الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

١

بسمه تعالى

الحمد لله الذي زيّن سماء الحوزات العلمية بأشعة أنوار علوم العلماء العاملين وأوضح مسالك الحلال والحرام بمساعى الفقهاء البارعين ورجّح ميزان شرائع الإسلام بتثقيل موازين حملة آثار الأئمة الرّاشدين والصلاة والسلام الازكيان على أشرف الأنبياء محمد وعترته الأقدسين ثم رحمة الله ورضوانه على متابعيهم والمقتفين لآثارهم والمقتبسين من أنوارهم من الأولين والآخرين الى يوم الدين.

وبعد فيقول العبد العاصي المحتاج الى بحر مغفرته مهدي بن أبى الفضل ابن عباس اللاجوردي الحسيني الكاشاني أصلا ومحتدا القمي منشئا ومولدا : السعادة كل السعادة التفقه في الدين والنظر في أقوال الأئمة الطاهرين المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وملاحظة كلماتهم والغور فيما ورد عنهم عليهم‌السلام تعليما للأمة وتزكية للملة ، لأنها المتكفلة لما هو المراد لكل عاقل ويرومه اللبيب ( وكل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل وعاطل ).

وانى مذ عرفت نفسي ألزمتها بالسير في تحصيل علومهم وخدمة خدام معارفهم وحفظ آثارهم ونشر أخبارهم وحفظ تراثهم ومن نعم الله الجميلة ومواهبه السنية على هذا العبد الضعيف المستضعف أنه رزقني في طيلة أسفاري إلى البلاد والممالك الإسلامية لتحصيل التراث الديني وآثار الشيعة الإمامية وغيرهم كتاب ( الفوائد الطوسية ) لمؤلفه الشهير خريت فن الحديث محمد بن الحسن الحرّ

٢

العاملي « قده » ( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤ ه‍ ) صاحب كتاب وسائل الشيعة الذي هو قطب رحى الاستنباط وكنت آسفا ان هذه الدرّة اليتيمة تركت في مخازن الكتب الخطية ولم ينتشر الى الان الى أن ساعدت السواعد الإلهية صديقي في الله المحب لنشر آثار أجدادي الطاهرين حجة الإسلام الشيخ محمد درودي التفرشي فشمر الذيل لطبعه ونشره ووفقنا الله تعالى في إعانته للتصحيح والتعليق عليه ومراجعة المصادر والمدارك فانتشر بعون الله تعالى فوق ما يؤمل من حسن الطبع والصحة الكاملة وجودة التجليد والوراقة.

ثم ان لي حق رواية هذا الكتاب وسائر مؤلفاته « قده » بطرقي المذكورة في إجازاتي فليروها كل من شاء وأحب أن يروى عنّي جميع ما صحت لي روايته وصلحت منى أجازته بحق رواياتي عن مشايخي الأعلام وآيات الله في الأنام القاطنين في العراق وإيران والطيبة وبيت الله الحرام وأخص منهم بالذكر الشيخ الجليل والأستاد الكبير المبرء من كل شين التقي النقي صاحب التأليفات الممتعة القيمة آيت الله العظمى الشيخ آغا بزرگ الطهراني « قده » وأول من ألحقه بالشيوخ خاتمة المحدثين والمجتهدين ثالث المجلسين الحاج الميرزا حسين النوري الطبري المتوفى (١٣٢٠) بطرقه الخمسة المفصلة المسطورة في خاتمة المستدرك والمشجرة في مواقع النجوم المطبوع أخيرا.

اللهم انصرنا على القوم الكافرين واقطع الأيادي الاستعمارية عن الممالك الإسلامية الموجبة لتضعيف الإسلام والمسلمين وثبتنا على ما ينفعنا في الدنيا والدين وأيدنا لتقرير قواطع البراهين ورفع وساوس الشياطين في تبيين قوانين دين سيد المرسلين. في ليلة العشرين من رجب المرجب في عام ١٤٠٣ من الهجرة النبوية على صاحبها آلاف التحية والثناء.

قم ـ الحوزة العلمية

أقل عباد الله عملا وأوفرهم هواء وزللا. مهدي اللاجوردي الحسيني

٣

كلمة المصحح

الحمد لله الذي رجح مداد العلماء الداعين اليه والدالين عليه والذابين عن دينه والمنقذين ضعفاء عباده من شباك إبليس ومردته أفضل من دماء الشهداء. والصلاة والسلام على خير أبواب رحمته محمد وآله المعصومين النجباء واللعنة الدائمة على أعاديهم الأشقياء.

أما بعد فانى بعد ما وفقني الله تعالى لطبع كتابي « الاثني عشرية » في الرد على الصوفية ، ورسالة « تنزيه المعصوم » عن السهو والنسيان لمؤلفه العلامة الحبر المتبحر خريت علمي الحديث والفقه صاحب كتاب « الوسائل » الشيخ « محمد بن الحسن » الحر العاملي ره كنت أتمنى أن أقوم بنشر بعض آثار اخرى له.

فأنبأنى بعض رجال الفقه والمعرفة بكتاب له طيب الله رمسه يسمى بـ « الفوائد الطوسية » وحثني على نشره بالتأكيد فأخذت أهبتى لطبعه ونشره بين رواد الفضيلة والعلم ايفاء لحق مؤلفه على معاشر الطائفة المحقة الاثني عشرية وهو كما ترى خير كتاب في موضوعه.

قال العلامة النسابة السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي دامت بركاته في سجع البلابل في ترجمة صاحب الوسائل : كتاب الفوائد الطوسية يشتمل على فوائد كثيرة ومطالب متنوعة في فنون العلم وهو حسن جدا (١).

__________________

(١) راجع مقدمة كتاب إثبات الهداة ج ١.

٤

والعلامة الرازي في الذريعة : الفوائد الطوسية للشيخ المحدث الحر العاملي ره مشتمل على مائة واثنين فائدة أو ثلاث كما في فهرسه الموجود لبعض الفضلاء أو للمصنف نفسه وهو في مطالب جليلة متفرقة ، وحل بعض الأحاديث المشكلة وفيه نحو عشرة رسائل يحسن إفراد كل منها الى أن قال رأيت منه نسخا عديدة (١).

وقد اعتمدت في تصحيحه على نسختين.

١ ـ نسخة مخطوطة لخزانة مكتبة آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي وهذه النسخة سقط من أواسطها وريقات بخط عبد الله العاشقابادى في أواخر شهر رمضان المبارك سنة ١١٢٨ ثمانية عشر ومأة بعد الألف.

٢ ـ نسخة مخطوطة ثمينة مصححة أخرى من مكتبة الحجة العلامة السيد مهدي اللاجوردي الحسيني دام توفيقه تفضل بإرسالها علينا للطبع وجعلها في متناول أيدينا بخط محمد تقي الكرماني سنة عشر ومأة بعد الالف.

ثم أقدم ثنائي العاطر وشكري المتواصل إلى الأخ الأمجد الأعز الوجيه « الحاج أبو القاسم » السالك حفظه الله بإعطائه نفقة طبع الكتاب فعلينا شكره وعلى الله اجره.

ولا يسعني أيضا إلا أن اثني واشكر صديقي في الله الحجة المتتبع السيد مهدي اللاجوردي الحسيني دام ظله حيث وازرني في التصحيح والتعليق فلله درّة وعليه أجره.

وأنا العبد الحقير محمد بن الحسن التفرشي

الشهير بـ ـ درودي

__________________

(١) راجع الذريعة ج ١٦ ص ٣٤٧.

٥

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله على إفضاله والصلاة والسلام على محمد وآله

وبعد فيقول الفقير الى عفو الله الغنى : محمد بن الحسن بن على الحرّ العاملي عامله الله بلطفه الخفي والجلي.

هذه فوائد في حل بعض الأحاديث المشكلة. وفرائد في تحقيق بعض المسائل المعضلة التي كان يسئلنى في طوس عنها بعض أهل العلم والكمال فاكتب لهم في شرحها ما يقتضيه الحال ، ويخطر بالبال فأردت جمعها بعد الشتات ليستعان بها على حل بعض المشكلات.

فقد جمعت من الفوائد ما لا يجمعه شي‌ء من المصنفات ومن تأمّلها وجد فيها من النكت والتحقيقات والغرائب والتدقيقات وجواب الشبهات وتوجيه المتشابهات ورفع التمويه (١) والمغالطات ورد ما اشتهر من التدليسات والتلبيسات وإبطال ما ظهر في بعض كتب الإمامية من أباطيل العامة المزخرفات وإيقاظ الغافل عن بعض المشهورات المخالفة للروايات المتواترات ما لا يوجد في شي‌ء من المؤلفات ، والمسئول من الناظر فيها إصلاح الخلل والعفو عن الهفو والزلل ( وسميتها الفوائد الطوسية ) والله الموفق.

__________________

(١) التمويه : بمعنى التلبيس.

٦

فائدة (١)

اعلم ان محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه « ره » لم يوثقه الشيخ ولا النجاشي ولا غيرهما من علماء الرجال المشهورين ولا العلامة صريحا ، لكنهم مدحوه مدائح جليلة لا تقصر عن التوثيق ان لم ترجح عليه وانما تركوا التصريح بتوثيقه لعلمهم بجلالته واستغنائه عن التوثيق لشهرة حاله وكون ذلك من المعلومات التي لا شك فيها.

فمما قالوا فيه انه جليل القدر حفيظ بصير بالفقه والاخبار والرجال شيخنا ، وفقيهنا ووجه الطائفة لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه وذكروا له مدائح أخر.

والحاصل ان حاله أشهر من أن يخفى ومع ذلك فان بعض المعاصرين الآن يتوقف في توثيقه بل ينكر ذلك لعدم التصريح به والحق ان التوقف هنا لا وجه له بل لا شك ولا ريب في ثقته وجلالته وضبطه وعدالته وصحة حديثه وروايته وعلو شأنه ومنزلته ، ويدل على ذلك وجوه اثنا عشر.

أحدها : أنهم صرحوا بل أجمعوا على عدّ رواياته في الصحيح ولا ترى أحدا منهم يتوقف في ذلك كما يعلم من تتبع كتب العلامة كالخلاصة والمختلف والمنتهى والتذكرة وغيرها. وكتب الشهيدين والشيخ حسن والشيخ محمد والسيد محمد وابن داود وابن طاوس والشيخ على بن عبد العالي والمقداد وابن فهد والميرزا

٧

محمد والشيخ بهاء الدين وغيرهم.

بل جميع علمائنا المتقدمين والمتأخرين لا ترى أحدا منهم يضعّف حديثا بسبب وجود ابن بابويه في سنده حتى ان الشيخ حسن في المنتقى (١) مع زيادة تثبته واختصاصه باصطلاح في الصحيح معروف : يعدّ حديثه من الصحيح الواضح عنده.

وفعلهم هذا صريح في توثيقه بناءا على قاعدتهم واصطلاحهم إذ لا وجه له غير ذلك فهذا إجماع من الجميع على صحة روايات الصدوق وثقته.

وقد صرحوا بأن قولهم : فلان صحيح الحديث يفيد التعديل ويدل على التوثيق والضبط ، وصرحوا بأن قولهم وجه يفيد التعديل ، وأن الثقة بمعنى العدل الضابط فقولهم فيما مرّ وجه الطائفة مع قولهم في حفظه يفيد التوثيق.

والحق ان العدالة فيه زيادة على معنى الثقة بل بينهما عموم من وجه ومعلوم ان توثيق كل واحد من المذكورين مقبول فكيف الجميع؟!

وثانيهما : أنهم أجمعوا على مدحه بمدائح جليلة عظيمة واتفقوا على تعظيمه وتقديمه على جملة من الرواة وتفضيله على كثير من الثقات مع خلوة من الطعن بالكلية وحاشاه من ذلك مضافا الى كثرة رواياته جدا.

وقد قالوا عليهم‌السلام اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا (٢) وغير ذلك.

وثالثها : ما هو مأثور مشهور من ولادته ببركة دعاء صاحب الأمر عليه‌السلام واعتناؤه واهتمامه بالدعاء لأبيه بولادته وما ورد في التوقيع إلى أبيه من الامام عليه‌السلام مشهور (٣) مع أنه رئيس المحدثين وقد صنّف ثلاثمائة كتاب في الحديث ولو كان فاسقا والعياذ بالله لوجب التثبت عند خبره وقد شاركه في الدعاء والثناء اخوه

__________________

(١) راجع مقدمة منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان.

(٢) راجع الوسائل كتاب القضاء ج ١٨ ص ٩٩ ح ٣.

(٣) راجع كتاب الغيبة تأليف شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ره ص ١٨٨.

٨

الحسين وقد صرحوا بتوثيقه ومعلوم ان محمدا أجل قدرا في العلم والعمل. وأعظم رتبه في الفقه والرواية من أخيه.

ورابعها : ما صرح به الشهيد الثاني في شرح دراية الحديث من توثيق جميع علماءنا المتأخرين عن زمان الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ره الى زمانه والمعاصرين له ومدحهم زيادة على التوثيق وقد دخل فيهم الصدوق ومعلوم ان توثيق الشهيد الثاني مقبول.

قال في شرح الدراية (١) في الباب الثاني : « تعرف العدالة » المعتبرة (٢) في الراوي « بتنصيص عدلين » عليها « أو بالاستفاضة » بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من العلماء كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده الى زماننا هذا لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المذكورين المشهورين الى تنصيص على تزكية ولا تنبيه على عدالة لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة وانما يتوقف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك ككثير ممن سبق على هؤلاء وهم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالبا وفي الاكتفاء بتزكية الواحد « العدل » « في الرواية قول مشهور لنا » ولمخالفينا « كما يكتفى به » أى بالواحد « في أصل الرواية » وهذه التزكية فرع الرواية فكما لا يعتبر العدد في الأصل فكذا في الفرع وذهب بعضهم الى اعتبار اثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات فهذا طريق معرفة عدالة الراوي السابق على زماننا ، والمعاصر يثبت بذلك وبالمباشرة الباطنة المطلعة على حاله واتصافه بالملكة المذكورة « انتهى » (٣).

__________________

(١) فائدة ـ يعرف عدالة الراوي بالشهرة وبتصديق العدلين بلا اشكال وهل يكفى فيها العدل الواحد ، نعم ، كما هو المشهور لعموم حجية قول العدل ، وفيه ان الأصل حجية قول العدل الواحد خرج منه اعتبار التعدد في الشهادات فبقي الباقي.

(٢) الغريزية نسخة المصدر.

(٣) الدراية في علم مصطلح الحديث ص ٦٩.

٩

وخامسها : انا نجزم جزما لا ريب فيه بان الصدوق ابن بابويه رحمه‌الله ما كان يكذب في الحديث قطعا ولا يتساهل فيه أصلا وانه كان ضابطا حافظا عدلا لما بلغنا بالتتبع من آثاره واخباره وفضائله وعبادته وورعه وعلمه وعمله وهذا هو معنى الثقة بل أعظم رتبة من التوثيق.

والفرق بين هذا وما قبله ظاهر فان دعوى الشهيد الثاني هناك لدخول المذكورين في هذا القسم ونصّه على توثيقهم بتلك الطريق [ كائنا من كان ] كافيان ولو فرضنا ان تلك الأحوال لم تصل إلينا لنستدل بها كما استدل والحاصل ان الاحتجاج هناك بالنقل وثقة الناقل وهنا بالمنقول نفسه.

وسادسها : ان جميع علماء الإمامية أجمعوا على اعتبار الكتب الأربعة واعتمادها والعمل بها والشهادة بكونها منقولة من الأصول الاربعمأة المجمع عليها المعروضة على الأئمة عليهم‌السلام كما صرح به الشهيد الثاني والشيخ بهاء الدين في درايتهما (١) بل بعضهم يدعى انحصار الأخبار المعتمدة في الفروع أو الكتب المتواترة فيها من غير فرق بين كتاب الصدوق وغيره بل كثير منهم يرجحونه على الباقي فيقبلون مراسيله فضلا عن مسانيده وضعاف مسانيده باصطلاحهم فضلا عن صحاحها ، وهذا التصريح واقع من الأصوليين وهو صريح في توثيق مؤلفه والفرق بين هذا والأول واضح فان هذا أبلغ من الأول ولا تلازم بينهما بل يكفى هنا ان نقول : هذا الاعتبار والاعتماد والتلقي بالقبول والترجيح على كتب الثقات يمتنع عادة اجتماعها مع عدم ثقة المؤلف بدلالة الوجدان والاستقراء والإجماع هنا على النقل وهو تواتر.

وقد نقل ابن طاوس في كشف المحجة من كتاب من لا يحضره الفقيه وقال :

__________________

(١) راجع الوجيزة في الدراية ص ١٦.

١٠

وهو ثقة معتمد عليه (١) ، وقال الشيخ بهاء الدين في الأربعين (٢) عن ثقة الإسلام محمد بن على بن الحسين بن بابويه ، وصرح ابن طاوس أيضا بتوثيقه في كتاب فلاح السائل ونجاح المسائل وذكر (٣) انه ذكر الثناء عليه في كتاب غياث الورى في سكان الثرى.

وسابعها : ان علماء الحديث والرجال المتقدمين منهم والمتأخرين كلهم يقبلون توثيق الصدوق للرجال ومدحه للرواة بل يجعلون مجرد روايته عن شخص دليلا على حسن حاله خصوصا مع ترحمه عليه وترضيه عنه بل ربما يجعلون ذلك دليلا على توثيق ذلك الشخص ولا يتصور منهم ان يقبلوا توثيق غير الثقة قطعا لتصريحهم في الأصول والدراية والفقه باشتراط عدالة الراوي والمزكى والشاهد.

وثامنها : ان جماعة من أجلاء علمائنا الإمامية استجازوا من الصدوق ونقلوا عنه أكثر الأصول الاربعمأة بل أكثر كتب الشيعة ومن جملة المشار إليهم الشيخ المفيد وناهيك به ولا يتصور منه ومن أمثاله طلب الإجازة وقبولها الى مثل تلك الكتب من غير ثقة.

وتاسعها : انه بالتتبع للأخبار والآثار وكتب علمائنا ومؤلفات الصدوق وغيره يعلم انه أعظم رتبة وأكثر اعتبارا عندهم من أبيه وأخيه بل أكثر معاصريه ان لم يكن كلهم وهم على قوله أشد اعتمادا وفي نقله وحديثه أعظم اعتقادا وقد صرحوا بتوثيقهما وهو يدل على اعتقادهم ثقته وقد علم انه كان وصي أبيه وشرط الوصي

__________________

(١) كشف المحجة لثمرة المهجة ص ١٢٢ ـ ١٢٣ في قوله رحمه‌الله : ولا تكره انى ما اخلف لك ولإخوتك ذهبا ولا فضة بعد الممات فهذه سيرة جدك ومولاك على صلوات الله عليه الى أن قال : ووجدت أيضا في كتاب « من لا يحضره الفقيه » وهو ثقة معتمد عليه عن زرارة عن الصادق عليه‌السلام ما يخاف الرجل بعد شيئا أشد عليه من الحال الصامت قال قلت : كيف يصنع؟ قال يضعه في الحائط والبستان والدار.

(٢) الأربعين ص ٧ ح ١.

(٣) فلاح السائل ص ١٢٧ ـ ١٤٤.

١١

العدالة فهذا توثيق من أبيه له وما يتوجه عليه يعلم جوابه فيما مرّ كما ان الذي قبله يدل على توثيق المفيد له.

وعاشرها : نقلهم لفتواه وأقواله واحتجاجه واستدلاله في مختلف الشيعة وأمثاله وطعنهم في دعوى الإجماع مع مخالفته واعتمادهم [ واعتبارهم خ ] لروايته وأقواله وأدلته ولا يجامع ذلك عدم ثقته إذ شرط المفتي العدالة والثقة والامانة اتفاقا ولم ينقلوا في مثل تلك المواضع فتوى غير الثقة على وجه الاعتبار أصلا بل قد صرح العلامة في أواخر بحث الأذان من المختلف بتوثيقه وجلالته (١) وحجية مرسلاته.

وحادي عشرها : انهم اتفقوا على وصفه بالصدوق وبرئيس المحدثين ولا شي‌ء منها بلقب وضعه أبوه له بل وصف وصفه به علماء الشيعة لما وجدوا المعنيين فيه وقد ذهب جمع من العلماء الى ان لفظ الصدوق يفيد التوثيق وأوضح منه رئيس المحدثين فان المحدثين ان لم يكن كلهم ثقات فأكثرهم ، ومحال عادة ان يكون رئيسهم غير ثقة وانما وجه ترك توثيقه اعتقادهم انه غير محتاج الى نص على توثيقه لشهرة أمره ووضوح حاله (٢) ومثله جماعة منهم السيد مرتضى علم الهدى و

__________________

(١) قال العلامة « قده » في مسئلة تحريم أخذ الأجرة على الأذان : روى ابن بابويه قال رأى أمير المؤمنين (ع) رجلا فقال : يا أمير المؤمنين إني لأحبك فقال له : ولكني أبغضك ، قال : ولم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا وتأخذ على تعليم القرآن الأجر.قال قدس‌سره : وان كان مرسلا : لكن الشيخ أبا جعفر بن بابويه من أكابر علماءنا وهو مشهور بالصدوق والثقة والفقه والظاهر من حاله انه لا يرسل الا مع غلبة ظنه بصحة الرواية إلخ « ص ٩٠ ط ١٣٢٣ ه‍.

(٢) كفى في وثاقته أنه من مشايخ الإجازة وروى عنه الأعاظم مضافا الى صاحب السرائر وابن طاوس قد صرحا بتوثيقه والتوثيق انما يتوقع في حق غير المشايخ وأما المشايخ فشأنهم أجل.

ووجدت مكتوبا من خط بعض الأعاظم أن المرحوم الخاقان فتحعلى شاه قاجار سمع ان جسده الشريف طريا في سرداب مع صبي عنده وعلى أظفاره أثر الحناء فلما سمع

١٢

جميع من تأخر عنه كما تقدم ولا يرد على ذلك توثيقهم لمثل الشيخ والمفيد والكليني لأن ذلك احتياط غير لازم وتوضيح للواضحات والراجح الذي لم يصل الى حد اللزوم لا حرج في فعله تارة وتركه أخرى ولا تجب المداومة عليه ولعلهم كانوا يعتقدون الصدوق أعظم رتبة من غيره ممن ذكر لجميع ما مرّ.

وثاني عشرها : اجتماع هذه الوجوه كلها وغيرها مما لم نذكره فان كان بعضها غير كاف فمجموعها كاف شاف.

واعلم ان بين العدالة والثقة عموما وخصوصا من وجه لأن الثقة يجامع الفسق والكفر ومعناها كون الإنسان يؤمّن منه الكذب عادة وهذا كثيرا ما يتحقق من الكافر فضلا عن الفاسق وهذا هو المعتبر في النقل الموجود في الأحاديث المتواترة.

وقد أطلق الشيخ في كتاب العدة (١) العدالة بمعنى الثقة فحكم بأنها تجامع فساد المذهب ثم صرح بأن المراد بالعدالة ما قلناه ومعلوم ان العدل قد يكون كثير السهو فلا يكون ثقة وقد يكون كذبه لم يظهر بحيث ينافي العدالة لكن لم يظهر أنه يؤمن منه الكذب عادة فإن عدم الظهور أعم من ظهور العدم وهو ظاهر واضح والله اعلم.

__________________

السلطان بذلك زاره مع جمع من الخوانين العظام والعلماء الأعلام فدخلوا السرداب فأمر بالبناء والتعمير لقبره الشريف.

(١) قال الشيخ الطائفة أبو جعفر « قده » في العدة وأما العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الأخر فهو أن يكون الراوي معتقدا للحق مستبصرا ثقة في دينه متحرجا من الكذب غير متهم إلخ « ص ٩٤ من الجزء الأول من النسخة المخطوطة في مكتبة صديقنا العلامة الحاج السيد مهدي اللاجوردي الحسيني. دام تأييده ».

١٣

فائدة (٢)

قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير عند قوله تعالى : ( وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) (١) هيهنا دقيقة وهي ان الرافضة تمسكوا بقوله عليه‌السلام لعلي : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » ثم ان هارون ما منعته التقية في مثل هذا الجمع العظيم بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس الى متابعة نفسه والمنع من متابعة غيره فلو كانت امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على غير حق لوجب على على عليه‌السلام ان يفعل مثل ما فعله هارون وان يصعد المنبر من غير تقية ولا خوف وان يقول ( فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ) فلما لم يفعل ذلك علمنا ان الأمة كانوا على الصواب « انتهى » (٢).

والجواب : أما بإثبات المساواة بين الفعلين أو بعدم لزوم المماثلة بينهما في ذلك لوجود الفارق وعدم دخول هذا الحكم الخاص في المنزلة المحكوم بثبوتها.

وقد خطر بخاطري القاصر وجوه اثنا عشر كل منها يصلح جوابا.

الأول : ان الحديث المتواتر بين الفريقين الخاصة والعامة هكذا : « على

__________________

(١) طه ٩٣.

(٢) التفسير الكبير الجزء الثاني والعشرون ص ١٠٦.

١٤

منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي » (١) فاستثناء منزلة النبوة التي هي مختصة بهارون يوجب استثناء توابعها ولوازمها ومن جملة ذلك عدم جواز التقية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكما هو متفق عليه عند العامة ومشهور بين الخاصة وان كان فيه ما فيه ولما كان هارون نبيا لم تجز له التقية ولما كان على عليه‌السلام اما ما جازت.

وهذا مما تقرر عندهم فتكون شبهة الفخر الرازي مما خرج بالاستثناء المذكور في هذا الحديث.

الثاني : لو سلمنا تساوى الحالين في جواز التقية لقلنا أنها مشروطة بالخوف قطعا فلعل هارون لم يخف بما قاله وعلى عليه‌السلام خاف فلم يقل مثله لو سلمنا انه ترك الإنكار ولا يلزم تسليمه لما يأتي ان شاء الله تعالى وهذا وجه آخر للفرق بين الحالين وهو يظهر لمن تتبع الاخبار والآثار.

الثالث : ان هارون صرح بما صرح لأنه كما كان له ناصر وهو موسى فكان واثقا بأنه يكشف لهم الحال ويبين لهم الحق من الضلال وهم مقرّون بنبوته وهو غير متهم عندهم في صدق مقالته وعلى عليه‌السلام لم يصرح كما زعمتم لأنه لم يكن له ناصر بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والحسنان عليهما‌السلام كانا متهمين عندهم في ذلك فظهر الفرق ، وفي الاستثناء المذكور اشارة اليه واشعار به ومعلوم ان اختلاف الأحوال هنا يستلزم اختلاف الأحكام والفرق بين هذا والذي قبله ظاهر ، فإنه مع وجود الناصر يجب إظهار الحق وان بقي بعض الخوف والا سقط الجهاد.

الرابع : انه انما يلزم تساوى هارون وعلى عليه‌السلام في المنزلة والتقرب الحاصلين لهما من موسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا هو الذي يفهم من الحديث فمن أين انه يجب تساويهما في جميع الأوصاف والأحوال والأفعال والأقوال وكيف يتصور ذلك مع ان الضرورة تدفعه فان هارون مات في زمان موسى ، وعلى عليه‌السلام مات بعد محمد عليهم‌السلام بثلاثين سنة وبينهما تفاوت عظيمة في العمر والأزواج والأولاد ، وهارون كان يعبد الله

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٥ ص ١٨٦.

١٥

على شرع خاص وعلى عليه‌السلام على خلافه واختلافهما في الأحوال الواقعة في زمانهما من الكليات والجزئيات كالحروب وغيرها أكثر من أن تحصى.

وهل يقدر الرازي أو غيره على إثبات هذه المماثلة؟ ودون إثباتها خرط القتاد بل شيب الغراب وانما اللازم ثبوت جميع المنازل المشار إليها وكل ما دخلا فيها عدا ما استثنى ومعلوم ان ما فعله هارون وعلى عليه‌السلام هنا ليس من جملتها ولا داخلا فيها بل هو خارج قطعا والعجب العجيب من اشتباه مثل هذا على الرازي! لكن هذا بمصداق قوله عليه‌السلام حبك الشي‌ء يعمى ويصم والفرق بين هذا والأول ان هذا مستفاد من لفظ المنزلة والأول من الاستثناء.

الخامس : ان فعلهما عليهما‌السلام متفق نوعا إذ كل واحد منهما موافق للصواب والشرع ومطابق لمقتضى الحال ولا تلزم الموافقة في أكثر من ذلك إذ لا دليل عليه والشرعان مختلفان ولعل النص من موسى عليه‌السلام ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعين ما فعله هارون وعلى عليه‌السلام كما ترويه الشيعة في الثاني.

السادس : ان هارون ترك الحرب والجهاد مع عباد العجل وقال ( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) (١) وقال ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ ) (٢) فظهر انه منعه الخوف من المبالغة في ذلك واقتصر على مجرد القول مكان المانع من كون على عليه‌السلام قد قال لهم نحو ما قاله هارون مكان لم يقبلوا فتركهم كما تركهم هارون وما الدليل على عدمه؟ مع انه الشيعة تروى وقوع ذلك بل قد روته العامة أيضا كما هو منقول في كتب الفريقين من دعواه الإمامة وتقاعده عن بيعة ابى بكر مدة طويلة وإظهاره للإنكار مرارا متعددة ففعلهما أولا وآخرا واحد ولا أقل من الاحتمال ، وعدم الوجدان لو سلم لا يدل على عدم الوجود.

__________________

(١) طه ـ ٩٤.

(٢) الأعراف ـ ١٥٠

١٦

السابع : ان عليا عليه‌السلام علم ان إظهار هارون لم يفد شيئا مع ان دعوى بني إسرائيل كانت أوضح بطلانا وأبعد من الشبهة من دعوى الصحابة وعلى تقدير المساواة فالمطلب حاصل وعلى تقدير المرجوحية أيضا في هذا الجانب لظهور رجحان النبي على الوصي في احتمال القبول وإقبال القلوب قطعا فيقابل المرجوحية لو فرضت فلذلك لم يظهر إلا الإنكار لكونه عبثا لا فائدة فيه.

هذا ان سلمنا عدم إظهار الإنكار وتنزلنا عن النقل المتواتر من الجانبين الذي يفيد العلم مع خلو خاطر الناظر فيه من الشبهة والتقليد كما أشار إليه المحققون.

الثامن : انا لو قطعنا النظر أيضا عن ثبوت الإنكار من على عليه‌السلام لقلنا لكل مقام مقال ويرى الحاضر ما لا يراه الغائب فلعل هارون علم حصول المصلحة في الإنكار فضلا عن انتفاء المفسدة وكان إنكاره سببا لتوبة جماعة كثيرة وانه لو لم يظهر ما أظهر وينكر ما أنكر لوقع أعظم مما حصل من الفساد واستولى الكفر والارتداد وعلم على عليه‌السلام حصول المفسدة في الإنكار فضلا عن عدم المصلحة فلعله لو أظهر مثل هارون عليه‌السلام على قول الرازي أو حارب القوم على قولنا لارتد كل من كان أظهر الإسلام أو أكثرهم أو ادعوا النبوة لشخص منهم أو أكثر أو نحو ذلك من الفساد فاختلاف الفعلين لاختلاف المصلحتين.

التاسع : انه لا يمتنع حصول القدرة لهارون دون على عليه‌السلام الإظهار والإنكار وصعود المنبر والنهى عن المنكر وعدم حصول القدرة لعلي عليه‌السلام بل حصول العجز له فقد بايع الناس غيره واستولى على المنبر ومنعوه منه ومعلوم ان تكليف مالا يطاق قبيح لا يجوز على الله عند أهل العدل ، والأدلة العقلية والنقلية واضحة كقوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ).

العاشر : ان هارون لم يكن متهما في إظهار ما أظهر فإنه لم يدع الى نفسه وانما دعا الى عبادة ربه ونهاهم عن عبادة العجل فقال ( إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ

١٧

الرَّحْمنُ ) وعلى عليه‌السلام كان متهما عندهم في الإظهار لأنه كان يدعو الى نفسه بحسب الظاهر وان كانت المصالح في إمامته في نفس الأمر لجميع الأمة فكان فعل هارون أقرب الى القبول وكان فعل على عليه‌السلام أبعد منه لو سلم ما ادعاه الرازي من الترك.

الحادي عشر : ان عليا عليه‌السلام علم ان إنكار هارون لم يفد شيئا مع انه نبي مرسل وشريك لموسى عليه‌السلام في النبوة فلذلك لم ينكر كما ادعاه الخصم وللعلم بعدم الفائدة وبطريق الأولوية.

الثانى عشر : انه على قول الرازي وأمثاله من المجبرة لا قدرة لهارون ولا لعلى عليه‌السلام على خلاف ما وقع بل ولا على ما وقع ولا قدرة لأحد من الخلق على فعل ولا ترك فسقطت الشبهة وبطل الاعتراض لان الجميع عند الخصم من فعل الله أو من فعل المكلف بطريق الجبر وعدم القدرة على الفعل والترك فلا يصح قوله : الرافضة تمسكوا ، ولا قوله : صعد المنبر ودعا الناس ، ولا ان هارون فعل وعليا عليه‌السلام ترك.

وأيضا فإن العصمة منفية عنده عن النبي والامام فترك على عليه‌السلام لهذه الكلمة التي قالها هارون لو سلم لا يقدح في إمامته لكونها من الصغائر وهذا إلزامي للرازى بحسب ما يعتقده وهذه الوجوه ، وان كان فيها بعض التداخل فبينها فرق ولا يخفى والداعي إلى جمعها التيمن بالعدد والله تعالى أعلم.

١٨

فائدة (٣)

في توضيح حديث محمد بن عبيد في باب الرؤية من الكافي (١) قوله عليه‌السلام فيه : اتفق الجميع لا تمانع بينهم ان المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة.

أقول : ربما يستدل بهذا الحديث على حجية الإجماع وفيه انه يحتمل كونه احتجاجا على العامة بما هو حجة عندهم لأن السائل سئله عما ترويه العامة والخاصة في الرؤية فيفهم منه انه يريد الاحتجاج على العامة في إبطال رواياتهم ، ويحتمل ان يكون إشارة الى أن إجماع الخاصة حجة بل مشتمل على الحجة مع دخول المعصوم كما في هذه الصورة فلا يدل على حجية إجماع خلا من المعصوم.

ويحتمل ان يكون إشارة الى ان هذا الحكم لاتفاق العقول على الجزم به على انه حق أو بديهي أو ضروري مع قطع النظر عن الإجماع بل هو استدلال بصريح العقل والدليل العقلي القطعي لا ريب في حجيته هنا ، فالملاحظة هو حكم العقول لا أقول كما في صورة الإجماع فهذه ثلاثة احتمالات ومع قيام الاحتمال لا يجوز الاستدلال.

والحاصل انه يجوز ان يراد بقوله اتفق الجميع المخالف والموافق اى الخاصة والعامة ويجوز ان يراد جميع فرق العامة وعلى كل تقدير فالاحتجاج تام

__________________

(١) ج ١ ص ٩٦ ط الغفاري.

١٩

لأنه على المخالفين مع فرض صحة قولهم وبيان ما يترتب عليه من الفساد ليظهر من بطلان اللازم بطلان الملزوم والله اعلم ، وجواز استدلاله عليه‌السلام بالإجماع لا يستلزم جوازه لنا لأنهم عليهم‌السلام قد استدلوا بالقياس والمصالح المرسلة وما هو أضعف منها ونهونا عن الاستدلال بها ووجهه ما ذكرناه.

قوله عليه‌السلام فيه : ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون ايمانا أو ليست بإيمان فان كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية ايمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في دار الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عزوجل.

أقول : هذا ظاهر وتوضيحه ان الايمان المقيد أو المشروط بالرؤية ضد الايمان غير المقيد والمشروط بها من حيث الاشتراط وعدمه أو من حيث ان الرؤية يستلزم الجسمية والاكتساب ينفى ذلك فظهران الايمان بأحدهما ضد الايمان بالآخر وتبين ان الايمان يتحقق بدون الرؤية فلا يكون شرطا فيه بل يكون عدمها شرطا وربما يعترض على ظاهره بأنه يمكن كون الايمان والمعرفة حاصلين بكل من القسمين وان كان أحدهما أقوى من الأخر.

والجواب : انه يمكن كونه إلزاميا للسائل بما يعتقده ويقبله فهمه ، أو لمن سأل السائل وامتحنه وكان ذلك حجة عظيمة عليهما كما في أمثال هذا الحديث ونظائره من احتجاج الأئمة عليهم‌السلام على المخاصمين والمعترضين بحسب ما كان يقتضيه الحال وإلزامهم بأشياء بحيث لا يستطيعون الجواب عنها أصلا ويتركون مذاهبهم لأجلها ، وغيرهم يمكنهم الجواب عنها بسهولة بحسب الظاهر وهو من فضائل الأئمة عليهم‌السلام وكمال فصاحتهم وبلاغتهم وتمام ملاحتهم لمقتضيات الأحوال وانهم كانوا يكلمون الناس على قدر عقولهم.

ويمكن كون الجواب احتجاجا على العامة القائلين بصحة القياس فإنه يلزمهم استحالة كون حكم الضدين واحدا لوجوب قياس كل ضد على ما يوافقه في العلة فيختلف الحكمان البتة فتأمل.

٢٠