الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

غير وضوء قال : نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء (١).

وحديث ابن مسكان عنه عليه‌السلام في رجل قطع رأس ميت قال عليه‌السلام عليه الدية لأن حرمته ميتا كحرمته حيا (٢).

وحديث الفضيل بن يسار عن ابى جعفر عليه‌السلام فيمن وجد غمزا في بطنه أو أذى أو ضربانا وهو في الصلاة فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك وان تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. الحديث (٣).

وحديث زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام فيمن فرّ بماله من الزكاة قال عليه أن يؤدّى ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه فيه ثم قال أرأيت لو ان رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ أرأيت لو ان رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت : لا قال فكذلك الرجل لا يؤدى عن ماله الا ما حلّ عليه (٤).

وحديث زرارة ومحمد بن مسلم عنه عليه‌السلام قال : أيما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنه يزكيه قلنا فان وهبه قبل حله بشهر أو يوم قال : ليس عليه شي‌ء أبدا قال وقال انما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه الحديث (٥)

وحديث الحسين بن زيد عنه عليه‌السلام ان عمر قال لعلى عليه‌السلام فهل يجوز شهادة

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ١٧٨

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٥٠٠ ط القديمة

(٣) الوسائل ج ١ ص ٤٤٢ ط القديمة

(٤) في المصدر : الا ما حال عليه الحول. ارجع ج ٣ ص ٥٢٦

(٥) الكافي ج ٣ ص ٥٢٥ ح ٤

١٨١

الخصى فقال ما ذهاب لحيته الا كذهاب بعض أعضائه (١).

وحديث الحلبي عنه عليه‌السلام قال أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له ان يتزوجها حلالا قال : أو له سفاح وآخره نكاح ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما ثم اشتراها بعد فكانت له حلالا (٢).

وحديث زرارة عن ابى جعفر (ع) قال : لا بأس إذا زنا رجل بامرأة أن يتزوجها بعد وضرب مثل ذلك برجل سرق ثمرة نخلة ثم اشتراها بعد (٣).

أقول وأمثال ذلك كثير جدا وليس ذلك من المهمات والا كنا جمعنا من ذلك ما يتجاوز حد التواتر وانما أوردت منها ما خطر بخاطري في الحال ومن نظر الى كتاب العلل وغيره تبين ذلك وعلم أنهم عليهم‌السلام كانوا يحتجون على العامة بما يعتقدونه من قياس وإجماع واستصحاب وأصل ومفهوم لقب ومصالح مرسلة ونحو ذلك ثم يصرحون بعدم حجيته ويعلمون الشيعة ما يحتجون به على العامة والا فإن من قال بإمامتهم لا يطلب منهم دليلا ، بل رأيناهم عليهم‌السلام يستدلون بالشعر الذي لا حجة فيه كما تضمنه كتاب الزكاة من الكافي وغيره فيقولون أما سمعت قول الشاعر أما سمعت قول حاتم الطائي وأمثال ذلك كثير مما استدلوا فيه ببيت شعر على مطلب مهم ووجهه ما قلنا ومعلوم انه يحصل من مثل ذلك تقريب الحكم الى فهم السامع ويصير أقرب الى القبول والبلاغة في كلام المطابق لمقتضى الحال.

وفي بعض الاخبار عن الصادق عليه‌السلام انما سمى البليغ بليغا لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه (٤).

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ط القديمة

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٥٥ ـ ص ٤١٨

(٤) راجع البحار ج ٧٨ ص ٢٤١

١٨٢

والجواب عن السادس عشر : ظاهر بعد ما تقدم لان لنا ان نستدل عليهم بما يعتقدونه ولا يقدرون على رفعه وخصوصا في مثل غسل الرجلين في الوضوء الذي هو ضروري منصوص نصا متواترا وانما الكلام في الظواهر التي لم يرد تفسيرها ولا يوافقها نص.

وقد ثبت عنهم عليهم‌السلام من اعتقد شيئا لزمه حكمه وروى ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم. (١)

وأما الجواب عما استدل به على دخول الظاهر في المحكم فهو ظاهر وتوضيحه فنقول.

أما الأول : فجوابه ان ما استدللتم به قد ظهر عدم دلالته وكثرة معارضه.

وأما الثاني : فجوابه انه لا محذور فيه بل هو محتمل والتبعيض أيضا غير بعيد خصوصا مع ملاحظة ما يأتي التصريح منه به في تفسير المتشابه وقد عرفت عدم الانحصار في المحكم والمتشابه واحتمال الواسطة وقوله بوجوب الفحص ان أراد من جهة الأئمة عليهم‌السلام فهو عين ما نذهب اليه وان أراد أعم فهو دعوى في محل المنع.

وإذا وقع التفحص ولم يوجد نص لم يمكن القطع على نفى الاحتمالات وتعطيل أكثر الأدلة ممنوع ، بل لا يأتي بشي‌ء منها لكثرة النصوص في تفسير آيات الأحكام وغيرها وكثرة وجود نصوص توافق تلك الظواهر أو تخالفها ولا يكاد يوجد انه خالية من ذلك عند التتبع التام الا القليل النادر والتوقف والاحتياط راجح هناك إجماعا وانما الخلاف في وجوبه.

وأما الثالث : فقد ظهر جوابه مما مر.

وأما الرابع : فالجواب ان قوله من رد متشابه القرآن إلى محكمه لا يدل على إمكان ذلك لكل أحد ولا على الأمر به ولا يبعد أن يراد به ان الأئمة عليهم‌السلام ومن

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٥١ ط القديمة.

١٨٣

يتعلم ذلك منهم أو من أحاديثهم بل لا بد من التخصيص بذلك لما أشرنا إليه من النص المتواتر بأنه لا يعلم المحكم والمتشابه والعام والخاص وأمثال ذلك غيرهم عليهم‌السلام وانه يجب على الناس الرجوع إليهم فيه وفي أمثاله على ان الخبر المشار اليه ضعيف جدا عندهم فكيف يجوز لهم الاستدلال به خصوصا في الأصول مع ما قلناه وكيف يجوز قول معارضه وهو متواتر.

وأما الخامس : فالجواب عنه انا نمنع من وجود تلك الأوامر ان ادعى كونها مطلقة بل النص دال على وجوب العمل بها بعد معرفة المحكم والمتشابه من جهتهم عليهم‌السلام والعلم بعدم النسخ ونحوه لما ذكرنا ولما يأتي.

واما السادس : فالجواب عنه انه لا مانع من جعل الظواهر القرآن من المتشابه وظواهر الأحاديث من المحكم ووجهه ان ظواهر القرآن تحتمل من النسخ والتأويل وغيرهما : ما لا يحتمله ظواهر الأحاديث وهذا واضح أيضا فإنا مأمورون برد القرآن الى الامام وسؤاله عن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ونحو ذلك وقد وردت النصوص بأنه لا يعلم ذلك أحد غير الامام ولسنا بمأمورين برد الأحاديث التي سمعناها من الامام أو ثبت عندنا نقلها الى أحد فظهر الفرق.

وأيضا لا مانع من كون بعض الظواهر من المحكم وبعضها من المتشابه كما تقدم بل تحتمل كونها واسطة بينهما غير داخلة في أحدهما إذ لا دليل على الحصر ولا على تمييز كل من القسمين.

وأما حديث الرضا عليه‌السلام ولا دلالة فيه على مطلب المعاصر لوجوه.

أحدها : انه خبر واحد ولا يكون حجة في الأصول.

وثانيها : انه ضعيف السند على مذهب المعاصر فلا يجوز الاستدلال به في الفروع ولا في الأصول.

وثالثها : انه يمكن كونه مخصوصا باحاديثهم التي ينقلونها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد وردت روايات كثيرة صريحة في ذلك وفي أن أحاديثه عليه‌السلام يقع فيها النسخ

١٨٤

والتأويل وغير ذلك كما يقع في القرآن بخلاف أحاديث الأئمة عليهم‌السلام ووقع التصريح في بعض النصوص المعتمدة بأن القرآن ورد على قدر فهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديثه عليه‌السلام على قدر فهم الأئمة عليهم‌السلام وأحاديث الأئمة على قدر فهم الأمة.

ورابعها : انه لمخصوص بالأحاديث المختلفة لقولهم عليهم‌السلام فردوا متشابهها الى محكمها وهذا صريح في التعارض والا لم يكن الرد.

وخامسها : ان الأمر بالرد صريحا هنا ، وعدم الأمر به في القرآن كما نقله المعاصر وهو حديث واحد يدل على إمكان ذلك في الحديث لا في القرآن وقد وقع التصريح به في نصوص كثيرة.

وأما السابع : فالجواب عنه ظاهر بعد ما تقدم وما أشرنا إليه بل جميع ما أورده فيه وفيما بعده دال على مطلبنا وقد علم أن معنى المتشابه أيضا متشابه وكذلك معنى المحكم وقد اختلفوا في تفسيرهما فكيف يدعى أن أفرادهما متميزة لا يشتبه بعضها ببعض مع أن كل آية خصوصا آيات الأحكام بالنسبة إلى الأحكام النظرية إذا قطعنا النظر عما عداها محتملة بالاحتمالات الكثيرة جدا وأقلها النسخ والتأويل فلا بد من الرجوع الى المعصوم لما مر.

ثم ان إيجاب العمل بالظاهر والجزم بأنه من المحكم وعدم تجويز الحكم بإرادة الظاهر والمنع من تفسيره تناقض عجيب فان العمل به يستلزم الحكم بإرادة ظاهره وجواز تفسيره وكيف يجوز عند العاقل أن يجزم بظاهر آية ويستبيح بها الفروج والأموال واراقة الدماء ثم يقول لا أعرف معناها ولا يجوز لي تفسيرها ولا أعلم أن ظاهرها مراد أم لا ولا أعرف شمولها بهذه الإفراد ولا أدرى هي ناسخة أم منسوخة مخصصة أو عامة مطلقة أو مقيدة ويجوز عندي كون ظاهرها غير مراد ويمكن أن يكون له تأويل آخر لم يخطر ببالي ولا ببال أحد فإنه لا يعلم تأويله إلا الله وكل ذلك تناقض يمتنع منه العقل والنقل وهذا ظاهر واضح قطعي عند كل من له أدنى انصاف والله الهادي.

١٨٥

فصل

في الاستدلال على عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القران المحتملة للنسخ والتخصيص من التقييد والتأويل وغيرها الا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عليهم‌السلام وانتفاء تلك الاحتمالات ولو بنص عنهم يوافق ظاهرها.

اعلم ان لنا ان نستدل بالقرآن ولا يلزم التناقض لوجهين.

أحدهما : انه دليل إلزامي للخصم لأنه يعتقد حجية تلك الظواهر مطلقا.

وثانيهما : وجود النصوص المتواترة المخالفة للتقية الموافقة لتلك الظواهر فاستدلا لنا في الحقيقة بالكتاب والسنة معا ولا خلاف في وجوب العمل بهما.

إذا عرفت ذلك فنقول : الأدلة على ذلك كثيرة جدا ولنذكر هنا وجوها.

أحدها : قوله تعالى في سورة النساء ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (١) ( وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) دلت على وجوب رد القرآن الى الرسول والأئمة عليهم‌السلام وعلى توقف الاستنباط منه على ذلك وهذا نص واضح صريح وقد وردت الأحاديث الكثيرة في تفسيرها بذلك

__________________

(١) آية ٨٠

(٢) آية ٨١

١٨٦

وان المراد بأولى الأمر الأئمة عليهم‌السلام وعلى تقدير عود ضمير ردوه الى الأمر فالقرآن داخل فيه.

وثانيها : قوله تعالى في سورة النساء ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١) دلت على وجوب الرجوع إليهما معا فلا يبرء المكلف من العهدة بالرد إلى أحدهما لكن من رد الى الرسول فقد رد إليهما للآيات الكثيرة والروايات المتواترة وما دل على الأمر باتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن رد الى الكتاب وحده لم يكن راد إليهما لاحتمال النسخ وغيره وعدم العلم بتفسير الرسول له

وثالثها : قوله تعالى : فيها ( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) (٢) دلت على وجوب الرجوع إليهما معا كما تقدم.

ورابعها : قوله تعالى فيها ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) وهي صريحة في العموم وتمييز الناسخ من المنسوخ والعام من الخاص ونحو ذلك مما يحتاج إليه في فهم القرآن مما شجر بينهم فمن لم يرجع فيه الى الرسول عليه‌السلام لم يكن مؤمنا بحكم الآية ومعلوم بالنصوص الى من رد إلى الأئمة فقد رد اليه وان علمه عندهم وان علمهم منه.

وخامسها : قوله تعالى فيها ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلّى

__________________

(١) آية ٥٨

(٢) النساء ٦١

(٣) النساء ـ ٦٢

١٨٧

فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (١) دلت على تهديد من تولى عن طاعته وترك الرجوع اليه وعمومها شامل لمن تولى عنه في تمييز الناسخ من المنسوخ والعام من المخصوص وعمل برأيه وظنه القاصر في تفسير القران وتأويله وهو المطلوب.

وسادسها : قوله تعالى فيها ( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ ) (٢) الاية ذمهم على اتباع الظن عند الاختلاف والشك وهو شامل لما نحن فيه وهذا دال على عدم حجية شي‌ء من الاستنباطات الظنية.

وسابعها : قوله تعالى في سورة البقرة ( كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (٣) جعل الحكمة الداعية إلى إرسال الرسول تلاوة الآيات على الناس وتعليم الكتاب وما لا يعلمون.

فقد اثبت الاحتياج الى تعليم الكتاب بعد تلاوة الآيات وكذلك كل ما لا يعلم ومن جملته بيان الناسخ من المنسوخ وتفسير القرآن وتأويله وهي نص في ذلك ودلالتها على وجوب العمل بالعلم لا بغيره واضحة والأحاديث في ذلك متواترة.

وثامنها : قوله تعالى : في سورة آل عمران ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ ) (٤)

وهي نص صريح في أن فيه محكما ومتشابها وان له تأويلا لا يعلمه الا الله والراسخون.

__________________

(١) آية ٨٠

(٢) النساء ١٥٧

(٣) آية ١٥٠

(٤) آية ٦

١٨٨

وقد تظافرت الاخبار بأنهم الأئمة عليهم‌السلام وانه لا يعلم تأويل القرآن الا الله وهم ، وان أكثر الآيات لها تأويل خلاف ظاهرها وانه لا يعلم الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص والتفسير والتأويل غيرهم وانه يجب الرجوع في جميع ذلك إليهم ودلالة الآية على ذلك ظاهرة بل نص.

وتاسعها : قوله تعالى : ( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (١) ومثلها في سورة الجمعة ودلالتها على المطلوب ظاهرة كما مر.

وعاشرها : قوله تعالى : في سورة بني إسرائيل ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٢) وهي نص واضح في النهي عن اتباع ما لا يفيد العلم وتلك الظواهر لا تفيد الا الظن كما اعترفوا به.

وحادي عشرها : قوله تعالى في سورة الأنبياء ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٣) وقد ورد نصوص كثيرة جدا ان المراد بأهل الذكر الأئمة عليهم‌السلام فوجب سؤالهم عن كل ما لا يعلم ومن جملة ما نحن فيه ولا شبهة ان الشك والظن غير العلم وإنكاره مكابرة.

وثاني عشرها : قوله تعالى : في سورة يونس ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلّا يَخْرُصُونَ ) (٤) ذمهم على اتباع الظن والظواهر المذكورة لا تفيد غير الظن كما اعترفوا به ولو كان جائزا لاستحقوا المدح لا الذم ولا يرد انهم يخصونه بالأصول لأنه تخصيص بغير دليل لما يأتي من رد شبهتهم وقد ذكروا ان خصوص السبب

__________________

(١) آية ١٦٤

(٢) آية ٢٥

(٣) آية ٦

(٤) آية ٦٥

١٨٩

لا يخصص العام فكيف اغمضوا عنه هنا على أنا نراهم يعتمدون في الأصولين على أدلة ظنية أو بعض مقدماتها ظنية خصوصا أصول الفقه فإنه لا يكاد يوجد لهم فيه دليل غير ظني.

وثالث عشرها : قوله تعالى : في سورة حم السجدة ( وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ ) (١) والاستدلال بها قد مر توجيهه بل هذه الآية دالة على أن العمل بالظن من الكبائر للوعيد عليه بالنار وقد تقدم الجواب عن تخصيصه بالأصول على أن ذلك من العامة ونحن مأمورون باجتناب طريقتهم في النصوص المتواترة.

ورابع عشرها : قوله تعالى في سورة الجاثية ( وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلّا يَظُنُّونَ ) (٢) ودلالتها واضحة بعد ما تقدم وفيها تصريح بليغ بمباينة كل من العلم والظن الأخر ، ومثلها كثير فبطل قول العامة وبعض المتأخرين من الخاصة بأن العلم المأمور بتحصيله والعمل به هو مطلق الرجحان الشامل للقطع والظن وهذا يستلزم التناقض في كلام الله والرسول والأئمة عليهم‌السلام لتواتر الأمر بالعمل بالعلم والنهى عن العمل بالظن فكيف يدعى عاقل مسلم أن أحدها هو الأخر وانما ذلك من تمويهات العامة ومغالطاتهم.

وخامس عشرها : قوله تعالى في سورة الحجرات ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (٣) وهذا دال على مطلبنا ان كل فرد من إفراد الظن يحتمل كونه إثما فتعين اجتنابه وليس فيها تصريح بجواز ترك اجتناب بعض الإفراد لما تقرر من صدق الموجبة الجزئية في عادة الموجبة الكلية ولو تنزلنا لقلنا لا يخرج من ذلك الا ظن دل على جوازه أو حجيته دليل شرعي تام كظن الخير بالمؤمنين كما

__________________

(١) آية ٢٢

(٢) آية ٢٤

(٣) آية ١١.

١٩٠

هو المناسب لسياق الآية وما قبلها فبقي الباقي.

وسادس عشرها : قوله تعالى في سورة النجم ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (١) ذمهم على اتباع الظن فلا يكون جائزا والا لاستحقوا المدح.

وسابع عشرها : قوله تعالى فيها ( وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٢) وهي نص واضح الدلالة مشتمل على التأكيد والمبالغة.

وثامن عشرها : قوله تعالى في سورة الانعام ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلّا يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (٣) دلالتها واضحة على تحريم العمل بالظن وعدم جواز تقليد من يعمل بالظن ومعلوم ان تلك الظواهر لا تفيد غيره.

وتاسع عشرها : ان النصوص المتواترة دلت على وجوب مخالفة طريقة العامة وما اخترناه مباين لها وقد دلت عليه الأحاديث المتواترة وكل ما كان كذلك فهو حق وما اختاره المعاصر موافق للعامة مخالف للنصوص المتواترة وكل ما كان كذلك فهو باطل يتعين رده أو حمله على التقية وموافقته للعامة أوضح من أن يحتاج الى بيان ، وأصله قول ابى بكر وعمر حسبنا كتاب الله (٤).

والمتمم العشرين :

الأحاديث المتواترة عن الأئمة عليهم‌السلام الصريحة فيما اخترناه

وقد أوردنا منها في كتاب القضا من وسائل الشيعة ما تجاوز حد التواتر وجمعنا باقيها في موضع آخر وهي تزيد على مأتين وعشرين حديثا لا تقصر سندا

__________________

(١) آية ٢٣ ـ ٢٨

(٢) آية ٢٣ ـ ٢٨

(٣) آية ١١٦.

(٤) البحار ج ٨ ط القديمة ص ٢٦٢ ـ ٢٦٥.

١٩١

ودلالة عن النصوص على كل واحد من الأئمة عليهم‌السلام فمن أرادها فليرجع إليها ان شاء الله ودلالتها في غاية الصراحة والوضوح ، وقد تضمنت انه لا يعلم المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والعام والخاص وغير ذلك إلا الأئمة (ع) وانه يجب الرجوع إليهم في ذلك وانه لا يعلم تفسيره ولا تأويله ولا ظاهره ولا باطنه غيرهم ولا يعلم القرآن كما انزل غيرهم وان الناس غير مشتركين فيه كاشتراكهم في غيره وان الله انما أراد بتعميته ان يرجع الناس في تفسيره الى الامام وانه كتاب الله الصامت والامام كتاب الله الناطق ولا يكون حجة إلا بقيم وهو الامام وانه لا ورث علمه إلا الأئمة ولا يعرف ألفاظه ومعاينة غيرهم وانه لاحتماله للوجوه الكثيرة يحتج به كل محق ومبطل وانه انما يعرف القرآن من خوطب به (١) الى غير ذلك من التصريحات التي هو أوضح دلالة من النصوص كنص الغدير ونحوه وأظهر تواترا من أكثر النصوص.

الحادي والعشرون : ان كل آية يحتمل النسخ والتأويل وغيرهما إذا قطعنا النظر عما سواها فلا يوثق بجواز العمل بها من غير أن يقترن بها حديث عن الأئمة عليهم‌السلام.

الثاني والعشرون : ان تعريف المتشابه صادق على كل آية من آيات الأحكام بالنسبة إلى الأحكام النظرية لاحتمال كل واحدة منها بل كل لفظه بوجهين فصاعدا إذا قطعنا النظر عن الأحاديث مضافا الى احتمال النسخ وغيره.

الثالث والعشرون : ان النص المتواتر وإجماع الإمامية دلا على ان الذي نزل من القرآن قراءة واحدة وان الباقي رخص في التلاوة به في زمن الغيبة وليس عندنا دليل على جواز العمل بكل واحدة من القراءات مع كثرتها جدا وكونها مغيرة للمعنى غالبا

الرابع والعشرون : ان ظواهر القرآن أكثرها متعارضة بل كلها عند التحقيق وليس لنا قاعدة يدل عليها دليل يعتد به المنصف في الترجيح هناك وانما وردت

__________________

(١) راجع البرهان ج ١ ص ١٨ ح ٣

١٩٢

المرجحات المنصوصة في الأحاديث المختلفة مع قلة اختلافها بالنسبة إلى اختلاف ظواهر الآيات فلو كنا مكلفين بالعمل بتلك الظواهر القرآنية من غير رجوع في معرفة أحوالها الى الامام لوردت عنهم (ع) مرجحات وقاعدة كلية يعمل بها كما وردت هناك.

الخامس والعشرون : انا وجدنا جميع أهل المذاهب الباطلة والاعتقادات الفاسدة يستدلون بظواهر القرآن استدلالا أقوى من الاستدلال على الأحكام التي استنبطها المتأخرون من آيات الأحكام بآرائهم فلو كان العمل بتلك الظواهر من غير رجوع إلى الأئمة (ع) في تفسيرها ومعرفة أحوالها من نسخ وتأويل وتخصيص وغيرها لزم صحة جميع تلك المذاهب الباطلة من الجبر والتفويض والتشبيه وخلافة ابى بكر وعمر وغيرهما ، بل الشرك والإلحاد ونفى الإمامة والعصمة بل مذهب المباحية بل مذهب النصيرية كما تضمنت كتاب كنز الفوائد وغيره من استدلالهم وكذا جميع المذاهب الباطلة والى هذا أشار الصادق عليه‌السلام بقوله احذروا فكم من بدعة قد زخرفت بآية من كتاب الله بنظر الناظر إليها فيراها حقا وهي باطل (١).

السادس والعشرون : ان ذلك لو جاز لزم الاستغناء عن الامام عليه‌السلام لأنه ما من مطلب من مطالب الأصول والفروع الا يمكن بان يستنبط من ظاهر آية وآيات فأي حاجة الى الامام وقد صرح بنحو ذلك القاضي عبد الجبار (٢) وغيره من علماء العامة وذلك مباين لطريقة الإمامية معارض لأدلة الإمامية واللازم باطل فكذا الملزوم

السابع والعشرون : الأحاديث المتواترة الدالة على وجوب الرجوع الى الامام في جميع الأحكام وانه لا يجوز العمل فيها الا بقوله وقد جمعنا في كتاب وسائل الشيعة منها ما فيه كفاية وجميع أدلة الإمامة توافقها وتؤيدها وليس لها معارض يقاومها كما عرفت.

__________________

(١) أقول وفي البحار : وكم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله. وهو من كلام المسيح (ع) راجع ج ٢ ص ٩٦

(٢) في كتابه المغني

١٩٣

الثامن والعشرون : الحديث المتواتر بين الفريقين وهو قوله عليه‌السلام انى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (١) دل على وجوب التمسك بهما معا فمن تمسك بالكتاب ولم يرجع في تفسيره ومعانيه إلى العترة لم يكن قد تمسك بهما والا لزم كون العامة المستدلين بتلك الظواهر قد تمسكوا بهما ، لأنهم يعترفون بفضل العترة وهو واضح البطلان ولو علم معاني الكتاب وقدر على الاستنباط منه غير العترة لافترقا وهو خلاف النص لكن من تمسك بالعترة كان قد تمسك بهما لأنهم لا يخالفون الحق من تلك الظواهر المتعارضة وأكثر تلك الظواهر مخالفة للعترة فظهر الفرق والى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : هذا كتاب الله الصامت وانا كتاب الله الناطق (٢) فظهر الترجيح.

فان قلت : فما فائدة ذكر الكتاب مع العترة قلت : له فوائد منها : ان الكتاب معجزة النبوة ودليل صحة الإسلام.

ومنها : ان امامة العترة وحجية أقوالهم عليهم‌السلام تعلم من الكتاب وروايات غير العترة النص عليهم لا منهم للزوم الدور.

ومنها : انه مرجح قوى عند تعارض أخبار العترة.

ومنها : انه يمكن الاحتجاج به على العامة لأنهم يعتقدون حجية تلك الظواهر ، فلنا ان نحتج به عليهم فيما وافق أحاديث العترة.

ومنها : انه مؤيد عظيم لأحاديث العترة.

ومنها : انه مشتمل على مطالب مهمة متواترة فيه صريحة مؤيدة للأدلة العقلية القطعية كآيات التوحيد والعدل والاخبار بالقيمة وبطلان تكليف ما لا يطاق وغير ذلك.

__________________

(١) أخرجه البحراني ره في البرهان من طريق الخاصة والعامة راجع ج ١ ص ٩ ـ ٢٦

(٢) أورده أيضا في الوسائل مرسلا راجع ج ٣ كتاب القضاء ص ٣٧١ وفي البحار ج ٨ كتاب الخلفاء ص ٢٦٤.

١٩٤

ومنها : ان فيه من الحكم والآداب النافعة المتواترة الضرورية ما لا يحصى من آيات الرهب والوعظ والتذكير وغير ذلك من المطالب النافعة في الدين والدنيا.

ومنها : انه دال على وجوب الرجوع الى العترة في تفسيره وتأويله والاستنباط منه والاستدلال به كما ذكرناه سابقا الى غير ذلك فهذه جملة من المقام ونبذة من الاستدلال اقتضاها الحال مع ضيق المجال وهي كافية لأرباب الكمال الذين يعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال ولا يضرها عدم قبول الجهال والله تعالى أعلم بحقائق الأحوال.

١٩٥

فائدة (٤٩)

وجدت كلاما لبعض المعاصرين في حجية البراءة الأصلية والاستصحاب والتشنيع على من ينكرها أحببت إيراده والجواب عنه.

فأقول : قال المعاصر : قد أوردت شبهة في كون البراءة الأصلية لا تصلح الاستدلال بها وحاصلها انه قد ورد في الحديث ما معناه ان في كل شي‌ء حكما حتى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة وإذا كان في كل شي‌ء حكم فكيف يقال براءة الذمة بعد أن ورد ما يقتضي اشتغالها.

ثم أجاب المعاصر بانا مكلفون بما يصل إلينا حكمه على وجه يجوز لنا العمل به وقد نهينا عن قبول خبر الفاسق والمخالف لدين الحق وقد ورد عنهم عليهم‌السلام كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهى ، (١) والناس في سعة مما لم يعلموا ، (٢) ولا تنقض اليقين بالشك أبدا. (٣) وما حجب الله عن العباد فهو مرفوع عنهم (٤) واليقين لا يدفعه الا يقين مثله (٥) وقد ورد كل شي‌ء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه

__________________

(١) أخرجه العلامة المجلسي ره في البحار عن « فقيه » ج ٢ ص ٢٧٤.

(٢) أخرجه صاحب الحدائق في المقدمة الثالثة وفيه : الناس في سعة ما لم يعلموا ـ ج ١ ص ٤٣.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٤٢٢.

(٤) أخرجه في البحار عن « يد » ج ١ ص ٢٨٠.

(٥) وفي الوسائل ولا تنقض اليقين الا بيقين آخر.

١٩٦

فتدعه ، (١) وكل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر (٢) ونحوه مما فيه تأييد لذلك.

ومما ورد مما تضمن النهى عن تكذيب ما جاء عنهم عليهم‌السلام وان جاء به قدري أو غيره (٣) لا دلالة فيه لأن النهي عن التكذيب وهو الجزم بكونه كذبا لا يدل على العمل به ولا العمل بخبر كل مخبر وبمثل هذا يحصل التساهل في الدين لأنه لا ينظر الى ما حققه العلماء بل ينظر الى كل ما ورد ويعمل به.

نعم إذا حصل قرائن تدل على صدقه عمل به ولهذا كان المتقدمون يعمل الواحد منهم بخبر لا يعمل منه الآخر ولا يعتمد على مجرد روايته له أو العمل به كما يظهر من عدم عمل الصدوق بكل ما يرويه محمد بن يعقوب وكما يرد الشيخ روايات كثيرة رواها الكليني والصدوق تارة بالضعف وتارة بأنها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وكما يعمل به الصدوق مخالفا لوالده وكما يغلط الفضل بن شاذان في عدة مسائل في الميراث والسيد المرتضى له يجوز العمل بالأخبار من حيث هو لكونها أخبار آحاد والعجب من دعوى حصول علم لم يحصل لمتقدم ولا لمتأخر ولم يوافق عليه أحد.

ثم قال المعاصر وهب ان كل شي‌ء ورد فيه حكم فذلك الحكم امّا ان يكون موافقا الحكم قبل ذلك أو مخالفا ومن المعلوم انا غير مكلفين بذلك الحكم ما لم يصل إلينا وقد نهينا عن أخذه عمن لا يعتمد على قوله والا لزم تكليف ما لا يطاق فمن لم يعمل بالخبر الضعيف عنده ويستند إلى البراءة الأصلية مراده بها هذا انتهى

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ط القديمة ص ٢٦٢.

(٢) أخرجه صاحب الحدائق ره في المقدمة الثالثة راجع ج ١ ص ٤٢. والمؤلف ره في الوسائل ج ١ ص ٢٠٠.

(٣) ونص الحديث : هكذا عن ابى بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) قال سمعته يقول ولا تكذبوا الحديث وأن أتاكم به مرجئ ولا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنكم لا تدرون لعله شي‌ء من الحق فتكذبون الله عزوجل فوق عرشه. راجع البرهان للبحرانى ره ج ٤ ص ٥٤٩ ح ٢١.

١٩٧

كلام المعاصر ملخصا محذوفا منه ما لا دخل له في الاستدلال أصلا.

ثم انه بعد ذلك أطال المقال في التشنيع الشنيع على من يعمل بالأحاديث ولا يعمل بالبراءة الأصلية ونسبهم الى الجهل والكذب والافتراء والتسامح والتساهل والخروج عن حكم العقل والنقل وتخريب الدين وترك الاحتياط والميل الى الكسل وغير ذلك مما لا فائدة في نقله ومقابلته بمثله.

وأقول : في الجواب والله الموفق للصواب. قوله : أوردت شبهة.

أقول : هذا الذي سماه شبهة لا شبهة فيه كما يأتي تحريره وتقريره ان شاء الله على ان الذي لا يعتقد حجية البراءة الأصلية لا يحتاج الى دليل لأنه ناف لا مثبت ومنكر لا مدع والشبهة كافية هنا فإنه ما لم يتحقق حجية البراءة الأصلية كيف يجوز الجزم بحجيتها وضعف دليل الحجية وفساده كاف ، فكيف والأدلة العقلية والنقلية على نفى الحجية البراءة الأصلية كثيرة جدا يأتي الإشارة إلى بعضها ان شاء الله.

وانما يطلب الدليل من المدّعى المثبت لا من المنكر النافي كما صرّح به المحققون في محله وجزم به أكثرهم والقول بخلافه لا يخفى ضعفه وضعف دليله.

قوله : في كون البراءة الأصلية لا يصلح الاحتجاج بها.

أقول : ظاهره ان الاحتجاج بها جائز ولم يصرّح فيه بالوجوب وكذا غيره من الأصوليين وذلك ان مخالفتها والعمل بالاحتياط راجح قطعا وانما الخلاف في وجوب مخالفتها واستحبابه فالمعاصر لا ينكر الاستحباب لكن يظهر منه في آخر الكلام التشنيع على من يترك العمل بها لا بمجرد ترك العمل بها بل لعمله بأحاديث ضعيفة عنده ، وكفى بهذا ضعفا لحجية البراءة الأصلية حيث انها دائما مخالفة للاحتياط والعمل بالاحتياط راجح اتفاقا وانما الخلاف في وجوبه واستحبابه.

واعلم ان كلام المعاصر وغيره هنا مجمل يحتاج الى التفصيل لتحقق محل النزاع ونحن نفصل ونقول الأصل يطلق على معان ويستدل به في مواضع اثنى عشر :

الأول : نفى الوجوب في فعل وجودي الى ان يثبت دليله.

١٩٨

الثاني : نفى التحريم في فعل وجودي الى ان يثبت دليله.

الثالث : نفى تخصيص العام الى أن يثبت المخصص.

الرابع : نفى تقييد المطلق الى أن يثبت المقيد وفي معناه نفى النسخ الى ان يثبت.

الخامس : نفى الاشتراط بشرط مختلف فيه الى أن يثبت وهو راجع الى حدّ السابقين.

السادس : نفى مطلق الحكم الى ان يثبت دليله.

السابع : نفى تغير الحكم الشرعي في الحالة السابقة وهو المسمى بالاستصحاب في نفس الحكم الشرعي إثباتا ونفيا.

الثامن : نفى تغير الحالة السابقة الى أن يثبت تغيرها وهو المسمى بالاستصحاب في غير نفس الحكم الشرعي.

التاسع : القاعدة الكلية كما يقال الأصل في الكلام الحمل على الحقيقة ونحو ذلك.

العاشر : الحالة الراجحة وهي قريبة من سابقها.

الحادي عشر : الدليل والبرهان كما يقال الأصل في هذه المسئلة الكتاب والسنة

الثاني عشر : الكتاب المعتمد كما يقال كتاب حريز أصل وكتاب محمد بن مسلم من جملة الأصول وهذا مخصوص بكتب الحديث وهو راجع الى سابقة وربما يطلق على غير ذلك. فاذا عرفت هذا فنقول.

اما الأول : فلا خلاف فيه بين العقلاء إذ لم يذهب أحد منهم إلى أصالة الوجوب حتى تثبت عدمه واستلزام ذلك تكليف ما لا يطاق ظاهر ، وبطلانه أظهر مع انه كثيرا ما يحصل الشك في وجوب الفعل ووجوب الترك وقد ورد التصريح بما قلناه في عدة أحاديث ولم يقل أحد أيضا بوجوب الاحتياط هنا وان كان مستحبا حيث لا يكون الفعل مترددا بين الوجوب والتحريم نعم قد حكموا بوجوب الاحتياط إذا علم

١٩٩

اشتغال الذمة بعبادة وحصل التخيير في نوعها كالقصر والتمام والظهر والجمعة وصلاة الفريضة إلى أربع جهات ونحو ذلك مع عدم إمكان الترجيح بالمرجحات المنصوصة وله تفصيل آخر مذكور في محله.

واما الثاني : ففيه خلاف مشهور ومذاهبهم فيه ثلاثة ، أصالة الإباحة حتى تثبت التحريم ، وأصالة التحريم الى ان تثبت الإباحة ، ووجوب التوقف والاحتياط وعدم الجزم بأحد الطرفين ودليل الأولين ضعيف وكل منهما يدفع الأخر والأدلة العقلية والنقلية دالة على الثالث

واليه ذهب رئيس الطائفة في كتاب العدة وجماعة من المتقدمين والمتأخرين وقد اتفق الجميع على رجحان ذلك لم يخالف فيه عاقل وانما اختلفوا في الوجوب كما مر ولا يخفى ان الأصل بهذا المعنى نوع من الاستصحاب لأنه استصحاب لحكم الأشياء قبل ورود الشرع أو قبل تعلق التكليف بالمكلف ولا يتصور وجوب التوقف والاحتياط في مقام الوجوب والتحريم معا لأنه يستلزم اجتماع النقيضين وغير ذلك من المفاسد والنصوص الصريحة دلت على الفرق بين المقامين.

وأما الثالث والرابع والخامس : فلا خلاف فيها أيضا الا انهم اختلفوا في الحكم بالنفي قبل التفحص وعدمه والمحققون على اشتراط التفحص وهو الأحوط

وذهب العلامة إلى جواز الحكم قبل التفحص هذا في أحاديث الأئمة (ع) وأما في القرآن ففي ذلك خلاف مشهور والأحاديث المتواترة التي تزيد على المائتين دالة على عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهره الا بعد معرفة أحوالها وتفسيرها من الأئمة (ع) ولو بحديث يوافق مضمونها ليؤمن من النسخ والتخصيص والتقييد وغير ذلك مما هو كثير جدا في القرآن وقد جمعناها في محل آخر ودلالتها ظاهرة واضحة غير محتملة للتقية وقد تجاوزت حد التواتر وما يتخيل من معارضاتها محتمل للتقية على انها ظواهر لا تعارض النص الصريح.

واما السادس : ففيه خلاف مشهور وقد خصه المحقق بما يعلم انه لو كان هناك

٢٠٠