الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

ان يثبتنا بالقول الثابت على ما هدانا له من الموالاة لأوليائه والتمسك بهم والأخذ عنهم « انتهى » (١).

وقال صاحب كتاب إلزام النواصب بامامة على بن أبي طالب عند ذكر مذاهب السنة وانهم أحدثوا أربعة مذاهب في زمن المنصور وعملوا فيها بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد والسبب في احداث هذه المذاهب ان الصادق عليه‌السلام اجتمع عليه أربعة آلاف راويا يأخذون عنه العلم وخاف المنصور ميل الناس اليه وأخذ الملك منه ، فأمر أبا حنيفة ومالكا باعتزال الصادق عليه‌السلام واحداث مذاهبه غير مذهبه فاعتزلا عن الصادق عليه‌السلام وأحدثا مذهبا غير مذهبه وعملا فيه بالرأي والاستحسان والقياس والاجتهاد ثم تابعهما الشافعي وأحمد بن حنبل واستقرت مذاهب السنة في الفروع على هذه الأربعة مذاهب وبقيت الشيعة الإمامية على المذهب الذي كان عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة والتابعون « انتهى ».

ثم قال عند ذكر مذاهب الشيعة الاثني عشرية وأما مذهبهم في الفروع فإنهم أخذوا الأحكام الشرعية عن النبي وعن الأئمة المعصومين (ع) ولم يقولوا (٢) بالرأي ولا بالاجتهاد وحرموا القول بالقياس والاستحسان « انتهى ».

وذكر ابن ابى الحديد في شرح نهج البلاغة ان الشيعة نقلوا عن على عليه‌السلام النهى عن الاجتهاد والرأي والظن وان الزيدية رووا عنه الرخصة في ذلك بالجملة فعدم جواز الاجتهاد في نفس الأحكام الشرعية وعدم جواز العمل بالاستنباطات الظنية كان معلوما من مذهب المتقدمين من الإمامية إلى زمان العلامة بل كان معلوما عند العامة انه من اعتقادات الشيعة وقد نقلوه عن أئمتهم (ع) لتواتر النص بذلك عنهم وقد صنف علماء الإمامية في ذلك كتبا كثيرة.

منها : كتاب النقض على عيسى بن أبان في الاجتهاد وذكره النجاشي في ترجمة إسماعيل بن على بن إسحاق بن ابى سهل بن نوبخت ومدحه مدحا جليلا

__________________

(١) راجع الغيبة ص ٤٣ ـ ٥٠ ط الغفاري

(٢) ولم يعولوا : خ ل

٣٤١

ومدحه غيره أيضا وذكره الشيخ وذكر الكتاب المذكور من مصنفاته.

ومنها : كتاب نقض اجتهاد الرأي على بن الراوندي ذكره الشيخ في ترجمة إسماعيل بن على المذكور نقلا من ابن النديم انه من مصنفات ابن نوبخت المذكور.

ومنها : كتاب الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الاجتهاد والقياس من مصنفات عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري ذكره النجاشي في ترجمته.

ومنها : كتاب الرد على من رد آثار الرسول واعتمد على تسامح العقول من مؤلفات هلال ابن إبراهيم ابن ابى الفتح المدني ذكره النجاشي ، ووثقه واثنى عليه.

ومنها : كتاب النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي من مؤلفات الشيخ المفيد ذكره النجاشي وغيره الى غير ذلك من الكتب المؤلفة في ذلك ومن تأمل مصنفات الشيعة وجد أمثال ذلك كثيرة.

واما الأحاديث في هذا المعنى فقد تجاوزت حد التواتر وقد جمعنا منها في موضع آخر أكثر من ألف حديث والله الموفق.

٣٤٢

فائدة (٧٧)

قد اشتهر في هذا الزمان في كثير من البلدان التسامح والتساهل في صلاة الجنازة وتغسيله ودفنه بغير إذن ولي الميت وامره وهذه العادة القبيحة المنكرة الظاهر ان أصلها وسببها الجهل بشرطية الاذن ثم ساعدها حب الرئاسة وجريان العادة وعدم المبالاة بالدين حتى صاروا ينكرون على من يتوقف الى أن يأذن له الولي بل كثيرا ما يأذن الولي لشخص معين فيسابقونه ويزاحمونه ويتقدمون عليه وكثيرا ما يوصى الميت بأن يصلى عليه فلان ويأذن له الولي ويتقدمون عليه ويخالفون الولي والميت الموصى ولما كان ذلك منكرا مخالفا للشرع وجب علينا إنكاره وبيانه عسى ان ينتبه الغافل ويتعلم الجاهل ويتفكر العاقل كيف سعت شياطين الانس والجن في إخفاء الحق وترويج الباطل.

ولنذكر أحاديث الأئمة عليهم‌السلام في ذلك ليظهر للناظر مخالفة هذه العادة الفاسدة للنص وعدم جواز العمل بها والاغترار بمثلها من المشهورات التي لا أصل لها.

فنقول : روى الكليني والشيخ بإسنادهما عن ابى عبد الله (ع) يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب (١).

وروى الكليني بإسناده عن ابى عبد الله (ع) قال يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ١٧٧

(٢) الكافي ص ١٧٧.

٣٤٣

وروى الشيخ والكليني بإسنادهما عن ابى عبد الله (ع) قال : إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها (١).

وروى الشيخ بإسناده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدمه ولى الميت والا فهو غاصب (٢).

وروى الكليني بإسناده عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه سئل عن المرية تموت من أحق ان يصلى عليها قال الزوج فقيل : الزوج أحق من الأب والأخ والولد قال نعم (٣).

وروى الكليني والصدوق والشيخ بأسانيدهم عن ابى عبد الله (ع) انه سئل عن المرءة تموت من أحق بالصلاة عليها قال : زوجها فقيل الزوج أحق من الأب والولد والأخ قال نعم ويغسلها (٤).

وروى الكليني والشيخ بإسنادهما عن ابى عبد الله (ع) قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها (٥).

وروى الشيخ بإسناده عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها (٦).

وروى الكليني والشيخ بإسنادهما عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان الأخ أولى من الزوج (٧) وحمله على التقية.

__________________

(١) الكافي ص ١٧٧.

(٢) الوسائل ج ١ ط القديمة ص ١٥٢ التهذيب ج ٣ ص ٢٠٦.

(٣) الكافي ج ٣ ص ١٧٧

(٤) الكافي ج ٣ ص ١٧٧ الفقيه ج ١ ص ١٦٥ التهذيب ج ٣ ص ٢٠٥

(٥) أورده في الوسائل عن الكافي ج ١ ص ١٥٣

(٦) أورده في الوسائل أيضا ص ١٥٣ مقطوعا

(٧) أورده في الوافي ج ٣ ص ٦٤

٣٤٤

وروى الشيخ والصدوق بإسنادهما عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان عليا عليه‌السلام قال يغسل الميت أولى الناس به أو من يأمره الولي (١).

وروى الكليني والشيخ بإسنادهما عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه سئل عن القبر كم يدخله قال ذاك إلى الولي ان شاء ادخل وترا وان شاء شفعا (٢).

وروى الكليني والشيخ بإسنادهما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : مضت السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان المرأة لا يدخل قبرها الا من كان يراها في حياتها (٣).

وروى الكليني والصدوق والشيخ بأسانيدهم عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث الثقلين قال : إذا أفرد الميت في قبره فليستخلف عنده اولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثم ينادى بأعلى صوته الحديث (٤).

وفي معنى هذه الأحاديث الشريفة أحاديث أخر.

أقول : لا يخفى صراحة الأحاديث في الحكم المذكور ولذلك لم يختلف علماؤنا فيه ولا هم لم يجدوا معارضا والله اعلم ولا حاجة الى نقل عبارات علماؤنا لسهولة الرجوع إليها.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ١٤١

(٢) الكافي ج ٣ ص ١٩٣

(٣) الكافي أيضا ص ١٩٤ ج ٣

(٤) الفقيه ج ١ ص ١٧٣

٣٤٥

فائدة (٧٨)

روى السيد الرضى في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه سئل عن أشعر الشعراء فقال : ان القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها فان كان ولا بد فالملك الضليل يعنى (١) امرء القيس (٢).

أقول : ظاهر هذا الحديث الشريف ان امرء القيس أشعر الشعراء مع ان أكثر العلماء يرجحون شعر غيره على شعره في الحسن والجودة وجمع المحاسن

__________________

(١) وفي النسخة المخطوطة الثمينة التي بلغت المقابلة بنسخة السيد الامام الرضى قدس‌سره « الموجودة في مكتبة صديقنا العلامة اللاجوردي » « يريد » مكان « يعنى ».

(٢) نهج البلاغة فيض الإسلام ص ١٢٨٥ خ ٤٤٧. قوله عليه‌السلام : لم يجروا في حلبة اي لم يسوقوا أفراسهم ونفوسهم ، اى لم تكن لهم طريقة واحدة.

الحلبة : الخيل تجتمع للسباق. وقصبة الغاية وهي القصبة التي يحوزها السابق إلى الغاية فيعرف بحوزه إياها أنه سابق. وفي المثل قد حاز قصب السبق قيل : ان العرب تضع القصب في آخر الميدان الذي يسابق الخيل فيها للرهان فمن سبق فرسه كانت تلك القصبة في يده فلا حاجة مع ذلك الى شاهدي عدل وانما سمى امرء القيس ضليلا وهو بناء المبالغة لأنه مثل عن أمر عظيم وهو ملك أبيه بسبب قيله للشعر.

٣٤٦

واللطائف وغير ذلك ويظهر في شعره عيوب كثيرة وأبيات ردية ومعان سخيفة ومطالب غير تامة وكثير من شعراء الإسلام وغيرهم أحسن شعرا منه بحسب الظاهر وأمتن لفظا ومعنى واجمع للمحاسن.

والجواب : من وجوه الأول : انه يمكن كونه على ظاهره وعمومه وإطلاقه ويكون أشعر الشعراء كلهم السابقين واللاحقين ويكون في شعره محاسن ذاتية لا يدركها فهم كل أحد أو يكون الجيد من شعره الذي لا يدانيه شعر شاعر في الحسن لم يصل الى هذا الزمان ويكون أشعر الشعراء بمعنى أحسنهم شعرا.

الثاني : ان يكون أشعر الشعراء بمعنى أكثرهم شعرا وان لم يكن شعره أحسن من شعر غيره ، ولا ينافي ذلك قلة شعره الموجود لاحتمال اندراسه لطول العهد.

الثالث : ان يكون أشعر الشعراء بمعنى أقدرهم على نظم الشعر وان لم يكن أحسن شعرا ولا أكثر لان من كان أقدر على فعل من الأفعال لا يلزم كثرة إتيانه به ويمكن اجتماع هذا الوجه مع سابقه بل سابقيه.

الرابع : ان يكون أشعر الشعراء أى أحسنهم شعرا الى زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام فيكون أشعر المتقدمين على ذلك الوقت لا المتأخرين عنه وهذا مستقيم على التقدير الثاني والثالث أيضا.

ويؤيده ما رواه الطوسي في الأمالي في الحديث ان المتوكل سأل على بن محمد (ع) عن أشعر الشعراء فقال. فلان بن فلان العلوي (١).

ويؤيده أيضا ما رواه الكشي عن الصادق (ع) انه قال للسيد إسماعيل بن محمد الحميري أنت سيد الشعراء.

فقال الحميري : ولقد عجبت لقائل لي مرة. وعلامة فهم من الفقهاء

__________________

(١) الأمالي ج ١ ـ ص ٢٩٣

٣٤٧

سماك قومك سيدا صدقوا به

أنت المهذب سيد الشعراء(١)

لكن ينافيه ما رواه السيد الرضي أيضا في كتاب المجازات النبوية عنه (ع) انه قال في امرء القيس يجي‌ء يوم القيمة يحمل لواء الشعراء الى النار (٢).

قال الرضى المراد : النهى عن ان يكون حفظ الشعر أغلب على قلب الإنسان فيشغله عن القرآن وعلوم الدين « انتهى » ومراده الجمع بينه وبين ما روى في جواز نظم الشعر وإنشاده والرخصة فيه وكراهة إنشاده في مواضع خاصة ورواية الأئمة عليهم‌السلام له وانشادهم إياه وانما ورد النهى عن الإكثار من إنشاده والإفراط فيه ويأتي احتمال آخر بحديث اللواء.

الخامس : ان الحديث غير صريح في ان امرء القيس أشعر الشعراء بل يظهر منه عليه‌السلام توقف في الحكم بذلك لأنه قال ان القوم إلخ إشارة الى ان ذلك ليس بأمر محسوس كالحلبة التي ينتهي إلى الفقه وكلاهما محسوسان محصوران يعرف السابق بهما ولا يشتبه بغيره بل حسن الشعر أمر عقلي معنوي غير محسوس بل يختلف باختلاف الانظار والطباع بل كثيرا ما يتفق فيه عموم وخصوص من وجه بأن يكون جماعة من الشعراء كل واحد منهم أحسن شعرا من الأخر في فن خاص أو جماعة يكون بعض أبيات كل واحد منهم حسن من بعض أبيات الباقين أو ـ من أكثرها.

ولذلك قال عليه‌السلام وان كان ولا بد فالملك الضليل بمعنى ان كان ولا بد من تعيين شاعر يمكن ان يكون أشعر الشعراء أو يكون داخلا في جماعة هم أشعر الشعراء فالملك الضليل ولا ينافيه حمل اللواء يوم القيمة لأن حامل اللواء قد لا يكون أفضل أهل العسكر فان الأمير أفضل منه.

السادس : ان يكون المراد أشعر الشعراء المذمومين اى أحقهم بالذم المذكور

__________________

(١) رجال الكشي ص ٢٨٨

(٢) المجازات النبوية ص ١٥١

٣٤٨

في قوله تعالى :

( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) (١).

يعنى امرء القيس رئيس أرباب معاني الشعرية السخيفة الذميمة أو انه أكثر منها وأفرط فيها.

ويؤيد هذه التوجيه لفظ الضليل حيث انه مشتق من الضلال أو من ظل فيكون في القسم المذموم اعنى المستثنى منه لا في القسم الممدوح اعنى المستثنى ويؤيده حديث اللواء وذكر النار فيه.

السابع : ان يكون المراد انه لفرط شجاعته وكرمه وعلو همته كانت معانيه أبلغ ومطالبه في شعره أعظم كما يظهر من كلام بعض الأكابر والملوك وأرباب الهمم العالية بالنسبة إلى كلام من دونهم من الأراذل والرعية وان كان لم يظهر من ذلك في شعره الا القليل فإن أكثر شعره اندرس وقد اشتهر من كلام العلماء قولهم كلام الملوك ملوك الكلام ، ويؤيد هذا الوجه قوله : الملك الضليل والله اعلم.

__________________

(١) الشعراء ـ ٢٢٧

٣٤٩

فائدة (٧٩)

قد تجدد في هذا الزمان من بعض المائلين إلى العمل بالأدلة العقلية الظنية الاستدلال على ذلك بما ورد في الحديث من قولهم عليهم‌السلام صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله (١).

وقولهم (ع) العقل دليل المؤمن (٢).

وقولهم (ع) الحجة على الناس اليوم العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه (٣).

وقولهم (ع) ان لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فالحجة الظاهرة الأنبياء والرسل والحجة الباطنة العقل (٤) ولم يكن هذا الاستدلال معهودا في كتب الأصول.

والجواب عن ذلك من وجوه :

الأول انهم : يعتقدون ان خبر الواحد لا يجوز الاستدلال به في الأصول فكيف استدلوا به هنا على هذا المطلب الجليل وهو خلاف طريقتهم.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١١

(٢) الكافي ج ١ ص ٢٥

(٣) الكافي ج ١ ص ٢٥

(٤) الكافي ج ١ ص ١٦

٣٥٠

الثاني : ان سندها ظني عندهم ودلالتها على هذا المطلب ظنية والاستدلال بمثلها في الأصول غير جائز للنهى عن العمل بالظن.

الثالث : انه استدلال لظني على ظني وهو دوري.

الرابع : ان هذه الاخبار معارضة بما هو أقوى منها سندا ودلالة بل معارضاتها متواترة مشتملة على النص العام والخاص.

الخامس : انها غير موافقة للقرآن للنهى عنه فيه عن العمل بالظن وغير ذلك من الآيات المعارضة وقد ورد الأمر بالعرض على القرآن عند التعارض والعمل بما وافقه وترك ما خالفه.

السادس : انها موافقة لطريقة العامة ومعارضاتها غير موافقة لهم فتعين العمل بها للنص المتواتر بذلك فيحمل هذه على التقية لو كانت صريحة فيما ادعى.

السابع : انها مخالفة للاحتياط ومعارضاتها موافقة له وهو من جملة المرجحات القوية المنصوصة فتعين تركها والعمل بمعارضاتها.

الثامن : انها بالنسبة الى هذا المطلب غير صريحة بل هي محتملة للاحتمالات الكثيرة التي يأتي بعضها وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

التاسع : انها : كثيرة الاحتمالات كما عرفت فتكون متشابهة فلا يجوز العمل بها لقوله تعالى ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ) (١) وغير ذلك من الآيات والروايات وهذا بديهي.

العاشر : ان هذه الاخبار انما تدل على حجية المقدمات العقلية التي تتوقف عليها حجية المقدمات النقلية ونحوها لا مطلقا لقولهم عليهم‌السلام به يعرف الصادق على الله فيصدقه ولما هو ظاهر من سياق المقام والتصريحات الواقعة في غيرها ولا شك ان الاستدلال على حجية الدليل السمعي بالدليل السمعي دوري إلا مع تخالف بين

__________________

(١) آل عمران ـ ٧ ـ

٣٥١

الدليلين والمدلول كالنص على امام الدال على حجية قوله ونحو ذلك وهذا المعنى غير متحققة هنا وليس في الاخبار المذكورة تصريح بدخول ما زاد عن هذا القدر على انهم استدلوا بدليل العقلي على حجية الدليل السمعي ثم حاولوا الاستدلال بدليل السمعي على حجية الدليل العقلي فوقعوا في الدور.

الحادي عشر : بعد التنزل عن جميع ذلك نقول انها غير صريحة في حجية الدليل العقلي الظني قطعا ولا ظاهرة في العموم بالنسبة إليه فلا يجوز الاستدلال بها عليه ولو سلمنا عمومها فان المخصص لها موجود وهو الآيات الكثيرة والروايات المتواترة في النهي عن العمل بالظن فاذا خصت بالدليل العقلي القطعي لم يبق لها فائدة لأن هذا القسم غير موجود في الفروع قطعا وعلى تقدير وجوده في غيرها مثل بطلان تكليف ما لا يطاق ونحو ذلك فهو مسلم لكن هناك دليل نقلي متواتر قطعا والاستقراء شاهد بذالك

الثاني عشر : ان نقول العقل يستعمل بمعان كثيرة : جدا وفي الأحاديث استعمل بثلاثة معان :

الأول : العلم المقابل للظن :

الثاني : الطبيعة الإنسانية التي تميز الخير من الشر.

الثالث : العمل بمقتضاها اعنى ترجيح الخير عن الشر والإتيان بالخير وترك الشر ومقابلته بالجهل لا بالجنون في هذه الاخبار وسائر أخبار مدح العقل دليل واضح على ان المراد به العقل المقابل للجهل اعنى لا المقابل للجنون وهو من التعقل وقد أطلق الجهل على الظن في الاخبار ولم يرد في الظن مدح صريح بل ولا ظاهر في مكان يعتد به وانما ورد فيه ذم بليغ نعم هو ضابطة شرعية في بعض المواضع التي ليست من نفس الأحكام الشرعية وذلك خارج عن محل النزاع.

واعلم ان بعض ما ذكرناه يمكن المناقشة فيه لكنه مع ذلك أقوى من

٣٥٢

أدلتهم في الأصول ومجموع ما ذكرناه لا يمكن المناقشة فيه بل هو قطعي عند من أنصف.

وإذا عرفت ذلك فاعلم ان العقل المقابل للجنون ان كان مرادا في تلك الأحاديث أو في بعضها فلا بد من تخصيصه بأنواع اثنى عشر.

الأول : ما ذكرناه من المقدمات التي يتوقف عليها حجية الدليل السمعي من وجود خالق وكونه كاملا وانه ينبغي ان ينصب شخصا ترجع اليه الناس فيما لا يعلمون وان ذلك الشخص ينبغي ان يكون له برهان يدل على صدقه من نص أو أعجاز وان القبيح يمتنع على الله فلا يصدق الكاذب ولا يكذب الصادق ، والذي دلت عليه الأحاديث المتواترة ان هذا القدر ضروري موهبي من الله لا كسبى.

الثاني : معرفة أحوال النص والاعجاز وكيفية الاستدلال بها.

الثالث : معرفة أحوال الرواة والناقلين للكتاب والسنة.

الرابع : معرفة العلم والظن وتمييز افرادهما فان بعض افرادهما ربما تشتبه وقد قال الكاظم عليه‌السلام والعلم بالتعلم ولا علم الا من عالم رباني ومعرفة العلم بالعقل (١).

الخامس : معرفة التواتر وافادته العلم.

السادس : معرفة القرائن وإفادتها العلم :

السابع : معرفة أحوال الكتب التي يرجع إليها.

الثامن : معرفة وجوه الاحتياط عند الاشتباه.

التاسع : معرفة موضوعات المسائل وتمييز بعضها من بعض كتمييز المسكر من غيره ونحو ذلك.

العاشر : معرفة إفراد الكليات التي دل عليها النص العام فان بعضها غير ظاهر الفردية.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٧

٣٥٣

الحادي عشر : معرفة الحقائق العرفية للألفاظ المتداولة التي يحتاج إليها فأما الحقائق اللغوية فنقلية.

الثاني عشر : معرفة أحوال المدعين للنبوة والإمامة ليعلم الفاضل والمفضول ولما دل عليه الحديث الثالث السابق وبعض هذه الأنواع ربما تتداخل وأكثرها يمكن استفادته من النقل أو من النقل والعقل ، ولا بد فيها كلها من الوصول الى حد العلم ومزيد التوقف والتثبت بقدر الإمكان والله الموفق.

وهذه الأنواع ليست من نفس الأحكام الشرعية التي لا يجوز أخذها الا من المعصوم بالنص المتواتر في ذلك وان كان يترتب عليها بعض الأحكام الشرعية لكن في بعضها ورد النص بالاكتفاء بالظن فصار ضابطا شرعيا كعدد الركعات الصادرة عنا في الأخيرتين وتعيين القبلة مع البعد وبعضها اعتبر فيه اليقين كحصول النواقض والنجاسات وغير ذلك وبعضها له ضوابط أخر تعلم من الأحاديث.

والحاصل انه لا يفهم من اخبار السابقة ولا من غيرها ان العقل بمجرده حجة في شي‌ء من نفس الأحكام الشرعية أعني الوجوب والندب والكراهة والتحريم والإباحة والشرطية والسببية والمانعية ونحوها ، فان تلك الأمور الدنيوية أكثرها أكثرها داخل في علم الغيب بالنسبة الى الامام قد يعلمه وقد لا يعلمه (١). ولم

__________________

(١) وقال بعض الأعلام : في علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام : وأما ما اشتهر في البحث عن علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام من أنه حضوري أو حصولي؟ فهو على خلاف المصطلح عليه في انقسام العلم الى الحضوري والحصولي ، فإن المراد بالحضورى ما إذا كان المعلوم حاضرا للعالم بعينه كما في علم الشخص بذاته فإنه بذاته حاضر لذاته غير غائب عن ذاته لأن الشي‌ء لا يكون فاقدا لنفسه ، وكما في علم العلة الحقيقية بمعلولها فان المعلول بملاحظة ارتباطه حقيقتا وذاتا بعلته يكون حاضرا لعلته بعينه بأتم أنحاء الحضور كما في علمه الفعلي تعالى بعد الإيجاد بمعاليله

والمراد بالحصولى ما إذا كان المعلوم حاضرا بصورته المجردة وماهيته للعالم في أفق نفسه كما في علم الشخص بكل ما هو يغايره وجودا فإنه لا يكون

٣٥٤

يبلغنا ان أحدا سأل الأئمة عليهم‌السلام هل أحدث بعد وضوئي أم لا؟ وهل أصاب ثوبي نجاسة وأنا نائم أم لا؟ وهل صليت الظهر أمس ثلاث ركعات أم أربع ركعات وهل كان الفجر طالعا لما تسحر البارحة أم لا؟ ولو سألوهم لم يجيبوهم الا بقواعد كلية كقولهم عليهم‌السلام كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر ، ولا تنقض اليقين أبدا بالشك وانما تنقضه بيقين آخر.

وإذا شككت فابن على الأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك نقصت. ونحو ذلك والفرق بين المقامين ظاهر عقلا ونقلا ولكن العامة وبعض المتأخرين من الخاصة قاسوا أحدهما على الآخر وذلك بسبب الغفلة عن الفرق وعن الأحاديث في المقامين. والله الهادي.

__________________

الا كذلك فعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام بما عداهما علم حصولي بهذا المعنى لا حضوري.

نعم ما ينبغي التكلم فيه هو أن الموجودات بأسرها دائمة الحصول للنبي والامام عليه‌السلام كما أنهما دائمة الحضور لذاته تعالى.

أو ان نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام لصقالتها وتجردها عن الغواشي والحواجب وعدم توغلها في الشواغل ينطبع فيها صور الأشياء متى التفت إليها وتوجه نحوها فعقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام عقل فعلى دائما على الامام ، وعقل هيولاني مع عدم التوجه والالتفات وعقل فعلى مع التوجه والالتفات على الثاني بخلاف غيرهما ممن ليست نفسه بتلك الصقالة وذلك الصفا فإنه لا ينطبع فيها الغائب عنها بمجرد التوجه بل بأسباب خاصة ربما تكون وربما لا تكون « انتهى ».

ومن أراد تحقيق مقدار معلومات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام عليه‌السلام من حيث العموم والخصوص وكيفية علمهما فليراجع مبحث البراءة من الرسائل لشيخنا الأعظم الأنصاري ره وحاشية تلميذه المحقق الاشتيانى عليه في هذا المبحث وقد أوردناها في هامش كتاب الاثني عشرية للمؤلف ره مع تعليقاتنا : فراجع « ص ٨٣ ـ ٨٤ ».

٣٥٥

فائدة (٨٠)

في عيون الاخبار في حديث علل الفضل في علة صوم ثلاثة أيام قال وانما جعل آخر خميس لأنه إذا عرض عمل العبد ثمانية أيام (١) والعبد صائم كان أشرف وأفضل من ان يعرض عمل يومين وهو صائم (٢) وهذا الحديث مروي في العلل الا ان فيه إذا عرض عمل العبد ثلاثة أيام.

أقول : وجه الأول انه قد ورد في أحاديث كثيرة ان الأعمال تعرض كل يوم خميس (٣) وبذلك ينحل الإشكال لأنه روى ان عمل الصائم مستقبل مرفوع فلو لم يؤمر بالصوم يوم الخميس لزم الأمر به يوم الأربعاء أو يوما آخر قبله الى يوم الجمعة فإذا صام يوم الجمعة عرض عمله يومين يوم الخميس والجمعة لأنه لا بد من عرض الأعمال الواقعة يوم الخميس بعد العرض ولم يبرء (٤) ان العرض يقع في آخر الخميس فلعله يقع في أوله أو في أثنائه وإذا صام السبت لزم عرض ثلاثة أيام أو الأحد فأربعة وهكذا فاذا صام الخميس عرض عمل ثمانية أيام وهو صائم وهو أشرف الصور المفروضة وانما ذكر اليومين لأنه الف والاخسى وأخس المراتب فمقتضى الحال الجمع بين الأعلى والأدنى فان نهاية العرض ثمانية أيام وأقله يومان.

__________________

(١) في المصدر : إذا عرض عليه عمل ثمانية أيام إلخ.

(٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ١١٨

(٣) راجع الكافي ج ١ ص ٢١٩

(٤) ولم يرد ظ

٣٥٦

ووجه الثاني ما روى ان الأعمال تعرض يوم الخميس ويوم الاثنين ويوم الصوم فاذا صام الخميس عرض عمله ثلاثة أيام وهو صائم الاثنين والثلاثاء والاربعا أو يترك الاثنين ويكون عوضه الخميس بنوع من التوجيه فإذا أمر بصوم يوم آخر فأقل المراتب عرض عمل يومين وهو صائم والله أعلم.

ولا منافاة بين ظواهر الاخبار حيث روى العرض يوم الخميس ويوم الاثنين وكل يوم وكل يوم جمعة.

وروى ليلة القدر وروى شهر رمضان وروى يوم الصوم لاحتمال تعدد العرض وتكراره ودون العرض تارة إجمالا وتارة تفصيلا أو تارة على الله وتارة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتارة على الأئمة (ع) وتارة على المقربين من الملائكة (ع) أو يخص كل نوع يعرض والله أعلم بحقائق الأمور.

٣٥٧

فائدة (٨١)

في كتاب العلل حديث النملة انها قالت لسليمان عليه‌السلام أنت أكبر أم أبوك قال بل ابى داود قالت النملة فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود عليه‌السلام فقال سليمان لا علم لي بذلك قالت النملة لان أباك داود داوى جرحه بود فسمى داود وأنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك (١).

أقول : فيه إشكالان :

أحدهما : ان سليمان عليه‌السلام اعترف بالجهل وعدم العلم وذلك لا تليق بالأنبياء (ع) فإنه يجب ان يكونوا اعلم من غيرهم عقلا ونقلا وكيف يجوز كون النملة أعلم من بعض الأنبياء.

وثانيهما : انه لا يظهر لجواب النملة معنى يعتد به.

والجواب عن الأول من وجوه.

أحدها : انه لا يلزم من علم النملة بهذه النكتة كونها أعلم من سليمان (ع) بل هو أعلم منها قطعا ومعلوماتها ليست بشي‌ء بالنسبة إلى معلوماته ألا ترى بعض العوام قد يعلم مسئلة لا يعلمها بعض أكابر العلماء ولا يلزم كون ذلك العامي أعلم منه.

وثانيهما : ان النملة ليست من رعيته لعدم شمول التكليف لها ولا يمتنع

__________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٧٢

٣٥٨

كون غير رعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم منه الا ترى أن بعض الأنبياء أعلم من بعض لكن الأعلم ليس من رعية غيره وبعض الملائكة أعلم من بعض الأنبياء فلا محذور.

وثالثها : ان اعلمية النملة ليس من الأحكام الشرعية ولا تعلق له بالتكاليف ولا بالاعتقادات ولا يلزم بمثل ذلك لعدم الدليل عليه.

ورابعها : انه يحتمل كونه (ع) في ذلك الوقت عالما بجواب النملة ويكون معنى قوله (ع) لا علم لي انه لا علم له بذلك من قبل نفسه وان كان يعلمه بتعليم الله إياه كما قالت الملئكة ( لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا ) فان ترك الاستثناء جائز واستعمال العام بمعنى الخصوص كثير.

وخامسها : أنه لا يبعد ان يكون الله أراد تعليم سليمان (ع) ذلك على لسان النملة وقد تعلم الأنبياء (ع) بعضهم من بعض ومن الملئكة وغيرهم وعلمهم ما يزال يزيد مدة حياتهم ولا يخفى ما في ذلك من الحكم.

وسادسها : أن يكون بعث اليه (ع) ملكا على صورة نملة ليعلم ما ذكر فقد كانت الملئكة يتشكل بغير إشكالها وصورة النملة هنا انسب من غيرها لما لا يخفى.

والجواب عن الثاني من وجوه :

أحدها : ان يكون المراد بيان اشتقاق الاسمين من المعنيين المذكورين وان زيادة حرف في اسمه على اسم أبيه ليس لكونه أكبر بل لاقتضاء الاشتقاق ذلك فاتفق زيادة حرف لا لكونه أكبر من أبيه سنا ولا فضلا ويبقى ذكر عدم كونه أكبر من أبيه إشارة إلى أن القاعدة المشهورة من أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني أغلبية لا كلية.

وثانيهما : أن يكون المراد أن أباك داوى جرحه الذي هو الخطيئة بود اى محبة لله عزوجل بعد التوبة والإنابة وان كانت الخطيئة مجازية كأمثالها وكما هو مقرر وأنت سليمان أى سالم من تلك الخطيئة فأبوه وأن كان أكبر منه سنا فهو

٣٥٩

أكبر من أبيه باعتبار سلامته من الخطيئة أو زيادة علمه أو ملكه.

وثالثها : أن يكون ان أباك لما كان به جرح أوحى إليه داو بود ولما كانت الباء زائدة للتعدية سقطت عند التسمية لعدم وجود فعل يحتاج إلى التعدية فبقي داود تلفظ بواوين وتكتب بواحد ولما كان سليمان سليما أى سالما من ذلك سمى سليمان بالتصغير اما لكونه أصغر سنا أو لغير ذلك من فوائد التصغير وصار التنوين نونا لأنه كان دالا على معنى فلم يحسن سقوطه لفوات ما دل عليه.

ورابعها : أن يكون المراد انه قيل لأبيك داود فلفظ دا مبتداء خبره محذوف اى بك داء ولفظ ود خبر مبتداء محذوف اى دواءه ودّ أي محبة لله ولمن أمر بمحبته فلما سمى به حذف المد فصار داود ، وأنت سليمان أى سليم بمعنى ملسوغ لديغ تسمية الشي‌ء باسم ضده تفألا كما يقال الغافل عند الذهاب تفألا بأنها ترجع ومثله كثير فيكون جرحه باقيا وجرح أبيه زال ووجود الجرح زيادة فكانت زيادة الحرف لذلك.

وقد روى أن سليمان عليه‌السلام آخر من يدخل الجنة من الأنبياء لكثرة ما أعطى في الدنيا (١).

وقولها : أرجو أن تلحق بأبيك إشارة الى ذلك اى تعرف مداواة جرحك بود كما فعل أبوك.

وخامسها : ان يكون المراد ان الله لما علم ان داود يداوي جرحه بود أي محبة لله وحده لانقطاعه عن الدنيا سماه داود ولما طلب سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده كان سعة ملكه وكثرة دنياه جرحا له يقدر على دوائه بود خالص لان محبته لله مشوبة بمحبة غيره في الجملة وان كان ذلك راجعا إلى محبة الله ففيه إشارة الى أن الزيادة في الحروف قد يكون لنقصان المعنى كما قيل زيادة الحد

__________________

(١) البحار ج ١٤ ص ٧٤

٣٦٠