الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

الربع المسكون بل الى كل مكان باعتباره كذلك ومعلوم ان الشمس أكبر جرما من الأرض بكثير حتى انهم قرروا وبرهنوا على ان الشمس مقدار الأرض مأة وستة وستين مرة وربع مرة وثمن مرة ويلزم من ذلك كون المضي‌ء من الأرض أكثر من نصفها دائما كما هو شأن كل كرة استضاءت من كرة أكبر منها كما في الشمس والقمر وغير ذلك واللازم من ذلك كون ظل الأرض مخروطا مستدقا تدريجا مثل شكل الصنوبرة واقعا في خلاف جهة الشمس دائما متحركا بحركتها وينتهي في ما بين الأفلاك كما هو مقرر أيضا.

فليس للأرض ظل عند السماء السابعة قطعا فضلا عما فوقها والزوال هو وقت وقوع الشمس على دائرة نصف النهار وميلها عنها يسيرا الى طرف المغرب وهو مختلف باختلاف الأماكن فلعل صلاته (ص) كانت في مكان تكون الشمس واقعة على تلك الدائرة اعنى دائرة سمت الرأس وبالنسبة إليه (ص) هناك وهو يجامع كون ذلك في الليل بالنسبة الى أهل مكة قطعا وعلى هذا فيحمل قرب الفجر على ما هو بالنسبة إليهم كما هو ظاهره فتدبر.

واما ما اشتهر بين أهل الهيئة من امتناع الخرق والالتئام في الأفلاك فإن الأدلة العقلية لم تقم على ذلك والنقلية منافية له ومعلوم انه ليس بممتنع لذاته وأدلة الاسراء وغيرها يدل على بطلانه وعموم القدرة الإلهية يدل على الإمكان والنقل المتواتر على الوقوع وما يدعيه بعض المنجمين والحكماء من الأفلاك والكواكب تؤثر في كل شي‌ء ولا يؤثر فيها شي‌ء فهو باطل بالضرورة عند أهل الشرع ولم يثبت له دليل معقول ولا ريب في ان اعتقاد ذلك يوجب الكفر وينافي الإسلام ويستلزم من المفاسد الدينية ما لا يعد ولا يحصى كبطلان الاسراء وسقوط التكليف وغير ذلك والله اعلم.

١٤١

فائدة (٤٦)

في شرح خطبة لأمير المؤمنين (ع) التمسه منى بعض الرؤساء على وجه الاختصار يتحقق بعض لغتها وبيان نبذة من نكتها.

روى الصدوق في المجالس (١) بإسناده عن الصادق عن آبائه (ع) قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام والله ما دنياكم عندي. إضافتها إليهم للتشنيع عليهم بحبها وكسبها [ وكسبهم ـ خ ] حتى كأنها مقصورة عليهم فحسنت إضافتها إليهم والغرض التزهيد فيها وإظهار ما هو ظاهر من تركه لها حتى لا يمكن إضافتها إليه ليقتدى به في ذلك.

الا كسفر : ـ أى كقوم مسافرين وهو من قصر الموصوف على الصفة قصرا إضافيا أو للمبالغة وهو من قصر القلب باعتبار ان حال المخاطبين في حب الدنيا والاقتصار عليها يقتضي اعتقادهم دوامها فلذلك اثبت فناؤها بطريق القصر مع التوكيد وان لم يكونوا منكرين فجعلهم كالمنكرين لما لاح عليهم من أمارات الإنكار.

على منهل : ـ وهو اما مصدر بمعنى أول الشرب كالنهل محركة أو بمعنى المشرب اى الموضع الذي فيه الشرب أو المنزل الذي بالمفازة ذكر ذلك صاحب القاموس وعلى الأولين هو إشارة إلى سرعة فناء الدنيا حال كون أهلها مغمورين في لذاتها وعلى الرابع الى كون صاحبها على خطر عظيم وخوف ويقين بانقضائها حلو : ـ من الحلول ضد الارتحال لمقابلته به.

__________________

(١) ٦٢٠ ط الإسلامية

١٤٢

إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا :

الإتيان بإذا الفجائية مع الفاء ، وذكر الصياح ، والسائق للمبالغة في سرعة الارتحال بغتة وعدم التمكن من الإقامة وان أرادوها ويؤيد المعنيين الأولين ولا ينافي مناسبة الأخير لدلالته على زيادة أسباب السرعة.

ولا لذاتها في عيني ـ : اما ان يراد باللذات ما يحصل منه كالمآكل والملابس والمناكح ونحوها أو يراد بالعين عين القلب والا فهي أمور معنوية غير محسوسة بالعين الباصرة أو يكون الكلام على طريق التمثيل.

الا كحميم ـ : وهو الماء الحار والماء البارد أيضا فهو من أسماء الأضداد.

أشربه غساقا ـ : بالتخفيف كسحاب أو بالتشديد كشداد وهو البارد المنتن ومن هنا يظهر انه يتعين ارادة البارد من الحميم وهذا الحصر كالأول.

أو علقم ـ : وهو الحنظل وكل شي‌ء مرّ وأشد الماء مرارة.

أتجرعه ـ : اى ابتلعه بتكلف ومشقة.

زعاقا ـ : اى مرا وهو حال من ضمير المفعول.

وسم أفعى: وهو مثلث السين المهملة هذا القاتل المعروف والأفعى الحية الخبيثة تكون أسماء وصفة.

أو أسقاه دهاقا :يقال وهو الكأس ملأه ودهق الماء أفرغه إفراغا شديدا فهو من أسماء الأضداد أيضا وكلاهما متجه.

وقلادة من نار أوهقها خناقا ـ : الوهق محركة ويسكن الحبل في الشوطه يرمى فيها وتؤخذ به الدابة أو الإنسان وهقه كوحده حبسه والظاهر ان أصله أوهق بها بالبناء للمجهول فحذف الحرف وعدى الفعل بنفسه والخناق ككتاب : الحبل يخنق به.

فقد ظهر انه حصر لذات الدنيا في أربعة أقسام كل واحد منها تنفر منه الطباع إذ المقصود التنفير والتزهيد ولعل وجه الحصر أنها اما أن تكون مستلزمة للمشقة

١٤٣

الشديدة أو قاتله والأول اما متناه في المشقة أو دونه والثاني اما ظاهر واما خفي هذا على تقدير كون الواو بمعنى أو كما هو وارد كثيرا في مثل هذا المقام والا فيكون حصر اللذات في مشابهة مجموع الأربعة ولعل الترقي من الأدنى إلى الا على للدلالة على ان بعضها ينجر الى ما هو أعظم منه.

ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ـ : شرع عليه‌السلام في وصف حاله ليقتدى به من تأخر عنه وان كانت ظاهرة لمن كان في زمانه ليعلم ان من أمر بشي‌ء ينبغي أن يبدأ بنفسه فيأمرها والمدرعة : كمكنسة ثوب غليظ كالدراعة ورقع الثوب إصلاحه بالرقعة وهي خرقة تخاط على الموضع التالف [ التأليف ـ خ ] ولعل وجه الاستحياء خوفه من أن ينسبه راقعها الى البخل والدناءة والخسة وقصر الهمة وذلك لبعد طباع أهل الدنيا عن معرفة خستها وغلبة حبها عليهم وما أحسن قول مهيار قنعت منها بما بل الصدى كبرا (١) في همتي ظن قوم انه صغر.

وقال لي اقذف بها قذف الأتن لا ترتضيها لبرادعها. [ ليرقعها خ م ] القذف الرمي يقال : قذف بالحجارة أى رمى بها والأتن الحمير جمع اتان أنثى الحمر والبرادع جمع بردعة بالدال المهملة والمعجمة معا وهي الحلس يلقى تحت الرحل والحلس الكساء الذي على ظهر الدابة يعنى ان الراقع قال له ارم بهذه المدرعة كما ترمى بها الحمير التي لا ترتضيها مطروحة على ظهورها تحت رحالها فكيف ترضى بلبسها الأكابر الأجلاء من بنى آدم مثلك هذا على تقدير كون الجملة الفعلية صفة المعرف بلام الجنس.

نحو ولقد أمر على اللئيم يسبني.

واحتمال الاستئنافية أيضا متوجه بيانا لسبب القذف.

فقلت له اعزب عنى. العزوب : الذهاب والغيبة.

عند الصباح يحمد القوم السري : يعنى السير بالليل.

__________________

(١) قنعت منها حويل الصدى

١٤٤

وتنجلي عنهم عيابات (١) الكرى. أى تنكشف عنهم حجب النوم وغواشيه التي كانت تغشاهم وهو قريب من قوله عليه‌السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا ، فكان للعبادة في الدنيا سير بالليل وما يعرض للناس فيها من الفترات والميل الى الكسل بمنزلة النعاس والنوم فاذا جاء النهار ظهرت نتيجة السفر وزالت عوارض السهر وتبين فضل المجاهدين وخيبة الراقدين أو المراد بالليل والنوم ما يعرض في الدنيا من الشبهات في الدين والشكوك المعارضة لليقين وبالصباح انكشاف جميع ذلك في القيمة.

ولو شئت لتسربلت : أى تقمصت أو تدرعت أو لبست.

بالعبقري وهي نسبة الى قرية ثيابها في غاية الحسن ، والعبقري أيضا الكامل من كل شي‌ء وضرب من البسط وعبقر اسم امرأة.

المنقوش من ديباجكم : الديباج معروف وهو فارسي معرب والمعنى انى قنعت وزهدت في دنياكم لا عن عجز بل مع غاية القدرة ولو أردت للبست أفخر الملابس بحسب اعتقادكم بناء على الظاهر كما في خبر الصناديق الأربعة في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة وفيه موعظة بليغة.

ولا كلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم. اللباب الخالص من كل شي‌ء ومن الجوز ونحوه قلبه ، والبر بالضم الحنطة والمعنى ظاهر.

وقد روى انه عليه‌السلام ما أكل خبز البر ولا شبع من خبز الشعير (٢).

ويروى عنه أيضا أنه سئل أنت أفضل أم أبوك آدم فقال ان آدم نهاه الله عن الشجرة فأكل منها وأحلها لي فتركتها (٣).

__________________

(١) علالات ـ خ م. عنايات خ ل

(٢) حلية الأبرار للبحرانى ص ٣٥٢ ـ ٣٥٧.

(٣) منهاج الحق واليقين في تفضيل أمير المؤمنين (ع) على سائر الأنبياء والمرسلين تأليف ولي الله بن نعمة الله الحسيني الرضوي المخطوط في مكتبة صديقي العلامة اللاجوردي ص ٤٨ وفقنا الله لطبعه ونشره ومؤلفه كان معاصرا لوالد الشيخ البهائي العاملي ره كما يظهر من كتاب كنز المطالب الذي ألفه سنة ٩٨١ وهو صاحب مجمع البحرين في فضائل السبطين وقد جمع فيه الأدلة والبراهين على تفضيله من كتب الفريقين راجع الذريعة ج ٢٣ ص ١٦٠

١٤٥

ولشربت ماء الزلال برقيق زجاجكم. الزلال كغراب سريع المرّ في الحلق والبارد والعذب الصافي السهل السلس ، والزجاج معروف مثلث الزاي وصانعه الزجاج وبائعه الزجاجي وقد ذكر الملابس والمآكل والمشارب لأنها أعم الشهوات واللذات المقصودة للعقلاء في الجملة وترك المناكح إذ لم يكن تاركا لها ولان الشرع ورد بالترغيب في المباح منها لبقاء النسل وتكثير الأمة ودفع الشهوة الداعية إلى الحرام وغير ذلك من المصالح المهمة فكان التزهيد فيها منافيا للحكمة

ولكني أصدق الله جلت عظمته حيث يقول ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النّارُ ) (١).

فيه تعريض بالمخاطبين حيث يريدون الدنيا والآخرة واشارة إلى انهما لا يجتمعان على وجه الكمال بل لا بد من دخول نقص في إحديهما أو فيهما وهذا وأمثاله ذم الدنيا المحرمة أو لما زاد عن أقل الكفاية مطلقا ولعله يفهم من لفظ الزينة هنا فان ما لا يزيد عليه من الحلال مأمور بطلبه بل تحصيله واجب فهو من العبادات وبهذا الاعتبار يجمع بين ما ورد من الاخبار من النهى والأمر والذم والمدح أو يقال ان مطلق الدنيا المباحة إنما أمر بطلبها ورغب في تحصيلها كما في كتاب التجارة وغيره لتكون وسيلة إلى تحصيل الثواب وفعل الخير ومعونة على العبادة والعلم وبهذا الاعتبار هي من قسم الآخرة كما ورد التصريح به ويحمل الذم على ما كان المراد منه مجرد الجمع والتلذذ والتنعم ونحو ذلك من الأغراض الفاسدة.

فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة. وهي ما يتطاير من النار.

__________________

(١) هود ـ ١١

١٤٦

إلى الأرض لا حرقت نبتها.

اى كله فإن إضافة المصدر تفيد العموم حيث لا عهد نحو أكل زيد وضرب عمرو فإنه يصح الاستثناء من مثله وهو دليل العموم والحكم بذلك مع كون الذي يطير من النار في غاية القلة والصغر نهاية الترهيب والتحذير.

ولو اعتصمت : اى امتنعت وتمسكت.

نفس بقلة : بالضم أعلى الرأس والسنام والجبل أو كل شي‌ء.

لا نضجها : أى طبخها حتى أدركت وتلاشت اجزاؤها.

وهج النار : أى توقدها واضطرامها.

في قلتها : الضمير راجع الى النفس وفي الإضافة إشارة إلى شدة الاعتصام ومزيد الاختصاص.

وأيما خير لعلى أن يكون عند ذي العرش مقربا أو يكون في لظى : أي في جهنم.

خسيئا : أى مطرودا.

مبعدا مسخوطا : مغضوبا عليه. بجرمه : اى بذنبه.

مكذبا : لو أنكر واعتذر وهذا على سبيل الفرض والتقدير في الثاني فإن الأول محقق والشي‌ء يقاس بضده أو من تعليق المحال على المحال.

والله لأن أبيت على حسك السعدان : وهو نبت له شوك والحسك شوك.

مرقدا : اى مكرها على الرقاد.

وتحتي اطمار على سفاها : الاطمار جمع طمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي والسفا بالسين المهملة قالوا التراب وكل شجر له شوك ولا يخفى حسن موضع الإضافة هنا.

ممددا : حال كمرقدا.

أو أجر في الأغلال : جمع غل وهو ما يوضع في اليدين والعنق للأسير ونحوه

١٤٧

مصفدا : أى مشدودا موثقا والأصفاد القيود والمراد اجتماع الأمور الثلاثة واستيعابها لحالاته ولا يخفى انها بالنسبة إلى مثله في شرف النفس وعلو الهمة وإباء الضيم من أعظم البلايا وأشد الشدائد.

أحب الىّ ان القى في القيمة محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله خائنا في ذي يتمة : وهي بالضم الانفراد وفقدان الأب ومن البهائم فقدان الام وقد جاءت بمعنى الهم وكل منها هنا متجه والثاني أقرب.

أظلمه بفلسة متعمدا : تخصيص اليتم والتنصيص على النعمة لزيادة التقبيح والذم لعاقبة حب الدنيا وهو انه ينجر الى مثل هذه الكبائر وذكر الفلس مناسبة للمقام وارادة للمبالغة في التحرز من الظلم ، وتقرير لأنه من أعظم الذنوب أو إشارة إلى أنه أدنى ما يستلزمه ما تقدم والحكم بالتفصيل في المحبة هنا كقوله تعالى حكاية عن يوسف ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (١) ومعلوم أنهما عليهما‌السلام لا يحبان شيئا من الأمور المذكورة إلا باعتبار أن العاقل يختار ادنى الشرين على أعظمها محبة أحد الشرين لا لذاته بل لكونه مصرفا عما هو أعظم منه.

ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم : استفهام إنكاري للإبطال ونفى ما بعده كقوله تعالى :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ ) أى ولأي شي‌ء أظلم الناس.

لنفس يسرع الى البلى قفولها : اى رجوعها أو سفرها الذي يتعقبه الرجوع كما يسمى الجماعة المبتدئة في السفر قافلة تقاولا بالرجوع.

ويمتد في إطباق الثرى حلولها : اى يطول بين التراب يعني في القبر إقامتها

وان عاشت رويدا : اى مهملة قليلة وهو تصغير رود بالضم.

فبذي العرش نزولها : يعنى لزهده النفس التي هذا وصفها من سرعة ذهابها وقصر عمر صاحبها وطول زمان موته وكون آخر أمره العود الى دار الجوا ليس لها قابلية لتحمل ظلم الناس لأجلها.

__________________

(١) سورة يوسف ٢٣

١٤٨

معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بأنيابها : خص شيعته المضافين الى نفسه لزيادة الاعتناء بشأنهم وصلاح حالهم وكونهم المتأهبين للامتثال المنتفعين بصالح الاقوال والأعمال وحذرهم من الدنيا والغفلة فيها وعرفهم انها تمكنت منهم وعضتهم بأنيابها فأشرفت على اتلافهم وإهلاكهم وقد شبه الدنيا بالحية واثبت لها الأنياب والعض على سبيل الاستعارة بالكناية والتخييلية والترشيحية.

تختطف منكم نفسا بعد نفس كدأبها : الخطف والاختطاف الاستلاب أي الأخذ بسرعة والد أب الشأن والعادة والجد والمعنى كما هي عادتها مع غيركم من قبلكم وفي منزلكم أو مطلقا.

وهذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها : كناية عن قرب المعرف وسرعة الانتقال من الدنيا الى الآخرة.

ألا ان الحديث ذو شجون : أى فنون وأغراض وشعب يعنى له محامل ومعان شتى وفيه مطالب مختلفة وكثيرا ما يراد به غير الظاهر وقد يراد به الظاهر وغيره.

فلا يقولن قائلكم ان كلام علي متناقض : حيث ان كثيرا من كلامه في ذم الدنيا وبعضه في مدحها كخطبة المشهورة وغير ذلك من كلامه المتعلق بالمواعظ وردع الناس عن الإفراط ولتفريط في كل شي‌ء واحتجاجه على جماعة تركوا الدنيا بالكلية ونهيهم عن ذلك ونحو كلامه في المكروهات والمستحبات.

فقد رويت عنه أحاديث في مثل ذلك تارة بالأمر وتارة بالنهي وأخرى بالتخيير ومرّة بالترغيب ومرة بإذن في الترك بحسب ما يقتضيه الحال من تقرير الشريعة وردع الناس عن الإفراط والتفريط وكذا ورد عن أبنائه (ع) بل أكثر كلامهم الذي ظاهره الاختلاف مخصوص بنحو ذلك لا يكاد يخرج عنه الا الى التقية كما يظهر بالتتبع.

لان الكلام عارض : يقال عرض الشي‌ء بدأ وظهر ، اى انه يأتي من المتكلم بحسب ما يبدو له من حال المخاطب ومن المطالب والأغراض من المدح والذم

١٤٩

والترغيب والترهيب وغير ذلك.

ولقد بلغني ان رجلا من قطان المدائن : أى سكانها والمقيمين بها وهي بلاد قرب بغداد وتسمى مدائن كسرى سميت مدائن لكبرها.

تبع بعد الحنيفية : اى الملة المستقيمة يعنى الإسلام.

علوجه : اى رفقائه وخلطاؤه من كفار العجم والظاهر ان المراد انه ارتد عن الإسلام حبا للدنيا والشهوات لما يأتي من استحقاقه حد المرتد وانه اشتغل بالدنيا عن الدّين بالكلية أو صرف جميع ماله في الشهوات لما يأتي من استحقاقه حدّ المرتد أو انه اشتغل بالدنيا عن الدين بالكلية أو صرف جميع ما له في الشهوات فمنع الحقوق والزكوات لقوله فيما يأتي فما واساهم وكل ذلك موجب للارتداد على وجه أو متابعة الكفار في طرائقهم.

ولبس من نالة دهقانه : بالكسر والضم القوى على التصرف والتاجر ورئيس الإقليم فارسي معرب ، وزعيم فلاحى العجم والمناسب هنا كون المراد به التاجر وغيره ممكن أيضا فيكون المراد ان ملبوسه غصب.

منسوجة وتضمخ : اى تلطخ بالطيب ودهن جسده به حتى كأنه يقطر منه.

بمسك هذه النوافج : جمع نافجة وهي وعاء المسك فارسي معرب.

صباحه وتبخر بعود الهند رواحة : أى آخر النهار.

وحوله يحان : وهو نبت معروف.

حديقة : وهي الروضة ذات الشجر والبستان من النخل والشجر أو كل ما أحاط به البناء والقطعة من النخل.

يشم تفاحة وقد مد له مفروشات الروم على سريرة (١).

تعسا له : دعا عليه بالتعس وهو الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط.

__________________

(١) على سرره : خ م.

١٥٠

بعد ما ناهز : اى قارب السبعين من عمره وحوله شيخ يدب على أرضه أي يمشى على هنيئة مشيا ضعيفا.

من هرمة : وهو أقصى الكبر.

وذو يتمه : اى الانفراد أو فقدان الأب أي يتيم.

تضور اى يتضرر ويتلوى من ألم الجوع.

من ضره ومن قرمه : محركة اى شهوة اللحم وكثر استعماله أيضا حتى في الشوق الى الحبيب.

فما وأساهم : أي فما أنالهم ولا أعطاهم من ماله شيئا وضمير الجمع باعتبار ان المراد بالشيخ واليتيم غير معين فيصدق كل منهما على أفراد متعددة أو إطلاق للجمع على اثنين مجازا على الأصح.

بفاضلات من علقمة : اى مأكله الردى العاقبة السريع الفنا وقد مرّ تفسير العلقم وهو هنا مجازا كما قلنا.

لئن امك‌ننى الله منه لأخضمنه : الخضم الأكل بأقصى الأضراس أو ملؤ الفم بالمأكول أو خاص بالشي‌ء الرطب كالقثاء.

خضم البر بالضم : الحنطة.

ولا فيمن عليه حد المرتد : لاتباعه الكفار كما مر أو لاستحلال تركه الضروريات من الواجبات.

ولأضربنه الثمانين بعد حدّ : لعله على وجه حدّ التعزير بما اقتضاه نظره عليه‌السلام أو لعلمه بإتيانه بموجب الحد والتعزير ويكونان مقدمين على القتل كما تقرر.

ولأسدّن من جهله كل مسد : بإقامة الحجة والبرهان أو حبسه أو قتله.

تعسا له : دعا عليه وقد مر تفسيره.

أفلا شعر أفلا صوف أفلا وبر أفلا رغيف قفار : اى غير مأدوم.

الليل إفطار مقدم : اى يقدمه ذخيرة لآخرته.

أفلا عبرة : أى دمعة.

١٥١

على خد في ظلمة ليل تنحدر : أى تتساقط بسرعة.

ولو كان مؤمنا لاتسقت : اى انتظمت وتمت له الحجة إذ ضيع ما لا يملك : أي أنفق ما لا يجوز له إنفاقه شرعا أو غصب أموال الناس وأنفقها وأتلفها.

والله لقد رأيت عقيلا أخي وقد أملق : اى افتقر.

حتى استماحني : أى سألني أن أعطيه.

من بركم هذا صاعا وعاودني في عشر وسق : وهو ستة أصواع ـ وفي رواية أخرى في صاع.

من شعيركم يطمعه جياعه.

ويكاد يلوى : اى يطوي كما في نسخة أخرى.

ثالث أيامه خامصا : اى جائعا.

ما استطاعة أي يقدر قدرته من الاستماحة والمعاودة أو من الجوع.

ورأيت أطفاله شعث الألوان : اى قد تغيرت وجوههم واغبرت من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم : اى انقبضت واقشعرت.

من قرّهم : بضم القاف أى من بردهم.

فلما عاودني في قوله ، وكرره أصغيت اليه سمعي : اى ملت اليه بأذنى.

فغرة : من الغرور ولعل وجه الإصغاء الثاني رجاء الانزجار اختبارا منه.

وظننى أوبغ ديني : بالباء الموحدة والغين المعجمة يقال : وبغه كوعده عابه أو طعن عليه والوبغ محركة داء يأخذ الإبل فيرى فساده في أو بارها ويقال وثغ رأسه بالثاء المثلثة اى شدخه والنسخ هنا مختلفة.

فاتبع ما سره فأحميت له حديدة كير : وهو مزق ينفخ فيه الحداد.

لينزجر : أى ليمتنع.

إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصطبر.

١٥٢

فضج : اى صاح وجزع.

من ألمه : لعل المراد به ألم الخوف من الإحراق إذ لم يعلم أنه أحرقه بالفعل بل ورد أنه أدناها من جسمه وكأنه خوفه تخويفا فظن انه يريد إحراقه ويمكن ان يكون أوصلها إلى جسمه فالالم ألم الإحراق ووجهه انه لم يكن ازالة المنكر الا بذلك ولا ريب انه لم يقدر في ذلك الوقت على إيصاله ما طلب على وجه شرعي.

ضجيج ذي الم يأن : اى يتأوه.

من سقمه وكاد يسبني سفها من كظمه : يقال كظم الغيظ اى رده وحبسه ويقال رجل كظم ومكظوم أى مكروب والثاني أقرب وأنسب لتعليل قرب السبب والأول لتعليل عدمه وتركه المفهوم من المقاربة

ولحرقة في لظى : أى جهنم

أضنى له : يقال ضنى اى مرض مرضا مخامرا كلما ظن برءه نكس وأضناه المرض.

من عدمه : وهو ضد الوجود

فقلت له ثكلتك الثواكل : الثكل فقدان الحبيب أو الولد وامراة ثاكل فقدت ولدها

يا عقيل أتأنّ من حديدة أحماها إنسانها لدعبه : أى لمزاحه ولعبة وفهم من هذا انه لم يرد إحراقه فضلا عن أن يكون فعله.

وتجرني الى نار سجرها : اى أحماها.

جبارها لغضبه أتان من الأذى : أى أذى حرارة النار فاللام للعهد.

ولا أئن من لظى والله لو سقطت المكافاة عن الأمم وتركت في مضاجعها اى مراقدها يعنى القبور.

بأليات في الرمم : جمع رمة بالكسرة وهي العظام البالية أي في جملة الرمم أو في رمم القبور.

١٥٣

لاستحييت من مقت رقيب : أى بعض مراقب.

يكشف فاضحات من الأوزار تنسخ : اى تكتب في الصحائف وقتا بعد وقت فصبرا على دنيا تمر بلأوائها : أى بشدتها.

كليلة بأحلامها : وهي ما يرى في النوم تسلخ : اى تمضى يعنى ان أحوال الدنيا مع انها كلها أو أكثرها شدة تنقضي كما تنقضي ليلة بأحلامها.

كم بين نفس بين خيامها ناعمة : اى متنعمة في خفض ودعة.

وبين أثيم : أي صاحب اثم وذنب عظيم.

في جحيم يصطرخ : اى يصيح صياحا شديدا.

فلا تعجب من هذا وأعجب بلا صنع منا : وفي نسخة بلا منع منا يقال : هو صنعي وصنيعي اى اصطنعته ورتبته وخرجته والصنع التكلف في حسن السمت والتزين والمصانعة الرشوة والمداراة والمداهنة والصنع بالضم فعل المعروف وبالفتح والضم مطلق العمل ويمكن توجيه العبارة بكل واحد من هذه المعاني وأكثرها والمنع معروف.

وكان مراده عليه‌السلام بلا منع منا من عوض الهدية يعنى الباعث على عدم القبول ليس ارادة المنع من العوض أو بلا منع منا من القبول أى ليس تركه اقتراحا لمجرد المنع أو بلا منع من الإهداء أو من التعجب يعنى انه رخص للسامع في بلوغ غاية التعجب.

من طارق طرقنا : أى أتانا ليلا أو مطلقا.

بملفوفات زملها في انائها : التزميل الإخفاء واللف في الثوب وتزمل تلفف والإناء : الوعاء والمراد نوع من الحلواء الجيدة.

ومعجونة بسطها في وعائها فقلت له أصدقه أم نذر أم زكاة وكل ذلك محرم علينا أهل البيت :

لعل هذا الحكم مختص بهم لا عام في جميع بنى هاشم والا فالحكم فيهم مخصوص ببعض الأقسام ويمكن إرادة الصدقة الواجبة التي هي الزكاة وذكرهما

١٥٤

للمغايرة اللفظية أو في اعتقاد المخاطب وربما يفهم من قوله لإذا أو ذاك انهما قسمان لا غير.

ويحتمل كون التحريم بمعنى انهم حرموه على أنفسهم اى حرموها إياه فالتحريم مجاز بمعنى الحرمان وانما فعلوا ذلك زهدا ودفعا لتهمة الطمع والرشوة وتأديبا للحكام.

وعوضنا منه خمس ذوي القربى : وهو سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى اعنى نصف الخمس.

في الكتاب والسنة فقال لي؟ لا ذاك ولا ذاك ولكنه هدية.

فقلت ثكلتك الثواكل : تقدم تفسيره.

أعن دين الله تخدعني : يقال خدعه كمنعه خدعا وبكسر ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم.

بمعجونه غرقتموها : اى جعلتموها غارقة مغمورة :

بقندكم : وهو عسل قصب السكر إذا جمد.

وخبيصة صفراء : من خبصه يخبصه أى خلطه.

أتيتمونى بها بعصير تمركم : يحتمل ارادة العصير المحرم أو الأعم وان كان ارادة المحال أقرب فإن الظاهر انه انما تركها لكراهة التلذذ والنعم بالمآكل الطيبة ولما يأتي من ذكر العصيان ربما أشار الى الأول.

أمختبط أنت : يقال اختبطه الشيطان وتخبطه إذا مسه بأذى.

أم ذو جنة : أى جنون.

أم تهجر : اى تهذى.

أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل : وهو حب شجر معروف.

مسئولة فما ذا أقول في معجونة أتزقمها : أى التقمها وابتلعها والزقوم طعام أهل النار ولعل فيه اشارة اليه معمولة.

١٥٥

والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها واسترق لي : أي صار ملكا.

قطانها : اى سكانها.

مذعنة : اى مقرة معترفة.

بأملاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها : اللوك أهون المضغ أو مضغ صلب أو علك الشي‌ء.

ما قبلت ولا أردت ، ولدنياكم أهون عندي من ورقة في فم جرادة تقضمها : يقال قضمه كسمع أكل بأطراف أسنانه أو أكل يابسا.

وأقذر عندي من عراقة خنزير : العرق اللحم بعظمه فإذا أكل لحمه فعراق أو كلاهما لكليهما وكغراب وغرابة القطعة من المأكل.

يقذف بها أجذمها وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها : تقدم تفسيرها.

ذو سقم فيشمها فكيف اقبل ملفوفات عكمتها : أى شددتها بثوب.

في طيها ومعجونة كأنما عجنت بريق حية أو قيئها : هذا الوصف لزيادة التفسير منها والتقبيح لها ووجهه ما فيها من الاخطار والتبعات والشبهات المهلكة كالسم القاتل.

اللهم انى نفرت منها نفار المهرة : وهي الأنثى من ولد الفرس وأول ما تنتج من راكبها وفي نسخة من كيها : وهو أبلغ في شدة النفار.

أريه السها ويريني القمر : السها كوكب خفي في بنات نعش الصغرى وهذا مثل لطيف يعنى أريه الآخرة ويريني الدنيا فالاخرة أمر خفي لاحتياجها الى الفكر والاستدلال وكونها غايبة لا تدرك بالحس الظاهر ، والدنيا ظاهرة مشاهدة بالعيان لا تحتاج الى برهان. أو المراد انه يريني الظواهر الواضحة من الواجبات والمحرمات ويدعى ان ملاحظة ذلك كاف واريه الأمور المخفية في المندوبات والمكروهات والآداب والفضائل كترك الدنيا وغير ذلك.

أأمتنع من وبرة : واحدة الوبر وهو صوف الإبل والأرانب ونحوها.

من قلوصها : وهي من الإبل الشابة أو الباقية على السير أو أول ما يركب من إناثها

١٥٦

ساقطة. صفة الوبرة وهو إشارة إلى تحقيرها وعدم الاعتداد بها وعدم المبالاة بمن يأخذها.

وابتلع إبلا في مبركها رابطة : اى باركة يعنى انى امتنع من إعطاء صاع واحد لأخي مع شدة احتياجه أو من أكل حلوى أهديت الى مع ميلى إليها طبعا فإن المؤمن حلوى كما ورد في الخبر أو من لبس ما زاد على المدرعة وأكل ما زاد على خبز الشعير فكيف أميل إلى الدنيا وأظلم اليتيم وغيره وأتساهل في ديني.

دبيب العقارب : وهو سريان سمعها وأذاها في البدن أو مشيها الخفي لتؤذى الإنسان.

من وكرها التقط : الوكر عش الطائر وكان المراد به مكان العقارب توسعا ويظهر من هذا ان لفظ دبيب فعيل بمعنى فاعل اى العقارب التي تدب.

أم قواتل الرقش : من إضافة الصفة إلى الموصوف والرقش جمع رقشاء وهي الحية المنطقة بسواد وبياض.

في مبيتي ارتبط فدعوني اكتفى من دنياكم بملحى وقراصى فبتقوى الله أرجو خلاصي ما لعلى ونعيم يفنى ولذة تنتجها المعاصي سألقى وشيعتي : أي من شايعنى وتابعنى في الزهد أو من اعتقد امامتى.

ربنا بعيون ساهرة وبطون خماص : اى خالية وهو من الجوع أو الصوم.

( لِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ) : يقال محص الذهب بالنار خلصه مما يشوبه ذكره صاحب القاموس وكذا ما أوردته من تفسير الألفاظ الغريبة والظاهر ان مراده انى انا وشيعتي مظلومون في الدنيا تاركون لها فنحن ممنوعون من بعضها تاركون للباقي بسبب نهى الله لنا عنه وان الله مكن أعدائنا من منعنا من بعضها ونهانا عن الباقي ليمحص إلخ مع إمكان التخصيص بكونه تعليلا للترك وحده أو تعليلا لتشديد أمر الدنيا وما فيها من الأذى لصاحبها والوبال لطالبها كما يفهم من مواضع في الخطبة والله اعلم بمقاصد أوليائه.

١٥٧

فائدة (٤٧)

في باب الدعاء في أدبار الصلوات من أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابه قال : من قال بعد كل صلاة وهو آخذ لحيته بيده اليمنى يا ذا الجلال والإكرام ارحمني وأجرني من النار ثلث مرات ويده اليسرى مرفوعة بطنها الى ما يلي السماء ثم يقول أجرني من العذاب الأليم ثم يؤخر يده عن لحيته [ ثم يرفع يده ] ويجعل بطنها مما يلى السماء ثم يقول يا عزيز يا كريم يا رحمان يا رحيم ، ويقلب يديه ويجعل بطونهما مما يلي السماء ثم يقول أجرني من العذاب الأليم ثلث مرات صل على محمد وآل محمد والملائكة والروح غفر له ورضي عنه ووصل بالاستغفار له حتى يموت جميع الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس (١).

أقول : موضع الإشكال الذي فيه قوله الا الثقلين فان ظاهره انه مستثنى من جميع الخلائق الذي هو فاعل يموت ومعناه حينئذ فاسد لان موت باقي الخلائق غير متقدم على موت الثقلين ولا على موت بعضهما بل الأمر بالعكس ، وأيضا فالاستثناء لا يناسب المقام لو صح التقدم ولا يظهر له معنى يعتد به هذا ما أورده السائل.

والجواب : ان هنا مقدمة يحتاج إليها وهي ان غفر له ورضي عنه فعلان ماضيان مبنيان للمجهول قطعا ، واحتمال كونهما مبنيين للمعلوم والضمير راجعا الى الله

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٥٤٦ ح ٤

١٥٨

سبحانه بعيد جدا على انه غير مذكور الا ببعض أسمائه على وجه الخطاب دون الغيبة وكون مرجع الضمير أحدها (١) لا يخفى ما فيه من البعد وعدم الربط.

وقوله ووصل فعل ماض والأقرب فيه كونه مبنيا للمجهول ومرجع الضمير المستتر فيه مرجع ضميري له وعنه ويحتمل كونه مبنيا للمعلوم وجميع الخلائق فاعلا له وعلى هذا ينبغي تقدير ضمير فيه اى وصله فهو أنسب بالربط في مثل هذا الترتيب « التركيب ـ خ » وعلى هذا يموت فيه ضمير مستتر راجع الى صاحب الضمائر السابقة وهو مسند الى ذلك الضمير لا الى جميع كما كان على التقدير الأول بحسب الظاهر والا فلفظ جميع على الأول كان يحتمل فيه ثلاثة أوجه كونه فاعل يموت والضمير نائب فاعل وصل وكونه فاعل فعل محذوف كأنه قيل من يصله الاستغفار أو من يستغفر له فقيل جميع الخلائق.

كما في قوله تعالى : ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ ) على قراءة يسبح مبنيا للمجهول.

وكقول الشاعر : ليبك يزيد ضارع لخصومة.

وكونه فاعل المصدر الذي هو الاستغفار بصحة حلول ان والفعل محله تقول ووصل بأن يستغفر له جميع الخلائق إذا عرفت هذا فحلّ الاشكال من وجوه

أحدها : ان إلا هنا ليست للاستثناء بل هي وصفية بمعنى غير كما في قوله تعالى : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) (٢) وتلك يوصف بها وبتاليها جمع منكر أو ما في حكمه فالأول كالآية.

والثاني نحو قول الشاعر.

أنيخت فالفت بلدة فوق بلدة

قليل بها الأصوات الانعامها

فان تعريف الأصوات تعريف الجنس وهو في اللفظ معرفة وفي المعنى

__________________

(١) أحدهما خ

(٢) الأنبياء ـ ٢٢.

١٥٩

كالنكرة وكذا في كثير من الأحكام وقد تقرر ان ما أضيف إلى شي‌ء من المعارف فحكمه حكم ما أضيف اليه الا ما استثنى وحينئذ فوصف جميع الخلائق بمغايرة الثقلين من حيث العموم والخصوص والكلية والجزئية والمغايرة صادقة بهذا القدر يعنى ان المراد بجميع الخلائق غير الثقلين وان كان كثيرا ما يطلق عليها خاصة بل المراد منهما الأعم من ذلك.

ويحتمل ان يراد المغايرة الحقيقية يعني حتى يموت جميع الخلائق الذين هم غير الثقلين من الملائكة وغيرهم ووجهه واضح فان موتهم متأخر عن موتهما أو موت بعضهم متأخر عن موت جميعها وهذا الوجه أقرب.

وثانيها : كون الا هنا عاطفة بمنزلة الواو وفي التشريك لفظا ومعنا كما قاله الأخفش والفراء ، وأبو عبيدة وجعلوا منه قوله تعالى : ( لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١).

وقوله تعالى : ( إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ ) (٢).

ااى ولا الذين ظلموا ولا من ظلم ولا يخفى ان لهما وجها آخر على تقدير الاستثناء المنقطع.

اما الأول : فإن الذين ظلموا يدعون الحجة مجرى الكلام على دعواهم واعتقادهم أو يقدر المستثنى منه فيقال ولا يدعيها أحد إلا الذين ظلموا.

وأما الثاني : فأوضح بناء على ما تقرر من عدم وجوب قبول التوبة وعدم ثبوت وجوب التكفير فإنه مثله يخاف من جزاء ظلمه وان بدل حسنا بعد سوء واما من لم يبدل ، فإنه لا يخاف لغلبة الشقا عليه ، ان الخوف إذ فرض كان حسنا بعد سوء.

__________________

(١) البقرة ـ ١٥٠

(٢) النمل ـ ١١.

١٦٠