الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

الا عشرين مثقالا وبالدمشقى مائة وسبعة عشر رطلا فالنصاب بالعراقي ألفان وسبعمائة رطل وبالمدني ألف وثمانمائة رطل وبالدمشقى خمسمائة رطل وثلاثة وثمانون رطلا

وزكاة النقدين ربع العشر ونصاب الذهب عشرون دينارا ففيها عشرة قراريط ثم أربعة دنانير ففيها قيراطان وهكذا دائما والدينار هو المثقال وهو عشرون قيراطا.

ونصاب الفضة مائتا درهم ففيها خمسة دراهم ثم كلما زاد أربعين ففيها درهم فظهر ان زكاة النقدين ربع العشر فلو اخرج ربع عشر ما عنده منهما برئت ذمته لأنه بقدر الواجب أو أزيد لاحتمال عدم تمام النصاب الأخير والصاع أربعة أمداد فالمد رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني يكون ثلاثمأة درهم الا ثمانية دراهم والصاع بالرطل الدمشقي رطلان الا ثلثين درهما.

والمسافة ثمانية فراسخ بريدان أو نصفها لمريد الرجوع وهو بريد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا وقد روى في الحديث ان صاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان خمسة أمداد وان المد مائتان وثمانون درهما والدرهم ستة دوانيق والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتين من أوسط حب الشعير (١) والإطلاق محمول على الأول لوروده في عدة أحاديث والعمل عليها والحديث المشار إليه أخيرا انما ورد في مقام استحباب الغسل بصاع ولعل الصاع المقدر فيه هو صاع الغسل الذي كان يستعمله عليه‌السلام.

فقد روى انه كان يغتسل بخمسة أمداد هو وزوجته (٢) والأمر الاستحباب سهل لجواز الزيادة والنقصان فيه ويظهر من بعض الاخبار ان الصاع كان على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أمداد وانه تغير في عهدهم عليهم‌السلام وفي أحاديث الفطرة والزكاة ما يدل على ان المعتبر هو ما كان في زمانهم عليهم‌السلام وهو ما اشتمل على التقديرات المذكورة سابقا والله تعالى اعلم.

__________________

(١) الفقيه ص ٣٤ ج ١

(٢) كا ـ ج ٣ ص ٢٢ ح ٥

٤١

فائدة (١٢)

في توضيح حديث خلق العقل وهو مشهور ورد من عدة طرق بأسانيد مختلفة تزيد على عشرين متفرقة في كتب الحديث فمن تلك الطرق ما رواه الكليني بإسناده الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له اقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب الى منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب أما إني إياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك أثيب (١).

أقول : قد أورد بعضهم على هذا الحديث الشريف جملة من الإشكالات ترد عليه بحسب الظاهر ويندفع بعد التأمل.

أحدها وثانيها : قوله استنطقه اى طلب منه النطق مع انه ليس من أفعال العقل ولا له عليه قدرة فطلبه منه مع ذلك قبيح ويلزم منه تكليف ما لا يطاق وهو باطل بالضرورة من مذهب الإمامية.

والجواب أولا : ان معنى استنطقه غير منحصر في طلب النطق بل جملة معانيه ما قاله صاحب الصحاح ان استنطقه بمعنى كلمه وكثيرا ما يكلم الإنسان ما لا يفهم الكلام لغرض آخر كما يكلم الدار وغرضه التحسر أو الاعتبار.

وقال الشاعر :

قف بالديار وسلها عن أهاليها

عسى ترد جوابا من يناديها

__________________

(١) كا ـ ج ١ ص ١٠ ح ١

٤٢

وقد ورد في الحديث ان تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وسئل الإمام عليه‌السلام عن معنى هذا التفكر فقال ان يمر بالديار الخربة فيقول أين بانوك أين ساكنوك مالك لا تتكلمين (١) فالمراد من مكالمة العقل مجرد إظهار انقياده وطاعته لا نطقه بالجواب.

وثانيا : يحتمل ارادة المعنى المذكور في السؤال ويكون تعالى أراد النطق من العقل مع أقداره عليه فإنه لا يمتنع ان يكون الله سبحانه جعل فيه قوة للنطق والاقتدار على التعبير عما يريده من الاعتراف له.

وثالثا : يحتمل ان يراد بالنطق الفهم والإدراك فإنه أحد معانيه وكثيرا ما يستعمل فيه.

واعلم ان الوجه الأول والثاني متقاربان فان كلمه يتضمن معنى طلب منه النطق لان الكلام يستلزم طلب الجواب غالبا والوجه الثاني قريب باعتبار كمال قدرته تعالى على مثل ذلك وما هو أعظم منه ومن أنكر ذلك فقد أنكر قدرته تعالى ولا يخفى ان النطق لا يتوقف على وجود الجوارح من اللسان ونحوه باعتبار كمال القدرة وان توقف على ذلك في بنى آدم لا يلزم توقفه عليه في المجردات لو سلم تجرد العقل ح فان لها حكما آخر ومما يقرب ذلك.

قوله ( أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ ) (٢) ( قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) (٣) ( وَإِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) (٤).

ورابعا : يحتمل ان يريد بالنطق المجازي أعني الإخبار بلسان الحال والدلالة على المقصود بأي وجه كان اى طلب تعالى من العقل ان يكون دليلا لعباده على وحدانيته ومخبرا لهم بربوبيته بالتفكر فيه أو به

__________________

(١) كا ـ ج ٢ ص ٥٤ ح ٢

(٢) فصلت ٢١ ـ ١١

(٣) فصلت ٢١ ـ ١١

(٤) الاسراء ـ ٤٤

٤٣

وثالثها ورابعها قوله عليه‌السلام ثم قال له اقبل فأقبل ثم قال وعزتي إلخ فإن لفظة ثم موضوعة للتراخي ولا تراخى هنا بحسب الظاهر.

والجواب أولا ان التراخي غير معلوم الانتفاء إذ يحتمل تخلل زمان طويل أو كلام كثير بين كل واحد من الأمور المذكورة وبين أبعده.

وثانيا : ان ثم تأتي أيضا بمعنى الفاء أى لمجرد التعقيب من غير تراخ كما في قوله جرى في الأنابيب ثم اضطرب

وثالثا : ان التراخي يعتبر في كل مقام بحسبه كما قالوه في التعقيب كما في قولهم تزوج فولد له والأمور العظيمة المهمة تستعمل فيها ثم دون الفاء وان لم يكن تراخ ظاهر لعظم قدرها ينبغي ان تكون في أزمنة متباعدة لقصور الزمان القليل عنها ولو باعتبار والادعاء أو لأنها لكثرة الاحتياج إليها واهميتها وتشوق النفوس الى العلم بها بعد الزمان القصير المتخلل دونها أو بينها طويلا متراخيا عما قبله يشهد بذلك من تتبع كلام الفصحاء وتراكيب البلغاء.

وخامسها : ان الإقبال والأدبار لا يتصوران من العقل بحسب الظاهر ولا تظهر لهما فائدة.

والجواب : انه لا بعد في اتصاف العقل بالإقبال والأدبار بمعنى الذهاب والإياب وكذا النفوس والحواس ونحوها فإنها تذهب وتجي‌ء وتفارق على وجه تصح نسبته إليها ولا ينحصر ذلك فيما يعهد من إقبال الإنسان بوجهه وإعراضه به والغرض في الأمر بالإقبال والأدبار كالغرض في جميع التكاليف من إظهار الانقياد واختبار العباد وبيان امتثال الأمر كما ان من أراد اختبار طاعة عبده يقول له اذهب ثم يقول له ارجع لإظهار الطاعة وإلزام الحجة ولا بعد في ان يخلقه الله تعالى أولا على حالة يمكن اتصافه بالإقبال والأدبار الحقيقيين وقد اعطى الله الجن والملائكة قدرة التشكل بأشكال بنى آدم وغيرهم فلا يبعد ان يعطى الله العقل ذلك ولو في حال الأمر بالإقبال والأدبار على نحو ما مر في الاستنطاق.

٤٤

وسادسها : ان الإقبال والأدبار انما يتصور أن بالنسبة إلى مكان والله سبحانه منزه عن المكان.

وأيضا قد ورد ان أول ما خلق الله العقل فعلم انه لم يكن ح مكان.

والجواب : ان ذلك ممنوع بل الإقبال والأدبار قد يكونان لا بالنسبة إلى مكان كما يقال اقبل على العلم واعرض عن الجهل ولا يلزم نسبتها الى الله عزوجل ولا الى مكان سلمنا لكن لا تعلق لهما يكون الباري سبحانه وتعالى في مكان بل يمكن ان يعين للعقل مكانا للإقبال والأدبار كما يختاره ويريده وقولهم عليهم‌السلام أول ما خلق الله العقل على تقدير ثبوته يحتمل ان يكون الأولية فيه مخصوصة ببعض الأقسام لما ورد في حديث آخر من أحاديث العقل وهو أول ما خلق من الروحانيين فلا يلزم تقدم خلقه على خلق المكان مطلقا أو تقدم خلق الروحانيين كذلك يرجع الأمر إلى الجواب الأول.

وسابعها : ان التكليف متوقف على كمال العقل وقد تضمن هذا الحديث الشريف انه لا يكمل الا فيمن أحبه الله فيلزم ان يكون كل من أبغضه الله غير مكلف وهو خلاف المعلوم ضرورة بالنص ويلزم أن يكون كل مكلف ممن يحبه الله وان كان مرتكبا لجميع المعاصي والكفر وهو باطل ضرورة.

والجواب : ان العقل على مراتب وينقسم إلى أقسام وكمال العقل أيضا له مراتب ودرجات فالاكمال المذكور في الحديث أعلى درجة مما يتوقف عليه التكليف ألا ترى ان النبي والأئمة عليهم‌السلام كانوا يحكمون على أهل زمانهم بأحكام الشريعة مع ان المعلوم من حالهم وحال أهل كل زمان انهم في غاية التفاوت في العقول ولا يخصون الأحكام التكليفية بأهل الدرجة العالية في العقل ووجه إكمال العقل اما ان يكون تفضلا من الله على بعض العباد بواسطة عملهم الصالح أو تفضلا محضا أو بتوفيقهم للعمل بمقتضى ما وهبهم من العقل.

ويشير الى ذلك ما في الحديث القدسي وانه ليتقرب الى بالنوافل حتى أحبه

٤٥

فإذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به الحديث (١). فيرجع الى الاختبار من العبد الطاعة فالعقل يكون ناقصا على الأول بالنسبة الى عدم العمل بمقتضاه وعلى الثاني بالنسبة الى ما أضيف إليه من العقل الكامل وفي هذا الحديث إشارة إلى تعلق التكليف بالعقل وصاحبه قبل إكماله ويأتي تأويل هذا الحديث إن شاء الله.

وثامنها : ان العقل لم يثبت انه من جملة أهل التكليف فما وجه قوله إياك آمر وإياك أنهى إلخ ثم ان اختصاصه المستفاد من تقديم المعمول غير واضح فكثرة الأوامر والنواهي المتوجهة إلى غيره والثواب والعقاب الذين يستحقهما غيره وان كان قصرا إضافيا بالنسبة الى من ليس بمكلف فما مزيته على المكلفين.

والجواب : لا شبهة ان العقل كان مكلفا في ذلك الوقت بالإقبال والأدبار وقد ثبت ذلك بهذه الأحاديث وهو كاف ويحتمل كونه مكلفا بغير ذلك أيضا من تحصيل المعارف والاعتقادات ولا بعد في استمرار تكليفه بمثل ذلك واما الاختصاص فقد يكون قصرا حقيقيا في ذلك الوقت أو يكون الحصر مخصوصا بالأمر والنهى المذكورين.

ويحتمل ان يكون وجهه ان العقل علم انه مناط التكليف ، وانه حجة الله الباطنة على العباد فظن انه بذلك خارج من تعلق التكليف به فنبهه تعالى على فساد الظن بالنص على توجه الأمر والنهى المذكورين إليه خاصة.

ويحتمل ان يكون من باب ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) اى أهل القرية يعني انما يتوجه التكليف والأمر والنهى والثواب الى أهل العقل فكأن العقل هو المخصوص بذلك وربما يقرب هذا الإتيان بصيغة المضارع دون الماضي وان كانت هذه العبارة قد تستعمل فيما تقدم من الأمر ونحوه كما إذا أمرت شخصا ثم قلت له إياك أعني فإن ما قارب الحال من الماضي يمكن إدخاله في حكم الحال إذ هو في الحقيقة اجزاء

__________________

(١) كافي ج ٢ ص ٣٥٢

٤٦

من أواخر الماضي وأوائل المستقبل وان لم يتم ذلك حقيقتا فمجازا.

وتاسعها : ان هذا معارض بما ورد في غيره من أحاديث العقل بك آخذ وبك اعطى وبك أثيب وبك أعاقب وهذا تضمن انه هو المخصوص بذلك.

والجواب : لا منافاة في ان يكون العقل مكلفا بتكليف خاص ويكون هو للمكلفين دليلا على التكليف ومناطا له وكل من الفريقين يؤمر وينهى ويعاقب ويثاب ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) فليس المراد ان العقل يثاب ويعاقب بفعل صاحبه قطعا ولعل الكليني قدس‌سره لاحظ إيراد ما يدل على التكليف العقل نفسه أولا ثم ما يدل على انه شرط التكليف ثانيا.

وبالجملة فلا معارضة بين الأحاديث هنا ولا منافاة وعلى تقدير الإضمار في الحديث المذكور وأمثاله يتحد مضمون الأحاديث لكنه تقدير لا ضرورة إليه لاستقامة المعنى بدونه.

وعاشرها :

وحادي عشرها : ان العقل إذا كان من المجردات كما قيل فلا يتصور تعلق الثواب والعقاب به وان جعل متشكلا بشكل ليمكن تعلق الثواب والعقاب فذلك الشكل لا يستحق ثوابا ولا عقابا.

والجواب : ان الله قادر على أن يوصل اليه ثوابا وعقابا بما يناسبه بل قد وقع ذلك بالفعل كما دل عليه حديث جنود العقل والجهل فإنه ظاهر واضح في ذلك ولم يثبت تجرد العقل.

وثاني عشرها : ان الله سبحانه كان عالما بطاعة العقل فلا وجه للأمر.

والجواب : انه تعالى عالم بطاعة كل مطيع ومعصية كل عاص ومع ذلك يحسن التكليف إظهارا للطاعة ، أو المعصية ليستحق صاحبها الثواب أو العقاب ولعله من قبيل قوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) وإن كان يؤمن منه الشرك ليكون

٤٧

أبلغ في الأمر للغير بالطاعة وفي الزجر عن المعصية وحيث ان العقل بهذه الطاعة اليسيرة حصل له الثواب بهذا الشرف العظيم والجهل على قياس ذلك مع انه لو لا هذه المعصية لكان بمنزلة العقل ففي ذلك من التنبيه والموعظة ما لا يخفى وقد استدل بعض المحققين من المعاصرين بحديث العقل والجهل على وجوب العمل بالنص. وعدم جواز العمل بخلافه أصلا.

وهو استدلال حسن عند التأمل لكن لا حاجة إليه لكثرة الأدلة والنصوص الصريحة والله أعلم بحقائق أحكامه ودقائق كلامه.

٤٨

فائدة (١٣)

في تأويل حديث سأل عنه بعض الطلبة وذكر انه وجده في بعض الكتب ولفظه : من عرف الحق لم يعبد الحق (١)

أقول : مثل هذا لا ضرورة بنا الى النظر في تأويله وتوجه الفكر الى توجيهه إذ لم يصح له سند ولا يثبت في كتاب معتمد مع أنه مخالف لصريح العقل معارض بصحيح النقل بل يقتضي بطلان ضروريات الدين ويضادّ الكتاب والسنة وإجماع المسلمين فيحتاج إلى إثبات صحته أولا ثم النظر من صرفه عن ظاهره ثانيا فإنه غير صحيح على قاعدة الأصوليين ولا الاخبار بين ، ويقرب الى الاعتبار انه من كلام بعض الصوفية الذين نقل عنهم القول بسقوط العبادات عمن وصل الى مرتبة الكشف والوصول وبعد التنزل وتسليمه يجب تأويله لما مر وذلك ممكن من وجوه اثنى عشر.

أحدها : ان يكون المراد بالعبادة الجحود والإنكار فإنه أحد معانيها اللغوية صرح به في القاموس وغيره وذكروا ان الفعل منه كفرح وعليه حمل قوله ( إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) (٢) في بعض الوجوه فيكون المعنى والله اعلم من عرف

__________________

(١) رواه أيضا السيد عبد الله الشبر ره في مصابيح الأنوار عن المؤلف ره واخرج الوجوه التي ذكره المصنف ره هنا راجع الجزء الأول ص ٤٣٢.

(٢) الزخرف ـ ٨١

٤٩

الحق معرفة صحيحة ثابتة لم يجحده ولم ينكره بعد معرفته ويكون إشارة الى أن من جحد الحق لم يكن معرفته السابقة صحيحة كما ذهب اليه المرتضى وجماعة من العلماء ودل عليه بعض النصوص المعتمدة وعلى هذا الوجه يحتمل كون الجملة الخبرية هنا مرادا بها النهى كقوله عليه‌السلام لا ضرار على وجه.

وثانيها : أن يكون يعبّد مشدّد الباء من عبده بالتشديد أى ذلله ومنه طريق معبد إذ لم يثبت ضبط هذه اللفظة بالتخفيف اى من عرف الحق لم يذلله ببذله لغير أهله أو بترك التقية به أو بالإهانة له والاستخفاف به أو بفعل المعاصي والمحرمات الموجبة لنقص الايمان ويكون المراد بالحق الثابت من حق يحق إذا ثبت ولا يكون اسما من أسمائه تعالى مع احتمال التوجيه مع كونه من أسمائه تعالى أيضا على بعض الوجوه وعلى هذا اما ان يراد المعرفة التامة أو مطلق المعرفة مع كون الجملة في معنى النهى كما سبق.

وثالثها : أن يراد بالحق الثابت كما ذكر ويخص بغيره تعالى حيث ان كنه ذاته تعالى لا يعرف وانما تتعلق المعرفة بصفاته تعالى وأسمائه وأفعاله وأنبيائه وحججه ونحوها مما لا يجوز عبادته فمن عرفه علم انه غير مستحق للعبادة فلم يعبده ومن عبده لم يكن عرف الله ولا عبده.

ورابعها : أن يكون المراد من عرف الحق أي حق المعرفة وأقواها اعنى الضرورية الحاصلة يوم القيمة وهناك يسقط التكاليف قطعا فيخصص بذلك لضرورة الجمع بينه وبين الضروريات ولا يخفى ان هذا ليس ببعيد ، وما نقل من الصوفية من حصول هذه المعرفة في الدنيا لبعضهم مردود إذ هي دعوى بلا دليل بل الدليل قائم على فسادها وترتب المفاسد عليها ولو سلمنا فالدليل قائم على عدم سقوط التكاليف في الدنيا وان حصلت وقد أفردنا ذلك مع أمثاله في محل آخر.

وخامسها : ان من عرف الله حق المعرفة أي غاية ما يمكن منها في الدنيا لم يعبده حق العبادة فكيف من دونه في الرتبة والمعرفة فيجب الاعتراف بالتقصير في

٥٠

عبادته تعالى من كل أحد وله شواهد ليس هذا محل إيرادها وهذا الوجه قريب ويزيده قربا ما هو معلوم من ان كل من زادت معرفته بالله زاد خوفه منه ورجاؤه له وعبادته إياه البتة كما ان من عرف الأسد أو الملك أو نحوهما كذلك وله شواهد كثيرة من الكتاب والسنة كقوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) وقوله عليه‌السلام : من عرف الله وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنا نفسه بالصيام والقيام (١) الى غير ذلك مما هو كثير وفيه ردّ على الصوفية في هذا المقام كما لا يخفى.

وسادسها : ان يكون المراد كل من عرف الله لم يعبده حق العبادة فيبقى العام على عمومه وبين هذا الوجه والذي قبله فرق ظاهر وهذا أيضا قريب.

وسابعها : ان يكون من اسم استفهام والاستفهام إنكاريا فيصير المعنى اىّ شخص عرف الحق ولم يعبد الحق ويكون الحق من أسمائه تعالى في الموضعين اى ولم يعبد مسمى هذا الاسم وحذف الواو هنا غير ضائر وان كان إثباته أكثر ونظير هذا التركيب قول المتنبي : أي يوم سررتني بوصال. لم ترعني ثلاثة بصدود (٢) وهذا أيضا وجه قريب وفيه إشارة الى ان من ترك العبادة مع معرفته فهو خارج عن حقيقة المعرفة المطلوبة منه أو عن كمالها أو كأنه لم يعرف لعدم عمله بمقتضاها والاستفهام الإنكاري يقتضي نفى متعلقة والكلام هنا مقيد ويجب رجوع النفي في مثله الى القيد وهو منفي فيلزم إثباته لأن نفى النفي إثبات فالمعنى كل من عرف الحق وعمل بمقتضى المعرفة عبد الحق.

وثامنها : أن يكون من اسما موصولا عبارة عن الله سبحانه فإنه هو الذي عرف حقائق الأشياء كلها على ما هي عليه دون غيره فان معرفته مشوبة بالجهل فيكون حاصل المعنى ان الذي عرف حقائق الأشياء كلها هو الخالق المعبود لا المخلوق العابد.

__________________

(١) أخرجه في الوسائل ج ١ في باب تأكد استحباب الجد والاجتهاد في العبادة ح ١٢

(٢) راجع ديوان المتنى ص ٢٠ صادر بيروت

٥١

ولا يرد عليه ان العارف لم يعهد إطلاقه على الله تعالى وأسماؤه توقيفية.

لأنا نجيب أولا : بان ذلك مسموع في كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة.

وثانيا : بجواز إطلاقه على وجه المجاز على ما ذكر بعض العلماء.

وثالثا : انه يجوز كونه أطلق عليه تعالى باعتبار العموم في لفظ من وان المراد به خاصا.

ورابعا : انه لا يلزم استعمال العارف بل استعمال الفعل وله نظائر.

وخامسا : ان هذا على تقدير كونه حديثا يفيد الجواز ويصير مسموعا مع عدم تمام غير هذا من وجوه التوجيه وان تم غيره استغنى عنه.

وتاسعها : ان يكون من اسما موصولا كذلك ويعبد مبنيا للمفعول إذ لم يثبت بناؤه للفاعل ويكون المعنى ان الله سبحانه الذي علم الحقائق كلها لم يعبده أحد حق عبادته.

وعاشرها : ان يكون من شرطية والحق الأول من أسمائه تعالى ويعبد مبنيا للمجهول والمعنى ان من عرف الله سبحانه بأنه ربه لم يعبده اى ذلك العارف أحد حقا أو بالحق لامتناع كونه ربا مربوبا وإلها مألوها فأل زائدة في الحق الثاني أو عوض عن المضاف اليه كما في نظائره فيكون حكما ببطلان قول الغلاة.

وحاديعشرها : ان يكون المراد بالحق الواجب ويعبد مشددا اى بذلك فيكون المعنى ان من عرف الواجب للمؤمنين لم يذلل ذلك الحق الواجب بتركه وعدم القيام به ولم يذلل صاحبه باهانته والتقصير في حقه على الإضمار والمجاز العقلي.

وثاني عشرها : ان يكون عرف بالتشديد إذ لم يتحقق ضبطه بالتخفيف ويعبد مشددا أو مبنيا للمفعول وعلى هذا يستقيم جملة من الوجوه السابقة غير ما ذكرناه ولا يخفى تقريرها على أهل الاعتبار والله أعلم.

٥٢

فائدة (١٤)

في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ ) فاطمة عليما السّلام ( فِيها مِصْباحٌ ) الحسن عليه‌السلام ( الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ) الحسين عليه‌السلام ( الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) فاطمة عليها‌السلام كوكب دري بين نساء أهل الدنيا (١).

أقول : في تفسير على بن إبراهيم أورد الحديث المذكور الا انه قال : المصباح الحسين في زجاجة إلخ وظاهر ان الحديث صريح في تفسير المشكوة بفاطمة والمصباح الأول بالحسن والنظر فيه هنا باعتبار الاشتمال منها عليه بالأمومة والحمل ونحوهما وقوله : المصباح في زجاجة الحسين المتبادر منه الى الفهم انه تفسير للزجاجة بالحسين لا للمصباح الثاني به كما في تفسير على بن إبراهيم وذلك بناء على القاعدة المقررة ان النكرة إذا أعيدت معرفة فالمراد بالثاني هو الأول كما في قوله تعالى : ( كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ) ونظائره والا لبقي الكلام غير مرتبط بما قبله ، فالمراد بالمصباح الثاني الحسن أيضا ويحتاج في توجيه الظرفية إلى وجه لعدم ظهورها بالنسبة إلى الظرفية الاولى.

ووجهها قريب وهو تقدير مضاف أي امامة الحسن مستقرة في الحسين وأولاده لا في الحسن وأولاده ويكون المراد بالزجاجة الثانية الحسين أيضا و

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٩٥ ح ٥

٥٣

بالكوكب الدري فاطمة كما هو مصرح به ويكون التشبيه للحسين بفاطمة اما في الصورة أو الفضل والكمال وهذا الوجه لا قصور فيه ولا مخالفة للظاهر بل الذي يظهر انه أقرب ولا ينافيه ما في التفسير لاختلاف الروايتين كما في نظائره.

ولعل ما في رواية الكليني أصح فان الوثوق بضبط نسخ الكافي أعظم وثبوت تواترها إجمالا والاعتبار بتصحيحه تفصيلا أوضح وبخصوص هذا نقول لا بعد في ان يراد معنيان فصاعدا من آية واحدة كما هو مروي مأثور مصرح به في عدة أحاديث.

ويحتمل ان تحمل رواية الكليني على ما يطابق رواية على بن إبراهيم بأن يكون الحسين تفسيرا للمصباح الثاني وفاطمة تفسيرا للزجاجة الثانية بل والأولى أيضا بمقتضى القاعدة المشار إليها وهذا الوجه يقربه حصول الجمع بين الحديثين وزوال الاختلاف عنهما ويبعده مخالفة القاعدة في المصباح لكن لا محذور في مخالفتها من حيث انها أغلبية كأكثر قواعد العربية ويظهر هذا من المعنى وغيره ولكن فيه أيضا اختلاف المصباحين معنى من غير قرينة ، والفصل بين المفسر اعنى المصباح والزجاجة والمفسر اعنى الحسين وفاطمة عليهما‌السلام وإيهام خلاف المقصود ولان الظاهر المتبادر ما قدمناه وعود التفسير إلى الأبعد مع إمكان عوده إلى الأقرب وترك التشبيه بالكلية في قوله فاطمة كركب فلو كانت تفسيرا للزجاجة تعين التصريح بالتشبيه وإمكان جعله تشبيها بليغا يقتضي صيرورة التفسير أخفى من المفسر فهذه ستة وجوه تقوى الاحتمال الأول وتضعف الثاني والله أعلم.

٥٤

فائدة (١٥)

في معنى حديث ما أكل رسول الله (ص) متكئا قط (١) قال صاحب القاموس في وكأن قوله (ع) أما انا فلا آكل متكئا اى جالسا جلوس المتمكن والمتربع ونحوه من الهيئات المستدعية لكثرة الأكل بل كان جلوسه للأكل مستوفزا (٢) مقعيا غير متربع ولا متمكن وليس المراد الميل على شق كما يظنه عوام الطلبة انتهى.

وقال صاحب النهاية فيه : لا آكل متكئا المتكى في العربية كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا ، والعامة لا تعرف المتكى الا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه والتاء فيه بدل من الواو أصله من الوكاء وهو ما يشد به الكيس وغيره كأنه أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطأ الذي تحته.

ومعنى الحديث انى إذا أكلت لم اقعد متمكنا فعل من يريد الإكثار منه ولكن آكل بلغة فيكون قعودي له مستوفزا ، ومن حمل الاتكاء على الميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب فإنه لا ينحدر على مجاري الطعام سهلا ولا يسقيه هنيئا وربما تأذى به انتهى.

قال بعض فضلاء المعاصرين : ما ذكره صاحب النهاية وصاحب القاموس مخالف لما ذكره الأئمة عليهم‌السلام في أحاديثهم كما رواه محمد بن يعقوب الكليني عن أبي

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٧٢ ح ٩

(٢) استوفز في قعدته : انتصب فيها غير مطمئن أو وضع ركبتيه ورفع اليتيه أو استقل على رجليه. ق

٥٥

خديجة قال : سأل البشير الدهان أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل متكئا على يمينه ولا على يساره فقال : ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل متكئا على يمينه ولا على يساره ولكن كان يجلس جلسة العبد.

قلت : ولم ذاك؟ قال تواضعا لله عزوجل (١). فهذا صريح في ان المراد بالاتكاء الميل على أحد الشقين اليمين واليسار فليس من ظنه من عوام الطلبة بل من خواصها وأيضا ما ذكره صاحب النهاية بأن من حمل الاتكاء على هذا المعنى تأوله على مذهب الطب غير سديد فان الصادق عليه‌السلام علل تركه بالتواضع لله والخضوع له كما هو دأب العبيد لا كما هو شأن الملوك والمتكبرين انتهى

وأقول : لا يخفى انه لا منافاة بين كلام أهل اللغة وبين كلام الصادق عليه‌السلام لأنهم إنما فسروا الاتكاء المطلق وكلام الامام عليه‌السلام جاء على مطابقة سؤال السائل والاتكاء في السؤال والجواب مقيد بكونه على اليمين أو اليسار ولا يلزم كون الاتكاء المقيد بمعنى المطلق ولا العكس كما هو واضح بل لا يبعد ان يكون في ذكر القيد اشعار بالاحتياج اليه فيكون المطلق معنى آخر والا لكان القيد مستغنى عنه وهو بعيد لذكره في السؤال والجواب.

ثم ان صاحب النهاية قد جوز الحمل على المعنى المفهوم من الحديث وبالجملة فالحديث المنقول وحده لا ينافي ذلك التفسير ولا يبعد ان يكون عليه‌السلام كان يترك الاتكاء بالمعنيين ولا يأتي بواحد من القسمين لا المطلق ولا المقيد وكذا لا منافاة بين التعليلين لأن الأول لعدم التمكن والثاني لجلوسه جلسة العبد ولم يتحقق تساويهما ولا تلازمهما ولو سلم فلا مانع من صحة التعليلين معا إذ اجتماعهما هنا ممكن بل كل فعل من أفعاله عليه‌السلام كان له أسباب متعددة وفوائد كثيرة في الدنيا والدين غير ان المصلحة للمكلفين في إظهار العلة المذكورة في الحديث كما لا يخفى والله تعالى أعلم.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٧١ ح ٧

٥٦

فائدة (١٦)

في شرح اللمعة : كل طواف ركن يبطل النسك بتركه عمدا الا طواف النساء الى قوله ويتحقق البطلان بخروج ذي الحجة قبله ان كان طواف الحج مطلقا وفي عمرة التمتع بضيق وقت الوقوف الا عن التلبس بالحج قبله (١).

أقول : تقرير معنى العبارة انه يتحقق بطلان العمرة المتمتع بها بسبب ترك الطواف إذا ضاق وقت وقوف عرفة عن كل شي‌ء إلا عن التلبس بالحج قبل الوقوف أي إذا لم يبق الوقوف الا مقدار ما يتلبس فيه بالحج ثم يدرك الوقوف بعده بلا فصل سوى قطع الطريق فحينئذ يحكم ببطلان العمرة لتعمد ترك ركن منها حتى فات وقته ويجب عليه التلبس بالحج وتحرير المقام ان هنا صورا.

الاولى : ان يبقى من الوقت ما يسع الطواف والتلبس.

الثانية : ان يسع الطواف والسعي معه.

الثالثة : ان يسع الطواف والسعي والتقصير معه.

الرابعة : ان يسع أحد الأمرين الأولين معه.

الخامسة : ان يسع الأمور أحد الصور الثلاثة معه.

السادسة : أن يسع بعض واحد من الثلاثة معه ولهذه الصورة صور لا تخفى.

السابعة : ان يقصر عن كل واحد من الأمور الأربعة.

الثامنة : أن يقصر عنها جميعا وعن الوقوف فهذه ثمان صور بعضها فرض

__________________

(١) كتاب الحج ج ١ ص ٢٣٨

٥٧

فيه زيادة الضيق وبعضها فرض فيه نقصانه بالنسبة إلى صورة تحقق بطلان العمرة ولا ريب ان في الخمس الأول لا يتحقق بطلانها بسبب ترك الطواف بل يجب عليه الإتيان به لإمكانه وركنيته وتوقف صحة النسك عليه ثم ليشرع ( يشرع ـ خ ل ) في الحج ان لم يكن ترك ركنا آخر أو كان قد تركه وأمكن تداركه فيتلبّس بعد التدارك أو تبطل العمرة لكن بسبب آخر غير ترك الطواف فتبين عدم تحقق البطلان بل تبين تحقق عدمه في هذه الصور وظهر صحة عبارة الشارح.

واما السادسة : فلم يعتبرها لأنها لا تفيد صحة العمرة حيث ان الإتيان ببعض الركن مع ترك بعضه عمدا أو جهلا كما هو المفروض يوجب بطلان الركن فيلزم بطلان النسك الذي هو ركن فيه وشرط في صحته فلا يلتفت الى هذه الصورة بل ينبغي جعلها داخلة فيما ذكره المصنف بان يعتبر الحصر إضافيا بالنسبة إلى مجموع الطواف والقرينة واضحة لأن سياق الكلام يقتضي ذلك والبحث انما هو عن الطواف وإدراكه لا في حكم إدراك أبعاضه مضافا الى ما هو مقرر معلوم مما ذكرناه وغيره مع رعاية الاختصار والإيجاز.

واما السابعة : فداخلة فيما ذكره والعدول الى حج الإفراد لا يحتاج الى زمان يستلزم فوت الوقوف أو غيره بل هو مجرد قصد قلبي.

واما الثامنة : فلها صور منها : مالا يستلزم فوت الحج بان يدرك الاضطراري أو المشعر على الوجه المقرر ومنها : ما لا يستلزمه لكن لا قصور في عدم تناول العبارة له لان الكلام في بطلان العمرة خاصة بترك الطواف لا مع فوت الحج بل هو أمر آخر خارج عن موضوع البحث.

إذا عرفت ذلك فقد ظهر انه لا يعتبر في بطلان العمرة في هذه المسئلة أقل مما ذكره ولا أكثر مما اعتبره فتعين الاقتصار على ما قرره ولهذا عبر بهذه العبارة جماعة من المحققين كالشيخ في شرح القواعد والسيد محمد في المدارك وغيرهما.

وقد ذكر السائل وجها بعيدا فقال : يفهم من هذه العبارة ان المراد ضيق

٥٨

الزمان عن التلبس بالإحرام من مكة للحج يكون غير ضائر ، لأن إدراك عرفات باق وهذا الضيق لا يمتنع [ لا يمنع ـ خ ] من ادراك الطواف للعمرة فيطوف ويحرم بالحج من حيث أمكن ولو بعرفات فيكون حاصل الكلام استثناء هذا الضيق من السابق ويكون الاستثناء متصلا « انتهى ».

وقد أجبته أو لا بان التلبس في عبارته غير مقيد بكونه بمكة فلا يفهم من العبارة بل على تقدير تعينه فهو مفهوم من خارج وثانيا : انه قد تعارض هنا أمران الإتيان بواجب وهو الطواف وترك واجب وهو الإحرام فيحتاج الى الترجيح ولا ريب ان هنا صورة شرعية لا يستلزم أحدهما وهي العدول الى الإفراد وذلك منصوص هنا في مثل هذا الضيق ولما قلناه فقد اختار الشارح ذلك كما يفهم من عبارته وهذا الترك للإحرام عمد والدليل انما هو هنا [ دلها ـ خ ] على الفرق بين السهو والعمد لا بين الضيق والسعة بل لا ضرورة هنا لما مر وترك الإحرام هنا مستلزم لفساد الحج كما صرحوا به حيث ذكروا من شرائط صحة الحج التمتع الإحرام له من مكة وانه لو أحرم له من غير مكة بطل ولا يظهر منهم من فرق بين الضرورة والاختيار مع انه لا ضرورة كما عرفت والحاصل ان الوجه الذي ذكره السائل يقتضي اما إدخال الحج على العمرة عمدا ان لم يحل واما ترك الإحرام عمدا ان أحل وكلاهما غير جائز فلا وجه للاحتمال الذي ذكره ولا يمكن فهمه من العبارة بل هو نقيض معناها عند التأمل.

٥٩

فائدة (١٧)

في باب النذر من التهذيب حديث موضع الاشكال منه هذا سأله رجل جعل عليه أيمانا ان يمشي إلى الكعبة أو صدقة أو نذرا أو هديا ان هو كلم أباه أو امه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله فقال : لا يمين على معصية الله الحديث (١).

أقول : هذا يحتمل وجوها. أحدها : ما وجهه به بعض الأصحاب حيث قال :سأله عن رجل جعل عليه أيمانا اى الزم على نفسه بالايمان أو لأجل الايمان ان يمشى إلى الكعبة أو صدقة أو نذرا أو هديا ان كلم اى ان شاجر ونازع أباه أو امه أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة اى ان قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح فعله.

فحاصل معناه انه ألزم على نفسه بالايمان التي هي اما مشى أو صدقة أو عتق مشاجرة أبيه أو امه أو أخيه أو قطع قرابة أو الإصرار على المأثم إلخ فقال لا يمين على معصية الله لان كل هذه الأفعال معصية وانما عد لنا من قراءة الكسر الى الفتح ومن معنى التكلم الى التشاجر والنزاع ليلايم قوله أو قطع قرابة ، وعلى قراءة الكسر فاليمين على قطع القرابة ليس بمعصية ولو قرئ قطع على لفظ المصدر المضاف عطفا على تفسير مضمون المذكور يعنى ترك كلام الأب يستقيم ولكن لا يخلو عن تغيير في نظم العبارة وجعل المعصية فعلين وتركين بخلاف ما ذكرناه فان كلها

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٣١١ ط الاخوندى

٦٠