الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

وله على الله ان لا يسلط عليه من الأدواء ما يشين خلقته.

وله على الله ان يعيذه من البرص والجذام ، هاتان الخصلتان يمكن كونهما مخصوصتين بالمعصوم كما ورد التصريح به في الخصال وغيره أو محمولتين على الغالب ، والنادر لا حكم له ، وعلى غير من أذنب ذنبا يستحق به العقوبة بنحو ذلك ويمكن فيه بعض الوجوه السابقة.

وله على الله أن لا يميته على كبيرة ، وله على الله ان لا ينسيه مقامه في المعاصي حتى يحدث توبة. يعني بأن يلهمه التوبة والندم فان ذلك من لوازم الايمان وغير معلوم عدم العموم هنا في جميع الإفراد فلا اشكال.

وله على الله ان لا يقرر في قلبه الباطل. فان الله لا يثبت الباطل في قلبه وان عرض في نفسه شي‌ء لا يستقر وهو مخصوص بالمؤمن الكامل أو تقول : ان الله لا يقرر الباطل فان تقرر فهو من قبل الشيطان أو فعل شياطين الانس.

وله على الله ان يحشر يوم القيمة ونوره يسعى بين يديه هذا لا اشكال فيه.

وله على الله عزوجل ان يوفقه لكل خير بان يرجح له أسباب الخير ويأمره به ولا يجبره عليه لبطلان الجبر عقلا ونقلا.

وله على الله ان لا يسلط عليه عدوه فيذله أي في الرجعة أولا يسلط عدوه عليه فيرده عن دينه فيذل في الآخرة ولا يظهر لعدوه بطلان مذهبه فيذل بذلك ويستقيم بعض ما تقدم هنا أيضا.

وله على الله ان يختم له بالأمن والايمان ويجعله معنا في الرفيق الا على (١).هذه شرائط الله عزوجل للمؤمنين تم الحديث. ولا يخفى ان بعض الوجوه السابقة متقاربة وانه لا بد من الحمل على خلاف الظاهر لضرورة الجمع بين الأحاديث كما تقدم والله اعلم.

__________________

(١) الخصال ص ٤٨٥ أبواب العشرون

٤٠١

فائدة (٩١)

أجمعت الطائفة المحقة على عدم جواز الفتوى والعمل في الدين بشي‌ء من الاستنباطات الظنية في تحصيل نفس الحكم الشرعي ولم يزل ذلك مذهب جميع الأخباريين منهم يعرفه كل موافق أو مخالف لهم وهذا الإجماع حجة للعلم بدخول المعصومين فيه بدليل الأحاديث المتواترة عنهم الدالة على ان هذا الحكم مأخوذ منهم ويدل على ذلك أدلة كثيرة عقلية ونقلية.

الأول : عدم ظهور دلالة قطعية على ذلك والتمسك فيه بالظن يشتمل على دور ظاهر مع انه معارض بأقوى منه من الآيات الدالة على عدم جواز العمل بالظن المتعلق بنفس الأحكام ، والروايات الصريحة في ذلك وقياسه على الظن المتعلق بالأمور العادية والوجدانية والأفعال الصادرة عنا أو غيرها مما ليس من نفس الأحكام الشرعية بل من متعلقاتها قياس فلا يجوز العمل به لما تقدم ، ويأتي هذا مع وجود الفارق فإنه لو لا اعتبار الظن فيما ذكر لزم الحرج البين الواضح ولو اعتبر الظن في أحكام الله تعالى لأدى إلى الفتن والحروب كما هو المشاهد مضافا الى النصوص الدالة على اعتباره هناك وعدم اعتباره هنا.

واعلم ان كل من جوز التمسك بالاستنباطات الظنية اعترف بانحصار دليله في الإجماع.

قال العضدي في شرح مختصر ابن حاجب في بحث الإجماع والتفتازاني في التلويح وهما من علماء العامة : والتمسك بالظن انما تثبت بالإجماع ولولاه

٤٠٢

لوجب العمل بالدلائل المانعة عن اتباع الظن « انتهى ».

وقال شيخنا الأجل المحقق ولد الشهيد الثاني في المعالم : ان التعويل والاعتماد على ظن المجتهد المطلق انما هو على دليل قطعي وهو إجماع الأمة عليه وقضاء الضرورة به « انتهى ».

والجواب : ان ثبوت الإجماع هنا مفيد للقطع ممنوع وأكثر الأدلة الاتية يصلح سندا للمنع.

وقد روى الكليني رسالة الصادق عليه‌السلام ان حجية الإجماع من مخترعات العامة (١) والحق ان الإجماع انما وقع من العامة لا من الشيعة فأي حجة فيه فان الأخباريين وجميع أصحابنا المتقدمين مجتمعين على نقيضه والمعصومون داخلون في إجماعهم بدليل الأحاديث المتواترة عنهم.

ومن المعلوم الذي لا شك فيه ان هذا الطريق لم يسلكه أحد من الأصحاب المتقدمين أصلا وتقدم جملة من عباراتهم الدالة على ذلك في بحث العمل بقول الميت وقضاء الضرورة به أن أريد البداهة وانه من ضروريات الدين فمعلوم انه من النظريات وليس بديهيا قطعا وان أريد به أن الضرورة تلجئ اليه وانه لا بد منه ولا مندوحة عنه فهو ممنوع لما سيأتي بيانه إن شاء الله.

الثاني : صريح القرآن في قوله تعالى : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (٢).

__________________

(١) وهو قوله عليه‌السلام : فقالوا : نحن بعد ما قبض الله عزوجل رسوله (ص) يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأى الناس بعد ما قبض الله عزوجل رسوله (ص) وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفا لله ولرسوله (ص) إلخ. راجع كتاب الروضة ج ٨ من الطبعة الغفاري ص ٦ سطر ١٠

(٢) الأعراف ١٦٩

٤٠٣

مع قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١).

وقوله عزوجل ( إِنْ هُمْ إِلّا يَظُنُّونَ ) (٢).

وقوله تعالى : ( إِنْ هُمْ إِلّا يَخْرُصُونَ ) (٣).

وقوله ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (٤).

وقوله ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (٥).

وغير ذلك من الآيات وتقدم جملة منها.

وتخصيص هذه الآيات بأصول الدين كما وقع من الأصوليين بناء على ان الضرورة ألجأت إلى العمل بالظن اما مطلقا كما قاله العامة أو في زمن الغيبة كما قاله بعض الخاصة ضعيف لا وجه له لما يأتي.

الثالث : إجماع المتقدمين من أصحابنا قاطبة على عدم جواز التمسك بالاستنباطات الظنية مع دخول المعصوم فيه بدليل الأحاديث المتواترة وهذا دليل إلزامي للخصم كأمثاله ، والا فإنه مع تحقيق دخول قول المعصوم كما هنا يكون قوله الحجة لا الإجماع.

الرابع : ان سلوك طريق الاستنباط الظني في استخراج أحكام الله سبحانه يؤدى الى الاختلاف في الدين لغير ضرورة التقية كما هو معلوم مشاهد من العلماء في الأصول والفروع فتنتفي فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب إذ فائدتهما كما هو المشهور بين علماء الإسلام رفع الاختلاف ليتم نظام المعاش وقد تواتر من الأئمة (ع) النهى عن الاختلاف في الفتوى.

الخامس : انه يستلزم الخطاء لامتناع اجتماع النقيضين والحكيم المطلق عز شأنه يأبى ان يبنى شريعة على ما يؤدى الى الخطاء قطعا :

__________________

(١) النجم ـ ٢٨

(٢) الجاثية ٢٤

(٣) الانعام ١١٦

(٤) البقرة ـ ١٦٩

(٥) الاسراء ـ ٣٦

٤٠٤

السادس : انه يستلزم اما القول بان كل مجتهد مصيب فيلزم اجتماع النقيضين وكون الحق في طرفين فيكون الشي‌ء حلالا اما في حالة واحدة مثلا وهو محال واما القول بان أحد الاجتهادين المختلفين صواب والأخر خطأ يجب اتباعه وهو أعظم محذورا.

ولا يرد شهادة العدلين واختلاف الحديثين ، لأن الأول من قبيل الأسباب للحكم كالزوال في سببية وجوب الصلاة وليس من نفس أحكام الله.

والثاني منصوص الجواز ما لم يعلم وروده للتقية كما يأتي فلا يجوز قياس أسباب الحكم على نفس الحكم ولا منصوص الجواز على منصوص التحريم بل لا يجوز قياس شي‌ء على شي‌ء أصلا فإنه عين محل النزاع.

السابع : انه يستلزم جواز الفتن والحروب بين المسلمين وسد هذا الباب يقتضي رفعها والتوقف والاحتياط في الدين الى ظهور الحق واليقين الا ترى ان علماء العامة وابن ابى للحديد في شرح نهج البلاغة ذكروا في الاعتذار عن الحروب الواقعة بين الصحابة أن السبب فيها اختلاف اجتهاداتهم في أحكام الله تعالى.

الثامن : انه يستلزم صحة مذاهب العامة وجواز تقليد اتباعهم لهم فإنهم أعرف بوجوه الاستخراج وطرق الاستنباط ، وهم الذين فتحوا باب الاجتهاد ولو جاز لنا لجاز لهم ، ولا يرد انهم لا يعلمون بأخبار الأئمة (ع) لان اجتهادهم أدى الى ضعفها فاقتصروا على الكتاب والسنة والأدلة العقلية كما إذا تبين ضعف حديث عند المجتهدين من الإمامية وهذا إلزام لا جواب عنه عند الإنصاف ولا يمكنهم دعوى عدم تجويز الاجتهاد في زمان المعصوم وإثبات الفرق بذلك لان كلام الذين جوزوا الاجتهاد من أصحابنا وغيرهم مطلق غير مخصوص بزمن الغيبة.

بل صرح الشهيد الثاني في شرح بداية الدراية في بحث الموقوف فقال : الحق كون الإجماع في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة.

وقال في رسالة الاجتهاد ما هذا لفظه : الاجتهاد سائغ في زمن المعصوم والامام

٤٠٥

بل لا ينتفع النبي والامام بالنائب إلا إذا كان مجتهدا مع انه في زمن ظهور الامام لا يمكن كل أحد قريب أو بعيد ان يسأل الإمام عن كل ما يحتاج اليه وهو واضح

التاسع : الأحاديث الصحيحة والنصوص الصريحة المتواترة عن أهل العصمة عليهم‌السلام الدالة على عدم جواز ذلك المشتملة على الإنكار البليغ والذم والتشنيع على من استعمل ذلك وقال به.

العاشر : ان نقول كل ظن شبهة وكل شبهة يجب اجتنابها والاحتياط فيها.

وما يدل على الصغرى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام وانما سميت الشبهة لأنها تشبه الحق ، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى (١) وقولهم عليهم‌السلام الأمور ثلاثة أمر تبين رشده فاتبعه وأمر تبين غيه فاجتنبه وأمر مشكل يرد علمه الى الله (٢).

وقولهم عليهم‌السلام حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك (٣).

وقولهم عليهم‌السلام إياكم والظن فإنه أكذب الكذب (٤). وغير ذلك فان هذا واضح في الدلالة على ان ما عدا اليقين شبهة ويدل على الكبرى الأحاديث الكثيرة المتواترة التي جمعناها في محلها.

الحادي عشر : الأحاديث الدالة على اختلاط الباطل بالحق وامتزاجه به وعدم استقلال مجرد العقل بالتمييز بينهما واختصاص المعصومين بذلك وهي كثيرة جدا

الثاني عشر : ان جواز العمل بظن المجتهد مبني على انه ليس لله في بعض الوقائع حكم معين ان على ان لله في كل واقعة حكما معينا وليس على كل حكم دليل قطعي ، والأحاديث المتواترة دالة صريحا على ان لله في كل واقعة يحتاج إليها الأمة إلى يوم القيمة حكما معينا وان على كل حكم دليلا قطعيا هو الوحي من الله الى الرسول وان جميع ذلك مخزون عند الأئمة عليهم‌السلام يجب على الناس طلبه منهم

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨ كتاب القضاء

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٧ و ٣٨٨

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٧ ـ ٣٧٥

(٤) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٧ ـ ٣٧٥

٤٠٦

والتوقف والاحتياط مع عدم العلم به بالنقل عنهم.

الثالث عشر : ان نقول لا يجوز الحكم بغير ما انزل الله قطعا.

لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (١) والسنة المتواترة ثم نقول كل حكم يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيمة نزل في القرآن للأحاديث الكثيرة الدالة.

ولقوله تعالى ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (٢) وغيرها.

ثم نقول كل ما نزل في القرآن فليس فيه اختلاف لقوله ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (٣). فيلزم ان يكون كل من أفتى بحكمين مختلفين من غير ابتناء أحدهما على التقية فقد حكم بغير ما أنزل الله وناهيك به والاجتهاد الظني يستلزم الاختلاف (٤) كما هو معلوم مشاهد.

الرابع عشر : الأحاديث المتواترة الدالة على وجوب طلب العلم وعلى عدم جواز الفتوى والعمل بغير علم ولا ريب ان الظن غير العلم فهي دالة على عدم الاجتزاء في نفس الحكم الشرعي بالظن.

واعلم ان من جملة تمويهات العامة ومغالطاتهم انهم ذكروا في كتبهم الأصولية وغيرها ان العلم الشرعي هو التصديق المطلق المشترك بين العلم والظن وقول بعضهم ان أمثال ذلك مخصوص بالأصول دون الفروع ، وقد غفل عن ذلك بعض الخاصة من الأصوليين فوافق فيه وهو دعوى ليس عليها دليل قطعي مع أن أكثر النصوص صريح في إرادة الفروع فهو أيضا تخصيص للعموم بغير دليل قطعي وتقييد للإطلاق بغير موجب شرعي والتمسك فيه بالظن دوري ، والأحاديث صريحة في ان المعارف الإجمالية ضرورية موهبية وهي معرفة ان لنا صانعا ومعرفة الرسول بعد

__________________

(١) المائدة ٤٤

(٢) الانعام ٣٨

(٣) النساء ٨٢

(٤) مستلزم للاختلاف ـ خ

٤٠٧

الاطلاع على المعجزة وان التكليف يتعلق بالعبد بعد ذلك بإظهار الشهادتين وغيره وان تفاصيل المعرفة يجب أخذها من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وان العلم الذي يجب طلبه هو المستفاد من الأدلة السمعية.

الخامس عشر : الأحاديث الكثيرة الدالة على عدم جواز العمل بالرأي في الدين ولا بالقياس والمراد بالرأي الاجتهاد الظني يفهم ذلك من القرائن الحالية والمقالية في الأحاديث المشار إليها وانهم كانوا يستعملونه في هذا المعنى.

السادس عشر : ما استدل به الإمامية على وجوب عصمة الامام وهو انه لو لا ذلك لزم امره تعالى عباده باتباع الخطاء وذلك قبيح عقلا فهذا كما ترى دال على عدم وجوب اتباع ظن المجتهد وإذا انتفى الوجوب انتفى الجواز قطعا لان الجواز يستلزم الوجوب لإجماعهم المدعى.

وقد روى البرقي رسالة عن الصادق عليه‌السلام استدل فيها بهذا الدليل وهذا نقض أورده الفخر الرازي على الإمامية وجوابه انه لا يرد على الأخباريين.

السابع عشر : ان المسلك الذي مداركه غير منضبطة وكثيرا ما يقع فيها التعارضات واضطراب الأنفس ورجوع كثير من العلماء عما به أفتى لا يصلح لان يجعله الله مناط أحكامه ومن المعلوم ان اعتبار ظن المجتهد المتعلق بنفس أحكامه تعالى مستلزم لتلك المحذورات ألا ترى ان في كثير من المسائل يخطر ببال جمع من أهل الاستنباط أنواع من الترجيحات دون جمع وفي وقت دون وقت والعامة اعترفوا بذلك في بحث القياس وشروط العلة.

الثامن عشر : ان المسلك الذي يختلف باختلاف الأذهان والأحوال الذهن واحد : لا يصلح لان يجعله الله مناط أحكام مشتركة بين الأمة إلى يوم القيمة.

التاسع عشر : ان الشريعة السهلة السمحة الناسخة لكل شريعة المخصوصة باستقرار الأحكام الى يوم القيامة المبعوث بها أشرف الأنبياء الى امة هي أكثر الأمم لا يجوز ان تكون مبنية على ظنون ضعيفة مضطربة.

٤٠٨

العشرون : إذا وقعت خصومة بين مجتهدين مبنية على اختلاف اجتهادهما في مال أو فرج أو دم يلزم ان لا يجوز لأحدهما أن يأخذ قهرا عن الأخر ما يستحقه في حكم الله تعالى ، وما قالته علماء العامة انهما يرجعان الى قاضٍ منصوب من جهة السلطان فاذا قال القاضي حكمت بكذا وجب اتباعه عليهما ، وقول بعضهم وبعض الأصوليين من الخاصة يرجعان الى رجل من الرعية يفصل بينهما بقوله حكمت فإنه وضع لفصل الخصومات مما لا يرضى به الذهن السليم والطبع المستقيم فكيف يرضى به السميع العليم.

الحادي عشر : العمل بتلك الظنون يستلزم تجهيل المفتي نفسه وإبطال القاضي حكمه إذا ظهر ظن أو قطع مخالف لظنه السابق لان ظاهرهم انه يجب عليه أعلام مقلديه بتغير اجتهاده ورجوعه هو وهم الى القول الثاني.

الثاني والعشرون : انه يستلزم تجويز نسخ الشريعة مرة بعد اخرى بحسب اختلاف اجتهادات الظنية وعدم استمرار الأحكام الشرعية والملة المحمدية بل يصير الحلال حراما والحرام حلالا وقد تواترت الاخبار بان حلال محمد حلال الى يوم القيمة وحرامه حرام الى يوم القيمة (١) بل استحالة النسخ لشريعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كلا وبعضا من أوضح ضروريات الدين فيلزم كون تلك الظنون ليست من شريعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثالث والعشرون : ان الظن المعتبر عندهم ظن صاحب الملكة المخصوصة التي اعتبروها في معنى الفقيه والمجتهد وأيضا المعتبر عندهم من بذل الوسع في تحصيل الظن المذكور قدر مخصوص منه ، ولا يخفى على اللبيب ان الملكة المذكورة والقدر المشار اليه من بذل الوسع أمران مخفيان غير منضبطين وقد مر انهم اعترفوا بان مثل ذلك لا يصلح ان يكون مناط أحكام الله تعالى.

الرابع والعشرون : ان من الأدلة التي اعتبروها بل أقواها ظواهر الكتاب وقد تواترت الأحاديث انه لا يجوز أخذ أحكام الله من تلك الظواهر الا بعد معرفة

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٥٨

٤٠٩

معانيها من جهة الأئمة عليهم‌السلام ومن جملتها القياس والأحاديث المتواترة بعدم جوازه بل بطلانه من ضروريات المذهب.

ومنها الإجماع وتحقيقه في المسائل النظريات لا يكاد يمكن أصلا ولا حجة فيه عند أصحابنا إلا مع العلم بدخول المعصوم ولا سبيل الى العلم بذلك الا بوجود النص الثابت عن أهل العصمة (ع) وحينئذ فالدليل هو النص خاصة.

ومنها البراءة الأصلية والأحاديث السابقة صريحة في ان لله في كل واقعة حكما معينا ، فلم يبق شي‌ء على حكم البراءة الأصلية.

ومنها الاستصحاب وقد علمنا انقطاع استمراره بورود الشريعة الكاملة التي لم تدع واقعة بغير حكم وموافقة تلك الأحكام للاستصحاب تارة ومخالفتها له في الأكثر مع مخالفته للاحتياط غالبا وكذلك جميع الأدلة التي اعتبروها لعدم إفادتها سوى الظن وعدم الاجتزاء به كما دلت عليه هذه الأدلة كلها.

الخامس والعشرون : الاحتياط فإنه لا شبهة ان سلوك طريق الأخباريين أعنى العمل بما ثبت عن المعصومين (ع) والتوقف والاحتياط فيما سواه أسلم عند الله إذ به يحصل يقين البراءة من عهدة التكليف لأنه غاية الاستظهار في الدين وسلوك طريق الأصوليين مجانب للاحتياط قطعا لعدم التزامهم بكلام المعصومين في جميع المواضع ولتعويلهم على مجرد الظن الذي اعتبروه فلا يجوز العدول عن اليقين الى الظن ولا ترك الاحتياط الى خلافه.

السادس والعشرون : ان فرض خلو الأرض من مجتهد ممكن ان لم يكن واقعا بالفعل فيلزمهم اما تجويز تكليف ما لا يطاق أو القول برفع جميع التكاليف عن العباد حينئذ.

ومع تقدير وجوده فإن أكثر البلاد خالية منه فيلزم تكليف ما لا يطاق أو الحرج البين الواضح بوجوب المهاجرة إليه عينا أو كفاية وعدم جواز العمل بما علم نقله عن المعصوم مع كونه مأخوذا من غير المجتهد المطلق والمعهود منهم

٤١٠

عدم جواز تقليد المجتهد الميت كما مر.

السابع والعشرون : انه يستلزم وجوب معرفة المقلد بأن الذي يقلده مجتهد مطلق ولا سبيل له الى ذلك كما لا يخفى فيلزم تكليف بما لا يطيق (١) وكذلك تكليفه بمعرفة الأعلم من المجتهدين مع التعدد.

الثامن والعشرون : انهم حكموا ببطلان أحكام المجتهد عند موته وعدم جواز عمل المقلد بها ويلزم انقلاب الحق باطلا والجائز محرما بغير سبب سوى موت شخص لا يدل العقل ولا النقل على تغير الدين بموته مع عدم تغيير الدين بموته مع عدم تغيير الدين بموت الرسول والامام ورواة الأحكام فما الفرق في هذا المقام وبالجملة فما كان حقا لا يبطل بموت أحد وما بطل بموت قائله فليس بحق.

التاسع والعشرون : ان الضرورة قاضية بأن مجرد العقل لا يستقل بتفصيل مراد الله من العباد ولو كان كافيا ما احتاج الناس الى نبي ولا امام ولا اختلف الشرائع والأديان على انه يستلزم اختلاف طبع العقول عند نسخ الشريعة حتى تهتدي إلى معرفة الأحكام التي يطلبها الله من عباده في الشريعة الجديدة ومن المعلوم انه لا سبيل للعقل الى تفصيل ذلك ولا الى ضبط الحكمة التي اقتضت العدول عن أحكام شريعة عيسى مثلا إلى أحكام شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أشار الأئمة عليهم‌السلام الى هذا في كثير من الأحاديث.

وقد وجدت بخط بعض فضلاء الأصحاب ما هذا صورته هذا كتاب أرسطاطاليس الى عيسى روح الله عليه‌السلام يا طبيب النفوس المريضة بداء الجهالة المكتنفة بالاكناف الرذيلة النقمة (٢) في العلائق البدنية المكدرة بالكدورات الطبعية يا موقظ القوم

__________________

(١) بما لا يطاق.

(٢) المنفسة ـ خ ل

٤١١

من رقدة الغفلة ومنبه العباد عن مضيق الجاهلين يا منجى الهلكى يا غياث من استغاث ان ذاتا هبطت فاغتربت وتذكرت فهل الى وصول من سبيل.

فأجاب عيسى (ع) يا من شرفه الله بالاستعدادات العقلية والرموزات النقلية كن طالبا لتنوير النفس بالأنوار الإلهية القدسية الحادثة من اللذات الدنية الفانية الى اللذات السنية الباقية التي هي محل الأرواح الطاهرة والنفوس الزكية فان مجرد العقل غير كاف في الهداية إلى الصراط المستقيم.

الثلاثون : انه لا يعصم من الخطاء الا التمسك بكلام أهل العصمة في جميع النظريات فيجب ذلك لاستحالة أن يأمر الله عباده باتباع الخطاء والاختلاف المستلزم له من علماء المنطق في ذلك الفن وفي غيره كما هو واضح مشاهد ودعوى غفلتهم عن مراعاته غير معقول والحق انه انما يعصم المنطق عن الخطأ من جهة الصورة وذلك لا يقع من العلماء وأما من جهة المادة فلا يعصم الا التمسك بأهل العصمة لأن غاية ما يدل عليه المنطق في بحث مواد الأقيسة تقسيمها بوجه كلي إلى أقسام وليس فيه قاعدة بها يعرف ان كل مادة مخصوصة داخلة في أي قسم من تلك الأقسام بل من المعلوم عدم إمكان وضع قاعدة تكفل بذلك فيجب التمسك بما يعصم عن الخطاء وهو العمل بصريح كلام المعصوم والاحتياط فيما لم يوجد فيه ذلك والتمسك بالاحتياط المذكورة مأمور به في صريح كلام أهل العصمة كما سيأتي.

الحادي والثلاثون : الحديث المتواتر بين الفريقين انى تارك فيكم الثقلين ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي (١) ومعناه كما يستفاد من الأحاديث الكثيرة الاتية انه يجب التمسك بكلام الأئمة عليهم‌السلام خاصة إذ حينئذ يتحقق التمسك بمجموع الأمرين والسر فيه انه لا سبيل الى فهم مراد الله الا من جهتهم لأنهم هم العارفون بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومطلقة ومقيده وعامه وخاصه والمؤل منه والباقي على ظاهره دون غيرهم خصهم الله والرسول بذلك وقد

__________________

(١) تفسير البرهان ج ١ ص ١٢

٤١٢

قال الله تعالى ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) والأحاديث كثيرة وافرة على ان المراد بهم الأئمة عليهم‌السلام.

الثاني والثلاثون : قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٢) وقد صرحت الأحاديث المستفيضة بأن المراد بأهل الذكر الأئمة (ع) وانه يجب سؤالهم عن كل ما لم يعلم حكمه والظن ليس بعلم كما سبق وقد صح عن الأئمة عليهم‌السلام انهم قالوا : كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل (٣).

الثالث والثلاثون : ان يلزمهم ان لا يجوز لفاقد الملكة المعتبرة عندهم ان يعمل بنص صحيح صريح اطلع عليه صاحب الملكة أو بلغه ولم يطلع على صحته بل يجب عليه إطراحه بل اطراح الف نص والعمل بظن صاحب الملكة المبنى على براءة أصلية أو استصحاب أو عموم أو إطلاق أو نحوه واللازم باطل قطعا فكذا الملزوم إذ لا يجوز اطراح نص المعصوم والعمل بظن غير المعصوم.

الرابع والثلاثون : ان من اعتبر أحكام الشرع المعلومة علم ان كثيرا من الأشياء المتوافقة مختلفة الأحكام وكثيرا من الأشياء المتخالفة متفقة الأحكام فلا يجوز ان يوضع لها قواعد كلية وضوابط تستخرج منها كأصالة البراءة والظواهر والاستصحاب وغيرها مما هو مذكور في محله وهذا دليل أوردوه لإبطال القياس ومن تأمل علم انه شامل لجميع المدارك الظنية.

الخامس والثلاثون : الأحاديث الكثيرة الدالة على عدم جواز تقليد غير المعصوم فيما يقوله من عند نفسه والأحاديث الدالة على انه انما يجب الرجوع الى رواة الحديث فيما رووه من الأحكام عنهم عليهم‌السلام خاصة لا فيما يقولونه من عند أنفسهم.

السادس والثلاثون : الأحاديث المتواترة الدالة على وجوب التوقف والاحتياط في كل واقعة لم نعلم حكمها من جهتهم عليهم‌السلام فلو جاز الاستنباط الظني ووجب العمل

__________________

(١) آل عمران ـ ٧

(٢) الأنبياء ـ ٧.

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٧٧

٤١٣

بظن صاحب الملكة لما وجب التوقف والاحتياط.

السابع والثلاثون : الأحاديث الكثير الدالة على عدم جواز الاجتهاد والقول بالرأي للرسول ولا للإمام وقد تقدم منها وإذا لم يجز ذالك للمعصوم عن الخطاء لم يجز لغيره قطعا وقد تواتر النص العام الشامل للجميع أيضا.

الثامن والثلاثون : ان مسئلة الاجتهاد والاستنباط من أعظم المهمات إذ عليها يبنى جميع الأحكام الشرع على قولهم فالضرورة قاضية بوجود النصوص بها كما وردت في أمثالها من المهمات بل فيما دونها كالمندوبات والمكروهات وأحكام الخلاء والجماع والنجاسات وغير ذالك من الآداب والمصالح الدنيوية كما سيأتي وعدم ظهور نص هنا يدل على عدمه بمقتضى أصولهم لتوفر الدواعي على النقل وعدم التقية المانعة هذا مع قطع النظر عن النصوص الدالة على عدم الجواز وهي متواترة.

التاسع والثلاثون : الأحاديث الدالة على تعذر المجتهد المطلق المستقل بمعرفة جميع الأحكام وانه لا يعرف ذالك كله مفصلا سوى الامام ، وتجزى الاجتهاد مختلف فيه عندهم لا يمكن دعوى الإجماع عليه الذي لم يدعوا حجة على العمل بظن المجتهد المطلق سواء.

الأربعون : الأحاديث المتواترة بل المتجاوزة حدّ التواتر المعنوي الدالة على وجوب الرجوع في جميع الأحكام الى المعصومين عليهم‌السلام والتوقف مع عدم النصوص عنهم.

الحادي والأربعون : ان الاعتبارات التي ذكروها والمدارك التي اعتبروها من أصالة البراءة وصورتي القياس والإجماع والاستصحاب والظواهر الظنية وغير ذلك لا يكاد يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على حكم الا ويمكن الاستدلال بشي‌ء آخر منها على نقيض ذلك الحكم لكثرة التعارض فيها فيرجع الأمر إلى المرجحات التي ذكروها وهي في غاية الضعف وليس شي‌ء منها منصوصا بل المرجحات المنصوصة مخالفة

٤١٤

لها غالبا والتعارض فيها كثير أيضا لا يقصر عن تعارض المدارك وجميع ذلك يظهر لمن اعتبر مسائل الاجتهاد في كتب الاستدلال فكيف يجوز بناء الأحكام الإلهية والمهمات الدينية على هذه الظنون المتعارضة والخيالات المتناقضة وقد أشار الأئمة عليهم‌السلام الى هذا في بعض الأحاديث.

الثاني والأربعون : الأحاديث الكثيرة المتواترة في الثناء على الشيعة ومدحهم وتصويب طريقتهم وبشارتهم بالجنة وبالفوز يوم القيمة.

ومن المعلوم الذي لا شك فيه من اطلع على أحوالهم وعرف طريقة الأخباريين اعنى المتقدمين منهم أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ومن قرب عهده بهم من العلماء الأعلام في الغيبة الصغرى وبعدها بمدة طويلة أيضا لم يعولوا في الأحكام الشرعية على شي‌ء من هذه الاستنباطات أصلا إلا الشاذ منهم الذي أنكر عليه الأصحاب وتركوا العمل بكتبه لذلك فعلم بطريق القطع ان الطريقة الأولى مقبولة عند الله لأن أصحابها سلكوها بأمر أهل العصمة واشارتهم وقد مدحوها وأثنوا عليها ، ولم يبلغنا ما يدل على جواز سلوك الطريقة الثانية.

هذا بعد التنزل عما ورد من الذم لها والتحذير منها وتخطيئة أصحابها كما عرفت وستعرف.

الثالث والأربعون : ان الاجتهاد في تحصيل الظن والعمل بالمدارك الظنية هو عين طريقة جميع العامة والعمل بالأخبار هو طريقة الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وخواصهم وقد تواترت الأحاديث عن أئمتنا عليهم‌السلام بالنهي عن سلوك طريقة العامة والأمر باجتنابها والنص في ذلك أكثر من أن يحصى حتى قال الصادق (ع) والله ما هم على شي‌ء مما أنتم عليه ولا أنتم على شي‌ء مما هم عليه فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شي‌ء (١).

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٢

٤١٥

وقال عليه‌السلام والله لم يبق في أيديهم من الحق الا استقبال الكعبة فقط (١) فهذه نبذة من الأدلة وقد ذكر جملة منها صاحب كتاب الفوائد المدنية وما لعله يرد على بعضها يمكن الجواب عنه وإذا اجتمعت كلها لم يمكن المنصف ردها الا ان تغلب عليه الشبهة والتقليد والله الهادي.

__________________

(١) المحاسن كتاب الصفوة ص ١٥٦ المستدرك ج ١ ص ٩٦

٤١٦

فائدة (٩٢)

اعلم انى وقفت على رسالة لبعض المعاصرين في الاجتهاد مشتملة على حق وباطل وفيها تناقض وتعارض وتسامح وتساهل فالتمس منى بعض الأصحاب تمييز ما فيها وبيان ما وافق أحاديث الأئمة (ع) وما خالفها لئلا تدخل الشبهة على بعض الضعفاء إذ اعجزوا عن حلها ولم يهتدوا لجوابها والرسالة بالفارسية وأنا انقل منها ما يحتمل احتياجه الى الجواب وأترجمه بالعربية ملخصا مختصرا ثم أجيب عنه إن شاء الله

قال المعاصر : لا دليل الا كلام الله ورسوله والأئمة (ع) وما قالوا بحجيته وعملوا به وهو أمور ـ الف ـ العقل كما دل عليه الكتاب والسنة كما ذكر في حديث هشام في أصول الكافي ان لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأما الباطنة فالعقول (١).

ولا يمكن إنكار حجية العقل إلا بإنكار حجية الكتاب والسنة وقد نص الامام (ع) في حديث محمد بن عبيد في إبطال رؤية الله (٢) على الاعتماد على العقل حيث استدل على ذلك بدليل عقلي ونص في حديث أبي قرة في إبطال الرؤية على ان الروايات إذا خالفت القرآن وإجماع المسلمين ينبغي تكذيبها كالروايات التي رووها في جواز رؤية الله ولا يكون العقل حجة إلا فيما يصل اليه بشرط عدم مخالفة الكتاب والسنة

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٦

(٢) في إبطال الرؤية ـ خ ل

٤١٧

فان كان خالفها فهو شبهة لا برهان بدليل ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ).

ب ـ البراءة الأصلية الموافقة لمضمون كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهى (١) وهذا الدليل كان يعمل به جبرئيل والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنهما ما كان يبلغان شيئا حتى يأمرهما الله به ، وظواهر الآيات والروايات دالة عليها كقوله تعالى ( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ ) (٢). ومن المشهورات : اسكتوا عما سكت الله عنه. (٣)

ج ـ إجماع كل الأمة وليس بدليل مستقل بل باعتبار دخول قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

د ـ إجماع الطائفة المحقة الذي هو عبارة عن دستور العمل المذكور في مقبولة عمر بن حنظلة في قوله خذ بالمجمع عليه بين أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه (٤).

ولذلك كان الشيخ يعمل به ويعترف بأنه لم يبلغه فيه نص ، وانما بلغه عن مشايخه ومثل هذا لا يقدح فيه مخالفة الواحد والاثنين والثلاثة ولا ينافي تحقق الإجماع فلا يجوز الطعن عليهم إذا ادعوا الإجماع مع وجود الخلاف كما يفعله بعض المتأخرين ومن ترك دستور العمل الذي عرض على الأئمة (ع) مرارا كثيرة في مدة تقارب ثلاثمائة سنة وعمل بأخبار بدون ملاحظة دستور العمل وخصوصا أخبار التقية والشاذة كأخبار الغلاة التي وضعوها في الجبر والتفويض ولزم من طريقته تخريب دين الإمامية كما وقع في هذا الزمان في مسئلة الرجعة ومذهب الأخباريين الذي اشتهر الان بين جماعة من أسباب تخريب الدين حيث لا يلاحظون دستور العمل بل يعملون بأخبار محضة.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣١٧

(٢) الحديد ٢٧

(٣) الأصول الاصيلة للمحقق الكاشاني ص ٨٠

(٤) الكافي ج ١ ص ٦٧.

٤١٨

أما القياس فهو خارج عن الأدلة الشرعية ومنصوص العلة ان كان الحكم فيه معلقا على العلة فتلك العلة مناط الحكم وليس من القياس ، وقياس الأولوية ان كان مفادا من نفس اللفظ والا فلا ومدلوله فحجة وداخل في مفهوم كلام الله والنبي والأئمة (ع) والا فلا ، وحرمة الضرب داخلة في مدلول ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ) ومثله مفهوم المخالفة سواء كان مفهوم الشرط ، أم مفهوم الصفة ، أم مفهوم الغاية أم مفهوم اللقب.

وأما الاستصحاب : فهو راجع الى الأصل وليس بدليل على حدة.

وأما المصالح المرسلة ونحوها فليست بدليل قال : ولا يجوز العمل والفتوى في حكم الا بعد فهم جميع الأدلة الشرعية وفهم القرآن موقوف على فهم المفردات والمركبات واللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع وكل من سمع كلاما وعلم مفردات ألفاظه فهم منه معنى ولكن في الغالب لا يعتمد على ما فهمه وقد كان الصحابة وأصحاب الأئمة (ع) مأمورين بالعمل بما يسمعونه ولم يكونوا مأمورين باستنباط الأحكام بل كانوا يرجعون فيها الى من يعلم الحلال والحرام ويفهمه كما ينبغي ولا بد من معرفة الخلاف والوفاق لئلا يخالف دستور العمل وذلك يظهر من كتب الفقه ومن ثم اشترطوا الفقاهة.

وأما العقل فهو عبارة عن فهم مقتضى العقل من المعارف الربانية من إثبات الصانع وصفاته والتوحيد والعدل وقوة التمييز بين الخطاء والصواب والحق والباطل وآلة التمييز وهي المنطق ضرورية في الجملة ولذلك اشترطوا معرفة قدر من الكلام في الحكم وأما فهم الإجماعين فقد ظهر مما مر.

واما فهم الأصل فلا صعوبة فيه وأما الحاجة الى الإحاطة بجميع الأدلة فلأنه لو لم تحصل الإحاطة بها كيف يمكن الحكم والجزم بأمر من الأمور الدينية مع احتمال النسخ والمخصص غيرهما وفعلم انه لا بد من النحو والصرف واللغة والمعاني والبيان والبديع والكلام والمنطق والإحاطة بالأدلة والا لم يكن العمل ولا الفتوى بحكم

٤١٩

من الأحكام الشرعية ومن لم يعلم مقتضيات المفردات والمركبات وفسر معنى الآيات والأحاديث وقع في الغلط والمعاني التي لا يعمل بها وتقررت في خاطره وخواطر الشيعة فيلزم فساد عقائد الشيعة وتخريب الدين كما هو شائع الإن ولأجل هذه المفاسد منع العامة مع فساد مذهبهم من العمل بفتوى غير الفقهاء الأربعة أبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل.

قال وقد اتفق الأخباريون والاجتهاديون على ان الجاهل والعامي لا يجوز له الا الرجوع الى العارف بالحلال والحرام ، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة جميع اخبار أهل البيت عليهم‌السلام وضبطها وفهمها وعرضها على القرآن بعد معرفة العقائد وأصول الدين بيقين ، والا لم يكن عارفا ولا يمكن ذلك الا بالعلوم المذكورة.

ثم استدل بأحاديث مدح العقل وقوله تعالى : ( هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (١) ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ) (٢) وغير ذلك.

واستدل بان من لم يعرف علوم العربية وفهم ظواهر الألفاظ وعمل بها وقع منه فساد عظيم كما هو ظاهر مشاهد ، ويفهم من باب اختلاف الحديث في الكافي انه لا بد من معرفة العام والخاص والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وسائر مصطلحات الأصول حتى القياس والرأي وأقسام القياس ، ومن لم يعرف ذلك كله لم يقدر على جميع الأحاديث المختلفة ، وإذا كان في القرآن ناسخ ومنسوخ لم يجز العمل بكل آية فلا بد من العلم بالناسخ والمنسوخ والتفاسير والاخبار ولا بد من فهم العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد وغير ذلك.

__________________

(١) البقرة ١١١

(٢) الانعام ٨٣

٤٢٠