتي الجواب عنه بوجوه أخر.

وعن السابع من وجوه :

أحدها : ان أكثر الأحاديث تضمنت الأمر بعرض الحديثين المختلفين المشهورين الذين رواهما الثقات على الكتاب والسنة كما في حديث عمر بن حنظلة وغيره من الأحاديث الكثيرة والمفروض ثبوت الحديثين بقرائن أخر وبالتواتر والغرض انما هو للترجيح فيكون العمل حينئذ بالقرآن والحديث معا

١٧٤

لا بتلك الظواهر وحدها ، وهذا لا نزاع فيه وعلى تقدير وجود نص مطلق يمكن حمله على ثبوت الحديث بوجوه أخر ووجود معارض له كما وقع التصريح به.

وثانيهما : بعد تسليم وجود نص صريح بالعرض عند الشك في الصحة لا يحتمل التأويل يمكن حمله على التقية لموافقته لمذهب جميع العامة ورواياتهم وهذا أقوى وجوه الترجيح والأحاديث التي أشرنا إليها سابقا لا يحتمل التقية.

وثالثها : ان الحديث المدعى وان كان مطلقا يمكن حمله على ما يوافق الأحاديث الكثيرة من عرض الحديث المشكوك فيه على الكتاب والسنة وقد صرح بذلك الكليني في أول كتابه (١) وفي أواخر كتاب العلم وقد تقرر عندهم حمل المطلق على المقيد يمنعونه هنا ولا أقل من الاحتمال فيبطل الاستدلال ويصير استدلالا بظاهر ظن الدلالة [ في مقابله نص متواتر قطعي الدلالة ].

ورابعها : انه عام قابل للتخصيص أو مطلق قابل للتقييد بالآيات التي علم تفسيرها وعدم نسخها وتأويلها من جهتهم (ع) وقد تواترت النصوص باشتراط ذلك فلا وجه للتوقف فيه.

وخامسها : ان الحديث المذكور ينبغي ثبوت صحة سنده وكونه محفوفا بالقرائن خاليا من معارض أقوى منه ولم يثبت شي‌ء من ذلك فلا يجوز الاحتجاج به على المطلب عندهم ولا عندنا كما لا يخفى.

وسادسها : انه بعد ثبوت صحة سنده لا يفيد عندهم الا الظن فكيف يجوز لهم ان يستدلوا به في الأصول وهو خلاف طريقتهم.

وسابعها : انه خبر واحد فلا يعارض المتواتر من الأحاديث المشار إليها التي لا يحتمل التقية.

وثامنها : بعد التنزل عن جميع ذلك نقول هذا يدل على جواز العمل بالآيات مع الأحاديث المفروضة فيكون موافقتها قرينة على ثبوت الحديث ولا يدل على انها حجة مستقلة عند الانفراد وذلك واضح عند الإنصاف.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٨ ـ ٦٩

١٧٥

وتاسعها : انه يمكن كونه مخصوصا بآية يوافق ظاهر الاحتياط فيجوز العمل بها عند الاشتباه والحديث الضعيف مع عدم المعارض للنص المتواتر بالأمر بالاحتياط في هذه الصورة.

وعاشرها : ان الاستدلال بحديث عرض الحديث على القرآن دوري لأنه بحسب عرضه أيضا على القرآن ، فان وافقه كان استدلالا بالقرآن على العمل بالقرآن وان خالفه لم يجز العمل به ومهما أجبتم فهو جوابنا.

والجواب عن الثامن : من وجوه :

أحدها : احتمال التقية كما مر.

وثانيها : انه خبر واحد لا يعارض المتواتر.

وثالثها : ان النزاع في آية لا يوافقها حديث عنهم (ع) والآية المذكورة يوافقها أحاديث كثيرة تجاوزت حد التواتر في تحريم سماع بعض المسموعات ويؤمن من نسخها وتأويلها ونحوهما بالنسبة إلى الحكم المذكور فلا يدل على خلاف مطلوبنا.

ورابعها : ان النزاع انما هو في الأحكام النظرية وتحريم سماع بعض المسموعات ضروري بديهي وقد جزم السائل بعد تحريم سماع شي‌ء كما يظهر من كلامه فلا يجوز الاستدلال بذلك على الآيات التي مضمونها نظري ليس فيه نص.

وخامسها : ان الإنكار مخصوص بهذه الآية فحمل غيرها عليها قياس لا يليق بالإمامية الاحتجاج به والالتفات اليه وكيف يجوز الاستدلال بفرد واحد على أمر كلي وعلى تقدير جواز العمل بالقياس كيف يجوز العمل به في الأصول وهو ظن

وسادسها : انا نقول إذا لم يرد نص يوافق ظاهر الآية ولا يخالفها واحتملت النسخ والتقييد والتأويل وغير ذلك لا يجوز الجزم بإرادة ظاهرها ولا الجزم بمخالفته ويجب التوقف عن الأمرين والعمل بالاحتياط وإنكار الامام على السائل للجزم بخلاف

١٧٦

مضمون الآية بغير دليل ولعدم توقفه واحتياطه لا لعدم جزمه بظاهرها والواسطة موجودة وهي التوقف فلا يدل على مطلوبكم.

وسابعها : ان الكلام في آية لا نص في مضمونها والنص هنا في تحريم سماع الغنى والملاهي متواتر ، قد تجاوز حد التواتر ويبعد جدا أن لا يكون سمع السائل شيئا من تلك النصوص أصلا مع ان اشتهارها في ذلك الزمان كان أقوى من هذا الزمان فلعل الإنكار لعدم العمل بظاهر آية قد وردت بمضمونها الروايات فلا يدل على مطلب المعاصر والفرق بين هذا والثاني ان هذا أخص منه.

والجواب عن الاخبار الباقية السبعة من وجوه.

أحدها : ان الاستدلال بها دوري لأنه استدلال بالظواهر على العمل بالظواهر وليس شي‌ء منها نصا لما يأتي من الاحتمالات الكثيرة القريبة.

وثانيها : ان الاستدلال بها دوري لأنها لا تفيد الظن وكذلك الظواهر المستدل بها فيكون استدلالا بالظن على الظن وفساده واضح.

وثالثها : انها اخبار آحاد فلا تعارض المتواترات.

ورابعها : انها موافقة للتقية فتضعف عن معارضتها ولا تقاومه ويحمل على التقية.

وخامسها : انها أخبار آحاد فلا يكون حجة في الأصول اتفاقا.

وسادسها : انها لا تفيد الا الظن فلا يحتج بها في الأصول باعترافهم والا لزم رد الآيات والنص المتواتر في النهي عن العمل بالظن لأنهم يدعون انهم يخصونها بالأصول فلا يجوز لهم الاستدلال فيه بدليل ظنّي.

وسابعها : انها محتملة للاحتمالات الكثيرة ويأتي بعضها وتقدم أيضا بعضها وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

وثامنها : انا نقول بمضمونها بشرط معرفة تفسير الآيات من الأئمة عليهم‌السلام أو ورود نص يوافقها ليندفع الاحتمالات وتكون قد تمسكنا بالثقلين معا الذين من تمسك بهما لن يضل والنصوص على شرطية هذا الشرط صحيحة صريحة متواترة

١٧٧

وليس في هذه الروايات تصريح بنفي شرطية هذا الشرط فنحن نعلم بالدليلين معا لعدم تنافيهما ، والمعاصر ومن تابعة يردون النص المتواتر الصريح المخالف لطريقة العامة الموافق للاحتياط ويعملون بالآحاد التي ليست بصريحة ولا موافقة للاحتياط ولا سالمة من احتمال التقية.

وتاسعها : ان الاخبار المشار إليها ينبغي ثبوت أسانيدها أو صحّة سند واحد منها ولم يثبت ذلك على قاعدتهم واما على قاعدتنا فلا بد من ظهور القرائن على صحتها وانتفاء معارض لها أقوى منها صحيحا فتكون ضعيفة على المذهبين اما في نفسها أو بالنسبة إلى معارضها وما كان منها صحيحا عندهم على تقديره لا دلالة فيه لما يأتي.

وعاشرها : انا نقول : بمضمونها لكنها غير دالة على جواز الاستنباط من الآيات لكل أحد سواء فهم معناها أم لا فلعلها مخصوصة بمن فهم معناها وعرف عدم نسخها وهو الإمام أو من عرف ذلك بالسماع منه أو النقل عنه.

وحاديعشرها : أن يخصها بالآيات التي يوافق ظاهرها الاحتياط لما مرّ.

وثاني عشرها : انه لا دلالة في شي‌ء منها على المطلوب أمّا رواية زرارة وقوله لمكان الباء فهو استدلال من الامام عليه‌السلام ولا شك في جوازه له لعلمه ولا يلزم جوازه لغيره لجهله وأيضا فهو استدلال بآية واحدة فالعمل به في غيرها قياس ولفظ الحديث لا عموم فيه أصلا وأيضا فلعله لتعليم الاحتجاج بالقرآن على العامة وجعله دليلا إلزاميا وهذا يظهر من زرارة التشوق اليه واستدعاء الرخصة فيه من مواضع متعددة.

وأيضا فهو استدلال بالقرآن مع ورود النصوص الكثيرة في موافقته فلا دلالة فيه على جوازه فيما لا نص فيه أصلا.

وأيضا فهو يحتمل الحمل على التقية لموافقته للعامة.

ومن هنا يظهر الجواب عن رواية عبد الا على وقوله فيها تعرف هذا إلخ يحتمل

١٧٨

الاستفهام بحذف أداته بل ربما كان أقرب وعلى تقدير الاخبار فقد تقدم وجهه.

وأيضا فالنصوص في هذه المسئلة كثيرة فهي دالة على معنى الآية والدليل العقلي والنقلي دالان على بطلان تكليف ما لا يطاق وعلى سقوط كل واجب عند تعذره ولا نزاع في العمل بالآيات التي توافقها الأدلة العقلية والنقلية ولا دلالة له على غير ذلك الّا بطريق القياس وهو باطل ومن المعلومات قطعا ان نفى الحرج بالكلية غير مراد والّا لزم ارتفاع التكليف لأنه يستلزم الحرج فتعين صرفه الى ما قلناه عقلا ونقلا.

وأيضا فهذا تصريح من الامام عليه‌السلام بدخول هذه المسئلة في مضمون الآية ولو لا الاحتياج الى النص في مثلها لكان عبثا ولعله ليس باستدلال بل هو حكم بدخول هذا الفرد في العموم ومن هنا يظهر أيضا وجه تقريرهم عليهم‌السلام زرارة على الاستدلال على انه استدلال من طريق العامة كما صرح به في أول الخبر وأراد أن يتعلم ما يجيبهم به واستدلاله بعدم الأمر على عدم الوجوب لا يدل على ان الأمر للوجوب بل هو أعم منه بل يمكن كون بعضه للوجوب وبعضه لغير الوجوب.

وأما بقية الأخبار فظاهر عدم صراحتها في المطلوب وعدم ظهور دلالتها عليه بل بعضها دال على مطلبنا كما لا يخفى.

ثم ان ما ذكره المعاصر هنا معارض بما ورد عنهم عليهم‌السلام من الاستدلال بالقياس في أحاديث كثيرة جدا بل متواترة معنى فما أجبتم به فهو جوابنا وقد تقدّم ذلك ونحن نذكر نبذة يسيرة منه فان هذا القسم أكثر من أن يحصى ويستقصي.

فمن ذلك حديث عبد الله بن يزيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : ليس في حب القرع والديدان الصغار وضوء انما هو بمنزلة القمل (١).

وفي حديث زرارة عنه عليه‌السلام في المذي والوذي لا ينقض الوضوء وان بلغ

__________________

(١) الوافي ج ١ باب الأحداث التي توجب الوضوء

١٧٩

عقبيك فإنما ذلك بمنزلة النخامة الحديث (١).

وفي حديث بريد بن معاوية قال سألت أحدهما عليهما‌السلام عن المذي فقال : لا ينقض الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد انما هو بمنزلة المخاط والبصاق (٢).

وفي حديث محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام في المذي قال : لا يقطع صلاته ولا يغسله انما هو بمنزلة النخامة (٣).

وفي حديث زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام في المذي أينقض الوضوء قال : لا ولا يغسل منه الثوب والجسد انما هو بمنزلة البزاق والمخاط (٤).

وفي حديث عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام قال : والمذي ليس فيه وضوء انهما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف (٥).

وفي حديث حريز عنه عليه‌السلام قال : المذي لا ينقض الوضوء انما هو بمنزلة المخاط والبصاق (٦).

وفي حديث آخر ان المذي والوذي بمنزلة البصاق والمخاط فلا يغسل منهما الثوب ولا الإحليل (٧).

وفي حديث الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام قال : لو لم يجب القصر في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة لأن كل يوم بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان نظيره مثله لا فرق بينهما (٨).

وحديث يونس بن يعقوب عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الجنازة يصلى عليها على

__________________

(١) الوسائل ج ١ ص ٣٧

(٢) الوسائل ج ١ ص ٣٧

(٣) أيضا ص ٣٧

(٤) أيضا ص ٣٧ ط القديمة

(٥) الوسائل ج ١ ص ٣٨ ص ٣٧

(٦) الوسائل ج ١ ص ٣٨ ص ٣٧

(٧) الوسائل ج ١ ص ٣٨ ص ٣٧

(٨) الفقيه ج ١ ص ٤٥٥ ط الغفاري

١٨٠